وهذا عين ما نسب للشيخ المفيد رضوان الله تعالى عليه في المسائل السروية : ( لا شك أن الذي بين الدفتين من القرآن جميعه كلام الله تعالى وتنـزيله ، وليس فيه شيءٌ من كلام البشر ، وهو جمهور المنـزل ، والباقي مما أنزله الله تعالى قرآنا (1) عن المستحفظ للشريعة المستودع للأحكام لم يضع منه شيء .
  وإن كان الذي جمع ما بين الدفتين الآن لم يجعله في جملة ما جمع (2) ، لأسباب دعته إلى ذلك ، منها : قصوره عن معرفة بعضه ، ومنها : شكه فيه وعدم تيقنه ، ومنها : ما تعمد إخراجه منه .
  وقد جمعه أمير المؤمنين عليه السلام القرآن المنـزل من أوله إلى آخره ، وألفه بحسب ما وجب من تأليفه ، فقدم المكي على المدني ، والمنسوخ على الناسخ ، ووضع كل شيء منه محله ) (3) .
  ونقول هنا إن من اعتاد سماع افتراءات الوهابية لا يستغرب تصيدهم روايات الكافي وغيره من المصنفات وأخذها زادا دسما يخوضون فيه مع إهمالهم الدائم لتصريحات علمائنا التي تصرح بفساد فهم مضمون تلك الروايات بالفهم الساذج والغفلة عن باقي الأدلة .
  وكذا لا يستغرب سعيهم لأخذ ما تشابه منها وعرضه للعوام بطريقة يتبادر منها أن جملة (هكذا نزلت) تعني عند الشيعة أن النص القرآني السليم من التحريف هو هذا الذي تضمنته الرواية .

--------------------
(1) وكلامه رضوان الله تعالى عليه عين ما قلناه لأن الشيخ المفيد رضوان الله تعالى عليه يعتقد أن كلمة القرآن تشمل النصوص القرآنية والتنـزيل المفسر لها ، فكلها تسمى قرآنا كما صرح بذلك في قوله فيما سبق في أوائل المقالات ص 91 : ( وقد يسمّى تأويل القرآن قرآناً ، قال الله تعالى ( وَلاَ تَعْجَلْ بِالْقُرْآنِ مِنْ قَبْلِ أَنْ يُقْضَى إِلَيْكَ وَحْيُهُ وَقُلْ رَبِّ زِدْنِي عِلْمًا ) ( طه / 114 ) ، فسمّى تأويل القرآن قرآناً ، وهذا ما ليس فيه بين أهل التفسير اختلاف ) ، والشيخ المفيد رضوان الله تعالى عليه قد بين في أوائل المقالات أنه يميل إلى صيانة القرآن من التحريف وإنما الذي نقص من القرآن هو تنـزيله أي تفسيره وسنعيد ذكر كلمته فيما يأتي إن شاء الله تعالى ، لكن كل هذا خفي عن الوهابية فصاروا يكيلون التهم للشيخ المفيد ويتهمونه بالتحريف !! ، واعتقد أن القارئ الكريم قد اكتفى بالشواهد التي تحكي جهل الوهابية وافتراءهم المتواصل ، ولكنا سنشير ما سنحت الفرصة لما يخطر ببالنا من افتراءاتـهم ولا ريب أن ما نكتبه ليس كل شيء بل هو ما نتذكره مما اطلعنا عليه ، فما ظنك بما لم نطلع عليه ؟!
(2) فإن من اللازم أن يقرن التنـزيل المفسر بالقرآن كأن يوضع في هامش القرآن ليتضح معنى الآيات الكريمة حال تنـزيلها مع ذكر أسماء المنافقين والمشركين والكفار وهو ما فعله الإمام علي عليه السلام في المصحف الذي جمعه أول مرة فرفضه ابن الخطاب وتبعه على ذلك ابن أبي قحافة خوفا من بيان تلك الأسماء والنوايا فيفتضح الأمر وتظهر الضغائن .
(3) المسائل السروية ص 78 ـ 79 ، الناشر المؤتمر العالمي بمناسبة الذكرى الألفية لوفاة الشيخ المفيد ، تحقيق الشيخ المستبصر صائب عبد الحميد حفظه الله ، وهذا كله مبني على ثبوت الكتاب للشيخ المفيد رضوان الله تعالى عليه فقد نقلنا من قبل كلام السيد الخوئي رضوان الله تعالى عليه وتشكيكه في نسبة ( المسائل السروية ) للشيخ المفيد وعليه لا يمكن التعويل على الكتاب لمعرفة رأي المفيد رضوان الله تعالى عليه .
  وهنا يتضح جهل الوهابي ( عثمان الخميس ) عندما نسب القول بتحريف القرآن للشيخ المفيد بنقل كلامه السابق من المسائل السروية ، فأخطأ خطئين أحدهما في فهم المقصود حيث فسره بما يخالف كلام الشيخ في كتابه الثابت له وهو أوائل المقالات الذي نص فيه على تنزيه القرآن من التحريف وقد نقله الوهابي نفسه في الوجه الآخر من شريطه فذكر أنه من الشيعة الذين لا يقولون بالتحريف !! ، والخطأ الآخر هو عدم التحقق من نسبة الكتاب للمؤلف .

إعلام الخَلف بمن قال بتحريف القرآن من أعلام السّلف _ 102 _
  وقد علمت حقيقة معناها من نفس كلمات علماء الشيعة ، والشيعة ما تركوا الأمر سدى بل علقوا على الروايات ونبهوا وأشاروا في مصادرها ، بل فعلوا ذلك في هامش نفس الرواية التي أخذها الوهابية ! ولكن أنى للأعراب أن يعلموا حدود ما أنزل الله ! وقد قال تعالى ( الأَعْرَابُ أَشَدُّ كُفْرًا وَنِفَاقًا وَأَجْدَرُ أَلاَّ يَعْلَمُوا حُدُودَ مَا أَنزَلَ اللَّهُ عَلَى رَسُولِهِ وَاللَّهُ عَلِيمٌ حَكِيمٌ ) ( التوبة / 97 ).
الرواية والإعتقاد بمضمونـها .
  بعض الوهابية يستدلون برواية ذكرها الشيخ الصدوق رضوان الله تعالى عليه لإثبات اعتقاد تحريف القرآن للشيعة الإمامية وهذه هي الرواية : ( بـهذا الإسناد عن الحسن عن عبد الله بن سنان عن أبي عبد الله عليه السلام قال : من كان كثير القراءة لسورة الأحزاب كان يوم القيامة في جوار محمد صلى الله عليه وآله وأزواجه ثم قال : سورة الأحزاب فيها فضائح الرجال والنساء من قريش وغيرهم ، يا ابن سنان ! إن سورة الأحزاب فضحت نساء قريش من العرب وكانت أطول من سورة البقرة لكن نقصوها وحرفوها ).
  أقول :
  1 ـ من غير المعقول أن نصنف الشيخ الصدوق رضوان الله تعالى عليه في ضمن القائلين بعدم تحريف القرآن ومن ثم ننسب تحريف القرآن للشيعة بسبب رواية ذكرها الصدوق نفسه !!
  2 ـ من الجهل أن ننسب للشيخ الصدوق رضوان الله تعالى عليه تحريف القرآن لأجل روايته هذه وهو الذي صرح في اعتقاداته برفضه لفكرة تحريف القرآن وكذب من نسب هذا للشيعة ، قال في الاعتقادات :
  ( اعتقادنا أن القرآن الذي أنزله الله على نبيه محمد صلى الله عليه و آله هو ما بين الدفتين و هو ما في أيدي الناس ليس بأكثر من ذلك ، ومبلغ سوره عند الناس مائة و أربع عشرة سورة ، وعندنا أن الضحى وألم نشرح سورة واحدة ولإيلاف وألم تر كيف سورة واحدة ، ومن نسب إلينا أنا نقول أكثر من ذلك فهو كاذب ) (1) .

--------------------
(1) الاعتقادات ص 59 ـ 60.

إعلام الخَلف بمن قال بتحريف القرآن من أعلام السّلف _ 103 _
  3 ـ كان من المتوقع لمن يرى أن تلك الرواية تدل على التحريف ـ كالوهابية ـ أن يتنبه إلى عدم الإنسجام بين ما صرحه الصدوق في اعتقاداته وبين روايته تلك ، فيقول بعدم الملازمة بين الإعتقاد والرواية ، ولكن الوهابية لا يلبسون إلا النظارات السوداء !
  4 ـ الصدوق رضوان الله تعالى عليه في كتابه ثواب الأعمال ليس إلا محدثا ينقل الرواية كما وصلت إليه ولا يلزم من هذا اعتقاده بمضمونـها حتى وإن صح إسنادها عنده ، وهو في هذا كالكليني رضوان الله تعالى عليه .
  ملاحظة : الكليني رضوان الله تعالى عليه لا يقول بتحريف القرآن
  وحيث وصلنا إلى هذه النقطة نقول إن المحدث لا يلزم نفسه اعتقاد كل ما أورده في مصنّفه ، حتى وإن قال بصحة كل ما أورده لأن صحة السند شيء وما يدل عليه المتن بعد جمع الأدلة وعرضها على الكتاب والسنة المتواترة وطرح غير التام شيء آخر ، فلا وجه لاتـهام الشيخ الصدوق أو الكليني أو أي محدث آخر لأنه روى الرواية ، ناهيك عن أن الكليني رضوان الله تعالى عليه روى روايات التحريف في باب النوادر تيمنا بالروايات التي فيها : ( ودع الشاذ النادر ) ، بل صرح الكليني رضوان الله تعالى عليه في مقدمة الكافي أنه وإن أراد جمع الآثار الصحيحة عن المعصومين عليه السلام إلا إن صحة الرواية شيء والاعتقاد بضمونـها شيء آخر ، وعلق قبول مضمونـها على بعض القواعد منها أن تعرض الرواية على كتاب الله عز وجل فما وافق كتاب الله أخذ به وما خالفه يرد ولا يأخذ به ، قال ثقة الإسلام الكليني رضوان الله تعالى عليه في مقدمة الكافي :
  " وقلت : إنك تحب أن يكون عندك كتاب كاف يجمع فيه من جميع فنون علم الدين ، ما يكتفي به المتعلم ، ويرجع إليه المسترشد ، ويأخذ منه من يريد علم الدين والعمل به بالآثار الصحيحة عن الصادقين عليهم السلام والسنن القائمة التي عليها العمل ، وبـها يؤدي فرض الله عز وجل وسنة نبيه صلى الله عليه وآله ، وقلت : لو كان ذلك رجوت أن يكون ذلك سببا يتدارك الله تعالى بمعونته وتوفيقه إخواننا وأهل ملتنا ويقبل بـهم إلى مراشدهم .
  فاعلم يا أخي أرشدك الله أنه لا يسع أحدا تمييز شيء مما اختلف الرواية فيه عن العلماء عليهم السلام برأيه ، إلا على ما أطلقه العالم بقوله عليه السلام : ( اعرضوها على كتاب الله فما وافى كتاب الله عزوجل فخذوه ، وما خالف كتاب الله فردوه ) وقوله عليه السلام : ( دعوا ما وافق

إعلام الخَلف بمن قال بتحريف القرآن من أعلام السّلف _ 104 _
  القوم فإن الرشد في خلافهم ) (1) ، وقوله عليه السلام ( خذوا بالمجمع عليه ، فإن المجمع عليه لا ريب فيه ) ، ونحن لا نعرف من جميع ذلك إلا أقله ولا نجد شيئا أحوط ولا أوسع من رد علم ذلك كله إلى العالم عليه السلام وقبول ما وسع من الأمر فيه بقوله عليه السلام : ( بأيما أخذتم من باب التسليم وسعكم ) ، وقد يسر الله وله الحمد تأليف ما سألت ، وأرجو أن يكون بحيث توخيت ) (2) .
  فكلام الكليني رضوان الله تعالى عليه صريح في أنه لا يعتقد مضمون أي رواية صحيحة في نظره إلا بعد عرضها على كتاب الله عز وجل ، فيدل هذا على اعتقاده عدم تحريف القرآن وإلا لما أعطى للقرآن القوامة على الروايات ، ويدل أيضا على رأيه في وجوب طرح الروايات التي تعارض القرآن وتقول بتحريفه .
  فاتضح أن من الظلم نسبة تحريف القرآن للكليني رضوان الله تعالى عليه ، مع أن رواياته لا تدل على تحريف القرآن كما بينا ذلك ، وقد وضعها في باب النوادر أي شواذ الأخبار التي لا يعبأ بـها ، ناهيك عن أنـها تخالف كتاب الله عز وجل وقد قال الكليني رضوان الله تعالى عليه أن ما خالف كتاب الله يرد ولا يؤخذ به .
  5 ـ الشيخ الصدوق رضوان الله تعالى عليه كبقية الشيعة يقول بتحريف التنـزيل والوحي المفسر للقرآن فلو سلمنا اعتماده على الرواية لوجب وضعها في خانة تحريف الوحي والتنـزيل جمعا بين اعتقاد الصدوق عدم تحريف القرآن وقوله في اعتقاداته : ( بل نقول أنه قد نزل الوحي الذي ليس بقرآن ، ما لو جمع إلى القرآن لكان مبلغه مقدار سبع عشرة ألف آية ) ، وقال : ( إن القرآن الذي جاء به جبرائيل عليه السلام إلى محمد صلى الله عليه وآله وسلم سبعة عشر ألف آية ) (3) .

