وقال أيضا : ( أما ما ورد في بعض مؤلفاتـهم من آراء تثير شكوكا في النص القرآني وتنسب إلى بعض أئمتهم ، فإنـهم لا يقرونـها وتعتقدون بطلان ما تذهب إليه ، وبطلان نسبتها إلى أئمتهم ولا نعدها من مذهبهم ، مهما كانت مكانة رواتـها عندهم ومكانة الكتب التي وردت فيها … وقد تصدى كثير من أئمة الشيعة الجعفرية أنفسهم لرد هذه الأخبار الكاذبة وبيان بطلانـها وبطلان نسبتها إلى أئمتهم وأنـها ليست من مذهبهم في شيء ) (1) .
  وقال الدكتور محمد عزة دروَزة : ( وبحيث يمكن القول بجزم بناء على ذلك إن ما ورد في الروايات التي جلها أو كلها غير وثيق السند مع ذلك من زيادات أو نقص في الكلمات والآيات والسور ، ومن مخالفة للترتيب لم يثبت عند الملأ من أصحاب رسول الله وناتج عن وهم وخطأ ، ولبس وعدم تثبت فأهمل ، ومنه ما يصح القول بقـوة : إنـه مخـترع و مـدسـوس بنيـة سيئـة وقصد مغـرض . وجمهور العلماء والمـؤلفيـن مجمـعون على هذه الحقائـق بدون خـلاف ، ومن جملة ذلك علماء ومؤلفو الشيعة الإمامية ) (2) .
  وقال مصطفى الرافعي : ( والقرآن الكريم هو الموجود الآن بأيدي الناس من غير زيادة و لا نقصان ، وما ورد من أنّ الشيعة الإمامية يقولون بأن القرآن قد اعتراه النقص … هذا الادعاء أنكره مجموع علماء الشيعة الأعلام … فالقرآن الكريم ـ إذن هو عصب الدولة الإسلامية ، تتفق مذاهب أهل السنة مع مذهب الشيعة الإمامية على قداسته ووجوب الأخذ به ، وهو نسخة موحدة لا تختلف في حرف ولا رسم لدى السنة والشيعة الإمامية في مختلف ديارهم وأمصارهم ) (3) .
  وها قد أوردنا كلمات علماء الإمامية ومراجعهم في سلامة القرآن من التحريف وأتبعناهم ثم الآخرين من علماء أهل السنة وكلهم متفقون على تكذيب من يرمي الشيعة بـهذه الفرية ، وكلماتـهم واضحة صريحة في اعتقاد الشيعة بسلامة القرآن من التحريف من ألفه إلى يائه بلا زيادة أو نقصان ، ومن نسب لـهم خلاف ذلك فهو كاذب مفتر عليهم ، وبعد أن شهد شاهد من أهلها ، هل بقي مجال للادعاءات الباطلة والافتراءات الزائفة ؟!
كذب ابن حزم والوهابية !
  وإن تعجب فعجب سلاطة لسان ابن حزم وقساوة خده حيث قال في كتابه الفِصَل : ( ومن قول الإمامية كلها قديما وحديثا أن القرآن مبدل زيد فيه ما ليس منه كثير وبدل منه كثير ) .
  وهذه جرأة ما بعدها جرأة ، فيا لله كيف نسب هذا الكذاب الأشر لأعيان الشيعة كلهم أجمعين أكتعين القول بالتحريف ؟! ويا ليته كذب فنسب التحريف بالنقص لهم ، ولكنه تجاوز حدود الافتراء والدجل بقوله إن الشيعة تعتقد تبديل القرآن والزيادة عليه ما ليس منه !! بل هو كثير كثير في نظرهم !! ولم يقل بـهذا أحد من الشيعة منذ خلق الله الأرض ومن عليها ! وهذا لعمر الله أحد أنواع الكذب النادرة التي تستحق أن تحفظ في خزانة غرائب الأكاذيب ، وقد انبرى الشيخ الهمام الأميني بنفي تلك الفرية الكالحة الشائنة فقال عليه الرحمة والرضوان في كتابه الغدير الأغر :
  ( ليت هذا المجترئ أشار إلى مصدر فريته من كتاب للشيعة موثوق به ، أو حكاية من عالم من علمائهم تقيم له الجامعة وزناً ، أو طالب من روّاد علومهم ولو لم يعرفه أكثرهم ، بل نتنازل معه إلى قول جاهل من جهّالـهم أو قرويّ من بسطائهم ، أو ثرثار كمثل هذا الرجل يرمي القول على عواهنه ، ولكن القارئ إذا فحّص ونقّب لا يجد في طليعة الإمامية إلاّ نفاة هذه الفرية كالشيخ الصدوق في عقائده ، والشيخ المفيد ، وعلم الهدى الشريف المرتضى الذي اعترف له الرجل بنفسه ، وليس بمتفرّد عن قومه في رأيه كما حسبه المغفّل ، وشيخ الطائفة الطوسي في تبيانه ، وأمين الإسلام الطبرسي في مجمع البيان وغيرهم ، فهؤلاء أعلام الإمامية وحملة علومهم الكالئين لقواميسهم وعقائدهم قديمًا وحديثًا يوقفونك على مَين الرجل فيما يقول ، وهذه فرق الشيعة وفي مقدَّمتهم الإمامية مجمعة إلى أنّ ما بين الدفتين هو ذلك الكتاب الذي لا ريب فيه وهو المحكوم بأحكامه ليس إلاّ ) (4) .
  وكذا رده السيد محسن الأمين رضوان الله تعالى في أعيان الشيعة : ( لا يقول أحد من الإمامية لا قديما ولا حديثا أن القرآن مزيد فيه قليل أو كثير فضلا عن كلهم بل كلهم متفقون على عدم الزيادة ومن يعتد بقوله من محقيقهم متفقون على أنه لم ينقص منه ).
  وقال ( ومن نسب إليهم خلاف ذلك فهو كاذب مفتر مجترئ على الله ورسوله والذين استثناهم ـ ابن حزم ـ وقال إنـهم ينكرون الزيادة والنقصان في القرآن ويكفرون من قال بذلك هم أجلاء علماء

--------------------
(1) المصدر السابق ص 37 ـ 38 .
(2) القرآن والملحدون ص 322 ، ط المكتب الإسلامي الأولى 1393 ه‍ .
(3) إسلامنا ص 75 .
(4) الغدير ج 3 ص 135 ط الأعلمي .

إعلام الخَلف بمن قال بتحريف القرآن من أعلام السّلف _ 126 _
  الإمامية وإن كذب في دعوى التكفير الذي يكيله للناس في كتابه بالصاع الأوفى وقد تعوّد عليه قلمه ولسانه ) (1) .
  وبعض الوهابية ( عثمان الخميس ) وهو من يلوك بكل جد واجتهاد ما لفظته أفواه أسياده ، تعجب من نفي العلامة الأميني رضوان الله تعالى عليه لهذه الفرية بـهذا التكذيب القاطع والمستميت في حال وجود بعض نفر من علماء الشيعة قالوا بتحريف القرآن ، فقام الوهابي بالتهكم والتلويح بأن الكذب من عادة علماء الشيعة وهذا قاله في الوجه الأول من شريطه ( الشيعة والقرآن ) المليء بالإفتراءات والجهالات ، وجهل هذا المستحق لزكاة العلم أن ابن حزم افترى على الشيعة كلهم وبأجمعهم تحريف القرآن بالزيادة والتبديل لا بالنقيصة ، وهذا كذب صريح وافتراء فاضح ، وكما قلنا إن الوهابية يستغلون بساطة من يلتفون حولهم ، بل الوهابي نفسه افترى على الشيعة بفرية سيده ابن حزم فقال الوهابي :
  ( كل هذا الثناء من الله على الصحابة ثم يأتي أولئك القوم فيقولون هم كفار هم منافقون هم مرتدون ، طيب والقرآن ؟ ، قال القرآن محرف زيد فيه نقص منه ، كل المثالب التي طعن عليهم بـها أزالوها من القرآن ، كل المدح الذي تجدونه في القرآن إنما مما أضافوه ) .
  أقول : مَن قال من علماء الشيعة أن القرآن قد زيد فيه مدح الصحابة الأبرار عليهم رضوان الله تعالى ؟! ، لماذا كل هذا الكذب ؟! ، ومع هذا وغيره من الأكاذيب التي طفح بـها الوهابي شريطه يختمه مخاطبا الشيعة :
  ( وأخيرا نقول ، لماذا الكذب ؟ قال النبي صلى الله عليه (وآله) وسلم : عليكم بالصدق فإن الصدق يهدي إلى البر وإن البر يهدي إلى الجنة ، ولا يزال الرجل يصدق ويتحرى الصدق حتى يكتب عند الله صديقا ، وإياكم والكذب (!) فإن الكذب يهدي إلى الفجور وإن الفجور يهدي إلى النار ولا يزال الرجل يكذب ويتحرى الكذب حتى يكتب عند الله كذابا . وإن صاحب الدعوة الصحيحة لا

--------------------
(1) أعيان الشيعة ج 1 ص 41 ، وكلام السيد في دعوى كيله التكفير للعلماء وللناس صحيح لشهرته عن ابن حزم فهذا ابن خلكان في كتابه وفيات الأعيان يذكر نبذة من أخلاقه في ترجمته ج 3 رقم 448 ( ابن حزم الظاهري ) في ص 327 ـ 328 ( وكان كثير الوقوع في العلماء المتقدمين ، لا يكاد يسلم أحد من لسانه ، فنفرت عنه القلوب ، واستهدف لفقهاء وقته ، فتمالأوا على بغضه وردوا قوله وأجمعوا على تضليله وشنّعوا عليه وحذّروا سلاطينهم من فتـنـته ونـهوا عوامهم من الدنو إليه والأخذ عنه ، فأقصته الملوك وشردته عن بلاده حتى انتهى إلى بادية لَبْلَبة فتوفي بـها ) وذكر أيضا في ج 1 ص 169 ت 68 فقال ابن خلكان عن المترجم له ( ابن العريف ) : ( كان من كبار الصالحين والأولياء المتورعين وله مناقب مشهورة ، وكان العبّاد وأهل الزهد يألفونه ويحمدون صحبته وحكى بعض المشايخ الفضلاء أنه رأى بخطه فصلا في حق أبي محمد علي بن أحمد المعروف ابن حزم الظاهري الأندلسي ، قال فيه : كـان لسـان ابـن حـزم وسـيـف الحـجـاج بـن يوسـف شقـيـقـين ، وإنما قال ذلك لأن ابن حزم كان كثير الوقوع في الأئمة المتقدمين والمتأخرين لم يكد يسلم منه أحد ) انتهى .

