عالم المدينة الإمام عروة بن الزبيـر (1)
الخطأ واللـحن في القرآن !
  ( أخرج أبو عبيد في فضائله وسعيد بن منصور وابن أبى شيبة وابن جرير وابن أبى داود وابن المنذر عن عروة قال : سألت عائشة عن لـحن القرآن (إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَالَّذِينَ هَادُوا وَالصَّابِئُونَ) (المائدة/69) ، (وَالْمُقِيمِينَ الصَّلاَةَ وَالْمُؤْتُونَ الزَّكَاةَ) (النساء/162) ، (قَالُوا إِنْ هَذَانِ لَسَاحِرَانِ) (طه/63) ، فقالت : يا ابن أختي هذا عمل الكُـتّاب أخطئوا في الكِتاب ) (2) ، وهو صحيح على شرط الشيخين كما مر .
  وفي تاريخ المدينة للنميري : ( حدثنا أحمد بن إبراهيم قال ، حدثنا علي بن مسهر ، عن هشام بن عروة ، عن أبيه قال : سألت عائشة رضي الله عنها عن لحن القرآن (قَالُوا إِنْ هَذَانِ لَسَاحِرَانِ) (طه/63) ،

--------------------
(1) تـهذيب الكمال ج20ص11ت3905 ( عروة بن الزبير بن العوام ، ذكره محمد بن سعد في الطبقة الثانية من أهل المدينة وقال : كان ثقة ، كثير الحديث ، فقيها ، عالما ، مأمونا ، ثبتا ، وقال أحمد بن عبد الله العجلي : مدني ، تابعي ، ثقة ، وكان رجلا صالحا لم يدخل في شيء من الفتن ، وقال يوسف بن يعقوب الماجشون عن ابن شهاب : كان إذا حدثني عروة ثم حدثتني عمرة صدق عندي حديث عمرة حديث عروة فلما استخبرتـهما وفي رواية فلما تبحرتـهما إذا عروة بحر لا ينزف ، قال هشام : وكان أبي يدعوني وعبد الله بن عروة وعثمان وإسماعيل اخوتي وآخر قد سماه هشام ، فيقول : لا تغشوني مع الناس إذا خلوت فسلوني ، فكان يحدثنا يأخذ في الطلاق ثم الخلع ثم الحج ثم الهدي ثم كذا ثم يقول : كرروا علي ، وفي رواية عليه ، فكان يعجب من حفظي ، قال هشام : فو الله ما تعلمنا جزءا من ألف جزء وفي رواية من ألفي جزء من أحاديثه .
  وقال سفيان بن عيينة عن الزهري : كان عروة يتألف الناس على حديثه ، وقال المبارك بن فضالة عن هشام بن عروة عن أبيه أنه كان يقول لنا ونحن شباب : ما لكم لا تعلمون إن تكونوا صغار قوم يوشك أن تكونوا كبار قوم وما خير الشيخ يكون شيخا وهو جاهل ! لقد رأيتني قبل موت عائشة بأربع حجج أو خمس حجج وأنا أقول : لو ماتت اليوم ما ندمت على حديث عندها إلا وقد وعيته ، ولقد كان يبلغني عن الرجل من أصحاب رسول الله صلى الله عليه (وآله) وسلم الحديث فآتيه فأجده قد قال فأجلس على بابه فأسأل عنه ، قال عمر بن عبد العزيز : ما أحد أعلم من عروة بن الزبير .
  وقال عبد الرحمن بن أبي الزناد عن أبيه : كان من أدركت من فقهاء المدينة ممن ينتهي إلى قولهم منهم سعيد بن المسيب وعروة بن الزبير ـ وذكر الباقي ـ ، وفي رواية عنه إن فقهاء المدينة الذين أخذ عنهم الرأي سبعة فعدهم وذكر منهم عروة بن الزبير ، وقال يونس بن يزيد عن الزهري : كان عروة بحرا لا تكدره الدلاء ، وقال معمر عن الزهري : أربعة من قريش وجدتـهم بحورا سعيد بن المسيب وعروة بن الزبير وأبو سلمة بن عبد الرحمن وعبيد الله بن عبد الله .
  هكذا وقع في هذه الرواية وهو وهم فإن عبيد الله هذلي وليس بقرشي ، عن سفيان بن عيينة : كان أعلم الناس بحديث عائشة ثلاثة القاسم بن محمد وعروة بن الزبير وعمرة بنت عبد الرحمن ، عن عبد الرحمن بن حميد بن عبد الرحمن بن عوف : دخلت مع أبي المسجد فرأيت الناس قد اجتمعوا على رجل ، فقال أبي : يا بني انظر من هذا ، فنظرت فإذا عروة بن الزبير ، قال قلت له : يا أبة ، هذا عروة بن الزبير ، وتعجبت من ذلك ، فقال : يا بني لا تعجب ! فوالله لقد رأيت أصحاب رسول الله صلى الله عليه (وآله) وسلم وإنـهم ليسألونه .
  عن عثمان بن عروة : كان عروة يقول : يا بني هلموا فتعلموا فإن أزهد الناس في عالم أهله وما أشده على امرئ أن يسأل عن شيء من أمر دينه فيجهله ، وقال معمر عن هشام بن عروة : أن أباه حرق كتبا له فيها فقه ، ثم قال : لوددت أني كنت فديتها بأهلي ومالي ، وقال الأصمعي عن عبد الرحمن بن أبي الزناد قال عروة بن الزبير كنا نقول لا نتخذ كتابا مع كتاب الله فمحوت كتبي فوالله لوددت أن كتبي عندي إن كتاب الله قد استمرت مريرته ، عن هشام بن عروة ما سمعت أحدا من أهل الأهواء يذكر عروة إلا بخير . )
  سير أعلام النبلاء ج4 ص 421 ت 168 : ( الإمام ، عالم المدينة ، أبو عبد الله القرشي الأسدي ، المدني ، الفقيه ، أحد الفقهاء السبعة ، عن الزهري ، قال : سألت ابن صعير عن شئ من الفقه ، فقال : عليك بـهذا ، وأشار إلى ابن المسيب ، فجالسته سبع سنين لا أرى أن عالما غيره ، ثم حولت إلى عروة ، ففجرت به ثبج بحر ، عن الزهري ، قال : كنت آتي عروة ، فأجلس ببابه مليا ، ولو شئت أن أدخل دخلت ، فأرجع وما أدخل إعظاما له ).
(2) الدر المنثور ج2ص246 ، تفسير الطبري ج9ص395 ، كتاب المصاحف لابن أبي داود ص34 ، وهو في زاد المسير لابن الجوزي ج2ص251 ، وتفسير الخازن ج1ص622 ، وتفسير البغوي ج1ص498 وغيرها .

إعلام الخَلف بمن قال بتحريف القرآن من أعلام السّلف _ 652 _
  وقوله (إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَالَّذِينَ هَادُوا وَالصَّابِئُونَ) (المائدة/69) ، (وَالْمُقِيمِينَ الصَّلاَةَ وَالْمُؤْتُونَ الزَّكَاةَ) (النساء/162) وأشـبـاه ذلـك ، فقالت : أي بني إن الكتاب يخطئون ) (1) .
  واضح من الرواية أن عروة بن الزبير كان يعلم مسبقا بوقوع الخطأ والتحريف في القرآن لذا جاء لـخالته عائشة لتبين له سبب هذا اللحن والتحريف الموجود في هذه الآيات وأشباهها في القرآن !! ، فذكرت له أن الكتاب أخطؤوا في الكتاب ! ، فصار عروة ينقل للناس ما جرى بينه وبين خالته بلا أي مشكلة !!

* أخطأ الكتّاب !
  ( أخرج عبد بن حميد عن هشام بن عروة قال : كان أبي يقرؤها ( وما هو على الغيب بظنين ) فقيل له في ذلك ، فقال : قالت عائشة : إن الكتّاب يـخطئون في المصاحف ) (2) .
  وها هو ابن عروة يخبرنا عن أبيه أنه كان يقرأ خلاف قراءة العامة ، وعندما اعترض عليه أخذ برأي خالته عائشة بأن كتّاب المصحف قد أخطؤوا في كتابته وحرفوه ، أي رجال تكفرون أيها الوهابية ؟!

--------------------
(1) تاريخ المدينة لابن شبة النميري ج3ص1013.
(2) الدر المنثور ج6 ص 321 .

إعلام الخَلف بمن قال بتحريف القرآن من أعلام السّلف _ 653 _
إمام العلم ابن شهاب الزهري (1)
  يوم اليمامة :
  أخرج ابن أبي داود بسند صحيح إلى ابن شهاب الزهري : ( حدثنا أبو الربيع ، أخبرنا ابن وهب قال أخبرني يونس ، عن ابن شهاب قال : بلغنا أنه كان أنزل قرآن كثير ، فقتل علماؤه يوم اليمامة الذين كانوا قد وعوه ولم يعلم بعدهم ولم يكتب ) (2) .
  قول الزهري وقول ابن الخطاب من قبل وما سيأتي من قول مجاهد وسفيان الثوري كلها تدل على أن سلفهم الصالح كان مسلما بسقوط كثير من آيات القرآن باستشهاد الحفظة يوم اليمامة في زمن أبي بكر ، وهو ما دفع أبا بكر لجمع القرآن حتى لا يتسع الخرق فيضيع كل القرآن بموت حفظته ! ، فهل يكفرون الزهري على قوله السابق ؟!

--------------------
(1) سير أعلام النبلاء ج4 ترجمة رقم160ص326 وما بعدها ( إمام العلم ، حافظ زمانه ، عن سفيان قال : كان الزهري أعلم أهل المدينة ، قال عمر بن عبد العزيز : عليكم بابن شهاب هذا فإنكم لا تلقون أحدا أعلم بالسنة الماضية منه ، وقال وهيب سمعت أيوب يقول : ما رأيت أحدا أعلم من الزهري ، فقال له صخر بن جُويرية : ولا الحسن البصري !؟ فقال : ما رأيت أحدا أعلم من الزهري ! ).
  وفيات الأعيان ج4ص177ت563 ( أحد الفقهاء والمحدثين ، والأعلام التابعين بالمدينة رأى عشرة من الصحابة رضوان الله عليهم ، وقيل لمكحول : من أعلم من رأيت ؟ قال : ابن شهاب ، قيل له : ثُم من ؟ قال : ابن شهاب ، قيل : ثُم من ؟! قال : ابن شهاب ، وكان قد حفظ علم الفقهاء السبعة )
  البداية والنهاية ج9ص340 وما بعدها ( أبو بكر القرشي الزهري أحد الأعلام من أئمة الإسلام ، تابعي جليل ، سمع غير واحد من التابعين وغيرهم ، وقال الإمام أحمد : أحسن الناس حديثا وأجودهم إسنادا الزهري ، وقال مالك : كان الزهري إذا دخل المدينة لم يحدث بـها أحداً حتى يخرج ، وقال علي بن المديني : الذين أفتوا أربعة : الزهري والحكم وحماد وقتادة ، والزهري أفقههم عندي ) .
  طبقات ابن سعد ج5ص348ت1065 ( قال مالك بن أنس : ما أدركت فقيها ، محدثا غير واحد ، فقلت من هو ؟ فقال : ابن شهاب الزهري ، قالوا : وكان ثقة ، كثير الحديث ، والعلم ، والدراية ، فقيها جامعا )
  صفوة الصفوة ج2ص136ت178 ( عن إبراهيم بن سعد عن أبيه قال : ما أرى أحدا جمع بعد رسول الله صلى الله عليه (وآله) وسلم ما جمع ابن شهاب )
  تذكرة الحفاظ للذهبي ج1ص108ت97 ( الزهري أعلم الحفاظ ، قال أبو الزناد كنا نطوف مع الزهري على العلماء ومعه الألواح والصحف يكتب كلما سمع ، وروى أبو صالح عن الليث قال : ما رأيت عالما قط أجمع من الزهري يحدث في الترغيب ، فتقول لا يحسن إلا هذا ، وإن حدث عن العرب والأنساب ، قلت لا يحسن إلا هذا ، وإن حدث عن القرآن والسنة فكذلك ، قال الليث قال الزهري : ما صبر أحد على العلم صبري ولا نشره أحد نشري ، قال عمر بن عبد العزيز : لم يبق أحد أعلم بسنة ماضية من الزهري ، وروى الليث عنه قال : ما استودعت قلبي علما فنسيته ، قال مالك : بقي ابن شهاب وماله في الدنيا نظير ، وقال أيوب السختياني : ما رأيت أعلم منه )
  تاريخ الإسلام حوادث (121 ـ 140ه‍ ) ص227 ( قال عراك بن مالك : ذكر ابن المسيب وعروة إلى أن قال : أعلمهم عندي الزهري فإنه جمع علمهم إلى علمه ، عن ابن شهاب قال : قال لي سعيد بن المسيب : ما مات رجل ترك مثلك ، قال إسماعيل بن أبي أويس : سمعت خالي مالكاً يقول : إن هذا العلم دين فانظروا عمن تأخذون دينكم لقد أدركت في هذا المسجد سبعين ممن يقول : قال فلان قال رسول الله صلى الله عليه (وآله) وسلم وإن أحدهم لو ائتمن على بيت مال لكان به أمينا فما أخذت منهم شيئا لأنـهم لم يكونوا من أهل هذا الشأن ويقدم علينا الزهري وهو شاب فنـزدحم على بابه ، قال أبو بكر الهذلي مع مجالسته للحسن وابن سيرين: لم أر قط مثل الزهري ، وقال سعيد بن عبد العزيز : ما الزهري إلا بحر ) .
(2) المصاحف لأبي بكر بن أبي داود ص31 ، ونقله عنه في منتخب كنز العمال المطبوع بـهامش مسند أحمد ج2ص50 ، وفي طبعة قطر المحققة من محب الدين واعظ في المجلد1ص216ح81 نص على صحة الأثر عن الزهري .

إعلام الخَلف بمن قال بتحريف القرآن من أعلام السّلف _ 654 _
* يـجوز تغير ألفاظ القرآن !
  ويتضح أيضا أن الزهري كان متهاونا في التزام النص القرآني ، حيث جوّز التلاعب بآيات القرآن تقديما وتأخيرا بشرط إصابة المعنى كما هو الحال في ألفاظ الحديث ! ، ففي تاريخ الإسلام للذهبي :
  ( ثنا أبو أويس سألت الزهري عن التقديم والتأخير في الحديث ، فقال : هذا يجوز في القرآن فكيف به في الحديث إذا أصيب معنى الحديث فلا بأس ) (1) ، يا سبحان الله !

--------------------
(1) تاريخ الإسلام حوادث (121-140ه‍ ) ص241 .

إعلام الخَلف بمن قال بتحريف القرآن من أعلام السّلف _ 655 _
الإمام الحجة الحسن البصري (1)
تحريف بالرأي !
  ( أخرج عبد بن حميد عن محمد بن سيرين أنه سئل كيف تقرأ هذه الآية (حَتَّى إِذَا فُزِّعَ عَنْ قُلُوبِهِمْ)(سبأ/23)، أو ( فرغ عن قلوبـهم ) قال : (حَتَّى إِذَا فُزِّعَ عَنْ قُلُوبِهِمْ) ، قال : فإن الحسن يقول بـرأيه أشياء أهاب أن أقولـها ) (2) .
  وهذه شهادة من ابن سيرين على أن الحسن البصري كان يحرف القرآن برأيه !

