فتكون الآيات الخاطئة في نظر ابن مسعود هي (وَمَا اللَّهُ بِغَافِلٍ عَمَّا يَعْمَلُونَ) (البقرة/144)، وقوله تعالى (وَمَا رَبُّكَ بِغَافِلٍ عَمَّا تَعْمَلُونَ) (هود/123) ، وقوله تعالى (وَمَا رَبُّكَ بِغَافِلٍ عَمَّا تَعْمَلُونَ) (النمل/93) ، فحتما هذا ما أخذه ابن مسعود من رسول الله صلى الله في العرضة الأخيرة للقرآن عندما علم فيها ما نسح وما بُدّل بزعم أهل السنة ؟!

أبَـيّ بن كـعب
* القرآن أنقص منه سورتان !
  أقوال علماء أهل السنة ورواياتـهم صريحة في أن أبي بن كعب كان يرى ( الخلع ) و ( الحفد ) سورتين من القرآن ، وهو ما دعا علامتهم السيوطي لأن يلحق هاتين الجملتين في آخر تفسيره الدر المنثور كسورتين مثل باقي سور القرآن !
  وقد مرّت الروايات فلا نعيد ونحبذ هنا نقل ما قاله ابن قتيبة في تأويل مشكل القرآن : ( وأما نقصان مصحف عبد الله بـحذفه أُمّ الكتاب والمعوذتين و زيادة أبي سورتي القنوت فإنا لا نقول : إن عبد الله وأُبـيًّا أصابا و أخطأ المهاجرون والأنصار ! ) (1) .
  وقال ( وإلى نحو هذا ذهب أبي في دعاء القنوت ، لأنه رأى رسول الله صلى الله عليه (وآله) وسلم يدعو به في الصلاة دعاءً دائماً فظن أنه من القرآن ، وأقام على ظنّه ، ومخالفة الصحابة ) (2) ، وستأتي بقية أقوال علماء أهل السنة بإذنه تعالى .
* الآية في مصحفنا خطأ !
  ( أخرج ابن أبي حاتم وأبو الشيخ رضي الله عنه أنه ـ أبي بن كعب ـ كان يقرأ ( أنا آتيكم بتأويله ) فقيل له ( أَنَا أُنَبِّئُكُمْ) (يوسف/45)، قال : أهو كان ينبئهم ؟! ) (3) .
  وهذا إنكار صريح منه لقوله تعالى ( أَنَا أُنَبِّئُكُمْ).

--------------------
(1) تأويل مشكل القرآن ص33 ، لابن قتيبة تحقيق سيد أحمد صقر ط ، الحلبي .
(2) ن.م ص34 .
(3) الدر المنثور ج4ص22.

إعلام الخَلف بمن قال بتحريف القرآن من أعلام السّلف _ 627 _
* عمر ترك آية لم يكتبها في المصحف !
  ( أخرج ابن الضريس عن ابن عباس قال : قلت يا أمير المؤمنين إن أبيا يزعم أنك تركت من آيات الله آية لم تكتبها ! قال : والله لأسألن أبيا فإن أنكر لتكذبن ، فلما صلى صلاة الغداة غدا على أُبي فأذن له وطرح له وسادة وقال : يزعم هذا أنك تزعم أني تركت آية من كتاب الله لم أكتبها ! فقال : إني سمعت رسول الله صلى الله عليه (وآله) وسلم يقول ( لو أن لابن آدم واديين من مال لابتغى إليهما واديا ثالثا ولا يملا جوف بن آدم إلا التراب ويتوب الله على من تاب ) فقال عمر : أ فأكتبها ؟ قال : لا أنـهاك ! قال ـ الراوي ـ : فكأنّ أبيا شك أقول من رسول الله صلى الله عليه (وآله) وسلم أو قرآن منـزل ) (1) .
  القول الأخير الذي قاله أحد الرواة ليس إلا احتمال يُتنبأ به عما في ضمير الغير ، والدليل على خلافه قائم لأن هذا الحدس والتخمين لا ينسجم مع الأدلة فقط ! بل يعارض رواياتـهم الصحيحة الحاكية تفاخر أبي بن كعب بأن الله عز وجل قد أمر النبي صلى الله عليه وآله وسلم بإقرائه تلك الجملتين ، فكيف يشك أبي فيها ؟!
  عن مستدرك الحاكم : ( عن أبي بن كعب قال : قال لي رسول الله صلى الله عليه (وآله) وسلم إن الله قد أمرني أن أقرأ عليك القرآن فقرأ : لم يكن الذين كفروا من أهل الكتاب والمشركين ومن بقيّتها ( لو أن ابن آدم سأل وادياً من مالٍ فأعطيته سأل ثانياً و إن سأل ثانياً فأعطيته سأل ثالثاً ولا يملأ جوف ابن آدم إلاّ التراب ويتوب الله على من تاب وإن الدين عند الله الحنيفية غير اليهوديّة ولا النصرانية و من يعمل خيراً فلن يكفره ) ) (2) .
  وعن مسند أحمد بن حنبل : حدثنا أبو معاوية عن أبي إسحاق الشيباني عن يزيد بن الأصم عن ابن عباس قال : جاء رجلٌ إلى عمر يسأله فجعل ينظر إلى رأسه مرّة وإلى رجليّه أُخرى ، هل يرى عليه من البؤس شيئا ، ثم قال له عمر : كم مالك ؟ قال : أربعون من الإبل ، قال ابن عباس فقلت : صدق الله ورسوله ( لو كان لإبن آدم واديان من ذهب لابتغى الثالث ولا يملأ جوف ابن آدم إلّا التراب ويتوب الله

--------------------
(1) ن.م ج6ص378 .
(2) المستدرك على الصحيحين ج2 ص 224 علق عليه الحاكم ب‍ (هذا حديث صحيح الإسناد ولم يخرجاه ) ووافقه الذهبي .

إعلام الخَلف بمن قال بتحريف القرآن من أعلام السّلف _ 628 _
  على من تاب ) قال عمر : ما هذا ؟ فقلت : هكذا أقرأنيها أبيّ . قال : فمُر بنا إليه ، قال : فجاء إلى أبيّ ، فقال : ما يقول هذا ؟ قال أُبيّ : هكذا أقرأنيها رسول الله صلى الله عليه (وآله) وسلم قال : فأثـبتـها ؟ فـأثْـبَتـها ) (1) .
  ولا يخفى عليك أن هذه الرواية تناقض زيادة الراوي السابقة (فكأنّ أبيا شك) ، فها هو أبي بن كعب يقول لعمر أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم قد أقرأه إياها !
  وعلى أي حال فرواية الأولى تصرح بأن عمر سأل أبي بن كعب فقال له ( أ أثبتها ؟ ) فرد عليه أبي بن كعب أنه لا محذور في ذلك ! ثم ذكرت الرواية أن عمر أثبتها في المصحف ، وعليه كيف أثبت عمر في القرآن ما ليس منه إن لم يكن كلام أبي صحيحا في نظره ؟! ثم أين هي ؟ ومن الذي حذفها ؟
  وبـهذا يكون أبي بن كعب قد صدَق ابن عباس في أن عمر قد أسقط آية من القرآن ، وإلا فكيف يسمح أبي بن كعب لنفسه بكتابة تلك الجملة في القرآن إن لم تكن كغيرها من الآيات القرآن في نظره ؟!
أبو موسى الأشعري
  المفتري (محمد.م) أراد إثبات تحريف القرآن للشيعة ، فأصم الله هواه وأعمى شيطانه ليختم كتيبه بالحق وهو إثبات تحريف القرآن لسيده ومولاه أبي موسى الأشعري ، وذلك حين عقب الوهابي على ما ادعى أبو موسى الأشعرى قرآنيته فقال إن ما ادعى أبو موسى قرآنيته ليس من القرآن ولو كان قرآنا لبلغ التواتر ، وهذا إثبات صريح وشهادة على أبي موسى بأنه أضاف للقرآن ما ليس منه ، وعلم ربك كيف يبعد شيطان هذا الوهابي فأنطقه بالحق كارها ، ونذكر رواية أبي موسى ونعقبها بما ذكره الوهابي :
  أخرج مسلم في صحيحه عن أبي الأسود ظالم بن عمرو قال : ( بَعثَ أبو موسى الأشعري إلى قرّاء أهل البصرة ، فدخل عليه ثلاثمائة رجلٍ قد قرءوا القرآن ، فقال : أنتم خيار أهل البصرة وقرّاؤهم .

--------------------
(1) المسند لأحمد بن حنبل ج5ص117 ط الميمنية ، وعنه مجمع الزوائد للهيثمي المجلد السابع ص141 (سورة لم يكن) بلفظ ( قال : أفأثبتها في المصحف ؟ قال : نعم ) ، وعلق عليه الهيثمي ب‍ (رواه أحمد ورجاله رجال الصحيح ).

إعلام الخَلف بمن قال بتحريف القرآن من أعلام السّلف _ 629 _
  فاتلوه ولا يطولن عليكم الأمد فتقسو قلوبكم كما قست قلوب من كان قبلكم ، وإنـّـا كنّـا نقرأ سورةً كنّـا نشبِّهـها في الطّول والشّدة ببراءة ، فأنْسيتُها ، غير أنّي قد حفظت منها ( لو كان لابن آدم واديان من مالٍ لابتغى وادياً ثالثاً ، ولا يملأ جوف ابن آدم إلاّ التراب ) ) (1) .
  فعلق عليها المغفل بقوله : ( وحديث ( لو كان لابن آدم واديان من مال ) لا يبلغ أن يكون قرآنا معجزاً ، إذ لو كان كذلك لبلغت رواياته بأنه من القرآن حد التواتر ولما توقف ابن عباس وأنس بن مالك عن إثباته فيه .
  وأما رواية أبو موسى في مسلم ( إنا كنا نقرأ سورة … فأنسيتها ) فلو كانت قرآنا يماثل ما هو محفوظ بين الدفتين لرأيت ألوف الصحابة كانوا على ذكر منها ، فإذا نسيها الواحد أو الآحاد ذكرهم غيرهم ، وكان من حفظ حجة على من لم يحفظ . والوحي أقسام ومنه ما لا يبلغ درجة القرآن ، والقرآن ما ثبت بالتواتر جملا وتفصيلا وهو ما بين الدفتين بلا زيادة ولا نقصان ) (2) .
  فانظر كيف خذله الله فاعترف أن أبا موسى الأشعري أدخل ما في القرآن ما ليس منه ، عمدا أو سهوا ، فلو سلمنا بكل ما في كتيبه لـخلصنا إلى نتيجة وهي أن أبا موسى الأشعري وبعض الشيعة قالوا بتحريف القرآن وهم كفرة !