إعلام الخَلف بمن قال بتحريف القرآن من أعلام السّلف _ 128 _
  يكذب وإن صاحب الباطل لا يصدق ( ، فأنت إذن صاحب الباطل حيث لم تصدق ! ، وقد مر وسيمر بعض من كذبه ، الذي أحببنا نقله لأن بعضه يحتاج بيانه إلى مقدمات طويلة .
  أما جهله فواضح ، لأن الشيعة لا يقولون أن آيات الثناء عنى الله عز وجل بـها كل من رأى النبي صلى الله عليه وآله وسلم ، فمن غير المعقول أن تكون هذه الآية الكريمة ( مُحَمَّدٌ رَسُولُ اللَّهِ وَالَّذِينَ مَعَهُ أَشِدَّاءُ عَلَى الْكُفَّارِ رُحَمَاءُ بَيْنَهُمْ تَرَاهُمْ رُكَّعًا سُجَّدًا يَبْتَغُونَ فَضْلاً مِنْ اللَّهِ وَرِضْوَانًا سِيمَاهُمْ فِي وُجُوهِهِمْ مِنْ أَثَرِ السُّجُودِ ذَلِكَ مَثَلُهُمْ فِي التَّوْرَاةِ وَمَثَلُهُمْ فِي الإِنجِيلِ كَزَرْعٍ أَخْرَجَ شَطْأَهُ فَآزَرَهُ فَاسْتَغْلَظَ فَاسْتَوَى عَلَى سُوقِهِ يُعْجِبُ الزُّرَّاعَ لِيَغِيظَ بِهِمْ الْكُفَّارَ وَعَدَ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ مِنْهُمْ مَغْفِرَةً وَأَجْرًا عَظِيمًا ) ( الفتح / 29 ) ، قد عنى بـها الله عز وجل الصحابة الذين قال فيهم ( فَأَعْقَبَهُمْ نِفَاقًا فِي قُلُوبِهِمْ إِلَى يَوْمِ يَلْقَوْنَهُ بِمَا أَخْلَفُوا اللَّهَ مَا وَعَدُوهُ وَبِمَا كَانُوا يَكْذِبُونَ ) ( التوبة / 77 ) ، وقال ( الأَعْرَابُ أَشَدُّ كُفْرًا وَنِفَاقًا وَأَجْدَرُ أَلاَّ يَعْلَمُوا حُدُودَ مَا أَنزَلَ اللَّهُ عَلَى رَسُولِهِ وَاللَّهُ عَلِيمٌ حَكِيمٌ ) ( التوبة / 97 ) ، وقال ( وَمِمَّنْ حَوْلَكُمْ مِنْ الأَعْرَابِ مُنَافِقُونَ وَمِنْ أَهْلِ الْمَدِينَةِ مَرَدُوا عَلَى النِّفَاقِ لاَ تَعْلَمُهُمْ نَحْنُ نَعْلَمُهُمْ سَنُعَذِّبُهُمْ مَرَّتَيْنِ ثُمَّ يُرَدُّونَ إِلَى عَذَابٍ عَظِيمٍ ) ( التوبة / 101 ) ، وقال ( وَإِذَا قِيلَ لَهُمْ تَعَالَوْا إِلَى مَا أَنزَلَ اللَّهُ وَإِلَى الرَّسُولِ رَأَيْتَ الْمُنَافِقِينَ يَصُدُّونَ عَنْكَ صُدُودًا ) ( النساء / 61 ) وقال ( بَشِّرْ الْمُنَافِقِينَ بِأَنَّ لَهُمْ عَذَابًا أَلِيمًا ) ( النساء / 138 ) ، وقال ( إِنَّ الْمُنَافِقِينَ يُخَادِعُونَ اللَّهَ وَهُوَ خَادِعُهُمْ وَإِذَا قَامُوا إِلَى الصَّلاَةِ قَامُوا كُسَالَى يُرَاءُونَ النَّاسَ وَلاَ يَذْكُرُونَ اللَّهَ إِلاَّ قَلِيلاً مُذَبْذَبِينَ بَيْنَ ذَلِكَ لاَ إِلَى هَؤُلاَءِ وَلاَ إِلَى هَؤُلاَءِ وَمَنْ يُضْلِلْ اللَّهُ فَلَنْ تَجِدَ لَهُ سَبِيلاً ) ( النساء / 142 ـ 143 ) ، وقال ( إِنَّ الْمُنَافِقِينَ فِي الدَّرْكِ الأَسْفَلِ مِنْ النَّارِ وَلَنْ تَجِدَ لَهُمْ نَصِيرًا ) ( النساء / 145 ) ، وقال ( إِذْ يَقُولُ الْمُنَافِقُونَ وَالَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ غَرَّ هَؤُلاَءِ دِينُهُمْ وَمَنْ يَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ فَإِنَّ اللَّهَ عَزِيزٌ حَكِيمٌ وَلَوْ تَرَى إِذْ يَتَوَفَّى الَّذِينَ كَفَرُوا الْمَلاَئِكَةُ يَضْرِبُونَ وُجُوهَهُمْ وَأَدْبَارَهُمْ وَذُوقُوا عَذَابَ الْحَرِيقِ ) ( الأنفال / 49 ـ 50 ) .
فهل يوجد سفه وسخف أشنع من هذا ؟!
التقية ، ورقة الأعراب الأخيرة !   فتاوى المراجع وتصريحاتـهم كانت ومازالت حرابا وأسنة في وجه الأعراب تمزق افتراءاتـهم وتبعثر خزعبلاتـهم ، فلم يجدوا أحدا من مراجع التقليد ومحققي الطائفة إلا نافيا لفريتهم منكلا بـها رادا وكارا على من يدعيها ، فلجأ الوهابية للرجم بالغيب والتخرصات والتكهنات ، فقالوا إن علماء الشيعة كلهم طيلة أكثر من ألف سنة قالوا بعدم التحريف تقية ! وكانت هذه التقية محكمة لدرجة أن

إعلام الخَلف بمن قال بتحريف القرآن من أعلام السّلف _ 129 _
  أحدا منهم لم يشذ فيصرح بما يكنه في صدره من الحقيقة ولو في لحظة من لحظات الغضب والعاطفة الجياشة ! بل حتى الشخصيات التي يزعم الوهابية أنـهم كانوا من كبار علماء الشيعة وتركوا التشيع لم يكشفوا ذلك الأمر الخطير ومازالوا يكتمونه !! ، فلماذا لم نجد أحدا منهم اعترف أنه كان يقول بعدم التحريف تقية حينما كان شيعيا ! .
  هذا لو سلمنا أن أحدا من علماء الشيعة ترك مذهب أهل البيت عليهم السلام ، لأن الوهابية في كل يوم يطلعوا لنا باسم رجل جديد وكتاب جديد لأحد الشيعة ، والغريب أن هذه الشخصيات التي يختلقونـها هي على الدوم من كبار مجتهدي الشيعة ومع ذلك لم يسمع بـهم ولم ينشر كتبهم إلا الوهابية ! ، وهذا كتيب لشخصية مخترعة اسمها حسين الموسوي نشره الوهابية وفيه ما يدل بوضوح على اختراع الشخصية ، فادعى الكاتب أنه مجتهد معاصر ومن علماء النجف الكبار ـ ولا ندري لماذا لم يسمع به الشيعة ؟! ـ وقد كتب اسم المؤلف بـهذا الشكل ( بقلم السيد حسين الموسوي دام ظله الشريف من علماء النجف ) وهذا أول شاهد على اختراع الشخصية لأن كل الشيعة يعلمون أن تعقيب الاسم ب‍ ( دام ظله الشريف ) لا يقال إلا للمراجع لا للمجتهدين ، وجملة ( من علماء النجف ) دليل على اختلاق الشخصية لأن كونه مجتهدا بل عالما عاديا يمنعه من ذكر هذه الجملة التي تشعر بالنكارة والإهمال ، وما أن تتصفح الكتيب حتى تفيح منه الرائحة التي تفيح من كتيبات الوهابية ، والغريب أن الشخصية مع أنـها من مجتهدي الشيعة الكبار لكنه يعبر عن أئمة أهل البيت عليهم السلام ب‍ ( رضي الله عنه ) !! ، ومن عجبي أن المجتهد الشيعي لا علم له بأعلام الشيعة المعاصرين من حوله إذ وصف السيد مرتضى العسكري حفظه الله تعالى بأنه من فقهاء الطائفة وكذا الشيخ محمد جواد مغنية رضوان الله تعالى عليه بل عبر عن الأخير ب‍ ( السيد ) ! ، قال في ص 13 : ( من فقهائنا أمثال المرتضى العسكري والسيد محمد جواد مغنية ) وهكذا عبر عن الشيخ أحمد الوائلي حفظه الله بأنه ( سيد ) !! ، وهذه أخطاء لا يقع فيها إلا من لم يسمع بمذهب أهل البيت عليهم السلام والرجال فيه فما بالك بمجتهد ! ، ثم يفاجئك المجتهد ـ ويغلب على ظني أنه أحد الوهابية- بأنـه لا يفقه ألف باء القرآن والتفسير ويخوض في عالم المغالطات خوض السمك في ماء البحر ، ولا أريد هنا استقصاء ما ذكره لأن هذا يخرجنا عن المقام تماما ولكني أريد أن أشير بعض الإشارات ، فمثلا يستدل هذا المجتهد المختلق بـهذه الآية على حرمة نكاح المتعة ( وَلْيَسْتَعْفِفْ الَّذِينَ لاَ يَجِدُونَ نِكَاحًا حَتَّى يُغْنِيَهُمْ اللَّهُ مِنْ فَضْلِهِ ) ( النور / 33 ) وقال في ص 45 : ( فلو كانت المتعة حلالا لما أمره بالاستعفاف والانتظار ريثما تتيسر أمور الزواج بل لأرشده إلى المتعة ) !! وهذا الكلام فيه مصادرة واضحة ، إذ بني الاستدلال بالآية على مفروغية عدم كون المتعة نكاحا عند كلا الطرفين !! وهذه المغالطة لا يقع فيها إلا جاهل ! فأين هذا من مجتهد ؟! ، ولم نر مجتهدا ـ وهو من له القدرة على استنباط الأحكام الشرعية ـ يعجز عن قراءة تحرير الوسيلة وهي رسالة عملية يقرأها الطلبة في أول سني دراستهم الحوزوية ! فقام المجتهد الأسطورة بتقليد الوهابية بالتقطيع والكذب في النقل فقال في معرض كلامه عن زواج المتعة ( وكان الإمام الخميني يرى جواز التمتع حتى بالرضيعة فقال : لا بأس بالتمتع بالرضيعة ضما وتفخيذا وتقبيلا . وأحال إلى تحرير الوسيلة ) ، وهاك كلام السيد الإمام رضوان الله تعالى عليه في تحرير الوسيلة الذي يوقفك على كذبه ، قال رضوان الله تعالى عليه ( ولا يجوز وطء الزوجة قبل إكمال تسع سنين دواما كان النكاح أو منقطعا ، وأما سائر الإستمتاعات كاللمس بشهوة والضم والتفخيذ فلا بأس بـها حتى في الرضيعة الخ ) فأين كلمة ( الاستمتاعات ) من كلمة ( التمتع ) التي كتبها الأسطورة وأراد منها إفهام القارئ أن المقصود هو زواج المتعة ؟! ، ثم من قال إن نص فتوى الإمام الخميني رضوان الله تعالى عليه يدل على جواز عقد نكاح المتعة على الرضيعة ؟! فإن الاستمتاع كما هو ظاهر السياق قصد به الحالة النفسية لا نوع العقد والنكاح !! وواضح أنه رضوان الله تعالى عليه لم يكن يتكلم عن زواج المتعة بل تكلم عن عقد النكاح وما يستباح به وما لا يستباح بغض النظر عن أي نحو منهما ! ولكن المجتهد الأسطورة يكذب في النقل ويقصر عن فهم الرسالة العملية !! ، ومما يثبت لنا أن المجتهد لا علم له ولا دراية بأبسط علوم الحديث عند الشيعة ، أنه لا يقبل صدور الروايات من باب التقية ويردها لأن الراوي للرواية هو أبو بصير أو زرارة رضوان الله تعالى عليهما فلا تقية حيث أن الراوي شيعي ! ـ وهذه من القرائن التي تشعرني بأن المؤلف من الوهابية وهو (عثمان.خ) لأن هذا سخف يردده الوهابي دائما في مثل هذه الموارد ـ وهذا لا يصدر عن مثقف فضلا عن عالم ناهيك عن مجتهد لأن الإمام عليه السلام قد يجيب السائل حال وجوده بين كثير من الناس ، فالتقية تكون ممن حوله من الناس لا من السائل الشيعي ، بل إن بعض الروايات مفادها أن الأئمة عليهم السلام حاولوا =>

