( وروى محمد بن عباس أيضا حديث المتن عن أبي بصير ثم قال : هكذا في مصحف فاطمة عليها السلام ، وفي رواية أخرى عن أبي بصير أيضا ، وفيه : ثم قال هكذا والله نزل بـها جبرئيل عليه السلام على النبي صلى الله عليه وآله وسلم ، وهكذا هو مثبت في مصحف فاطمة ) (1) .
  وعليه فهذه الزيادة وإن نزل بـها أمين الوحي من السماء ولكنها ليست من نصوص القرآن ، وإلا لقيل أنـها موجودة في مصحف أهل البيت عليهم السلام ، لا أن تودع الزيادة في مصحف فاطمة عليها السلام الذي لم يشتمل على شيء من القرآن ، ففي الكافي : ( عن الحسين ابن أبي العلاء قال : سمعت أبا عبد الله عليه السلام يقول : إن عندي الجفر الأبيض ، قال : قلت : فأي شئ فيه ؟ قال : زبور داود ، وتوراة موسى ، وإنجيل عيسى ، وصحف إبراهيم عليهم السلام والحلال والحرام ، ومصحف فاطمة ، ما أزعم أن فيه قرآنا ، وفيه ما يحتاج الناس إلينا ولا نحتاج إلى أحد حتى فيه الجلدة ، ونصف الجلدة ، وربع الجلدة وأرش الخدش ) (2) .
  وفي رواية أخرى عنه عليه السلام : ( ثم سكت ساعة ثم قال : وإن عندنا لمصحف فاطمة عليها السلام وما يدريهم ما مصحف فاطمة عليها السلام ؟ قال : قلت : وما مصحف فاطمة عليها السلام ؟ قال : مصحف فيه مثل قرآنكم هذا ثلاث مرات (3) ، والله ما فيه من قرآنكم حرف واحد ، قال : قلت : هذا والله العلم ! قال : إنه لعلم وما هو بذاك ) (4) .
  فنستنتج أن تلك الزيادة وإن كان جبرئيل عليه السلام قد نزل بـها من السماء ولكنه نزل بـها كتفسير للآية لا كقرآن ، ناهيك عن أن ذلك الكافر المعترض على الإمامة شك في أن هذا التفضيل للإمام علي عليه السلام أمرا من عند الله عز وجل أم من عند نفس النبي صلى الله عليه وآله وسلم ، وعلى هذا لو كانت تلك الزيادة من القرآن لما شك في ذلك !

--------------------
(1) مرآة العقول ج 5 ص 61 ط دار الكتب الإسلامية.
(2) الكافي ج 1 ص 240 ح 3 ط دار الكتب الإسلامية.
(3) المقصود أن حجم مصحف فاطمة عليها السلام أكبر من حجم القرآن الكريم بثلاث مرات ، أما الوهابية فقد افتروا كعادتـهم على الشيعة بأن عندهم مصحفا غير مصحفنا يسمى بمصحف فاطمة ! ولا ندري من أين استفادوا هذا المعنى ؟! ويوما ما علق بي كتيب لأحد الوهابية يستدل فيه على أن مصحف فاطمة عليها السلام هو قرآن الشيعة ، لأن هنالك رواية أخرى رويت عن أبي عبد الله عليه السلام فيها أن القرآن الذي جاء به جبرائيل عليه السلام إلى محمد صلى الله عليه وآله سبعة عشر ألف آية ، فاستدل على ذلك بأن القرآن عند الشيعة ثلاثة أضعاف الموجود وحيث أن مصحف فاطمة ثلاثة أضعاف الموجود أيضا ، فقرآن الشيعة هو مصحف فاطمة !! ، وكما ترى فإن هذه السخافة لا تنطلي على فاقد العقل ! إذ التوافق بين كتابين في الحجم لا يلزم منه توافقهما في المتن ! والمضحك أن هذا الكلام برمته يتعارض مع الغرض الذي لأجله كتب الوهابي كتيبه ، لأنه أراد إثبات اعتقاد الشيعة تحريف قرآن المسلمين الذي تدين الشيعة به ، ولكن دليله المعوج جره إلى أن الشيعة لهم قرآن آخر لا أن قرآن المسلمين ـ شيعة وسنة ـ محرف في نظر الشيعة !‍! ، وبعد هذا فهل يُستغرب ترفّع علماء الشيعة عن الاهتمام بـسخافات الوهابية ؟! لا والله .
(4) الكافي ج 1 ص 239 ح 1 ط دار الكتب الإسلامية.

إعلام الخَلف بمن قال بتحريف القرآن من أعلام السّلف _ 77 _
  ومما يدل على أن التنـزيل ليس من القرآن هو إقحام بعض الروايات التنـزيل في ضمن آيات تخاطب المشركين وأهل الكتاب من اليهود والنصارى ، فمن الغير المعقول أن تأمر تلك الآيات ـ القرآن والتنـزيل بحسب الفرض ـ غير المسلمين بالتسليم لأمير المؤمنين عليه السلام بالولاية والوصاية ! وعليه فلا ريب أن هذه الزيادات ليست من جنس القرآن وإنما هي تفسيرها بالباطن أو تأويلها ، وكمثال :
  ( قلت ـ الفضيل ـ : ( وَاصْبِرْ عَلَى مَا يَقُولُونَ ) ( المزمل / 10 ) ؟ قال الإمام موسى الكاظم عليه السلام : يقولون فيك ، ( وَاهْجُرْهُمْ هَجْرًا جَمِيلاً وَذَرْنِي (يا محمد) وَالْمُكَذِّبِينَ (بوصيّك) أُولِي النَّعْمَةِ وَمَهِّلْهُمْ قَلِيلاً ) ( المزمل / 10 ـ 11 ) قلت : إن هذا تنـزيل ؟ قال : نعم ) (1) ، وقد مرت بعض الموارد من هذا النحو فراجع .
  ويدل عليه أيضا الجمع بين كثير من الروايات التي يذكر فيها التنـزيل ونـزوله من السماء ، ثم تأتي في المقابل روايات كثيرة عن الإمام عليه السلام لا تُذكر فيها تلك الزيادة وإنما يقتصر على النص القرآني ، وهذا الأمر لم يتكرر مرة أو مرتين بل كثر واستفاض حتى لا يكاد يخلو منه تنـزيل ، فلا تنـزيل إلا وفي مقابله جموع من الروايات التي تقتصر على النص القرآني ، مع العلم أن الروايات التي يقتصر فيها على النص القرآني تتضمن طعونا صريحة في ابن أبي قحافة وابن الخطاب مع ذكر اسميهما ، وهذا ينفي دعوى التقية في هذه الموارد ، ويمكن الرجوع إلى كتب التفسير الروائية عند الشيعة وتتبع الآيات التي زيد فيها التنـزيل لتجد في مقابلها عدة من الروايات تذكر الآية خالصة من أي تنـزيل مع احتواء الروايات على الطعن في رموز القوم بلا تطرق للتحريف والنقيصة في الآية ، فراجع مثلا تفسير البرهان للسيد هاشم البحراني رضوان الله تعالى عليه .
  ويدل عليه أيضا روايات كثيرة تحكي نزول أسماء أئمة أهل البيت عليهم السلام ، وبالخصوص اسم الإمام علي عليه السلام بين ثنايا الآيات الكريمة ، مع أنـه وردت رواية صحيحة السند في الكافي تدل بظاهرها على أن أسماء أهل البيت عليهم السلام لم تذكر صراحة في آيات القرآن ، والرواية هي :
  ( عن أبي بصير قال : سألت أبا عبد الله عليه السلام عن قول الله عز وجل : ( يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وَأُوْلِي الأَمْرِ مِنْكُمْ ) ( النساء / 59 ).
  فقال : نزلت في علي بن أبي طالب والحسن والحسين عليهم السلام ، فقلت له : إن الناس يقولون : فما له لم يسم عليا وأهل بيته عليهم

--------------------
(1) ن ، م ج 1 ص 434 ح 1.