--------------------
(1) طبل بعض الوهابية على هذه رواية وغيرها من الروايات بأنـها تدل على أن من مذهب الشيعة تحرِّي مخالفة العامة فيما يدينون به ، فيقول الشيعة خلاف قول العامة سواء دل عليه الدليل أم لا ! ، وهذه من افتراءات الوهابية التي اعتدنا عليها ، فإن المقصود من هذه الروايات أنه إن جاءت روايات متعارضة وكان بعضها موافقا لمذهب العامة وبعضها مخالفا له نأخذ بالمخالف لهم ونترك الموافق لأن هذا النوع من التعارض يدل على أن الروايات الموافقة لهم خرجت منهم عليهم السلام على نحو التقية وحفظ النفس من سلاطين الجور الذين كانوا يتربصون الدوائر بأئمة أهل البيت عليهم السلام ، لا أن الشيعة يتحرون مخالفة مذهب العامة ولو لم يدل دليل على الخلاف !!
(2) الكافي للكليني رضوان الله تعالى عليه ج 1 ص 8 ـ 9.
(3) أصول الكافي ج 2 ص 295 كتاب فضل القرآن في النوادر أقول : هذه الرواية كانت ومازالت محل لغط الوهابية وهرجهم ، وقد أشرنا إليها فيما سبق ، حيث بينا أن بعضا من الوهابية توسل بـها لإثبات أن مصحف فاطمة عليها السلام هو قرآن الشيعة باعتبار أن مصحف فاطمة عليها السلام ثلاثة أضعاف الموجود وكذا هو حال القرآن الذي نزل من السماء عند الشيعة ، فاتضح هنا القول الحق في المسألة وهو أن القرآن مع تنـزيله حجمه ثلاثة أضعاف الموجود أي أن التنـزيل يزيده إلى الضعفين ، ولكن الوهابية كما عودونا يقومون بنسج الأفكار في مخيلتهم ثم يكرون عليها ! .

إعلام الخَلف بمن قال بتحريف القرآن من أعلام السّلف _105 _
  وقال : ( ومثل هذا كثير ، وكلّه وحي وليس بقرآن ، ولو كان قرآناً لكان مقروناً به وموصولاً إليه غير مفصول عنه ، كما كان أمير المؤمنين جمعه فلما جاء به قال : هذا كتاب ربكم كما أُنزل على نبيّكم لم يزد فيه حرف و لا ينقص منه حرف ، فقالوا : لا حاجة لنا فيه ، عندنا مثل الذي عندك ، فانصرف وهو يقول ( فَنَبَذُوهُ وَرَاءَ ظُهُورِهِمْ وَاشْتَرَوْا بِهِ ثَمَنًا قَلِيلاً فَبِئْسَ مَا يَشْتَرُونَ ) ( آل عمران / 187 ) ) (1) .
  ومن النقطة الرابعة والخامسة يتضح جهل الوهابي ( عثمان الخميس ) عندما حاول خدش اعتقاد الصدوق رضوان الله تعالى عليه بعدم تحريف القرآن بدعوى سكوته عن الرواية التي رواها ! ، قال الوهابي :
  ( أولهم الصدوق ـ رضوان الله تعالى عليه ـ ، هذا الصدوق روى التحريف في كتابه وسكت عنه ، روى الصدوق في كتابه عن أبي عبد الله قال : إن سورة الأحزاب ... الخ ( فنقل الرواية بتحريف فيها لا يضر معناها ، وكما ترى أراد الوهابي خدش اعتقاد الصدوق رضوان الله تعالى ولكن ما بيناه في النقطتين السابقتين يخبرنا عن جهله ، وقد نقل نفس الأمر عن الطوسي رضوان الله تعالى عليه والجواب هو الجواب .
  6 ـ هذه الرواية لا يمكن إلزام الشيعة بـها ولا الشيخ الصدوق رضوان الله تعالى عليه بعد وقوع كذاب في سندها ، وهو الحسن بن علي بن أبي حمزة البطائني الواقفي .
  قال السيد الخوئي رضوان الله تعالى عليه : ( إلا أنه لا يمكن الاعتماد عليه بعد شهادة علي ابن الحسن بن فضال بأنه كذاب ملعون ، المؤيدة بشهادة ابن الغضائري بضعفه ).
  وقال : ( ومع التنـزل عن ذلك ، فيكفي في ضعف الحسن بن علي بن أبي حمزة شهادة الكشي بأنه كذاب ) (2) .
  وقد تعامى الوهابي ( عثمان الخميس ) عن حاشية الشيخ علي أكبر غفاري في هامش نفس الصفحة التي أخذ منها الرواية ، قال غفاري : ( وروى الكشي عن محمد بن مسعود قال : سألت علي بن الحسن بن فضال عن الحسن بن علي بن أبي حمزة البطائني فقال : كذاب ملعون ، رويت عنه أحاديث كثيرة

--------------------
(1) الاعتقادات ص 93 .
(2) معجم رجال الحديث ج 5 ص 15.

إعلام الخَلف بمن قال بتحريف القرآن من أعلام السّلف _ 106 _
  وكتبت عنه تفسير القرآن كله من أوّله إلى آخره إلا أني لا أستحل أن أروي عنه حديثا واحدا ، ونقله العلامة عن الكشي في الخلاصة ).
  وليس غريبا على من ينصب نفسه للافتراء ويحترف المكر والخداع أن يتهم بكل رواية وردت في المصنفات بلا مناقشة للسند من حيث الصحة والضعف ، مع أن روايات أهل السنة التي تفيد نفس المضمون من السقوط والتحريف لسورة الأحزاب صحيحة السند وليست بضعيفة .
  5 ـ كان الأجدر أن يتهم الوهابيون بني جلدته الذين حاروا في تأويل رواياتـهم الصحيحة التي تفيد نفس المضمون من سقوط وتحريف سورة الأحزاب ، لا أن يتهموا الشيعة برواية ساقطة لا يقبلونـها وحتى لو قبلوها فلها عندهم وجه معتبر يفسر هذا السقوط والتحريف !
  ملاحظة :
  الشيعة لا تسمع لقول أي رجل يقوم بالتقاط بضع روايات من كتب الشيعة ثم ينسب مضامينها لعقيدتـهم ، نعم الشيعة تعتمد كلمات أهل التحقيق والاجتهاد منهم في فهم الروايات والجمع بينها وبين القرآن الكريم وباقي القواعد ، وكثير من افتراءات الوهابية تنكسر على هذه الضابطة التي تحاول الوهابية غض الطرف عنها ، بل إن كل افتراءاتـهم وأكاذيبهم تخر على وحهها وتخسأ عند هذا المبدأ الذي يتعامون عنه ، ونعيده لزيادة التأكيد :
  إن الشيعة لا تقبل أن ينسب لها أي عقيدة أو أي رأي يؤخذ من رواية هنا أو هناك ، وإنما تقبل كلام أهل التخصص في فهم الروايات وكيفية جمعها وطرحها وأساليب التقديم والتأخير والمطلق والمقيد وغير ذلك الذي لا يتوفر إلا عند من له خبرة بالقواعد الأصولية والعقائدية عند الشيعة ، لذا إذا أخذ المراجع والمحققون برأي معين حينها يصح أن ينسب للشيعة هذا الرأي بشكل مطلق .
  والآن يوجد من حولي عدة كتيبات للوهابية رأس مالها الروايات التي تصيدوها من كتب الحديث عند الشيعة ونسجوا عليها العقائد التي ما أنزل الله بـها من سلطان ، وبـهذه الملاحظة أكون قد رددت عليها كلها مرة واحدة وبالجملة ، وقضي الأمر وقيل بعدا للقوم الظالمين .
  وهنا تسلية أخرى وهي أيضا من النوع الثاني الذي ينشط الذهن ، فيها استغل الوهابي ( عثمان الخميس ) قولا لأحد الإخبارية يدعي فيه أن تحريف القرآن مما أجمعت عليه الشيعة ، فطبل هذا الوهابي وزمر على

إعلام الخَلف بمن قال بتحريف القرآن من أعلام السّلف _ 107 _
  نغم هذا الإجماع المدعى ! وقد انتشر بين صبيانـهم ، ولا نريد أن نزيد في بيان سخف هذا الفتح الذي حققه قليل البضاعة ، فلنقتصر على عدة ملاحظات :
  1 ـ أغفل الوهابي الإشارة والتنبيه حال نقله لكلمات الشيعة النافين للتحريف إلى عدم صحة دعوى الإجماع التي ذكرها في أول المسرحية ، وبالطبع لن يفعل لأنه بـهذا يفوت عليه استغفال من حوله ، وهو المطلوب الأساس .
  2 ـ لو سلمنا أن الوهابي رزق بعضا من العقل والتفت إلى أن شيئا ما يريب هذا الإجماع ، لأنه لا ينسجم مع قول أغلب علماء الشيعة بعدم التحريف ، فلماذا لم يسأل علماء الشيعة عنه ؟!
  3 ـ قالوا إن هذا الإجماع إجماع منقول وليس بحجة ، لأن بعض العلماء كان يدعي الإجماع بمجرد جزمه بصدور رواية واحدة عن الإمام المعصوم عليه السلام قد أفتى بمضمونـها بعض الفقهاء فيطلق إجماع الطائفة على الفتوى ، بدعوى أن الإجماع غايته إثبات رأي المعصوم وحيث تم إثباته فإن رأي من يضاده لا عبرة فيه فيقوم بإطلاق الإجماع ، وبعبارة مختصرة إن نقل الإجماع لا يدل على أن دعوى الإجماع كانت عن حس بل لعلها كانت عن حدس .
  وبـهذا ، نسأل الله عز وجل أن تتنبه الوهابية إلى نقطة مهمة وهي أن روايات مذهب أهل البيت عليهم السلام وكلمات علماء الشيعة حفظ الله الباقين ورحم الماضين ، لا يكفي للخوض فيه قراءة متن الأجرومية أو أصول الفقه لأبي زهرة أو قراءة تفسير ابن كثير في الجامعة أو المعهد الديني .