إعلام الخَلف بمن قال بتحريف القرآن من أعلام السّلف _ 130 _
  => التفريق بين أعمال شيعتهم عن عمد وقصد في تلك الأزمنة حتى لا يجتمعوا على رأي واحد فيشتهروا به ويعرفوا عند السلطان فتقطع رؤوسهم وتفصل بينها وبين أجسادهم ، وكل هذا خفي على المجتهد !!
  وهناك الكثير من الكذب والخيانة في النقل ، وسأذكر هنا بعض الأمثلة التي تبين كذبه وخيانته ولن نناقشه في المضمون بل نشير إشارة ، ففي ص 22 قال ( عن أبي عبد الله رضي الله عنه (!) قال : أتي عمر بامرأة قد تعلقت برجل من الأنصار كانت تهواه ، فأخذت بيضة وصبت البياض على ثيابـها وبين فخذيها فقام علي فنظر بين فخذيها فاتـهمها . بحار الأنوار ج 4 ص 303 ، ونحن نتساءل هل ينظر أمير المؤمنين بين فخذي امرأة أجنبية ؟ وهل يعقل أن ينقل الإمام الصادق هذا الخبر ؟ وهل يقول هذا الكلام رجل أحب أهل البيت ؟ ) ، ولكن لو رجعنا للمصدر نفسه لوجدنا الرواية على غير ما نقلها وتلاعب بـها الوهابي خدمة لمراده !! وهذا أصلها في بحار الأنوار ج 40 ص 303 : ( عن أبي عبد الله عليه السلام قال : أتي عمر بن الخطاب بامرأة قد تعلقت برجل من الأنصار ، وكانت تـهواه ولم تقدر على حيلة ، فذهبت وأخذت بيضة فأخرجت منها الصفرة ، وصبت البياض على ثيابـها وبين فخذيها ، ثم جاءت إلى عمر فقالت : يا أمير المؤمنين إن هذا الرجل قد أخذني في موضع كذا وكذا ففضحني ، فقال : فهم عمر أن يعاقب الأنصاري ، فجعل الأنصاري يحلف وأمير المؤمنين جالس ويقول : يا أمير المؤمنين تثبت في أمري ، فلما أكثر الفتى قال عمر لأمير المؤمنين عليه السلام : يا أبا الحسن ما ترى ؟ فنظر أمير المؤمنين عليه السلام إلى بياض على ثوب المرأة وبين فخذيها فاتـهمها أن تكون احتالت لذلك ، قال : ائتوني بماء حار قد أغلى غليانا شديدا ، ففعلوا ، فلما أتي بالماء أمرهم فصبوا على موضع البياض ، فاشتوى ذلك البياض ، فأخذه أمير المؤمنين عليه السلام فألقاه في فيه ، فلما عرف طعمه ألقاه من فيه ، ثم أقبل على المرأة حتى أقرت بذلك ، ودفع الله عز وجل عن الأنصار عقوبة عمر )
  أقول : فأين ما حرفه الوهابي ( فقام علي فنظر بين فخذيها فاتـهمها ) من أصل الرواية (فنظر أمير المؤمنين عليه السلام إلى بياض على ثوب المرأة وبين فخذيها فاتـهمها أن تكون احتالت لذلك ) ؟! فيوجد فرق بين موضع النظر وموضع البياض ، نعم موضع البياض هو الثوب والفخذان ولكن موضع النظر قدره المتيقن هو الثوب ، ولكن المجتهد الأمين حرف النص على مزاجه ! ، وهذا المورد أيضا من القرائن التي تشعر بأن المؤلف هو ( عثمان خميس ) لأن هذا المورد ذكره في شريط رده على التيجاني لإثبات أن الشيعة تكره أهل البيت عليهم السلام وتشوه سمعتهم ! وما عشت أراك الدهر عجبا ، وما يزيد قوة ظني أن المجتهد الأسطورة أحال في هذا الكتيب إلى الجزء الرابع من البحار مع أنه الأربعون ونفس هذه الإحالة المخطئة ذكرها (عثمان.خ) في شريطه الذي زعم أنه رد فيه على التيجاني !! ومن البعيد جدا أن يتفق إثنان على تحريف نص رواية معينة ويحرفانـها بنفس التحريف ، ويخطئان في نقل المصدر وخطؤهما متفق عليه !!!
  ونذكر مثالا آخر من تقطيعه وخيانته ، ص26 ( عندما نقرأ في الروضة من الكافي ج8ص101 في حديث أبي بصير مع المرأة التي جاءت إلى أبي عبد الله تسأل عن أبي بكر وعمر فقال لها : توليهما ، قالت : فأقول لربي إذا لقيته أنك أمرتني بولايتهما ؟ قال : نعم ) ، وسكت الكذاب على هذا القدر وصار ينسج الأفكار ! ولو راجعنا نفس الجزء والصفحة لوجدنا لها تكملة حذفها المخادع لأنـها تدل بصراحة على أن الإمام عليه السلام يثبت أن الحق في البراءة من أبي بكر وعمر وأن كلامه السابق مع المرأة صدر تقية : ( كنت جالسا عند أبي عبد الله عليه السلام إذ دخلت علينا أم خالد التي كان قطعها يوسف بن عمر تستأذن عليه فقال أبو عبد الله عليه السلام : أيسرك أن تسمع كلامها ؟ قال : فقلت : نعم ، قال : فأذن لها ، قال : وأجلسني معه على الطنفسه قال : ثم دخلت فتكلمت فإذا امرأة بليغة فسألته عنهما ، فقال لها : توليهما ؟ قالت : فأقول لربي إذا لقيته : إنك أمرتني بولايتهما ، قال : نعم ، قالت : فإن هذا الذي معك على الطنفسة يأمرني بالبراءة منهما وكثير النوا يأمرني بولايتهما فأيهما خير وأحب إليك ؟ قال : هذا والله أحب إلي من كثير النوا وأصحابه ) ، بل إن لهذه الرواية تكملة صريحة جدا في أنـها صدرت تقية ، ففي اختيار معرفة الرجال ص 241 ح 441 : ( فلما خرجت ، قال : إني خشيت أن تذهب فتخبر كثير النوا فتشهرني بالكوفة ، اللهم إني إليك من كثير النوا برئ في الدنيا والآخرة ) ، فنحن نعذر المجتهد المختلق في جهله بالزوائد وعدم اطلاعه عليها ، ولكن كيف نعذره في التقطيع والحذف ؟!
  ثم يختم الأسطورة كتيبه هذا المسمى ( لله .. ثم للتاريخ ) بتأوهاته ونفثات صدره ويقول ص 118 : ( وعرفت أن التشيع قد عبثت به أياد خفية هي التي صنعت فيه ما صنعت كما أوضحنا في الفصول السابقة ، فما الذي يبقيني في التشيع بعد ذلك ؟ ولهذا ورد عن محمد بن سليمان عن أبيه قال : قلت لأبي عبد الله رضي الله عنه ( جعلت فداك فأنا نبزنا نبزا أثقل ظهورنا وماتت له أفئدتنا واستحلت له الولاة دماءنا في حديث رواه لهم فقهاؤهم ، قال أبو عبد الله رضي الله عنه : الرافضة ؟ فقلت : نعم ، قال : لا والله ما هم =>

إعلام الخَلف بمن قال بتحريف القرآن من أعلام السّلف _ 131 _
  => سموكم به ، ولكن الله سماكم به . روضة الكافي ج 5 ص 34 (!) . فإن كان أبو عبد الله قد شهد عليهم بأنـهم رافضة لرفضهم أهل البيت وأن الله تعالى سماهم به فما الذي يبقيني معهم ؟ )
  أقول : وكيف تبقى مع الذهب المصفى وهذه النفس بين جنبيك ؟! ولننقل الرواية كما هي في روضة الكافي ليبين كذبه وتحريفه لمعنى الرواية لأن الإمام الصادق عليه السلام كما في أصل الرواية كان في مقام المدح والثناء العظيم على الشيعة لا كما قطّعها الكذاب فقال إن الله سمى الشيعة بالرافضة لأنـهم رفضوا أهل البيت عليهم السلام !! ، روضة الكافي ج 8 ص 34 : ( قلت : جعلت فداك فإنا قد نبزنا نبزا انكسرت له ظهورنا وماتت له أفئدتنا واستحلت له الولاة دماءنا في حديث رواه لهم فقهاؤهم ، قال : فقال أبو عبد الله عليه السلام : الرافضة ؟ قال : قال : قلت : نعم ، قال : لا والله ما هم سموكم ولكن الله سماكم به ، أما علمت يا أبا محمد أن سبعين رجلا من بني إسرائيل رفضوا فرعون وقومه لما استبان لهم ضلالهم فلحقوا بموسى عليه السلام لما استبان لهم هداه فسموا في عسكر موسى الرافضة لأنـهم رفضوا فرعون وكانوا أشد أهل ذلك العسكر عبادة وأشدهم حبا لموسى وهارون وذريتهما عليهما السلام فأوحى الله عز وجل إلى موسى عليه السلام أن أثبت لهم هذا الاسم في التوراة فإني قد سميتهم به ونحلتهم إياه ، فأثبت موسى عليه السلام الاسم لهم ثم ذخر الله عز وجل لكم هذا الاسم حتى نحلكموه ، يا أبا محمد رفضوا الخير ورفضتم الشر ، افترق الناس كل فرقة وتشعبوا كل شعبة فانشعبتم مع أهل بيت نبيكم صلى الله عليه وآله وذهبتم حيث ذهبوا واخترتم من اختار الله لكم وأردتم من أراد الله فابشروا ثم ابشروا ، فأنتم والله المرحومون المتقبل من محسنكم والمتجاوز عن مسيئكم ، من لم يأت الله عز وجل بما انتم عليه يوم القيامة لم يتقبل منه حسنة ولم يتجاوز له عن سيئة … الخ ) ، فأين هذا مما قاله الكذاب الأشر ؟!
  وقد كذب الوهابي أقصد المجتهد المختلق على السيد الخوئي رضوان الله تعالى عليه بأنه ذكر له شخصيا هذه الرواية ( عن زرارة قال : سألت أبا عبد الله عليه السلام عن التشهد ؟ فقال : أشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له وأشهد أن محمدا عبده ورسوله ، قلت التحيات والصلوات ؟ قال التحيات والصلوات فلما خرجت قلت : إن لقيته لأسألنه غدا ، فسألته من الغد عن التشهد ، فقال كمثل ذلك قلت : التحيات والصلوات ؟ قال : التحيات والصلوات ، قلت : ألقاه بعد يوم لأسألنه غدا فسألته عن التشهد : فقال كمثله ، قلت التحيات والصلوات ؟ قال : التحيات والصلوات ، فلما خرجت ضرطت في لحيته وقلت لا يفلح أبدا ) .
  فعلق الكذاب عليها في ص28 ( وحتى الإمام الخوئي لما شرع في تأليف كتابه الضخم معجم رجال الحديث فإني كنت أحد الذين ساعدوه في تأليف هذا السفر وفي جمع الروايات من بطون الكتب ، ولما قرأنا هذه الرواية على مسمعه أطرق قليلا ثم قال : لكل جواد كبوة ولكل عالم ـ يقصد زرارة ـ هفوة ، ما زاد على ذلك ) ، مع أنك لو راجعت معجم رجال الحديث للسيد رضوان الله تعالى عليه لعلمت أن السيد الخوئي يضرب بـهذه الرواية وأمثالها عرض الجدار ! قال رضوان الله تعالى عليه في معجم رجال الحديث ج 8 ص 245 ( أقول : لا يكاد ينقضي تعجبي كيف يذكر الكشي والشيخ هذه الروايات التافهة الساقطة غير المناسبة لمقام زرارة وجلالته والمقطوع فسادها ، ولاسيما أن رواة الرواية بأجمعهم مجاهيل ) ، ومع ذلك يقول لك الكذاب أنه ساعد في تأليف معجم رجال الحديث !!
  وفي ثنايا الكتيب فضح الله عز وجل المختلق ودانه بيده وكذبه أمام الناس فقد ذكر أنه التقى بالسيد دلدار علي رضوان الله تعالى عليه في الهند ، فقال في ص107 ( وفي زيارتي للهند التقيت السيد دلدار علي فأهداني نسخة من كتابه أساس الأصول الخ ) ولكن الكاتب لم يحبك القصة الشيقة لأن السيد دلدار علي رضوان الله تعالى عليه توفي سنة 1235 للهجرة !! وعلى هذا يجب أن يكون عمر هذا الكذاب الآن أكثر من مائتين سنة حتى يستطيع أن يدرك دلدار علي !! ، قال آقا بزرگ الطهراني في الذريعة ج 2 ص 4 : ( أساس الأصول ، للعلامة السيد دلدار علي بن محمد معين النقوي النصير آبادي اللكهنوي المجاز من آية الله بحر العلوم والمتوفى سنة 1235 ) ، ولكن حسب هذا وأمثاله أن الله عز وجل لن يظهر كذبـه وأن دجله سينطلي على الناس ! قال تعالى ( وَيَمْكُرُونَ وَيَمْكُرُ اللَّهُ وَاللَّهُ خَيْرُ الْمَاكِرِينَ )( الأنفال / 30 ).
  والملاحظ أن كل الشخصيات التي حاول المختلق تجريحها في كتبيه ووصمها بالزنا واللواط والسرقة والفحش وإلى غير ذلك من الأمور الشنيعة هي شخصيات تصدت لطمس وزعزعة أركان الوهابية أمثال السيد شرف الدين والشيخ محمد حسين آل كاشف الغطاء والسيد مرتضى العسكري والشيخ محمد جواد مغنية والشيخ لطف الله صافي ومن المراجع الإمام الخميني والسيد الخوئي والسيد السيستاني رضوان الله تعالى عليهم أجمعين وأسكنهم فسيح جناته ، وهؤلاء العظام من المؤكد أن الوهابية تعلم بأسمائهم وكل هذه الشخصيات ـ غير المراجع العظام ـ التي ذكرت في الكتيب فيها صفة مشتركة وهي العداء والحقد الذي تكنه الوهابية لهم ! =>

