فيا لله كيف قال إن أقل التواتر هو عشرة طرق ثم يقوم بإثبات تواتر القرآن عند أهل السنة بسبعة رجال في كلا طرفي السلسلة ؟! ، ثم انظر كيف يقول إن القرآن متواتر بتواتر القراءات مخالفا بذلك ما ذهب له أعلام أهل السنة وخبراء هذا الفن منهم ؟!
  ثم من قال إن التواتر عند أهل السنة لا يفيد العلم إلا بعشرة طرق أو بعشرة رجال كما زعم المغفل ؟! ، فهذا جهل غريب بما يقوله علماء أهل السنة ، ولا يكاد يصدر من متعالم فضلا عمن يلقي المحاضرات في المساجد ويؤم الناس ؟! ، وهذه كلمات علماء أهل السنة في بيان هذه البديهة :
  قال ابن حجر العسقلاني عند كلامه عن المتواتر : ( فلا معنى لتعيين العدد على الصحيح ) (1) .
  وقال ابن تيمية في مجموع الفتاوى : ( وأما عدد ما يحصل به التواتر فمن الناس من جعل له عددا محصورا ، ثم يفرق هؤلاء ، فقيل : أكثر من أربعة ، وقيل : إثنا عشر ، وقيل أربعون ، وقيل : سبعون ، وقيل : ثلاثمائة وثلاثة عشر ، وقيل : غير ذلك . وكل هذه الأقوال باطـلـة لتكافئها في الدعوى .
  والصحيح الذي عليه الجمهور : أن التواتر ليس له عدد محصور ، والعلم الحاصل بخبر من الأخبار يحصل في القلب ضرورة ، كما يحصل الشبع عقيب الأكل والري عن الشرب ، وليس لما يشبع كل واحد ويرويه قدر معين ، بل قد يكون الشبع لكثرة الطعام ، وقد يكون لجودته كاللحم وقد يكون لإستغناء الآكل بقليله ، وقد يكون لاشتغال نفسه بفرح ، أو غضب ، أو حزن ونحو ذلك .
  وكذلك العلم الحاصل عقيب الخبر ، تارة يكون لكثرة المخبرين ، وإذا كثروا فقد يفيد خبرهم العلم ، وإن كانوا كفارا ، وتارة يكون لدينهم وضبطهم ، فرب رجلين أو ثلاثة يحصل من العلم بخبرهم ما لا يحصل بعشرة وعشرين لا يوثق بدينهم وضبطهم ، وتارة قد يحصل العلم بكون كل من المخبرين أخبر بمثل ما أخبر به الآخر مع العلم بأنـهما لم يتواطآ ، وأنه يمتنع في العادة الإتفاق في مثل ذلك ، مثل من يروي حديثا طويلا فيه فصول ويرويه آخر لم يلقه ، وتارة يحصل العلم بالخبر لمن عنده الفطنة والذكاء والعلم بأحوال المخبرين وبما أخبروا به ما ليس لمن له مثل ذلك ، وتارة يحصل العلم بالخبر لكونه روى بحضرة جماعة كثيرة شاركوا المخبر في العلم ولم يكذبه أحد منهم ، فإن الجماعة الكثيرة قد يمتنع تواطؤهم على الكتمان ، كما يمتنع تواطؤهم على الكذب .

--------------------
(1) النكت على نزهة النظر ص53 ـ 53 ، ط ، دار ابن الجوزي .

إعلام الخَلف بمن قال بتحريف القرآن من أعلام السّلف _ 302 _
  وإذا عرف أن العلم بأخبار المخبرين له أسباب غير مجرد العدد علم أن من قيد العلم بعدد معين وسوى بين جميع الأخبار في ذلك فقد غلط غلطا عظيما ) (1) .   وقال أيضا في علم الحديث : ( وأما المتواتر فالصواب الذي عليه الجمهور : أن المتواتر ليس له عدد محصور بل إذا حصل العلم من إخبار المخبرين كان الخبر متواترا ، وكذلك الذي عليه الجمهور أن العلم يختلف باختلاف حال لمخبرين به ، فرب عدد قليل أفاد خبرهم العلم بما يوجب صدقهم ، وأضعافهم لا يفيد خبرهم العلم ) (2) .
  قال الألباني تعليقا على قول ابن حجر السابق بعدم تعيين العدد في التواتر : ( وهذا هو المعتمد ) (3) .
  قال ابن عثيمين في أشرطة شرحه لنزهة النظر : ( لو جاءك عشرة أحيانا ما صار متواترا ، ولو جاءك خمسة صار متواترا مادام المرجع ألا يمكن عادة أن يتواطؤا على الكذب ولا أن يكذبوا اتفاقا فمعنى ذلك أنه يختلف ، لا يكون المتواترا لأن العادة لا تمنع أن يتواطؤا على الكذب ولا أن يتفقوا على الكذب ، يمكن هذا أن يقع منهم ، لكن لو جاءت ثمانية ممن تثق بـهم حفظا ودينا وتثبتا وأخبروك صار متواترا ، وهذا هو حجة من قال أنه لا يشترط العدد ) .
  وقال أيضا : ( كل هذا فيما يبدوا أن هذا (!) الخلاف مبني على أن هؤلاء هل يحصل بخبرهم اليقين أو ما يحصل ، ولكن أي عدد تحدُّه فأنك متحكم تطالب بالدليل ، فالمرجع كله أن يكون خبرهم مفيدا ).
  وقال أيضا : ( ولهذا بعض العلماء حدد وعين عدد المتواتر كما سيذكره المؤلف ـ العسقلاني ـ لكن المشهور أن ليس له عدد ، متى أخبرك طائفة من الناس تصل بخبرهم إلى اليقين صار ذلك متواترا ، ماله عدد معين ) (4) .
  أقول : وكتاب نزهة النظر هذا ، هو أوجز وأبسط كتاب في علم الحديث عندهم ، ويقرؤونه في مقدمات المراحل الدراسية ، ويدرس للناس في المساجد ! ، فأين طويل اللحية عن كل هذا ؟! (5) .

--------------------
(1) مجموع فتاوى ابن تيمية ج18ص50 ـ 51 ، ط مؤسسة قرطبة .
(2) علم الحديث لابن تيمية ص98 ، ط دار التوفيق النموذجية .
(3) من هامش النكت على نزهة النظر ص53 .
(4) الشريط الثاني من محاضرات ابن عثيمين في شرح نزهة النظر ، وهي متوفرة .
(5) وكلام هذا الوهابي في شريط عنوانه (الشيعة والقرآن) ، وأنصح بسماع مثل هذه الأشرطة التي تبقى على مر الأيام شهادة تحكي مدى جهل هؤلاء ، وإلا كيف نفسر أن بعض عوام الشيعة ـ ككاتب هذه السطور ـ يتبرع ويقوم بتعليم هؤلاء ما يقوله علماؤهم وما دونوه في كتبهم ؟!!

إعلام الخَلف بمن قال بتحريف القرآن من أعلام السّلف _ 303 _
  ثم لو سلمنا ، فكيف يطلب من الشيعة إثبات التواتر من طرقهم على مقياس أهل السنة ـ بزعم الجاهل ـ فأوجب على الشيعة عشرة طرق ؟!.
  وأخيرا : ولو أن مذهب أهل السنة سليم من إثبات القرآن بروايات الآحاد لقلنا عسى ! ، فقد مر بنا أن أهل السنة في جمع القرآن أثبتوا آيات للقرآن برواية آحاد كآيات خزيمة بن ثابت ذي الشهادتين ، وسيأتي كذلك أن أهل السنة ـ وكذا الوهابية ـ إلى يومنا هذا ينسبون آيات للقرآن ليست في المصحف لورود روايات آحاد جاءت في البخاري ومسلم ادعى فيها بعض الصحابة أن جملة كذا وكذا كانت من القرآن ! ، فيجزم أهل السنة بقرآنيها لرواية هذا الصحابي فقط ! ، فأين التواتر ؟! ، وسيأتي بإذنه تعالى الكلام عن تواتر القرآن .

إعلام الخَلف بمن قال بتحريف القرآن من أعلام السّلف _304 _
شروط قبولهم للقراءة ووصفها بالصّحة :
  هذا المطلب من بحث القراءات يعد مقدمة للكلام عن صورة من صور تحريف القرآن عند أهل السنة ، وقد مرّ استعراض قليل من القراءات التي قرأ بـها بعض سلفهم ، وسيأتي الكثير منه بإذنه تعالى ، وعندها يتضح سبب تقديم هذه المقدمات الطوال .
  ذكر علماء أهل السنة ضوابطا يجب أن تتوفر في القراءة حتى يمكن نسبتها للقرآن ، وقد اتبعوا في ذلك ابن الجزري الذي قنّن الشروط التي على ضوئها يحكم بصحّة القراءة من عدمها ، وهي :
  ـ صحة السند :
  أي صحّة سند القراءة من الصحابي الذي ينقل عن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم إلى القارئ ، وهذا باتصال سند القراءة بالعدل الضابط عن مثله .
  2 ـ أن يكون لـها وجهٌ في العربية : ألا تكون معارضة لقواعد النحو العربي البتة ولا تشذ عنها بأجمعها ، وليس من اللازم أن تتوافق مع الأفصح والمجمع عليه ، بل يكفي أن لها وجها في العربية ولو كان غريبا بعيدا .
  قال في الكوكب الدري : ( أن تكون القراءة موافقة وجها من أوجه النحو سواء كان هذا الوجه في الذروة العليا من الفصاحة أم كان أنزل من ذلك ، وسواء كان مجمعا عليه ، أم مختلفا فيه اختلافا لا يضر مثله إذا كانت القراءة مما شاع و ذاع وتلقاه الأئمة بالإسناد الصحيح إذ هو الأصل الأعظم والركن الأقوم وهذا ما اختاره محققو العلماء (فلا يشترط في قبول القراءة أن تكون موافقة لأفصح الأوجه من اللغة) ولا أن تكون موافقة لوجه مجمع عليه بين النحاة ( بل متى ثبتت القراءة عن الأئمة وجب قبولها ) ولو كانت موافقة لوجه لم يبلغ القمة في الفصاحة أو لوجه مختلف فيه بين النحاة