إعلام الخَلف بمن قال بتحريف القرآن من أعلام السّلف _108 _
أقوال مراجع الطائفة القضاء الحتم والقول الفصل
  لا مجال يمنة ويسرة بعد تصريح كل من تصدى لمقام مرجعية هذه الطائفة الـحقة بأن القرآن لم تمسه يد التحريف ، وما استطاع أحد بعد وفاة رسول الله صلى الله عليه وآله سلم أن يحذف منه أو يزيد فيه ، وكما هو المعلوم فإن كلمة أحد هؤلاء الأعلام في زمنه تعبر عن رأي آلاف بل مئات الآلاف من أفراد الشيعة ، ناهيك عن عدد الشيعة اليوم واجتماع كلمتهم على عدم التحريف وانقراض ما شذ به البعض عن الجمهور ، وحيث ذاك فلا ريب أن هذه الطائفة مفترى عليها فرية نكراء شنعاء على يد أعراب مرجفين ، قال الله عز وجل ( لَئِنْ لَمْ يَنْتَهِ الْمُنَافِقُونَ وَالَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ وَالْمُرْجِفُونَ فِي الْمَدِينَةِ لَنُغْرِيَنَّكَ بِهِمْ ثُمَّ لاَ يُجَاوِرُونَكَ فِيهَا إِلاَّ قَلِيلاً مَلْعُونِينَ أَيْنَمَا ثُقِفُوا أُخِذُوا وَقُتِّلُوا تَقْتِيلاً سُنَّةَ اللَّهِ فِي الَّذِينَ خَلَوْا مِنْ قَبْلُ وَلَنْ تَجِدَ لِسُنَّةِ اللَّهِ تَبْدِيلاً ) ( الأحزاب / 60 ـ 62 ) .
  * كلمات المراجع عليهم رضوان الله ورحمته
  قبل ذكر كلمات فقهاء الطائفة أعلا الله كلمتهم نذكر ما أخرجه الكليني رضوان الله عليه في الكافي تحت عنوان رسالة أبي جعفر الباقر عليه السلام إلى سعد الخير إذ تتضمن تلك الرسالة الشريفة :
  ( دعا عباده في الكتاب إلى ذلك بصوت رفيع لم ينقطع ، ولم يمنع دعاء عباده ، فلعن الله الذين يكتمون ما أنزل الله ، وكتب على نفسه الرحمة فسبقت قبل الغضب فتمت صدقا وعدلا ، فليس يبتدئ العباد بالغضب قبل أن يغضبوه ، وذلك من علم اليقين وعلم التقوى ، وكل أمة قد رفع الله عنهم علم الكتاب حين نبذوه وولاهم عدوهم حين تولوه ، وكان من نبذهم الكتاب أن أقاموا حروفه وحرفوا حدوده ، فهم يروونه ولا يرعونه ، والجهال يعجبهم حفظهم للرواية ، والعلماء يحزنـهم تركهم للرعاية ، وكان من نبذهم الكتاب أن ولوه الذين لا يعلمون فأوردوهم الهوى وأصدروهم إلى الردى وغيروا عرى الدين ، ثم ورثوه في السفه والصبا فالأمة يصدرون عن أمر الناس بعد أمر الله تبارك وتعالى وعليه يردون ، فبئس للظالمين بدلا ولاية الناس بعد ولاية الله ، وثواب الناس بعد ثواب الله ورضا الناس بعد رضا الله ، فأصبحت الأمة كذلك وفيهم المجتهدون في العبادة على تلك الضلالة ، معجبون مفتونون

إعلام الخَلف بمن قال بتحريف القرآن من أعلام السّلف _ 109 _
  فعبادتـهم فتنة لـهم ولمن اقتدى بـهم ، الخ ) (1) .
  وهذا المقطع الشريف ( وكان من نبذهم الكتاب أن أقاموا حروفه وحرفوا حدوده ) دال بوضوح على أن القرآن لم تمسه يد التحريف ، وإنما التحريف اقتصر على المعاني وصرفها عن تفسيرها الحقيقي ومراد الله منها ، ويتفق هذا مع ما قلناه من تحريفهم للتنـزيل ، قال المولى صالح المازندراني رضوان الله تعالى عليه :
  ( ( وكان من نبذهم الكتاب أن أقاموا حروفه ) وكلماته وإعرابه وصححوها وحفظوها عن التصحيف والتحريف ، ( وحرفوا حدوده ) وأحكامه وجعلوا حلاله حراما وحرامه حلالا وولاية الحق مردودة وولاية الباطل مقبولة ) (2) .
  والإشكال بأن الرواية لا تثبت صيانة القرآن في زمن أبي بكر بل غاية ما تثبته هو إقامة حروف ما كان في زمن الإمام الباقر عليه السلام ، إشكال غير وارد لأن سياق الرسالة من أولها إلى آخرها يخاطب حال الأمة وما آلت إليه بعد وفاة رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم مباشرة ، وخير شاهد على ذلك هذا المقطع ( وكان من نبذهم الكتاب أن ولوه الذين لا يعلمون فأوردوهم الهوى وأصدروهم إلى الردى وغيروا عرى الدين ) ولا ريب أن المقصود بزمن تولية القرآن لغير أهله الزمن المتصل بسقيفة بني ساعدة وما بعده (3) .

--------------------
(1) روضة الكافي ص 53 ح 16 ، تحقيق علي أكبر غفاري .
  أقول : قال الوهابي ( عثمان ، خ ) في شريطه عن الشيعة : ( ما ينقلون عن الأئمة ولا رواية واحدة تقول بعدم التحريف ، بل ينقلون ألفي رواية عن الأئمة تقول بالتحريف (!!) والذين قالوا بعدم التحريف أو الذين ينقلون عنهم القول بعدم التحريف هم علماء يصيبون ويخطئون غير معصومين ، أما المعصومون عندهم فنقلوا عنهم القول بالتحريف فيلزم الشيعة الأخذ بكلام المعصومين دون كلام غيرهم ) ، وقال أيضا ( إن روايات التحريف ينقلونـها عن المعصومين عندهم بينما الإنكار فلا يروون منه شيئا عن المعصومين وإنما هي أقوال لبعض علمائهم فهذا يَلزم أو يُلزم جميع الشيعة أن يقولوا بالتحريف اتباعا لأئمتهم المعصومين وبالتالي يخرجون من الإسلام (‍‍‍!!) أو يجب عليهم أن يتركوا التشيع الذي يشيع هذا الباطل ).
  أقول : الحمد لله أن كل كلمات هذا الوهابي لا تخلو عن جهل أو كذب ، فتلك الرواية التي نقلناها في المتن توقفنا على كذبه في ادعائه عدم وجود أي رواية واحدة ، وأما جهله فواضح لأن العلماء يبينون مراد المعصومين من الروايات التي وردت عنهم ، فلا يستقل العالم برأيه ويقول : هذا رأيي أو استحساني أو ما تقتضيه المصلحة ، كما يفعله علماء أهل السنة والوهابية ، فكل الكلام في دلالة تلك الروايات لا في صدور بعضها .
(2) شرح أصول الكافي للمازندراني ج 11 ص 378 ط دار إحياء التراث العربي .
(3) حتى كان من هوان الدنيا على الله أن يتصدى لـخلافة المسلمين من يحكم في دمائهم وأموالهم وفروجهم وهو لا يعرف معنى كلمة من القرآن !! كما صح السند عنه في تفسير الطبري ومصنف ابن أبي شيبة ج 6 ص 136 ح 30105 : ( عن أنس أن عمر قال على المنبر : ( وَفَاكِهَةً وَأَبًّا ) ( عبس / 31 ) ، ثم قال : هذه الفاكهة قد عرفناها ! فما الأب ؟! ، ثم رجع إلى نفسه ، فقال : إن هذا لـهو التكلف يا عمر ) وكذا ح 30107 ( عن إبراهيم التيمي أن أبا بكر سئل عن ( وَفَاكِهَةً وَأَبًّا ) ( عبس / 31 ) ، فقال : أي سماء تظلني ونصف أرض تقلني إذا قلت في كتاب الله ما لا أعلم ؟! ) ، وكذا ح 30103 ( عن الشعبي قال : أدركت أصحاب عبد الله وأصحاب علي ( عليه السلام ) وليس هم لشيء من العلم أكره منهم لتفسير القرآن ، قال : وكان أبو بكر يقول : أي سماء تظلني ونصف أرض تقلني إذا قلت في كتاب الله ما لا أعلم ؟! ) .
أقول : لا نقول تكلما فيما تجهلان ! ولكن نقول : إن كان خليفة المسلمين المأمون على دمائهم وأموالهم وفروجهم يجهل مثل هذه الأمور فعلى المسلمين السلام !

إعلام الخَلف بمن قال بتحريف القرآن من أعلام السّلف _ 110 _
  وهاهي كلمات مراجع الطائفة وفقهائها التي عليها المعول في نقل رأي المذهب :
  شيخ المحدثين الـصدوق : ( اعتقادنا أن القرآن الذي أنزله الله على نبيه محمد صلى الله عليه و آله هو ما بين الدفتين و هو ما في أيدي الناس ليس بأكثر من ذلك ، ومبلغ سوره عند الناس مائة و أربع عشرة سورة ، وعندنا أن الضحى وألم نشرح سورة واحدة ولإيلاف وألم تر كيف سورة واحدة ، ومن نسب إلينا أنا نقول أكثر من ذلك فهو كاذب ، وما روي من ثواب قراءة كل سورة من القرآن ، وثواب من ختم القرآن كلّه ، وجواز قراءة سورتين في ركعة نافلة ، والنهي عن القِران بين السورتين في ركعة فريضة ، تصديق لما قلناه في أمر القرآن و أن مَبلَغه ما في أيدي الناس ، وكذلك ما ورد من النهي عن قراءة كلّه في ليلة واحدة وأن لا يجوز أن يختم في أقل من ثلاثة أيام تصديق لما قلناه أيضا ) (1) .
  الشيخ المـفـيـد : ( وقد قال جماعة من أهل الإمامة : إنه لم ينقص من كلمة ، من آية ، ولا من سورة ، ولكن حذف ما كان مثبتاً في مصحف أمير المؤمنين عليه السلام من تأويله ، وتفسير معانيه على حقيقة تنـزيله ، وذلك كان ثابتاً منـزلاً وإن لم يكن من جملة كلام الله تعالى الذي هو القرآن المعجز ، وعندي أنّ هذا القول أشبه من مقال من ادّعى نقصان كلم من نفس القرآن على الحقيقة دون التأويل ، وإليه أميل ، والله أسأل توفيقه للصواب ).
  وقال : ( وأما الوجه المجوز فهو أن يزاد فيه الكلمة والكلمتان والحرف الحرفان ، وما أشبه ذلك مما لا يبلغ حد الإعجاز ، ويكون ملتبسا عند أكثر الفصحاء بكلم القرآن غير أنه لابد متى وقع ذلك من أن يدل الله عليه ويوضح لعباده الحق فيه ولست أقطع على كون ذلك ، بل أميل إلى عدمه وسلامة القرآن منه ) (2) .

--------------------
(1) الاعتقادات ص 59 ـ 60 .
(2) أوائل المقالات في المذاهب المختارات ص 91 ـ 92 أقول : أحد الوهابية ( عثمان ، خ ) أصم مسامعنا في شريطه الذي يتهم فيه الشيعة بتحريف القرآن بالحث على أمانة النقل وصدق الحديث وأنـها أخلاق أهل الحق وهم أهل السنة وأنـهم ـ بزعمه ـ لا يقولون إلا صدقا ولا يحكمون إلا عدلا ، إلى آخر أسلوبه الخطابي الذي ابتدأ به وختم ، فوالله ما كنت شاكا في أمانة نقل هذا الوهابي لـحسن ظني به وبكثرة وعظه وتذكيره بآيات الله عز وجل وبأحاديث رسوله صلى الله عليه وآله وسلم التي تدعو للصدق والأمانة ، إذ كان من البعيد على ذهني أن يتصوره في تلك الحال يقوم بعين ما ينهى عنه فيكذب ويخادع الجمهور ! ، إذ كيف يتجرأ رجل يعظ الناس بآيات الله عز وجل .