سلمان الفارسي
* الآية فيها كلمة مبدلـة !
  أخرج أبو عبيد في فضائله وابن أبي شيبة في مسنده وعبد بن حميد والبخاري في تاريخه والحارث بن أبي أسامة في مسنده والحكيم الترمذي في نوادر الأصول والبزار وابن الأنباري في المصاحف وابن المنذر وابن أبي حاتم والطبراني وابن مردويه : ( عن سلمان أنه سئل عن قوله (ذَلِكَ بِأَنَّ مِنْهُمْ قِسِّيسِينَ

--------------------
(1) صحيح مسلم ج3ص100 كتاب الزكاة باب كراهية الحرص على الدنيا وبشرح النووي ج7ص139،140 وعن المسند الجامع ج11ص414 ( أبو موسى الأشعري ) ، وعن الإتقان في علوم القرآن ج2 ص25 (ذكر جزء الحديث الأخير فقط).
(2) الشيعة وتحريف القرآن ص161 .

إعلام الخَلف بمن قال بتحريف القرآن من أعلام السّلف _ 630 _
   وَرُهْبَانًا) (المائدة/82) ، قال : الرهبان الذين في الصوامع ، نزلت على رسول الله صلى الله عليه (وآله) وسلم ( ذلك بأن منهم صديقين ورهبانا ) ) (1) .
  ولفظ البزار : ( دع القسيسين في البيع والخرب ! أقرأني رسول الله صلى الله عليه (وآله) وسلم ( ذلك بأن منهم صديقين ) ) (2) .
  قال الحكيم الترمذي : ( قال سلمان رضي الله عنه قرأت على رسول الله صلى الله عليه وسلم (ذَلِكَ بِأَنَّ مِنْهُمْ قِسِّيسِينَ وَرُهْبَانًا) فأقرأني ( ذلك بأن منهم صديقين ورهبانا ) ) (3) .
  هذه الرواية تفيد أن الرسول صلى الله عليه وآله وسلم أقرأ سلمان رضوان الله تعالى عليه الآية بغير بلفظ (قِسِّيسِينَ) ، لذا صار سلمان يأمر بنبذها وإبدالها بلفظ ( صديقين ) لأنـها نزلت على الرسول صلى الله عليه وآله وسلم هكذا !

أبو الدرداء
* الآية فيها زيادتان !
  ( أخرج سعيد بن منصور وأحمد وعبد بن حميد والبخاري ومسلم والترمذي والنسائي وابن جرير وابن المنذر وابن مردويه عن علقمة أنه قدم الشام فجلس إلى أبي الدرداء فقال له أبو الدرداء : ممن أنت ؟ قال : من أهل الكوفة ، قال : كيف سمعت عبد الله يقرأ (وَاللَّيْلِ إِذَا يَغْشَى) (الليل/1). قال

--------------------
(1) الدر المنثور ج2ص304.
(2) في مسند البزار ، بـهذا السند ( حدثنا بشر بن آدم قال أخبرنا نصير بن أبي الأشعث قال حدثني الصلت الدهان عن جاثمة بن رئاب قال … ) ، وقال ابن كثير في تفسيره ج2ص87 : ( وقال الحافظ أبو بكر البزار حدثنا بشر بن آدم حدثنا نصير بن أبي الأشعث حدثني الصلت الدهان عن جاثمة بن رئاب قال …).
وقال محقق مسند البزار محفوظ الرحمن زين الله : ( بشر بن آدم صدوق فيه لين ، نصير بن أبي الأشعث : هكذا عند البزار ـ أقول : وهو ثقة ـ ، ولكن عند الطبراني وغيره نصير بن زياد الطائي ، الصلت بن الدهان : لم يذكر البخاري وابن أبي حاتم جرح ولا تعديل وذكر ابن حبان في الثقات ، جاثمة بن رئاب : وهو حامية بن رئاب سمع سلمان وروى عنه صلت الدهان ، لم يذكر فيه البخاري وابن أبي حاتم وذكره ابن حبان في الثقات ) ، مسند البزار ج6ص499ح2537 ط مكتبة العلوم والحكم .
(3) نوادر الأصول ج1ص82.

إعلام الخَلف بمن قال بتحريف القرآن من أعلام السّلف _ 631 _
  علقمة : (والذكر والأنثى) ، فقال أبو الدرداء : أشهد أني سمعت رسول الله صلى الله عليه (وآله) وسلم يقرأ هكذا وهؤلاء يريدوني على أن أقرأوها (خلق الذكر والأنثى) ، والله لا أتـابعهم ! ).
  هذه الرواية التي أخرجها البخاري ومسلم في صحيحيهما واضحة في أن مقطع (وَمَا خَلَقَ) ليس من القرآن في نظر أبي الدرداء وإلا لما ترك قراءتـها مع معارضة أهل الشام ، ولما أقسم على تركها .
   وستأتي بإذنه تعالى كلمات بعض علماء أهل السنة التي استدلوا بـها على عدم اعتبار مخالفة ابن مسعود للصحابة بدعوى أنه اعتاد نسيان كثير من أمور الدين مثل نسيانه قراءة رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم حتى صار يقرأ ( والذكر والأنثى ) ، وكلامهم هذا تصريح بأنه أنكر قرآنية (وَمَا خَلَقَ).

عبد الله بن عباس
* أخطأ الكاتب الناعس في كتابة المصحف !
  ما أخرجه ابن جرير الطبري في تفسيره : ( عن عكرمة عن ابن عباس أنه كان يقرؤها ( أ فلم يتبيّن الذين آمنوا ) قال : كتب الكاتب الأخرى وهو نـاعـس ! ‍) (1) .
‌‌   ما أخرجه ابن الأنباري من طريق عكرمة : ( عن ابن عباس أنه قرأ : ( أ فلم يتبين الذين آمنوا أن لو يشاء الله لهدى الناس جميعا ) فقيل له : إنـها في المصحف (أ فَلَمْ يَيْئَسْ ) فقال : أظن الكاتب كتبها وهو ناعس ) (2) .
  هاهو حبر الأمة وجبل التفسير ابن عباس يدعي أن هذا المقطع من الآية (أ فَلَمْ يَيْئَسْ ) (الرعد/31) وقع فيه تحريف حيث أخطأ الكاتب في كتابتها بسبب نعاسه !

--------------------
(1) تفسير الطبري ج 18 ص 136.
(2) الإتقان ج1ص541.

إعلام الخَلف بمن قال بتحريف القرآن من أعلام السّلف _ 632 _
* التصقت الواو فحرفت الآية !
  ( أخرج الفريابي وسعيد بن منصور وابن جرير وابن المنذر وابن الأنباري في المصاحف من طريق سعيد بن جبير عن ابن عباس رضى الله عنهما في قوله (وَقَضَى رَبُّكَ أَلاَّ تَعْبُدُوا إِلاَّ إِيَّاهُ) (الإسراء/23) قال : التزقت الواو بالصاد وأنتم تقرؤنـها (وَقَضَى رَبُّكَ) ).
  ( وأخرجه ابن أشته بلفظ : استمد الكاتب مدادا كثيرا فالتزقت الواو بالصاد ).
  ( وأخرجه من طريق الضحاك عن ابن عباس أنه كان يقرأ (ووصى ربك) ويقول : أمر ربك ، إنـهما واوان التصقت إحداهما بالصاد ) (1) .
  ( وأخرجه ابن أبي حاتم من طريق الضحاك عن ابن عباس رضي الله عنهما ) (2) .
  ( أخرج أبو عبيد وابن منيع وابن المنذر وابن مردويه من طريق ميمون بن مهران عن ابن عباس رضي الله عنهما قال : أنزل الله هذا الحرف على لسان نبيكم صلى الله عليه (وآله) وسلم ( ووصى ربك أن لا تعبدوا إلا إياه ) فالتصقت إحدى الواوين بالصاد فقرأ الناس (وَقَضَى رَبُّكَ) (الإسراء/23). ولو نزلت على القضاء ما أشرك به أحد ) (3) .

ابن حجر يدافع عن روايات التحريف !
  هذه الروايات صحيحة السند وثابتة عن ابن عباس ، فقد دافع عن سندها من قيل في حقه أنه : ( وحيد عصره ، وإمام الدنيا بأسرها في أيامه في علوم الحديث والفقه والجرح والتعديل وجميع الفنون ) (4) ، حيث اعترض على من طعن في تلك الروايات ، فأصر بدوره على أن رواية ابن عباس السابقة رجالها رجال الصحيح فلا مجال لردها ، وذهب إلى لزوم تأويلها لا رفضها وهذا ما قاله في فتح الباري :
  ( وروى الطبري و عبد بن حميد بإسناد صحيح كلهم من رجال البخاري عن ابن عباس أنه كان يقرأها ( أ فلم يتبين ) ويقول كتبها الكاتب وهو نـاعـس ).

--------------------
(1) الإتقان ج1ص541 ـ 542.
(2) الدر المنثور ج4ص170.
(3) ن.م .
(4) التقيد والإيضاح شرح مقدمة ابن الصلاح ـ التمهيد ـ .

إعلام الخَلف بمن قال بتحريف القرآن من أعلام السّلف _ 633 _
  وقال : ( وأما ما أسنده الطبري عن ابن عباس فقد اشتد إنكار جماعة ممن لا علم له بالرجال صحته ، وبالغ الزمخشري في ذلك كعادته إلى أن قال : هي والله فرية ما فيها مرية ، وتبعه جماعة بعده ، والله المستعان ! وقد جاء نحو ذلك في قوله تعالى (وَقَضَى رَبُّكَ أَلاَّ تَعْبُدُوا إِلاَّ إِيَّاهُ) (الإسراء/23) قال : ( و وصى ) إلتزقت الواو في الصاد ، أخرجه سعيد بن منصور بإسناد جيد عنه ، وهذه الأشياء وإن كان غيرها المعتمد ولكن تكذيب المنقول بعد صحته ليس دأب أهل التحصيل فلينظر في تأويله بما يليق به ) (1) .
  وقول ابن حجر ( فلينظر في تأويله بما يليق به ) ظاهر في عجز عُـدّته الجهنمية عن تأويل هذا المقطع ، وإلا كيف يؤولون ( إلتزقت الواو في الصاد ) ! ، وستأتي اعترافات علماء أهل السنة في أن ابن عباس كان يعتقد وقوع التحريف في القرآن ،‍ فاتضح أن ابن عباس أحد الكفرة على مذهبهم !

* القرآن ضحية الكاتب مرة أخرى !
  ( أخرج الفريابي وسعيد ابن منصور وعبد بن حميد وابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم وابن لأنباري في المصاحف والحاكم وصححه والبيهقي في شعب الإيمان والضياء في المختارة من طرق عن ابن عباس رضي الله عنهما في قوله (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لاَ تَدْخُلُوا بُيُوتًا غَيْرَ بُيُوتِكُمْ حَتَّى تَسْتَأْنِسُوا وَتُسَلِّمُوا عَلَى أَهْلِهَا ) (النور/27)، قال : أخطأ الكاتب ! إنـما هي ( حتى تستأذنوا ) ) (2) .