--------------------
(1) تـهذيب الكمال ج6ص95ت1216 : ( الحسن بن أبي الحسن واسمه يسار البصري أبو سعيد . فيذكرون أن أمه كانت ربما غابت فيبكي فتعطيه أم سلمة ثديها تعلله به إلى أن تجيء أمه فدر عليه ثديها فشربه فيرون أن تلك الحكمة والفصاحة من بركة ذلك .
  حدثنا أبو عمرو الشعاب بإسناد له قال : كانت أم سلمة زوج النبي صلى الله عليه (وآله) وسلم تبعث أم الحسن في الحاجة فيبكي وهو صبي فتسكته بثديها ، قال : وكانت أم سلمة تخرج الحسن إلى أصحاب رسول الله صلى الله عليه (وآله) وسلم وهو صغير وكانت أمه منقطعة إليها فكانوا يدعون له فأخرجته إلى عمر بن الخطاب فدعا له فقال اللهم فقه في الدين وحببه إلى الناس .
  وقال حماد بن زيد عن عقبة بن أبي ثبيت الراسبي : كنت عند بلال بن أبي بردة فذكروا الحسن ، فقال بلال : سمعت أبي يقول والله لقد أدركت أصحاب محمد صلى الله عليه (وآله) وسلم فما رأيت أحدا أشبه بأصحاب محمد من هذا الشيخ يعني الحسن ، وقال جرير بن حازم عن حميد بن هلال : قال لنا أبو قتادة : الزموا هذا الشيخ فما رأيت أحدا أشبه رأيا بعمر بن الخطاب منه يعني الحسن .
  وقال أبو هلا الراسبي عن خالد بن رباح الهذلي سئل أنس بن مالك عن مسألة فقال : سلوا مولانا الحسن ، قالوا : يا أبا حمزة نسألك تقول سلوا الحسن مولانا ! قال : سلوا مولانا الحسن ، فإنه سمع وسمعنا فحفظ ونسينا ، وقال القاسم بن الفضل الحداني عن عمرو بن مرة : أني لأغبط أهل البصرة بـهذين الشيخين الحسن ومحمد بن سيرين .
  وقال موسى بن إسماعيل عن المعتمر بن سليمان : كان أبي يقول الحسن شيخ أهل البصرة ، وقال عبد الرزاق عن معمر قال لي عمرو بن دينار : أبو الشعثاء عندكم أعلم أو الحسن ؟ قال : قلت : ما تقول ؟ إن من عندنا يزعم أن الحسن أعلم من ابن عباس ! قال : وهل كان الحسن إلا من صبيان ابن عباس ؟ قال : فقلت : وهل كان أبو الشعثاء إلا من صبيان الحسن ؟ قال : وما هو عندنا بأعلم منه ، قال عبد الرزاق فقلت لمعمر : أفرطت ! قال : إنه أفرط فأفرطت ! وقال همام بن يحيى عن مطر الوراق : كان رجل أهل البصرة جابر بن زيد فلما ظهر الحسن جاء رجل كأنما كان في الآخرة فهو يخبر عما رأى وعاين .
  وقال ضمرة بن ربيعة عن الأصبغ بن زيد سمعت العوام بن حوشب يقول : ما أشبه الحسن إلا بنبي أقام في قومه ستين عاما يدعوهم إلى الله عز وجل ، وقال عبيد الله بن عمر القواريري عن هشيم أخبر مجالد عن الشعبي قال : ما رأيت الذي كان أسود من الحسن ، قال فلما فرغ هشيم من الحديث قال : لا أعلمه إلا مجالد .
  وقال أيضا عن هشيم أخبرنا الأشعث بن سوار قال : أردت أن أقدم البصرة لألقى الحسن فأتيت الشعبي فسألته فقلت : يا أبا عمرو إني أريد أن آتي البصرة ، قال : وما تصنع بالبصرة ؟ قلت : أريد أن ألقى الحسن فصفه لي ، قال : نعم ، أنا أصفه لك إذا دخلت البصرة فادخل مسجد البصرة فارم ببصرك فإذا رأيت في المسجد رجلا ليس في المسجد مثله أو لم تر مثله فهو الحسن ، قال الأشعث : فأتيت مسجد البصرة فما سألت عن الحسن أحدا حتى جلست إليه بنعت الشعبي .
  وقال محمد بن فضيل عن عاصم الأحول : قلت للشعبي : لك حاجة ؟ قال : نعم إذا أتيت البصرة فأقرئ الحسن مني السلام ، قلت : ما أعرفه ! قال : دخلت البصرة فانظر إلى أجمل رجل تراه في عينيك وأهيبه في صدرك فأقرئه مني السلام ، قال : فما عدا أن دخل المسجد فرأى الحسن والناس حوله جلوس فأتاه وسلم عليه ، وقال موسى بن إسماعيل عن عاصم بن سيار الرقاشي أخبرتني أمه الحكم قالت : كان الحسن يجيء إلى حطان بن عبد الله الرقاشي فما رأيت شابا قط كان أحسن وجها منه .
  عن عمرو بن دينار سمعت قتادة يقول : ما جمعت علم الحسن إلى علم أحد من العلماء إلا وجدت له فضلا عليه غير أنه كان إذا أشكل عليه شيء كتب فيه إلى سعيد بن المسيب يسأله ، وقال أبو عوانة عن قتادة : ما جالست فقيها قط إلا رأيت فضل الحسن عليه .
  وقال جعفر بن سليمان عن مالك بن دينار : لقيت معبدا الجهني بمكة ، فقال : لقيت العلماء ولقيت الناس فلم أر مثل الحسن ، وقال عبيد الله بن عمر القواريري عن حاتم بن وردان : كنا عند أيوب فسأله رجل عن حديث من حديث الحسن في كذا وكذا ثم ضحك فغضب أيوب غضبا ما رأيته غضب مثله ، قال : مم ضحكت ؟! قال : لا شيء يا أبا بكر ! قال : ما ضحكت لخير ! ثم قال أيوب : إنه والله ما رأت عيناك رجلا قط كان أفقه من الحسن .
  وقال عبد الرحمن بن المبارك عن حماد بن زيد : سمعت أيوب يقول كان الرجل يجلس إلى الحسن ثلاث حجج ما يسأله عن مسألة هيبة له ، وقال غالب القطان عن بكر بن عبد الله المزني من سره أن ينظر إلى أعلم عالم أدركناه في زمانه فلينظر إلى الحسن فما أدركنا الذي هو أعلم منه ليتمنين الذي رآه أنه ازداد من علمه والذي لم يره أنه رآه .
  وقال يحيى بن أيوب المقابري عن معاذ بن معاذ قلت للأشعث : قد لقيت عطاء وعندك مسائل أفلا سألته ؟ قال : ما لقيت أحدا يعني بعد الحسن إلا صغر في عيني ، وقال موسى بن إسماعيل عن أبي هلال : كنا في بيت قتادة فجاء الخبر أن الحسن توفي ، فقلت : لقد كان غمس في العلم غمسته فقال قتادة لا والله ولكن نبت فيه وتحقبه وتشربه لا والله لا يبغض الحسن إلا حروري ، وقال موسى أيضا عن سلام بن مسكين سمعت عمران قال : قل ما كانا يختلفان في الفتيا وفي الشيء يعني الحسن وسعيد بن المسيب ، وقال موسى أيضا حدثنا حماد بن سلمة عن الجريري أن أبا سلمة بن عبد الرحمن قال للحسن : ما تفتي به الناس شيء سمعته أو شيء تقوله برأيك ؟ قال : لا والله ما كل ما نـفتي به سمعناه ! ولكن رأينا خير لـهم (!!) ، وقال ضمرة بن ربيعة عن همام سعد بن الحسن قدم أبو سلمة بن عبد الرحمن البصرة فلما رأى تعظيم أهل البصرة للحسن قال : يا أبا سعيد ! أني أرى قواما يعني أنـهم يأخذون برأيه فاتق رأيك .
  وقال محمد بن سلام الجمحي عن عبد الله بن عمر الصبيري قال يونس بن عبيد : إن كان الرجل ليرى الحسن لا يسمع كلامه ولا يرى عمله فينتفع به ، وقال الجمحي أيضا عن همام عن قتادة يقال : ما خلت الأرض من سبعة رهط يسقون وبـهم يدفع عنهم قال قتادة وإني أرجو أن يكون أحد السبعة ، وقال أيضا عن حماد بن سلمة عن قتادة : ما أحد كان أكمل مروءة من الحسن .
  وعن حماد بن سلمة قال قال يونس وحميد الطويل : رأينا الفقهاء فما رأينا أحدا أكمل مروءة من الحسن ، وعن حماد بن سلمة عن علي بن زيد قال : سمعت من سعيد بن المسيب والقاسم بن محمد وسالم بن عبد الله وعروة بن الزبير ويحيى بن جعدة بن هبيرة بن أبي وهب المخزومي وأم جعدة أم هاني بنت أبي طالب فما رأيت فيهم مثل الحسن ولو أدرك أصحاب رسول الله صلى الله عليه (وآله) وسلم وله مثل أسنانـهم ما تقدموه ، عن الحجاج بن أرطاة : سألت عطاء عن القراءة على الجنازة ، قال : ما سمعنا ولا علمنا أنه يقرأ عليها ! فقلت : إن الحسن يقول يقرأ عليها ! قال : عليك بذاك ذاك إمام ضخم يقتدى به .
  وقال حماد بن زيد أيضا سمعت يحيى بن عتيق يقول لأيوب وذكر الحسن : يا أبا بكر ازدرينا علماء الناس بالحسن إذا راضاهم ، قال مطرف بن الشخير : لا أومن على دعاء من لا أعرفه إلا على دعاء الحسن فإني أثق به ، وقال ضمرة أيضا عن رجاء بن أبي سلمة سمعت يونس بن عبيد يقول : أما أنا فإني لم أر أقرب قولا من فعل الحسن .
  وقال الصلت بن مسعود عن إبراهيم بن سعد سمعت خالد بن صفوات وسألوه : ألك علم بالحسن ؟ قال : أنا أهل خبرة به كانت داره ملعبي صغيرا ومجلسه مجلسي كبيرا ، قالوا : فما عندك فيه ؟ قال : كان أحد الناس وما رأيته زاحم على شيء من الدنيا قط ، وقال زائدة بن قدامة عن هشام بن حسان قال الحسن : كان الرجل إذا طلب العلم لم يلبث أن يرى ذلك في بصره وتخشعه ولسانه ويده وصلاته وصلته وزهده ، قال : وكان الحسن يقول : لا تجالسوا أصحاب الأهواء ولا تجادلوهم ولا تسمعوا منهم .
  عن الربيع بن أنس : اختلفت إلى الحسن عشر سنين أو ما شاء الله فليس من يوم إلا أسمع منه ما لم أسمع قبل ذلك ، وقال حماد بن زيد عن يزيد بن حازم : قام الحسن يوما من المسجد الجامع فذهب إلى أهله فاتبعه ناس فالتفت إليهم فقال : إن خفق النعال حول الرجال قل ما يلبث الحمقى .
  وقال محمد بن موسى الحرشي حدثنا ثمامة بن عبيدة قال حدثنا عطية بن محارب عن يونس بن عبيد قال : سألت الحسن قلت :يا أبا سعيد انك تقول قال رسول الله صلى الله عليه (وآله) وسلم وانك لم تدركه ؟ قال : يا ابن أخي لقد سألتني عن شيء ما سألني عنه أحد قبلك ولولا منزلتك مني ما أخبرتك ! إني في زمان كما ترى وكان في عمل الحجاج ، كل شيء سمعتني أقول قال رسول الله صلى الله عليه (وآله) وسلم فهو عن علي بن أبي طالب غير أني في زمان لا أستطيع أن أذكر عليا .
  خبرنا بذلك أبو إسحاق بن الدرجي عن أبي جعفر الصيدلاني اذنا قال أخبرنا أبو علي الحداد قال أخبرنا أبو نعيم قال حدثنا أبو القاسم عبد الرحمن بن عباس بن عبد الرحمن بن زكريا الأطروش قال حدثنا أبو حنيفة بن محمد بن حنيفة الواسطي قال حدثنا محمد بن موسى الحرشي فذكره ، وقال محمد بن سعد قالوا : وكان الحسن جامعا عالما رفيعا فقيها ثقة مأمونا عابدا ناسكا كثير العلم فصيحا جميلا وسيما وكان ما أسند من حديثه وروى عن من سمع منه فحسن حجة وما أرسل من الحديث فليس بحجة وقدم مكة فأجلس على سرير واجتمع الناس إليه فحدثهم وكان فيما أتاه مجاهد وعطاء وطاووس وعمرو بن شعيب فقالوا أو قال بعضهم : لم نر مثل هذا قط ، ومناقبه وفضائله كثيرة جدا اقتصرنا منها على هذا القدر طلبا للتخفيف وبالله التوفيق روى له الجماعة )اه.
  تذكرة الحفاظ ج1ص71ت66 : ( الحسن بن أبي الحسن يسار الإمام ، شيخ الإسلام ، قال ابن سعد : كان جامعا ، عالما ، رفيعا ، ثقة ، حجة ، مأمونا ، عابدا ، ناسكا ، كثير العلم ، فصيحا ، جميلا ، وسيما ، إلى أن قال وما أرسله فليس هو بحجة ، قلت : وهو مدلس فلا يحتج بقوله عن في من لم يدركه وقد يدلس عمن لقيه ويسقط من بينه وبينه والله أعلم ولكنه : حافظ ، علامة ، من بحور العلم ، فقيه النفس ، كبير الشأن ، عديم النظير ، مليح التذكير ، بليغ الموعظة ، رأس في أنواع الخير ، وقد كنت أفردت ترجمته في جزء سميته الزخرف القصري ).
(2) الدر المنثور ج5ص237 ، أقول بعض هذه الروايات لا أمتلك مصادرها لذا لا أبحث في سندها ، ولا يهمني البحث في الأسانيد للعلة التي بينتها سابقا ، ولو حصل ونظرت فيها فهذا من باب زيادة الاطمئنان ليس إلا .

إعلام الخَلف بمن قال بتحريف القرآن من أعلام السّلف _ 656 _
* المسلمون يقرؤون ما ألغى الله قرآنيته !
  أخرج الطبري بسند صحيح : ( حدثنا سوار بن عبد الله العنبري ، قال : ثنا خالد بن الحارث ، قال : ثنا عوف ، عن الحسن أنه قال : في قوله (مَا نَنسَخْ مِنْ آيَةٍ أَوْ نُنسِهَا نَأْتِ بِخَيْرٍ مِنْهَا) (البقرة/106) قال : إن نبيكم صلى الله عليه (وآله) وسلم أقرئ قرآنا ثم نسيه فلم يكن شيئا ، ومن القرآن ما قد نسخ وأنتم تقرءونه ! ) (1) .
  وقد قال القرطبي في تفسيره : ( ما نسخ لفظه وحكمه أو لفظه دون حكمه ليس بقرآن على ما يأتي بيانه عند قوله تعالى (مَا نَنسَخْ مِنْ آيَةٍ) إن شاء الله تعالى) (2) .
  مع أنـهم يقولون أن جمع عثمان قد حذف كل تلك الزيادات ! ، ولكن البصري يزعم أن ما ألغى الله قرآنيته مازال حيا بين الناس !!

--------------------
(1) جامع البيان للطبري ج1ص665ح1448 ، وهذا الأثر إسناده صحيح إلى الحسن البصري ، فسوار القاضي ثقة ، خالد بن الحارث ثقة ثبت إمام ، عوف بن أبي جميلة ثقة معروف أخرج له أصحاب الكتب الستة وعرف بالرواية عن الحسن البصري ، راجع هامش النسخ في القرآن ج2ص281.
(2) تفسير القرطبي ج1ص86.

إعلام الخَلف بمن قال بتحريف القرآن من أعلام السّلف _ 657 _
إمام الحفاظ سفيان الثوري (1)
يوم اليمامة ضياع القرآن !
  أخرج الصنعاني في المصنف : ( قال سفيان الثوري : وبلغنا أن أناسا من أصحاب النبي صلى الله عليه (وآله) وسلم كانوا يقرؤون القرآن أصيبوا يوم مسيلمة فذهبت حروف من القرآن ) (2) .
  وهذا كلام سفيان الثوري بلا شك لأن عبد الرزاق الصنعاني صاحب المصنف سمع من سفيان الثوري مباشرة وبلا واسطة (3) .