إعلام الخَلف بمن قال بتحريف القرآن من أعلام السّلف _ 78 _
  السلام في كتاب الله عز وجل ؟ قال : فقال عليه السلام : ( قولوا لهم : إن رسول الله صلى الله عليه وآله نزلت عليه الصلاة ولم يسم الله لهم ثلاثا ولا أربعا ، حتى كان رسول الله صلى الله عليه وآله هو الذي فسر ذلك لهم ، ونزلت عليه الزكاة ولم يسم لهم من كل أربعين درهما درهم ، حتى كان رسول الله صلى الله عليه وآله هو الذي فسر ذلك لهم ، ونزل الحج فلم يقل لهم : طوفوا أسبوعا حتى كان رسول الله صلى الله عليه وآله هو الذي فسر ذلك لهم ) (1) .
  فظاهر هذه الصحيحة يتعارض مع الروايات التي فيها نزول أسمائهم عليهم السلام من السماء قرآنا ، ويمكن حل التعارض بكون تلك الأسماء من قبيل التفسير بالباطن المنـزل من السماء وهو ما ذكرنا الأدلة عليه منذ البداية .
  ويدل عليه أيضا ما جاء في بحار الأنوار للعلامة المجلسي رضوان الله تعالى عليه عن الإمام أمير المؤمنين عليه السلام أنه قال : ( اعلم يا سلمان ! إن الشاك في أمرنا وعلومنا كالممتري في معرفتنا وحقوقنا ، وقد فرض ولايتنا في كتابه في غير موضع وبين فيه ما وجب العمل به وهو غير مكشوف ) (2) .
  وهذه الرواية صريحة في أن ولاية أهل البيت عليهم السلام ذكرت في القرآن بنحو مستتر غير مكشوف ، وهذا يعني أن تلك المقاطع التي وردت في الروايات لم تكن من آيات القرآن وإلا لما صح أن يقال أن ولايتهم ذكرت مستترة غير مكشوفة ، بل يقال ذكرت واضحة مكشوفة ولكن حرفت وحذفت .
  ومما يدل على ذلك بوضوح أيضا أن لو كان هذا التنـزيل من النص القرآني وفيه كل هذه النصوص الصريحة في إمامة أهل البيت عليهم السلام لما كان من المعقول قول عمر في رزية يوم الخميس ( حسبنا كتاب الله ) حينما شتم النبي صلى الله عليه وآله وسلم ورماه بالهجر والهذيان ومنعه من كتابة كتاب لا يضل المسلمون لو تمسكوا به ، إذ فهم ابن الخطاب من كلامه صلى الله عليه وآله وسلم الذي أخرجه مسلم : ( أكتب لكم كتابا لن تضلوا بعده أبدا ) ، أنه ( صلى الله عليه وآله وسلم ) أراد أن يكتب ما كان يكرره دائما وهو : ( أيها الناس ! إني تركت فيكم ما إن أخذتم به لن تضلوا كتاب

--------------------
(1) الكافي ج 1 ص 286 ـ 287 ح 1.
(2) بحار الأنوار ج 72 ص 28 ح 10.

إعلام الخَلف بمن قال بتحريف القرآن من أعلام السّلف _ 79 _
  الله وعترتي أهل بيتي ) (1) ، فقال عمر بن الخطاب : ( حسبنا كتاب الله ! ) (2) ، أي لا حاجة لنا بأهل بيتك ! ، فلو كان القرآن مليء بكل هذه النصوص على إمامة أهل البيت عليهم السلام ، فكيف يقع عمر فيما فر منه ؟!
  وأوضح منها جميعا أن لو كانت تلك الأسماء من القرآن كما تدعيه الروايات لشاع وذاع بين المسلمين كقرآن يتلى بأسماء أهل البيت عليهم السلام ، وهذا لم ينقله التاريخ لنا ! بل إن التاريخ والروايات الصحيحة نقلت لنا اضطراب النبي صلى الله عليه وآله وسلم من التبليغ العام بولاية أمير المؤمنين عليه السلام عند عودته من حجة الوداع ، حتى أنزل الله عز وجل ضمان عصمته صلى الله عليه وآله وسلم ، فقال عز وجل : ( يَا أَيُّهَا الرَّسُولُ بَلِّغْ مَا أُنزِلَ إِلَيْكَ مِنْ رَبِّكَ وَإِنْ لَمْ تَفْعَلْ فَمَا بَلَّغْتَ رِسَالَتَهُ وَاللَّهُ يَعْصِمُكَ مِنْ النَّاسِ إِنَّ اللَّهَ لاَ يَهْدِي الْقَوْمَ الْكَافِرِينَ ) ( المائدة / 67 ) ، فلو كان هناك واقعية لما تقوله الروايات من قرآنية الأسماء فلا مصحح لخشيته صلى الله عليه وآله وسلم بعد شيوع العلم بأشخاص أئمة المسلمين قرآنا ، ولا مجال حينها لاتـهام النبي صلى الله عليه وآله وسلم بأن تنصيب أمير المؤمنين عليه السلام كان من عند نفسه صلى الله عليه وآله وسلم ، وهو ما اتـهمه به الحارث الفهري لعنه الله ولعن من رضى بكلامه وأضمره في نفسه .
  فكل هذه الأدلة والقرائن تقضي بفساد قول من قال إن تلك الزيادات جزء من القرآن .

--------------------
(1) سلسلة الأحاديث الصحيحة للألباني ج 4 ص 355 ح 1761.
(2) صحيح مسلم ج 3 ص 1259 : ( عن ابن عباس أنه قال : يوم الخميس ! وما يوم الخميس ؟! ثم جعل تسيل دموعه حتى رأيت على خديه كأنـها نظام اللؤلؤ قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : ائتوني بالكتف والدواة أو اللوح والدواة أكتب لكم كتابا لن تضلوا بعده أبدا . فقالوا : إن رسول الله صلى الله عليه وسلم يهجر ).
  ( عن ابن عباس قال لما حضر رسول الله صلى الله عليه وسلم ، وفي البيت رجال فيهم عمر بن الخطاب فقال النبي صلى الله عليه وسلم : هلم أكتب لكم كتابا لا تضلون بعده ، فقال عـمـر : إن رسول الله صلى الله عليه وسلم قد غلب عليه الوجع ، وعندكم القرآن ، حسبنا كتاب الله ، فاختلف أهل البيت فاختصموا ، فمنهم من يقول : قربوا يكتب لكم رسول الله صلى الله عليه وسلم كتابا لن تضلوا بعده !! ، ومنهم من يقول ما قال عـمــر ، فلما أكثروا اللغو والاختلاف عند رسول الله صلى الله عليه وسلم ، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : قــومــوا ! قال عبيد الله : فكان ابن عباس يقول : إن الرزية كل الرزية ما حال بين رسول الله صلى الله عليه وسلم وبين أن يكتب لهم ذلك الكتاب من اختلافهم ولغطهم ).
  وفي صحيح البخاري ج 4 ص 1612 : ( فذهبوا يردّون عليه ، فقال : دعوني !! فالذي أنا فيه خير مما تدعونني إليه ) ، وفيه ج 3 ص 1111 : ( فقالوا : هـجـر رسول الله صلى الله عليه وسلم ، قال : دعوني !! فالذي أنا فيه خير مما تدعونني إليه ، وأوصى عند موته بثلاث أخرجوا المشركين من جزيرة العرب ، وأجيزوا الوفد بنحو ما كنت أجيزهم ، ونسيت الثالثة ).