إعلام الخَلف بمن قال بتحريف القرآن من أعلام السّلف _ 111 _
  التي تدعو للأمانة فيقوم في الأثناء بخيانة الأمانة بتقطيع النصوص بغية تحريفها ، ويستهزئ بكل سهولة بآيات الله عز وجل التي يتلوها ! ، ولكن شاء الله عز وجل أن يعلمني درسا بأن لا أثق بأحد من أولئك الوهابية ، فحدث لي أني كنت في إحدى المكتبات وطلبت أوائل المقالات للشيخ المفيد رضوان الله تعالى عليه لأنظر فيه ، ووجدت كلامه رضوان الله تعالى عليه عن تأليف القرآن ، وكان أول مقطع قاله الشيخ المفيد هو نفس المقطع الذي ذكره الوهابي دليلا على اعتقاد الشيخ تحريف القرآن ، وهذا هو : ( إن الأخبار قد جاءت مستفيضة عن أئمة الهدى من آل محمد صلى الله عليه وآله وسلم وما أحدثه بعض الظالمين فيه من الحذف والنقصان ) اه .
  ولكني فوجئت أن الشيخ المفيد لم يقتصر على هذه الجملة التي اقتصر الوهابي على نقلها وإنما تعقبها الشيخ رحمه الله بالمقطعين السابقين اللذين في المتن ، فقال بسلامة القرآن من الزيادة والنقصان ! ولكن الوهابي الأمين في النقل والصادق في القول والمتعظ بآيات الله والمقتفي لسنن النبي صلى الله عليه وآله وسلم اقتصر على هذا المقطع فقط ! إيحاء منه للمستمع أن تحريف القرآن رأي الشيخ المفيد ! ولا أدري من أين ورث هؤلاء هذه الجرأة على الكذب بسم الله ورسوله ؟! ، فبعد أن افترى على الشيخ المفيد رضوان الله تعالى عليه وعده ممن قالوا بتحريف القرآن من علماء الشيعة أراد الله تعالى أن يفضح هذا الكذاب ( عثمان ، خ ) ويدينه بيده فقال في الوجه الثاني من الشريط نفسه إن الشيخ المفيد رضوان الله تعالى عليه من علماء الشيعة الذين تبرءوا من القول بتحريف القرآن !! ، وهذا نص قوله : ( إن هناك من علماء الشيعة من تبرَّأ من القول بالتحريف ، الأول : ابن بابويه الصدوق ، والثاني : المفيد ، والثالث : ... الخ ) ، قال تعالى ( وَيَمْكُرُونَ وَيَمْكُرُ اللَّهُ وَاللَّهُ خَيْرُ الْمَاكِرِينَ ) ( الأنفال / 30 ) ، وقيل ( لا حافظة لكذوب ) ، ونسأل الله التوفيق لمن ينقب عن كل كلمة يقولها الكذابون الأفاكون ، ومع ذلك يخاطب الشيعة في آخر الشريط بقوله : لماذا الكذب ؟! ويقول في آخر الوجه الأول منه : ( وحتى نكون أمينين في نقلنا وهذه عادتنا ونسأل الله تبارك وتعالى أن يديمها علينا وهذه عادة أهل السنة ) !!
  وقد وصل إلي مؤخرا كتيب فيه حوار بين وهابي وأحد الشيعة ـ زعموا ! ـ فكان من ضمن تلك الحوارات التي لم يعلم المحاور فيها عما تكلم ولم يدر المجيب علام أجاب ، نقلٌ لكلام الشيخ المفيد رضوان الله تعالى عليه في تحريف القرآن ـ مع أنـها أجنبية عن تحريف القرآن ! ـ من أوائل المقالات فكان ما نقله الوهابية من كلام للشيخ المفيد هو ( أن أئمة الضلال خالفوا في كثير من تأليف القرآن وعدلوا فيه عن موجب التنزيل وسنة النبي صلى الله عليه وآله وسلم ، بل هناك تفاسير ذكرت الآيات والكلمات التي حرفت أو أنقصت من القرآن كما ذكر ذلك علي بن إبراهيم في تفسيره ) ، ولكننا لو رجعنا إلى أوائل المقالات لوجدنا أن هذا المقطع الأخير ( بل هناك تفاسير ذكرت الآيات والكلمات التي حرفت أو أنقصت من القرآن كما ذكر ذلك علي بن إبراهيم في تفسيره ) زيادة من عند الوهابية افتراء على الشيخ رضوان الله تعالى عليه !!
  وهاأنا أزيد بعد أسبوعين مما حكيته عن المحاورة السابقة وأذكر تحريف الوهابي ( محمد ، م ) لكلام الشيخ المفيد السابق ، فحرف الكذاب المقطع السابق بتبديل جملة ( خالفوا في كثير من تأليف القرآن ) بجملة ( خالفوا في كثير من تحريف القرآن ) !! ، وهذا في كتيبه الشيعة والقرآن ص 68 ، ومع ذلك يكتب أحدهم مادحا الكتاب ومقدما عليه بقوله ( وقد أورد المؤلف جميع نقوله عن القوم بعد تحري الأمانة العلمية والموضوعية في العرض والمناقشة … وقد أثبت المؤلف جميع المصادر التي أخذ عنها مع إثبات أرقام صفحاتـها التي نقل منه ليخرس بذلك ألسنة المرتابين وليقيم الحجة على المعاندين الضالين )
  ثم جاء الوهابي الآخر ( ناصر ، ق ) ليقول في كتابه أصول مذهب الشيعة ج1ص219 : ( هذان قولان مختلفان ومتعارضان صدرا من شيخين من شيوخهما يجمعهما وحدة الزمان والمكان ، ويتفقان في الهوية المذهبية ، بل إن هذا المفيد ـ رضوان الله تعالى عليه ـ هو تلميذ لابن بابويه القمي ـ قصد الشيخ الصدوق رضوان الله تعالى عليه ـ فمن نصدق منهما ؟ وأي القولين يعبر عن مذهب الشيعة ؟ ) اه ، إلى آخر سخفه وهرجه ، ولكن كيف تناقض الشيخان رضوان الله تعالى عليهما ؟! ، فهذا يقول إن القرآن غير محرف والآخر يميل إلى عدم تحريفه ، أفتونا مأجورين ! ، أم لعل المغفل أغتر بكلمة الشيخ المفيد رضوان الله تعالى عليه التي حاول الوهابي ( محمد ، م ) تحريفها من قبله ، وهي : ( اتفقوا على أن أئمة الضلال خالفوا في كثير من تأليف القرآن وعدلوا فيه عن موجب التنزيل وسنة النبي صلى الله عليه وآله وسلم ) ، وهي لا تدل إلا على أن أئمة الضلال قد خالفوا نصوص القرآن وتأليفه وكلماته ونبذوا نصوصه وراء ظهورهم ، فأين هذا من تحريف النص ؟! أم اغتر بـهذه الجملة ( أن الأخبار قد جاءت مستفيضة …) مع أن وجود الروايات والأخبار لا يلازم الاعتقاد بمضمونـها ! ، فلماذا لم يذكر هذا الوهابي (ناصر ، ق) تكملة كلام الشيخ المفيد التي فيها اعترافه الصريح بعد التحريف ؟! ، أم أنه يقلب السحر على الساحر ؟! ، ومثله في الجهل تلميذه وعبده (عثمان ، خ) الذي نقل كلام المفيد رضوان الله تعالى عليه هذا ( أن أئمة الضلال خالفوا في كثير من تأليف القرآن وعدلوا فيه عن موجب التنزيل وسنة النبي صلى الله عليه وآله وسلم ، وأجمعت المعتزلة والخوارج والمرجئة وأصحاب الحديث على خلاف الإمامية ) كشهادة على عدم قول أهل السنة بتحريف القرآن ! ، وكأنه يقول أن الإمامية تعتقد تحريف القرآن ! فكيف هذا وبعض الخوارج الذين خالفوا الإمامية أنكروا قرآنية سورة يوسف عليه السلام بدعوى أنـها قصة عشق ؟! ، والأكاذيب من هذا النوع كثيرة لدى الوهابية فلا نطيل ، قال تعالى ( إِنَّمَا يَفْتَرِي الْكَذِبَ الَّذِينَ لاَ يُؤْمِنُونَ بِآيَاتِ اللَّهِ وَأُوْلَئِكَ هُمُ الْكَاذِبُونَ ) ( النحل / 105 ).

إعلام الخَلف بمن قال بتحريف القرآن من أعلام السّلف _ 112 _
  الشريـف المرتـضـى : ( إن العلم بصحّة نقل القرآن كالعلم بالبلدان ، والحوادث الكبار ، والوقائع العظام ، والكتب المشهورة ، وأشعار العرب المسطورة ، فإن العناية اشتدّت والدواعي توفّرت على نقله وحراسته ، وبلغت إلى حدٍّ لم يبلغه في ما ذكرناه ، لأنّ القرآن معجزة النبوّة ، ومأخذ العلوم الشرعية والأحكام الدينيّة ، وعلماء المسلمين قد بلغوا في حفظه وحمايته الغاية ، حتى عرفوا كل شيء اختلف فيه من إعرابه وقراءته وحروفه وآياته ، فكيف يجوز أن يكون مغيّراً أو منقوصاً مع العناية الصادقة والضبط الشديد ؟! ).
  ( إن العلم بتفصيل القرآن وأبعاضه في صحّة نقله كالعلم بجملته ، وجرى ذلك مجرى ما علم ضرورةً ككتابي سيبويه والمزني ، فإن أهل العناية بـهذا الشأن يعلمون من تفصيلها ما يعلمونه من جلمتها ، حتى لو أنّ مُدخلاً أدخل في كتاب سيبويه باباً في النحو ليس من الكتاب لعُرف ومُـيّز ، وعلم أنه ملحق و ليس في أصل الكتاب ، وكذلك القول في كتاب المزني ، ومعلوم أنّ العناية بنقل القرآن وضبطه أصدق من العناية بضبط كتاب سيبويه ودواوين الشعراء ).
  ( المحكي أن القرآن كان على عهد رسول الله صلى الله عليه وآله مجموعا مؤلفا على ما هو عليه الآن فإن القرآن كان يحفظ ويدرس جميعه في ذلك الزمان حتى عين على جماعة من الصحابة في حفظهم له وأنه كان يعرض على النبي صلى الله عليه وآله و يتلى عليه … وكل ذلك يدل بأدنى تأمل على أنه كان مجموعا مرتبا غير منثور ولا مبثوث ) .
  ( وذكر أنّ من خالف في ذلك من الإمامية والحشوية لا تعتدّ بخلافهم ، فإن الخلاف في ذلك مضاف إلى قوم من أصحاب الحديث ، نقلوا أخباراً ضعيفة ظنّوا بصحّتها ، لا يرجع بمثلها عن المعلوم المقطوع على صحّته ) (1) .
  الشـيخ الطـوسـي : ( و أما الكلام في زيادته و نقصانه فمما لا يليق به أيضا ، ولأن الزيادة فيه مجمع على بطلانـها ، والنقصان منه ، فالظاهر من مذهب المسلمين خلافه ، وهو الأليق الصحيح من مذهبنا ، وهو الذي نصره السيد المرتضى (قده) وهو الظاهر في الروايات ، غير أنه رويت

--------------------
(1) مجمع البيان ج 1 ص 15.

إعلام الخَلف بمن قال بتحريف القرآن من أعلام السّلف _113 _
  روايات كثيرة من جهة الخاصة والعامة بنقصان كثير من آي القرآن ، ونقل شيء منه من موضع إلى موضع ، طريقها الآحاد التي لا توجب علما ولا عملا ، والأولى الإعراض عنها وترك التشاغل بـها ، لأنه يمكن تأويلها ، ولو صحّت لما كان ذلك طعنا على ما هو موجود بين الدفتين ، فإن ذلك معلوم صحته لا يعترضه أحد من الأمة ولا يدفعه ) (1) .
  الشيخ الطـبـرسـي : ( فإن العناية اشتدت والدواعي توفرت على نقله وحراسته وبلغت إلى حد لم يبلغه فيما ذكرناه لأن القرآن معجزة النبوة ومأخذ العلوم الشرعية والأحكام الدينية وعلماء المسلمين قد بلغوا في حفظه وحمايته الغاية حتى عرفوا كل شيء اختلف فيه من إعرابه وقراءته وآياته فكيف يجوز أن يكون مغيراً أو منقوصاً مع العناية الصادقة والضبط الشديد ؟ ) .
  ( ومن ذلك الكلام في زيادة القرآن ونقصانه ، فإنه لا يليق بالتفسير ، فأما الزيادة فمجمع على بطلانـها ، و أمّا النقصان منه فقد روى جماعة من أصحابنا وقوم من حشوية العامة : أن في القرآن تغييراً و نقصاناً … والصحيح من مذهب أصحابنا خلافه ، وهو الذي نصره المرتضى ـ قدّس الله روحه ـ و استوفى الكلام فيه غاية الاستيفاء في جواب المسائل الطرابلسيات ) (2) .
  السيد ابن طاووس في رده على أبي علي الجبائي : ( فمن يا ترى ادّعى اختلاف القرآن وتغيّره ؟ أنتم وسلفكم لا الرافضة على حدّ تعبيركم ! ، ومن المعلوم من مذهبنا أنّ القرآن واحد نزل من عند الواحد ، كما صرّح بذلك إمامنا جعفر بن محمد الصادق عليه السلام ) (3) .