--------------------
(1) فتح الباري ج8ص475 ، وفي الإتقان ( التصقت الواو بالصاد ) ، وكشاهد نذكر كلام ابن الجوزي في زاد المسير ج5ص17 : ((وَقَضَى رَبُّكَ) روى ابن أبي طلحة عن ابن عباس قال : أمر ربك .
ونقل عنه الضحاك أنه قال : إنما هو ( وصى ربك) فالتصقت إحدى الواوين بالصاد ، وكذلك قرأ أبي بن كعب وأبو المتوكل وسعيد ابن جبير (ووصى) ، وهذا على خلاف ما انعقد عليه الإجماع فلا يلتفت إليه )، وعدم الالتفات إليه يعني أنه ثابت عنه ولكنه رأي شاذ .
(2) الدر المنثور ج5 ص38 ، يمكنك مراجعتها في الطبري ج18ص110 المستدرك على الصحيحين ج2ص430ح3496 ( هذا حديث صحيح على شرط الشيخين ولم يخرجاه ) شعب الإيمان ج6ص438ح8801 ، ح8802 ( وقال : إنما هو وهم من الكتّاب ) ، ح8803 ، ح8804 ( ولكن سقط من الكاتب )
معتصر المختصر ج2ص233 : ( أخطأ الكاتب ، إنما هي ( حتى تستأذنوا وتسلموا ) ).

إعلام الخَلف بمن قال بتحريف القرآن من أعلام السّلف _ 634 _
  ( وما أخرجه ابن جرير وسعيد بن منصور في سننه من طريق سعيد بن جبير عن ابن عباس في قوله (حَتَّى تَسْتَأْنِسُوا وَتُسَلِّمُوا ) (النور/27) ، قال : إنما هي خطأ من الكاتب ! ( حتى تستأذنوا وتسلموا ) أخرجه ابن أبي حاتم بلفظ : هو فيما أحسب مما أخطأت به الكتاب ) (1) .

ابن حجر يدافع عن روايات التحريف مرة أخرى !
  ومرة أخرى نص ابن حجر على ثبوت هذه الأقوال المحرفة للقرآن عن حبر الأمة ابن عباس ، فقال :
  ( وجاء عن ابن عباس إنكار ذلك ـ أي قوله تعالى (تَسْتَأْنِسُوا) ـ ، فأخرج سعيد بن منصور والطبري والبيهقي في الشعب بسند صحيح أن ابن عباس : كان يقرأ ( حتى تستأذنوا ) ويقول : أخطأ الكاتب ، وكان يقرأ على قراءة أبي بن كعب ) (2) .

الكاتب يحرف القرآن من جديد !
  ( أخرج ابن أبى حاتم عن ابن عباس (مَثَلُ نُورِهِ) (النور/35) ، قال : هي خطأ من الكاتب ! هو أعظم من أن يكون نوره مثل نور المشكاة قال : ( مثل نور المؤمن كمشكاة ) ) (3) .
  أقول : هذا الكلام فيه من الخطأ والتكلف الشيء الكثير ، ومنه :
  1 ـ معنى الأحرف السبعة غير متفق عليه عند علمائهم بل هي من مشكل الأحاديث كما مرت كلماتـهم ، فالجزم بكون خصوص هذه الأخطاء نتجت من اختيار الأولى من الأحرف السبعة رميٌ للكلام على عواهنه ، فعلى أي معنى منها حكّم هذه الموارد ؟!
  2 ـ سلمنا بالمعنى المشهور ، ولكن أغلب الموارد لا يتحمل تأويلها باختلاف الأحرف السبعة لأن أغلب تلك التحريفات حرفها الصحابة والتابعون لأجل عدم انسجام المعنى مع سياق الآية ، فمثلا ما نحن فيه وهو ( نور المؤمن ) وإبداله ب‍ ( مثل نوره ) فإن هذا يغيّر المعنى تماما لأن الضمير يرجع تارة إلى الله عز وجل وتارة للمؤمن وهذا لا ينسجم مع الأحرف السبعة التي تقتضي تغيير الكلمات إلى مترادفات ، وأوضح منه (وَقَضَى) و ( وصى ) إذ بينهما اختلاف وتغاير كبيرين ولذلك استدل ابن عباس بأن معنى (وصى) هو الذي ينسجم مع الآية والواقع لا لفظ (وَقَضَى) ! ، وكذا تحريف الآية وتبديل (فاسعوا) إلى ( فامضوا ) التي حرفها ابن مسعود بدعوى أن السعي ليس هو المقصود وإنما المضي ، فهم ما بدلوا الآيات وحرفوها إلا لكي ينسجم المعنى وهذا لا يتم بكلمات مترادفة في المعنى ، فلا مجال للقول بأن هذا اختلاف بين الأحرف السبعة .

--------------------
(1) الإتقان ج1ص541.
(2) فتح الباري ج11ص7.
(3) الدر المنثور ج5ص48 ، قال السيوطي في الإتقان ج1ص543 ـ 544 : ( أخرجه ابن أشته وابن أبي حاتم من طريق عطاء عن ابن عباس )، ثم قال : ( وقد أجاب ابن أشته عن هذه الآثار كلها بأن المراد أخطئوا في الاختيار وما هو الأولى لجمع الناس عليه من الأحرف السبعة لا أن الذي كتب خطأ خارج عن القرآن ) .

إعلام الخَلف بمن قال بتحريف القرآن من أعلام السّلف _ 635 _
  3 ـ هذا التوجيه يمكن طرحه للنقاش في حال سكت الصحابة عن بيان سبب إنكارهم لكلمات مصحفنا ولكن الصحابة بينوا سبب إنكارهم لها ، فهناك موارد ذكر الصحابة فيها سبب الخطأ كاستمداد الكاتب مدادا التصقت به الواو بالصاد ! ، وهذه الموارد خارجة عن عالم التأويل لأنـها نص صريح في سبب الخطأ لا أن التأويل لا ينسجم معها فقط .
  4 ـ بعض الموارد ينفي فيها ابن عباس نزول الآية على ما هو عليه في مصحفنا ، كقوله (ولو نزلت على القضاء ما أشرك به أحد) ، وواضح أن الأحرف السبعة قد نزل عليها القرآن وابن عباس يقول إن الآية لم تنـزل بـهذا الشكل الموجود في مصاحفنا !! ، فلا مجال لدعوى الأحرف السبعة هنا .
  5 ـ ناهيك عن أن الخطأ قد نسبه ابن عباس للكاتب وليس للمملي حتى يقال إن هذا من باب الخطأ في اختيار أحد الأحرف السبعة ، لأن الكاتب كان دوره كتابة ما يملى عليه فقط لا اختيار الوجوه .
  6 ـ ثم أليس القول بأن هذا الحرف خطأ وهذا صحيح يعني أن بعض القرآن خطأ وبعضه صحيح ؟! ، أليس هذا اختلافا في القرآن وهو يناقض قوله تعالى (أَفَلاَ يَتَدَبَّرُونَ الْقُرْآنَ وَلَوْ كَانَ مِنْ عِنْدِ غَيْرِ اللَّهِ لَوَجَدُوا فِيهِ اخْتِلاَفًا كَثِيرًا) (النساء/82) ؟!
  7 ـ ستأتي كلمات علماء أهل السنة كابن تيمية وابن الجوزي والقرطبي وغيرهم الناصة على ادعاء بعض الصحابة تحريف هذه المواضع من القرآن .
  8 ـ الظاهر حجة في نفسه ونحن نتمسك بظاهر الروايات ومن يركن للتأويل يلزمه الدليل ، فأين الدليل على هذا التأويل ؟!
  نعم عقب السيوطي باستدلال لابن اشته على تأويله السابق بقوله : ( عن خارجة بن زيد قال : قالوا لزيد : يا أبا سعيد ، أوهمت إنما هي ( ثمانية أزواج ، من الضأن اثنين اثنين ، ومن المعز اثنين اثنين ، ومن الإبل اثنين اثنين ، ومن البقر اثنين اثنين ) فقال : لأن الله تعالى يقول ( فَجَعَلَ مِنْهُ الزَّوْجَيْنِ الذَّكَرَ والْأُنْثى ) فهما زوجان كل واحد منهما زوج الذكر زوج والأنثى زوج ).
  ( قال ابن أشته فهذا الخبر يدل على أن القوم يتخيرون أجمع الحروف للمعاني وأسلسها على الألسنة وأقربـها في المأخذ وأشهرها عند العرب للكتابة في المصاحف وأن الأخرى كانت قراءة معروفة عند كلهم وكذا ما أشبه ذلك ) اه ، وهذا الكلام سخيف كسابقه ، ويرد عليه أمور :
  1 ـ هذه الرواية إن دلت على شيء فإنما تدل على أن زيد بن ثابت عندما جمع المصحف اجتهد برأيه في الآية الكريمة ، وإلا لاحـتج عليهم بأن نص الآية توقيف من الله عز وجل ولا يجوز التلاعب به !
  2 ـ كلام ابن اشته لا يقبله عاقل لأنه عد هذا المقطع الركيك ( ثمانية أزواج ، من الضأن اثنين اثنين ، ومن المعز اثنين اثنين ، ومن الإبل اثنين اثنين ، ومن البقر اثنين اثنين ) من الأحرف التي أنزل عليها القرآن لا يمكن قبوله لما في المقطع من كلمات تكرارية مملة لا ترقى صياغتها إلى بلاغة القرآن وإعجازه ، فكيف تكون من الوجوه الأخرى للقرآن التي نزلت من عند الله عز وجل ؟!
  3 ـ إن القرآن يثبت بالتواتر فكيف أثبت بـرواية آحاد أن ما قالوه هو حرف من حروف القرآن بدون إحراز للتواتر ؟!
  4 ـ لو تنـزلنا وتجاوزنا عن كل هذه الإشكالات ، فمن أين علم ابن اشته أن ما ادعاه أولئك النفر هو من الأحرف السبعة ؟ أين الدليل عليه ؟!
  5 ـ ناهيك عن أن تأويل ابن اشته معارض بتأويل آخر ذكره ابن حجر في نفس فتح الباري هو للبيهقي مفاده أن قول ابن عباس أنه خطأ من الكاتب ، غلط منه لأن ما تشبث به ابن عباس إنما هو منسوخ تلاوة !! ، وواضح أن هذا الكلام علاوة على أنه يثبت التحريف لابن عباس ولكنه معذور فيه ! ، فهو أسخف الجميع لأن ابن عباس ادعى خطأ الكاتب بإلصاقه الواو بالصاد فصارت قافا فأين هذا من نسخ التلاوة ؟!.
  6 ـ لو سلمنا وتنازلنا عن كل هذا ، فإن هذا التأويل لابن اشته لا يتماشى مع كل الموارد وقد ذكرنا ذلك فيما سبق من الوجوه .
  وأخيرا أقول : يا قوم ! إلى متى التلميع ؟! إلى متى التأويل ؟! إلى متى التحوير ؟! إلى متى … ؟! إلى متى …؟! … الخ !