إعلام الخَلف بمن قال بتحريف القرآن من أعلام السّلف _ 305 _
  ولهذا لا يعد إنكار بعض النحاة لقراءة ما قادحا فيها وسببا في ردها ) (1) ، ولـهذا موارد كثيرة قرأ بـها القراء وأنكر عليهم اللحن في العربية (2) .
  3 ـ موافقة أحد المصاحف العثمانية ولو احتمالا :
  حينما كتبت المصاحف العثمانية لم تكن النقاط قد وضعت بعد ، فكانت الكلمة الواحدة غير محددة ومحتملة الحروف ، ويتردد أمر الحرف بين كونه ياء أو تاء وفاء أو قافا وهكذا ، والمصاحف المبعوثة كانت متفاوتة في موارد أخر نحو زيادة كلمة ( من ) التي كان ابن كثير يقرأها في الآية ( جَنَّاتٍ تَجْرِي (من) تَحْتَهَا الأَنْهَارُ ) ( التوبة / 100 ) ، ومصحفنا خالٍ منها ولكن المصحف المبعوث لمكة كان مشتملا عليها ، لذلك قيل موافقة أحد المصاحف العثمانية لا فقط مصحف عثمان .
  قال في الكوكب الدري : ( ( وَاتَّقُوا يَوْمًا تُرْجَعُونَ فِيهِ إِلَى اللَّهِ ثُمَّ تُوَفَّى كُلُّ نَفْسٍ مَا كَسَبَتْ وَهُمْ لاَ يُظْلَمُونَ ) ( البقرة / 281 ) فإن كل كلمة من كلمات هذه الآية موافقة رسم جميع المصاحف ومثال الموافقة رسم بعض المصاحف قوله تعالى في سورة الحديد ( وَمَنْ يَتَوَلَّ فَإِنَّ اللَّهَ هُوَ الْغَنِيُّ الْحَمِيدُ ) (الحديد/24) كتب في مصحفي المدينة والشام بحذف لفظ ( هو ) ، وفي بقية المصاحف بإثباته ، وفي مثال الموافقة مصحفا واحداً قوله تعالى في سورة البقرة ( وَقَالُوا اتَّخَذَ اللَّهُ وَلَدًا ) ( البقرة / 116 ) فقد رسم بحذف الواو الأولى من ( وقالوا ) في مصحف الشام فقط ، وفي بقية المصاحف بإثباتـها ) (3) .
  وهذا ما ذكره ابن الجزري : ( كل قراءة وافقت العربية ولو بوجه ، و وافقت أحد المصاحف العثمانية ولو احتمالا و صح سندها ، فهي القراءة الصحيحة التي لا يجوز ردها و لا يحل إنكارها ) (4) .
  وقال في طيبته :
  فكلُّ ما وافق وجـه نـحوٍ وكان للرسم احتمالا يحوي

--------------------
(1) الكوكب الدري في شرح طيبة ابن الجزري ص18 ـ 19 ، لمحمد الصادق قمحاوي الأستاذ المساعد بكلية القرآن بالمدينة المنورة .
(2) وللإطلاع على الشواهد راجع كتاب إتحاف فضلاء البشر أقول : قد نقلنا سابقا اعتراضات النحويين على قراءة القراء السبعة ، ولم نكن نقصد منه إثبات بطلان تلك القراءات وإنما قصدنا بيان عدم اعتقاد كثير من علمائهم بتواتر تلك القراءات عن النبي صلى الله عليه وآله سلم وهذا لا يتوافق مع اعتراضهم عليها .
(3) الكوكب الدري في شرح طيبة ابن الجزري ص19 .
(4) النشر في القراءات العشر ج1ص9 .

إعلام الخَلف بمن قال بتحريف القرآن من أعلام السّلف _ 306 _
  وصح إسنـاداً هو القـرآن فهـذه الثلاثـة الأركـان وحيث ما يختل ركن أثـبتِ شـذوذهُ لو أنه في السّبعـة
   ملاحظات واعتراضات حول الأركان الثلاثة :
  * التواتر مفقود !
  كيف يدعي أهل السنة أن القرآن الكريم لا يثبت إلا بالتواتر وأن ما جاء آحادا لا يمكن قبوله ولا الجزم بكونه قرآناً ، مع أنـهم أخذوا بقول ابن الجرزي في شرط صحة السند ؟! ، مع أن التواتر ليس من علم الإسناد كما هو مبحوث في محلّه ، بمعنى أن القول بلزوم كون السند صحيحا يعني أن القرآن يثبت بأخبار الآحاد الصحيحة لا بالتواتر !
  وهذا ما نص عليه بعض علماء أهل السنة حيث رفض هذا الشرط ، بل رفض الشروط كلها ! ورأى أن الصحيح في قبول القراءة هو التواتر ، ولكن للأسف ! هؤلاء هم القلّة القليلة من علمائهم .
  قال في النشر : ( ويؤخذ منه صراحة أن الإمام ابن الجزري لا يشترط في صحة القراءة التواتر بل يكتفي بصحة السند ، وقد صرح بـهذا في النشر فقال : وقد شرط بعض المتأخرين التواتر في هذا الركن ، ولم يكتف فيه بصحة السند ، وزعم أن القرآن لا يثبت إلا بالتواتر وأن ما جاء مجيء الآحاد لا يثبت به قرآن ، وهذا مما لا يخفى ما فيه ، فإن التواتر إذا ثبت لا يحتاج فيه إلى الركنين الآخرين من الرسم وغيره ، إذ ما ثبت من أحرف الخلاف متواتراً عن النبي صلى الله عليه (وآله) وسلم وجب قبوله وقطع بكونه قرآنا سواء وافق الرسم أم خالفه ، وإذا اشترطنا التواتر في كل حرف من حروف الخلاف انتفى كثير من أحرف الخلاف الثابت عن هؤلاء الأئمة السبعة وغيرهم ولقد كنت أجنح إلى هذا القول ثم ظهر فساده ) (1) .
  ولازم هذا القول أن تواتر القرآن متحقق في الموارد المتفق عليها بين القراء لا في القرآن كله بتفاصيله ! ، فمن أين يثبت علماء السنة تواتر القرآن في الموارد التي اختلف فيها القراء السبعة ؟! ، ناهيك عن أن تواتر القرآن لا يتحقق بأسانيد القرّاء السبعة كما ثبت سابقا (2) .

--------------------
(1) الكوكب الدري شرح طيبة ابن الجزري ص 23 .
(2) بعدا لـجهل من قال إن أهل السنة أثبتوا تواتر القرآن من طرقهم !!

إعلام الخَلف بمن قال بتحريف القرآن من أعلام السّلف _ 307 _
  وكلمات جمهور علماء أهل السنة اليوم لا تتعدى ما مذهب له ابن الجزري ، وجاء بعض المحدثين يريد إثبات تواتر نصوص القرآن اعتمادا على تلك الضوابط فقال : ( إن هذه الأركان الثلاثة تكاد تكون مساوية للتواتر في إفادة العلم القاطع بالقراءات المقبولة ، بيان هذه المساواة أن ما بين دفتي المصحف متواتر ومجمع عليه من الأمة في أفضل عهودها وهو عهد الصحابة ، فإذا صحّ سند القراءة ووافقت قواعد اللغة ثم جاءت موافقة لخط هذا المصحف المتواتر كانت هذه الموافقة قرينة على إفادة هذه الرواية للعلم القاطع و إن كانت آحاداً ) (1) .
  وقد رد عليه بعض بني جلدته فقال : ( وقوله : إن هذه الأركان تكاد تكون مساوية للتواتر في إفادة العلم القاطع بالقراءات المقبولة فغير صحيح ، ذلك لأن كون ما بين دفتي المصحف متواتر ومجمع على تواتره لا يكفي في اعتبار ما روي منها آحاداً بمنـزلة المتواتر ، مادام موافقاً لخط المصحف ، لأن قراءة القرآن مبنية على السماع والتلقي ولا بد فيها من التواتر ، وليس على خط المصحف ، فإن خط المصحف يحتملها كما يحتمل غيرها مما لم يقرأ به ، ولم يصح أنه قرآن وكما أن خط المصحف لا يعتمد عليه في اعتبار مما لم يقرأ به من القرآن المنـزل وإن وافق خطه قرآنا ، كذلك لا يصح الاعتماد عليه في رفع ما روي آحاداً إلى مرتبة المتواتر ) (2) .
  * الرواة ليسوا كلهم ثقات !
  لنسأل : ما المقصود من صحة السند ؟ هل المقصود وثاقتهم على مباني علماء الجرح والتعديل ؟ ، فإن كان هذا هو المقصود ـ ولا أرى يعدوه ـ فهذا البزي وهو أحد راويي قراءة ابن كثير قال العقيلي عنه : منكر الحديث ، وقال أبو حاتم : ضعيف الحديث لا أحدث عنه ، وقال ابن حجر العسقلاني : لين الحديث (3) .

--------------------
(1) مناهل العرفان في علوم القرآن للزرقاني ج1ص421 ط الحلبي .
(2) لغة القرآن الكريم د. عبد الجليل عبد الرحيم ص131 ط مكتبة الرسالة الحديثة .
(3) لسان الميزان لابن حجر العسقلاني ج1ص283 .