--------------------
(1) التبيان في تفسير القرآن ج 1 ص 3.
(2) مجمع البيان ج 1 ص 15.
(3) سعد السعود ص 144
  أقول : ما قاله السيد ابن طاووس رضوان الله تعالى عليه في رده على الجبائي استغله أحد الوهابية (عثمان.خ) فاتـهمه باعتقاد تحريف القرآن في شريطه ( الشيعة والقرآن ) مقتصرا على نقل هذا المقطع فقط : ( كلّما ذكرته من طعن وقدح على من يذكر أن القرآن وقع فيه تبديل وتغيير فهو متوجه إلى سيّدك عثمان لأن المسلمين أطبقوا على أنه جمع الناس على هذا المصحف الشريف وحرّف وأحرق ما عداه من المصاحف ، فلولا اعتراف عثمان بأنه وقع تبديل وتغيير من الصحابة ما كان هناك مصحف يحرق وكانت تكون متساوية ) بدون نقل باقي العبارة وشطرها الأخير الذي فيه نفي التحريف عن الشيعة أو الرافضة على حد تعبيرهم ، ثم من قال إن هذا القول الذي اقتصر عليه الوهابي الجاهل يدل على أنه يقول بتحريف القرآن ؟! ، فكلام السيد ابن طاووس رضوان الله تعالى عليه كان في مقام إلزام الخصم بما عنده !! ، وقد قال الوهابي الكذاب مسبقا ( وهذا ابن طاووس ـ رضوان الله تعالى عليه ـ في القرن السابع قال : إن برأي الإمامية هو عدم التحريف . وهذا في كتاب القرآن ودعاوى التحريف ص 101 ، وهذا الله أعلم بنقله ، لأن المشهور عن ابن طاووس أنه يقول بالتحريف كما سيأتي ) ، فأين هذا المشهور الذي ادعاه الوهابي ؟! لماذا لم تأت الإشارة إليه كما زعم الكاذب عند كلامه عن السيد ابن طاووس رضوان الله تعالى عليه ؟! ،قال تعالى ( قُلْ إِنَّ الَّذِينَ يَفْتَرُونَ عَلَى اللَّهِ الْكَذِبَ لاَ يُفْلِحُونَ ) ( يونس / 69 ).

إعلام الخَلف بمن قال بتحريف القرآن من أعلام السّلف _ 114 _
  العـلاّمة الـحلّي : في جوابه على سؤال هذا نصه : ( ما يقول سيدنا في الكتاب العزيز هل يصح عند أصحابنا أنه نقص منه شيء أو زيد فيه أو غيّر ترتيبه أم لم يصح عندهم شيء من ذلك ؟ أفدنا أفادك الله من فضله ، وعاملك بما هو أهله ) .
  فأجاب رضوان الله تعالى عليه : ( الـحق أنه لا تبديل ولا تأخير ولا تقديم فيه ، وأنه لم يزد ولم ينقص ، ونعوذ بالله تعالى من أن يعتقد مثل ذلك وأمثال ذلك ، فإنه يوجب التطرق إلى معجزة الرسول عليه وآله السلام المنقولة بالتواتر ) (1) .
  السيد نـور الله التسـتري : ( ما نسب إلى الشيعة الإمامية من القول بوقوع التغيير في القرآن ليس مـمّا قال به جمهور الإمامية ، وإنما قال به شرذمة قليلة منهم لا اعتداد بـهم فيما بينهم ) (2) .
  الشـيخ البهـائي : ( الصحيح أن القرآن العظيم محفوظ عن ذلك ، زيادة كان أو نقصاً ، ويدل عليه قوله تعالى ( وَإِنَّا لَهُ لَحَافِظُونَ ) ( الحجر / 9 ) وما اشتهر بين الناس من إسقاط اسم أمير المؤمنين عليه السلام منه في بعض المواضع مثل قوله تعالى ( يَا أَيُّهَا الرَّسُولُ بَلِّغْ مَا أُنزِلَ إِلَيْكَ ( في علي ) ) ( المائدة / 67 ) وغير ذلك فهو غير معتبر عند العلماء ) (3) .
  الشيخ جعفر الكبير : ( لا زيادة فيه من سورة ولا آية من بسملة وغيرها ، لا كلمة ولا حرف . وجميع ما بين الدفتين مما يتلى كلام الله تعالى بالضرورة من المذهب بل من الدين (4) ، وإجماع المسلمين وأخبار النبي صلى الله عليه وآله والأئمة الطاهرين عليهم السلام وإن خالف بعض من لا يعتد به في دخول بعض ما رسم في اسم القرآن ) (5)
  ( ولا ريب في أنه محفوظ من النقصان بحفظ الملك الديان كما دل عليه صريح القرآن وإجماع العلماء في كل زمان ولا عبرة بالنادر و ما ورد من أخبار النقص تمنع البديهة من العمل.

--------------------
(1) أجوبة المسائل المهناوية ص 121 .
(2) مصائب النواصب ، في مبحث الإمامة .
(3) آلاء الرحمن ص 26 .
(4) سلامة المصحف من الزيادة من ضروريات الدين ولا مرية في ذلك ، ولكن ليس من ضرورياته وجوب شموله لكل ما أنزله الله عز وجل من القرآن ، وإن كان وجوبه هو الحق الذي لا نشك فيه ، وقد أوضحناه سابقا ، وهذا التفصيل مفاد جواب لاستفتاء وجهناه إلى مكتب سماحة آية الله العظمى السيد السيستاني حفظه الله تعالى .
(5) لعله قصد طائفة من الخوارج الذين أنكروا قرآنية سورة يوسف عليه السلام بدعوى أنـها قصة عشق !!

إعلام الخَلف بمن قال بتحريف القرآن من أعلام السّلف _ 115 _
  بظاهرها ، ولا سيّما ما فيه نقص ثلث القرآن أو أكثر منه ، فإنه لو كان كذلك لتواتر نقله ، لتوفّر الدواعي عليه ، ولاتّخذه غير أهل الإسلام من أعظم المطاعن على الإسلام و أهله ، ثم كيف يكون ذلك و كانوا شديدي المحافظة على ضبط آياته و حروفه ؟ ـ ثم قال ـ فلا بد من تأويلها بأحد الوجوه ) (1) .
  العلامة الفاضل التونـي : ( والمشهور أنّه محفوظ ومضبوط كما أنزل ، لم يتبدّل ولم يتغيّر ، حفظه الحكيم الخبير ، قال تعالى ( إِنَّا نَحْنُ نَزَّلْنَا الذِّكْرَ وَإِنَّا لَهُ لَحَافِظُونَ ) ( الحجر / 9 )) (2) .
  المحدث الفـيـض الكـاشـانـي : وقع المحدث رضوان الله تعالى عليه موضع لغط وتهريج تلك الشرذمة الذين افتروا الكذب عليه كما افتروا على غيره بأنه يرى تحريف القرآن فأحببنا أن نبين حقيقة الأمر بما يلي :
  قال في الصافي في تفسير القرآن : ( المستفاد من جميع هذه الأخبار وغيرها من الروايات من طريق أهل البيت عليهم السلام أن القرآن الذي بين أظهرنا ليس بتمامه كما أُنزل على محمد صلى الله عليه وآله وسلم ) (3) .
  وجد الوهابيون بـهذه الكلمة ضالتهم المنشودة مع أنه عليه الرحمة قال إن هذا هو المستفاد لا أن هذا هو رأيه في القضية ، ويدل عليه ما قاله في كتابه الوافي عند تعرّضه لموضوع روايات التحريف :
  ( وقد استوفينا الكلام في هذا المعنى وفيما يتعلق بالقرآن في كتابنا الموسوم ب‍ ( علم اليقين ) فمن أراده فليرجع إليه ) (4) ، وإن رجعنا لكتابه علم اليقين نجده يقول بعد ذكره لكلام القمي وروايتي الكليني عن ابن أبي نصر وسالم بن سلمة ما يلي :
  ( أقول : يرد على هذا كلّه إشكال وهو أنه على ذلك التقدير لم يبق لنا اعتماد على شيء من القرآن ، إذا على هذا يحتمل كلّ آية منه أن تكون محرّفة ومغيّرة ، ويكون على خلاف ما أنزله الله ، فلم يبق في القرآن لنا حجّة أصلاً ، فتنتفي فائدته وفائدة الأمر باتّباعه والوصية به ، وأيضاً قال الله عز وجل ( وَإِنَّهُ لَكِتَابٌ عَزِيزٌ ) ( فصلت / 41 ) ، وأيضاً قال الله عز وجل ( إِنَّا نَحْنُ نَزَّلْنَا الذِّكْرَ )(الحجر/9)، وأيضا قد استفاض عن النبي و الأئمة حديث عرض الخبر المروي عنهم على كتاب الله ).

--------------------
(1) كشف الغطاء في الفقه ، كتاب القرآن ص 299 .
(2) الوافية في الأصول ص 148 .
(3) الصافي في تفسير القرآن ج 1 ص 44.
(4) الوافي ج 2 ص 478.

إعلام الخَلف بمن قال بتحريف القرآن من أعلام السّلف _ 116 _
  ثم قال : ( ويخطر بالبال في دفع هذا الإشكال ـ والعلم عند الله ـ أن مرادهم بالتحريف والتغيير والحذف إنما هو من حيث المعنى دون اللفظ أي : حرّفوه وغيّروه في تفسيره وتأويله ، أي : حملوه على خلاف ما هو عليه في نفس الأمر ، فمعنى قولهم ، كذا أنزلت ، أنّ المراد به ذلك لا ما يفهم الناس من ظاهره ، وليس مرادهم أنـها نزلت كذلك في اللفظ ، فحذف ذلك إخفاءً للحق ، وإطفاءً لنور الله ، ومما يدل على هذا ما رواه في الكافي بإسناده عن أبي جعفر أنه كتب في رسالته إلى سعد الخير : وكان من نبذهم الكتاب أن أقاموا حروفه و حرّفوا حدوده ) (1) .
  ( قال الله عز وجل ( وَإِنَّهُ لَكِتَابٌ عَزِيزٌ لاَ يَأْتِيهِ الْبَاطِلُ مِنْ بَيْنِ يَدَيْهِ وَلاَ مِنْ خَلْفِهِ ) ( فصلت / 41 ـ 42 ) ، وقال ( إِنَّا نَحْنُ نَزَّلْنَا الذِّكْرَ وَإِنَّا لَهُ لَحَافِظُونَ ) ( الحجر / 9 ) ، فكيف يتطرق إليه التحريف والتغيير ؟! وأيضا قد استفاض عن النبي صلى الله عليه وآله والأئمة عليهم السلام حديث عرض الخبر المروي على كتاب الله ليعلم صحته بموافقته له وفساده بمخالفته فإذا كان القرآن الذي بأيدينا محرفاً فما فائدة العرض ، مع أن خبر التحريف مخالف لكتاب الله ، مكذب له ، فيجب رده و الحكم بفساده ) (2) .
  وبـهذا يحترق زخرف الوهابية ويبِين كذبـهم في نقلهم المتواصل لكلام الفيض رحمه الله ، ويؤكد الفيض الكاشاني عليه الرحمة موقفه من التحريف في تفسيره الأصفى عند تفسير قوله تعالى ( وَإِنَّا لَهُ لَحَافِظُونَ ) فقال مفسرا : ( من التحريف والتغيير والزيادة والنقصان ) (3) .
  ولا يخفى أن تسمية تفسيره بالأصفى يشير إلى أنه أدق وأكثر خلوصا من الصافي الذي نقلوا منه كلمة دلت بجهلهم على التحريف ، وأحد الوهابية صرح بأن كلام الفيض واضح في أنه يرى تحريف القرآن لأن اسم تفسيره هو الصافي ! ، وجهل الوهابي أن كلامه في الصافي لا يدل على اعتقاده التحريف هذا أولا ، وثانيا ان الفيض رضوان الله تعالى عليه عنده الأصفى وذكر فيه صيانة القرآن من التحريف .
  السيد بحر العلوم الطباطبائي : ( الكتاب هو القرآن الكريم والفرقان العظيم والضياء والنور والمعجز الباقي على مرّ الدهور ، وهو الحق الذي لا يأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه تنـزيل من لدن حكيم حميد ، أنزله بلسان عربيّ مبين هدىً للمتقين وبياناً للعالمين ) .
  وثم ذكر تأويل الروايات التي تذكر أن القرآن ربعه أو ثلثه نزل في أهل البيت عليهم السلام ، وذكر تأويلها بما لا يتنافى مع حفظ القرآن من النقصان .