إعلام الخَلف بمن قال بتحريف القرآن من أعلام السّلف _ 80 _
  ولا بأس بذكر بعض ما جاء في تفسير العياشي الذي يدل على أن هذه الكلمات وإن نزلت من السماء في ثنايا الآيات ولكنـها نزلت كتفسير لا كقرآن :
  ( عن جابر قال : سألت أبا جعفر عليه السلام عن هذه الآية عن قول الله ( فلَمَّا جَاءَهُمْ مَا عَرَفُوا كَفَرُوا بِهِ ) ( البقرة / 89 ) ، قال تفسيرها في الباطن ( فلَمَّا جَاءَهُمْ مَا عَرَفُوا ( في علي) كَفَرُوا بِهِ ) فقال الله فيهم ( فَلَعْنَةُ اللَّهِ عَلَى الْكَافِرِينَ ) ( البقرة / 89 ) في باطن القرآن قال أبو جعفر فيه : يعني بنى أمية هم الكافرون في باطن القرآن ) (1) . وعليه فالزيادة كانت من باب التفسير .
  وكذا هذه الرواية : ( أبو بصير عنه قال : إنما أنزلت هذه الآية على محمد صلى الله عليه واله في الأوصياء خاصة ، فقال : ( كنتم خير أئمة أخرجت للناس تأمرون بالمعروف وتنهون عن المنكر ) هكذا والله نزل بـها جبرئيل وما عنى بـها إلا محمدا وأوصيائه صلوات الله عليهم ) (2) .
  وقد تلتها رواية أخرى : ( عن أبي عمرو الزبيرى عن أبي عبد الله عليه السلام في قول الله : ( كُنْتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ تَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَتَنْهَوْنَ عَنْ الْمُنكَرِ ) ( آل عمران / 110) ، قال ( عليه السلام ) : يعنى الأمة التي وجبت لها دعوة إبراهيم عليه السلام ، فهم الأمة التي بعث الله فيها ومنها واليها ، وهم الأمة الوسطى وهم خير أمة أخرجت للناس ) (3) ، فيتضح أن الآية نزلت من السماء بـهذا المعنى المذكور في الرواية الأولى لا أنه قرآن منـزل .
  ورواية أخرى : ( عن عمار بن سويد قال : سمعت أبا عبد الله عليه السلام يقول في هذه الآية ( فَلَعَلَّكَ تَارِكٌ بَعْضَ مَا يُوحَى إِلَيْكَ وَضَائِقٌ بِهِ صَدْرُكَ ) ( هود / 12 ) ـ إلى قوله ـ ودعا رسول الله عليه وآله السلام لأمير المؤمنين في آخر صلوته رافعا بـها صوته يسمع الناس يقول : اللهم هب لعلي المودة في صدور المؤمنين والهيبة والعظمة في صدور المنافقين ، فأنزل الله ( إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ سَيَجْعَلُ لَهُمْ الرَّحْمَانُ وُدًّا فَإِنَّمَا يَسَّرْنَاهُ بِلِسَانِكَ لِتُبَشِّرَ بِهِ الْمُتَّقِينَ وَتُنذِرَ بِهِ قَوْمًا لُدًّا ) ( مريم / 96 ـ 97) ، بنى أمية ، فقال رمع : والله ! لصاع من تـمر في شن بال أحب إلي مما سأل محمد ربه أفلا سأله ملكا يعضده أو كنـزا يستظهر به على فاقته ، فأنزل الله فيه عشر آيات من هود أولـها : ( فَلَعَلَّكَ تَارِكٌ بَعْضَ مَا يُوحَى إِلَيْكَ وَضَائِقٌ بِهِ صَدْرُكَ أَنْ يَقُولُوا لَوْلاَ أُنزِلَ عَلَيْهِ كَنزٌ أَوْ جَاءَ مَعَهُ مَلَكٌ إِنَّمَا أَنْتَ نَذِيرٌ

--------------------
(1) تفسير العياشي ج 1 ص 69 ح 70 ط الأعلمي .
(2) ن ، م ص 219 ح 129 . (3) ن ، م ح 130.

إعلام الخَلف بمن قال بتحريف القرآن من أعلام السّلف _ 81 _
  وَاللَّهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ وَكِيلٌ أَمْ يَقُولُونَ افْتَرَاهُ قُلْ فَأْتُوا بِعَشْرِ سُوَرٍ مِثْلِهِ مُفْتَرَيَاتٍ وَادْعُوا مَنْ اسْتَطَعْتُمْ مِنْ دُونِ اللَّهِ إِنْ كُنتُمْ صَادِقِينَ فَإِلَّمْ يَسْتَجِيبُوا ( في ولاية علي ) )( هود / 12 ـ 14 ) ( فاعلم إنما أنزل إليك ) ( بِعِلْمِ اللَّهِ وَأَنْ لاَ إِلَهَ إِلاَّ هُوَ فَهَلْ أَنْتُمْ مُسْلِمُونَ ( لعلي ولايته ) مَنْ كَانَ يُرِيدُ الْحَيَاةَ الدُّنْيَا وَزِينَتَهَا ( يعني فلانا وفلان ) نُوَفِّ إِلَيْهِمْ أَعْمَالَهُمْ فِيهَا ) ( هود / 14 ـ 15 ) ( أَفَمَنْ كَانَ عَلَى بَيِّنَةٍ مِنْ رَبِّهِ ( رسول الله صلى الله عليه واله ) وَيَتْلُوهُ شَاهِدٌ مِنْهُ ( أمير المؤمنين عليه السلام ) وَمِنْ قَبْلِهِ كِتَابُ مُوسَى إِمَامًا وَرَحْمَةً ) قال : كان ولاية علي في كتاب بموسى ( أُوْلَئِكَ يُؤْمِنُونَ بِهِ وَمَنْ يَكْفُرْ بِهِ مِنْ الأَحْزَابِ فَالنَّارُ مَوْعِدُهُ فَلاَ تَكُنْ فِي مِرْيَةٍ مِنْهُ قال( في ولاية علي ) إِنَّهُ الْحَقُّ مِنْ رَبِّكَ وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لاَ يُؤْمِنُونَ وَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنْ افْتَرَى عَلَى اللَّهِ كَذِبًا أُوْلَئِكَ يُعْرَضُونَ عَلَى رَبِّهِمْ وَيَقُولُ الأَشْهَادُ ( هم الأئمة عليهم السلام ) هَؤُلاَءِ الَّذِينَ كَذَبُوا عَلَى رَبِّهِمْ أَلاَ لَعْنَةُ اللَّهِ عَلَى الظَّالِمِينَ ) ( هود / 17 ـ 18 ) ، إلى قوله ( هَلْ يَسْتَوِيَانِ مَثَلاً أَفَلاَ تَذَكَّرُونَ ) ( هود / 24 ) ) (1) .
  فهل من المعقول القول بقرآنية هذه المقاطع ؟! ، كيف تكون من القرآن والآيات نزلت في مكة ! والحوادث التي تحكيها الرواية وقعت في المدينة ! (2) .
  وهنا أدل الروايات على أن التنـزيل تفسير للقرآن لا أكثر ، ففي رواية عن الإمام الصادق عليه السلام أنه قال : ( ( اصْبِرُوا ) على الأذى فينا ، قلت : ف‍ ( صَابِرُوا ) ؟ قال : على عدوكم مع وليكم ، قلت : ف‍ ( رَابِطُوا ) ؟ قال : المقام مع إمامكم ، ( وَاتَّقُوا اللَّهَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ ) ( آل عمران / 200 ) ، قلت : تنـزيل ؟ قال : نعم ) (3) .
  وواضح جدا أن الكلام المتوسط بين الآيات كان تفسيرا لمقاطع الآية وهو من التنـزيل ، إذ لا ينسجم تركيب جملة واحدة من هذا المزيج .
  2 ـ من روايات أهل السنة : =>

--------------------
(1) ن ، م ج 2 ص 152 ح 11.
(2) وهذه الرواية ليست في صدد بيان مورد نـزول الآية الذي يسميه أهل السنة بالتفسير وأسباب النـزول ، وإنما بصدد بيان جري القرآن على ما ينطبق عليه ، فآيات القرآن كما تنطبق على مورد النـزول كذلك تجري على غيره إلى آخر الزمان لأن القرآن حي لا يموت والآية لا تنـزل وتقتصر على حادثة معينة ، وهذا هو الخلط الذي وقع فيه الوهابية فصاروا يهولون ويشنعون على الشيعة بأنـهم يفسرون القرآن تفسيرا باطنيا ! مع أن التفسير شيء والجري شيء آخر وباطن القرآن شيء ثالث ! وهذه مصيبة الوهابية يحمّلون فهمهم على الغير ثم يطلقون الأحكام !
(3) ن ، م ص 237 ص 200 .