إعلام الخَلف بمن قال بتحريف القرآن من أعلام السّلف _ 308 _
  وكذا راوي القراءة التي يقرأ بـها المسلمون من الشرق إلى الغرب وهو حفص بن سليمان ضعيف ، متروك الحديث ، كذاّب ، وضاع ، ففي تحرير تقريب التهذيب : ( حفص بن سليمان الأسدي ، متروك الحديث ) (1) .
  ( وقال ابن أبي حاتم عن عبد الله عن أبيه : متروك الحديث ، وقال عثمان الدارمي وغيره عن ابن معين : ليس بثقة ، وقال ابن المديني : ضعيف الحديث ، تركته على عمد ، وقال البخاري : تركوه ، وقال مسلم : متروك ، وقال النسائي : ليس بثقة ، ولا يكتب حديثه ، وقال صلاح بن محمد : لا يكتب حديثه وأحاديثه كلها مناكير ، وقال ابن خراش : كذاب ، متروك ، يضع الحديث ، وقال ابن حيان : كان يقلب الأسانيد ، ويرفع المراسيل ، وحكي ابن الجوزي في الموضوعات عن عبد الرحمن بن مهدي قال : والله ما تحل الرواية عنه ، وقال الدارقطني : ضعيف ، وقال الساجي : حفص ممن يذهب حديثه ، عنده مناكير ) (2) .
  أقول : على هذا كيف تكون قراءة المسلمين اليوم مقبولة وموثقة عندهم وسندها بـهذه النظافة ؟!
  وقد هَبّ الذهبي ليرقع هذه الخرقة البالية بقوله : ( وقول الدارقطني : ضعيف ، يريد في ضبط الآثار ، أما في القراءات فثبتٌ إمام ، وكذلك جماعة من القُراّء أثباتٌ في القراءة دون الحديث ، كنافع ، والكسائي ، وحفص فإنـهم نـهضوا بأعباء الحروف وحرّروها ، ولم يصنعوا ذلك في الحديث ، كما أن طائفةً من الحفاظ أتقنوا الحديث ولم يُحكموا القراءة ، وكذا شأن كل من برّز في فنٍّ ولم يَعْتنِ بما عداه والله أعلم ) (3) .
  وقد يقبل ترقيع الذهبي في نافع والكسائي بمقتضى كلمات علماء الجرح والتعديل فيهما ، أما بالنسبة لحفص بن سليمان وهو راوي قراءة المسلمين اليوم فإن علماء الجرح والتعديل عندهم كذّبوه واتـهموه في دينه وتقواه ، بل في رأيـهم كان يضع الأحاديث كذباً على رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم !! فما شأن الإتقان والتخصص بالفنّ هنا ؟! فمشكلة حفص عندهم مشكلة كذب وافتراء على الله وعلى رسوله صلى الله عليه وآله وسلم لا مشكلة تخصص وتفنن !

--------------------
(1) تحرير تقريب التهذيب ج1ص312ت1405 حفص بن سليمان الأسدي ، ط مؤسسة الرسالة .
(2) تـهذيب التهذيب ج12ص401 نقلا عن البيان ص131 .
(3) سير أعلام النبلاء ج11ص543ت159 ط الرسالة .

إعلام الخَلف بمن قال بتحريف القرآن من أعلام السّلف _ 309 _
  فاتضح أن مراعاة ركن صحّة السند الذي وضعه ابن الجزري لقبول القراءة يحذف ويخرج القراءة التي يقرأ بـها المسلمون شرقا وغربا وهي المسماة بقراءة عاصم برواية حفص ( الكذاب ) في نظرهم ! فأي قرآن يثبت بعد هذا ؟! نسأل الله عز وجل أن يحل أهل السنة هذه الأزمة في القريب العاجل !

* الإعجاز البلاغي للقرآن !
  إن شرط موافقة أي وجه من وجوه العربية حتى ولو كان غريبا شاذا للحكم بصحة القراءة أبعد ما يكون عن لغة الشروط ! لأن الشروط بطبيعتها الإلزام لا الانسيابية ! فهذا توسيع ورخصة لا شرط وتقييد ! ، وفي الواقع هذا الشرط أو قل التنبيه إنما ذكر لإبطال اعتراض النحويين وأهل البلاغة على ما شذ به القراء باجتهاداتـهم عن قواعد النحو العربي والبلاغة العربية وإعطاء الشرعية لاجتهادهم في مخالفة الأفصح ، وهنا تساؤل وهو ألا يُخِلّ تجويز مخالفة القرآن للأفصح بالإعجاز البلاغي للقرآن فيقال بقرآنية غير الأفصح حال تحقق الشرطين الآخرين ؟
  قال ابن الجزري : ( وقولنا في الضّابط ( ولو بوجه ) نريد وجهاً من وجوه النحو ، سواء كان أفصح أو فصيحاً ، مجمعاً عليه أم مختلفاً فيه اختلافاً لا يضرّ مثله إذا كانت القراءة مما شاع وذاع ، وتلقّاه الأئمة بالإسناد الصحيح ، إذ هو الأصل الأعظم والركن الأقوم ، وهذا هو المختار عند المحققين في ركن موافقة العربية ، فكم من قراءة أنكرها بعض أهل النحو أو كثير منهم ولم يعتبر إنكارهم ، بل أجمع الأئمة المقتدى بـهم من السلف على قبولـها كإسكان ( بارئكم ، و يأمركم ) ونحوه ( وسبأ ، ويا بني ، ومكر السيئ ، وننجي المؤمنين ) في الأنبياء ، والجمع بين الساكنين في تاءات البزي وإدغام أبي عمرو ( واستطاعوا ) لحمزة و إسكان ( نعما و يهدي ) وإشباع الياء في ( نرتعي ، ويتقي ، ويصبر ، وأفئيدة من الناس ) وضم ( الملائكة اسجدوا ) ونصب ( كن فيكون ) وخفض ( والأرحام ) ونصب ( وليجزي قوماً ) والفصل بين المضافين في الأنعام وهمز ( سأقيها ) ووصل ( وإن إلياس ) وألف ( إنّ هذان ) وتخفيف ( ولا تتبعان ) وقراءة ( ليكة ) في الشعراء وص~ وغير ذلك ) (1) .

--------------------
(1) النشر في القراءات العشر ج1 ص 10 ط دار الكتب العلمية .

إعلام الخَلف بمن قال بتحريف القرآن من أعلام السّلف _ 310 _
  * الرسم حمال ذو وجوه !
  لا يمكن الاقتصار على موافقة رسم المصحف للحكم بصحة القراءة لما علمت أن المصاحف القديمة كتبت خالية عن النقاط والحركات والألفات ، فكان من اللازم أن يقوّم الرسم بالقراءة للوصول لنص القرآن الصحيح ، لذا صارت القراءة هي الأصل وليس الرسم كما اشتبه ذلك على البعض ، فلا فائدة من الرسم بلا القراءة المتواترة ، وعليه كيف يعقل اتخاذ الرسم مصححا ومصفاة للقراءة ؟‍!
  قال في لغة القرآن : ( لأن قراءة القرآن مبنية على السماع والتلقي ولا بد فيها من التواتر ، وليس على خط المصحف ، فإن خط المصحف يحتملها كما يحتمل غيرها مما لم يقرأ به ، ولم يصح أنه قرآن وكما أن خط المصحف لا يعتمد عليه في اعتبار مما لم يقرأ به من القرآن المنـزل وإن وافق خطه قرآنا ) (1) ، نعم يمكن أخذ الرسم مصفاة للقراءات التي تزيد في كلمات وتنقصها ، أو تغاير الرسم مغايرة شديدة كمن يقرأ بالمعنى ، وبالطبع فإن هذا الضابط قليل الفائدة مع سرعة اكتشاف الخلل والدس حال حصول مثل هذا التلاعب الفاضح .
  ثم إن المصاحف المرسلة إلى الأقطار الإسلامية كانت متغايرة فيما بينها كما بينا في مبحث جمع القرآن ، فأي منها سلم من اللحن الذي جزم عثمان بوجوده فيها عندما عرضت عليه ؟ وأي موضع وقع فيه اللحن ؟ ، أو بمعنى آخر ، إن وجود اللحن في رسم المصاحف متيقن منه ، ولا نعرف بالضبط أين موضع اللحن في أي من تلك المصاحف ، وحتى لو قمنا بتحديد المصحف لسألنا عن موضع اللحن فيه ! ، وعليه يلزم عدم اعتماد هذا الركن لتقييم القراءة الصحيحة من الفاسدة لوجود خلل متيقن ومحصور بين هذه المصاحف .
  ملاحظة :
  إن عدم وجود مستمسك شرعي يثبت حجية تلك الضوابط مع أخذها هينة هكذا على علاتـها يوحي بأن هذه الضوابط إنـما جاءت نتيجة استقراء وتتبع لما تحتويه القراءات من هيئات وتراكيب متغايرة ، لا سيما ضابطتا الموافقة لوجهٍ في العربية والموافقة الاحتمالية لرسم أحد المصاحف العثمانية ، لما يعطيه الاحتمال والوجهية من مطاطية في الضابط يَدخل على أثرها عمل القرّاء السبعة تحت مظلة الأركان ، فتشمل الكثير من الشواذ ، حتى أنه ليتكلف لذلك في بعض الأحيان .

--------------------
(1) لغة القرآن الكريم د . عبد الجليل عبد الرحيم ص 131 ط مكتبة الرسالة الحديثة .