--------------------
(1) علم اليقين ج 1 ص 562 وما بعدها .
(2) الوافي ج 1 ص 273، وقال مثله في المحجة البيضاء ج 2 ص 264 ط الأعلمي .
(3) الأصفى في تفسير القرآن ص 348 .

إعلام الخَلف بمن قال بتحريف القرآن من أعلام السّلف _ 117 _
  الشيخ محمد حسين آل كاشف الغطاء : ( وإن الكتاب الموجود في أيدي المسلمين هو الكتاب الذي أنزله الله للإعجاز و التحدي وتمييز الحلال من الحرام ، وأنه لا نقص فيه ولا تحريف ولا زيادة وعلى هذا إجماعهم ) (1) .
  السيد الهمام شرف الدين الموسوي العاملي : ( والقرآن الحكيم الذي لا يأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه ، إنما هو ما بين الدفتين وهو ما في أيدي الناس لا يزيد حرفا ولا ينقص حرفا ولا تبديل فيه لكلمة بكلمة ولا لحرف بحرف ، وكل حرف من حروفه متواتر في كل جيل تواترا قطعيا إلى عهد الوحي والنبوة ) .
  ثم ذكر رضوان الله تعالى عليه ما افتراه بعض السذج على الشيعة بتحريف القرآن : ( فأقول : نعوذ بالله من هذا القول ونبرأ إلى الله تعالى من هذا الجهل ، وكل من نسب هذا الرأي إلينا جاهل بمذهبنا أو مفتر علينا فإن القرآن العظيم والذكر الحكيم متواتر من طرقنا بجميع آياته وكلماته وسائر حروفه وحركاته وسكناته ، تواترا قطعيا عن أئمة الهدى من أهل البيت عليهم السلام ، ولا يرتاب في ذلك إلاّ معتوه ، وأئمة أهل البيت كلهم أجمعون رفعوه إلى جدهم رسول الله صلى الله عليه وآله عن الله تعالى وهذا أيضا مما لا ريب فيه وظواهر القرآن الحكيم ـ فضلا عن نصوصه ـ أبلغ حجج الله تعالى ، وأقوى أدلة أهل الحق بحكم الضرورة الأولية من مذهب الإمامية ، وصحاحهم في ذلك متواترة من طريق العترة ، وبذلك تراهم يضربون بظواهر الصحاح المخالفة للقرآن عرض الجدار ولا يأبـهون بـها عملا بأوامر أئمتهم عليهم السلام ) (2) .

--------------------
(1) هذا المورد وبعض مما يليه نقلناه من البرهان في صيانة القرآن ص 239 وما بعدها .
(2) أجوبة مسائل موسى جار الله ص 33 ط صيدا عام 1373 ه‍ ، السيد شرف الدين رضوان الله تعالى عليه ذهب إلى صحّة كل ما ورد في الكتب الأربعة حيث قال : ( الكتب الأربعة التي هي مرجع الإمامية … وهي متواترة ومضامينها مقطوع بصحتها والكافي أقدمها وأعظمها وأحسنها وأتقنها ) ، وهاهو يصرح أن تلك الروايات عندما تصل إلى مرحلة الخدش بصيانة كتاب الله عز وجل من التحريف يضرب بظواهر تلك الروايات عرض الجدار ولا يعبأ بـها وإن كانت في الكافي لأن قدسية كتاب الله عز وجل فوق تلك الكتب ، وهذا ما يعجز عن فعله أهل السنة فإن تلك الراويات التي سنذكرها فيما بعد بإذنه تعالى أخرج بعضها البخاري ومسلم ومع ذلك لا يتجرّأ أحد من السنة ـ إلا من شذ ـ برفض تلك الروايات والحكم بعدم صحّتها حتى ولو خدشت في صيانة كتاب الله عز وجل من التحريف ، ونؤكد أنا لا ننسب لجمهور أهل السنة القول بتحريف القرآن كما يفعل الوهابية مع الشيعة وإنما نبين أن بعض الروايات عندنا وعندهم تدل على التحريف بالمثل ، ولكن محققي الإمامية يرفضون هذه الروايات الواردة في كتبهم ، وأما علماء أهل السنة ـ للأسف ـ فيصححونـها حفاظا على قدسية البخاري ومسلم ‍، وكأنه لا ضير في تحريف قول الله سبحانه لرفع أقوال وروايات السلف الصالح !!

إعلام الخَلف بمن قال بتحريف القرآن من أعلام السّلف _ 118 _
  السيد محسن الأمين العاملي : ( ونقول : لا يقول أحد من الإمامية لا قديما ولا حديثا إن القرآن مزيد فيه ، قليل أو كثير ، فضلا عن كلهم ، بل كلهم متفقون على عدم الزيادة ، ومن يعتد بقوله من محققيهم متفقون على أنه لم ينقص منه ).
  السيد البروجردي الطباطبائي : قال الشيخ لطف الله الصافي عن أستاذه آية الله السيد حسين البروجردي ( فإنه أفاد في بعض أبحاثه في الأصول كما كتبنا عنه بطلان القول بالتحريف وقداسة القرآن عن وقوع الزيادة فيه ، وإن الضرورة قائمة على خلافه ، وضعف أخبار النقيصة غاية الضعف سندا ودلالة )
  الشيخ الـمظفر : ( نعتقد أن القرآن هو الوحي الإلهي المنـزل من الله تعالى على لسان نبيه الأكرم فيه تبيان كل شيء وهو معجزته الخالدة التي أعجزت البشر عن مجاراتـها في البلاغة والفصاحة وفيما احتوى من حقائق ومعارف عالية لا يعتريه التبديل والتحريف وهذا الذي بين أيدينا نتلوه هو نفس القرآن المنـزل على النبي ومن ادعى فيه غير ذلك فهو مخترق أو مغالط أو مشتبه وكلهم على غير هدى ، فإنه كلام الله الذي ( لاَ يَأْتِيهِ الْبَاطِلُ مِنْ بَيْنِ يَدَيْهِ وَلاَ مِنْ خَلْفِهِ ) ( فصلت / 42 ) ) (1) .
  السيد محسن الحكيم الطباطبائي : ( وبعد فإن رأي كبار المحققين ، وعقيدة علماء الفريقين ، ونوع المسلمين من صدر الإسلام إلى اليوم على أن القرآن بترتيب الآيات والسور والجمع كما هو المتداول بالأيدي لم يقل الـكبـار بتحريفه من قبل ولا من بعد ) .
  السيد محمد هادي الميلاني : ( الحمد لله وسلام على عباده الذين اصطفى ، أقول بضرس قاطع إن القرآن الكريم لم يقع فيه أي تحريف لا بزيادة ولا بنقصان ولا بتغيير بعض الألفاظ وإن وردت بعض الروايات في التحريف المقصود منها تغيير المعنى بآراء وتوجيهات و تأويلات باطلة لا تغيير الألفاظ والعبارات ، وإذا اطلع أحد على رواية و ظن بصدقها وقع في اشتباه وخطأ وإن الظن لا يغني من الحق شيئا ).

--------------------
(1) عقائد الإمامية ص 59 ـ 60.

إعلام الخَلف بمن قال بتحريف القرآن من أعلام السّلف _ 119 _
  الشيخ الحجة البلاغي : ( ولئن سمعت من الروايات الشاذة شيئاً في تحريف القرآن وضياع بعضه ، فلا تقم لتلك الروايات وزناً ، وقل ما يشاء العلم في اضطرابـها ووهنها وضعف رواتـها ومخالفتها للمسلمين ، وفيما جاءت به في الروايات الواهية من الوهن وما ألصقته بكرامة القرآن مما ليس له شبه به ) (1) .
  الإمام روح الله الموسوي الخميني : قال رضوان الله تعالى عليه في معرض ردّه على بعض الإخباريين حيث زعموا عدم حجية ظواهر القرآن الكريم واستدلوا بوجوه منها وقوع التحريف في القرآن الكريم وهذا نص ما ذكره قدس الله نفسه الزكية في أنوار الهداية في التعليقة على الكفاية :
  ( وهذا ممنوع بحسب الصغرى (2) والكبرى : أما الأولى : فلمنع وقوع التحريف فيه جـدّا ، كما هو مذهب المحقّقين من علماء العامة والخاصة ، والمعتبَـرين من الفريقين (3) ، وإن شئت شطرا من الكلام في هذا المقام فارجع إلى مقدمة تفسير آلاء الرحمن للعلامة البلاغي المعاصر ( قدس سره ) ).
  ( وبالجملة : لو كان الأمر كما ذكره هذا و أشباهه ، من كون الكتاب الإلـهي مشحونا بذكر أهل البيت وفضلهم ، وذكر أمير المؤمنين وإثبات وصايته وإمامته ، فلِمَ لم يحتج بواحد من تلك الآيات النازلة والبراهين القاطعة من الكتاب الإلـهي أمير المؤمنين ، وفاطمة ، والحسن ، والحسين ( عليهم السلام ) وسلمان ، و أبو ذر ، و عمّار ، وسائر الأصحاب الذين لا يزالون يحتجّون على خلافته عليه السلام ؟! ولِم تشبّث ( عليهم السلام ) بالأحاديث النبوية ، والقرآن بين أظهرهم ؟! ولو كان القرآن مشحونا باسم أمير المؤمنين وأولاده المعصومين وفضائلهم وإثبات خلافتهم ، فبأيّ وجه خاف النبيّ صلى الله عليه وآله ـ في حجّة الوداع آخرَ سنين عمره الشريف وأخيرةَ نزول الوحي الإلهيّ من تبليغ آية واحدة مربوطة بالتبليغ ، حتّى ورد أنّ ( الله يعصمك من الناس ) ؟! ولِم احتاج النبي صلى الله عليه وآله ـ إلى دواة وقلم حين موته للتصريح باسم عليّ عليه السلام ؟! فهل رأى أن لكلامه أثراً فوق أثر الوحي الإلهيّ ؟! وبالجملة : ففساد هذا القول الفظيع والرأي الشنيع أوضح من أن يخـفى على ذي مسكة ، إلاّ أنّ هذا الفساد قد شاع على رغم علماء الإسلام وحفّاظ شريعة سيّد الأنام ) (4) .

--------------------
(1) آلاء الرحمن في تفسير القرآن ص 18 .
(2) أن القرآن الكريم قد حُرف .
(3) كلامه أعلا الله مقامه يشير إلى أن هناك من قال من الفريقين بتحريف القرآن ولكنهم غير معتبرين عند الطرفين ، مع العلم أن من قال بتحريف القرآن من أهل السنة معتبرون عندهم وفي أعلى درجات العلم والفضل كما سيأتي بيانه بإذنه تعالى ، نعم ما كان أحد ممن قال بتحريف القرآن من الشيعة مرجعا للطائفة ، وعامة الشيعة كانت ومازالت تلتف حول المرجع دون غيره .
(4) أنوار الهداية في التعليقة على الكفاية ج 1 ص 243 ـ 247.