--------------------
(1) قال بشأنه الذهبي في سير أعلام النبلاء ج7ت82ص230 وما بعدها ( هو شيخ الإسلام ، إمام الحفاظ ، سيد العلماء العاملين في زمانه أبو عبد الله الثوري الكوفي المجتهد مصنف كتاب الجامع ، قال شعبة وابن عيينة وأبو عاصم ويحيى بن معين وغيرهم : سفيان الثوري أمير المؤمنين في الحديث ، وقال علي بن الحسن بن شقيق عن عبد الله قال : ما أعلم على الأرض أعلم من سفيان ، وقال بشر الحافي : كان الثوري عندنا إمام الناس ، و عنه قال : سفيان في زمانه كأبي بكر وعمر في زمانـهما )، وفيات الأعيان لابن خلكان ج2ت266ص386 وما بعدها : ( كان إماما في علم الحديث وغيره من العلوم وأجمع الناس على دينه وورعه وزهده وثقته وهو أحد الأئمة المجتهدين ، قال سفيان بن عيينة : ما رأيت رجلا أعلم بالحلال والحرام من سفيان الثوري ).
  وقال عنه الخطيب في تاريخ بغداد ج9ص152 : ( وكان إماما من أئمة المسلمين وعلما من أعلام الدين مجمعا على إمامته بحيث يستغني عن تزكيته ، مع الإتقان والحفظ والمعرفة والضبط والورع والدين ).
  وأفاض الرازي في ترجمته فالجرح والتعديل ج1ص55 ( أخبرنا أحمد بن عبد الله بن يونس قال : ذكر سفيان الثوري عند زائدة ، فقال : ذلك اعلم الناس في أنفسنا ، عن الأوزاعي أنه كتب إلى عبد الله بن يزيد بلغني كتابك تذكر دروسا من العلم وذهاب العلماء وان كنت لم تعرف ذهاب العلماء إلا في عامك هذا فقد أغفلت النظر فإنه قد أسرع بـهم منذ حين وذهب بقاياهم منذ أعوام من كل جند وافق فلم يبق منهم رجل واحد يجتمع عليه العامة بالرضا والصحة إلا ما كان من رجل واحد بالكوفة قال عباس يعنى الثوري ، سمعت وكيعا وحدث عن شعبة عن الحكم وحماد في باب ثم قال أيما أفقه عندكم الحكم وحماد أو سفيان ؟ فسكت الناس فلم يجبه أحد فقال : كان سفيان بحرا .
  عن الوليد بن مسلم قال : رأيت الثوري بمكة يستفتى ولما يخط وجهه بعد ، سمعت ابن المبارك قال : ما رأيت أحدا خيرا من سفيان ، قال ابن المبارك : ما رأيت مثل سفيان كأنه خلق لهذا الشأن ، سمعت عبد الرحمن يعنى ابن الحكم يقول ما سمعت بعد التابعين بمثل سفيان ، سمعت ابن وهب يقول : ما رأيت مثل سفيان الثوري ، سمعت ابن المبارك قال : كنت إذا أعيانى الشيء أتيت سفيان أساله فكأنما أغتمسه من بحر .
  حدثنا على يعنى بن المديني قال : سألت يحيى يعنى ابن سعيد قلت : أيما أحب إليك رأي مالك أو رأي سفيان ؟ قال : سفيان ، لا نشك في هذا ، ثم قال : يحيى وسفيان فوق مالك في كل شيء ، قال لنا معمر لما بلغه أن سفيان قادم عليهم اليمن قال لنا معمر : أنه قد قدم عليكم محدث العرب ، عن ابن المبارك قال : ما نُعت لي أحد فرأيته إلا وجدته دون نعته إلا سفيان الثوري ، قال الأوزاعي : إنما بقى هذان الرجلان يعنى ابن عون وسفيان .
  حدثني محمد بن المعتمر بن سليمان قال : قلت لأبي : من فقيه العرب ؟ قال : سفيان الثوري ، سمعت ابن إدريس يقول : ما رأيت بالكوفة أحدا أود أني في مسلاخه إلا سفيان الثوري ، سمعت الفريابي يقول : سألت ابن عيينة عن مسألة فأجابني فيها ، فقلت : خالفك فيها الثوري ! فقال : لا ترى بعينك مثل سفيان أبدا ، أخبرنا أبو أسامة قال : من أخبرك أنه نظر بعينه إلى مثل سفيان الثوري فلا تصدقه .
  حدثنا صالح بن أحمد بن حنبل قال : قال أبي : قال سفيان بن عيينة : لن ترى بعينك مثل سفيان حتى تموت ، قال أبى : هو كما قال ، قال علي بن المديني أصحاب عبد الله يعنى ابن مسعود ستة الذين يقرءون ويفتون ومن بعدهم أربعة ومن بعد هؤلاء سفيان الثوري كان يذهب مذهبهم ويفتى بفتواهم وكان أعلم الناس بأبي إسحاق والأعمش بحديثهم وطريقتهم .
  حدثنا عبد الرحمن نا محمد بن حمويه بن الحسن قال سمعت أبا طالب أحمد بن حميد قال قال أبو عبد الله أحمد بن حنبل قال : دخل على مالك الأوزاعي وسفيان فلما خرجا من عنده قال أحدهما أكثر علما من صاحبه ولا يصلح للإمامة والأخر يصلح للإمامة ، قلت لأبي عبد : الله فالذي عنى مالك انه أعلم الرجلين هو سفيان ؟ قال : نعم ، قال أبو عبد الله : أجل ، سفيان أوسعهما علما .
  أخبرني قطبة بن العلاء قال : سمعت سفيان الثوري يقول : أنا في هذا الحديث منذ ستين سنة ، قال سمعت يحيى بن يمان يقول : ما رأينا مثل سفيان ولا رأى سفيان مثله كان سفيان في الحديث أمير المؤمنين ، قال سمعت ابن إدريس قال قال لي ابن أبي ذئب : ما رأيت رجلا من أهل العراق يشبه ثوريكم هذا ، قال سمعت بن أبى ذئب وذكر سفيان فقال : لم يأتنا من هذه الناحية أحد يشبهه ، قال علي بن المديني نظرت فإذا الإسناد يدور على ستة الزهري وعمرو بن دينار وقتادة ويحيى بن أبى كثير وأبو إسحاق والأعمش ثم صار علم هؤلاء الستة من أهل الكوفة إلى سفيان الثوري ، سمعت أبا طالب قال قال أبو عبد الله يعني أحمد بن حنبل : سفيان أحفظ للإسناد وأسماء الرجال من شعبة .
  حدثنا عبد الرحمن قال سمعت أبي يقول : سفيان فقيه حافظ زاهد إمام أهل العراق وأتقن أصحاب أبي إسحاق وهو أحفظ من شعبة وإذا اختلف الثوري وشعبه فالثورى ، قال سمعت أبا زنبور الشيخ الذي ينسب إليه سكة أبي زنبور قال : رأيت سفيان الثوري بالري في سكه الزبير بن عدى ، والزبير على القضاء والزبير يستفتى الثوري في قضايا ترد عليه ويفته الثوري ويقضى به .
  حدثني اسود بن سالم قال : كنا عند أبى بكر بن عياش فسمعته يقول : لأرى الرجل قد صحب سفيان فيعظم في عيني ، حدثنا عبد الرزاق قال : كان الثوري يقول سلوني عن المناسك والقرآن فإني بـهما عالم ، سمعت أبا أسامة قال : كان زائدة يرى الثوري سيد المسلمين .
  حدثنا محمد بن مسلم قال : سمعت أبا زياد يقول سمعت عبد الرحمن بن مهدى يقول : الناس على وجوه فمنهم من هو إمام في السنة إمام في الحديث ومنهم من هو إمام في السنة وليس بإمام في الحديث ومنهم من هو إمام في الحديث ليس بإمام في السنة فأما من هو إمام في السنة وإمام في الحديث فسفيان الثوري ، سمعت عبد الرحمن بن مهدى يقول : أئمة الناس في زمانـهم أربعة سفيان الثوري بالكوفة ومالك بالحجاز والأوزاعي بالشام وحماد بن زيد بالبصرة ، قال سمعت يحيى بن معين يقول : سفيان أمير المؤمنين في الحديث .
  حدثنا أحمد بن عبد الله بن يونس قال : كان يقال الناس ثلاثة ابن عباس في زمانه والشعبي في زمانه والثوري في زمانه ، قال سمعت يزيد بن أبي حكيم يقول : رأيت النبي صلى الله عليه (وآله) وسلم في المنام فقلت : يا رسول الله إن رجلا من أمتك يقال له سفيان الثوري لا بأس به ؟ قال : فقال النبي صلى الله عليه (وآله) وسلم : نعم ، لا بأس به ، قلت : حدثنا عن أبي هارون عن أبي سعيد عنك أنك لقيت ليلة الإسراء يوسف في السماء ! ، قال –صلى الله عليه وآله وسلم- : صدق – سفيان سمع من الرسول مباشرة !- .
  حدثني داود بن يحيى بن اليمان قال : رأيت موسى بن سعيد الرفاعي في النوم ، فقلت له : ما صنع الله بك ؟ فذكر خيرا ، فقلت : أي شيء وجدت أفضل قال قول سفيان ، أخبرنا محمد بن مهران قال سمعت الوليد بن مسلم يقول رأيت النبي صلى الله عليه (وآله) وسلم في المنام فقلت يا رسول الله بمن تأمر قال عليك بسفيان الثوري .
  حدثني إبراهيم بن موسى قال رأيت فيما يرى النائم كأن قائلا يقول الأمر ما كان عليه الثوري ، حدثني إبراهيم بن أعين البجلي وكان من خيار الناس قال : رأيت سفيان الثوري في المنام ولحيته صفراء حمراء ، فقلت : يا أبا عبد الله ما صنعت فديتك ؟ قال : إنا مع السفرة ، قلت : وما السفرة ؟ قال : الكرام البررة .
  حدثنا أبو أسامة قال : كنت بالبصرة حين مات سفيان الثوري فلقيت يزيد بن إبراهيم التستري فقال لي : قيل لي في منامي الليلة مات أمير المؤمنين ، فقلت للذي يقول في المنام : أمات سفيان الثوري ؟ فقلت له : قد مات الليلة ، وقد كان مات تلك الليلة ولم يكن علمه .
  أخبرانا أبو كريمة المعبر الكوفي قال قال رجل ذكر أنه رأى فيما يرى النائم انه ادخل الجنة فإذا هو بيونس بن عبيد وابن عون وأيوب وسليمان التيمي وذكر قوما من أهل البصرة من أهل الحديث لم احفظ إلا هؤلاء الأربعة يتحدثون في روضة من رياض الجنة ، قال : فخطر بقلبي ذكر سفيان الثوري ، فقلت لهم : لقد كان سفيان عندنا من خيار الناس ، فما لي لا أراه فيكم ؟ فقالوا بأبصارهم إلى السماء فقالوا : ما نرى سفيان إلا كما نرى النجم ) نـهاية الأحلام ! ، قال في تقريب التهذيب ص244ت2445 ( ثقة ، حافظ ، عابد ، إمام ، حجة ) .
(2) المصنف للصنعاني ج7ص330 ذيل حديث13363 .
(3) قال البخاري صاحب الصحيح في التاريخ الكبير ج6ص130ت1933: ( عبد الرزاق بن همام بن نافع أبو بكر مولى حمير اليماني ، سـمع الثوري ، وابن جريج ومات سنة إحدى عشرة ومائتين ما حدث من كتابه فهو أصح ).

إعلام الخَلف بمن قال بتحريف القرآن من أعلام السّلف _ 658 _
الإمام شيخ المفسرين مجاهد بن جبر (1)
يوم اليمامة ضياع القرآن !
  قال الحافظ ابن عبد البر الأندلسي : ( وروى أبو نعيم الفضل بن دكين قال حدثنا سيف عن مجاهد قال : كانت الأحزاب مثل سورة البقرة أو أطول ، ولقد ذهب يوم مسيلمة قرآن كثير ، ولم يذهب منه حلال ولا حرام ) .
  وهذا مجاهد بن جبر إمام السلف في التفسير والفقه يقول بتحريف القرآن ، فهل يكفر عندهم أم أن الكفر لا يقبل إلا الشيعة ؟! .

--------------------
(1) قال بشأنه الحافظ الذهبي في سير أعلام النبلاء ج4ص449 ( الإمام ، شيخ القرّاء والمفسرين ، قال سفيان الثوري : خذوا التفسير من أربعة : مجاهد ، وسعيد بن جبير و عكرمة و الضحاك ، وقال خُصيف : كان مجاهد أعلمهم بالتفسير ، وقال قتادة : أعلم من بقي بالتفسير مجاهد ، قال ابن سعد : مجاهد ، ثقة ، فقيه ، عالم ، كثير الحديث ) .
  الجرح والتعديل ج8ص319ت1469 (حدثني الفضل بن ميمون أبو الليث قال سمعت مجاهدا يقول عرضت القرآن على ابن عباس ثلاثين مرة )
  وفي تذكرة الحفاظ ج1ص92 ت83 : ( مجاهد بن جبر الإمام ، المقري المفسر الحافظ ، وكان أحد أوعية العلم ، وقال ابن جريج لأن أكون سمعت من مجاهد أحب إلي من أهلي ومالي ، وروى إبراهيم بن مهاجر عن مجاهد قال : ربما أخذ لي بن عمر رضي الله تعالى عنهما بالركاب ) ، مشاهير علماء الأمصار ج1ص82ت590 (وكان من العباد والمتجردين في الزهاد مع الفقه والورع مات بمكة وهو ساجد )
  الثقات ج5ص419ت5493 (وكان فقيها عابدا ورعا متقنا كان إذا رأي كأنه خربندج ضل حمارة فهو يطلبه لما فيه من الوله للعبادة )
  تـهذيب الكمال ج27ص233 ـ 234 ( قال أبو نعيم قال يحيي القطان : مرسلات مجاهد أحب إلى من مرسلات عطاء بكثير ، وقال إسحاق بن منصور عن يحيى بن معين وأبو زرعة : ثقة ، وقال أبو عبيد الآجري قلت : لأبي داود مراسيل عطاء أحب إليك أو مراسيل مجاهد ؟ قال : مراسيل مجاهد ، عطاء كان يحمل عن كل ضرب ، وقال سفيان الثوري عن سلمة بن كهيل ما رأيت أحدا أراد بـهذا العلم وجه الله إلا عطاء وطاووس ومجاهدا ، وروي عن مجاهد قال : قال لي ابن عمر : وددت أن نافعا يحفظ حفظك وأن علي درهما زائفا قلت هلا كان جيدا قال هكذا كان في نفسي ).
  قال عنه في تحرير تقريب التهذيب ج3ص347ت6481 : ( ثقة ، إمام في التفسير وفي العلم ) ، وقال في التهذيب (وهو من كبار شيوخ البخاري ).
  التمهيد في شرح الموطأ ج 4ص275 شرح حديث رقم 21 ، وهذا الأثر صحيح ولا غبار عليه وهو كلام مجاهد بلا شك ، لأن سيف بن سليمان ثقة ثبت سمع من مجاهد ، والفضل بن دكين ثقة ثبت سمع من سيف بن سليمان قال في تحرير تقريب التهذيب ج3ص157ت5401 ، الفضل بن دكين الكوفي أبي نعيم : (ثقة ، ثبت ) وسمع من سيف بن سليمان .
  سير أعلام النبلاء ج6ص338ت140 ( سيف بن سليمان المكي أحد الثقات كان من موالي بني مخزوم سمع مـجاهدا وعمرو ابن دينار وعطاء وقيس بن سعد وعنه يحيى القطان وأبو عاصم وابن نمير وزيد بن الحباب وأبو نعيم وآخرون ) ، الجرح والتعديل ج4ص274 ت1185 ( سيف بن سليمان ويقال بن أبى سليمان أبو سليمان روى عن مـجاهد وابن أبى نجيح وقيس بن سعد روى عنه … أبو نعيم ) .
  الكنى والأسماء ج1ص374ت1384 ( أبو سليمان سيف بن سليمان عن مـجاهد روى عنه وكيع وأبو نعيم ) .
  قال في تحرير تقريب التهذيب ج2ص100ت2722 : ( ثقة ، ثبت ، رمي بالقدر ).
  صغير الوهابية ( عثمان الخميس ) يفتخر في مسرحيته أن الوهابية تكفر أي شخص أنكر أو اعتقد تحريف حرف واحد من القرآن صحابيا كان أو غيره ! ، وهذه الجموع من أكابر صحابتهم وعلماء سلفهم الصالح قد قالوا بتحريف القرآن وسقوط كثير منه في يوم اليمامة وغيره ، =>

إعلام الخَلف بمن قال بتحريف القرآن من أعلام السّلف _ 660 _
* أخطأ الكاتب !
  تفسير مجاهد : ( قال نا آدم قال نا ورقاء عن ابن أبي نجيح عن مجاهد قال : (وَإِذْ أَخَذَ اللَّهُ مِيثَاقَ النَّبِيِّينَ لَمَا آتَيْتُكُمْ مِنْ كِتَابٍ وَحِكْمَةٍ) (آل عمران/81) قال : هذا خطأ من الـكُـتّـاب ، وهي في قراءة ابن مسعود ( وإذ أخذ الله ميثاق الذين أوتوا الكتاب لما آتيتكم ) ) (1) .
  ( أخرج عبد بن حميد والفريابي وابن جرير وابن المنذر عن مجاهد في قوله (وَإِذْ أَخَذَ اللَّهُ مِيثَاقَ النَّبِيِّينَ لَمَا آتَيْتُكُمْ مِنْ كِتَابٍ وَحِكْمَةٍ) (آل عمران/81) قال : هي خطأ من الـكُـتّـاب ) (2) ، وقد صح هذا عن مجاهد ، فهل يكفره الوهابيون أم لا ؟!
   => فهل يكفرونـهم ، أم يقولون ما لا يفعلون ؟! ولا ريب أن تكفير هؤلاء الرموز هو شرخ كبير وصدع عظيم في مذهب أهل السنة لأن الروايات والآثار دائرة عليهم ، والأطم أنـهم يقولون بكل وقاحة : إن من لم يكفر من الكافر الذي قال بالتحريف فهو كافر مثله ! ، فلا ندري هل يكفر كل من روى هذه الروايات عن مجاهد وغيره من سلفهم الصالح ولم يقل بكفرهم ؟! ، ناهيك عما سيأتي من كلمات لأكابر علماء أهل السنة مقريين معترفين مذعنين بأن بعض رموز الصحابة والتابعين كان يدين لله بتحريف القرآن ! ، فهل يكفرون هؤلاء العلماء والأعلام ؟! ، فمن يبقى على إسلامه من علماء أهل السنة ؟!
  والمضحك أن الوهابية ك‍ ( عثمان الخميس ) يتصيدون من لا خبرة له في هذه الأبحاث من عوام الشيعة ليقيموا معهم مناظرات مليئة بالأخطاء والأخلاط والمغالطات المنطقية ثم ينشرونـها بين العوام على أنـها مناظرة بين أحد الوهابية ( عثمان الخميس ) وأحد كبار علماء الشيعة كأن يذكروا اسم العامي بإضافة لام التعريف وياء النسبة !! فمن كان اسمه ( حسين داود ) يكتب اسمه على الكتيب أو في شبكة الإنترنت ( مناظرة مع الداودي ) ! إيحاء وخداعا للعوام أنه أحد علماء الشيعة ! ، وكما ترى الخداع والشعوذة في كل شيء ، وهذا كله في نظر الوهابية من باب (الكذب لله) لا (على الله) ! ، فهم يفترون على الشيعة رجاء الثواب والقربة إلى الله ، لذا لا يستغرب صدور هذه الأكاذيب من ذوي اللحى الطويلة والأثواب القصيرة ، لأنه يرون أن هذا الكذب يبعد الناس عن المذهب الباطل ـ بزعمهم ـ ويقربـهم من مذهب الحق ، وهو كما ترى !