إعلام الخَلف بمن قال بتحريف القرآن من أعلام السّلف _ 636 _
  وهكذا يتجاهر حبر الأمة ابن عباس بتحريف القرآن في موارد عدّة وسببه خطأ الكاتب ونعاسه ، فهل يكفر الوهابيون ابن عباس أم لا ؟!
* آية زواج المتعة مـحرفـة !
  تفسير الطبري : ( حدثنا حميد بن مسعدة قال ثا بشر بن المفضل قال ثنا داود عن أبي نضرة قال : سألت ابن عباس عن متعة النساء ؟ قال : أما تقرأ سورة النساء ؟ قال قلت : بلى ! قال : فما تقرأ فيها ( فما استمتعتم به منهن إلى أجل مسمى ) قلت : لا لو قرأتـها هكذا ما سألتك ! قال ـ ابن عباس ـ : فـإنـها كــذا ) ، وأخرجه أيضا من طريق ( ابن المثنى ثني عبد الأعلى قال ثني داود عن أبي النضرة قال سألت ابن عباس …الحديث ).
  ( حدثنا ابن المثنى قال ثنا حمد بن جعفر قال ثنا شعبة عن أبي سلمة عن أبي نضرة قال : قرأت هذه الآية على ابن عباس (فَمَا اسْتَمْتَعْتُمْ بِهِ مِنْهُنَّ) (النساء/24)، قال ابن عباس : ( إلى أجل مسمى ) !! قال قلت : ما أقرءوها كذلك ! قال ـ ابن عباس ـ : والله لأنزلـها الله كذلك ، ثلاث مرّات ) (1) ، يقصد أن ابن عباس قال ( والله لأنزلها الله كذلك ، والله لأنزلها الله كذلك ، والله لأنزلها الله كذلك ) .

* ابن عباس يدعو لتحريف القرآن !
  ( أخرج سعيد بن منصور وابن المنذر عن ابن عباس أنه كان يقرأ (وَلَقَدْ آتَيْنَا مُوسَى وَهَارُونَ الْفُرْقَانَ وَضِيَاءً) (الأنبياء/48) ويقول : خذوا هذه الواو واجعلوها ههنا (الَّذِينَ قَالَ لَهُمْ النَّاسُ إِنَّ النَّاسَ قَدْ جَمَعُوا لَكُمْ ) (آل عمران/173) الآية ).

(1) تفسير الطبري ج5ص12 ـ 13 ، المستدرك على الصحيحين ج2ص334ح3192 وقال (هذا حديث صحيح على شرط مسلم ولم يخرجاه ) ، وذكر في الدر المنثور ج2ص140 ( أخرج عبد بن حميد وابن جرير وابن الأنبارى في المصاحف والحاكم وصححه من طرق عن أبي نضرة الحديث ).

إعلام الخَلف بمن قال بتحريف القرآن من أعلام السّلف _ 637 _
  ( أخرج عبد بن حميد وابن المنذر وابن أبي حاتم عن ابن عباس في قوله (وَلَقَدْ آتَيْنَا مُوسَى وَهَارُونَ الْفُرْقَانَ وَضِيَاءً) (الأنبياء/48) قال : انزعوا هذه الواو واجعلوها في (الَّذِينَ يَحْمِلُونَ الْعَرْشَ وَمَنْ حَوْلَهُ ) (غافر/7) ) (1) .
  أخرج أبو عبيد في فضائله : ( حدثنا يزيد بن هارون عن جرير بن حازم عن الزبير بن الخريت عن عكرمة قال : قال أبو عبيد : لا أدري أهو عن ابن عباس أم لا ؟ أنه كان يقرأ (وَلَقَدْ آتَيْنَا مُوسَى وَهَارُونَ الْفُرْقَانَ وَضِيَاءً) (الأنبياء/48) ويقول : حولوا الواو إلى موضعها ( والذين يحملون العرش ومن حوله ) ) (2) .
  وهاهو ابن عباس يصرح بأن هذه الآية (وَلَقَدْ آتَيْنَا مُوسَى وَهَارُونَ الْفُرْقَانَ وَضِيَاءً) (الأنبياء/48) محرفة بزيادة حرف الواو فيها ، وآية (الَّذِينَ يَحْمِلُونَ الْعَرْشَ وَمَنْ حَوْلَهُ ) (غافر/7) محرفة كذلك بسقوط نفس ذلك الحرف منها ، فما بال سلفهم يحرف القرآن ويدعو الناس لتحريفه ؟!
  والمضحك المبكي أن كل هذه الموارد يحكم أهل السنة على معتقدها بالكفر والارتداد وأنه حلال الدم ، لاسيما الوهابية الذين صار التكفير عندهم عادة يومية .

* ما في المصحف خطـأ !
  ( أخرج عبد بن حميد وابن المنذر وابن أبى حاتم وابن مردويه عن ابن عباس رضي الله عنهما أنه كان يقرأ ( لا يسمعون إلى الملأ الأعلى ) مخففة وقال : إنـهم كانوا يتسمعون ولكن لا يسمعون ! ) (3) .
  حبر الأمة هنا يخطّئ القراءة المتواترة عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم وهي (لاَ يَسَّمَّعُونَ إِلَى الْمَلَإِ الأَعْلَى) (الصافات/8).
  تفسير الطبري بسنده ( عن ابن عباس قال : كان يقرأ ( من الذين استحق عليهم الأولين ) قال الراوي ، وقال : أ رأيت لو كان الأوليان صغيرين كيف يقومان مقامهما ؟! ) (4) .

--------------------
(1) ن.م ص320 ، الإتقان ج1ص542.
(2) فضائل القرآن لأبي عبيد ج2ص126 تحقيق الأستاذ أحمد عبد السلام الخياطي ، وهذا الإثر كل رجاله ثقات .
(3) الدر المنثور ص271 .
(4) تفسير الطبري ج7ص21 ط دار المعرفة .

إعلام الخَلف بمن قال بتحريف القرآن من أعلام السّلف _ 638 _
  وهذا الذي اجتهد فيه ابن عباس فخالفه هو قول الله تعالى (مِنْ الَّذِينَ اسْتَحَقَّ عَلَيْهِمْ الأَوْلَيَانِ) (المائدة/107).
  ( أخرج سعيد بن منصور وعبد بن حميد وابن جرير وابن أبي حاتم عن ابن عباس رضي الله عنهما انه كان يقرأ ( واذكر عبدنا إبراهيم ) ويقول : إنما ذكر إبراهيم ثم ذكر بعده ولده ) (1) .
  وعلى هذا يكون ما كتب في مصحف المسلمين ( وَاذْكُرْ عِبَادَنَا إبْرَاهِيمَ وَإِسْحَاقَ وَيَعْقُوبَ أُوْلِي الأَيْدِي وَالأَبْصَارِ) (ص/45) خطأ في نظر ابن عباس !
  ( أخرج البخاري في تاريخ بغداد من طريق الضحاك عن ابن عباس انه كان يقرأ القرآن على قراءة زيد بن ثابت إلا ثمانية عشر حرفا أخذها من قراءة عبد الله بن مسعود وقال ابن عباس : ما يسرني أني تركت هذه الحروف ولو ملئت لي الدنيا ذهبة حمراء ، منها حرف في البقرة ( من بقلها وقثائها وثومها ) بالثاء وفي الأعراف ( فلنسألن الذين أرسل إليهم قبلك من رسلنا ولنسألن المرسلين ) وفي براءة ( يا أيها الذين آمنوا اتقوا الله وكونوا مع الصادقين ) في إبراهيم ( وان كان مكرهم لتزول منه الجبال ) وفي الأنبياء ( وكنا لحكمهم شاهدين ) وفيها ( وهم من كل جدث ينسلون ) وفي الحج ( يأتون من كل فج سحيق ) وفي الشعراء ( فعلتها إذا وأنا من الجاهلين ) وفي النمل ( أعبد رب هذه البلدة التي حرمها ) وفي الصافات ( فلما سلما وتله للجبين ) وفي الفتح ( وتعزروه وتوقروه وتسبحوه ) بالتاء وفي النجم ( ولقد جاء من ربكم الهدي ) وفيها ( إن تتبعون إلا الظن ) وفي الحديد ( لكي يعلم أهل الكتاب أن لا يقدرون على شئ ) وفي ن ( لولا أن تداركته نعمة من ربه ) على التأنيث وفي إذا الشمس كورت ( و إذا الموؤدة سَألت بأي ذنب قتلت ) وفيها ( وما هو على الغيب بضنين ) وفي الليل ( والذكر والأنثى ) قال : هو قسم فلا تقطعوه ) (2) .
  حبر الأمة هنا ينكر قرآنية هذا المقطع من الآية (وَمَا خَلَقَ ) بدعوى أن الآية ( وَالنَّهَارِ إِذَا تَجَلَّى وَمَا خَلَقَ الذَّكَرَ وَالأُنْثَى )(الليل/2 ـ 3) في سياق القسم فلا يجب قطعه بجملة معترضة وهي (وَمَا خَلَقَ ) ! ،
والصحيح أن تكتب بـهذا الشكل ( والنهار إذا تجلي والذكر والأنثى ) !

--------------------
(1) الدر المنثور ج5 ص318 ـ 319.
(2) الدر المنثور ج6ص385 .