إعلام الخَلف بمن قال بتحريف القرآن من أعلام السّلف _ 82 _
  2 ـ من روايات أهل السنة
  وأما روايات أهل السنة التي تدل على التنـزيل فهي كثيرة وسيأتي ذكرها في ضمن الروايات التي تحكي القراءات الشاذة للصحابة والتابعين ، ولا نقول أن كل القراءات الشاذة هي نتاج الخلط بين التنـزيل والقرآن بل البعض منها ، والأغلب كان اجتهادا منهم ، وما يدل أيضا على التنـزيل ما رووه عنه صلى الله عليه وآله وسلم أنه قال : ( ألا وإني أوتيت الكتاب ومثله معـه ) (1) .
  وكذا تدل عليه هذه الرواية : ( عن العرباض بن سارية قال : نزل النبي صلى الله عليه وسلم خيبر ومعه من معه من أصحابه فقال : يا عبد الرحمن اركب فرسا فناد إن الجنة لا تحل إلا لمؤمن ، وإن اجتمعوا إلى الصلاة فاجتمعوا فصلى النبي صلى الله عليه وسلم ، ثم قام فقال : أيحسب امرؤ قد شبع حتى بطن وهو متكئ على أريكته أن الله لم يحرم شيئا إلا ما في هذا القرآن ، ألا وإني والله لقد حدثت وأمرت ووعظت بأشياء إنـها لمثل القرآن أو أكثر ، وإنه لا يحل لكم من السباع كل ذي ناب ولا الحمر الأهلية وإن الله لم يحل لكم أن تدخلوا بيوت المعاهدين إلا بإذن ولا أكل أموالهم ولا ضرب نسائهم إذا أعطوكم الذي عليهم إلا ما طابوا به نفسا ) (2) .
  وهذا المعنى من نزول جبرئيل عليه السلام بالسنة كما كان ينـزل بالقرآن في سنن الدارمي : ( أخبرنا محمد بن كثير عن الأوزاعي عن حسان قال : كان جبريل ينـزل على النبي صلى الله عليه (وآله) وسلم بالسنة كما ينـزل عليه بالقرآن ) (3) .
  وفي التمهيد لابن عبد البر : ( أما الخيل فقد جاء فيها ما جاء ، وفي هذا الحديث والله أعلم دليل على أن كلامه ذلك في الخيل كان بوحي من الله لأنه قال في الـحُمر لم ينـزل على فيها شيء إلا الآية الجامعة الفاذة فكان قوله في الخيل نزل عليه والله أعلم ألا ترى إلى قوله : لقد عوتبت الليلة في الخيل . وهذا يعضد قول من قال : إنه كان لا يتكلم في شيء إلا بوحي وتلا ( وَمَا يَنْطِقُ عَنْ الْهَوَى إِنْ هُوَ إِلاَّ وَحْيٌ يُوحَى ) ( النجم / 3 ـ 4 ) ، واحتج بقوله ( صلى الله عليه وآله وسلم ) : أوتيت الكتاب ومثله معه .

--------------------
(1) سنن أبي داود ج 4 ص 199 باب في لزوم السنة ط دار الجيل ، وأخرجه أحمد في مسنده ج 4 ص 130 ط الميمنية ، بلفظ ( قال رسول الله صلى عليه (وآله) وسلم : ألا وإني أوتيت الكتاب ومثله معه ، ألا وإني أوتيت القرآن ومثله ومعه …الخ ) ، كما جاء في المسند الجامع ج 15 ص 455 ح 11817 مسند المقدام بن معدي كرب ،جاء بعضه في سنن ابن ماجة ج 1 ص 6 باب تعظيم حديث رسول الله صلى الله عليه (وآله) وسلم و التغليظ على من عارضه ، وجاء بعضه أيضا في سنن الدارمي ج 1 ص 144 باب السنة قاضية على كتاب الله .
(2) السنة للمروزي ج 1 ص 111 ـ 112 ح 405.
(3) سنن الدارمي ج 1 ص 145 ، السنة للمروزي ج 1 ص 111 ح 402 ، وفي تفسير القرطبي ج 1 ص 39 : ( وروى الأوزاعي عن حسان بن عطية قال : كان الوحي ينـزل على رسول الله صلى الله عليه وسلم ويحضره جبريل بالسنة التي تفسر ذلك ).

إعلام الخَلف بمن قال بتحريف القرآن من أعلام السّلف _ 83 _
  وبقول عبد الله بن عمرو : يا رسول الله ! أكتب كل ما أسمع منك ؟ قال : نعم ، قال : في الرضا والغضب ؟ قال : نعم فأني لا أقول إلا حقا ) (1) .
  وقد تسالم أهل لا إله إلا الله على عدم اختصاص جبريل عليه السلام بتبليغ القرآن ، حيث جاء بالأحاديث القدسية وكان مبلغا للسنة ولتفسير القرآن وكذا كان يخبر عن أحوال المنافقين والمشركين وغير ذلك مما كان يُنـزّله ، وستأتي أقوال علماء أهل السنة الناصة على أنه صلى الله عليه وآله وسلم قد أوتي وأنزل عليه مع القرآن غيره كالسنة والمغيبات وغيرهما التي تدخل كلها في إطار تفسير القرآن وتأويله بقوله عز وجل ( وَكُلَّ شَيْءٍ أحْصَيْنَاهُ فِي إِمَامٍ مُبِينٍ ) ( يس / 12 ).
  وكمثال على القراءة الشاذة التي خلطت القرآن بالتنـزيل هذه الرواية التي أخرجها ابن مردويه : ( عن أبي عبد الرحمن السلمي رضي الله عنه قال قرأ علي رضى الله عنه الواقعات في الفجر فقال : ( وتجعلون شكركم إنكم تكذبون ) (2) فلما انصرف قال : إني قد عرفت أنه سيقول قائل : لم قرأها هكذا ؟ إني سمعت رسول الله صلى الله عليه (وآله) وسلم يقرؤها كذلك ، كانوا إذا مطروا قالوا : مطرنا بنوء كذا وكذا ، فـأنـزل الله ( وتجعلون شكركم إنكم إذا مطرتم تكذبون ) ) (3) .
  وهذه الرواية تفيد أن الإمام علي عليه السلام قرأ الآية القرآنية مع اعترافه أن ما أنزله الله عز وجل هو شكل آخر حيث كان مما أنزله عز وجل هو ( إذا مطرتم ) فيتضح أنـه من التنـزيل وهو أعم من القرآن ، ولكن للأسف قد أشكل كثير من التنـزيل على بعض الصحابة حتى اعتبره من القرآن يقرأ به آناء الليل وأطراف النـهار ، بدعوى أنه لا يترك شيئا سمعه من رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم ! مع أن ما سمعه ليس بقرآن كله بل دمج القرآن مع تفسيره !
  وما أخرجه البخاري ومسلم في صحيحيهما يدل على التنـزيل أيضا :

--------------------
(1) التمهيد لابن عبد البر ج 4 ص 221.
(2) هكذا في الأصل وهي في القرآن ( وَتَجْعَلُونَ رِزْقَكُمْ أَنَّكُمْ تُكَذِّبُونَ ) ( الواقعة / 82 ).
(3) الدر المنثور ج 6 ص 163 ط دار المعرفة .