--------------------
(1) تفسير مجاهد ج1ص130 ، عبد بن أبي نجيح ثقة سمع مجاهدا ( تحرير التقريب ت3662 ) ، ورقاء بن عمر اليشكري ثقة سمع من ابن أبي نجيح ( تحرير التقريب ت7403 ) ، آدم بن أبي إياس ثقة عابد سمع من ورقاء ( تحرير التقريب ت132 ) .
(2) الدر المنثور ج2ص47 ، هو في تفسير الطبري (ج3ص331) بسندين الأول رجاله كلهم ثقات (حدثني محمد بن عمرو قال ثنا أبو عاصم عن عيسى عن ابن أبي نجيح عن مجاهد ).
  والسند الثاني ( حدثني المثنى قال ثنا أبو حذيفة قال ثنا شبل عن ابن أبي نجيح عن مجاهد مثله ) ورجاله ثقات وأبو حذيفة موسى بن مسعود صدوق حسن الحديث راجع تحرير التقريب ت7010 ، وقال د. مصطفى زيد في هامش النسخ في القرآن ج2ص281 عن هذا الإسناد ( وهذا الإسناد فيه إلى مجاهد صحيح سبق أن وثقناه ).

إعلام الخَلف بمن قال بتحريف القرآن من أعلام السّلف _ 661 _
* كلمة في القرآن نصها كذب على الله !
  ( أخرج عبد بن حميد عن عبد الكريم أبي أمية قال : سمعت عكرمة يقول (سِحْرَانِ) (القصص/48) ، فذكرت ذلك لمجاهد فقال : كذب العبد ! قرأتـها على ابن عباس ( ساحران ) فلم يعب علي ).
  وهاهو مجاهد ينكر قراءة المسلمين المتواترة ويزيد في القرآن حرفا ، والذي يدل على أن مجاهدا كان بصدد إثبات إحدى الصيغتين ونفي الأخرى هذه الرواية : ( أخرج عبد الرزاق وابن المنذر عن مجاهد قال : سألت ابن عباس رضي الله عنهما وهو بين الركن والباب والملتزم وهو متكئ على يدي عكرمة فقالت : أ (سِحْرَانِ تَظاهَرا ) (القصص/48) أم ( ساحران ) فقلت ذلك مرارا فقال : عكرمة ( ساحران تظاهرا ) ! اذهب أيها الرجل ! ) (1) .
  هذه الرواية واضح فيها تردد مجاهد في نص هذه الآية هل هو (سِحْرَانِ) أم ( ساحران ) ، وعكرمة الذي كان يعلم مسبقا برأي مجاهد في هذه الآية أقره على عناده حينما جاء لابن عباس فأكثر السؤال عن النص الصحيح للآية ، أجابه عكرمة على هواه وصرفه !
* الشك في قرآنية المعوذتين !
  وفي المصنف لابن أبي شيبة : ( حدثنا يحيى بن أبي بكير عن إبراهيم بن نافع قال : سمعت سليمان مولى أم علي (2) ، أن مجاهدا كان يكره أن يقرأ بالمعوذات وحدها حتى يجعل معها سورة ) (3) .
  أقول : لا شك أن إنكار ابن مسعود لقرآنية المعوذتين قد ألبس الأمر على مجاهد !

--------------------
(1) ن.م ج5ص131 ، مصنف عبد الرزاق ج5ص75ح9045 ( عبد الرزاق عن ابن جريج قال أخبرني حميد الأعرج عن مجاهد قال : جئت ابن عباس … ) ، فصح هذا الأثر عن مجاهد ، إذ صرح ابن جريج الثقة الفقيه الفاضل بالسماع من حميد بن قيس الأعرج ( وهو ثقة سمع من مجاهد ) ، راجع تحرير التقريب .
(2) وهو سليمان بن أبي مسلم المكي الأحول : ثقة ثقة ، وهذا الأثر صح عن مجاهد لأن يحيى بن أبي بكير ثقة سمع منه ابن أبي شيبة وروى أيضا عن إبراهيم بن نافع ، وإبراهيم بن نافع ثقة حافظ سمع من سليمان الأحول ، راجع تحرير التقريب .
(3) مصنف ابن أبي شيبة ج6ص146ح30207.

إعلام الخَلف بمن قال بتحريف القرآن من أعلام السّلف _ 662 _
الإمام الحافظ سعيد بن جبير (1)   ( أخرج ابن أبي داود عن سعيد بن جبير قال : في القرآن أربعة أحرف لـحن (2) (وَالصَّابئُونَ) (المائدة/69) ، (وَالْمُقِيمِينَ) (النساء/162) ، (فَأَصَّدَّقَ وَأَكُنْ مِنْ الصَّالِحِينَ) (المنافقون/10) ، (إِنْ هَذَانِ لَسَاحِرَانِ) (طه/63)) (3) .
  مازال سلفهم يخطئ القرآن ويدعي أن القرآن كان عرضة لتلاعب الكتبة ! ، وسعيد قلد في تخطئته للقرآن مذهب عائشة .

--------------------
(1) سير أعلام النبلاء ج4 ص322 ترجمة سعيد بن جبير رقم 116 ( ابن هشام ، الإمام الحافظ المقرئ المفسر الشهيد ، وكان من كبار العلماء ، قال : دخل سعيد بن جبير الكعبة فقرأ القرآن في ركعة .
  عن وقاء بن إياس ، قال : كان سعيد بن جبير يختم القرآن فيما بين المغرب والعشاء في شهر رمضان ، وكانوا يؤخرون العشاء .
  أنبأنا عبد الملك بن أبي سليمان ، عن سعيد بن جبير أنه كان يختم القرآن في كل ليلتين .
  عن جعفر بن أبي المغيرة : كان ابن عباس إذا أتاه أهل الكوفة يستفتونه ، يقول : أليس فيكم ابن أم الدهماء ؟ يعني سعيد بن جبير .
  عن عمرو بن ميمون ، عن أبيه قال : لقد مات سعيد بن جبير وما على ظهر الأرض أحد إلا وهو محتاج إلى علمه .
  عن أشعث بن إسحاق ، قال : كان يقال : سعيد بن جبير جهبذ العلماء .
  حدثنا علي بن المديني ، قال : ليس في أصحاب ابن عباس مثل سعيد بن جبير ، قيل : ولا طاووس ؟ قال : ولا طاووس ولا أحد ).
  وفي وفيات الأعيان ج2ص372 ط دار صادر : ( وقال خصيف : كان أعلم التابعين بالطلاق سعيد بن المسيب وبالحج عطاء وبالحلال والحرام طاووس ، وبالتفسير أبو الحجاج مجاهد بن جبر وأجمعهم لذلك كله سعيد بن جبير ، وقال أحمد بن حنبل : قتل الحجاج سعيد بن جبير وما على وجه الأرض أحد إلا وهو مفتقر إلى علمه )
  وقال ابن قتيبة في المعارف ص445 ( فبعث به الحجاج ، فأمر الحجاج فضربت عنقه ، فسقط رأسه إلى الأرض يتدحرج و هو يقول : لا إله إلا الله ، فلم يزل كذلك حتى أمر الحجاج من وضع رِجله على فيه فسكت )
  الجرح والتعديل ج4ص9ت29 ( عن سعيد بن جبير قال : قال سأل رجل ابن عمر عن فريضة فقال : سل عنها سعيد بن جبير فإنه يعلم منها ما أعلم ولكنه أحسب منى ، عن أبي بشر قال كان سعيد بن جبير أعلم من مجاهد وطاوس وذكر أنه سألهما عن مسألة فأجابا فيها ثم أخبرهما بقول سعيد بن جبير وما احتج فيها فرجعا إلى قوله ).
(2) قد مر أن معناه هنا ( الخطأ في الكتابة ) .
(3) كتاب المصاحف لأبي بكر بن أبي داود السجستاني ج1 ص236 تحقيق د. محب الدين واعظ ، اصدار وزارة الأوقاف في قطر .

إعلام الخَلف بمن قال بتحريف القرآن من أعلام السّلف _ 663 _
شيخ الإسلام حماد بن سلمة (1)   ( قال ابن الضريس في فضائله أخبرنا موسى بن إسماعيل أنبانا حماد قال : قرأنا في مصحف أبي بن كعب ( اللهم إنا نستعينك وتستغفرك ونثني عليك الخير ولا نكفرك ونخلع ونترك من يفجرك ) قال حماد : هذه الآن سـورة ، واحسبه قال : ( اللهم إياك نعبد ولك نصلى ونسجد واليك نسعى ونحفد نخشى عذابك ونرجو رحمتك إن عذابك بالكفار ملحق) ) (2) .

--------------------
(1) تـهذيب الكمال ج7ص253ت1482 : ( حماد بن سلمة بن دينار البصري ، حدثنا أبو الحارث أن أبا عبد الله قيل له : أيما أحب إليك حماد بن زيد أو حماد بن سلمة ؟ قال ما منهما إلا ثقة ، وقال إسحاق بن منصور عن يحيى بن معين : حماد بن سلمة ثقة ، وقال عباس الدوري عن يحيى بن معين : حديثه في أول أمره وآخره واحد ، وقال عنه أيضا : إذا رأيت إنسانا يقع في عكرمة وفي حماد بن سلمة فاتـهمه على الإسلام ، وقال أبو الحسن بن البراء عن علي بن المديني : لم يكن في أصحاب ثابت أثبت من حماد بن سلمة وكان عند يحيى بن الضريس عن حماد بن سلمة عشرة آلاف وعن الثوري عشرة آلاف أو نحوه ، قال : وتذاكر قوم عند يحيى بن الضريس حماد بن سلمة أحسن حديثا أو الثوري ؟ فقال يحيى : حماد أحسن حديثا ، عن عمرو بن عاصم : كتبت عن حماد بن سلمة بضعة عشر ألفا .
  وقال حجاج بن المنهال : حدثنا حماد بن سلمة وكان من أئمة الدين ، وقال الأصمعي عن عبد الرحمن بن مهدي : حماد بن سلمة صحيح السماع حسن اللقي أدرك الناس لم يتهم بلون من الألوان ولم يلتبس بشيء ، أحسن ملكة نفسه ولسانه ولم يطلقه على أحد ولا ذكر خلقا بسوء فسلم حتى مات .
  وقال عبد الله بن المبارك : دخلت البصرة فما رأيت أحدا أشبه بمسالك الأول من حماد بن سلمة .
  وقال شهاب بن المعمر البلخي : كان حماد بن سلمة يعد من الأبدال وعلامة الأبدال أن لا يولد لهم تزوج سبعين امرأة فلم يولد له ، وقال أبو عمر الجرمي النحوي : ما رأيت فقيها قط أفصح من عبد الوارث وكان حماد بن سلمة أفصح منه .
  وقال حاتم بن الليث الجوهري عن عفان بن مسلم : قد رأيت من هو أعبد من حماد بن سلمة ولكن ما رأيت أشد مواظبة على الخير وقراءة القرآن والعمل لله من حماد بن سلمة .
  حدثنا حماد بن زيد قال : ما كنا نأتي أحدا نتعلم شيئا بنية في ذلك الزمان إلا حماد بن سلمة ، قال : ونحن نقول اليوم ما نأتي أحد يعلم بنية إلا حماد بن سلمة .
  وقال أيضا عن موسى : لو قلت لكم أني ما رأيت حماد بن سلمة ضاحكا قط صدقتكم كان مشغولا بنفسه إما أن يحدث وإما أن يصلي وإما أن يقرأ وإما أن يسبح ، كان قد قسم النهار على هذه الأعمال .
  وقال عبد الرحمن بن عمرو رستة عن عبد الرحمن بن مهدي : لو قيل لحماد بن سلمة إنك تموت غدا ما قدر أن يزيد في العمل شيئا .
  وقال محمد بن عبيد الله بن المنادي عن يونس بن محمد المؤدب : مات حماد بن سلمة في المسجد وهو يصلي .
  وقال سوار بن عبد الله العنبري عن أبيه كنت آتي حماد بن سلمة في سوقه فإذا ربح في ثوب حبة أو حبتين شد جونته فلم يبع شيئا فكنت أظن أن ذاك يقوته فإذا وجد قوته لم يزد عليه شيئا .
  وقال رستة عن حاتم بن عبيد الله : كان حماد بن سلمة يدخل السوق فيربح دانقين في ثوب واحد فيرجع فإذا ربح لو عرض له ديناران ما عرض لهما .
  عن موسى بن إسماعيل : سمعت حماد بن سلمة يقول لرجل : إن دعاك الأمير أن تقرأ عليه قل هو الله أحد فلا تأته ، وقال البخاري سمعت آدم بن أبي إياس يقول : شهدت حماد بن سلمة ودعوه يعني السلطان فقال : أحمل لحية حمراء إلى هؤلاء ؟! لا والله لا فعلت ، وقال أيضا سمعت بعض أصحابنا يقول : عاد حماد بن سلمة سفيان الثوري ، فقال سفيان : يا أبا سلمة أترى الله يغفر لمثلي ؟ فقال حماد : والله لو خيرت بين محاسبة الله إياي وبين محاسبة أبوي لاخترت محاسبة الله على محاسبة أبوي وذلك أن الله أرحم بي من أبوي ، وقال سليمان بن عبد الجبار عن إسحاق بن عيسى بن الطباع سمعت حماد بن سلمة يقول من طلب الحديث لغير الله مكر به .
  عن قريش بن أنس قال حماد بن سلمة : ما كان من شأني أحدث أبدا حتى رأيت أيوب يعني السختياني في منامي ، فقال لي : حدث فإن الناس يقبلون ، عن محمد بن الحجاج : كان رجل يسمع معنا عند حماد بن سلمة فركب إلى الصين فلما رجع أهدى إلى حماد بن سلمة هدية ، فقال له حماد : إني إن قبلتها لم أحدثك بحديث وإن لم أقبلها حدثتك ، قال : لا تقبلها وحدثني .
  وقال أبو حاتم بن حبان : … وكان من العباد المجابين الدعوة في الأوقات ولم ينصف من جانب حديثه واحتج بأبي بكر بن عياش في كتابه وبابن أخي الزهري وبعبد الرحمن بن عبد الله بن دينار فإن كان تركه إياه لما كان يخطئ فغيره من أقرانه مثل الثوري وشعبة وذويهما كانوا يخطئون فإن زعم أن خطأه قد كثر من تغير حفظه فقد كان ذلك في أبي بكر بن عياش موجودا وأنى يبلغ أبو بكر حماد بن سلمة ولم يكن من أقران حماد بن سلمة بالبصرة مثله في الفضل والدين والنسك والعلم والكتبة والجمع والصلابة في السنة والقمع لأهل البدع ولم يكن يثلبه في أيامه إلا معتزلي قدري أو مبتدع جهمي لما كان يظهر من السنن الصحيحة التي ينكرها المعتزلة وأنى يبلغ أبو بكر بن عياش حماد بن سلمة في إتقانه أم في جمعه أم علمه أم في ضبطه .
  وقال أبو عبد الله التميمي عن أبيه رأيت حماد بن سلمة في المنام فقلت : ما فعل بك ربك ؟ قال خيرا ، قلت : ماذا قال : قيل لي طالما كددت نفسك فاليوم أطيل راحتك وراحة المتعوبين في الدنيا بخ بخ ماذا أعددت لهم .
  لي قيل فما فعل حماد بن سلمة قال هيهات ذاك في أعلى عليين ، أخبرنا بذلك أحمد بن أبي الخير قال أنبانا أبو الحسن الجمال وأبو المكارم اللبان قالا أخبرنا أبو علي الحداد قال أخبرنا أبو نعيم أحمد بن عبد الله الحافظ قال حدثنا أبو أحمد فذكره استشهد به البخاري وقيل إنه روى له حديثا واحدا ).
  الجرح والتعديل ج3ص140ت623 : ( حدثنا موسى بن إسماعيل قال سمعت وهيبا يقول : كان حماد بن سلمة سيدنا وكان حماد أعلمنا ، عن يحيى بن معين قال : حماد بن سلمة ثقة )
  وفي تذكرة الحفاظ ج1ص202ت197 : ( الإمام ، الحافظ ، شيخ الإسلام ، هو أول من صنف التصانيف مع ابن أبي عروبة وكان بارعا في العربية ، فقيها ، فصيحا ، مفوها ، صاحب سنة ، وقع لي من عواليه أحاديث ، قال أبو داود لم يكن لحماد بن سلمة كتاب إلا كتاب قيس بن سعد وعن أحمد بن حنبل قال : إذا رأيت الرجل ينال من حماد بن سلمة فاتـهمه على الإسلام ، مناقب حماد يطول شرحها ) .
  وفي سير أعلام النبلاء ج7ص444ت168 ( الإمام القدوة ، شيخ الإسلام ، عن ابن معين ، قال : حماد بن سلمة ثقة ، وقال علي بن المديني : هو عندي حجة في رجال ، وهو أعلم الناس بثابت البناني ، وعمار بن أبي عمار ، ومن تكلم في حماد فاتـهموه في الدين ، قلت : كان بحرا من بحور العلم ، وله أوهام في سعة ما روى ، وهو صدوق حجة ، إن شاء الله .
  وقال حجاج بن منهال : حدثنا حماد بن سلمة ، وكان من أئمة الدين .
قال عبد الله بن معاوية الجمحي : حدثنا الحمادان ، وفضل ابن سلمة على ابن زيد ، كفضل الدينار على الدرهم يعني الذي اسم جده دينار أفضل من حماد بن زيد ، الذي اسم جده درهم ، وهذا محمول ، على جلالته ودينه ، وأما الإتقان ، فمسلم إلى ابن زيد ، هو نظير مالك في التثبت ، قلت : وكان مع إمامته في الحديث ، إماما كبيرا في العربية ، فقيها فصيحا ، رأسا في السنة ، صاحب تصانيف ، قلت : كانت أوقاته معمورة بالتعبد والأوراد .
  وقال محمد بن مطهر : سألت أحمد بن حنبل ، فقال : حماد بن سلمة عندنا من الثقات ، ما نزداد فيه كل يوم إلا بصيرة .
  قال أحمد بن عبد الله العجلي : حدثني أبي قال : كان حماد بن سلمة لا يحدث ، حتى يقرأ مئة آية ، نظرا في المصحف .
  قال مسلم بن إبراهيم : سمعت حماد بن سلمة يقول : كنت أسأل حماد ابن أبي سليمان عن أحاديث مسندة ، والناس يسألونه عن رأيه ، فكنت إذا جئته ، قال : لا جاء الله بك .
  قال أبو سلمة المنقري : سمعت حماد بن سلمة يقول : إن الرجل ليثقل حتى يخف ، قال شيخ الإسلام ـ الهروي ـ في الفاروق له : قال أحمد بن حنبل : إذا رأيت الرجل يغمز حماد بن سلمة ، فاتهمه على الإسلام ، فإنه كان شديدا على المبتدعة .
  قال يونس : من حماد بن سلمة تعلمت العربية .
  وروى عبد العزيز بن المغيرة ، عن حماد بن سلمة : أنه حدثهم بحديث نزول الرب عز وجل ، فقال : من رأيتموه ينكر هذا فاتـهموه ، قال علي بن عبد الله : قلت ليحيى : حملت عن حماد بن سلمة إملاء ؟ قال : نعم ، إملاء كلها ، إلا شيئا كنت أسأله عنه في السوق ، فأتحفظ ، قلت ليحيى : كان يقول : حدثني وحدثنا ؟ قال : نعم ، كان يجئ بـها عفوا ، حدثني وحدثنا ، قال البيهقي في الخلافيات : مما جاء في كتاب الإمام لشيخنا ، بعد إيراد حديث : ألا إن العبد نام ، لحماد بن سلمة ، قال : فأما حماد ، فإنه أحد أئمة المسلمين ، قال أحمد بن حنبل : إذا رأيت من يغمزه ، فاتـهمه ، فإنه كان شديدا على أهل البدع ).
(2) الدر المنثور ج6 ص420 ، وصح هذا الأثر عن حماد بن سلمة لأن الحافظ ابن الضريس سمع من موسى بن إسماعيل المنقري وموسى سمع من حماد بن سلمة ، وموسى ثقة ثبت .