إعلام الخَلف بمن قال بتحريف القرآن من أعلام السّلف _ 639 _
  ( أخرج سعيد بن منصور وابن جرير وابن أبي حاتم عن الجارود بن أبي سبرة رضي الله عنه قال : سمعني ابن عباس رضي الله عنهما اقرأ (لَهُ مُعَقِّبَاتٌ مِنْ بَيْنِ يَدَيْهِ وَمِنْ خَلْفِهِ) (الرعد/11) فقال : ليست هناك ! ولكن ( له معقبات من بين يديه ورقيب من خلفه )) (1) ، مازال ابن عباس جريئا على إنكار القرآن !
  وهي في سنن سعيد بن منصور هكذا : ( حدثنا سعيد قال نا ربعي بن عبدالله بن الجارود بن أبي سبرة قال حدثني الجارود بن أبي سبرة قال : دخلت أنا وأبي على ابن عباس بالشام في يوم جمعة وقد خرج من مستحم له وقد اغتسل وأنا مستلق يقرأ (لَهُ مُعَقِّبَاتٌ مِنْ بَيْنِ يَدَيْهِ وَمِنْ خَلْفِهِ يَحْفَظُونَهُ مِنْ أَمْرِ اللَّهِ) (الرعد/11) ، فقال ابن عباس : يا أبا سبرة ليست هناك المعقبات ولكن ( له معقبات من خلفه ورقيب بين يديه ) ).
  وكشاهد على ذلك نذكر قراءة ابن عباس لها ، كما في نفس المصدر السابق : ( حدثنا سعيد قال نا سفيان عن عمرو بن دينار قال : كان ابن عباس يقرأ ( له معقبات من بين يديه ورقباء من خلفه يحفظونه من أمر الله ) ) (2) .
  أقول : هذه الرواية ورد مضمونـها في تفسير القمي رضوان الله تعالى عليه وأخذها أحد صبيان الوهابية وصار يشنع بـها على الشيعة ! ، ونتمنى من الوهابية الذين يشنعون على الشيعة بتفسير غير معتمد عندهم أن يخلصوا أنفسهم مما في كتبهم المعتبرة أولا ، وبعدها ينظرون في كتب غيرهم .
  وأخرج بسند صحيح : ( حدثنا سعيد بن الربيع الرازي قال ثنا سفيان عن عمرو بن دينار عن محمد بن عمرو بن حسن عن ابن عباس أنه كان يقرأ ( ويذرك وإلاهتك ) ، وقال : إنـما كان فرعون يُعبَد ولا يَعبُد ) (3) .
  والآية الكريمة التي خطأها ابن عباس هي (وَقَالَ الْمَلأ مِنْ قَوْمِ فِرْعَوْنَ أَتَذَرُ مُوسَى وَقَوْمَهُ لِيُفْسِدُوا فِي الأَرْضِ وَيَذَرَكَ وَآلِهَتَكَ قَالَ سَنُقَتِّلُ أَبْنَاءَهُمْ وَنَسْتَحْيِ نِسَاءَهُمْ وَإِنَّا فَوْقَهُمْ قَاهِرُونَ) (الأعراف/127) .

--------------------
(1) الدر المنثور ج4ص48 ـ 49 .
(2) سنن سعيد بن منصور ج5ص427ح1159 ، ح1160.
(3) تفسير الطبري ج9ص26 ، إسناده صحيح ورجاله من الأئمة الثقات .

إعلام الخَلف بمن قال بتحريف القرآن من أعلام السّلف _ 640 _
* تحريف شامل !
  ( أخرج ابن مردويه عن عكرمة رضي الله عنه قال : كان ابن عباس يقرأ هذه الآية (لِتُؤْمِنُوا بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ وَتُعَزِّرُوهُ وَتُوَقِّرُوهُ وَتُسَبِّحُوهُ بُكْرَةً وَأَصِيلاً) (الفتح/9) ، قال : فكان يقول : إذا أشكل ياء أو تاء فاجعلوها على ياء فـان القرآن كله على ياء ).
  وهو بـهذا يؤيد ما كان يقرأ به ابن مسعود وسعيد بن جبير : ( أخرج أبو عبيد وابن المنذر عن هارون قال : في قراءة ابن مسعود ( ويسبحوا الله بكرة وأصيلا ) )(1) .
  وأيضا : ( أخرج عبد بن حميد عن سعيد بن جبير رضي الله عنه أنه كان يقرأ ( ويسبحوا الله بكرة وأصيلا ) ) .
  مع أن مصحف المسلمين اليوم بالتاء ! ، ومع هذا كله يتبجح الوهابية بأنه لا يوجد أحد من أهل السنة يقول بتحريف القرآن ! أقول : نعم هذا صحيح ، إن قلتم أن الصحابة كانوا شيعة .

سعد بن أبي وقاص
* ينكر كلمة من القرآن !
  ( أخرج عبد الرزاق وسعيد بن منصور وأبو داود في ناسخه وابنه في المصاحف والنسائي وابن جرير وابن المنذر وابن أبى حاتم والحاكم وصححه عن سعد بن أبي وقاص أنه قرأ ( ما ننسخ من آية أو ننساها ) فقيل له : إن سعيد بن المسيب يقرأ (نُنسِهَا) (البقرة/106)، فقال سعد : إن القرآن لم ينـزل على المسيب ولا آل المسيب ! قال الله : (سَنُقْرِئُكَ فَلاَ تَنسَى)(الأعلى/6)، (وَاذْكُرْ رَبَّكَ إِذَا نَسِيتَ) (الكهف/24) ) (2) ، القرآن الذي يعرفه سعد بن أبي وقاص فيه لفظ ( ننساها ) ولا يوجد فيه لفظ (نُنسِهَا) الموجود في مصاحفنا اليوم ، فهل نكفر سعد بن أبي وقاص لإنكاره نص القرآن ؟!

--------------------
(1) الدر المنثور ج6ص72 .
(2) ن.م ج1ص104 ، وفي تفسير الطبري ج1ص379 من ثلاث طرق ، وفي مستدرك الحاكم وعلق عليه ( هذا حديث صحيح على شرط الشيخين ولم يخرجاه ) ووافقه الذهبي ، وفي تفسير ابن كثير ج1ص155 ، المصنف للصنعاني ج1ص55 .

إعلام الخَلف بمن قال بتحريف القرآن من أعلام السّلف _ 641 _
أبو مالك الأشعري
آيات محرفة !
  ( أخرج ابن أبي حاتم عن أبي مالك رضي الله عنه قال : كل ما في القرآن( فلولا) فهو ( فهلا ) إلا في حرفين في يونس ( فلولا كانت قرية آمنت ) والآخر ( فلولا كان من القرون من قبلكم )) .
  وعلى هذا كثير من الموارد التي في القرآن التي فيها ( فلولا) هي على خلاف ما أنزله الله عز وجل وتحريف في نظر الصحابي أبي مالك الأشعري كعب بن عاصم الأشعري ، وهذه الآيات المحرفة :
   (ثُمَّ تَوَلَّيْتُمْ مِنْ بَعْدِ ذَلِكَ فَلَوْلاَ فَضْلُ اللَّهِ عَلَيْكُمْ وَرَحْمَتُهُ لَكُنتُمْ مِنْ الْخَاسِرِينَ) (البقرة/64).
   (فَلَوْلاَ إِذْ جَاءَهُمْ بَأْسُنَا تَضَرَّعُوا وَلَكِنْ قَسَتْ قُلُوبُهُمْ) (الأنعام/43).
   (وَمَا كَانَ الْمُؤْمِنُونَ لِيَنفِرُوا كَافَّةً فَلَوْلاَ نَفَرَ مِنْ كُلِّ فِرْقَةٍ مِنْهُمْ طَائِفَةٌ) ( التوبة/122).
   (فَلَوْلاَ أَنَّهُ كَانَ مِنْ الْمُسَبِّحِينَ) (الصافات/143).
   (فَلَوْلاَ أُلْقِيَ عَلَيْهِ أَسْوِرَةٌ مِنْ ذَهَبٍ) (الزخرف/53).
   (فَلَوْلاَ نَصَرَهُمُ الَّذِينَ اتَّخَذُوا مِنْ دُونِ اللَّهِ قُرْبَانًا آلِهَةً) (الأحقاف/28).
   (نَحْنُ خَلَقْنَاكُمْ فَلَوْلاَ تُصَدِّقُونَ) (الواقعة/57).
   (وَلَقَدْ عَلِمْتُمْ النَّشْأَةَ الأُولَى فَلَوْلاَ تَذكَّرُونَ) (الواقعة/62).
   (لَوْ نَشَاءُ جَعَلْنَاهُ أُجَاجًا فَلَوْلاَ تَشْكُرُونَ) (الواقعة/70).
   (فَلَوْلاَ إِذَا بَلَغَتِ الْحُلْقُومَ) (الواقعة/83).
   (فَلَوْلاَ إِنْ كُنتُمْ غَيْرَ مَدِينِينَ) (الواقعة/86) ، فكل هذه الموارد كتبت على خلاف ما أنزله الله في نظر هذا الصحابي !

إعلام الخَلف بمن قال بتحريف القرآن من أعلام السّلف _ 642 _
عائشة بنت أبي بكر
  * ذهب النبي صلى الله عليه وآله وسلم وذهب معه شيء من القرآن !
  أخرج الصنعاني في المصنف بسند صحيح عن سالم بن عبد الله :
  ( أن عائشة زوج النبي صلى الله عليه وسلم أرسلت به إلى أختها أم كلثوم ابنة أبي بكر لترضعه عشر رضعات ليلج عليها إذا كبر فأرضعته ثلاث مرات ثم مرضت فلم يكن سالم يلج عليها ، قال : زعموا أن عائشة قالت : لقد كان في كتاب الله عز وجل عشر رضعات ثم رد ذلك إلى خمس ، ولكن من كتاب الله ما قبض مع النبي صلى الله عليه وسلم ) (1) .
  وهذه الرواية واضحة في أن بعض القرآن ومنه الآية المزعومة قد ذهب مع وفاة رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم ، وهو نص في أنه صلى الله عليه وآله وسلم الوحيد الذي كان يحفظ ذلك القرآن دون الصحابة قد قبض صلى الله عليه وآله وسلم فقبض بعض القرآن بقبضه ! ، ولا مجال لدعوى نسخ التلاوة أو المنسأ في هذه الرواية لما بيناه سابقا في مبحث آية الرضاع .

* القرآن مـحرف وفيه أخطاء !
  ( أخرج أبو عبيد في فضائله وسعيد بن منصور وابن أبي شيبة وابن جرير وابن أبى داود وابن المنذر بسند صحيح عن عروة قال : سألت عائشة عن لحن القرآن (إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَالَّذِينَ هَادُوا وَالصَّابِئُونَ) (المائدة/69) ، (وَالْمُقِيمِينَ الصَّلاَةَ وَالْمُؤْتُونَ الزَّكَاةَ) (النساء/162) ، (قَالُوا إِنْ هَذَانِ لَسَاحِرَانِ ) (طه/63) ، فقالت : يا ابن أختي هذا عمل الكُـتّاب أخطئوا في الكِتاب ) (2) .
  قال السيوطي في الإتقان : ( إسناد صحيح على شرط الشيخين ) (3) ، وقال سعيد بن منصور في سننه : ( سنده صحيح ) (4) ، وكذا الآلوسي المفسر في روح المعاني وسيأتي نص كلامه .
  وفي تاريخ المدينة للنميري : ( حدثنا أحمد بن إبراهيم قال ، حدثنا علي بن مسهر ، عن هشام بن عروة ، عن أبيه قال : سألت عائشة عن لـحن القرآن (قَالُوا إِنْ هَذَانِ لَسَاحِرَانِ) (طه/63) .

-------------------
(1) مصنف عبد الرزاق ج7ص469ح 13928 .
(2) الدر المنثور ج2ص246 ، تفسير الطبري ج9ص395 ، وأيضا في ج6ص34 بـهذا السند الصحيح ( حدثنا ابن حميد ، قال : ثنا أبو معاوية ، عن هشام بن عروة ، عن أبيه ، أنه سأل عائشة عن قوله : والمقيمين الصلاة ، وعن قوله : إن الذين آمنوا والذين هادوا والصابئون ، وعن قوله : إن هذان لساحران فقالت : يا ابن أختي هذا عمل الكتاب أخطئوا في الكتاب ) ، كتاب المصاحف لابن أبي داود ص34 ، وهو في زاد المسير لابن الجوزي ج2ص251 ، وتفسير الخازن ج1ص622 ، وتفسير البغوي ج1ص498 وغيرها
(3) الإتقان ج1ص182.
(4) سنن سعيد بن منصور ج4ص1507ح769.