إعلام الخَلف بمن قال بتحريف القرآن من أعلام السّلف _ 120 _
  وقال أيضا في تقريرات بحثه في تـهذيب الأصول : ( فان الواقف على عناية المسلمين على جمع الكتاب وحفظه وضبطه قراءة وكتابة يقف على بطلان تلك المزعمة ، وأنه لا ينبغي أن يركن إليه ذو مسكة ، وما وردت فيه من الأخبار ، بين ضعيف لا يستدل به ، إلى مجعول يلوح منها إمارات الجعل ، إلى غريب يقضى منه العجب ، إلى صحيح يدل على أن مضمونه تأويل الكتاب وتفسيره إلى غير ذلك من الأقسام التي يحتاج بيان المراد منها إلى تأليف كتاب حافل ولولا خوف الخروج عن طور الكتاب لأرخينا عنان البيان إلى بيان تاريخ القرآن وما جرى عليه طيلة تلك القرون وأوضحنا عليك أن الكتاب هو عين ما بين الدفتين ، والاختلاف الناشئة بين القراء ليس إلا أمرا حديثا لا ربط له بما نزل به الروح الأمين على قلب سيد المرسلين ) (1) .
  السيد أبو القاسم الخوئي : ( ومما ذكرناه : قد تبين للقارئ أن حديث تحريف القرآن حديث خرافة وخيال ، لا يقول به إلا من ضعف عقله ، أو من لم يتأمل في أطرافه حق التأمل ، أو من ألجأه إليه حب القول به ، والحب يعمي ويصم ، وأما العاقل المنصف المتدبر فلا يشك في بطلانه وخرافته ) (2) .

--------------------
(1) تـهذيب الأصول ج 2 ص 165
  أقول : مع كل هذا تجد افتراء الوهابية امتد للإمام الخميني قدس الله نفسه الزكية واتُـهموه باعتقاد تحريف القرآن !! بدعوى أنه رضوان الله تعالى عليه صحح دعاء صنمي قريش الذي فيه مقطع (وحرفـا كتابك ) ، وهذا لو سلمنا به ، فهل كل مشتقات مادة ( حرف ) تعني تحريف اللفظ بالإزالة والإلغاء ؟! ألا يوجد تحريف للمعنى ؟! وتحريف المعنى ذكره المفسرون في تفسير هذه الآية الكريمة ( يَسْمَعُونَ كَلاَمَ اللَّهِ ثُمَّ يُحَرِّفُونَهُ مِنْ بَعْدِ مَا عَقَلُوهُ ) ( البقرة / 75 ) ، فلماذا حصر الوهابية التحريف في الدعاء بتبديل اللفظ وإزالته لا غير ؟!
(2) تفسير البيان ص 259
  أقول ولكن الوهابي (عثمان.خ) كذب على السيد الخوئي رضوان الله تعالى عليه وأراد التنقيص من قدره الشريف عندما حرف كلامه في شريطه (الشيعة والقرآن ) قائلا : ( الخوئي ـ رضوان الله تعالى عليه ـ يقول بعدم التحريف ويقول : القول بتحريف القرآن قول خرافة لم يقل به أحد ) ، فحرفها الوهابي بعد تعداده لأسماء من زعم أنـهم قالوا بتحريف القرآن من الشيعة يريد بذلك اقناع الأعراب من حوله أن السيد رضوان الله تعالى عليه كذب عندما قال ( لم يقل به أحد ) !! ، ولكن الوهابي الكذاب (عثمان.خ) حسب أن الله عز وجل غافل عما يفعل ، فهاهي كلمات السيد أمامنا ولا يوجد فيها ( لم يقل به أحد ) ؟!! ، فاتضح من هو الكذاب الأشر ، والسيد رضوان الله تعالى عليه قال إن حديث تحريف القرآن حديث خرافة أي لا يعبر عن الواقع بل هو محض خيال والسياق الذي حذفه الوهابي شاهد على هذا المعنى ، فأين هذا من نفي أو إثبات قول أحد به الذي نسبه الوهابي كذبا للسيد ؟!! وقد كذب هذا الوهابي (عثمان.خ) مرة أخرى على السيد الخوئي رضوان الله تعالى عليه ونسب له قولا لم يقله ، وأحالك إلى مصدره لتعلم أنه كاذب ! ، ففي السياق نفسه من الشريط حاول الكذاب النيل من صدق السيد الخوئي في دفاعه عن صيانة القرآن من التحريف قائلا : ( يقول عن تفسير القمي الملي بالتحريف ، يقول إن روايات تفسيره كلها ثابتة عن المعصومين وصادرة عنهم لأنـها انتهت إليه بواسطة المشايخ الثقات ، وهذا قاله في معجم رجال الحديث ) ، ولو تراجع معجم رجال الحديث لعلمت أن هذا ليس قولا

إعلام الخَلف بمن قال بتحريف القرآن من أعلام السّلف _ 121 _
  السيد محمد حسين الطباطبائي : ( فقد تبين مما فصلناه أن القرآن الذي أنزله الله على نبيّه صلى الله عليه وآله ووصفه بأنه ذكر محفوظ على ما أنزل مصون بصيانة إلـهية عن الزيادة والنقيصة والتغيير كما وعد الله نبيه فيه ) (1) .
  السيد محمد رضا الكلبايكاني : ( وقال الشيخ لطف الله الصافي دام ظله : ولنعم ما أفاده العلامة الفقيه والمرجع الديني السيد محمد رضا الكلبايكاني بعد التصريح بأن ما في الدفتين هو القرآن المجيد ذلك الكتاب الذي لا ريب فيه ، والمجموع المرتب في عصر الرسالة بأمر الرسول صلى الله عليه وآله ، بلا تحريف ولا تغيير و لا زيادة ولا نقص وإقامة البرهان عليه : أن احتمال التغيير زيادة ونقيصة في القرآن كاحتمال تغيير المرسل به واحتمال كون القبلة غير الكعبة في غاية السقوط لا يقبله العقل وهو مستقل بامتناعه عادة ) .
  للسيد الخوئي رضوان الله تعالى عليه كما ذكر الكذاب الأشر ، قال في معجم رجال الحديث ج 1 ص 49 : ( فإن علي بن إبراهيم يريد بما ذكره إثبات صحة تفسيره ، وأن رواياته ثابتة وصادرة من المعصومين عليهم السلام ، وإنـها إنتهت إليه بوساطة المشايخ والثقات من الشيعة ) ، فالقول بصدور تلك الروايات عن المعصومين ليس كلاما للسيد رضوان الله تعالى عليه وإنما هو كلام القمي رضوان الله تعالى عليه كما هو صريح العبارة !! ، فلماذا الكذب جهارا عيانا يا وهابي ؟!.
  وفي السياق السابق بتر هذا الوهابي كلاما آخر للسيد رضوان الله تعالى عليه وبينه بصورة أخرى مغايرة للواقع يريد بذلك النيل من السيد ، فقال الوهابي : ( وقال كذلك هذا الخوئي ـ رضوان الله تعالى عليه ـ عن روايات التحريف إن كثيرة الروايات تورث القطع بصدور بعضها عن المعصومين ولا أقل من الإطمئنان بذلك ومنها ما روي بطريق معتبر وهذا قاله في كتاب البيان ص 222 ) ، ولكن لو راجعنا المصدر لوجدناه بـهذه الصورة : ( الجواب : أن هذه الروايات لا دلالة فيها على وقوع التحريف في القرآن بالمعنى المتنازع فيه ، وتوضيح ذلك : أن كثيرا من الروايات ، وإن كانت ضعيفة السند ، فإن جملة منها نقلت من كتاب أحمد بن محمد السياري ، الذي اتفق علماء الرجال على فساد مذهبه ، وأنه يقول بالتناسخ ، ومن علي بن أحمد الكوفي الذي ذكر علماء الرجال أنه كذاب ، وأنه فاسد المذهب إلا أن كثرة الروايات تورث القطع بصدور بعضها عن المعصومين عليهم السلام ولا أقل من الاطمئنان بذلك ، وفيها ما روي بطريق معتبر فلا حاجة بنا إلى التكلم في سند كل رواية بخصوصها ) ، فبدأ بعرض الروايات وبيان أنـها لا تدل على تحريف القرآن بالنقص أو الزيادة في النص القرآني وإنما تدل على تحريف التنـزيل الذي ذكرناه سابقا وقد نقلنا قوله رضوان الله تعالى عليه فيه ، فالسيد لم يقل تلك الكلمة التي اقتصر عليها الوهابي إلا لعدم تكلف مناقشة سند كل رواية على حدة وإن كانت كلها لا تدل في نظر السيد على تحريف القرآن كما هو صريح قوله رضوان الله تعالى عليه ، ولكن الوهابي بتر الكلام وقطع أوله وأراد تفهيم من حوله أن السيد الخوئي رضوان الله تعالى عليه يقول بصدور روايات التحريف عن الأئمة عليهم السلام !! ، ومع كل هذه الموارد والأفائك يوعظ (عثمان.خ) الشيعة في آخر الشريط بقوله : ( لماذا الكذب ؟! ) ، ويقول في آخر الوجه الأول منه : ( وحتى نكون أمينين في نقلنا وهذه عادتنا ونسأل الله تبارك وتعالى أن يديمها علينا وهذه عادة أهل السنة ) !! ، قال تعالى ( يُخَادِعُونَ اللَّهَ وَالَّذِينَ آمَنُوا وَمَا يَخْدَعُونَ إِلاّ أَنفُسَهُمْ وَمَا يَشْعُرُونَ ) ( البقرة / 9 ).

--------------------
(1) تفسير الميزان ج 12 ص 105.

إعلام الخَلف بمن قال بتحريف القرآن من أعلام السّلف _ 122 _
  الشيخ لطف الله الصافي : ( القرآن معجزة نبينا محمد صلى الله عليه وآله وسلم وهو الكتاب الذي لا يأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه ، قد عجز الفصحاء عن الإتيان بمثله و بمثل سورة أو آية منه و حير عقول البلغاء وفطاحل الأدباء ) .
  ( هذا القرآن هو كل ما في الدفتين ليس فيه شيء من كلام البشر وكل سورة من سوره وكل آية من آياته متواتر مقطوع به ولا ريب فيه ، دلت عليه الضرورة والعقل والنقل القطعي المتواتر ، هذا هو القرآن عند الشيعة الإمامية ليس إلى القول فيه بالنقيصة فضلا عن الزيادة سبيل ، ولا يرتاب في ذلك إلا جاهل ، أو مبتلى بالشذوذ الفكري ) (1) .
  وبعد كل هذه التصريحات من أعاظم وأساطين علماء الشيعة وفقهائهم ومن دارت عليهم رحى الاجتهاد والمرجعيّة للآلاف المؤلفة من الشيعة طيلة ألف سنة ، يأتينا الوهابية ويقولون : الشيعة يعتقدون تحريف القرآن ! ألم ينته عصر الكذب بعد ؟!
  ولنذكر هنا قول أحد مشايخ أهل السنة وهو محمد التيجاني المستبصر وهو يحكي لنا شعوره حينما كان على مذهب العامة ومدى التضليل الذي كان يمارس عليهم في مسألة تحريف القرآن :
  ( وما ينسب إلى الشيعة من القول بالتحريف هو مجرد تشنيع وتـهويل ، وليس له في معتقدات الشيعة وجود ـ إلى قوله ـ وأتذكر أني عندما زرت بلاد الشيعة للمرة الأولى كان في ذهني بعض هذه الإشاعات ، فكنت كلما رأيت مجلدا ضخما تناولته علّني أعثر على هذا القرآن المزعوم ، ولكن سرعان ما تبخّر هذا الوهم وعرفت فيما بعد أنـها إحدى التشنيعات المكذوبة لينفّروا الناس من الشيعة .
  ولكن يبقى هناك دائما من يشنّع ويحتجّ على الشيعة بكتاب اسمه فصل الخطاب في تحريف الكتاب ومؤلفه محمد تقي النوري الطبرسي المتوفّى سنة 1320 هجرية وهو شيعي ، ويريد هؤلاء المتحاملون أن يحمّلوا الشيعة مسوؤلية هذا الكتاب ! وهذا غير إنصاف ! فكم من كتب كتبت وهي لا تعبّر في الحقيقة إلا عن رأي كاتبها ومؤلفها ويكون فيها الغث والسمين وفيها الحق والباطل وتحمل في طيّها الخطأ والصواب ، ونجد ذلك عند كلّ الفرق الإسلامية ولا يختص بالشيعة دون سواها وهو في الواقع ألصق وأقرب بأهل السنة والجماعة منه إلى الشيعة ، أ فيجوز لنا أن نحمّل أهل السنة والجماعة مسؤولية ما كتبه وزير الثقافة المصري وعميد الأدب العربي الدكتور طه حسين بخصوص القرآن والشعر الجاهلي ؟! أو ما رواه البخاري وهو صحيح عندهم من نقص في القرآن وزيادة ؟ وكذلك صحيح مسلم وغيره ؟ ) (2) ، أقول : لا حياة لمن تنادي !