إعلام الخَلف بمن قال بتحريف القرآن من أعلام السّلف _ 664 _
  وهذا إمامهم حماد بن سلمة يرى أن تلك الجملة مازالت من سور القرآن كغيرها من سوره ، مع أنـها ليست في المصحف في ذلك العصر !

إعلام الخَلف بمن قال بتحريف القرآن من أعلام السّلف _ 665 _
عالم مرو الربيع بن أنس (1)   أخرج الطبري في تفسيره : ( حدثني المثنى قال ثنا إسحاق قال ثنا عبد الله بن أبي جعفر عن أبيه عن الربيع في قوله (وَإِذْ أَخَذَ اللَّهُ مِيثَاقَ النَّبِيِّينَ) (آل عمران/81) يقول : ( وإذ أخذ الله ميثاق الذين أوتوا الكتاب ) وكذلك كان يقرؤها الربيع ( وإذ أخذ الله ميثاق الذين أوتوا الكتاب ) إنـما هي ( أهل الكتاب ) ، قال : وكذلك كان يقرؤها أبي بن كعب ، قال الربيع : ألا ترى أنه يقول (ثُمَّ جَاءَكُمْ رَسُولٌ مُصَدِّقٌ لِمَا مَعَكُمْ لَتُؤْمِنُنَّ بِهِ وَلَتَنْصُرُنَّهُ ) (آل عمران/81) ؟! يقول : لتؤمنن بمحمد ولتنصرنه ، قال : هم أهل الكتاب ) (2) .
  وعالمهم هذا يرى وقوع التحريف في هذا الموضع من القرآن ويدلل عليه ، والصواب في نظره هو ( أوتوا الكتاب ) بدلا عما في مصاحف المسلمين ( وَإِذْ أَخَذَ اللَّهُ مِيثَاقَ النَّبِيِّينَ ) (آل عمران/81).

--------------------
(1) سير أعلام النبلاء ج6ص169ت79 ( الربيع بن أنس بن زياد البكري الخراساني المروزي بصري ، وكان عالم مرو في زمانه وقد روى الليث عن عبيد الله بن زحر عنه ولقيه سفيان الثوري قال أبو حاتم : صدوق ، وقال ابن أبي داود : سجن بمرو ثلاثين سنة ، قلت : سجنه أبو مسلم تسعة أعوام وتحيل ابن المبارك حتى دخل إليه فسمع منه يقال : توفي سنة تسع وثلاثين ومئة حديثه في السنن الأربعة )
  تـهذيب الكمال ج9ص61 : ( قال أحمد بن عبد الله العجلي : بصري صدوق ، وقال أبو حاتم : صدوق وهو أحب إلي في أبي العالية من أبي خلده ، وقال النسائي : ليس به بأس .
  وقال محمد بن سعد عن عمار بن نصر الخراساني : هو من بكر بن وائل من أنفسهم وكان من أهل البصرة وقد لقي ابن عمر وجابر بن عبد الله وكان هرب من الحجاج فأتى مرو فسكن قرية منها يقال لها برز ثم تحول إلى قرية أخرى منها يقال لها سذور وكان فيها إلى أن مات وقد كان طلب أيضا بخراسان حين ظهرت دعوه بني العباس فتغيب فتخلص إليه عبد الله بن المبارك فسمع منه أربعين حديثا وكان يقول ما يسرني بـها كذا وكذا لشيء سماه .
  وقال أبو إسحاق الطالقاني عن ابن المبارك : أعطيت ستين درهما حتى أدخلت على الربيع بن أنس فلم ينصحني من أدخلني عليه ، أعطاني أحاديث مقطعات ، وقال أبو جعفر الرازي عن الربيع بن أنس اختلفت إلى الحسن عشر سنين أو ما شاء الله من ذلك فليس من يوم إلا أسمع منه ما لم أسمع قبل ذلك ، قال محمد بن سعد مات في خلافه أبي جعفر المنصور ).
(2) تفسير الطبري ج3ص331.

إعلام الخَلف بمن قال بتحريف القرآن من أعلام السّلف _ 666 _
  الإمام الحجة يونس بن عبيد (1) قال الإمام أبو عبيد : ( (قَالُوا إِنْ هَذَانِ لَسَاحِرَانِ) (طه/63) قال أبو عمرو وعيسى ويونس : ( إن هذين لساحران ) في اللفظ وكُـتب ( هَذَانِ ) كما يزيدون وينقصون في الكتاب ، واللفظ صواب ) (2) .

--------------------
(1) تـهذيب الكمال ج32ص517ت7180 : ( قال البخاري عن علي بن المديني : له نحو مئتي حديث ، وذكره محمد بن سعد في الطبقة الرابعة من أهل البصرة وقال : كان ثقة كثير الحديث .
  وقال أبو طالب عن أحمد بن حنبل وإسحاق بن منصور عن يحيى بن معين وأبو عبد الرحمن النسائي : ثقة .
  وقال عثمان بن سعيد الدارمي قلت ليحيى بن معين : يونس بن عبيد أحب إليك في الحسن أو حميد يعني الطويل ؟ فقال : كلاهما .
  وقال علي بن المديني : يونس بن عبيد أثبت في الحسن من ابن عون .
  وقال أبو زرعة : يونس بن عبيد أحب إلي في الحسن من قتادة لأن يونس من أصحاب الحسن وقتادة ليس من أقران يونس ويونس أحب إلي من هشام بن حسان .
  وقال أبو حاتم : ثقة وهو أحب إلي من هشام بن حسان وأكبر من سليمان التيمي ولا يبلغ التيمي منزلة يونس بن عبيد .
  حدثنا مبارك بن فضالة عن يونس بن عبيد قال : لا تجد من البر شيئا واحدا يتبعه البر كله غير اللسان فإنك تجد الرجل يكثر الصيام ويفطر على الحرام ويقوم الليل ويشهد بالزور بالنهار وذكر أشياء نحو هذا ولكن لا تجده لا يتكلم إلا بحق فيخالف ذلك عمله أبدا .
  قال حدثنا سعيد بن عامر عن يونس بن عبيد : قال انك تكاد أن تعرف ورع الرجل في كلامه إذا تكلم ، قال حدثني رجل من قريش عن يونس بن عبيد قال سأل ابن زياد رجلا من أبناء الدهاقين : ما المروءة فيكم ؟ قال : أربع خصال أن يعتزل الريبة فلا يكون في شيء منها فإذا كان مريبا كان ذليلا وأن يصلح ماله فلا يفسده فإنه من أفسد ماله لم يكن له مروءة وأن يقوم لأهله بما يحتاجون إليه حتى يستغنوا به عن غيره فان من احتاج أهله إلى الناس لم تكن له مروءة وأن ينظر ما يوافقه من الطعام والشراب فيلزمه فان ذلك من المروءة وأن لا يخلط على نفسه في مطعمه ومشربه .
  حدثنا خويل بن واقد الصفار قال سمعت رجلا يسأل يونس بن عبيد فقال : جار لي معتزلي مرض ، أعوده ؟ فقال : أما الحسبة فلا ، قال : مات ، أصلي على جنازته ؟ قال : أما الحسبة فلا .
  قال حدثنا بشر بن المفضل ومعاذ عن مسلم بن أبي مضر قال : كانت ليونس معنا بضاعة فجلسنا يوما ننظر في حسابنا ويونس جالس فلما فرغنا من حسابنا قال يونس كلمة تكلم بـها فلان داخلة في حسابنا ، قال قلنا : نعم ، قال لا حاجة لي في الربح ردوا علي رأس مالي فأخذ راس ماله وترك ربحه أربعة آلاف ، قال سمعت زهيرا يقول كان يونس بن عبيد خزازا فجاء رجل يطلب ثوبا ، فقال : لغلامه انشر الرزمة فنشر الغلام الرزمة وضرب بيده على الرزمة فقال : صلى الله على محمد ، فقال : ارفع وأبى أن يبيعه مخافة أن يكون مدحه ، عن ابن شوذب قال سمعت يونس بن عبيد يقول : خصلتان إذا صلحتا من العبد صلح ما سواهما من أمره صلاته ولسانه )
  سير أعلام النبلاء ج6ص288ت124 : ( يونس بن عبيد بن دينار الإمام ، القدوة ، الحجة ، أبو عبد الله العبدي ، مولاهم البصري ، من صغار التابعين وفضلائهم ، قال علي بن المديني : له نحو مئتي حديث ، وقال ابن سعد : كان ثقة ، كثير الحديث ، وقال أحمد وابن معين والناس : ثقة .
  وعن سلمة بن علقمة قال : جالست يونس بن عبيد فما استطعت أن آخذ عليه كلمة ، قال ابن سعد : ما كتبت شيئا قط ، وقال حماد بن زيد : كان يونس يحدث ، ثم يقول : أستغفر الله ، أستغفر الله ثلاثا .
  روى الأصمعي عن مؤمل بن إسماعيل قال : جاء رجل شامي إلى سوق الخزازين فقال : عندك مطرف بأربع مئة فقال يونس بن عبيد : عندنا بمئتين ، فنادى المنادي : الصلاة ، فانطلق يونس إلى بني قشير ليصلي بـهم ، فجاء وقد باع ابن أخته المطرف من الشامي ، بأربع مئة ، فقال : ما هذه الدراهم ؟ قال : ثمن ذاك المطرف ، فقال : يا عبد الله هذا المطرف الذي عرضته عليك بمئتي درهم ، فإن شئت فخذه وخذ مئتين ، وإن شئت فدعه ، قال : من أنت ؟ قال : أنا رجل من المسلمين ، قال : أسألك بالله من أنت ؟ وما اسمك ؟ قال : يونس بن عبيد ، قال : فوالله إنا لنكون في نحر العدو ، فإذا اشتد الأمر علينا لنا : اللهم رب يونس فرج عنا ، أو شبيه هذا ، فقال يونس : سبحان الله ، سبحان الله .
  حدثنا أسماء بن عبيد ، سمعت يونس بن عبيد يقول : ليس شئ أعز من شيئين : درهم طيب ، ورجل يعمل على سنة ، وقال : بئس المال مال المضاربة وهو خير من الدين ، ما خط على سوداء في بيضاء قط ـ و ـ لا أستطيع أن أقول لمئة درهم أصبتها إنه طاب لي منها عشرة ، وأيم الله ، لو قلت : خمسة لبررت ، قالها غير مرة ، وسمعته يقول : ما سارق يسرق الناس بأسوأ عندي منزلة من رجل أتى مسلما فاشترى منه متاعا إلى أجل مسمى فحل الأجل ، فانطلق في الأرض ، يضرب يمينا وشمالا ، يطلب فيه من فضل الله ، والله لا يصيب منه درهما إلا كان حراما .
  وعن جعفر بن برقان قال : بلغني عن يونس فضل وصلاح ، فأحببت أن أكتب إليه أسأله ، فكتب إليه : أتاني كتابك تسألني أن أكتب إليك بما أنا عليه ، فأخبرك أني عرضت علي نفسي أن تحب للناس ما تحب لها ، وتكره لهم ما تكره لها ، فإذا هي من ذاك بعيدة ، ثم عرضت عليها مرة أخرى ترك ذكرهم إلا من خير ، فوجدت الصوم في اليوم الحار أيسر عليها من ذلك ، هذا أمري يا أخي والسلام ، قال سعيد بن عامر : قيل : إن يونس بن عبيد قال : إني لأعد مئة خصلة من خصال البر ، ما في منها خصلة واحدة ، ثم قال سعيد ، عن جسر أبي جعفر قال : دخلت على يونس بن عبيد أيام الأضحى ، فقال : خذ لنا كذا وكذا من شاة ، ثم قال : والله ما أراه يتقبل مني شئ ، قد خشيت أن أكون من أهل النار ، قلت : كل من لم يخش أن يكون في النار ، فهو مغرور قد أمن مكر الله به ، قال سعيد بن عامر ، عن سلام بن أبي مطيع أو غيره قال : ما كان يونس بأكثرهم صلاة ، ولا صوما ، ولكن لا والله ما حضر حق لله إلا وهو متهيئ له ، قال سعيد بن عامر : قال يونس : هان علي أن آخذ ناقصا ، وغلبني أن أعطي راجحا ، وقيل : إن يونس نظر إلى قدميه عند الموت وبكى ، فقيل ما يبكيك أبا عبد الله ؟ قال : قدماي لم تغبر في سبيل الله ، وعن جار ليونس قال : ما رأيت أكثر استغفارا من يونس ، كان يرفع طرفه إلى السماء ويستغفر ، قال حماد بن زيد : سمعت يونس يقول : توشك عينك أن ترى مالم تر ، وأذنك أن تسمع ما لم تسمع ، ثم لا تخرج من طبقة إلا دخلت فيما هو أشد منها حتى يكون آخر ذلك الجواز على الصراط ، وقال حماد بن زيد : شكى رجل إلى يونس وجعا في بطنه ، فقال له : يا عبد الله ، هذه دار لا توافقك ، فالتمس دارا توافقك .
  وقال غسان بن المفضل الغلابي ، حدثني بعض أصحابنا قال : جاء رجل إلى يونس بن عبيد فشكا إليه ضيقا من حاله ومعاشه واغتماما بذلك ، فقال : أيسرك ببصرك مئة ألف ؟ قال : لا ، قال : فبسمعك ؟ قال : لا ، قال : فبلسانك ؟ قال : لا ، قال : فبعقلك ؟ قال : لا ، في خلال ، وذكره نعم الله عليه ، ثم قال يونس : أرى لك مئين ألوفا وأنت تشكو الحاجة ؟! حماد بن زيد ، سمعت يونس بن عبيد يقول : عمدنا إلى ما يصلح الناس فكتبناه ، وعمدنا إلى ما يصلحنا فتركناه .
  وعن يونس قال : يرجى للرهق بالبر الجنة ، ويخاف على المتأله بالعقوق النار ، قال حزم بن أبي حزم : مر بنا يونس بن عبيد على حمار ونحن قعود ، على باب ابن لاحق ، فوقف ، فقال : أصبح من إذا عرف السنة عرفها ، غريبا ، وأغرب منه الذي يعرفها ، قال سعيد بن عامر : حدثنا جسر أبو جعفر قلت ليونس : مررت بقوم يختصمون في القدر ، فقال : لو همتهم ذنوبـهم ما اختصموا في القدر ، قال النضر بن شميل : غلا الخز في موضع كان إذا غلا هناك غلا بالبصرة ، وكان يونس بن عبيد خزازا فعلم بذلك فاشترى من رجل متاعا بثلاثين ألفا ، فلما كان بعد ذلك ، قال لصاحبه : هل كنت علمت أن المتاع غلا بأرض كذا وكذا ؟ قال : لا ، ولو علمت لم أبع ، قال : هلم إلي مالي ، وخذ ما لك ، فرد عليه الثلاثين الألف ، قال حماد بن سلمة : سمعت يونس يقول : ما هم رجلا كسبه إلى همه أين يضعه .
  مخلد بن الحسين ، عن هشام بن حسان قال : ما رأيت أحدا يطلب بالعلم وجه الله إلا يونس بن عبيد ، عبد الله بن أحمد بن حنبل ، حدثنا إبراهيم بن الحسن الباهلي ، حدثنا حماد بن زيد قال : قال يونس بن عبيد : ثلاثة احفظوهن عني : لا يدخل أحدكم على سلطان يقرأ عليه القرآن ، ولا يخلون أحدكم مع امرأة يقرأ عليها القرآن ، ولا يمكن أحدكم سمعه من أصحاب الأهواء ، ضمرة عن ابن شوذب ، سمعت يونس وابن عون اجتمعا ، فتذاكرا الحلال والحرام فكلاهما قال : ما أعلم في مالي درهما حلالا ، قلت : والظن بـهما أنـهما لا يعرفان في مالهما أيضا درهما حراما .
  حدثنا حرب بن ميمون الصدوق المسلم ، عن خويل ، يعني ـ ختن شعبة ـ قال : كنت عند يونس فجاءه رجل ، فقال : يا أبا عبد الله : تنهانا عن مجالسة عمرو بن عبيد ، وقد دخل عليه ابنك ؟ قال : ابني ! قال : نعم ، فتغيظ الشيخ ، فلم أبرح حتى جاء ابنه ، فقال : يا بني ، قد عرفت رأيي في عمرو ثم تدخل عليه ؟ قال : كان معي فلان ، وجعل يعتذر ، قال : أنـهاك عن الزنى ، والسرقة ، وشرب الخمر ، ولان تلقى الله بـهن أحب إلي من أن تلقاه برأي عمرو وأصحاب عمرو ، وقال سعيد بن عامر : قال يونس : إني لأعدها من نعمة الله أني لم أنشأنا بالكوفة ، وقيل : التقى يونس وأيوب ، فلما تفرقا قال أيوب : قبح الله العيش يعدك .
  وقال فضيل بن عبد الوهاب : حدثنا خالد بن عبد الله قال : أراد يونس بن عبيد أن يلجم حمارا : فلم يحسن ، فقال لصاحب له : ترى الله كتب الجهاد على رجل لا يلجم حمارا ؟ قال حماد بن زيد ، قال محمد بن عبد الله الأنصاري : رأيت سليمان وعبد الله ابني علي بن عبد الله بن عباس ، وابني سليمان يحملون سرير يونس بن عبيد على أعناقهم ، فقال عبد الله بن علي : هذا والله الشرف ! )
  مشاهير علماء الامصار ج1ص150ت1184 : ( يونس بن عبيد مولى عبد القيس مولده بالكوفة ممن يرجع إلى العبادة ، والورع ، والفضل ، والزهد ، والحفظ ، والإتقان ، والصلابة ).
(2) مجاز القرآن ج2ص21 لأبي عبيدة المتوفى 210ه‍ ، ط دار الفكر ، وعنه في تفسير كتاب الله العزيز للشيخ هود بن محكَّم الهواري ج3ص42 ، وقال الطبري في تفسيره ج16ص137 ط دار الحديث : ( وحدثت عن أبي عبيدة معمر بن المثنى قال : قال أبو عمرو وعيسى بن عمر ، ويونس ( إن هذين لساحران ) في اللفظ وكتب (هَذَانِ) (طه/63) ، كما يريدون الكتّاب ).