إعلام الخَلف بمن قال بتحريف القرآن من أعلام السّلف _ 132 _
  وهذا لعمري آخر حلم الوهابية ، فالعلم بما تكنه الصدور وتقر به القلوب لا يعلمه إلا الله عز وجل ومن أذن له ، فأنّا لهم العلم ـ سواء هم أو غيرهم من الشيعة ـ بما تخفيه الصدور ؟! أم كيف يركن عاقل لدعوى بلا دليل أو برهان قائمة على تخرصٍ وادعاء ؟!
  وتنبّه أحد علماء أهل السنة لسخافة ما قاله الوهابية وتشبثهم بقشة التقية ، فدفع هذه الشبهة التي يردّدها أصحاب الموقف الخاسر في معركة الافتراء والتكفير ، فقال :
  ( إنـه لا يـجوز شرعـا لأحد من الـمسلمين أن يرد ما جـاء في كتب الـشيعة مـن روايات تـبطل القول بـتحريـف الـقرآن وتؤكد وحدة المصدر النبوي للتشريع ، بادعاء أن أصحاب هذه الأقوال قالوها من باب التقية لأن النبي صلى الله عليه (وآله) وسلم قد وضع الحكم القاطع في ذلك في جوابه على أسامة بن زيد عندما قتل مشركا كان قد أعلن إسلامه و تعلل الصحابي أسامة بأن المشرك نطق بالشهادة متعوذا بـها من السيف فقال النبي ( أفلا شققت عن قلبه حتى تعلم أقالها أم لا ) وأيضا قول النبي خالد بن الوليد ( أني لم أؤمر أن أنقب في قلوب الناس ولا أشق بطونـهم ) ) (1) .
  هذا الكلام ينتفع به من يقيم للموازين الشريعة والعلمية وزنـها ، ولا نظن أن من فتح كل دكة ودكان للافتراء والبهتان يلتفت لهذا الأمر !
  => فإن كان هذا الأفاك يلج بحار الكذب بـهذه الصورة الفاضحة ، ويخادع ويقطع النصوص ثم يحيلك إلى المصدر لتعلم أنه كذاب ، فالأحرى به أن يكذب في كل قصصه عديمة الأدب التي نسجها من عندياته يريد النيل من شخصيات المراجع والمجتهدين العظام رضوان الله تعالى عليه !
  وهذه الكتيبات التي ينشرها الوهابية شاهد حق على أن الوهابية أعجزتـهم الحيلة فصاروا يبتكرون الأساليب الخبيثة والطرق الملتوية لتشويه المذهب الحق والضحك على عقول الناس ، ولو كان عندهم شيء يمكن أن يقبله العقل المستقيم لأبانوه ، ولكن حالهم كما ترى!
  ملاحظة : في هذا الكتيب ( لله … ثم للتاريخ ) يوجد تقديم وتـهيئة من الكاتب لاختلاق شخصية شيعية جديدة باسم السيد عباس وأنه سيكتب ـ هذا المختلق الجديد ـ كتابا فيه فضائح الحوازة العلمية في النجف ، قال ص 56 ( حتى أن صديقنا المفضال السيد عباس جمع حوادث كثيرة جدا ودونـها بتفاصيلها وتواريخها وأسماء أصحابـها ، وهو ينوي ـ بل الوهابية ينوون ـ إصدارها في كتاب أراد أن يسميه فضائح الحوزة العلمية في النجف ، لأن الواجب كشف الحقائق للعوام من الشيعة أولئك المساكين الذين لا يعلمون ما يجري وراء الكواليس ، ولا يعلمون ما يفعله السادة فيرسل أحدهم امرأته أو بنته أو أخته لغرض الزيارة أو لطلب الولد أو لتقديم مراد للحسين فيستلمها السادة وخاصة إذا كانت جميلة لينجروا بـها ويفعلوا بـها كل منكر ، ولا حول ولا قوة إلا بالله ) .
  أقول : ليتهيأ الشيعة الكرام لمزيد من الضحك مع الكتيب الخطير !!

--------------------
(1) السنة المفترى عليها ص 61 ط 1979 ، ويختم الدكتور البهنساوي هذا الفصل في كتابه بمقتطع عنوانه ( حوار حول دعوى تحريف الشيعة للقرآن) وقد أورد فيه رسالة بعثها الدكتور إلى الشيخ محمد مهدي الآصفي حفظه الله يسأله عن صحّة ما كتبه (إ.ظ) و(م.خ) وغيرهما من كتب تذهب إلى أن لدى الشيعة مصحفا ليس فيه من مصحفنا حرف واحد ، وقد أجابه الشيخ الآصفي برسالة طويلة يبيّن فيها افتراء هؤلاء الناس وتجنّيهم على الشيعة وبين فيها عقيدة الإمامية في القرآن الكريم واستعرض فيها بعض الروايات وبـيّن ضعف سندها ، وهذه الرسالة كتبها البهنساوي كاملةً في كتابه السنة المفترى عليها ص66 ، ومن يهمّه الحق ويميل لمعرفته فليراجعها هناك .

إعلام الخَلف بمن قال بتحريف القرآن من أعلام السّلف _ 133 _
ختام البداية !
  ولنسألهم بعد كل هذه المعمعة من التكفير ، والتبديع ، وفلان قال أو لم يقل ، هل انفرد الشيعة الإمامية بوجود بضع نفر قالوا بتحريف القرآن ؟ ، ولكي نجيب على هذا السؤال وتتضح الحقيقة ، آثرنا أن نعقد الأبحاث الآتية التي نخلص منها إلى أن الأحرى والأجدر هو نسبة التحريف لمذهب أهل السنة بمبانيهم ورواياتـهم التي اعتمدوها وتبنوها وساروا عليها ، فلا تكاد ترى عيناك مسندا أو مصنفا إلا وفيه سقوط آيات وضياع قرآن وإنكار لقراءة آية في المصحف ، بل إن أقوال علمائهم صريحة في سقوط الآيات وضياعها وفقدان كثير من القرآن بعد وفاة النبي صلى الله عليه وآله وسلم ، وقد اعترف أكابر علمائهم أن من الصحابة والتابعين من كان يدين لله بتحريف القرآن ، ناهيك عن علوم القرآن التي يستفاد منها وقوع التحريف وسنبدأ بـها ثم نختم بالتحريف الصريح وأقوال وأسماء أكابر سلفهم الذين ذهبوا للقول بتحريف القرآن ، فلنبدأ بحول الله وقوته بالبسملة ومن قبلها ( فَاسْتَعِذْ بِاللَّهِ مِنْ الشَّيْطَانِ الرَّجِيمِ ) ( النحل / 98 ) .

إعلام الخَلف بمن قال بتحريف القرآن من أعلام السّلف _ 134 _
الفصل الثاني :أهل السنة وتحريف القرآن
القسم الأول : تحريف القرآن غير الصريح
  لا ينكر أحد من أهل العلم أثر علوم القرآن في فهم نصوصه واستنباط أحكامه ، فالناسخ والمنسوخ وأسباب النـزول لهما مدخلية في بيان مراد الله عز وجل من الآيات ، وليس هذا موضوع البحث ، وإنما الكلام هنا عن الأثر الذي تضفيه العلوم القرآنية على نفس كلماته وألفاظه دون التعدي إلى مداليلها وما يستفاد منها ، وبعبارة أخرى سنقصر النظر في هذه المطالب على خصوص ما تمليه علوم القرآن عند الفريقين من سلامة ألفاظه من التحريف بالزيادة أو النقص في مادتـها .
* المستفاد من نتيجة البحث في علوم القرآن :
  ومع استعراض جزئيات مباحث علوم القرآن التي تمس صيانة القرآن من التحريف يتضح لنا من هو الأجدر بنسبة تـحريف القرآن لمعتقده ، فالكلام كله دائر مدار المرتكزات في كل من مذهب آل البيت عليهم السلام ومذهب أهل السنة ، والمستفاد من هذه الأبحاث الاطلاع على التحريف بثوبه العام المتجسد بمباحث علوم القرآن التي بـها يقع القرآن بكامله وبجميع نصوصه تحت مطرقة وسندان ما زج به في علوم القرآن ، فلو استفيد التحريف من تلك العلوم فإن كل آيات القرآن بلا استثناء تزحزح عن مقامها الراسخ ويسفّ بـها إلى حضيض عالم التشكيك والتبديل ، لأن علوم القرآن المبحوثة هنا لا تمس آية دون أخرى .
  ولا يلزم من نسبة قولا ما لأي مذهب أن جميع من انتسب لهذا المذهب قد قال به ، فنحن لا جرم نتنـزه عن أسلوب الوهابية هذا ، فلا نجحف بمن خالف القول السائد ، بل سننقل أقوال بعض المخالفين له ، نعَم النسبة تكون للعموم والمتعارف فيما بينهم أي النسبة للأغلب لا الكل ، وهذا نلتزم به مع السنة والشيعة على حد سواء .