إعلام الخَلف بمن قال بتحريف القرآن من أعلام السّلف _ 311 _
  والحق إن هذه الشروط جاءت لتصحيح عمل القرّاء ، ويخترع لاجتهاداتـهم منهجية للقول بأن القراء عملوا على ضوابط وسلكوا منهجية محددة في القراءة ومستند عكفوا على تحريه ! ، قال في تلخيص التمهيد :
  ( إن هذه الأركان وضعت على ضوء التّسالم على القراءات السبع أو العشر ، ومن ثم يجب تحويرها بما يتّفق معها ، فهي علاج للقضية بعد وقوعها ، فاللازم هو التصرّف في الشرائط بما يتلاءم ووجوه القراءات ، و ليست القراءات هي التي تناقش على ضوء هذه الأركان ، ولذلك تجدهم يعالجون حدود هذه الشّرائط حسب ما ورد من قراءات هؤلاء السبعة أو العشرة ، ولم نرهم يناقشون قراءة مأثورة عن هؤلاء على ضوء الأركان المذكورة .
  قال الداني ـ بعد حكاية إنكار سيبويه لإسكان أبي عمرو في مثل ( بارئكم ) و ( يأمركم ) : والإسكان أصحّ في النقل وأكثر في الأداء ، وهو الذي أختاره وأخذ به ، قال : وأئمة القراّء لا تعمل في شيء من حروف القرآن على الأفشى في اللّغة ، والأقيس في العربية ، بل على الأثبت في الأثر ، والأصح في النّقل ، والرواية إذا ثبتت عنهم لم يردّها قياس عربية ولا فشو لغة لأن القراءة سنّة متّبعة يلزم قبولـها والمصير إليها ،أنظر إلى هذا التزمت والاختيار التقليدي المحض ، وإن دلّ على شيء فإنما يدل على مبلغ ضغط التحميل المذكور ) (1) .
  وما أراده الداني من قوله هو أن هذه الأركان والشروط تقاس بـها كل قراءة في دنيا المسلمين إلا قراءة القرّاء السبعة فقد جازت القنطرة استثناءً وبلا تطبيق لتلك الشروط عليها ، بل الشروط نفسها تنخرم وتنفصم عراها أمام قراءة أحدهم ! ولكن لنسائلهم ، ما هو مستند هذا الاستثناء ؟ ومن أي كتاب منـزل أم من أية سنة جاءت هذه الامتيازات ؟!
  والتكلف في تصحيح قراءة هذا وذاك من القرّاء السبعة ظاهر في كتبهم ، وتحميل قراءاتـهم على أقصى حدود الأركان وعلى أوسع نطاق للشروط واضح في كتبهم ، وكله لتصحيح قراءاتـهم ولو بشق الأنفس ، وبعبارة مختصرة إن القراءات السبع كانت أصلا لشروط قبول القراءة لا العكس !

--------------------
(1) تلخيص التمهيد ص359 ط دار الميزان
أقول : وهذا ديدن القوم الذي لم يتخلوا عنه يوما ما ، فمن السقيفة إلى يومنا وهم يحاولون تنظيف التاريخ المزري وما حدث فيه من مخازي ، ومع كل تنظيف يسقط شيء من الدين ! فهاهم يقولون بكفاية بيعة اثنين من أهل الحل والعقد لتعيين خليفة المسلمين ، ولو بحثت في الكتاب والسنة لما وجدنا أثرا لهذا ، وما قالوا به إلا تصحيحا لمبايعة عمر وإبي عبيدة لأبي بكر بالخلافة ، وعدم عملهم بـهذا الفكر عندما تتحقق شروطه دليل دامغ على أنه ابتدع للتصحيح فقط ، فمثلا في وقتنا قامت ميليشيا تسمى بطالبان ـ التي تسبح الوهابية بحمدها وتقدس لها ـ بالسيطرة على أفغانستان ، وقد بويع لزعيمها بإمرة المؤمنين من قبل آلاف من أهل الحل والعقد في نظر الوهابية ومع ذلك لم تقر الوهابية له بإمرة المؤمنين ! ، فلماذا تنازلوا عن فقههم ومرتكزاتـهم ؟! .

إعلام الخَلف بمن قال بتحريف القرآن من أعلام السّلف _ 312 _
  * ما ينتج عن مخالفة أحد تلك الأركان
  لنسلم بتلك الشروط التي أقرها أهل السنة والتي تصح على ضوئها القراءة فلا توصف بالشذوذ ، فنصل معهم للنتيجة التي أرادوها وهي أن القراءة التي تتوفر فيها تلك الأركان هي القرآن ، وكما قال ابن الجزري في طيبته :
  وصح إسنـاداً هو القـرآن فهـذه الثلاثة الأركـان
  وإذا ما اختل أحد تلك الشروط لا تصح القراءة بـها ، أو بعبارة صريحة ليست من القرآن ، وهو ما صُرّح به سابقا : ( ومتى ما اختل ركن من هذه الأركان الثلاثة أطلق عليها ضعيفة أو شاذة أو باطلة سواء كانت عن السبعة أم عمن هو أكبر منهم ، هذا هو الصحيح عند أئمة التحقيق من السلف والخلف ) (1) .
  ويعني هذا أن القراءة التي تخالف أحد تلك الأركان تُنفى عن ساحة القرآن ولا يمكن القول بقرآنيتها وإلا لفتح الباب على مصراعيه لكل من أراد العبث بآخر الكتب الإلهية وعصارة جهاد الأنبياء والرسل عليهم الصلاة والسلام ، ودون ذلك ضرب الرقاب كما صرّح به بعضهم ، لا سيما تبديل وتحريف الآية الكريمة بجعل كلمة مكان أخرى ، وتلك القراءات الشاذة التي قرأ بـها البعض وتجاهر بـها قد استتيب تحت جلد السياط كما حصل لابن شنبوذ ولابن مقسم البغدادي ، فقد تتبعا شواذ القراءات الخارجة عن الأركان الثلاثة وقرؤوا بـها فلم يرَ علماء ذلك الوقت إلا الجلد سبيلا لردع هذا التيار المنحرف المحرّف لكتاب الله عز وجل (2) .
  قال في مقدمة كتاب السبعة في القراءات : ( وأهم من ذلك موقفه ـ ابن مجاهد ـ من ابن شَـنّبوذ المقرئ ببغداد لعصره ، وكان يعتمد شواذ القراءات ويقرأ بـها ، وقرأ بالمحراب في بعض صلواته بحروف مرويّة عن عبد الله بن مسعود وأبيّ بن كعب يخالف مصحف عثمان بن عفان الذي اجتمعت عليه الأمة ، وجادل في ذلك وحاول في جرأة أن يُقْرئ بـها بعض الناس واشتهر أمره ، وحاول ابن مجاهد أن يردّه إلى جادة الصواب ، ولكنه لم ينته فرفع أمره إلى ابن مُقْلة الوزير (3) حينئذ ، فاستدعاه و أحضر القضاة والفقهاء و القرّاء و في مقدمتهم ابن مجاهد ، وكان ذلك في سنة 323 للهجرة ، غير أن ابن شَـنّبوذ اعترف بما عُزي إليه و أقرّ عليه ، فأشار جميع من حضروا بعقوبته ،

--------------------
(1) النشر في القراءات العشر لابن الجزري ج1ص9 ط دار الكتب العلمية .
(2) مع أن الموارد التي ذكروها لبيان شذوذ قراءتـهما هي بعينها قراءة وجوه الصحابة كابن مسعود وأبي بن كعب !!
(3) وهذا الوزير شيعي وسيأتي الكلام عنه بإذنه تعالى .

إعلام الخَلف بمن قال بتحريف القرآن من أعلام السّلف _ 313 _
  فضرب أسواطاً و حُبس ، فأعلن توبته ، وعقد له ابن مقلة محضراً أقرَّ فيه ابن شنبوذ واعترف بذلك في حضوره طوعاً ، و قد احتفظ ياقوت بطائفة من قراءاته التي تبع فيها ما رُوي عن أُبي بن كعب و عبد الله بن مسعود من مثل ( وكان أمامهم ملك يأخذ كل سفينة صالحة غصبا ) والآية في مصحف عثمان كما هو المعروف ( وَكَانَ وَرَاءَهُمْ مَلِكٌ يَأْخُذُ كُلَّ سَفِينَةٍ غَصْبًا ) ( الكهف / 79 ).
  ومثل ( إذا نودي للصلاة من يوم الجمعة فامضوا إلى ذكر الله ) وهي في مصحف عثمان ( فَاسْعَوْا إِلَى ذِكْرِ اللَّهِ ) ( الجمعة / 9 ) (1) إلى غير ذلك من قراءات انفرد بـها أُبي بن كعب وعبد الله بن مسعود ، ومرّ بنا أن عثمان أمر بإحراق مصحفيهما وأنه لم يعد من حقهما ولا من حق غيرهما أن يقرأ بما يخالف رسم المصحف العثماني ) (2) .
  ولكنا سنقتصر في الكلام على ما يمس موضوعنا الأساس وهو الشاذ المخالف لركن موافقة رسم المصاحف العثمانية فقط ، وهو ما نقصده من كلمة شاذ في ما يلي من فقرات .
  وقد استفاضت كلمات علماء أهل السنة على أن القراءات الشاذة ليست من القرآن في شيء وليس لها حكم آياته ، ولا يصح القراءة بـها في الصلاة ولا في غيرها فتبطل الصلاة إذا قرأها المصلي متعمدا ، وعلى هذا فمن قرأ بـها على أنـها قرآن فإنه بحسب القواعد يكون قد أدخل في النص القرآني ما ليس منه سواء زاد في كلمات الآية المباركة أو أنقص ، أو أبدل كلماته بغيرها ، وبفعله الشنيع ذلك يخالف رسم المصاحف العثمانية المتفق عليه بين المسلمين شرقا وغربا ، فيستحق الإستتابة كما مرّ بالحادثة السابقة ، ولكن كلمات علماء أهل السنة تارة تصرح بأنـها قراءة شاذة ، وتارة بأنـها لا يثبت بـها القرآن ، وأخرى بأنـها باطلة ، ورابعة بأنـها ليست من القرآن في شيء… الخ ، وليس هذا إلا تخفيفا لوقع كلمة (تحريف) لأن من ينسب تلك الشواذ للقرآن وهي ( ليست من القرآن في شيء ) يعني أنه نسب كلمات وجملا للقرآن ليست منه وهذا التحريف بعينه .
  فسواء سمّيت تلك القراءة التي نسبها القارئ للقرآن شاذة أم باطلة أم مرفوضة أم لا يثبت بـها القرآن أو غيرها من الألفاظ فهي التحريف المقصود لا غير ، وهي من باب ( عباراتنا شتى وحُسنك واحدُ ) ، إلا أن يقال إن القول بأنـها باطلة أو لا يثبت بـها القرآن يعني أننا نشك في كونـها منه أو لا ، وهذه طامة كبرى ! ، فهذا الكلام معناه أن تلك القراءات الشاذة ـ الآتي ذكرها بإذنه تعالى ـ من المحتمل أن تكون نصوصا قرآنية ومع ذلك فهي غير موجودة في مصحفنا ! أي أن أهل السنة يشكون في كون مصحفنا قد اشتمل على كل القرآن النازل من السماء ؟!