إعلام الخَلف بمن قال بتحريف القرآن من أعلام السّلف _ 643 _
  وقوله (إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَالَّذِينَ هَادُوا وَالصَّابِئُونَ) ( المائدة/69) ، (وَالْمُقِيمِينَ الصَّلاَةَ وَالْمُؤْتُونَ الزَّكَاةَ) (النساء/162) وأشـبـاه ذلـك ، فقالت : أي بنـي ! إن الكتاب يخطئون ) (1) .
  ( أخرج عبد بن حميد عن هشام بن عروة قال : كان أبي يقرؤها ( وما هو على الغيب بظنين ) فقيل له في ذلك فقال : قالت عائشة : إن الكُـتّـاب يـخطئون في المصاحف ) (2) .
  وهذه عائشة تدعي أن الكُـتّاب أخطئوا في كتابة القرآن ! ، فإن كان كل من قال بتحريف القرآن كافرا عند الوهابية فقد كفرت عائشة في مذهبهم !
  ( أخرج سعيد بن منصور وأحمد والبخاري في تاريخه وعبد بن حميد وابن المنذر وابن اشته وابن الأنباري معا في المصاحف والدارقطني في الإفراد والحاكم وصححه وابن مردويه عن عبيد بن عمير أنه سأل عائشة : كيف كان رسول الله صلى الله عليه (وآله) وسلم يقرأ هذه الآية ( والذين يؤتون ما أتوا ) أو (وَالَّذِينَ يُؤْتُونَ مَا آتَوا) (المؤمنون/60)، فقالت : أيتهما أحب إليك ؟ قلت : والذي نفسي بيده لأحداهما أحب إلي من الدنيا جميعا ، قالت : أيهما قلت ؟ ( الذين يأتون ما أتوا ) ! فقالت : أشهد أن رسول الله صلى الله عليه (وآله) وسلم كذلك كان يقرؤها ، وكذلك أنزلت ، ولكن الـهجاء حُــرِّف !) (3) .
  وهكذا تتجاهر عائشة بتحريف القرآن في أكثر من موضع ، ولا أدري ما حكم عائشة عندهم الآن ، أم يقولون أنـها من الشيعة وينتهي الأمر ؟!

--------------------
(1) تاريخ المدينة لابن شبة النميري ج3ص1013 ، هذا الإسناد رجاله ثقات .
(2) الدر المنثور ج6 ص 321 ، المصاحف لابن أبي داود ص33-34 ، الفراء في معاني القرآن ج2ص183 .
(3) الدر المنثور ج5 ص12 ، قال د. سعود النفيسان في كتاب مرويات عائشة في التفسير ص263 ( أخرجه ابن كثير في تفسيره مرفوعا وموقوفا ج3ص248 ، وأخرجه الإمام أحمد في مسنده ج6ص95 ، 144 ، البخاري في التاريخ الكبير ج9ص28 ، والحاكم في المستدرك عن عائشة قريبا من هذا اللفظ ج2ص393 ووافقه الذهبي في التلخيص ، والـهيثمي في مجمع الزوائد عن عائشة مرفوعا بـهذا اللفظ ج7ص73 ) .

إعلام الخَلف بمن قال بتحريف القرآن من أعلام السّلف _ 644 _
* كلمة متتابعات فُقِدت من المصحف !
  ( عن سنن الدارقطني بسنده عن ابن شهاب عن عروة عن عائشة قالت : نزلت ( فعدة من أيام أخر متتابعات ) فسقطت متتابعات ! ) (1) .
  ( عن ابن شهاب قال قالت عائشة : نزلت ( فعدة من أيام أخر متتابعات ) فسقطت متتابعات ! سقط لم يقل غير عروة ) (2) ، على التوضيح الأخير يكون مدعي التحريف هو عروة لا عائشة .
  تذكر الروايات التي مرت في مبحث القراءات الشاذة أن أبي بن كعب وابن مسعود وابن عباس وربيع بن خيثم كتبوا هذه الزيادة في مصاحفهم وكانت قراءتـهم الدائمة حتى أن ابن مسعود لم يكن يترك آية فيها ثلاثة أيام إلا ويعقبها بكلمة متتابعات ! وهذا يقوي مذهب عائشة في وقوع التحريف .

* تحرّف القرآن عمليا !
  ( أخرج مالك وأحمد وعبد بن حميد ومسلم وأبو داود والترمذي والنسائي وابن جرير وابن أبي داود وابن الأنباري في المصاحف والبيهقي في سننه عن أبي يونس مولى عائشة قال : أمرتني عائشة أن أكتب لها مصحفا وقالت : إذا بلغت هذه الآية فآذني (حَافِظُوا عَلَى الصَّلَوَاتِ وَالصَّلاَةِ الْوُسْطَى) (البقرة/238) ، فلما بلغتها آذنتها فأملت عليّ ( حافظوا على الصلوات والصلاة الوسطى وصلاة العصر وقوموا لله قانتين ) وقالت عائشة : سـمعتها من رسول الله صلى الله عليه (وآله) وسلم ) (3) .
  ( أخرج سعيد بن منصور وأبو عبيد عن زياد بن أبى مريم إن عائشة أمرت بمصحف لها إن يكتب وقالت : إذا بلغتم (حَافِظُوا عَلَى الصَّلَوَاتِ) فلا تكتبوها حتى تؤذنوني ، فلما أخبروها أنـهم قد بلغوا ، قالت : اكتبوها ( صلاة الوسطى صلاة العصر ) ).
  ( أخرج عبد بن حميد وابن جرير وابن المنذر والبيهقي من طريق نافع عن حفصة زوج النبي صلى الله عليه (وآله) وسلم إنـها قالت لكاتب مصحفها : إذا بلغت مواقيت الصلاة فأخبرني حتى أخبرك بما سمعت من رسول الله صلى الله عليه (وآله) وسلم فأخبرها ، قالت : أكتب فإني

--------------------
(1) سنن الدارقطني ج2ص192ح60 علق عليه ( هذا إسناد صحيح والذي بعده أيضا ).
(2) المحلى لابن حزم ج6ص261 : ( قال علي ـ ابن حزم ـ روينا من طريق عبد الرزاق عن معمر عن الزهري قال عروة قالت عائشة أم المؤمنين : نزلت ( فعدة من أيام أخر متتابعات ) فسقطت متتابعات ) ، راجع تفسير القرطبي ج2ص281 ، نيل الأوطار ج4ص316 .
(3) الدر المنثور ج1 ص302 ، سنن الترمذي ج5ص217ح2982 وعلق عليه ( هذا حديث حسن صحيح ).

إعلام الخَلف بمن قال بتحريف القرآن من أعلام السّلف _ 645 _
  سـمعت رسول الله صلى الله عليه (وآله) وسلم يقرأ ( حافظوا على الصلوات والصلاة الوسطى وهى صلاة العصر ) ) (1) .
  أقول : بقي هذا التحريف في مصحف عائشة إلى زمن متأخر بعد موتـها ، كما هو مفاد هذه الرواية : ( أخرج عبد الرزاق وابن أبي داود عن هشام بن عروة قال : قرأت في مصحف عائشة ( حافظوا على الصلوات والصلاة الوسطي وصلاة العصر وقوموا لله قانتين ) ) (2) .
  لأن هشام بن عروة قرأ هذا التحريف في مصحفها وقد ولد سنة إحدى وستين وماتت عائشة سنة سبع وخمسين للهجرة لذا لم تر عائشة هشاما ، ومعلوم أن المرء لا يقرأ في أول سني عمره .
  * قال أحد علماؤهم : لعل عائشة كانت ترى تحريف هذه الآية !
  قال إمامهم الباجي : ( يحتمل أنـها سمعتها على أنـها قرآن ثم نسخت كما في حديث البراء الذي رواه مسلم ، فلعل عائشة لم تعلم بنسخها أو اعتقدت أنـها مما نسخ حكمه وبقي رسمه ، ويـحتمل أنه ذكرها صلى الله عليه وسلم على أنـها من غير القرآن لتأكيد فضيلتها فظنتها قرآنا فأرادت إثباتـها في المصحف لذلك ) (3) ، أي تحتمل أن عائشة حرفت القرآن وزادت فيه ما ليس منه لـجهل منها .

--------------------
(1) الدر المنثور ج1ص303.
(2) ن.م ص302.
(3) عون المعبود ج2ص58 ، شرح الزرقاني ج1ص403 ، لاحظ أن علماء أهل السنة مقيدون بقيود وحدود في مواضع معينة ، فهم يكتفون فيها بنقل كلمات بعض علمائهم الذين تجاوزوا هذه الحدود قليلا ، فمثلا هذه الكلمة للباجي يكررها علماؤهم عندما يتكلمون عن زيادة عائشة ولا أحد منهم يجرأ بمحاولة صياغة مثلها أو يعبّر تعبيرا قريبا من مضمونـها ، وسيمر علينا كثرة استشهادهم بكلام الإمام البزار في مسنده الذي صرح بأن ابن مسعود أنكر المعوذتين وخالف الصحابة ، وهذه الحدود لم تصنعها إلا القداسة الفارغة التي تجعل نيل الحقائق أمرا صعبا مستصعبا .