إعلام الخَلف بمن قال بتحريف القرآن من أعلام السّلف _ 135 _
  وأوّل هذه المباحث ترتيبا هو الكلام في الأحرف السبعة ومن ثم جمع القرآن ومن بعده القراءات القرآنية وآخرها هو نسخ التلاوة .

المبحث الأول : الأحـــرف الســـبـعـة
  موضوع الأحرف السبعة من المواضيع الشائكة ، ومن استرق السمع في ميدان الأخذ والرد فيها يستشعر ملالة الموضوع وطول نفس من خاض فيه ، لا لأن ماهيته غير محددة فقط ، بل لأن بعض من خاضوا فيه تكلموا بآرائهم الشخصية بعيدا عن الأدلة ومقتضى القواعد العلمية ، فراج سوق من لا يملك سوى التقول على الله عز وجل بغير علم والجزم بلا تحرّج !
  ومن الواضحات التي لا تحتاج إلى إطالة أن علوم القرآن لها أثر بالغ في إثبات نزاهة القرآن الكريم وقداسته ، وأهمها مقامنا هذا لما سيثمر عنه من نتائج وآراء ، إذ هي طاعنة بقداسة القرآن الكريم في الصميم ، وباختصار فإن علوم القرآن التي نسبتها روايات بعض الفِرق ومشوا في ظلامها صارت حجر عثرة ووصمة عار في جبين القرآن ، للأسف .
أولا : أهل السنة ومعنى الأحرف السبعة
ما هي الأحرف السبعة ؟
  هذا السؤال معضلٌ ومتشابك الأطراف لكثرة تضاربـهم في تحديد ماهية تلك الأحرف السبعة ، وبنظرة عابرة في كتب علوم القرآن نجد أن كتـّابـهم قبل أن يخوضوا في هذا المبحث يمهّدون بمقدمة مفادها أن هذا البحث مؤذٍ والخوض فيه ليس من السهولة بمكان ، ومعهم الحق في ذلك .
  وعلى أي حال فإن هذه المباني من علوم القرآن وغيرها ليست من المباني العقلية التي يصح للعقل البت فيها منفردا عن النصوص الشرعية ، فهي تأسيس من الشريعة لذلك يلزم مراجعة رأي

إعلام الخَلف بمن قال بتحريف القرآن من أعلام السّلف _ 136 _
  الشارع عز وجل في تحديد ماهيتها ، فالحكم الفصل في المسألة هي النصوص الشرعية وإلا نقف متحيرين .
  وبما أن النصوص الشرعية تدور في فلك الآيات والأحاديث ، استقرأنا آيات القرآن فلم نجد أي دليل فيها يشير من قريب أو بعيد إلى المطلوب ، فتعين لنا الشق الآخر وهي الروايات .
  وبعد الوقوف على نوع الدليل المعول عليه في إجابة السؤال المطروح عن ماهية الأحرف السبعة ، نقول إن النظر في مدلول روايات أهل السنة حول الأحرف السبعة ينادي بإبـهام وغموض ماهية الأحرف السبعة ، وهاك تفصيل الكلام .
* السبب في إبـهام ماهية الأحرف السبعة .
  كان سبب دخول الأحرف السبعة في حيز علوم القرآن وجود بعض الروايات في صحاح أهل السنة ، فمفهوم الأحرف السبعة استفاض نقله من طرقهم عن الرسول صلى الله عليه وآله وسلم ، بل ادّعى تواتر رواياتـها أبو عبيد بن سلام في فضائل القرآن وردّ عليه الأستاذ الزرقاني في مناهله فقال :
  ( وكأن هذه الجموع التي يؤمن تواطؤها على الكذب هي التي جعلت الإمام أبا عبيد بن سلاّم يقول بتواتر هذا الحديث ، لكنك خبير بأن من شروط التواتر توافرَ جمعٍ يُؤمن تواطؤهم على الكذب في كل طبقة من طبقات الرواية ، وهذا الشرط إذا كان موفوراً هنا في طبقة الصحابة كما رأيت فليس بموفور لدينا في الطبقات المتأخرة ) (1) .
  وكان من الطبيعي حال ورود هذه الكثرة من الروايات أن يحدد بـها معنى الأحرف السبعة ، ولكن يا حسرة ! تلك الروايات غير متفقة في المعنى وتضاربـها على أشده سواء أكان في تحديد معناها أو في عدد الأحرف نفسها حتى أشكل المقصود منها على كثير من علمائهم وتاهوا في دوامة تلك الأحرف .
  إذن فعلة الإبـهام هو قصور الأدلة ، ولنذكر هنا مناقشة معنى تلك الروايات ، والمناقشة ستكون على ثلاثة محاور :

--------------------
(1) مناهل العرفان للأستاذ الزرقاني ج 1 ص 132 ط الحلبي الثالثة .

إعلام الخَلف بمن قال بتحريف القرآن من أعلام السّلف _ 137 _
المحور الأول : اختلاف الروايات في عدد الأحرف
  ( حرفٌ واحد )
  - كنـز العمال : ( أتاني جبريل فقال : اقرأ القرآن على حرفٍ واحد ) (1) .
  ( ثلاثة أحرف )
   ـ المستدرك على الصحيحين : ( عن سمرة رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وآله قال : أنزل القرآن على ثلاثة أحرف ) (2) .
   ـ كنـز العمال : ( أنزل القرآن على ثلاثة أحرف فلا تختلفوا فيه ، ولا تحاجوا فيه فإنه مبارك كله فاقرؤوه كالذي أقريتموه ) (3) .
  ( أربعة أحرف )
   ـ كنـز العمال : ( أنزل القرآن على أربعة أحرف : حلالٌ وحرام ، لا يعذر أحد بالجهالة به ، وتفسير تفسره العرب ، وتفسير تفسره العلماء ، ومتشابه لا يعلمه إلا الله ، ومن ادعى علمه سوى الله فهو كاذب ) (4) .
  ( خمسة أحرف )
   ـ تفسير الطبري : ( عن عبد الله بن مسعود قال : إن الله أنزل القرآن على خمسة أحرف : حلالٌ وحرام ومحكم ومتشابه وأمثال فأحل الحلال وحرّم الحرام واعمل بالمحكم وآمن بالمتشابه واعتبر بالأمثال ) (5) .

--------------------
(1) كنـز العمال ج 2 ص 54 ح 3090 ( ابن منيع عن سليمان بن صرد ) .
(2) المستدرك على الصحيحين ج 2 ص 233 وعلّق عليه الحاكم ب‍ ( قد احتج البخاري برواية الحسن عن سمرة و احتج مسلم بأحاديث حماد بن سلمة وهذا الحديث صحيح وليس له علّة ) ، و مسند أحمد ج 5 ص 22 .
(3) كنـز العمال ج 2 ص 53 ح 3088 ( ابن الضريس عن سمرة ) و ح3087 ( حم ، طب ، ك عن سمرة ) .
(4) كنـز العمال ج 2 ص 55 ح 3097 ( ابن جرير وأبو نصر السجزي عن ابن عباس وقال ابن جرير : في إسناده نظر ، ورواه ابن جرير وابن المنذر وابن الأنباري في الوقف عن ابن عباس ) .
(5) تفسير الطبري ج 1 ص 24 ط دار الحديث .

إعلام الخَلف بمن قال بتحريف القرآن من أعلام السّلف _ 138 _
  ( سبعة أحرف )

إعلام الخَلف بمن قال بتحريف القرآن من أعلام السّلف _ 139 _
  حيح البخاري ومسلم : ( عن عبد الرحمن بن عبد القاري أنه قال : سمعت عمر بن الخطاب رضي الله عنه يقول : سمعت هشام بن حكيم بن حزام يقرأ سورة الفرقان على غير ما أقرأها وكان رسول الله صلى الله عليه (وآله) وسلم أقرأنيها ، وكدت أعجل عليه ثم أمهلته حتى انصرف ثم لببته بردائه فجئت به رسول الله صلى الله عليه (وآله) وسلم فقلت : إني سمعت هذا يقرأ على غير ما أقرأتنيها ، فقال لي : أرسله ، ثم قال له : أقرأ ، فقرأ ، قال : هكذا أنزلت ، ثم قال لي : اقرأ ، فقرأت ، فقال : هكذا أنزلت ، إن القرآن أنزل على سبعة أحرف فاقرؤوا ما تيسر ) (1) .
   ـ مستدرك الحاكم : ( عن ابن مسعود رضي الله عنه عن رسول الله صلى الله عليه (وآله) وسلم قال : نزل الكتاب الأول من باب واحد على حرف واحد ، ونزل القرآن من سبعة أبواب على سبعة أحرف ) (2) .
  ( عشرة أحرف )
   ـ كنـز العمال : ( أنزل القرآن على عشرة أحرف ، بشير ونذير وناسخ ومنسوخ وعظة ومثل وحكم ومتشابه وحلال وحرام ) (3) .
  وهذا أول وجه من وجوه التضارب في الأدلة ، ولا قيمة لرأي دون رأي المشرع في التوقيفيات ، لذا لا يعترض بأن أهل السنة اتفقوا على أنـها سبعة أحرف ، لأن بعضها تدعي خلاف ذلك وهي صحيحة السند .

--------------------
(1) صحيح البخاري ج 3 ص 90 و ج 6 ص 100 و ج 6 ص 111 و ج 8 ص 54 و ج 8 ص 215 ، صحيح مسلم ج 2 ص 22 ، سنن أبي داود ج 1 ص 331 ، مسند أحمد ج 1 ص 24 و ص 43 ، سنن النسائي ج 2 ص 151 ، السنن الكبرى ج 2 ص 145 و ص 383.
(2) المستدرك على الصحيحين ج 1 ص 553 وعلق عليه ( هذا حديث صحيح الإسناد ولم يخرجاه ) و أخرجه باختلاف يسير في ج 2 ص 290 ، وفي كنـز العمال ج 1 ص 549 و ص 553.
(3) كنـز العمال ج 2 ص 16 ح 2956 ( السجزي عن علي ) .

إعلام الخَلف بمن قال بتحريف القرآن من أعلام السّلف _ 139 _
المحور الثاني : التضارب في معنى الحرف
اختلفت الروايات في المقصود من الحرف إلى معنيين :   المعنى الأول : نزول آيات القرآن على سبعة أشكال مترادفة في المعنى ويدل على هذا المعنى الغريب كثيـرٌ من الروايات الصحيحة في مصنفات أهل السنة ، وهو الرأي المشهور بين علماء أهل السنة ، ولننقل هنا الروايات عليه :
   ـ ( عن سليمان بن صرد عن أبي بن كعب قال : قرأت آية وقرأ ابن مسعود قراءة خلافها فأتينا النبي صلى الله عليه (وآله) وسلم فقلت : ألم تقرأني آية كذا وكذا ؟ قال ابن مسعود : ألم تقرأنيها كذا وكذا ؟ قال : بلى ، قال : كلاكما محسن مجمل ، قلت : ما كلانا أحسن ولا أجمل ! فضرب في صدري وقال : يا أُبي ! أقرئت القرآن ، فقيل لي : على حرف أم على حرفين ؟ فقال الملك الذي معي : على حرفين ، فقلت على حرفين ؟ فقيل لي : على حريفين أم ثلاثة ؟ فقال لي الملك : الذي معي على ثلاثة ، فقلت : ثلاثة ؟ حتى بلغ سبعة أحرف ، قال : ليس فيها إلا شاف كاف ، قلت : غفور رحيم ، عليم حليم ، سميع عليم ، عزيز حكيم ) (1) .
   ـ ( أتاني جبريل فقال : إن الله يأمرك أن تقرئ أمتك على حرف ، فقلت : أسأل الله معافاته ومغفرته فإن أمتي لا تطيق ذلك ، ثم أتاني ثانية فقال : إن الله يأمرك أن تقرئ أمتك القرآن على حرفين ، فقلت : أسأل الله معافاته ومغفرته وإن أمتي لا تطيق ذلك ، ثم جاءني الثالثة فقال لي : إن الله يأمرك أن تقرئ أمتك القرآن على ثلاثة أحرف ، فقلت أسأل الله معافاته ومغفرته وإن أمتي لا تطيق ذلك ، فجاءني الرابعة فقال : إن الله يأمرك أن تقرئ أمتك القرآن على سبعة أحرف فأيـما حرف قرؤوا عليه فقد أصابوا ) (2) .