--------------------
(1) عمر بن الخطاب هو أول من غيّرها إلى ( فامضوا ) وأنكر ما هو موجود في مصحفنا ، وسيأتي ذلك بإذنه تعالى .
(2) مقدمة كتاب السبعة في القراءات لابن مجاهد ص15 بتحقيق الدكتور شوقي ضيف ط دار المعارف مصر .

إعلام الخَلف بمن قال بتحريف القرآن من أعلام السّلف _ 314 _
  بعض كلماتـهم في نفي قرآنية القراءات الشاذة
  قال علماء أهل السنة إن ما يحصل به النقص من كلمات القرآن بسبب اختلاف النسخ المبعوثة إلى الأقطار الإسلامية لا نسمّيه تحريفا للقرآن ، ونحن نسلم لأجلهم بذلك لأن ذلك يتفق مع الركن الثالث المذكور مسبقا ، وإن كنت لا أرى فرقا بين معنى التحريف ومعنى الزيادة من يد الناسخ سهوا (1) ، ومثاله مصحف مكّة المشتمل على زيادة عن المصحف في كلمة ( من ) في الآية ( تَجْرِي تَحْتَهَا الأَنْهَارُ ) ( التوبة / 100 )   وهكذا غيره مما يشابـهه ، ولنتمسك بأمر واحد مما هو شاذ في نظرهم وهو ما يخالف رسم المصاحف العثمانية ، ونستعرض الآن كلمات علمائهم في نفي قرآنية هذا الشاذ ، وكلمات علمائهم نقسمها إلى قسمين ، القسم الأول يتعلق بجانب علوم القرآن ونفي قرآنية الشواذ ببطلان التعبّد بـها ، والقسم الثاني يرتبط بجانب حجية الاستدلال الفقهي بالقراءات الشاذة .
  * القسم الأول :
  قال ابن الجزري : ( ومتى اختل ركن من هذه الأركان الثلاثة ، أطلق عليها ضعيفة أو شاذة أو باطلة ، سواء أكانت عن السبعة أو عمن هو أكبر منهم ، هذا والصحيح عند أئمة التحقيق من السلف والخلف ، وصرح بذلك الإمام الحافظ أبو عمرو عثمان بن سعيد الداني ، ونص عليه في غير موضع الإمام أبو محمد مكي بن أبي طالب ، وكذلك الإمام أبو العباس أحمد بن عمار المهدوي ، و حققه الحافظ أبو القاسم عبد الرحمن بن إسماعيل المعروف بأبي شامة ، وهو مذهب السلف الذي لا يعرف عن أحد منهم خلافه ) (2) .

--------------------
(1) الغريب أن بعض علماء أهل السنة يبرر إهمال عثمان إصلاح اللـحن والإسراع في بعث المصاحف بلا تدقيق ، بأن هذا الاختلاف والتغاير كان على مرأى ومسمع منهم وبقصد منهم لبيان الأحرف السبعة التي نزل بـها القرآن الكريم كما يزعمون ، أو بمعنى أوضح ، أن المملي كان يملي عليهم القرآن ويقول لبعضهم ( أكتب كذا ) وللبعض الآخر ( أكتبها أنت كذا ) وهكذا في باقي المواضع !! ، وهذا غير مقبول لأن هذا المعنى لم يرد في أية رواية مع توفر دواعي نقله لغرابته ولبيان مدى دقة سلفهم الصالح في توحيد المصاحف ! ، فكيف لا يرد منه شيء ؟! ، ثم إنـهم يقولون أن عثمان أراد توحيد المصاحف والاجتماع على حرف واحد لمنع وقوع الفتنة ، فكيف يفعلون ما أرادوا الهروب منه ؟! ، ثالثا إن كان الأمر كذلك فلماذا قال عثمان (إني أرى لحنا وستقيمه العرب بألسنتها) ، فما معنى إقامته إن لم يكن معوجا ؟! وأخيرا : إلى متى التلميع والترقيع واختراع العبقريات ؟!
(2) النشر في القراءات العشر ج1ص9 .

إعلام الخَلف بمن قال بتحريف القرآن من أعلام السّلف _ 315 _
  قال في منجد المقرئين : ( وقال شيخنا قاضي القضاة أبو نصر عبد الوهاب السبكي في كتابه جمع الجوامع في الأصول ولا تجوز القراءة بالشاذ والصحيح أن ما وراء العشرة فهو شاذ وفاقا للبغوي والشيخ الإمام قال ابن الجزري يعني بالشيخ الإمام والده مجتهد العصر أبا الحسن عبي بن عبد الكافي السبكي ، والقسم الثاني عنده هو ما خالف المصحف ولو صحت روايته لا يعتبر قرآنا ولا تجوز الصلاة به ) (1) .
  قال الزركشي : ( قال شيخ الشافعية : يشترط أن يكون المقروء به على تواتر نقله عن رسول الله صلى الله وعليه وسلم قرآناً ، واستفاض نقله بذلك ، وتلقته الأمة بالقبول كهذه القراءات السبع ، لأن المعتبر في ذلك اليقين والقطع على ما تقرر وتمهّد في الأصول فما لم يوجد فيه ذلك ما عدا العشرة فممنوع من القراءة به منع تحريم ، لا منع كراهة في الصلاة وخارج الصلاة منه ممن عرف المصادر والمعاني ومن لم يعرف ذلك ، وواجب على مَنْ قدر على الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر أن يقوم بواجبه في ذلك وإنـما نقلها مَنْ نقلها من العلماء لفوائد منها ما يتعلق بعلم العربية لا القراءة بـها ، هذا طريق من استقام سبيله
  ثم قال : والقراءة الشاذة ما نقل قرآناً من غير تواتر واستفاضة متلقاة من الأئمة ، كما يشتمل عليه المحتسب لابن جني وغيره ، وأما القراءة بالمعنى على تجوزه من غير أن ينقل قرآناً ، فليس ذلك من القراءة الشاذة أصلاً ، والمتجرئ على ذلك متجرئ على عظيم ، وضالٌ ضلالاً بعيدا ، فيعزّز ويمنع بالحبس ونحوه ، ويجب منعُ القارئ بالشواذ وتأثيمه بعد تعريفه ، وإن لم يمتنع فعليه التعزير بشرطه ) (2) .
  ثم قال : ( وقال شيخ المالكية رحمه الله : لا يجوز أن يُقرأ بالقراءة الشاذة في صلاة و لا غيرها ، عالماً بالعربية كان أو جاهلاً ، وإذا قرأها قارئ ، فإن كان جاهلاً بالتحريم عُرِّف به و أمر بتركها ، وإن كان عالماً أُدِّب بشرطه ، وإن أصر على ذلك أدّب على إصراره ، وحبس إلى إن يرتدع عن ذلك ، وأما تبديل ( آتينا ) ب‍ ( أعطينا ) و ( سوّلت ) ب‍ ( زيّنت ) و نحوه ، فليس هذا من الشواذ ، وهو أشد تحريماً ، والتأديب عليه أبلغ ، والمنع منه أوجب ) (3)
  فكلٌ من إمام المالكية والشافعية يرى أن الشاذ هو ما لم يتواتر نقله ، أما ما خالف رسم المصحف وإن كان بمعناه فهو خارج عن نطاق القراءات الشاذة فضلا عن النص القرآني ، وعليه فمن

--------------------
(1) منجد المقرئين ص16 .
(2) البرهان في علوم القرآن للزركشي ج2ص332 ـ 333 بتحقيق محمد أبو الفضل إبراهيم ط دار إحياء الكتب العربية .
(3) ن.م ص333 .

إعلام الخَلف بمن قال بتحريف القرآن من أعلام السّلف _ 316 _
  نسبه للقرآن فقد أضاف ما ليس منه إليه ، وهذا تحريف صريح للقرآن على ضوء ما يراه إماما المالكية والشافعية .
  وقال في البحر المحيط : ( قال الشيخ أبو الحسن السّخاوي : ولا تجوز القراءة بشيء من الشواذ لخروجها عن إجماع المسلمين وعن الوجه الذي ثبت به القرآن ، وهو المتواتر وإن كان موافقا للعربية وخط المصحف لأنه جاء من طريق الآحاد ، وإن كانت نقلته الثقات ، وقال أبو شامة والشأن في الضبط ما تواتر من ذلك وما اجتُمع عليه ، ونقل الشاشي في ( المستظهري ) عن القاضي الحسين : أن الصلاة بالقراءة الشاذة لا تصح ، وقال النووي في ( فتاويه ) : تـحرم ) (1) .
  وقال : ( فقال إلْكِيا ـ الطبري ـ : القراءة الشاذة مردودة لا يجوز إثباتـها في المصحف ، وهذا لا خلاف فيه بين العلماء … وقال : والدليل القاطع على إبطال نسبة القراءات الشاذة إلى القرآن أن الاهتمام بالقرآن من الصحابة الذين بذلوا أرواحهم في إحياء معالم الدين يمنع تقدير دروسه وارتباط نقله بالآحاد ) (2) .
  ( وقال أبو زيد الدّبوسي في كتاب تقويم الأدلّة : لا تثبت القراءة بخبر الواحد ، ولهذا قالت الأئمة ، فيمن قرأ في صلاته بكلمات تفرد بـها ابن مسعود : إن صلاته لا تجوز كما لو قرأ خبرا من أخبار الرسول صلى الله عليه (وآله) وسلم ) (3) .
  قال النووي : ( قال أصحابنا ـ الشافعية ـ وغيرهم تجوز القراءة في الصلاة وغيرها بكل واحدة من القراءات السبع ولا تجوز القراءة في الصلاة ولا غيرها بالقراءة الشاذة لأنـها ليست قرآناً ، لأن القرآن لا يثبت إلا بالتواتر ).