إعلام الخَلف بمن قال بتحريف القرآن من أعلام السّلف _ 667 _
  وكلامه واضح وصريح في وقوع التحريف في هذا الموضع من القرآن من قِبل كتبة المصحف .

إعلام الخَلف بمن قال بتحريف القرآن من أعلام السّلف _ 668 _
العلامة الحافظ عكرمة مولى ابن عباس (1)   ينكر النص القرآني ويستهزأ به !
  ( أخرج ابن جرير عن عكرمة أنه كان يعيب (لأَيلاَفِ قُرَيْشٍ) (قريش/1) ويقول : إنـما هي ( لتألف قريش ) !! ، وكانوا يرحلون في الشتاء والصيف إلى الروم والشام فأمرهم الله أن يألفوا عبادة رب هذا البيت ) (2) .
  الرواية واضحة في أن سيدهم عكرمة يعيب القرآن وينكر نصه ويستدل على بطلانه !

--------------------
(1) سير أعلام النبلاء ج5 ص14 ترجمة عكرمة مولى ابن عباس رقم 9 : ( العلامة ، الحافظ ، المفسر ، عن عبد الرحمن بن حسان : سمعت عكرمة : يقول : طلبت العلم أربعين سنة ، وكنت أفتي بالباب ، وابن عباس في الدار .
  وروى يزيد النحوي ، عن عكرمة أن ابن عباس قال : انطلق فأفت الناس ، وأنا لك عون ، قلت : لو أن هذا الناس مثلهم مرتين ، لأفتيتهم ، قال : انطلق فأفتهم ، فمن جاءك يسألك عما يعنيه فأفته ، ومن سألك عما لا يعنيه ، فلا تفته ، فإنك تطرح عنك ثلثي مؤنة الناس ، عن الفرزدق بن جواس الحماني ، قال : كنا مع شهر بن حوشب بجرجان ، فقدم علينا عكرمة ، فقلنا لشهر : ألا نأتيه ؟ قال : ائتوه ، فإنه لم تكن أمة إلا كان لها حبر ، وإن مولى ابن عباس حبر هذه الأمة .
  عن عكرمة قال : قرأ ابن عباس هذه الآية (لِمَ تَعِظُونَ قَوْمًا اللَّهُ مُهْلِكُهُمْ أَوْ مُعَذِّبُهُمْ عَذَابًا شَدِيدًا) (الأعراف/164) قال ابن عباس : لم أدر أنجا القوم أم هلكوا ؟ قال : فما زلت أبين له و أبصره حتى عرف أنـهم قد نجوا ، قال : فكساني حلة ، عن عمرو بن دينار : دفع إلي جابر بن زيد مسائل ، أسأل عكرمة ، وجعل يقول : هذا عكرمة مولى ابن عباس ، هذا البحر فسلوه .
  عن عمرو سمع أبا الشعثاء يقول : هذا عكرمة مولى ابن عباس ، هذا أعلم الناس ، قال سفيان : الوجه الذي عليه فيه عكرمة المغازي ، إذا تكلم فسمعه إنسان قال : كأنه مشرف عليهم يراهم ، قيل لسعيد بن جبير : تعلم أحدا أعلم منك ؟ قال : نعم ، عكرمة ، قال مصعب بن عبد الله : تزوج عكرمة أم سعيد بن جبير ، فلما قتل سعيد ، قال إبراهيم : ما خلّف بعده مثله .
  وقال إسماعيل بن أبي خالد : سمعت الشعبي يقول : ما بقي أحد أعلم بكتاب الله من عكرمة .
  وقال قتادة : أعلم الناس بالحلال والحرام الحسن ، وأعلمهم بالمناسك عطاء ، وأعلمهم بالتفسير عكرمة .
  وروى سعيد عن قتادة قال : كان أعلم التابعين أربعة … كان عكرمة أعلمهم بسيرة النبي صلى الله عليه (وآله) وسلم .
  عن حبيب بن أبي ثابت قال : اجتمع عندي خمسة لا يجتمع مثلهم أبدا : عطاء ، وطاووس ، ومجاهد ، وسعيد بن جبير ، وعكرمة ، فأقبل مجاهد وسعيد يلقيان على عكرمة التفسير ، فلم يسألاه عن آية إلا فسرها لهما ، فلما نفد ما عندهما جعل يقول : أنزلت آية كذا في كذا ، وآية كذا في كذا ، قال : ثم دخلوا الحمام ليلا ، سمعت أيوب يقول : لو قلت لك : إن الحسن ترك كثيرا من التفسير حين دخل علينا عكرمة البصرة حتى خرج منها ، لصدقت ، قال أيوب : قال عكرمة : إني لاخرج إلى السوق ، فأسمع الرجل يتكلم بالكلمة ، فينفتح لي خمسون بابا من العلم ،قال يحيى بن أيوب : قال لي ابن جريج : قدم عليكم عكرمة ؟ قلت : بلى ، قال : فكتبتم عنه ؟ قلت : لا ، قال : فاتكم ثلثا العلم ، عن أيوب قال : قدم علينا عكرمة ، فاجتمع الناس عليه حتى صعد فوق ظهر بيت .
  عن أيوب قال : كنت أريد أن أرحل إلى عكرمة ، إلى أفق من الآفاق ، فإني لفي سوق البصرة ، إذا رجل على حمار ، فقيل لي : عكرمة ، فاجتمع الناس إليه ، فقمت إليه ، فما قدرت على شئ أسأله ، ذهبت مني المسائل ، فقمت إلى جنب حماره ، فجعل الناس يسألونه وأنا أحفظ .
  عن يحيى بن معين قال : إذا رأيت إنسانا يقع في عكرمة ، وفي حماد بن سلمة ، فاتـهمه على الإسلام وقال يعقوب بن شيبة : سمعت عليا يقول : لم يكن في موالي ابن عباس أغزر من عكرمة ، الذهبي :كان عكرمة من أهل العلم )
  تذكرة الحفاظ للذهبي ج1 ص95 ح87 : ( لا ريب أن هذا الإمام من بحور العلم ، قال قرة بن خالد : كان الحسن ـ البصري ـ إذا قدم عكرمة البصرة أمسك عن التفسير و الفتيا ما دام عكرمة بالبصرة )
  الجرح والتعديل ج7ص7 ت32 ( أخبرنا عبد الرحمن قال قيل لأبي ـ ابن حنبل ـ فموالي ابن عباس فقال كريب وسميع وشعبة وعكرمة وعكرمة أعلاهم ، حدثنا عبد الرحمن قال وسئل أبي عن عكرمة وسعيد بن جبير أيهما اعلم بالتفسير فقال أصحاب بن عباس عيال على عكرمة )
(2) الدر المنثور ج6ص396.

إعلام الخَلف بمن قال بتحريف القرآن من أعلام السّلف _ 669 _
* النص القرآني خطأ !
  ( أخرج ابن أبي حاتم عن عكرمة أنه قرأ ( ما كان للمشركين أن يعمروا مسجد الله ) قال : إنـما هو مسجد واحد ) (1) .
  يقرأ بقراءته المخالفة لما هو موجود في مصاحف المسلمين ويحصر الحق في قراءته !! والآية رغم أنف الخارجي هكذا (مَا كَانَ لِلْمُشْرِكِينَ أَنْ يَعْمُرُوا مَسَاجِدَ اللَّهِ) (التوبة/17) .
  ( أخرج سعيد بن منصور وأبو داود في ناسخه وابن جرير عن عكرمة أنه كان يقرؤها (على الذين يطوقونه ) وقال : ولو كان (يُطِيقُونَهُ) ، إذن صاموا ! ) (2) .
  واضح أنه ينكر نص القرآن ، وحيث أن مقطع الآية (يُطِيقُونَهُ) سبقه فرض الصيام في قوله تعالى (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُتِبَ عَلَيْكُمْ الصِّيَامُ كَمَا كُتِبَ عَلَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ أَيَّامًا مَعْدُودَاتٍ فَمَنْ كَانَ مِنْكُمْ مَرِيضًا أَوْ عَلَى سَفَرٍ فَعِدَّةٌ مِنْ أَيَّامٍ أُخَرَ وَعَلَى الَّذِينَ يُطِيقُونَهُ فِدْيَةٌ طَعَامُ مِسْكِينٍ فَمَنْ تَطَوَّعَ خَيْرًا فَهُوَ خَيْرٌ لَهُ وَأَنْ تَصُومُوا خَيْرٌ لَكُمْ إِنْ كُنتُمْ تَعْلَمُونَ) (البقرة/183 ـ184) ، فقد قام عكرمة بتبرير تحريفه للآية حيث استدل على فساد وخطأ هذا اللفظ في الآية (يُطِيقُونَهُ) ! ، لأن الذي يطيق الصيام هو من أمر بالصوم في الآية الأولى ، والآية الثانية تتكلم عمن لا يطيقه ! فالصحيح هو ( يطوقونه ) لا (يُطِيقُونَهُ) الموجودة في مصاحف المسلمين !
ففي سنن سعيد بن منصور بسند صحيح عن عكرمة : ( كان يقرأ ( وعلى الذين يطوقونه ) . ويقرأ إن الذين يطيقونه هم الذين يصومونه والذين يطوقونه هم الذين ضعفوا عليهم الفدية ) (3) ، أي أن من عليه (فِدْيَةٌ طَعَامُ مِسْكِينٍ) هم الذين ( يطوقونه ) لا الذين (يُطِيقُونَهُ) كما هو حالها في المصحف !! ولا ندري هل يكفرون عكرمة مولى ابن عباس أم يدسون رؤوسهم في التراب ؟! ، والآية رغم أنف إمامهم عكرمة هكذا (وَعَلَى الَّذِينَ يُطِيقُونَهُ فِدْيَةٌ طَعَامُ مِسْكِينٍ) (البقرة/184).

--------------------
(1) ن.م ج3ص216.
(2) ن.م ج1ص178، وهو بسند صحيح في سنن سعيد بن منصور ج2ص683ح265 (حدثنا سعيد قال نا خالد بن عبد الله عن عمران بن حدير عن عكرمة ).
(3) سنن سعيد بن منصور ج2ص683ح266 ، بسند صحيح (حدثنا سعيد قال نا مروان بن معاوية قال نا عمران بن حدير عن عكرمة ).

إعلام الخَلف بمن قال بتحريف القرآن من أعلام السّلف _ 670 _
  فقيه العراق الإمام إبراهيم النخـعي (1) لعل الصحابة حرفوا !