--------------------
(1) السنن الكبرى للبيهقي ج 2 ص 384 ، مسند أحمد ج 5 ص 124 ، سنن أبي داود ج 1 ص 332 باختلاف يسير ، وفي كنـز العمال ج2 ص52 ح3080 وص 603 .
(2) كنـز العمال ج 2 ص 50 ح 3074 ( د ، ن عن أبي بن كعب ) .

إعلام الخَلف بمن قال بتحريف القرآن من أعلام السّلف _ 140 _
   - ( عن أبي بكرة عن أبيه عن النبي صلى الله عليه (وآله) وسلم قال أتاني جبرئيل وميكائيل عليهما السلام فقال جبريل عليه السلام اقرأ القرآن على حرف واحد فقال ميكائيل استزده فقال اقرأه على سبعة أحرف كلها شاف كاف ما لم تـختم آية رحمة بعذاب أو آية عذاب برحمة ) (1) .
  ورواية أخرى عن أبي بكرة توضح مقصود السابقة : ( قال ـ صلى الله عليه وآله وسلم ـ : كل شاف كاف ما لم تـختموا آية عذاب برحمة أو آية رحمة بعذاب نحو قولك تعال ، وأقبل ، وهلم ، واذهب ، وأسرع ، وأعجل ) (2) .
  هذه الروايات تعطي للأحرف السبعة معنى صريحا لا يقبل التأويل ، وهو إمكان قراءة القرآن بألفاظ متعددة متغايرة على سبعة أنحاء وكلها من القرآن ، وقد ذهب لهذا الرأي جمهور علمائهم سلفا وخلفا وسيأتي ذكر بعض منهم بإذنه تعالى ، وعلى أي حال فرواياتـهم في هذا المعنى صريحة .
  المعنى الثاني : الآيات القرآنية مدارها على سبعة مضامين ذكرت بعض رواياتـهم في معنى الأحرف السبعة أن آيات القرآن مفرزة إلى سبعة أقسام من المعاني والمضامين ، وكما ترى فإن هذا المعنى متضارب مع المعنى السابق ومباين له ، ولا بأس باستعراض شيء منها :
   ـ ( عن ابن مسعود رضي الله عنه عن رسول الله صلى الله عليه وآله قال : نزل الكتاب الأول من باب واحد على حرف واحد ، ونزل القرآن من سبعة أبواب على سبعة أحرف : زاجراً ، وآمراً ، وحلالاً ، وحراماً ، ومحكماً ، ومتشابـهاً ، وأمثالاً فأحلوا حلاله و حرموا حرامه وافعلوا ما أمرتم به وانتهوا عما نـهيتم عنه واعتبروا بأمثاله وعملوا بمحكمه وآمنوا بمتشابـهه و قولوا أمنا به كل من عند ربنا ) (3) .
   ـ ( عن عوف بن أبي قلابة قال بلغني أن النبي صلى الله عليه (وآله) وسلم قال أنزل القرآن على سبعة أحرف : أمر وزجر وترغيب وترهيب وجدل وقصص ومثل ) (4) .

--------------------
(1) مسند أحمد ج 5 ص 41 .
(2) مسند أحمد ج 5 ص 51 .
(3) المستدرك على الصحيحين ج 1 ص 533 و علق عليه ب‍ ( هذا حديث صحيح ولم يخرجاه ) ، و أخرجه الحاكم في ج 2 ص 290 بزيادة ( وما يذكر إلا أولو الألباب ) ، والطبري في تفسيره ج 1 ص 23 ط دار الحديث سنة 1987 ، كنـز العمال ج 1 ص 549 و ص 553 .
(4) تفسير الطبري ج1ص21 ، وعنه في الكنـز العمال ج 2 ص 5 ح 3097 .

إعلام الخَلف بمن قال بتحريف القرآن من أعلام السّلف _ 141 _
  وباقي الروايات التي تبين هذا المعنى من الأحرف قد مرت سابقا وكان فيها بدلا عن سبعة أحرف خمسة وعشرة وأربعة أحرف ، فلا نعيدها .
  إذن تحصل إلى هنا أن الأحرف في روايات الطائفة الأولى تعني إمكانية تغيير ألفاظ الآيات لمعانيها المترادفة ، وأما روايات الطائفة الثانية فتفيد أن آيات القرآن مقسّمة إلى حرام وحلال … إلخ ، والقسم الأول على ضوئه تتغير كلمات القرآن وتكون بحالة عائمة متغيّرة تبعا لمزاج القارئ بشرط أن لا يغير المعنى السياقي للآيات ، وأما القسم الثاني ففيه ثبوتٌ لألفاظ القرآن كما هو الآن ولكن آياته مفرزة لمعان متعددة ، وشتّان ما بينهما .
المحور الثالث : التضارب في مدلول نفس الروايات المتفقة في المعنى
  والملاحظ أن التضارب امتد إلى نفس الروايات التي اعتمدها أهل السنة لبيان معنى الأحرف السبعة وهي الروايات التي تتحدث عن إمكانية قراءة الآية بأكثر من شكل ! ، إذ لم تتفق الروايات في كيفية زيادة الأحرف حرفا بعد حرف حتى بلغت سبعة أحرف، مما يجعل تلك الروايات عرضة لسهام الشك والترديد وهذا يحول دون قبولها على علاتـها.
* بيان التضارب فيما ذكرناه من الروايات :
  بلحاظ الروايات السابقة نجد أن رواية البيهقي تقول إن الاختلاف حدث أول الأمر بين أبي بن كعب وابن مسعود وأن الرسول صلى الله عليه وآله وسلم حسَّن قراءتـهما معا ، وأن ملكا جاء إليه صلى الله عليه وآله وسلم وخيّره بين أن يقرأ القرآن على حرف أو على حرفين ، فكان الملك الآخر يرشد النبي صلى الله عليه وآله وسلم ليختار الأكثر حتى بلغ سبعة أحرف .
  وأما رواية مسند أحمد ففيها أن الملكين هما جبرئيل وميكائيل عليهما السلام ، ولكن جبرئيل عليه السلام لم يخيّر الرسول صلى الله عليه وآله وسلم وإنما أمره بالقراءة على حرف مباشرةً وأن ميكائيل عليه السلام لم يخاطب النبي صلى الله عليه وآله وسلم بل وجّه أمره إلى جبرئيل نفسه حتى بلغ جبريل سبعة أحرف ، وهذا مغاير لما رواه البيهقي !

إعلام الخَلف بمن قال بتحريف القرآن من أعلام السّلف _ 142 _
  وأما رواية كنـز العمال ففيها أن جبرئيل كان بمفرده بدون ذكر لميكائيل ، وأن الرسول صلى الله عليه وآله وسلم هو الذي طلب الرخصة بقراءة القرآن على أحرف متعددة للتوسعة على الأمة لأن الأمة لا تقدر على قراءته على حرف واحد ، وفيها أيضا أن جبريل كان ينطلق ويعود ثلاث مرّات ثم جاء في الرابعة فاستزاده دفعة واحدة من أربعة أحرف إلى سبعة !
  ومن ثم نجده متناقضا مع ما رواه أحمد في بسنده عن أبي بن كعب : ( فقال رسول الله صلى الله عليه (وآله) وسلم : يا أبي ! أن ملكين أتياني فقال أحدهما : اقرأ على حرف ، فقال الآخر : زدني ، قال : اقرأ على حرفين ، فقال الآخر : زده ، فقلت : زدني ، قال : اقرأ على ثلاثة ، فقال الآخر : زده ، فقلت : زدني ، قال : اقرأ على أربعة أحرف ، قال الآخر : زده ، قال : اقرأ على خمسة أحرف ، قال الآخر : زده ، قلت : زدني ، قال : اقرأ على ستة ، قال الآخر : زده ، قال : اقرأ على سبعة أحرف ، فالقرآن أنزل على سبعة أحرف ) (1) .
  ففيها أن الزيادة كانت من جبريل بإشارة من ميكائيل وكانت الزيادة بالتدريج حرفاً إثر آخر من حرف واحد إلى أن أتم سبعة أحرف .
  وفي رواية أخرى في كنـز العمال : ( إن ربي أرسل إلي أن اقرأ القرآن على حرف ، فرددت إليه أن هوّن على أمتي ، فأرسل إليّ أن اقرأه على حرفين ، فرددت إليه أن هوّن على أمتي ، فأرسل إلي أن اقرأه على سبعة أحرف ) (2) .
  وهي تدل على أن الزيادة كانت بدعاء وطلب من الرسول صلى الله عليه وآله وسلم لا أن الملكين خيّراه أو أن الله عز وجل طلب منه ذلك !
  وكل هذا الاضطراب في النقل يتناقض بالجملة مع ما رواه الترمذي في سننه عن نفس أبي بن كعب الذي رويت عنه المتناقضات قال : ( لقي رسول الله صلى الله عليه (وآله) وسلم جبرئيل فقال : يا جبرئيل ! إني بعثت إلى أمة أمييّن ، منهم العجوز والشيخ الكبير والغلام والجارية والرجل الذي لم يقرأ كتاباً قط ، قال : يا محمد ! إن القرآن أنزل على سبعة أحرف ) (3) .

--------------------
(1) مسند أحمد ج 5 ص 124 .
(2) كنـز العمال للمتقي الهندي ج 2 ص 51 ح 3076 .
(3) سنن الترمذي ج 4 ص 263 .

إعلام الخَلف بمن قال بتحريف القرآن من أعلام السّلف _ 143 _
  والمستفاد منها أن الرسول صلى الله عليه وآله وسلم شكا لـجبريل حال أمّته بأن فيهم الشيخ الكبير والعجوز والغلام فأخبر جبريل النبي صلى الله عليه وآله وسلم بأن القرآن قد نزل مسبقا على سبعة أحرف ، وعلى هذا ، أين ذهبت زده ، فزادني ، فازددت ؟!
  وبمضمون رواية الترمذي روى أحمد بن حنبل في مسنده عن حذيفة : ( إن رسول الله صلى الله عليه (وآله) وسلم قال : لقيت جبريل عليه السلام عند أحجار المراء ، فقال : يا جبريل ! إني أرسلت إلى أمة أمية الرجل والمرأة والغلام والجارية والشيخ الفاني الذي لا يقرأ كتابا قط . فقال : إن القرآن نزل على سبعة أحرف ) (1) .
  ثم تأتي رواية أخرى تنسف مضمون كل هاتيك الروايات فتصدمها من الأساس ، ورويت عن نفس حذيفة ! وتسرد نفس الحادثة وهي لقاء الرسول صلى الله عليه وآله وسلم لجبريل عند أحجار المراء وهي : ( لقي النبي صلى الله عليه (وآله) وسلم جبريل عليه السلام وهو عند أحجار المراء فقال : أن أمتك يقرؤون القرآن على سبعة أحرف ، فمن قرأ منهم على حرف فليقرأ كما عُـلّم ولا يرجع عنه ، قال أبي ، وقال ابن مهدي : إن من أمتك الضعيف فمن قرأ على حرف فلا يتحول منه إلى غيره رغبة عنه ) (2) .
  وهذا الرواية تنهى عن عدول القارئ من أحد الحروف السبعة إلى غيره ، فأين التخيير والقول بأن : كلها شاف كاف ما لم تختم آية رحمة بعذاب أو آية عذاب برحمة ؟!
  وعلى ما مر يتضح وجه الخلل في المرويات وتعارضها فيما بينها الذي يحول دون الاعتماد عليها ، حتى أن أكابر علماء أهل السنة وأساطين علوم القرآن منهم توقّفوا في إجلاء المقصود منها فحكموا بإشكال معنى تلك الأحرف الذي حتّم عليهم وألجأهم إلى إحالة أمرها إلى علاّم الغيوب !