إعلام الخَلف بمن قال بتحريف القرآن من أعلام السّلف _ 646 _
حفصة بنت عمر
* حفصة تَشهد لتـحرّف القرآن !
  ( أخرج ابن الأنباري في المصاحف ـ إلى قوله ـ فجمعوا القرآن وأمر أبو بكر مناديا فنادي في الناس : من كان عنده من القرآن شيء فليجيء به . قالت : حفصة إذا انتهيتم إلى هذه الآية فاخبرون (حَافِظُوا عَلَى الصَّلَوَاتِ وَالصَّلاَةِ الْوُسْطَى) (البقرة/238)، قالت : أكتبوا ( والصلاة الوسطى وهى صلاة العصر ) فقال لها عمر : أ لك بـهذا بينة ؟ قالت : لا ! قال : فوالله لا ندخل في القرآن ما تشهد به امرأة بلا إقامة بينة ) (1) .
* تـحرّف القرآن عمليا !
  بعدما عجزت عن تحريف قرآن المسلمين عرجت على مصحفها لتحرفه ! ( أخرج عبد الرزاق والبخاري في تاريخه وابن جرير وابن أبي داود في المصاحف عن أبي رافع مولى حفصة قال : استكتبتني حفصة مصحفا فقالت : إذا أتيت على هذه الآية فتعال حتى أمليها عليك كما أقرئتها ، فلما أتيت على هذه الآية (حَافِظُوا عَلَى الصَّلَوَاتِ) قالت : أكتب ، (حافظوا على الصلوات والصلاة الوسطى وصلاة العصر ) ).
  ( أخرج مالك وأبو عبيد وعبد بن حميد وأبو يعلى وابن جرير وابن الأنباري في المصاحف والبيهقي في سننه عن عمرو بن رافع قال : كنت أكتب مصحفا لحفصة زوج النبي صلى الله عليه (وآله) وسلم فقالت : إذا بلغت هذه الآية فآذني (حَافِظُوا عَلَى الصَّلَوَاتِ وَالصَّلاَةِ الْوُسْطَى) فلما بلغتها آذنتها فأملت علي ( حافظوا على الصلوات والصلاة الوسطى وصلاة العصر وقوموا لله قانتين ) وقالت : أشهد أني سمـعتها من رسول الله صلى الله عليه (وآله) وسلم ).
  وهذا نص البيهقي : ( عن عمر بن رافع مولى عمر بن الخطاب رضي الله تعالى عنه قال : كنت أكتب المصاحف في زمان أزواج النبي صلى الله عليه (وآله) وسلم فاستكتبتني حفصة بنت عمر مصحفا لها فقالت : لي أي بني إذا انتهيت إلى هذه الآية (حَافِظُوا عَلَى الصَّلَوَاتِ وَالصَّلاَةِ الْوُسْطَى) فلا تكتبها حتى تأتيني فأمليها عليك كما حفظتها من رسول الله صلى الله عليه (وآله) وسلم فلما انتهيت إليها حملت الورقة والدواة حتى جئتها فقالت : أكتب ( حافظوا على الصلوات والصلاة الوسطى هي صلاة العصر وقوموا لله قانتين ) ) (2) .

--------------------
(1) الدر المنثور ج1ص303 .
(2) السنن الكبرى للبيهقي ج1ص462ح2009.

إعلام الخَلف بمن قال بتحريف القرآن من أعلام السّلف _647 _
  ( أخرج عبد الرزاق عن نافع أن حفصة دفعت مصحفا إلى مولى لها يكتبه ، وقالت : إذا بلغت هذه الآية (حَافِظُوا عَلَى الصَّلَوَاتِ وَالصَّلاَةِ الْوُسْطَى) فآذني فلما بلغها جاءها فكتبت بيدها ( حافظوا على الصلوات والصلاة الوسطى وصلاة العصر ) ) .
  ( أخرج ابن أبى داود في المصاحف من طريق نافع عن ابن عمر عن حفصة أنـها قالت لكاتب مصحفها : إذا بلغت مواقيت الصلاة فأخبرني حتى أخبرك ما سمعت من رسول الله صلى الله عليه (وآله) وسلم فلما أخبرها قالت : أكتب ! إني سمعت رسول الله صلى الله عليه (وآله) وسلم يقول ( حافظوا على الصلوات والصلاة الوسطى وصلاة العصر ) ) (1) .
  ولا أكاد أفهم ما معنى إدخال أحدهم جملة ما في القرآن ، ويشهد على أنـها منه ، ويعاود الكرة مرة بعد أخرى ، ثم يكتبها بيده ، فيموت ويترك مصحفا فيه تلك الزيادة ضمن النص القرآني ومع ذلك كله لا يعتقد أن هذه الجملة من القرآن !
(1) الدر المنثور ج1ص302ـ303
أقول لا عجب في الموافقة التامة بين فعل عائشة وفعل حفصة إذ المتأمل في سورة التحريم التي تحكي تآمرهما وتظاهرهما على النبي صلى الله عليه وآله وسلم حتى أنزل الله عز وجل بـهما قوله ( إِنْ تَتُوبَا إِلَى اللَّهِ فَقَدْ صَغَتْ قُلُوبُكُمَا وَإِنْ تَظَاهَرَا عَلَيْهِ فَإِنَّ اللَّهَ هُوَ مَوْلاَهُ وَجِبْرِيلُ وَصَالِحُ الْمُؤْمِنِينَ وَالْمَلاَئِكَةُ بَعْدَ ذَلِكَ ظَهِيرٌ عَسَى رَبُّهُ إِنْ طَلَّقَكُنَّ أَنْ يُبْدِلَهُ أَزْوَاجًا خَيْرًا مِنْكُنَّ مُسْلِمَاتٍ مُؤْمِنَاتٍ قَانِتَاتٍ تَائِبَاتٍ عَابِدَاتٍ سَائِحَاتٍ ثَيِّبَاتٍ وَأَبْكَارًا) (التحريم/5) إلى أن يقول سبحانه وتعالى : (ضَرَبَ اللَّهُ مَثَلاً لِلَّذينَ كَفَروا امْرَأَتَ نوحٍ وامْرَأَتَ لوطٍ كانَتا تَحْتَ عَبْدَيْنِ مِنْ عِبادِنا صالِحَيْنِ فَخانَتاهُما فَلَمْ يُغْنِيا عَنْهُما مِنَ اللَّهِ شَيْئاً وَقيلَ ادْخُلا النّارَ مَعَ الدّاخِلين) (التحريم/10) يتضح لنا أن المرأتين كانتا في حالة وفاق واتفاق حتى في إيذاء النبي صلى الله عليه وآله وسلم .

إعلام الخَلف بمن قال بتحريف القرآن من أعلام السّلف _ 648 _
عبد الله بن عمر
* ضاع الكثير من القرآن !
  وهذا الولد البار بأبيه أعطى الأمة الإسلامية زبدة المخض ، فاختصر الكلام وأوجز كل كلام أبيه ومن سلك مسلكه في نسبة ما ليس من القرآن إليه ، فقد أخرج أبو عبيد بسند صحيح وابن الضريس وابن الأنباري في المصاحف :
  ( عن ابن عمر قال : لا يقولن أحدكم قد أخذت القرآن كله ! ما يدريه ما كله ؟! قد ذهب منه قرآن كثير ، ولكن ليقل قد أخذت ما ظهر منه ) (1) .

عبد الله بن الزبيـر
* الآية خطأ !
  ( أخرج الفراء عن ابن الزبير أنه قال على المنبر : ما بال صبيان يقرؤون (نَخِرَةً) ؟! إنما هي ( ناخرة ) ! ) (2).
  ( أخرج سعيد بن منصور وعبد الرزاق وعبد بن حميد وابن جرير وابن المنذر وأبو الشيخ عن عمرو بن دينار قال سمعت عبد الله بن الزبير يقول : صبيانا ههناـ إلى قوله ـ ويقرؤون (فِي عَيْنٍ حَمِئَةٍ) وإنما هي ( حامية ) ! ) (3).
  وهاهو ابن الزبير يرى أن جماهير المسلمين من الصحابة والتابعين إلى يومنا الحاضر صبيان ! ، ولا ريب أن هذا الإنكار الصريح لأحد حروف القرآن يستوجب الكفر عن أهل السنة .

--------------------
(1) الدر المنثور ج1 ص106 ، وسنده في فضائل القرآن لأبي عبيد ( أبو عبيد حدثنا إسماعيل بن إبراهيم ـ الثقة الحافظ الورع ـ عن أيوب بن أبي تميمية ـ الثقة العابد الزاهد ـ عن نافع ـالثقة الحافظ ـ عن ابن عمر قال …).
(2) الدر المنثور ج6ص312 ، وهو في تفسير الفراء المسمى بمعاني القرآن ج3ص231 بـهذا السند ( قال محمد بن عبد العزيز التيمي عن المغيرة عن مجاهد قال : …)
  ومحمد بن عبد العزيز قال عنه في الجرح والتعديل ج8ص6ت23 : (محمد بن عبد العزيز التيمي الكوفى روى عن المغيرة ، أخبرنا إبراهيم بن يعقوب الجوزجاني فيما كتب إلي حدثني عثمان بن زفر حدثنا محمد بن عبد العزيز التيمي ثقة ، كان شريك يقول : هو قريع القراء يعنى سيد القراء ، نا عبد الرحمن انا يعقوب بن إسحاق الهروي فيما كتب إلي نا عثمان بن سعيد الدارمي قال قلت ليحيى بن معين : محمد بن عبد العزيز التيمى الكوفى تعرفه ؟ حدثنا عنه أحمد بن يونس ، فقال : لا أعرفه ، قال أبو محمد : يعني أخبره ، قال عثمان بن سعيد كان محمد بن عبد العزيز ثقة : كان أحمد بن يونس يذكر عنه خيرا وفضلا ، خرج من الكوفة وقال لا أقيم ببلد يشتم فيها أصحاب رسول الله ).
  وفي الكامل في ضعفاء الرجال ج6ص207ت1680 : (ومحمد بن عبد العزيز التيمي إنما قال بن معين أنه لا يعرفه لقلة حديثه ) ، وأما الغيرة بن مقسم الضبي فهو ثقة متقن راجع تحرير التقريب ت6851 ، وأما مجاهد فهو ثقة إمام وقد أدرك ابن الزبير بلا شك .
(3) ن.م ج1ص 38 ، وسنده صحيح نحو ما في سنن سعيد بن منصور ج5ص69ح901 ( حدثنا سعيد قال نا سفيان بن عيينة عن عمرو بن دينار سمع ابن الزبير يقول … ).