--------------------
(1) البحر المحيط ج1ص474 ط وزارة الأوقاف والشؤون الإسلامية في الكويت -الثانية- .
(2) ن.م ص475 ـ 476 .
(3) ن.م ص479 ، قلنا سابقا أن ابن مسعود كان يغير ألفاظ القرآن بغيرها إن كانت متفقة معها في المعنى ! .

إعلام الخَلف بمن قال بتحريف القرآن من أعلام السّلف _ 317 _
  وقال ( وأما الشاذة ليست متواترة (1) ، فلو خالف وقرأ بالشاذة أنكر عليه قراءتـها في الصلاة أو في غيرها وقد اتفق فقهاء بغداد على استتابة من قرأ بالشواذ .
  وقد ذكرت قصة في التبيان في آداب حملة القرآن ونقل الإمام الحافظ أبو عمر بن عبد البر إجماع المسلمين على أنّه لا تجوز القراءة بالشواذ و لا يُصلى خلف من قرأ بـها ، قال العلماء : فمن قرأ بالشاذ إن كان جاهلاً به أو بتحريمه عرف ذلك فإن عاد إليه أو كان عالماً به عزر تعزيراً بليغاً إلى أن ينتهي عن ذلك و يجب على كل مكلف قادر على الإنكار أن ينكر عليه فإن قرأ الفاتحة في الصلاة بالشاذ فان لم يكن فيها تغيير معنى ولا زيادة حرف ولا نقصه صحت صلاته و إلا فلا ) (2) .
  قال ابن قدامة : ( فأما ما يخرج عن مصحف عثمان ، كقراءة ابن مسعود وغيرها ، فلا ينبغي أن يقرأ بـها في الصلاة ، لأن القرآن ثبت بطريق التواتر ، وهذه لم يثبت التواتر بـها ، فلا يثبت كونـها قرآناً ) (3) .
  قال العسقلاني : ( وآخر من صرّح بذلك السبكي في شرح المنهاج عند الكلام على القراءة بالشاذ : صرح كثير من الفقهاء بأن ما عدا السبعة شاذ توهما منه انحصار المشهور فيها ، والحق أن الخارج عن السبعة على قسمين :
  الأول ما يخالف رسم المصحف فلا شك أنه ليس بقرآن .
  والثاني ما لا يخالف رسم المصحف وهو على قسمين أيضا : الأول ما ورد من طريق غريبة فهذا ملحق بالأول ،

--------------------
(1) وكل ما لم يكن متواترا فليس من القرآن ، قال صاحب مسلم الثبوت ج2ص9 : ( ما نقل آحاداً فليس من القرآن قطعاً ، ولم يعرف فيه خلاف لواحد من أهل المذاهب ، واستدل بأن القرآن مما تتوافر الدواعي على نقله لتضمّنه التحدي ، ولأنه أصل الأحكام باعتبار المعنى و النظم جميعاً حتى تعلق بنظمه أحكام كثيرة ، ولأنه يتبرك به في كل عصر بالقراءة والكتابة ، ولذا علم جهد الصحابة في حفظه بالتواتر القاطع ، وكل ما تتوافر الدواعي نقله ينقل متواتراً عادة فوجوده ملزوم التواتر عند الكل عادة ، فإذا انتفى اللازم وهو التواتر ، انتفى الملزوم قطعاً ، والمنقول آحاداً ليس متواتراً فليس قرآنـاً ).
(2) المجموع شرح المهذب للنووي المجلد الثالث ص 393 ، ط دار الفكر .
(3) المغني لابن قدامة ج1ص354 أقول : كلامه يشعر أن القراءة الشاذة لا يتيقن من عدم قرآنيتها ! أي أنـها من المحتمل أن تكون من القرآن وهي غير موجودة في المصحف ! ، فمعناه أن ابن قدامة يحتمل أن مصحف المسلمين لم يشتمل على كل القرآن بين دفتيه !! وهذا ينسف اعتقادهم بحفظ القرآن من التحريف ، وأيضا يقف سدا دون استنباط أي حكم شرعي من القرآن لأن أي حكم يأخذه من المصحف يحتمل وجود آيات ساقطة منه ناسخة أو مخصصه لهذا الحكم ، كقراءة ابن مسعود التي تزيد كلمة ( متتابعات ) المقيدة لوجوب صيام ثلاثة أيام وسيأتي الكلام عنها بإذنه تعالى ، ولكنا نحمل كلامه على المحمل الحسن بأنه قصد أن ما لم يتواتر مما يتوافق مع رسم المصحف العثماني لا يقطع بكونه من القرآن ، وأما ما لم يتواتر ولم يتوافق مع المصحف العثماني فليس من القرآن قطعا ، وهذا الكلام هو عين ما نقله العسقلاني في المورد التالي عن المجتهد السبكي .

إعلام الخَلف بمن قال بتحريف القرآن من أعلام السّلف _ 318 _
  والثاني ما اشتهر عند الأئمة هذا الشأن القراءة به قديمًا وحديثا فهذا لا وجه للمنع منه كقراءة يعقوب وأبي جعفر وغيرهما ) (1) .
  قال ابن الحاجب في منتهاه : ( مسألة ما نقل آحاداً فليس بقرآن ، لأن القرآن مما تتوفر الدواعي على نقل تفصيله متواترا لما تضمنه من الإعجاز وأنه أصل جميع الأحكام فما لم ينقل متواترا قطع بأنه ليس بقرآن ).
  قال ابن الساعاتي في بديعه : ( مسألة ما لم ينقل متواترا قطع بأنه ليس بقرآن ) (2) .
  قال الإمام أبو الحسن السخاوي : ( الشاذ ليس بقرآن لأنه لم يتواتر ، فإن قيل : لعله كان مشهورا متواترا ثم ترك حتى صار شاذا ! قلت : هو كالمستحيل ، لما تحققناه من أحوال هذه الأمة واتباعها عن نبيها وحرصها على امتثال أوامرها وقال لهم صلى الله عليه (وآله) وسلم : بلغوا عني ولو آية ، وأمرهم باتباع القرآن والحرص عليه ، وحضهم على تعلمه وتعليمه ، فكيف استجازوا تركه وهجروا القراءة به حتى صار قرآنا شاذا بتضييعهم إياه وانحرافهم عنه ) (3).
  قال الإمام أبو زرعة : ( وأجمعوا على تحريم القراءة بـها في الصلاة ، كما تحرم في غير الصلاة أيضاً إذا اعتقد قرآنيتها أو أوهم ذلك ، هذا وقد قرروا أن الشاذ هو كل ما وراء القراءات العشر المعروفة ) (4) .
  قال الشيخ برهان الجعبري : ( وحكم الشاذ الجواز فمحمول على جواز النقل والرواية لا مطلقا بل بشرط عدم اعتقاد القرآنية ، كما تقدم في كلام ابن عبد البر لأن المقرئ من حيث كونه

--------------------
(1) فتح الباري شرح صحيح البخاري ج9 ص 32 فضائل القرآن باب أنزل القرآن على سبعة أحرف ، ط دار المعرفة .
(2) وهنا مقدمة مطوية ذكرناها سابقا وهي : كل ما كان شاذا مخالفا للرسم العثماني فهو غير متواتر .
(3) مقدمة البحر المحيط ج1ص80 نقلا عن علوم القرآن عند المفسرين ج2ص65 أقول : استدلاله السابق مخدوش بقول النبي صلى الله عليه وآله وسلم ( لتتبعن سنن من كان قبلكم ) ، ولو استدل بقوله تعالى ( إِنَّا نَحْنُ نَزَّلْنَا الذِّكْرَ وَإِنَّا لَهُ لَحَافِظُونَ ) ( الحجر / 9 )، مع الاتفاق على قرآنيتها لكان أسلم .
(4) حجّة القراءات للإمام أبي زرعة ص14 ، تحقيق سعيد الأفغاني ، ط مؤسسة الرسالة .

إعلام الخَلف بمن قال بتحريف القرآن من أعلام السّلف _ 319 _
  مقرئا وظيفته مجرد النقل والرواية ، وكذلك كل من وقع في كلامه الجواز يحتمل أن يكون مراده بشرط أن لا يعتقد قرآنيته والله أعلم ) (1) .
  قال السجاوندي : ( لا تجوز القراءة بشيء من الشواذ ، لخروجها عن إجماع المسلمين وعن الوجه الذي ثبت به القرآن وهو التواتر وإن كان موافقا للعربية وخط المصحف لأنه جاهل من طريق الآحاد وإن كان نقلته ثقات فتلك الطريق لا يثبت بـها القرآن ومنها ما نقله من لا يعتمد على نقله ولا يوثق بخبره فهذا مردود ولا تجوز القراءة به ولا يقبل وإن وافق العربية وخط المصحف ولقد نبغ قوم يطالعون كتب الشواذ ويقرؤون بـها فيها ، وربما صحفوا ذلك فيزداد الأمر ظلمة ) (2) .
  قال الزرقاني : ( ما صحّ نقله عن الآحاد وصحّ وجهه في العربية وخالف لفظه خط المصحف فهذا يقبل ولا يقرأ به ).
  وعلّق بالهامش : ( ومعنى هذا أنه يقبل على اعتبار أنه خبر شرعي يصح الاحتجاج به عند من يرى ذلك وهم الحنفية دون الشافعية ، ولا يقرأ به على أنه قرآن ، ولا ليوهم القارئ أحداً أنه قرآن ، قال النويري : اعلم أن الذي استقرّت عليه المذاهب وآراء العلماء أن من قرأ بـها ـ أي الشواذ ـ غير معتقد أنـها قرآن ولا موهم أحداً ذلك ، بل لما فيها من الأحكام الشرعية عند من يحتجُّ بـها أو الأحكام الأدبية ، فلا كلام في جواز قراءتـها ، وعلى هذا يحمل حال من قرأ بـها من المتقدمين ، وكذلك أيضاً يجوز تدوينها في الكتب والتكلم على ما فيها ، وإن قرأها باعتقاد قرآنيتها أو لإيهام قرآنيتها حرم ذلك ، ونقل ابن عبد البر في تمهيده إجماع المسلمين عليه ،اه ) (3) .
  قال في شرح طيبة ابن الجزري : ( إذا أردت معرفة القراءة التي يحكم بقرآنيتها ، وتمييزها من القراءة الشاذة التي لا يحكم بقرآنيتها هي القراءة الصحيحة التي استوفت شروطا ثلاثة… وقد ذكر الناظم في هذه الأبيات قاعدة هامة أبان فيها أركان القراءة الثلاثة التي إذا تحققت في الكلام حكم بكونه

--------------------
(1) مقدمة البحر المحيط ج1ص79 نقلا عن علوم القرآن عند المفسرين ج2ص69.
(2) ن.م .
(3) مناهل العرفان في علوم القرآن للزرقاني ج1 ص 417 ـ 418 ، ط الحلبي الثالثة .