--------------------
(1) تـهذيب الكمال ج2ص233ت265 : ( إبراهيم بن يزيد بن قيس بن الأسود بن عمرو بن ربيعة بن ذهل بن ربيعة بن ذهل بن سعد بن مالك بن النخع النخعي أبو عمران الكوفي . فقيه أهل الثقة .
  قال العجلي : لم يحدث عن أحد من أصحاب النبي صلى الله عليه (وآله) وسلم وقد أدرك منهم جماعة ورأى عائشة رؤيا وكان مفتي أهل الكوفة هو والشعبي في زمانـهما وكان رجلا صالحا ، فقيها ، متوقيا ، قليل التكلف ، ومات وهو مختف من الحجاج .
  وقال أبو أسامة عن الأعمش : كان إبراهيم صيرفي الحديث .
  عن إسماعيل بن أبي خالد : كان الشعبي وإبراهيم وأبو الضحى يجتمعون في المسجد يتذاكرون الحديث فإذا جاءهم شيء ليس عندهم فيه رواية رموا إبراهيم بأبصارهم ، وقال عباس الدوري عن يحيى بن معين : مراسيل إبراهيم أحب إلي من مراسيل الشعبي ، وقال أبو بكر بن شعيب بن الحبحاب عن أبيه : كنت فيمن دفن إبراهيم النخعي ليلا سابع سبعة أو تاسع تسعة ، فقال الشعبي : أدفنتم صاحبكم ؟ قلت : نعم ، قال : أما إنه ما ترك أحدا أعلم منه أو أفقه منه ، قلت : ولا الحسن ولا ابن سيرين ؟! قال : ولا الحسن ولا بن سيرين ولا من أهل البصرة ولا من أهل الكوفة ولا من أهل الحجاز وفي رواية ولا بالشام ).
  أقول: كما ترى كل تراجمهم متناقضة فهذا أعلم من فلان وبعد حين فلان أعلم من هذا ؟! تذكرة الحفاظ ج1ص73ت70 : ( فقيه العراق ، أبو عمران إبراهيم بن يزيد بن قيس بن الأسود الكوفي الفقيه روى عن علقمة ومسروق والأسود وطائفة ودخل علي أم المؤمنين عائشة رضي الله تعالى عنها وهو صبي أخذ عنه حماد بن أبي سليمان الفقيه وسماك بن حرب والحكم بن عتيبة وابن عون والأعمش ومنصور وخلق وكان من العلماء ذوي الإخلاص ، قال مغيرة : كنا نـهاب إبراهيم كما يهاب الأمير .
  وقال الأعمش : ربما رأيت إبراهيم يصلي ثم يأتينا فيبقى ساعة كأنه مريض ، وقال : كان إبراهيم صيرفيا في الحديث وكان يتوقى الشهرة ولا يجلس إلى الاسطوانة ، وقال الشعبي لما بلغه موت إبراهيم : ما خلف بعده مثله ، وقال ابن عون : كان إبراهيم يأتي الأمراء ويسألهم الجوائز (!!) ، وقال الحسن بن عمرو الفقيمي : كان إبراهيم يشتري الوز ويسمنه ويهديه إلى الأمراء (!) ، روى أبو حنيفة عن حماد قال : بشرت إبراهيم بموت الحجاج فسجد وبكى من الفرح ، وقال عبد الله بن أبي سليمان : سمعت سعيد بن جبير يقول : تستفتوني وفيكم إبراهيم النخعي ! وقالت هنيدة زوجة إبراهيم : أنه كان يصوم يوما ويفطر يوما وجاء من وجوه عن إبراهيم أنه كان لا يتكلم في العلم ألا أن يسأل ، وروى ابن عون عن إبراهيم قال : كانوا يكرهون إذا اجتمعوا أن يخرج الرجل أحسن ما عنده ).
  الجرح والتعديل ج2ص144ت473 : ( عن عاصم قال : كان الرجل يأتي أبا وائل يستفتيه فيقول : اذهب إلى إبراهيم فسله ثم أخبرني بما قال لك ، عن الأعمش قال : ما سألت إبراهيم عن شيء قط إلا وجدت عنده منه أصلا ، قال علي بن المديني : كان إبراهيم عندي من أعلم الناس بأصحاب عبد الله وأبطنهم به ، حدثنا عبد الرحمن سمعت أبا زرعة يقول : إبراهيم النخعي علم من أعلام أهل الإسلام وفقيه من فقهائهم ).
  سير أعلام النبلاء ج4ص520ت213 : ( إبراهيم النخعي ، الإمام ، الحافظ ، فقيه العراق ، أحد الأعلام ، وكان بصيرا بعلم ابن مسعود ، واسع الرواية ، فقيه النفس ، كبير الشأن ، كثير المحاسن ، رحمه الله تعالى ، وكان مفتي أهل الكوفة هو والشعبي في زمانـهما ، وكان رجلا صالحا ، فقيها ، متوقيا ، قليل التكلف وهو مختف من الحجاج ، قال ابن عون : وصفت إبراهيم لابن سيرين ، قال : لعله ذاك الفتى الأعور الذي كان يجالسنا عند علقمة ، كان في القوم وكأنه ليس فيهم ، عن إبراهيم قال : ما كتبت شيئا قط ، وقال طلحة بن مصرف : ما بالكوفة أعجب إلي من إبراهيم وخيثمة ، قال فضيل الفقيمي : قال لي إبراهيم : ما كتب إنسان كتابا إلا اتكل عليه ، وقال مغيرة : كره إبراهيم أن يستند إلى سارية .
  حدثنا مغيرة قال : قيل لإبراهيم : قتل الحجاج سعيد بن جبير ، قال : يرحمه الله ، ما ترك بعده خلف ، قال : فسمع بذلك الشعبي فقال : هو بالأمس يعيبه بخروجه على الحجاج ، ويقول اليوم هذا ! فلما مات إبراهيم ، قال الشعبي : ما ترك بعده خلف ، عن عاصم قال : تبعت الشعبي ، فمررنا بإبراهيم ، فقام له إبراهيم عن مجلسه ، فقال له الشعبي : أما إني أفقه منك حيا ، وأنت أفقه مني ميتا ، وذاك أن لك أصحابا يلزمونك ، فيحيون علمك .
  حدثني ميمون أبو حمزة الأعور ، قال : قال لي إبراهيم : تكلمت ، ولو وجدت بدا ، لم أتكلم ، وإن زمانا أكون فيه فقيها لزمان سوء ، قال أبو حمزة الثمالي : كنت عند إبراهيم النخعي ، فجاء رجل فقال : يا أبا عمران ، إن الحسن البصري يقول : إذا تواجه المسلمان بسيفيهما فالقاتل والمقتول في النار ، فقال رجل : هذا من قاتل على الدنيا ، فأما قتال من بغى ، فلا بأس به ، فقال إبراهيم : هكذا ، قال أصحابنا عن ابن مسعود ، فقالوا له : أين كنت يوم الزاوية ؟ قال : في بيتي ، قالوا : فأين كنت يوم الجماجم ؟ قال : في بيتي ، قالوا : فإن علقمة شهد صفين مع علي ، فقال : بخ بخ ، من لنا مثل علي بن أبي طالب ورجاله ، وقيل : إن إبراهيم لما احتضر ، جزع جزعا شديدا ، فقيل له في ذلك ، فقال : وأي خطر أعظم مما أنا فيه ، أتوقع رسولا يرد علي من ربي إما بالجنة وإما بالنار ، والله لوددت أنـها تلجلج في حلقي إلى يوم القيامة .
  روى ابن عيينة ، عن الأعمش ، قال : جهدنا أن نجلس إبراهيم النخعي إلى سارية ، وأردناه على ذلك ، فأبى ، وكان يأتي المسجد وعليه قباء وريطة معصفرة ، قال : وكان يجلس مع الشرط ( صاحب إوز الأمير ! ) ، قال أحمد بن حنبل : كان إبراهيم ذكيا ، حافظا ، صاحب سنة ).

إعلام الخَلف بمن قال بتحريف القرآن من أعلام السّلف _ 671 _
  ( عن الأعمش عن إبراهيم قال : هما سواء (إِنْ هَذَانِ لَسَاحِرَانِ) و ( إن هذين لساحران ) ، لعله كتبوا الألف مكان الياء ـ والله أعلم ـ والواو في (وَالصَّابِئُونَ) و(الرَّاسِخُونَ) مكان الياء ) (1).

--------------------
(1) المصاحف لابن أبي داود ج1ص396ح339 وعلق عليه المحقق محب الدين واعظ ب‍ ( إسناده حسن )
  أقول : عجزت فرقة التأويل والتلميع عن تدارك ما جاءهم به إمامهم النخعي حيث أولوا قوله بأنه أراد أن كتبة المصحف أبدلوا الحروف لا عن خطأ وتحريف وإنما حالها حال لفظ الزكاة ولفظ الصلاة حيث كتبتا بـهذا الشكل ( الزكوة والصلوة ) ، ورد هذا الزعم إمامهم السيوطي وتبعه الآلوسي بأن الزكوة والصلوة وإن كتبتا بـهذا الشكل ولكن حال القراءة تقرأ على الأصل أما هنا فإن قراءة القرآن تغيرت على حسب الخطأ فلا يصح هذا التأويل قال السيوطي في الإتقان ج1ص539 : ( قال ابن أشته : يعني أنه من إبدال حرف في الكتاب بحرف مثل الصلوة والزكوة والحيوة .
  وأقول هذا الجواب إنما يحسن لو كانت القراءة بالياء فيها والكتابة بخلافها وأما القراءة على مقتضى الرسم فلا ).
  ومثله قال الآلوسي في روح المعاني ج16ص223 : ( ثم أخرج عن إبراهيم النخعي أنه قال : ( إِنْ هَذانِ لَساحِرانِ) و (إن هذين لساحران) سواء لعلهم كتبوا الألف مكان الياء ، يعنى أنه من إبدال حرف في الكتابة بحرف كما وقع في صلاة وزكاة وحياة ويرد على هذا أنه إنـما يـحسن لو كانت القراءة بالياء في ذلك ).
  وهنا يلزم التنبيه على أمر طالما نبهنا عليه بين الردود وهو أن ظاهر الكلام حجة إلا أن يثبت خلافه بدليل يصرف الكلام عن ظاهره ، وإلا لو فتح باب التأويل بلا ضابطة لما ثبت حجر على حجر في بناء العلوم والمعارف ، فيكفي لرد تأويلات فرق التأويل والتلميع أن يعترض عليهم ب‍ ( أين الدليل على خلاف الظاهر ؟ ) .

إعلام الخَلف بمن قال بتحريف القرآن من أعلام السّلف _ 672 _
  عالم الجزيرة ومفتيها ميمون بن مهران (1)   قال القرطبي : ( وفي مصحف ابن مسعود ( ووصى ) وهي قراءة أصحابه ، وقراءة ابن عباس أيضا وعلي ( عليه السلام) وغيرهما ، وكذلك عند أبي بن كعب ، قال ابن عباس : إنما هو ( ووصى ربك ) فالتصقت إحدى الواوين فقرئت وقضى ربك إذ لو كان على القضاء ما عصى الله أحد ، وقال الضحاك : تصحفت على قوم ( وصى ) ب‍ ( قضى ) حين اختلطت الواو بالصاد وقت كتب المصحف ، وذكر أبو حاتم عن ابن عباس مثل قول الضحاك ، وقال عن ميمون بن مهران أنه قال : إن على قول ابن عباس لنورا ، قال الله تعالى : (شَرَعَ لَكُمْ مِنَ الدِّينِ مَا وَصَّى بِهِ نُوحًا وَالَّذِي أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ )(الشورى/13) ) (2) .

--------------------
(1) سير أعلام النبلاء ج5ص71ت28 : ( الإمام ، الحجة ، عالم الجزيرة ومفتيها ، أبو أيوب الجزري الرقي ، أعتقته امرأة من بني نصر بن معاوية بالكوفة فنشأ بـها ، قيل إن مولده عام موت علي رضي الله عنه سنة أربعين وثقه جماعة وقال أحمد بن حنبل : هو أوثق من عكرمة .
  وروى سعيد بن عبد العزيز عن سليمان بن موسى قال : هؤلاء الأربعة علماء الناس في زمن هشام بن عبد الملك مكحول والحسن والزهري وميمون بن مهران ، وروى إسماعيل بن عبيد الله عن ميمون بن مهران قال : كنت أفضل عليا على عثمان ، فقال لي عمر بن عبد العزيز : أيهما أحب إليك ، رجل أسرع في الدماء أو رجل أسرع في المال ؟ فرجعت وقلت : لا أعود ، وقال : كنت عند عمر بن عبد العزيز فلما قمت قال : إذا ذهب هذا وضرباؤه صار الناس بعده رجراجة ، قال أبو المليح ما رأيت رجلا أفضل من ميمون بن مهران .
  روى عمرو بن ميمون بن مهران قال : إني وددت أن إصبعي قطعت من هاهنا وإني لم ألِ لعمر بن عبد العزيز ولا لغيره ، أبو المليح الرقي عن حبيب بن أبي مرزوق قال ميمون : وددت أن إحدى عيني ذهبت وأني لم ألِ عملا قط لا خير في العمل لعمر بن عبد العزيز ولا لغيره ، قلت : كان ولي خراج الجزيرة وقضاءها وكان من العابدين .
  روى أبو المليح الرقي عن ميمون بن مهران قال : لا تجالسوا أهل القدر ولا تسبوا أصحاب محمد صلى الله عليه وسلم ولا تعلموا النجوم ، بقية بن الوليد أخبرنا عبد الملك بن أبي النعمان الجزري عن ميمون ابن مهران قال : خاصمه رجل في الإرجاء فبينما هما على ذلك إذ سمعا امرأة تغني ، فقال ميمون : أين إيمان هذه من إيمان مريم بنت عمران ؟! فانصرف الرجل ولم يرد عليه .
  أبو المليح عن فرات بن السائب قال : كنت في مسجد ملطية فتذاكرنا هذه الأهواء فانصرفت فنمت فسمعت هاتفا يهتف الطريق مع ميمون بن مهران ، عن عبد الملك بن زائدة قال : ضرب على أهل الرقة بعث فجهز فيه ميمون بن مهران بنبال ، فقال مسلمة : لقد أصبح أبو أيوب في طاعتنا شمريا .
  حدثنا هارون البربري قال : كتب ميمون بن مهران إلى عمر بن عبد العزيز إني شيخ كبير رقيق كلفتني أن أقضي بين الناس ، وكان على الخراج والقضاء بالجزيرة فكتب إليه : إني لم أكلفك ما يعنيك اجب الطيب من الخراج واقض بما استبان لك ، فإذا لبس عليك شيء فارفعه إلي فإن الناس لو كان إذا كبر عليهم أمر تركوه لم يقم دين ولا دنيا ، جعفر بن برقان عن ميمون بن مهران قال : لا يكون الرجل تقيا حتى يكون لنفسه أشد محاسبة من الشريك لشريكه وحتى يعلم من أين ملبسه ومطعمه ومشربه .
  عن الحسن بن حبيب قال : رأيت على ميمون جبة صوف تحت ثيابه ، فقلت له : ما هذا ؟ قال : نعم ، فلا تخبر به أحدا ، وقال جامع بن أبي راشد سمعت ميمون بن مهران يقول : ثلاثة تؤدى إلى البر والفاجر الأمانة والعهد وصلة الرحم ، قال أبو المليح جاء رجل إلى ميمون بن مهران يخطب بنته فقال : لا أرضاها لك ، قال : ولم ؟! قال : لأنـها تحب الحلي والحلل ، قال : فعندي من هذا ما تريد ! قال : الآن لا أرضاك لها ، قال الإمام أبو الحسن الميموني قال لي أحمد بن حنبل : إني لأشبه ورع جدك بورع ابن سيرين .
  قال أبو المليح قال رجل لميمون : يا أبا أيوب ما يزال الناس بخير ما أبقاك الله لهم ، قال : أقبل على شأنك ما يزال الناس بخير ما اتقوا ربـهم ، ابن علية حدثنا يونس بن عبيد قال : كتبت إلى ميمون بن مهران بعد طاعون كان ببلادهم أسأله عن أهله فكتب إلي : بلغني كتابك وإنه مات من أهلي وخاصتي سبعة عشر إنسانا وإني أكره البلاء إذا أقبل فإذا أدبر لم يسرني أنه لم يكن .
  روى أبو المليح عن ميمون : من أساء سرا فليتب سرا ومن أساء علانية فليتب علانية فإن الناس يعيرون ولا يغفرون والله يغفر ولا يعير ، خالد بن حيان الرقي عن جعفر بن برقان قال لي ميمون بن مهران : يا جعفر ! قل لي في وجهي ما أكره فإن الرجل لا ينصح أخاه حتى يقول له في وجهه ما يكره .
  عن أبي المليح قال : قال ميمون : إذا أتى رجل باب سلطان فاحتجب عنه فليأت بيوت الرحمن فإنـها مفتحة فليصل ركعتين وليسأل حاجته ، وقال ميمون : قال محمد بن مروان بن الحكم : ما يمنعك أن تكتب في الديوان فيكون لك سهم في الإسلام ؟ قلت : إني لأرجو أن يكون لي سهام في الإسلام ، قال : من أين ولست في الديوان ؟ فقلت : شهادة أن لا إله إلا الله سهم والصلاة سهم والزكاة سهم وصيام رمضان سهم والحج سهم ، قال : ما كنت أظن أن لأحد في الإسلام سهما إلا من كان في الديوان ! قلت : هذا ابن عمك حكيم بن حزام لم يأخذ ديوانا قط وذلك أنه سأل رسول الله صلى الله عليه وسلم مسألة فقال استعف يا حكيم خير لك ، قال : ومنك يا رسول الله ؟ قال : ومني ، قال : لا جرم لا أسألك ولا غيرك شيئا أبدا ولكن ادع الله لي أن يبارك لي في صفقتي يعني التجارة ، فدعا له ، قال فرات سمعت ميمونا يقول : لو نشر فيكم رجل من السلف ما عرف إلا قبلتكم .
  أبو المليح سمعت ميمون بن مهران وأتاه رجل فقال : إن زوجة هشام ماتت وأعتقت كل مملوك لها ، فقال : يعصون الله مرتين ! يبخلون به وقد أمروا أن ينفقوه فإذا صار لغيرهم أسرفوا فيه .
  قال أحمد العجلي والنسائي : ميمون ثقة ، زاد أحمد : كان يحمل على علي رضي الله عنه ، قلت ـ الذهبي ـ : لم يثبت عنه حمل إنما كان يفضل عثمان عليه وهذا حق ـ أقول وكأن أحمد بن حنبل يجهل أن تفضيل عثمان على أمير المؤمنين عليه السلام ليس من الحمل! ـ ، عن إبراهيم بن محمد السمري أن ميمون بن مهران صلى في سبعة عشر يوما سبعة عشر ألف ركعة فلما كان في اليوم الثامن عشر انقطع في جوفه شيء فمات .
  عبد الله بن جعفر حدثنا أبو المليح عن ميمون قال : أدركت من لم يكن يملأ عينيه من السماء فرقا من ربه عز وجل ، وعنه قال : أدركت من كنت أستحيي أن أتكلم عنده ، قال ابن سعد : ميمون يكنى أبا أيوب ثقة كثير الحديث ، وقال أبو عروبة : نزل الرقة وبـها عقبه معمر بن سليمان عن فرات بن السائب عن ميمون بن مهران قال : ثلاث لا تبلون نفسك بـهن لا تدخل على السلطان وإن قلت آمره بطاعة الله ، ولا تصغين بسمعك إلى هوى فإنك لا تدري ما يعلق بقلبك منه ، ولا تدخل على امرأة ولو قلت أعلمها كتاب الله .
  وروى حبيب بن أبي مرزوق عن ميمون : وددت أن عيني ذهبت وبقيت الأخرى أتمتع بـها وأني لم أل عملا قط ! قلت له : ولا لعمر بن عبد العزيز ؟! قال : لا لعمر ولا لغيره ، أبو المليح عن ميمون قال لا تضرب المملوك في كل ذنب ولكن احفظ له فإذا عصى الله فعاقبه على المعصية وذكره الذنوب التي بينك وبينه ، أبو المليح سمعت ميمونا يقول : لأن أؤتمن على بيت مال أحب إلي من أن أؤتمن على امرأة .
  حدثنا أبو المليح عن ميمون قال : ما نال رجل من جسيم الخير نبي ولا غيره إلا بالصبر ، حدثنا يزيد بن الأصم قال لقيت عائشة رضي الله عنها مقبلة من مكة أنا وابن لطلحة وهو ابن أختها وقد كنا وقعنا في حائط من حيطان المدينة فأصبنا منه فبلغها ذلك فأقبلت على ابن أختها تلومه ثم وعظتني ، ثم قالت : أما علمت أن الله ساقك حتى جعلك في بيت نبيه ، ذهبت والله ميمونة ورمي برسنك على غاربك أما إنـها كانت من أتقانا لله عز وجل وأوصلنا للرحم جرى القلم بكتابة هذا هنا ، ويزيد بن الأصم من فضلاء التابعين بالرقة ، وقد خرج أرباب الكتب لميمون بن مهران سوى البخاري فما أدري لم تركه ).
(2) تفسير القرطبي ج10ص237.