--------------------
(1) مسند أحمد ج 5 ص 400 .
(2) مسند أحمد ج 5 ص 385 .

إعلام الخَلف بمن قال بتحريف القرآن من أعلام السّلف _ 144 _
كلماتهم في معنى الأحرف السبعة :
  كلمات بعض المتخبّطين :
  وصلت استمزاجات القوم في تفسير معنى الأحرف السبعة إلى أربعين قولا وذلك إلى زمان العلامة جلال الدين السيوطي ، والله العالم إلى إي عدد وصلت اليوم : ( وفي نـهاية الأمر يأتي السيوطي ( ت 911 ه‍ ) فيومئ إلى أن تفسيرات الحديث ( الأوجه السبعة ـ بلغت أربعين ولكنه لا يذكر منها سوى خمسة وثلاثين أكثرها متداخلة ومنها أشياء لا يفهم معناها على الحقيقة وأكثرها معارضة حديث عمر وهشام بن حكيم الذي في الصحيح ) (1) .
  ولننقل هنا ما في الإتقان من وجوه الاختلاف والتضارب في معناها :
  ( قال ابن حبّان : اختلف أهل العلم في معنى الأحرف السبعة على خمسة و ثلاثين قولاً ! فمنهم من قال : هي زجر وأمر وحلال وحرام ومحكم ومتشابه وأمثال .
  الثاني : حلال وحرام وأمر ونـهي وزجر وخبر ما هو كائن بَعْدُ وأمثال .
  الثالث : وعد ووعيد وحلال وحرام ومواعظ وأمثال واحتجاج .
  الرابع : أمر ونـهي وبشارة ونذارة وأخبار وأمثال .
  الخامس : محكم ومتشابه وناسخ و منسوخ وخصوص وعموم وقصص .
  السادس : أمر وزجر و ترغيب وترهيب وجدل و قصص ومثل .
  السابع : أمر ونـهي وحدّ وعلم وسرّ وظهر وبطن .
  الثامن : ناسخ ومنسوخ ووعد ووعيد ورُغم وتأديب وإنذار .
  التاسع : حلال وحرام وافتتاح وأخبار وفضائل وعقوبات .
  العاشر : أوامر وزواجر وأمثال وأنباء وعتب ووعظ وقصص .
  الحادي عشر : حلال وحرام وأمثال وأنباء ومنصوص وقصص وإباحات .
  الثاني عشر : ظهر وبطن وفرض وندب وخصوص وعموم وأمثال .
  الثالث عشر : أمر ونـهي ووعد ووعيد وإباحة وإرشاد واعتبار .
  الرابع عشر : مقدّم ومؤخّر وفرائض وحدود ومواعظ ومتشابه وأمثال .   الخامس عشر : مفسَّر ومجمل ومقضيّ ونَدْب وحتم وأمثال .
  السادس عشر : أمر حتم وأمر ندب ونـهي حتمْ ونـهي مرشد ووعد ووعيد وقصص .
  السابع عشر : أمر فرض ونـهي حتم وأمر ندب ونـهي مرشد ووعد ووعيد وقصص .
  الثامن عشر : سبع جهات لا يتعدّاها الكلام : لفظ خاصّ أريد به الخاصّ ، ولفظ عام أريد به العام ، ولفظ عامّ أريد به الخاص ، و لفظ خاص أريد به العام ، و لفظ يستغْنى بتنـزيله عن تأويله ، ولفظ لا يعلَم فقهه إلاَّ العلماء ، و لفظ لا يعلم معناه إلاَّ الراسخون .
  التاسع عشر : إظهار الرُّبوبية وإثبات الوحدانية وتعظيم الأُلوهيّة والتعبّد لله ومجانبة الإشراك والترغيب في الثواب والترهيب من العقاب .
  العشرون : سبع لغات ، منها خمس من هوازن واثنتان لسائر العرب .
  الحادي و العشرون : سبعة لغات متفرِّقة لجميع العرب ، كلّ حرفٍ منها لقبيلة مشهورة .

--------------------
(1) تاريخ القرآن ص 36 د . عبد الصبور شاهين .

إعلام الخَلف بمن قال بتحريف القرآن من أعلام السّلف _ 145 _
  الثاني و العشرون : سبع لغات ، أربع لعجُز هوازن : سعد بن بكر وجُشم بن بكر ونصْر بن معاوية ، ثلاث لقريش .
  الثالث و العشرون : سبع لغات : لغة قريش ولغة اليمن ولغةُ لجرْهم ولغة لقُضاعة ولغة لتميم ولغة لطيّئ .
  الرابع والعشرون : لغة الكعبيين : كعب بن عمرو وكعب بن لؤيّ ولهما سبع لغات .
  الخامس والعشرون : اللغات المختلفة لأحياء العرب في معنىً واحد ، مثل : هلمّ وهات وتعال وأقبل .
  السادس والعشرون : سبع قراءات لسبعة من الصحابة : أبي بكر وعمر وعثمان وعليّ ( عليهم السلام ) وابن مسعود وابن عباس وأبي بن كعب رضي الله عنهم .
  السابع والعشرون : همز وإمالة وفتح وكسر وتفخيم ومدّ وقصر .
  الثامن والعشرون : تصريف ومصادر وعروض وغريب وسجُع ولغات مختلفة كلُّها في شيء واحد .
  التاسع والعشرون : كلمة واحدة تُعْرَب بسبعة أوجه ، حتى يكون المعنى واحداً ، وإن اختلف اللفظ فيه .
  الثلاثون : أُمّهات الهجاء : الألف والباء والجيم والدال والراء والسين والعين لأن عليها تدور جوامع كلام العرب .
  الحادي و الثلاثون : أنّها في أسماء الربّ مثل : الغفور الرحيم ، السميع البصير ، العليم الحكيم .
  الثاني والثلاثون : هي آية في صفات الذات ، وآية تفسيرُها في آية أُخرى ، وآية بيانـها في السنّة الصحيحة ، وآية في قصّة الأنبياء والرُّسل ، وآية في خلْق الأشياء ، وآية في وصف الجنّة ، وآية في وصف النار .
  الثالث والثلاثون : آية في وصف الصانع ، وآية في إثبات الوحدانيّة له ، وآية في إثبات صفاته ، وآية في إثبات رسله ، وآية في إثبات كتبه ، وآية في إثبات الإسلام ، وآية في نفي الكفر .
  الرابع و الثلاثون : سبع جهات من صفات الذات لله التي لا يقع عليها التكييف .
  الخامس و الثلاثون : الإيمان بالله ومباينة الشِّرك وإثبات الأوامر ومجانبة الزّواجر والثبات على الإيمان وتحريم ما حرّم الله وطاعة رسوله ) (1) .
  فقد أشكل حل معضلة هذا الحديث ـ الأحرف السبعة ـ على فطاحل علماء علوم القرآن عندهم ، فهذا ابن الجزري بعد جهد جهيد ولنحو نيف وثلاثين سنة يرجو أنه قد توصل لحل لغز وطلسم الأحرف السبعة ، وهو الإمام الرمز في علوم القرآن والمعتمد عليه في القراءات وإليك نص كلامه :

--------------------
(1) الإتقان ج 1 ص 153 ـ 156 ط دار ابن كثير .

إعلام الخَلف بمن قال بتحريف القرآن من أعلام السّلف _ 146 _
  ( و لا زلت أستشكل هذا الحديث ـ الأحرف السبعة ـ وأفكر فيه وأمعن النظر من نحو نيف و ثلاثين سنة حتى فتح الله علي بما يمكن أن يكون صوابا إن شاء الله تعالى ، وذلك إني تتبعت القراءات صحيحها وضعيفها وشاذها فإذا هي يرجع اختلافها إلى سبعة أوجه ).
  فإذا كان هذا حال ابن الجزري فما ظنك بعياله ؟ ، وهنا سؤال يطرح نفسه ، على أي من تلك الآراء نحكّم القرآن ؟
* كلمات بعض من تحرّز الدخول في المزلـقة
  قلنا أن بعض علماء أهل السنة توقّف في المسألة ولم يتقوّل بما لا يعلم ـ وقليل ما هم ـ فصار بين إبـهام المعنى وصحة تلك الروايات فآثر عدم البتّ في معناها وتجنب اقتحام غمار الرأي والاستهواء ، فهذا ابن حبان ـ مع كل ما سبق من التخبّط الذي ذكره السيوطي ـ يقول أن تلك الأقوال من المشكل التفريق بينها فجميعها وجوه محتملة ، يل يحتمل غيرها أيضا ! :
  ( قال ابن حبّان : فهذه خمسة وثلاثون قولاً لأهل العلم واللغة في معنى إنزال القرآن على سبعةِ أحرف ، وهي أقاويل يشبه بعضُها بعضاً ، وكلها محتملة ، وتحتمل غيرها ) (2) ، فزاد في الطنبور نغمة !
  وذهب العلامة المرسي إلى أن هذه الوجوه لا يعرف معنى بعضها وأنـها تتداخل فيما بينها ، فلا يعلم لماذا جُزم بـها على الله عز وجل بلا بيّنة ولا دليل !!
  ( وقال المرسي : هذه الوجوه أكثرها متداخلة ، ولا أدْرِي مستندها ، ولا عـمّن نُقِـلت ، ولا أدري لم خصّ كل واحد منهم هذه الأحرف السبعة بما ذكر ، مع أن كلها موجودة في القرآن ، فلا أدري معنى التخصيص ، وفيها أشياء لا أفهم معناها على الحقيقة ، وأكثرها يُعارضه حديث عمر مع هشام بن حكيم الذي في الصحيح ) (3) .

--------------------
(1) تاريخ القرآن ص 87 .
(2) الإتقان ج 1 ص 156 ط دار ابن كثير .
(3) الإتقان ج 1 ص 156 ط دار ابن كثير ، تعليق د . مصطفى الـبُغا .

إعلام الخَلف بمن قال بتحريف القرآن من أعلام السّلف _ 147 _
  وكذلك ذهب أبو بكر بن العربي : ( ومنشأ الخطأ فيها إرادة التعيين على سبيل القطع والجزم مع أنّه لم يأتِ في معناها نصٌ ولا أثر واختلف الناس في تعيينها ) (1) .
  وقال القرطبي : ( وقد اختلف العلماء في المراد بالأحرف السبعة على خمسة وثلاثين قولا ذكرها أبو حاتم محمد بن حِبّان السُبْتي ) (2) .
  وتبعهم الكردي الخطاط : ( ونـحن نرى أنه لا يبعد أن يكون هذا الحديث متشابـها يفوّض معناه إلى الله تعالى كما ذهب إليه بعض العلماء وذلك لأمرين : الأول : كثرة اختلاف العلماء في معناه حتى بلغ نحوا من أربعين قولا ،الثاني : ورود أحاديث كثيرة في هذا المعنى بعبارات مختلفة …) (3) .
  والعلامة السيوطي الذي نقل كل تلك الوجوه والآراء توصل إلى أن الحديث من المشكل الذي لا يدرى معناه :
  ( إن هذا القرآن أنزل على سبعة أحرف . والمراد به أكثر من ثلاثين قولا حكيتها في الاتفاق والمختار عندي أنه من المتشابه الذي لا يدري تأويله ) (4) .
  وموقف هؤلاء من الأحرف السبعة أسلم مما أقحم به علماء السلف (5) أنفسهم وكذا أغلب المعاصرين بتجويز إبدال آيات الله بغير كلماتـها تعويلا على الظن ، ونسبوا للدين تغيير كلمات القرآن رأسا على عقب بلا دليل واضح تركن إليه النفس .