إعلام الخَلف بمن قال بتحريف القرآن من أعلام السّلف _ 84 _
  ( حدثنا الأعمش حدثنا عمرو بن مرة عن سعيد بن جبير عن بن عباس رضي الله تعالى عنهما قال : لما نزلت ( وَأَنذِرْ عَشِيرَتَكَ الأَقْرَبِينَ ورهطك منهم المخلصين ) ( الشعراء / 214 ) ، خرج رسول الله صلى الله عليه (وآله) وسلم الخ ) (1) ، والآية نزلت من السماء بالزيادة وليست إلا تفسيرا للآية الكريمة .
  وسيأتي ذكر بعض الموارد التي اشتبه بـها الصحابة وحار فيها علماء أهل السنة ، فاخترعوا لها الوجوه والتأويلات ، وقالوا إنـها من القراءات الشاذة التي قرأ بـها الصحابة ولم تتواتر عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم بل لم ترد عنه صلى الله عليه وآله وسلم ، كما سيأتي بإذنه تعالى في مبحث القراءات الشاذة ، ولكن نصوص أهل البيت عليهم السلام تبين أنـها كانت من التنـزيل ، وأهل البيت أعلم بما فيه .
  والأهم من كل روايات الشيعة وأهل السنة هذه الآية الكريمة التي تحكي حقيقة تفسير الله عز وجل لقرآنه حيث قال ( إِنَّ عَلَيْنَا جَمْعَهُ وَقُرْآنَهُ فَإِذَا قَرَأْنَاهُ فَاتَّبِعْ قُرْآنَهُ ثُمَّ إِنَّ عَلَيْنَا بَيَانَهُ ) ( القيامة / 17 ـ 19 ) ، حيث تكفل الله عز وجل ببيان معاني القرآن ، وهذه المعاني ستصل إلينا بلا ريب كسنة نبوية ، وهو من التنـزيل المقصود .

--------------------
(1) صحيح البخاري ج 4 ص 1902 ح 4687 باب تفسير سورة ( تبت يدا أبي لهب ) ، صحيح مسلم ج 1 ص 193 ح 208 ، السنن الكبرى للبيهقي ج 9 ص 7 .

إعلام الخَلف بمن قال بتحريف القرآن من أعلام السّلف _ 84 _
كلمات أعلام الشيعة وأهل السنة في التنـزيل
  أولا : كلمات أعلام الشيعة رضوان الله تعالى عليهم أجمعين :
  قال الشيخ المفيد رضوان الله تعالى عليه في أوائل المقالات : ( ولكنّ حذف ما كان مثبتاً في مصحف أمير المؤمنين عليه السّلام من تأويله وتفسير معانيه على حقيقة تنـزيله ، وذلك كان ثابتاً منـزلاً ، وإن لم يكن من جملة كلام الله تعالى الذي هو القرآن المعجز ، وقد يسمّى تأويل القرآن قرآناً ، قال الله تعالى ( وَلاَ تَعْجَلْ بِالْقُرْآنِ مِنْ قَبْلِ أَنْ يُقْضَى إِلَيْكَ وَحْيُهُ وَقُلْ رَبِّ زِدْنِي عِلْمًا ) ( طه / 114 ) ، فسمّى تأويل القرآن قرآناً ، وهذا ما ليس فيه بين أهل التفسير اختلاف ، وعندي أنّ هذا القول أشبه ) أي أشبه من القول بتحريف النص القرآني .

إعلام الخَلف بمن قال بتحريف القرآن من أعلام السّلف _ 85 _
  وقال : ( وأما الوجه المجوز فهو أن يزاد فيه الكلمة والكلمتان والحرف الحرفان ، وما أشبه ذلك مما لا يبلغ حد الإعجاز ، ويكون ملتبسا عند أكثر الفصحاء بكلم القرآن غير أنه لابد متى وقع ذلك من أن يدل الله عليه ويوضح لعباده الحق فيه ولست أقطع على كون ذلك ، بل أميل إلى عدمه وسلامة القرآن منه ) (1) .
  وقال الشيخ الصدوق رضوان الله تعالى عليه في الاعتقادات : ( بل نقول أنه قد نزل الوحي الذي ليس بقرآن ، ما لو جمع إلى القرآن لكان مبلغه مقدار سبع عشرة ألف آية ، وذلك قول جبرئيل عليه السلام للنبي صلى الله عليه وآله وسلم : إنّ الله تعالى يقول لك : يا محمد دارِ خلقي ، و مثل قوله : عش ما شئت فإنّك ميت ، وأحبب ما شئت فإنّك مفارقه ، و اعمل ما شئت فإنّك ملاقيه ، وشرف المؤمن صلاته بالليل و عزّه كفّ الأذى عن الناس ) ، وقال : ( إن القرآن الذي جاء به جبرائيل عليه السلام إلى محمد صلى الله عليه وآله وسلم سبعة عشر ألف آية ) (2) .
  قال : ( ومثل هذا كثير ، وكلّه وحي وليس بقرآن ، ولو كان قرآناً لكان مقروناً به وموصولاً إليه غير مفصول عنه ، كما كان أمير المؤمنين جمعه فلما جاء به قال : هذا كتاب ربكم كما أُنزل على نبيّكم لم يزد فيه حرف و لا ينقص منه حرف ، فقالوا : لا حاجة لنا فيه ، عندنا مثل الذي عندك ، فانصرف وهو يقول ( فَنَبَذُوهُ وَرَاءَ ظُهُورِهِمْ وَاشْتَرَوْا بِهِ ثَمَنًا قَلِيلاً فَبِئْسَ مَا يَشْتَرُونَ ) ( آل عمران / 187 ) ) (3) .
  وقال السيد ابن طاووس رضوان الله تعالى عليه في الطرائف : ( روى الفقيه الشافعي ابن المغازلي في كتاب المناقب بإسناده إلى جابر بن عبد الله الأنصاري قال : قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم بمنى ـ وذكر حديثا طويلا إلى أن قال ـ : ثم أنزل ( فَاسْتَمْسِكْ بِالَّذِي أُوحِيَ (في أمر علي) إِلَيْكَ إِنَّكَ عَلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ ( وإن عليا لعلم للساعة ) وَإِنَّهُ لَذِكْرٌ لَكَ وَلِقَوْمِكَ وَسَوْفَ تُسْأَلُونَ ( عن علي

--------------------
(1) أوائل المقالات في المذاهب المختارات ص 91.
(2) أصول الكافي ج 2 ص 295 كتاب فضل القرآن في النوادر ، أقول : هذه الرواية كانت ومازالت محل لغط الوهابية وهرجهم ، وقد أشرنا إليها فيما سبق ، حيث بينا أن بعضا من الوهابية توسل بـها لإثبات أن مصحف فاطمة عليها السلام هو قرآن الشيعة باعتبار أن مصحف فاطمة عليها السلام ثلاثة أضعاف الموجود وكذا هو حال القرآن الذي نزل من السماء عند الشيعة ، فاتضح هنا القول الحق في المسألة وهو أن القرآن مع تنـزيله حجمه ثلاثة أضعاف الموجود أي أن التنـزيل يزيده إلى الضعفين ، ولكن الوهابية كما عودونا يقومون بنسج الأفكار في مخيلتهم ثم يكرون عليها !
(3) الاعتقادات ص 93 .