إعلام الخَلف بمن قال بتحريف القرآن من أعلام السّلف _ 673 _
  يقصد أبو حاتم أن ميمون بن مهران استدل من القرآن لإثبات ما ذهب له ابن عباس من وقوع التحريف في قوله تعالى (وَقَضَى رَبُّكَ) ( الإسراء/23) .

إعلام الخَلف بمن قال بتحريف القرآن من أعلام السّلف _ 674 _
  الفقيه الحافظ ابن أبي مليكة (1)   أخرج أبو عبيد في فضائل القرآن بسند صحيح : ( أبو عبيد قال حدثنا ابن أبي مريم عن نافع بن عمر الجمحي عن ابن أبي مليكة قال : إنـما هي ( أفلم يتبين ) (2) .
  وهذا فقيههم ابن أبي مليكة يحصر الـحق في ( أفلم يتبين ) ! ، ويتابع قول شيخه ابن عباس في وقوع التحريف لـهذه الآية (أ فَلَمْ يَيْئَسْ ) (الرعد/31) !

--------------------
(1) طبقات الحفاظ ج1ص48ت93 ( عبد الله بن عبيد الله بن أبي مليكة واسمه زهير بن عبد الله بن جدعان القرشي التيمي أبو بكر ويقال أبو محمد المالكي ، كان قاضيا لعبد الله بن الزبير ومؤذنا له )
  التاريخ الكبير ج5ص137ت412 ( سمع بن عباس وابن الزبير وعائشة رضي الله عنهم هو المكي ، عن ابن جريج عن ابن أبى مليكة : أدركت ثلاثين من أصحاب النبي كلهم يخاف النفاق على نفسه ما منهم أحد يقول أنه على إيمان جبريل وميكائيل ).
  مشاهير علماء الأمصار ج1ص82ت597 : ( رأى ثمانين من أصحاب النبي كان من الصالحين والفقهاء في التابعين والحفاظ والمتقنين مات سنة سبع عشرة ومائة واسم أبى مليكة زهير ).
  تـهذيب التهذيب ج5ص268ت523 : ( قال أبو زرعة وأبو حاتم : ثقة ، قال ابن سعد ولاه ابن الزبير قضاء الطائف ، وكان ثقة كثير الحديث ، قال العجلي : مكي تابعي ثقة ، وقال ابن حبان في الثقات رأى ثمانين من الصحابة ) .
  الإصابة ج4ص399ت5309 : ( عبيد الله بن عبد بن أبي مليكة زهير بن عبد الله بن جدعان القرشي التيمي والد الفقيه عبد الله بن أبي مليكة ).
(2) فضائل القرآن لأبي عبيد ج2ص123ح624 تحقيق الأستاذ أحمد الخياطي ، رجاله ثقات .

إعلام الخَلف بمن قال بتحريف القرآن من أعلام السّلف _ 675 _
الإمام الكبيـر حسن بن صالح بن حي (1)
  النص القرآن فيه خطأ منطقي !
  ( أخرج ابن أبي حاتم من طريق حسن بن صالح بن حي عن مغيرة عن إبراهيم النخعي أنه قرأ ( يقضي الحق وهو خير الفاصلين ) ، قال ابن حي : لا يكون الفصل إلا مع القضاء ) (2) .

--------------------
(1) تـهذيب الكمال ج6ص177ت1238 ( قال أبو بكر بن أبي خيثمة عن يحيى بن معين : الحسن بن صالح ثقة ، وقال إبراهيم بن عبد الله بن الجنيد عن يحيى : ثقة مأمون ، وقال أحمد بن سعد بن أبي مريم عن يحيى : ثقة مستقيم الحديث ، وقال عباس الدوري عن يحيى : يكتب رأي الحسن بن صالح ورأي الأوزاعي وهؤلاء ثقات ، قال : وسألت يحيى عن الحسن بن صالح فقال : ثقة .
  وقال عثمان بن سعيد الدارمي : قلت ليحيى بن معين : فعلي بن صالح أحب إليك أو الحسن بن صالح ؟ فقال : كلاهما مأمونين ثقتين ، وقال أبو زرعة : اجتمع فيه إتقان وفقه وعبادة وزهد ، وقال أبو حاتم : ثقة حافظ متقن ، وقال النسائي : ثقة ، قال وكيع : حدثنا الحسن ، قيل : من الحسن ؟ قال : الحسن بن صالح الذي لو رأيته ذكرت سعيد بن جبير أو شبهته بسعيد بن جبير ، وقال أبو زرعة الدمشقي عن أحمد بن أبي الحواري : سمعت وكيعا يقول لا يبالي من رأى الحسن بن صالح أن لا يرى الربيع بن خثيم ، وقال أحمد بن عثمان بن حكيم الأودي عن أبي يزيد عبد الرحمن بن مصعب المعني : صحبت السادة سفيان الثوري وصحبت ابني حي يعني عليا والحسن ابني صالح بن حي وصحبت وهيب بن الورد ، وقال عيسى بن أبي حرب الصفار عن يحيى بن أبي بكير قلنا للحسن بن صالح : صف لنا غسل الميت فما قدر عليه من البكاء .
  عن بن الأصبهاني : سمعت عبدة بن سليمان يقول : إني أرى الله عز وجل يستحي أن يعذب الحسن بن صالح ، وقال أيضا عن أحمد بن محمد : سمعت أبا نعيم يقول حدثنا الحسن بن صالح وما كان دون الثوري في الورع والقوة ، سمعت أبا غسان يقول : الحسن بن صالح خير من شريك من هنا إلى خراسان ، سمعت محمد بن عبد الله بن نمير وسئل عن الحسن بن صالح فقيل له : أصحيح الحديث هو ؟ فقال : كان أبو نعيم يقول : ما رأيت أحدا إلا وقد غلط في شيء غير الحسن بن صالح ، عن أحمد بن يونس سأل الحسن بن صالح رجلا عن شيء فقال : لا أدري ! فقال : الآن حين دريت ، عن عبد الرحيم بن مطرف كان الحسن بن صالح إذا أراد أن يعظ أخا من إخوانه كتبه في ألواحه ثم ناوله ، عن أبي نعيم سمعت الحسن بن صالح يقول : فتشت الورع فلم أجده في شيء أقل من اللسان ، وقال علي بن المنذر الطريفي عن أبي نعيم : كتبت عن ثمان مائة محدث فما رأيت أفضل من الحسن بن صالح .
  وقال أحمد بن عدي وللحسن بن صالح قوم يحدثون عنه بنسخ فعند سلمة بن عبد الملك العوصي عنه نسخة وعند أبي غسان مالك بن إسماعيل عنه نسخة وعند يحيى بن فضيل عنه نسخة وأحمد بن يونس يحدث عنه بمقاطيع ومسند مقدار ما عنده وعند مصعب بن المقدام وإسحاق بن منصور وأبي نعيم عنه روايات وغيرهم قد رووا عنه أحاديث صالحة مستقيمة ولم أجد له حديثا منكرا مجاوز المقدار وهو عندي من أهل الصدق ، قال البخاري قال أحمد بن سليمان عن وكيع ولد الحسن بن صالح سنة مائة قال وقال أبو نعيم مات سنة تسع وستين ومئة ذكره البخاري في كتاب الشهادات من الجامع وروى له في كتاب الأدب وروى له الباقون ) .
  سير أعلام النبلاء ج7ص361ت134: ( الحسن بن صالح بن صالح بن حي ، الإمام الكبير ، أحد الاعلام ، أبوعبد الله الهمداني الثوري الكوفي ، الفقيه ، العابد ، أخو الإمام علي بن صالح ، قلت : هو من أئمة الإسلام ، لولا تلبسه ببدعة ـ يقصد الذهبي كونه يرى الخروج على الظالم بالسيف وكونه لا يجوز صلاة الجمعة خلف الفاجر ـ وهو صحيح الحديث ، وروى أحمد بن أبي مريم ، عن يحيى : ثقة ، مستقيم الحديث .
  عن أحمد بن حنبل : قال وكيع : حدثنا الحسن ، قيل : من الحسن ؟ قال : الحسن بن صالح الذي لو رأيته ذكرت سعيد بن جبير ، أو شبهته بسعيد بن جبير ، قلت ـ أي الذهبي ـ : بينهما قدر مشترك ، وهو العلم والعبادة والخروج على الظلمة تدينا ، وقد قال وكيع : كان الحسن بن صالح وأخوه وأمهما قد جزءوا الليل ثلاثة أجزاء ، فكل واحد يقوم ثلثا ، فماتت أمهما ، فاقتسما الليل ، ثم مات علي ، فقام الحسن الليل كله .
  وعن أبي سليمان الدارني قال : ما رأيت أحدا الخوف أظهر على وجهه والخشوع من الحسن بن صالح ، قام ليلة : ب‍ ( عم يتساءلون ) ، فغشي عليه ، فلم يختمها إلى الفجر ، وقال الحسن بن صالح : ربما أصبحت وما معي درهم ، وكأن الدنيا قد حيزت لي .
  وعن الحسن بن صالح قال : إن الشيطان ليفتح للعبد تسعة وتسعين بابا من الخير ، يريد بـها بابا من الشر ، وعنه : أنه باع مرة جارية ، فقال : إنـها تنخمت عندنا مرة دما ، قال وكيع : حسن بن صالح عندي إمام ، فقيل له : إنه لا يترحم على عثمان ، فقال : أفتترحم أنت على الحجاج ؟ قلت : لا بارك الله في هذا المثال ، ومراده : أن ترك الترحم سكوت ، والساكت لا ينسب إليه قول ـ تكلف الذهبي واضح ! ـ ، قال أحمد بن أبي الحواري : حدثنا إسحاق بن جبلة ، قال : دخل الحسن بن صالح يوما السوق ، وأنا معه ، فرأى هذا يخيط ، وهذا يصبغ ، فبكى وقال : انظر إليهم يتعللون حتى يأتيهم الموت .
  وروي عن الحسن بن صالح أنه كان إذا نظر إلى المقبرة يصرخ ، ويغشى عليه ، قال حميد بن عبد الرحمن الرؤاسي : كنت عند ابني صالح ـ ورجل يقرأ : ( لا يحزنـهم الفزع الأكبر ) فالتفت علي إلى أخيه الحسن ، وقد اخضر واصفر ، فقال : يا حسن : إنـها أفزاع فوق أفزاع ، ورأيت الحسن أراد أن يصيح ، ثم جمع ثوبه ، فعض عليه حتى سكن عنه ، وقد ذبل فمه اخضار واصفار .
  حدثنا يحيى بن آدم ، قال : قال الحسن بن صالح : قال لي أخي ـ وكنت أصلي ـ : يا أخي اسقني ، قال : فلما قضيت صلاتي ، أتيته بماء ، فقال : قد شربت الساعة ، قلت : من سقاك وليس في الغرفة غيري وغيرك ؟ قال : أتاني الساعة جبريل بماء ، فسقاني وقال : أنت وأخوك وأمك مع الذين أنعم الله عليهم ، وخرجت نفسه ، قلت : كان يرى الحسن الخروج على أمراء زمانه لظلمهم وجورهم ، ولكن ما قاتل أبدا ، وكان لا يرى الجمعة خلف الفاسق ، قال عبد الله بن داود الخريبي : ترك الحسن بن صالح الجمعة ، فجاء فلان ، فجعل يناظره ليلة إلى الصباح ، فذهب الحسن إلى ترك الجمعة معهم ، وإلى الخروج عليهم ، وهذا مشهور عن الحسن بن صالح ، ودفع الله عنه أن يؤخذ ، فيقتل بدينه وعبادته ).
  الجرح والتعديل ج3ص18ت68 : ( الحسن بن صالح بن صالح بن مسلم بن حي أبو عبد الله الهمداني ، حدثنا علي بن الحسن قال سمعت أحمد يعني ابن حنبل يقول : الحسن بن صالح بن صالح صحيح الرواية ، يتفقه ، صائن لنفسه في الحديث والورع ، حدثنا عبد الرحمن انا عبد الله بن أحمد بن محمد بن حنبل فيما كتب إلي قال : سمعت أبي يقول : الحسن بن صالح أثبت في الحديث من شريك ، حدثنا عبد الرحمن انا بن أبي خيثمة فيما كتب إلي قال سمعت يحيى بن معين يقول : الحسن بن صالح بن حي الهمداني ثقة ، سمعت أبي يقول : الحسن بن صالح ثقة ، متقن ، حافظ ).
(2) الدر المنثور ج3 ص14.