--------------------
(1) الموارد التي لم نذكر مصادرها أخذناها من البرهان في صيانة القرآن من التحريف.
(2) لأكون مع الصادقين ص 168 ـ 169 ، أقول : إلى الآن ما استطاع أحد من أهل السنة أن يرد على كتب التيجاني وخاصة كتابه ( ثم اهتديت ) ، وأما الوهابية الإنصاف أنـهم ردوا عليه بأدلتهم المعتادة فقد أوسعوه شتما وركلا وتكذيبا ! ولكثرتـها تعثرت يوما ببعض الكتيبات التي لا تفيح منها إلا رائحة الطعن والسباب ، وبعضها حشا كاتبها (عثمان.خ) جملة ( هذا كذب ) في كل إيراد على التيجاني حتى كررها الوهابي فصارت كلمة تكرارية سخيفة تـمج منها الإسماع وتؤذي نظر القارئ المحترم ، ولما صارت هذه الكلمة هي الرد الممل حاول الكاتب أن يتخلص من الرتابة بإطراء الـجو وإنعاش القارئ فصار يطعم استدلاله القوي (هذا كذب) ببعض الأشعار التي فيها ذكر للكذب وللكذابين !! ولله في خلقه شؤون ! وقد تسليت بعض الشيء بعدّ كلمة (كذب) ومشتقاتـها في هذا الكتيب الذي عدد صفحاته ثمانون صفحة لو قسناها بورقنا ، فاتضح أنـها تكررت مائتين وخمس مرات ! والحق إن لـهذا الوهابي أسلوبا جميلا في الإبطال والتكذيب يستحق أن يدرس في جامعات الدجل والشعوذة ، فلو نقل التيجاني حديثا ما عن عدة مصادر وكان الحديث ينقص بكلمة أو بما لا يخل بمعناه في أحد تلك المصادر التي ذكرها التيجاني نحو حديث الصلاة البتراء ، لكذبه الكاتب وقال : هذا كذب ، لأن الحديث لم يرد في المصدر !!.

إعلام الخَلف بمن قال بتحريف القرآن من أعلام السّلف _ 123 _
المنصفون من أهل السنة ينفون هذه الفرية عن الشيعة
  لو اقتصر تكذيب هذه الفرية على أكابر الشيعة لكان من العجب أن يتمسك أولئك الأعراب بافتراءاتـهم ، ولكن ما يصدم العقل البشري أن كثيرا من علماء أهل السنة نفوا تلك الفرية عن الشيعة جملة وتفصيلا ، ومع ذلك تُصْدَم بأن الوهابية ـ نعوذ بالله العظيم مما ابتلاهم الله به من سوء سريرة صموا وعموا حتى عن أقوال بني جلدتـهم وأهل الفضل منهم ، وهذه بعض كلماتـهم :
  يقول الشيخ محمد أبو زهرة : ( القرآن بإجماع المسلمين هو حجة الإسلام الأولى وهو مصدر المصادر له ، وهو سجل شريعته ، وهو الذي يشتمل على كلّها و قد حفظه الله تعالى إلى يوم الدين كما وعد سبحانه إذ قال ( إِنَّا نَحْنُ نَزَّلْنَا الذِّكْرَ وَإِنَّا لَهُ لَحَافِظُونَ ) ( الحجر / 9 ) ، وإن إخواننا الإمامية على اختلاف منازعهم يرونه كما يراه كل المؤمنين ) (1).
  وقال : ( إن الشريف المرتضى وأهل النظر الصادق من إخواننا الإثنا عشرية قد اعتبروا القول بنقص القرآن أو تغييره أو تحريفه تشكيكا في معجزة النبي صلى الله عليه وآله وسلم واعتبروه إنكارا لأمر علم من الدين بالضرورة ) (2).

--------------------
(1) الإمام الصادق ص 296.
(2) ن.م ص 329 .

إعلام الخَلف بمن قال بتحريف القرآن من أعلام السّلف _ 124 _
-   وقال الشيخ رحمة الله الهندي : ( القرآن المجيد عند جمهور علماء الشيعة الإمامية الاثني عشرية محفوظ من التغيير والتبديل ومن قال منهم بوقوع النقصان فيه،فقوله مردود غير مقبول عندهم ) (1) .
  وقال الشيخ محمد الغزالي : ( سمعت من هؤلاء يقول في مجلس علم : أن للشيعة قرآنا آخر يزيد وينقص عن قرآننا المعروف ! فقلت : أين هذا القرآن ؟ ! ولـماذا لم يطلع الإنس والجن على نسخة منه خلال هذا الدهر الطويل ؟ لمـاذا يساق هذا الافتراء ؟ … ولمـاذا هذا الكذب على الناس وعلى الوحي ) (2) .
  وقال محمد علي الزعبي : ( لقد اتفق المسلمون ـ ويحز في قلبي الألم حين أصفهم بالسنة والشيعة بعد أن دعاهم الله مسلمين ورضي لهم الإسلام دينا ـ اتفقوا على عصمة القرآن وحفظه منذ عهد نـزوله حتى الآن فالسنيون على تعداد مذاهبهم الفقهية المعروفة ، والتي أصبحت في ذمة التاريخ ، والشيعة ، سواء أكانوا إمامية اثني عشرية أو زيدية أو إسماعيلية : بـهرة أم موحّدين أم آغاخانية … جميعهم ينظرون كتاب الله الموجود بين أيدي الناس معصوما محفوظا كما أنزل ، ويعتقدون أنه هو نفسه الذي أنزله الله لرسوله محمد صلى الله عليه وآله وسلم ووصل الناس دون زيادة أو نقص ، نعم هذا ما اتفق عليه مسلمو العالم في جميع عصورهم وهذا ما سجله مؤلفوهم ومحققوهم ومخلصوهم ولو أردنا أن نقول للقارئ راجع كتاب كذا وصفحة كذا لأذهبنا سجلا بأسماء الكتب ) (3) .
  وقال البهنساوي : ( إن الشيعة الجعفرية الاثني عشرية يرون كفر من حرّف القرآن الذي أجمعت عليه الأمة منذ صدر الإسلام … وإن المصحف الموجود بين أهل السنة هو نفسه الموجود في مساجد وبيوت الشيعة وأنه لا يوجد منهم في عصرنا من يقول بما جاء في بعض كتبهم القديمة عن مصحف فاطمة بل يقولون إن هذه روايات غير صحيحة مردودة كما أن أئمة الشيعة في عصرنا يؤكدون ذلك ) (4) .

--------------------
(1) إظهار الحق : تعليق الدكتور أحمد حجازي ص 431 .
(2) دفاع عن العقيدة والشريعة أقول : لأن تشويه مذهب أهل البيت عليهم السلام يحول دون فهم الناس الصحيح ، والوهابية تعلم أن مذهبهم الذي ابتدعه ابن عبد الوهاب لا يصمد ولو قليلا أمام فكر وعظمة مدرسة أهل البيت عليهم السلام الذين أذهب الله عنهم الرجس وطهرهم تطهيرا ، وقد ذكرنا ذلك في المقدمة .
(3) لا سنة ولا شيعة ص 239 .
(4) السنة المفترى عليها ص 60 أقول إن قصد أن كتب الشيعة تنص على أن مصحف فاطمة عليها السلام هو قرآن الشيعة ، فهذا الكلام غير صحيح وهي من الإشاعات التي حيكت على مذهب أهل البيت عليهم السلام ، والحق أن الشيعة الإمامية يعتقدون أن لفاطمة عليها السلام كتابا يسمى في كلمات أئمة أهل البيت عليهم السلام ب‍ مصحف فاطمة لا يوجد به شيء من القرآن ، وإنما فيه أخبار من يملك والحوادث الآتية على الناس ، وليس بقرآن للشيعة كما يحاول الوهابية إدارتـها على السذج متوسلين بتسميته باسم (مصحف) الذي يتبادر منه القرآن في عرفنا اليوم ، مع أن المصحف في اللغة تعني ما جمع في الصحف سواء كانت صحفا كتب فيها قرآن أم غيره ، ولكن الوهابية يخادعون ويمكرون ويمكر الله والله خير الماكرين .

إعلام الخَلف بمن قال بتحريف القرآن من أعلام السّلف _ 125 _
  وقال الأستاذ محمد المديني عميد كلية الشريعة بالجامعة الأزهرية : ( وأمّـا أن الإمامية يعتقدون نقص القرآن ، فمعاذ الله . إنما هي روايات رويت في كتبهم ، كما روي مثلها في كتبنا ، وأهل التحقيق من الفريقين قد زيّفوها ، وبينوا بطلانـها وليس في الشيعة الإمامية أو الزيدية من يعتقد ذلك كما أنه ليس في السنة من يعتقده ).
  وقال أيضا : ( وقد ألّف أحد المصريين كتابا اسمه ( الفرقان ) حشاه بكثير من أمثال هذه الروايات السقيمة المدخولة المرفوضة ، ناقلا لها عن الكتب والمصادر عند أهل السنة ، وقد طلب الأزهر من الحكومة مصادرة هذا الكتاب بعد أن بين بالدليل والبحث العلمي أوجه البطلان والفساد فيه ، فاستجابت الحكومة لهذا الطلب وصادرت الكتاب ، فرفع صاحبه دعوى يطلب فيها تعويضا ، فحكم القضاء الإداري في مجلس الدولة برفضها .
  أفيقال أنّ أهل السنة ينكرون قداسة القرآن ؟ أو يعتقدون نقص القرآن لرواية رواها فلان ؟ أو لكتاب ألفه فلان ؟ فكذلك الشيعة الإمامية ، إنما هي روايات في بعض كتبهم كالروايات التي في بعض كتبنا ) (1) .
  قال الدكتور محمد عبد الله دراز : ( ومهما يكن من أمر فإن هذا المصحف هو الوحيد المتداول في العالم الإسلامي ، بـما فيه فرق الشيعة ، ومنذ ثلاثة عشر قرنا من الزمان ، و نذكر هنا رأي الشيعة الإمامية ـ أهم فرق الشيعة ـ ثم ذكر كلام الشيخ الصدوق رضوان الله تعالى عليه ) (2) .
  وقال الدكتور علي عبد الواحد وافي : ( يعتقد الشيعة الجعفرية كما يعتقد أهل السنة أن القرآن الكريم هو كلام الله عز وجل المنـزل على رسوله المنقول بالتواتر والمدوّن بين دفتي المصحف بسوره وآياته المرتبة بتوقيف من الرسول صلوات الله وسلامه عليه ، وأنه الجامع لأصول الإسلام عقائده وشرائعه و أخلاقه ، والخلاف بيننا وبينهم في هذا الصدد يتمثل في أمور شكلية وجانبية لا تمس النص القرآني بزيادة ولا نقص ولا تحريف ولا تبديل ولا تثريب عليهم في اعتقادهم ) (3) .

--------------------
(1) مجلة رسالة الإسلام العدد الرابع من السنة الحادية عشرة ص 382 و 383 .
(2) مدخل إلى القرآن الكريم ص 39 ـ 40 .
(3) بين الشيعة وأهل السنة ص 35 .