إعلام الخَلف بمن قال بتحريف القرآن من أعلام السّلف _ 86 _
  بن أبي طالب ) ) ( الزخرف / 43 ـ 44 ) ، هذا آخر الحديث ، وكان اللفظ المذكور المنـزل في ذلك على النبي صلى الله عليه وآله وسلم بعضه قرآناً وبعضه تأويلاً ) (1) .
  وقال المولى صالح المازندراني رضوان الله تعالى عليه في شرحه لأصول الكافي : ( قوله ( عليه السلام ) ( كذا أنزلت ) لا يدل هذا على أن ما ذكره عليه السلام قرآن لأن ما أنزل إليه عليه السلام عند الوحي يجوز أن يكون بعضه قرآنا وبعضه تأويلاً وتفسيراً ) (2) .
  وقال : ( وقوله عليه السلام ( هكذا والله نزل به جبرئيل على محمد صلى الله عليه وآله وسلم ) لا يدل على أن قوله ( بولاية علي ) من القرآن لما عرفت سابقاً ) (3) .
  وقال في موضع آخر : ( قوله ( عليه السلام ) ( قلت : هذا تنـزيل ؟ قال : نعم ) لعل هذا إشارة إلى ما ذكره في تفسير قوله تعالى ( لِيُظْهِرَهُ عَلَى الدِّينِ كُلِّهِ ) ( الصف / 9 ) وقد عرفت مما نقلناه سابقا عن صاحب الطرايف أن المراد بالتنـزيل ما جاء به جبرئيل عليه السلام لتبليغ الوحي وأنه أعم من أن يكون قرآنا وجزءا منه وأن لا يكون فكل قرآن تنـزيل دون العكس فعلى هذا قوله عليه السلام ( وأما غيره فتأويل ) يراد به ما ذكره في الآيات السابقة والله أعلم ) (4) .
  وقال المحدث الفيض الكاشاني رضوان الله تعالى عليه عند شرحه لرواية البزنطي ، قال : دفع إليّ أبو الحسن عليه السلام مصحفاً و قال : ( لا تنظر فيه ، ففتحته و قرأت فيه ( لَمْ يَكُنِ الَّذِينَ كَفَرُوا ) ( البينة / 1 ) ، فوجدت فيه اسم سبعين رجلاً من قريش بأسمائهم و أسماء آبائهم ) قال : فبعث إليّ : ( ابعث إلي بالمصحف ! ) (5) ، فقال رضوان الله تعالى عليه :
  ( لعلّ المراد أنه وجد تلك الأسماء مكتوبة في ذلك المصحف تفسيراً للذين كفروا والمشركين مأخوذة من الوحي ، لا أنـها كانت من أجزاء القرآن ، وعليه يحمل ما في الخبرين السابقين أيضا من استماع الحروف من القرآن على خلاف ما يقرأه الناس يعني استماع حروفٍ تفسّر ألفاظ

--------------------
(1) مرآة العقول ج 5 ص 58 ط دار الكتب الإسلامية ، شرح أصول الكافي للمازندراني رضوان الله تعالى عليه ج 7 ص 80 ط إحياء التراث العربي .
(2) شرح أصول الكافي للمازندراني رضوان الله تعالى عليه ج 7 ص 80 ط إحياء التراث العربي .
(3) ن ، م ص 82 .
(4) ن ، م ص 119 .
(5) الكافي ج 2 ص 631 .

إعلام الخَلف بمن قال بتحريف القرآن من أعلام السّلف _ 87 _
  القرآن وتبين المراد منها عُلِمَت بالوحي (1) ، كذلك كلّ ما ورد من هذا القبيل عنهم عليهم السلام وقد مضى في كتاب الحجة نبذ منه فإنه كلّه محمول على ما قلناه ، لأنه لو كان تطرّق التحريف و التغيير في ألفاظ القرآن لم يبق لنا اعتماد على شيء منه ، إذ على هذا يحتمل كل آية منه أن تكون محرّفة ومغيّرة ، وتكون على خلاف ما أنـزله الله ، فلا يكون القرآن حجّة لنا ، وتنتفي فائدته وفائدة الأمر باتّباعه والوصية به ، وعرض الأخبار المتعارضة عليه ، ثم استشهد بكلام الشيخ الصدوق المتقدم ، وببعض الأخبار ) (2) .
  وقال في المحجة البيضاء : ( وأما مصحف أبي الحسن عليه السلام المدفوع إلى ابن أبي نصر ونـهيه عليه السلام عن النظر فيه ، ونـهي أبي عبد الله عليه السلام الرجل عن القراءة على غير ما يقرؤه الناس فيحتمل أن يكون ذلك تفسيرا منهم عليهم السلام للقرآن على طبق مراد الله عز وجل ووفق ما أنزل الله جل جلاله ، لا أن تكون تلك الزيادات بعينـها أجزاء لألفاظه المنـزلة ) (3) .

--------------------
(1) يقصد رضوان الله تعالى عليه بالخبرين ما جاء في الكافي ج 2 ص 619 : ( عدة من أصحابنا ، عن سهل بن زياد ، عن محمد بن سليمان ، عن بعض أصحابه ، عن أبي الحسن عليه السلام قال : قلت له : جعلت فداك إنا نسمع الآيات في القرآن ليس هي عندنا كما نسمعها ولا نحسن أن نقرأها كما بلغنا عنكم ، فهل نأثم ؟ فقال : لا ، اقرؤوا كما تعلمتم فسيجيئكم من يعلمكم ) ، وفيه ص 633 : ( بسنده عن محمد بن يحيى ، عن محمد بن الحسين ، عن عبد الرحمن بن أبي هاشم ، عن سالم بن سلمة قال : قرأ رجل على أبي عبد الله عليه السلام وأنا أستمع حروفا من القرآن ليس على ما يقرؤها الناس ، فقال أبو عبد الله عليه السلام : كف عن هذه القراءة اقرأ كما يقرأ الناس حتى يقوم القائم فإذا قام القائم عليه السلام قرأ كتاب الله عز وجل على حده وأخرج المصحف الذي كتبه علي عليه السلام وقال : أخرجه علي عليه السلام إلى الناس حين فرغ منه وكتبه فقال لهم : هذا كتاب الله عز وجل كما أنزله ـ الله ـ على محمد صلى الله عليه وآله وقد جمعته من اللوحين فقالوا : هو ذا عندنا مصحف جامع فيه القرآن لا حاجة لنا فيه ، فقال أما والله ما ترونه بعد يومكم هذا أبدا ، إنما كان علي أن أخبركم حين جمعته لتقرؤوه ).
(2) الوافي ج 1 ص 273 ـ 274 ، أقول : ولا يخفى عليك أن القول بقرآنية تلك الأسماء يوجب الخروج عن الفصاحة والبلاغة ، فكون القرآن بـهذا الشكل ( لَمْ يَكُنِ الَّذِينَ كَفَرُوا فلان بن فلان وفلان بن فلان وفلان بن فلان وفلان بن فلان ) إلى سبعين اسما أمرا بعيدا عن أسلوب القرآن كل البعد ، وهذا دليل آخر يضاف للموارد السابقة الدالة على أن هذه الزيادات كانت من باب التنـزيل شرحا للقرآن لا أنـها عين القرآن .
  وقد ذكر ذلك الوهابي صاحب أصول مذهب الشيعة حيث قال في ج 1 ص 243 : ( وهذه الإضافات التي تزعم الشيعة نقصها من كتاب الله ـ ابتدأ الكذب ! ـ ألا يلاحظ القارئ العربي أن السياق لا يتقبلها ، وأنـها مقحمة إقحاما بلا أدنى مناسبة ولذلك يكاد النص يلفظها ، وأنها من وضع أعجمي لا صلة له بلغة العرب ، ولا معرفة له بأساليب العربية ، ولا ذوق له في اختيار الألفاظ وإدراك المعاني ) .
  أقول هذا الكلام صحيح ، فلأجل أنـها تفسير للقرآن صارت على هذا الأسلوب ، ولكن الوهابي يريد إثبات أن الشيعة تقول أنـها من القرآن ! شاءت الشيعة أم أبت ! ، ولو كان الوهابي منصفا لتعامل بنفس الميزان مع الآيات التي ألصقها أهل السنة بالقرآن وهي في غاية الهبوط والضعف البلاغي نحو آية عمر بن الخطاب التي أخرجها البخاري ومسلم ( الشيخ والشيخة فارجموهما البتة بـما قضيا من اللذة ) أو ما أخرجه مسلم في صحيحه ( لو كان لابن آدم واد من ذهب أحب أن له واديا آخر ولن يملأ فاه إلا التراب والله يتوب على من تاب ) !!
(3) المحجة البيضاء في تـهذيب الإحياء ج 2 ص 264 ط الأعلمي.