إعلام الخَلف بمن قال بتحريف القرآن من أعلام السّلف _ 320 _
  قرآناً وإذا فقدت كلها أو بعضها في الكلام حكم بشذوذه وأنه ليس بقرآن ، حتى لو ثبت عن القراء السبعة ) (1) .
  وقال : ( وذلك بخلاف زيادة كلمة ونقصانـها وتقديمها وتأخيرها حتى ولو كانت حرفاً واحدا من حروف المعاني فإن حكمه في حكم الكلمة لا يسوغ مخالفة الرسم فيه ، وهذا هو الحد الفاصل في حقيقة اتباع الرسم ومخالفته ) (2) .
  قال في أصول الفـقه : ( ومن جزء ماهيته ـ أي القرآن ـ التواتر ، فالقراءات الشاذة التي لم يثبتها قراّء الأمصار لا تسمى قرآناً ولا تصح بـها الصلاة ) (3) .
  قال في لغة القرآن الكريم : ( فإن القراءة التي يصح أن توصف بأنـها من القرآن المنـزل لا بد وأن تكون منقولة بطريق التواتر غير خارجة عما يحتمله خط المصحف ولو تقديراً ، وهي عندما تكون متواترة لابد وأن يكون خط المصحف محتملاً لـها ودالاً عليها ، لأنه إن كان لا يدل عليها ، أو ينافيها كان وجوده عبثاً لا فائدة منه ، بل عدم وجوده أولى منه إذا كان يتنافى مع حقيقة القرآن المنـزل ، والأمر بمثل هذا يتنـزه عنه الله ورسوله ) (4) .
  ( وقد نصّ على إجماع الأصوليين والفقهاء وغيرهم على أن الشاذ ليس بقرآن لعدم صدق الحد عليه ) (5) .
  ( أما هجرهم لمثل تلك القراءات وعدم عناية المسلمين بـها فإنه دليل على عدم قرآنيتها وهذا ما أجمع عليه المسلمون دون خلاف بينهم ) (6) .
  قالا في معجم القراءات القرآنية : ( وترى الكثرة من العلماء عدم جواز القراءة بالشاذ في الصلاة ، لأن هذه القراءات لم يثبت تواتره عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم ، وان ثبت بالنقل فإنـها منسوخة بالعرضة الأخيرة ، أو بإجماع الصحابة على المصحف العثماني ، أو أنـها لم تنقل إلينا

--------------------
(1) الكوكب الدري في شرح طيبة ابن الجزري ص18 لمفتش الأزهر محمد الصادق قمحاوي ، ط الأولى .
(2) ن.م ص22 نقلا عن النشر لابن الجزري .
(3) أصول الفقة ص209 للشيخ الخضري بك ، ط دار إحياء التراث العربي .
(4) لغة القرآن الكريم د. عبد الجليل عبد الرحيم ص119 ـ 120 ط مكتبة الرسالة الحديثة .
(5) ن.م ص126 .
(6) ن.م ص157 .

إعلام الخَلف بمن قال بتحريف القرآن من أعلام السّلف _ 321 _
  نقلاً يثبت بمثله القرآن ، أو أنـها لم تكن من الأحرف السبعة ) (1) ، وما ليس من الأحرف السبعة ليس من القرآن قطعا .
  قال في موسوعة الإجماع : ( أجمع المسلمون على أنه لا يكتب في المصحف بخط القرآن غير القرآن وعليه فانـهم مجمعون على أن الزيادة في الآية : ( وحافظوا على الصلوات والصلاة الوسطى صلاة العصر ) (2) لا يحل لأحد أن يقرأ بـها ولا أن يكتبها في مصحفه ، ـ ثم ينقل كلام ابن الجزري بتصرف ـ ) (3) .
  قال في أثر الاختلاف في القواعد الأصولية : ( قال الإمام النووي في شرح مسلم عند ذكره حديث عائشة في الصلاة الوسطى قال : واستدل به بعض أصحابنا على أن الوسطى ليست العصر ، لأن العطف يقتضي المغايرة ، لكن مذهبنا أن القراء الشاذة لا يحتج بـها ، ولا يكون لها حكم الخبر عن الرسول صلى الله عليه (وآله) وسلم ، لأن ناقلها لم ينقلها إلاّ على أنـها قرآن ، والقرآن لا يثبت إلا بالتواتر والإجماع ، وإذا لم يثبت قرآناً لم يثبت خبراً ،اه ) (4) .
  قال في أصول الفقه الإسلامي : ( اختلف العلماء في المنقول إلينا آحاداً كمصحف ابن مسعود وغيره ، هل هو قرآن أو لا ؟ فالقراءة الشاذة : هي التي لم يثبتها قراء الأمصار لعدم تواترها ، وهي التي صح سندها ، ولكنها لم تحتمل رسم المصحف مع موافقتها للوجه الإعرابي والمعنى العربي ، مثل قراءة ابن مسعود في كفارة اليمين : ( فمن لم يجد فصيام ثلاثة أيام متتابعات ) فزيادة متتابعات لم تتواتر فليست من القرآن ، ومثل ما ورد في قراءة بعضهم في نفقة الوالدات : ( وعلى الوارث ذي الرحم المحرم مثل ذلك ) فزيادة ذي الرحم المحرّم لم تتواتر ، ثم ذكر الدكتور وهبة الزحيلي في مبحث حكم القراءة الشاذة ما نصّه : ما نقل آحاداً ليس بقرآن قطعاً ) (5) .

--------------------
(1) معجم القراءات القرآنية ج1ص113 د.أحمد مختار عمر ، د.عبد العال سالم مكرم ط جامعة الكويت ، أقول : لاحظ أن الاحتمالات الثلاثة الأولى تفتح باب الشك والترديد على سلامة القرآن من النقص خاصة مع فقدان الدليل على هذه الدعاوى .
(2) كانت تصر كل من عائشة وحفصة على أن هذه الزيادة من القرآن وأمرتا بأن تكتبا في مصحفيهما !
(3) موسوعة الإجماع في الفقه الإسلامي ج2 ص 872 ـ 873 ط الدار العربية ، د. سعدي أبو حبيب .
(4) أثر الاختلاف في القواعد الأصولية ص389 ، د. مصطفى الخنّ .
(5) أصول الفقه الإسلامي ج1ص425 ـ 426 للدكتور وهبة الزحيلي ، ط الأولى ، دار الفكر .

إعلام الخَلف بمن قال بتحريف القرآن من أعلام السّلف _ 322 _
  قالا في مقدمة كتاب البحر المحيط : ( أجمع الأصوليون والفقهاء وأكثر القراء وكل من قال بالتواتر ، على أن الشاذ ليس بمتواتر بل نقل آحاد سواء كان بثقة عن ثقة أم لا ، حصل مع الثقة شهرة واستفاض أم لا ؟ وعلى قول مكي ومن وافقه : هو ما خالف الرسم أو العربية ونقل ولو بثقة عن ثقة أو وافقهما ونقل بغير ثقة أو بثقة لكن لم يشتهر .
  وأما قرآنية الشاذ ، فأجمع الأصوليون أيضا والفقهاء وغيرهم على أن مطلق الشاذ يقطع بكونه ليس بقرآن (1) ، فكل ما صدق عليه عند قوم أنه شاذ فهو عندهم ليس بقرآن ، وإن كان قرآنا عند غيرهم كصحيح السند المشتهر إذا لم يتواتر ليس هو قرآنا عند الجمهور وإن صدق عليه أنه عند مكي وأتباعه (2) ، والضابط حينئذ ما صدق عليه أنه شاذ وذلك لعدم صدق حد القرآن عليه وهو التواتر ، وصرح بذلك الغزالي وابن الحاجب في كتابيه والقاضي عضد الدين وابن الساعاتي والنووي وغيرهم ممن لا فائدة في عده لكثرته ) (3) .
  وقال أبو إسحاق الحويني أحد وهابية مصر في محاضرة له : ( وقرأ ابن مسعود ( ومنكم جائر ) (4) لكن هذه قراءة شاذة لا يقرأ بـها ، وليست قرآنـًا ، لأن القرآن يشترط فيه أن يكون موافقا لرسم المصحف ، وأن يكون متواترًا ، وأن يوافق وجها من وجوه العربية ، وإنما هذه القراءة شاذة ، العلماء يستخدمون القراءات الشاذة في بيان معاني القرآن ، وإن كنا لا نقرأ بـها ولا يَـحِل أن تسمى قرآنا ) (5) .
  وهناك من علماء السنة من قام بتكفير من عد هذه القراءات الشاذة من القرآن حتى ولو اتبع في ذلك الصحابة ! ، قال ابن حزم الأندلسي في الإحكام : ) ومن العجب أن جمهرة من المعارضين لنا وهم المالكيون قد صح عن صاحبهم ما ناه المهلب بن أبي صفرة الأسدي التميمي قال ابن مناس نا ابن مسرور نا يحيى نا يونس بن عبد الأعلى نا ابن وهب حدثني ابن أنس قال أقرأ عبد الله بن مسعود رجلا ( إِنَّ شَجَرَةَ الزَّقُّومِ طَعَامُ

--------------------
(1) لاحظ إن الغالب على كلماتـهم هو النفي القاطع لقرآنية الشاذ المخالف لرسم المصحف ، ولكن قد يفهم من كلام البعض كابن قدامة أن الشاذ قد يكون قرآنا ولكنه لم يثبت ، وقد بينا ما يلزم من هذا القول ، وعلى أي حال فمن الإنصاف ألا نلزمهم برأي شاذ نادر وحتى لا نكون كالوهابية .
(2) ولكن مكي وأتباعه جزموا بأن ما خالف الرسم العثماني هو الشاذ الذي يقطع بعدم قرآنيته .
(3) مقدمة البحر المحيط ج1ص79 نقلا عن علوم القرآن عند المفسرين ج2ص65.
(4) والآية في القرآن هكذا ( وَعَلَى اللَّهِ قَصْدُ السَّبِيلِ وَمِنْهَا جَائِرٌ وَلَوْ شَاءَ لَهَدَاكُمْ أَجْمَعِينَ ) ( النحل / 9 ).
(5) قالها في شريط له باسم ( المبتدع الأحمق ) ، وهو متوفر في الأسواق .