إعلام الخَلف بمن قال بتحريف القرآن من أعلام السّلف _ 649 _
القسم الثاني : من لم ير النبي صلى الله عليه وآله وسلم .
  أميـرهم مروان بن الحكم (1)

--------------------
(1) سير أعلام النبلاء ج3 ص4476 وما بعدها ت102 : ( مروان بن الحكم بن أبي العاص بن أمية بن عبد شمس بن عبد مناف ، الملك أبو عبد الملك القرشي الأموي ، وقيل : يكنى أبا القاسم ، وأبا الحكم ، مولده بمكة ، وهو أصغر من ابن الزبير بأربعة أشهر ، وقيل : له رؤية ، وذلك محتمل ، وكان كاتب ابن عمه عثمان ، وإليه الخاتم ، فخانه ، وأجلبوا بسببه على عثمان ، ثم نجا هو ، وسار مع طلحة والزبير للطلب بدم عثمان ، فقتل طلحة يوم الجمل ، ونجا ـ لا نجي ـ ثم ولي المدينة غير مرة لمعاوية ، وكان أبوه قد طرده النبي صلى الله عليه (وآله) وسلم إلى الطائف ، ثم أقدمه عثمان إلى المدينة لأنه عمه ( !! ) ، ولما هلك ولد يزيد ، أقبل مروان ، وانضم إليه بنو أمية وغيرهم ، وحارب الضحاك الفهري ، فقتله ، وأخذ دمشق ، ثم مصر ، ودعا بالخلافة ، وكان ذا شهامة ، وشجاعة ، ومكر ، ودهاء ، أحمر الوجه ، قصيرا ، أوقص ، دقيق العنق ، كبير الرأس واللحية ، يلقب : خيط باطل .
  قال الشافعي : لما انـهزموا يوم الجمل ، سأل علي عن مروان ، وقال : يعطفني عليه رحم ماسة ، وهو مع ذلك سيد من شباب قريش ، وقال قبيصة بن جابر : قلت لمعاوية : من ترى للأمر بعدك ؟ فسمى رجالا ، ثم قال : وأما القارئ الفقيه الشديد في حدود الله ، مروان (!) ، قال أحمد : كان مروان يتتبع قضاء عمر .
  وروى ابن عون ، عن عمير بن إسحاق ، قال : كان مروان أميرا علينا ، فكان يسب رجلا كل جمعة ـ واضح أنه الإمام علي عليه السلام الذي من سبه فقد سب رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم ـ ثم عزل بسعيد بن العاص ، وكان سعيد لا يسبه ، ثم أعيد مروان ، فكان يسب ، فقيل للحسن : ألا تسمع ما يقول ؟ فجعل لا يرد شيئا وساق حكاية .
  قال عطاء بن السائب : عن أبي يحيى ، قال : كنت بين الحسن والحسين ومروان ، والحسين يساب مروان ، فنهاه الحسن ، فقال مروان : أنتم أهل بيت ملعونون ، فقال الحسن : ويلك قلت هذا ! والله لقد لعن الله أباك على لسان نبيه وأنت في صلبه ، يعني : قبل أن يسلم ، وأبو يحيى هذا نخعي لا أعرفه ، جعفر بن محمد : عن أبيه ، كان الحسن والحسين يصليان خلف مروان (‍!) ولا يعيدان .
  العلاء بن عبد الرحمن ، عن أبيه ، عن أبي هريرة ، قال : إذا بلغ بنو العاص ثلاثين رجلا ، اتخذوا مال الله دولا ، ودين الله دغلا ، وعباد الله خولا ، جاء هذا مرفوعا ، لكن فيه عطية العوفي ، قلت : استولى مروان على الشام ومصر تسعة أشهر ، ومات خنقا من أول رمضان سنة خمس وستين ، قال مالك : تذكر مروان ، فقال : قرأت كتاب الله من أربعين سنة ، ثم أصبحت فيما أنا فيه من هرق الدماء وهذا الشأن ؟!
  قال ابن سعد : كانوا ينقمون على عثمان تقريب مروان وتصرفه ، وقاتل يوم الجمل أشد قتال ، فلما رأى الهزيمة رمى طلحة بسهم ، فقتله ، وجرح يومئذ ، فحمل إلى بيت امرأة ، فداووه ، واختفى ، فأمنه علي ، فبايعه ، ورد إلى المدينة ، وكان يوم الحرة مع مسرف بن عقبة يحرضه على قتال أهل المدينة ).
  أسد الغابة ج4ص348 ـ 349 : ( وهو ابن عم عثمان بن عفان بن أبي العاص ولد على عهد رسول الله صلى الله عليه (وآله) وسلم قيل ولد سنة اثنتين من الهجرة ، قال مالك : ولد يوم أحد ، وقيل ولد يوم الخندق وقيل ولد بمكة وقيل بالطائف ولم ير النبي صلى الله عليه (وآله) وسلم لأنه خرج إلى الطائف طفلا لا يعقل لما نفى النبي صلى الله عليه (وآله) وسلم أباه الحكم لما ذكرناه في ترجمة أبيه ، وكان مع أبيه بالطائف حتى استخلف عثمان فردهما واستكتب عثمان مروان وضمه إليه ، ونظر إليه علي يوما فقال : ويلك وويل أمة محمد منك ومن بنيك .
  وكان يقال لمروان خيط باطل ، وضرب يوم الدار على قفاه فقطع أحد علياويه فعاش بعد ذلك أوقص ، والأوقص الذي قصرت عنقه ، ولما بويع مروان بالخلافة بالشام قال أخوه عبد الرحمن بن الحكم وكان ماجنا حسن الشعر لا يرى رأى مروان : ( فوالله ما أدري وإني لسائل حليلة مضروب القفا كيف يصنع لحاالله قوما أمروا خيط باطل على الناس يعطى ما يشاء ويمنع )
  وقيل إنما قال عبد الرحمن هذا حين استعمل معاوية مروان على المدينة واستعمله معاوية على المدينة ومكة والطائف ثم عزله عن المدينة سنة ثمان وأربعين واستعمل عليها سعيد بن أبي وقاص وبقي عليها أميرا إلى سنة أربع وخمسين ثم عزله واستعمل الوليد بن عتبة بن أبي سفيان فلم يزل عليها إلى أن مات معاوية ولما مات معاوية بن يزيد بن معاوية ولم يعهد إلى أحد بايع بعض الناس بالشام مروان بن الحكم بالخلافة وبايع الضحاك بن قيس الفهري بالشام أيضا لعيد الله بن الزبير ، فالتقيا واقتتلا بمرج راهط عند دمشق فقتل الضحاك واستقام الأمر بالشام ومصر لمروان ، وتزوج مروان أم خالد بن يزيد ليضع من خالد ، وقال يوما لخالد : يا ابن الرطبة الأست ـهذا أمير المؤمنين! ـ ، فقال له خالد : أنت مؤتمن خائن ، وشكى خالد ذلك يوما إلى أمه ، فقالت : لا تعلمه أنك ذكرته لي ، فلما دخل اليها مروان قامت اليه مع جواريها فغمته حتى مات ، وكانت مدة ولايته تسعة أشهر وقيل عشرة أشهر ومات وهو معدود فيمن قتله النساء ).
  الإصابة ج3ص477 ت8324 : ( وهو ابن عم عثمان وكاتبه في خلافته يقال ولد بعد الهجرة بسنتين وقيل بأربع وقال ابن شاهين مات النبي صلى الله عليه (وآله) وسلم وهو ابن ثمان سنين فيكون مولده بعد الهجرة بسنتين قال وسمعت بن داود يقول ولد عام أحد يعني سنة ثلاث ، وقال ابن أبي داود : وقد كان في الفتح مميزا وفي حجة الوداع ولكن لا يدرى أسمع من النبي صلى الله عليه (وآله) وسلم شيئا أم لا .
  وقال ابن طاهر : ولد هو والمسور بن مخرمة بعد الهجرة بسنتين لا خلاف في ذلك كذا قال ، وهو مردود والخلاف ثابت وقصة إسلام أبيه ثابتة في الفتح لو ثبت أن في ذلك السنة مولده لكان حينئذ مميزا فيكون من شرط القسم الأول ، لكن لم أر من جزم بصحبته فكأنه لم يكن حينئذ مميزا ومن بعد الفتح أخرج أبوه إلى الطائف وهو معه فلم يثبت له أزيد من الرؤية ، وكان يعد في الفـقهاء وأنكر بعضهم أن يكون له رواية منهم البخاري ، وكان مع أبيه بالطائف إلى أن أذن عثمان للحكم في الرجوع إلى المدينة فرجع مع أبيه ثم كان من أسباب قتل عثمان ثم شهد الجمل مع عائشة ثم صفين مع معاوية ثم ولي إمرة المدينة لمعاوية ثم لم يزل بـها إلى أن أخرجهم ابن الزبير في أوائل إمرة يزيد بن معاوية فكان ذلك من أسباب وقعة الحرة ، وبقي بالشام إلى أن مات معاوية بن يزيد بن معاوية فبايعه بعض أهل الشام في قصة طويلة ثم كانت الوقعة بينه وبين الضحاك بن قيس وكان أميرا لابن الزبير فانتصر مروان وقتل الضحاك واستوثق له ملك الشام ) .
  تـهذيب الكمال ج27ص387ت5870 : ( ولد بعد الهجرة بسنتين وقيل بأربع وكان أصغر من عبد الله بن الزبير بأربعة أشهر ولم يصح له سماع من النبي صلى الله عليه (وآله) وسلم وقد روى عن النبي صلى الله عليه (وآله) وسلم حديث الحديبية بطوله ، وكان كاتبا لعثمان وولي إمرة المدينة لمعاوية والموسم وبويع له بالخلافة بعد موت معاوية بن يزيد بن معاوية بالجابية وكان الضحاك بن قيس قد غلب على دمشق وبايع بـها لابن الزبير ثم دعا إلى نفسه فقصده مروان فواقعه بمرج راهط فقتل الضحاك وغلب على دمشق ).
  أقول : كون مروان هذا من سلفهم الصالح فيه تسامح ـ إلا إذا أبى الوهابية إخراجه من زمرة سلفهم الصالح كما فعلوه مع يزيد لعنة الله عليه ـ وأما كونه من أمرائهم ووجهائهم فلا شك فيه ويكفي أنه كان موضع ثقة عند عثمان بن عفان وكان الآمر الناهي في خلافته وقد استعمله معاوية على المدينة ومكة والطائف ثم صار أمير المؤمنين وخليفة أهل السنة بل عد من الفقهاء كما ذكر ابن حجر !
  وللزيادة راجع ترجمته في طبقات ابن سعد 5/35 ، نسب قريش : 159 ، 160 ، طبقات خليفة : ت1984 ، المحبر : 22 ، 55 ، 58 ، 228 ، 377 ، التاريخ الكبير 7/368 ، المعارف : 353 ، الجرح والتعديل 8 / 271 ، تاريخ الطبري 5/530 وما بعدها ، و610 ، مروج الذهب 3/285 ، جمهرة أنساب العرب : 87 ، الاستيعاب : 1387 ، الجمع بين رجال الصحيحين 2/501 ، تاريخ ابن عساكر 16/170 ، أسد الغابة 5/144 ، الكامل 4/191 ، الحلة السيراء 1/28 ، تـهذيب الأسماء واللغات 1/87 ، تاريخ الإسلام 3/70 ، تـهذيب التهذيب 4/30 ، البداية والنهاية 8/239و257 ، العقد الثمين 7/165 ، تـهذيب التهذيب 10/91 ، النجوم الزاهرة 1/164،169 ، خلاصة تـهذيب الكمال 318 ، شذرات الذهب 1/73 .

إعلام الخَلف بمن قال بتحريف القرآن من أعلام السّلف _ 650 _
القرآن زيد فيه !
  ( أخرج أبو عبيد وابن المنذر عن مروان ( وجعلوا الملائكة عند الرحمن إناثا ) ليـس فـيه (الَّذِينَ هُمْ) ‍! ) (1).
  وهذا إنكار صريح لمقطع من الآية الكريمة (وَجَعَلُوا الْمَلاَئِكَةَ الَّذِينَ هُمْ عِبَادُ الرَّحْمَانِ إِنَاثًا) (الزخرف/19) ، فهل يكفرون مروان بن الحكم أم لا ؟!

--------------------
(1) الدر المنثور ج6ص5.