إعلام الخَلف بمن قال بتحريف القرآن من أعلام السّلف _ 88 _
  وقال العلامة المجلسي رضوان الله تعالى عليه في مرآة العقول : ( قوله ( عليه السلام ) ( أما هذا الحرف) أي قوله ( بولاية علي ) في آخر الآية ، أو من قوله : ( والله ) إلى قوله ( عليّ ) ، ربما يأوّل التنـزيل بالتفسير حين التنـزيل كما مرّ مرارا ) (1) .
  وقال الشيخ المظفر رضوان الله تعالى عليه تعليقا على رواية البزنطي السابقة : ( ولعل المراد أنه وجد تلك الأسماء مكتوبة في ذلك المصحف تفسيرا لقوله تعالى ( لَمْ يَكُنِ الَّذِينَ كَفَرُوا ) ( البينة / 1 ) ، مأخوذة من الوحي لا أنـها كانت من أجزاء القرآن وعليه يحمل الخبر السابق أيضا ـ الذي فيه ( اقرأ كما يقرأ الناس ) المذكور بالهامش ـ من استماع الحروف من القرآن على خلاف ما يقرأه الناس يعني استماع حروف تفسر ألفاظ القرآن وتبين المراد منها علمت بالوحي وكذلك كل ما ورد من هذا القبيل عنهم عليهم السلام وقد مضى في كتاب الحجة نبذ منه فإنه كله محمول على ما قلناه ، ثم سرد أدلة بطلان التحريف ) (2) .
  وقال الميرزا أبو الحسن الشعراني رضوان الله تعالى عليه في تعليقته على شرح أصول الكافي : ( قوله ( المازندراني ) ( وهو على التقديرين تنـزيل لا تأويل ) كلام دقيق يليق بالتأمل الصادق لدفع أوهام جماعة يزعمون أن كل ما ورد في الأحاديث أن القرآن نزل هكذا على خلاف ما في المصحف المعروف لا يدل على التنـزيل اللفظي بل يمكن أن يراد تنـزيل المعنى وهو حسن جدا ) (3) .
  وقال السيد الخوئـي رضوان الله تعالى عليه : ( أنّا قد أوضحنا فيما تقدم أن بعض التنـزيل كان من قبيل التفسير للقرآن وليس من القرآن نفسه ، فلا بد من حمل هذه الروايات على أن ذكر أسماء الأئمة ( عليهم السلام ) في التنـزيل من هذا القبيل ، وإذا لم يتم هذا الحمل فلا بد من طرح هذه الروايات لمخالفتها للكتاب ، والسنّة ، والأدلة المتقدمة على نفي التحريف ، وقد دلّت الأخبار المتواترة على وجوب عرض الروايات على الكتاب والسنّة وأن ما خالف الكتاب منها يجب طرحه ، وضربه على الجدار ) (4) .

--------------------
(1) مرآة العقول ج 5 ص 134 ط دار الكتب الإسلامية .
(2) الشافي في شرح أصول الكافي ج 7 ص 223 ـ 224 شرح ح 3585 .
(3) من تعليقة الشعراني على شرح أصول الكافي للمازندراني ج 7 ص 65 ط إحياء التراث العربي .
(4) البيان في تفسير القرآن 230 و 231 .

إعلام الخَلف بمن قال بتحريف القرآن من أعلام السّلف _ 89 _
  ثم ذكر رضوان الله تعالى عليه سبب الخلط الذي وقع فيه البعض واغتراره بلفظ التنـزيل حتى دمج القرآن مع غيره وأدخل فيه ما ليس منه ، وملخص الكلام أن المقصود من ( التنـزيل ) في زمن صدور الرواية مختلف عما يقصد منه في زماننا ، إذ اشتهر بين الناس اليوم أن معنى التنـزيل هو القرآن على وجه الخصوص مع أن التنـزيل كان معناه أوسع في زمن الصدور فيشمل التفسير النازل من السماء ، قال رضوان الله تعالى عليه :
  ( وأن هذه الشبهة مبتنية على أن يراد من لفظي التأويل والتنـزيل ما اصطلح عليه المتأخرون من إطلاق لفظ التنـزيل على ما نزل قرآناً ، وإطلاق لفظ التأويل على بيان المراد من اللفظ ، حملاً له على خلاف ظاهره ، إلا أن هذين الإطلاقين من الاصطلاحات المحدثة ، وليس لهما في اللغة عين ولا أثر ليحمل عليهما هذان اللفظان ( التنـزيل والتأويل ) متى وردا في الروايات المأثورة عن أهل البيت عليهم السلام ).
  ( وأما التنـزيل فهو أيضا مصدر مزيد فيه وأصله النـزول وقد يستعمل ويراد به ما نزل ومن هذا القبيل إطلاقه على القرآن في آيات كثيرة ).
  ( وعلى ما ذكرناه فليس كل ما نزل من الله وحياً يلزم أن يكون من القرآن ، فالذي يستفاد من الروايات في هذا المقام أن مصحف علي عليه السلام كان مشتملاً على زيادات تنـزيلاً وتأويلاً ، ولا دلالة في شيء من هذه الروايات على أن تلك الزيادات هي من القرآن ) (1) ، فكان التغاير المفهومي سبب هذا الخلط .
  وقال السيد الطباطبائي رضوان الله تعالى عليه بعد أن بين وجوه ضعف التمسك بروايات التحريف : ( أما ما ذكرنا أن منها ما هو قاصر في دلالتها فإن كثيرا مما وقع فيها من الآيات المحكيّة من قبيل التفسير وذكر معنى الآيات لا حكاية متن الآية المحرفة وذلك كما في روضة الكافي عن أبي الحسن الأول ( عليه السلام ) في قول الله ( أُوْلَئِكَ الَّذِينَ يَعْلَمُ اللَّهُ مَا فِي قُلُوبِهِمْ فَأَعْرِضْ عَنْهُمْ ( فقد سبقت عليهم كلمة الشقاء وسبق لهم العذاب ) وَقُلْ لَهُمْ فِي أَنفُسِهِمْ قَوْلاً بَلِيغًا ) ( النساء / 63 ).
  وما في الكافي عن الصادق عليه السلام في قوله تعالى ( وَإِنْ تَلْوُوا أَوْ تُعْرِضُوا ) ( النساء / 135 ) ، قال : ( وَإِنْ تَلْوُوا ( الأمر ) أَوْ تُعْرِضُوا ( عما أمرتم به ) فَإِنَّ اللَّهَ كَانَ بِمَا تَعْمَلُونَ خَبِيرًا ). إلى غير ذلك من روايات التفسير المعدودة من أخبار التحريف .

--------------------
(1) البيان في تفسير القرآن ص 2 23 و 224 و 225 .