--------------------
(1) البرهان ج 1 ص 212 ، وكذلك إبراهيم الأبياري ذكره في موسوعته القرآنية الميسرة ج 2 ص 131 : ( ويقول ابن عربي : لم يأت في هذا المعنى نص ولا أثر واختلف الناس في تعيينها ويقول أبو حيان : اختلف الناس فيها على خمسة وثلاثين قولا ) .
(2) الجامع لأحكام القرآن ج 1 ص 42 .
(3) تاريخ القرآن للكردي الخطاط ص 88 ـ 89.
(4) شرح السيوطي على النسائي ج 2 ص 152 .
(5) سيأتي بيانـها بإذنه تعالى .

إعلام الخَلف بمن قال بتحريف القرآن من أعلام السّلف _ 148 _
* سيـرا مع الجمهور :
  ونغض الطرف عن تدافع الآراء ونسير مع رأي الجمهور من علمائهم ومع ما اتفق عليه البخاري ومسلم من كون معناها هو جواز تبديل الكلمات بمترادفاتـها وتحسين قراءة الجميع بدعوى أن القرآن نزل على سبعة أحرف كلها شاف كاف .
  وقد قال البعض مدللا على رأي الجمهور أنه لو قصرنا النظر على الأدلة فإن الروايات دالة على هذا المعنى ، فهنالك روايات مجملة وأخرى مبيّنة ، والقسم المجمل منها لم تُبين لنا تفاصيل اختلاف الصحابة في القراءات لنتمكن من الوقوف على ما جوّز قراءته الرسول الأعظم صلى الله عليه وآله وسلم ، وعليه فهذه الروايات لا تساعد على تعيين معنى الأحرف السبعة فإن غاية ما يستفاد منها وجود اختلاف وإنكار بين الصحابة لقراءة بعضهم البعض ولا تبين ماهية هذا الاختلاف بتوضيح موارده أو كيفيته ، وأما القسم المبيّن فرواياته تنص على ماهية الأحرف السبعة ، لأنـها بيّنت ما جوّزه الرسول الأعظم صلى الله عليه وآله وسلم من تغيير قراءة ألفاظ القرآن إلى ألفاظ أخرى بشرط الموافقة فيما بينها في المعنى والمضمون ، فمقتضى القاعدة حمل الروايات المـجملة مثل : ( أنزل القرآن على سبعة أحرف كلها شاف كاف ) على المبينّة والشارحة لكيفية هذه الرخصة مثل هذه الرواية : ( حتى بلغ سبعة أحرف قال : ليس فيها إلا شاف كاف ، قلت غفور رحيم ، عليم حليم ، سميع عليم ، عزيز حكيم ) .
  ويتضح أن هذا الوجه للأحرف السبعة هو الصحيح بشرط عدم تغيير المعنى والسياق العام للآية ، فلا مانع من تبديل الألفاظ بما يحلو للقارئ بشرط أن تكون مرادفة لمعنى اللفظ المبدّل ، وبذلك نحافظ على السياق العام للآية فلا نختم آية رحمة بعذاب ولا آية عذاب برحمة نحو : ( قال كل شاف كاف ما لم تختموا آية عذاب برحمة أو آية رحمة بعذاب نحو قولك تعال ، وأقبل ، و هلم ، واذهب ، و أسرع ، واعجل ) .
  ونحن سنعتمد هذا الوجه في محاكمة أهل السنة ، ولا يعترض علينا بأن هذا أحد الوجوه التي ذكرها علماء أهل السنة للأحرف السبعة ، لا كلها ! ، لأن هذا رأي الأغلب كما سيأتي بيانه بإذنه تعالى ، وبل إن أدلة هذا الرأي أقوى من غيره إن لم نقل أن أدلة غيره معدومة ، فصار مختارهم هو :
  ( أنزل القرآن على سبع لغات من لغات العرب المشهورة في كلمة واحدة تختلف فيها الألفاظ والمباني مع اتفاق المعاني أو تقاربـها وعدم اختلافها وتناقضها وذلك مثل : هلم ، وأقبل ، وإليّ ، ونحوي ، وقصدي ، وقربي ، فإن هذه ألفاظاً سبعة مختلفة يعبّر بـها عن معنى واحد وهو طلب الإقبال ) (3) .

--------------------
(1) السنن الكبرى للبيهقي ج 2 ص 384 ، مسند أحمد ج 5 ص 124 ، سنن أبي داود ج 1 ص 332 باختلاف يسير ، وفي كنـز العمال ج 2 ص 52 ح 3080 و ص 603
(2) مسند أحمد ج 5 ص 51 .
(3) لغة القرآن الكريم ص 95 ط مكتبة الرسالة الحديثة .

إعلام الخَلف بمن قال بتحريف القرآن من أعلام السّلف _ 149 _
أقوال بعض علماء أهل السنة في المعنى المشهور للأحرف السبعة
  وقد أنصف بعض أكابر علمائهم من السلف إلى الخلف الأدلة الواردة في كتبهم ، فأخذوا بما أملته عليهم الروايات من جواز القراءة بالمعنى ، فقد قال ابن جرير الطبري في تفسيره تعليقا على عبارة ( كلها شاف كاف ما لم تختم آية عذاب برحمة أو آية رحمة بآية عذاب كقولك : هلم وتعال ) :
  ( فقد أوضح النص هذا الخبر : أن اختلاف الأحرف السبعة ، إنما هو اختلاف في ألفاظ كقولك : ( هلم و تعال ) باتفاق المعاني ، لا باختلاف معانٍ موجبة اختلف أحكام وبمثل الذي في ذلك صحت الأخبار عن جماعة من السلف والخلف ).
  وأخذ بسرد الأدلة إلى أن قال : ( بل الأحرف السبعة التي أنزل الله بـها القرآن هن لغات سبع في حرف واحد وكلمة واحدة باختلاف الألفاظ واتفاق المعاني كقول القائل : ( هلم ، وأقبل ، وتعال ، وإليّ ، وقصدي ، ونحوي ، وقربي ) ونحو ذلك مما تختلف فيه الألفاظ بضروب المنطق وتتفق فيه المعاني وإن اختلفت بالبيان به الألسن كالذي روينا آنفا عن رسول الله صلى الله عليه (وآله) وسلم وعمن روينا ذلك عنه من الصحابة ، أن ذلك بمنـزلة قولك ( هلم ، وتعال ، وأقبل ) وقوله ( ما ينظرون إلا زقية ) و ( إلا صيحة ) ) (1) .
  وقال الطحاوي : ( فوسع عليهم في ذلك أن يتلوه بمعانيه وإن خالفت ألفاظهم التي يتلونه بـها ألفاظ نبيهم إلى قراءة بـها عليهم فوسع لهم في ذلك بما ذكرنا ، والدليل على ما وصفنا من ذلك أن عمر بن الخطاب وهشام بن حكيم بن حزام وهما قرشيان ألسنتهما لسان رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم الذي نزل به القرآن قد كان اختلفا فيما قرآ به سورة الفرقان حتى قرأها على رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم ) (2) .

--------------------
(1) جامع البيان ج 1 ص من ـ 0 ـ 48 .
(2) مشكل الآثار ج 4 ص 186 ط حيدر آباد .

إعلام الخَلف بمن قال بتحريف القرآن من أعلام السّلف _ 150 _
  وقال القرطبي : ( الذي عليه أكثر أهل العلم كسفيان بن عُيَيْنه وعبد بن وهب والطبري والطحاوي وغيرهم : أن المراد سبعة أوجه من المعاني المتقاربة بألفاظ مختلفة نحو ، أَقْبَل وتَعَال وهَلُمّ ، قال الطحاوي : و أبين ما ذكر في ذلك حديث أبي بكرة قال : جاء جبريل إلى النبي صلى الله عليه (وآله) وسلم فقال : أقرأ على حرف فقال ميكائيل : استزده ، فقال : أقرأ على حرفين ، فقال ميكائيل : استزده حتى بلغ إلى سبعة أحرف فقال : اقرأ فكلُّ شافٍ كاف إلا أن تخلط آية رحمة بآية عذاب ، أو آية عذاب بآية رحمة ، على نحو هلمَّ وتعال وأقبل واذهب وأسرع وعجِّل ، وروى ورقاء عن ابن أبي نجيح عن مجاهد عن ابن عباس عن أبي بن كعب أنه كان يقرأ (لِلَّذِينَ آمَنُوا انْظُرُونَا) (الحديد/13) : للذين آمنوا أمهلونا ، للذين آمنوا أخّرونا ، للذين آمنوا ارقبونا ، وبـهذا الإسناد عن أبي أنه كان يقرأ ( كُلَّمَا أَضَاءَ لَهُمْ مَشَوْا فِيهِ ) ( البقرة / 20 ) : مرّو فيه ، سعَوْا فيه ، وفي البخاري ومسلم قال الزهري : أما هذه الأحرف في الأمر الواحد ليس يختلف في حلال ولا حرام ) (1) .
  وقال البيهقي : ( وأما الأخبار التي وردت في إجازة قراءة غفور رحيم بدل عليم حكيم ، فلأن جميع ذلك مما نزل به الوحي فإذا قرأ ذلك في غير موضعه ما لم يختم به آية عذاب بآية رحمة أو رحمة بعذاب فكأنه قرأ آية من سورة وآية من سورة أخرى فلا يأثم بقراءتـها كذلك ) (2) .
  وقال السيوطي : ( وإلى هذا ذهب سفيان بن عُيينة وابن جرير وابن وهب وخلائق ، ونسبه ابن عبد البـرّ لأكثر العلماء ، ويدُلّ له ما أخرجه أحمد والطبراني من حديث أبي بَكْرة : إن جبريل قال : يا محمد اقرأ القرآن على حرف ، قال ميكائيل : استزده … ، حتى بلغ سبعة أحرف ، قال : كل شافٍ كافٍ ما لم تختم آية عذاب برحمة أو رحمة بعذاب ، نحو قولك : تعالَ وأقبل وهلمّ واذْهب وأسرع وعجِّل ، وهذا اللفظ رواية أحمد ، وإسناده جيد .
  وأخرج أحمد والطبراني أيضا عن ابن مسعود نحوه ، وعند أبي داود عن أُبيّ : قلت سميعاً عليماً عزيزاً حكيماً ، ما لم تخلط آية عذاب برحمة ، أو آية رحمة بعذاب ، وعند أحمد من حديث أبي هريرة : أنزل القرآن على سبعة أحرف عليماً حكيماً غفوراً رحيماً ، وعنده أيضا من حديث عمر : إن القرآن كله صواب ما لم تجعل مغفرة عذابا أو عذابا مغفرة ، وأسانيدها جياد ) (3) .

--------------------
(1) الجامع لأحكام القرآن ج 1 ص 42 ط إحياء التراث العربي .
(2) السنن الكبرى ج 2 ص 385 ح 3808 .
(3) الإتقان ج 1 ص 148 ـ 149 ط دار ابن كثير .