إعلام الخَلف بمن قال بتحريف القرآن من أعلام السّلف _ 323 _
   الأَثِيمِ ) ( الدخان / 43 ـ 44 )، فجعل الرجل يقول ( طعام اليتيم ) فقال له ابن مسعود ( طعام الفاجر ) ، قال ابن وهب : قلت لمالك أترى أن يقرأ كذلك ؟ قال : نعم ، أرى ذلك واسعا ، فقيل لمالك : أفترى أن يقرأ بمثل ما قرأ عمر بن الخطاب ( فامضوا إلى ذكر الله ) ؟ قال مالك : ذلك جائز ، قال رسول الله صلى الله عليه (وآله) وسلم : أنزل القرآن على سبعة أحرف فاقرؤوا منه ما تيسر مثل تعلمون يعلمون ، قال مالك : لا أرى في اختلافهم في مثل هذا بأسا ولقد كان الناس ولهم مصاحف والستة الذين أوصى لهم عمر بن الخطاب كانت لهم مصاحف .
  قال أبو محمد ـ ابن حزم ـ : فكيف يقولون مثل هذا ؟! أيجيزون القراءة هكذا ؟! فلعمري لقد هلكوا وأهلكوا وأطلقوا كل بائقة في القرآن أو يمنعون من هذا فيخالفون صاحبهم في أعظم الأشياء وهذا إسناد عنه في غاية الصحة ، وهو مـما أخطأ فيه مالك مما لم يتدبره لكن قاصدا إلى الخير ، ولو أن أمرا ثبت على هذا وجازه بعد التنبيه له على ما فيه وقيام حجة الله تعالى عليه في ورود القرآن بخلاف هذا لكان كافرا ونعوذ بالله من الضلال ) (1) .
  واضح أن ملاك ابن حزم في التكفير منطبق على الإمام مالك بن أنس ولكنه اعتذر له بأنه كان غافلا عن مقتضى الكلام !! ، وواضح أن الإمام مالك قد استند إلى حديث الأحرف السبعة ، فلا يحتمل أن يكون غافلا !
  وابن حزم قد كفّر علماء السنة إجمالا في مبحث الأحرف السبعة لأنـهم قالوا بجواز القراءة بالمعنى بمقتضى حديث الأحرف السبعة ، وكفر إمام الحنفية أبا حنيفة لأنه قال بأن ترجمة القرآن بالفارسية هي أيضا قرآن ، وسيأتي الكلام عنه بإذنه تعالى .

--------------------
(1) الإحكام لابن حزم ج4ص559 ـ 560.

إعلام الخَلف بمن قال بتحريف القرآن من أعلام السّلف _ 324 _
  القسم الثاني : حجية الاستدلال الفقهي بالقراءات الشاذة .
  نذكر هنا كلمات علمائهم في بطلان الاستدلال بالقراءات الشاذة في الفقه لعدم قرآنيتها في نظرهم ، وأن من جوّز ذلك فإنما يجوّزه باعتبارها خبرا أو تفسيرا جاء عن صاحب القراءة لا أنـها من قرآن .
  البحر الـمحيط للزركشي : ( اعلم ، أن الآمدي نسب القول بأنـها ليست بحجة إلى الشافعي ، وكذا ادعى الأَبْياري في شرح البرهان أنه المشهور من مذهب مالك والشافعي وتبعه ابن الحاجب وكذلك النووي ، فقال في شرح مسلم مذهبنا : أن القراءة الشاذة لا يحتج بـها ، ولا يكون لها حكم الخبر عن رسول الله صلى الله عليه (وآله) وسلم ، لأن ناقلها لم ينقلها إلا على أنـها قرآن ، والقرآن لا يثبت إلا بالتواتر و إذا لم يثبت قرآناً لم يثبت خبراً ، والموقع لهم في ذلك دعوى إمام الحرمين في البرهان : أن ذلك ظاهر مذهب الشافعي ، وتبعه أبو نصر بن القُشَيْري ، والغزالي في المنخول ، وإلْكيا الطبري في التلويح ، وابن السَّمْعاني في القواطع وغيرهم ) (1) .
  ( وقال الرُّوْياني في البحر في كتاب الصلاة أنـها تجري مجرى الخبر عن النبي صلى الله عليه (وآله) وسلم أو الأثر عن الصحابة ، نعم الشرط عند الشافعي في ذلك أن لا يخالف رسم المصحف (2) ، ولا يوجد غيرها مما هو أقوى منها ، ولذلك لم يحتج بقراءة ابن عباس ( وعلى الذين يُطَوَّقُونه فدية ) مع أن مذهبه وجوب الفدية كما نص عليه في المختصر ؟ قال شارحوه : إنما عدل الشافعي عن الاستدلال بـهذه القراءة ، لأنـها تشذ عن الجماعة ، وتخالف رسم المصحف ) (3) .
  الـجوهر النقـي للإمام المارديني : ( قال البيهقي : … عن أبي يونس مولى عائشة قال أمرتني عائشة أن أكتب لها مصحفا فقالت إذا بلغت هذه الآية فآذني ( حَافِظُوا عَلَى الصَّلَوَاتِ ) ( البقرة / 238 )، فلما بلغتها آذنتها فأملت عليّ ( حافظوا على الصلوات والصلاة الوسطى غير العصر )

--------------------
(1) البحر المحيط للزركشي ج 1ص475 .
(2) لاحظ إن الشافعي حكم بأن ما يخالف رسم المصحف ليس من القرآن فضلا عن كونه من القراءات الشاذة وهو كذلك قول إمام المالكية كما مر سابقا .
(3) البحر المحيط ج1ص477 .

إعلام الخَلف بمن قال بتحريف القرآن من أعلام السّلف _ 325 _
  قلت : ( هذه قراءة شاذة ، والشافعي ومالك لا يجعلون القراءة الشاذة قرآناً ولا خبراً ويسقطان الاحتجاج بـها ) (1).
  ( باب الشيخ الكبير يفطر ويفتدي ، ذكر فيه : عن ابن عباس وعائشة أنـهما قرءا ( وعلى الذين يطوّقونه ) قلت : مذهب الشافعية أن القراءة الشاذة لا يحتج بـها وليست بقرآن ولا خبر ) (2) .
  مفتاح الوصول للمالكي التلمساني : ( ومن ذلك استدلال الحنفية : على أن التكفير بصيام ثلاثة أيام من شرطها أن تكون متتابعة ، فإن فرّقها لم تجْزه ، لقراءة ابن مسعود ( فصيام ثلاثة أيام متتابعات ) ، فيقول أصحابنا ـ المالكية ـ : هذه الزيادة ليست من القرآن ، فإنـها غير متواترة و من شرط القرآن أن يكون متواتراً ، وكذلك احتجت الحنفية ، على أن الفَـيْـئة في الإيلاء إنما محلّها الأربعة أشهر لا بعدها ، بقراءة أبي ابن كعب ( فإن فاؤوا فيهن فإن الله غفور رحيم ) وأصحابنا يقولون : إنما الفيئة بعد تمام الأربعة الأشهر ، ويعترض على الحنفية بأن تلك الزيادة التي في قراءة أبي بن كعب ليست من القرآن لأنـها لم تتواتر ، ومن شرط القرآن أن يكون متواتراً .
  والجواب عندهم : ( أن هذه الزيادة إما أن تكون قرآناً أو خبراً ، لأنه إن لم تكن واجدا منهما حرم على القارئ أن يقرأها ، لما في ذلك من التلبيس ، وإن كانت إما قرآنا وإما خبراً وجب العمل به ، والتواتر ليس بشرط في وجوب العمل ، بل في التلاوة ، كما تقدم ) (3) .
  المنخول لأبي حامد الغزالي : ( القراءة الشاذة المتضمنة لزيادة في القرآن مردودة كقراءة ابن مسعود في آية كفارة اليمين فصيام ( ثلاثة أيام متتابعات ) فلا يشترط التتابع ، خلافا لأبي حنيفة (رض) فإنه قبله وهو يناقض أصله من حيث أنه زيادة على النص وهو نسخ بزعمه كما قاله في كفارة الظهار ومعتمدنا شيئان أحدهما أن الشيء إنما يثبت من القرآن إما لإعجازه وإما لكونه متواترا ولا إعجاز ولا تواتر ومناط الشريعة وعمدتـها تواتر القرآن ولولاه لما استقرت النبوة وما يبتني على الاستفاضة لتوفر الدواعي على نقله كيف يقبل فيه رواية شاذة ، فإن قيل لعله كان من القرآن فاندرس قلنا الدواعي كما توفرت على نقله ابتداء فقد توفر على حفظه دواما ولو جاز تخيل مثله لجاز لطاعن

--------------------
(1) الجوهر النقي للإمام علاء الدين المارديني ج1 ص 463-464 ، ط دار الفكر .
(2) المصدر ج 4 ص 271 .
(3) مفتاح الوصول إلى بناء الفروع على الأصول لأبي عبد الله لمالكي التلمساني ص5 ـ 6 حققه الأستاذ عبد الوهّاب عبد اللطيف .