إعلام الخَلف بمن قال بتحريف القرآن من أعلام السّلف _ 90 _
  ويلحق بـهذا الباب ما لا يحصى من الروايات المشيرة إلى سبب النـزول المعدودة من أخبار التحريف كالروايات التي تذكر هذه الآية هكذا ( يَا أَيُّهَا الرَّسُولُ بَلِّغْ مَا أُنزِلَ إِلَيْكَ ( في علي ) ) ( المائدة / 67 ).
  والآية نازلة في حقه عليه السلام ، وما روي أن وفد بني تميم كانوا إذا قدموا رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم وقفوا على باب الحجرة ونادوا أن اخرج إلينا فذكرت الآية فيها هكذا ( إِنَّ الَّذِينَ يُنَادُونَكَ مِنْ وَرَاءِ الْحُجُرَاتِ ( بنو تميم ) أَكْثَرُهُمْ لاَ يَعْقِلُونَ ) ( الحجرات / 4 ) ، فظن أن في الآية سقطا .
  ويلحق بـهذا الباب أيضا ما لا يحصى من الأخبار الواردة في جري القرآن وانطباقه كما ورد في قوله ( وَسَيَعْلَمُ الَّذِينَ ظَلَمُوا ( آل محمد حقهم ) ) ( الشعراء / 227 ).
  وما ورد من قوله ( وَمَنْ يُطِعْ اللَّهَ وَرَسُولَهُ ( في ولاية علي والأئمة من بعده ) فَقَدْ فَازَ فَوْزًا عَظِيمًا ) ( الأحزاب / 71 ) ، وهي كثيرة جدا ( (1) ، ثم ذكر وجوه تعارض روايات التحريف ، وكلامه رضوان الله تعالى عليه جدير بالمراجعة .
  وقال المحقق الشيخ علي أكبر الغفاري في تعليقه على أصول الكافي : ( لعل المراد أنه وجد تلك الأسماء مكتوبة في ذلك المصحف تفسيرا لقوله تعالى ( لَمْ يَكُنِ الَّذِينَ كَفَرُوا ) ( البينة / 1 )، مأخوذة من الوحي لا أنـها كانت من أجزاء القرآن ، وعليه يحمل ما في الخبر السابق والآتي (2) أيضا من استماع الحروف من القرآن على خلاف ما يقرأه الناس يعنى استماع حروف تفسر ألفاظ القرآن وتبين المراد منها علمت بالوحي وكذلك كل ما ورد من هذا القبيل عنهم عليهم السلام وقد مضى في كتاب الحجة نبذ منه فانه كله محمول على ما قلناه ، وذلك لأنه لو كان تطرق التحريف والتغيير في ألفاظ القرآن لم يبق لنا اعتماد على شئ منه إذ على هذا يحتمل كل آية منه أن تكون محرفة ومغيرة وتكون على خلاف ما أنزله الله فلا يكون القرآن حجة لنا وتنتفي فائدته وفائدة الأمر باتباعه والوصية به وعرض الأخبار المتعارضة عليه إلى غير ذلك وأيضا قال الله عز وجل ( لاَ يَأْتِيهِ الْبَاطِلُ مِنْ بَيْنِ يَدَيْهِ وَلاَ مِنْ خَلْفِهِ تَنزِيلٌ مِنْ حَكِيمٍ حَمِيدٍ ) ( فصلت / 42 ) ، فكيف تطرق إليه التحريف والنقصان والتغيير وأيضا قال الله عز وجل ( إِنَّا نَحْنُ نَزَّلْنَا الذِّكْرَ وَإِنَّا لَهُ لَحَافِظُونَ ) ( الحجر / 9 ).
  وقد استفاض عن النبي صلى الله عليه وآله والأئمة عليهم السلام حديث عرض الخبر المروى عنهم عليهم السلام على كتاب الله ليعلم صحته بموافقته له وفساده بمخالفته فإذا كان القرآن الذي بأيدينا محرفا مغيرا فما فائدة العرض مع أن خبر التحريف مخالف لكتاب الله مكذب له ؟‍! فيجب رده والحكم بفساده أو تأويله وأحسن الوجوه في التأويل أن

--------------------
(1) تفسير الميزان ج 14 ص 112 ـ 113 ط الأعلمي.
(2) وهما في ص 621 و ص 633 من نفس المصدر .

إعلام الخَلف بمن قال بتحريف القرآن من أعلام السّلف _ 91 _
  مرادهم عليهم السلام بالتحريف والتغيير والحذف إنما هو من حيث المعنى دون اللفظ ومما يدل على ذلك ما يأتي في كتاب الروضة ما رواه الكليني بإسناده إلى الباقر عليه السلام أنه كتب إلى سعد الخير كتابا أوصاه بتقوى الله إلى أن قال : ( وكان من نبذهم الكتاب أن أقاموا حروفه وحرفوا حدوده فهم يروونه ولا يرعونه الحديث ) (1) .
  وقال الشيخ الفاضل اللنكراني حفظه الله تعالى : ( ولكن بعد قيام الأدلة القاطعة والبراهين الساطعة على عدم وقوع التحريف في الكتاب وإن ما بأيدينا مطابق لما أنـزل إلى الرسول بعنوان القرآنية لا يبقى مجال لمثل هذه الروايات بل لا بد من حملها على التقية أو على أن المراد بالقرآن هو القرآن المشتمل على الخصوصيات الأخرى أيضا من الشرح والتفسير والتأويل وشأن النـزول وأمثالـها كقرآن أمير المؤمنين عليه السلام مع أنه يرد على تعبير الروايتين الإشكالات المتقدمة كلاًّ أو جُلاًّ كما لا يخفى وقد انقدح من جميع ما ذكرنا عدم ثبوت الرجم في القرآن بل الدليل عليه هي السنة المستفيضة بل المتواترة ) (2) .
  وقال السيد هاشم معروف الحسني : ( ومن خصوص الزيادة الموجودة في مصحف علي عليه السلام كما جاء في بعض المرويات ، لو تغاضينا عن العيوب الموجودة في أسانيدها والتزمنا بصحتها من ناحية السند ، فلا بد وان تكون الزيادات المزعومة من قبيل التفسير والتوضيح للمراد من تلك الآيات عن طريق الوحي أو النبي صلى الله عليه وآله وسلم كما نص على ذلك جماعة من علماء الإمامية ) .
  ويدل على ذلك ما جاء في الكافي عن أبي بصير قال : سألت أبا عبد الله الصادق عليه السلام عن قول الله عز وجل : ( يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وَأُوْلِي الأَمْرِ مِنْكُمْ ) ( النساء / 59 ) ، فقال : نزلت في علي والحسن والحسين عليهم السلام . فقلت له : إن الناس يقولون : فما له لم يسم عليا والحسن والحسين في كتاب الله ؟ قال : قولوا لهم : إن رسول ( الله صلى الله عليه وآله ) نزلت عليه الصلاة ولم يسم الله لهم ثلاثا ولا أربعا ، حتى كان رسول الله صلى الله عليه وآله هو الذي فسر ذلك لهم .
  هذا بالإضافة إلى أن عليا والمتخلفين معه عن بيعة أبي بكر لم يحتجوا على أحد بورود هذه الأسماء في القرآن الكريم ولو كان له

--------------------
(1) أصول الكافي ج 2 ص 631 ح 16 ، من تعليق علي أكبر غفاري .
(2) تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة ـ كتاب الحدود ص 129 .

إعلام الخَلف بمن قال بتحريف القرآن من أعلام السّلف _ 92 _
  ولأبنائه ذكر صريح في كتاب الله ، لكان احتجاجهم بذلك أجدى وأنفع من جميع الحجج التي استدلوا بـها على استخلافه بعد النبي صلى الله عليه وآله وسلم كما ذكرنا سابقا ) (1) .
  قال السيد هاشم الرسولي المحلاتي : ( ولا يخفى أن معنى النـزول في تلك الروايات ليس هو التحريف المدعى في بعض الكلمات بل المراد من النـزول هو التفسير والتأويل من حيث المعنى كما صرح به معظم العلماء المنتمين إلى ذلك القول كالمحدث الحر العاملي (ره) في كتاب إثبات الهداة والمولى محسن الفيض في الوافي وغيرهم ، وإلا فهي أخبار آحاد لا تعارض ما ثبت بالتواتر بين المسلمين ) (2) .
  وإلى هنا يتضح ان القول بأن تلك الروايات التي تذكر التنـزيل تطعن في صيانة القرآن من التحريف فرية لا أصل لها سوى مخيلة الوهابية ، ونحن ـ ولله الحمد ـ في غنى عن كلمات أهل السنة لنفي تلك الفرية ، فكلمات علمائنا واضحة فيها ، ناهيك عن أن مجرد احتمال كون التنـزيل بمعنى التفسير النازل يكفي لرفع هذه التهمة النكراء ، ولكنا آثرنا الإطناب منذ البداية حتى نرفع تذبذب بعض النفوس ونسكن حشرجة صدورهم لتجلو الحقيقة أمام أعين الوهابية ومن هم على شاكلتهم بذكر بعض أقوال علمائهم التي تؤيد كلمات علماء الشيعة في وجود التنـزيل ، وإن لم يسمه أهل السنة بـهذا الاسم ، والتسمية ليست بمشكلة .

ثانيا : كلمات أعلام أهل السنة
  ولنبدأ بشيخهم الخطابي في شرحه على مختصر سنن أبي داود : ( قوله ( أوتيت الكتاب و مثله معه ) يحتمل وجهين من التأويل ، أحدهما : أن يكون معناه أنه أوتي من الوحي الباطن غير المتلو مثل ما أعطي من الظاهر المتلو (3) ، ويحتمل أن يكون معناه ، أنه أوتي الكتاب وحيا يُتلى وأوتي من البيان ، أي أُذن له أن يبين ما في الكتاب ويَـعُمّ ويَـخُصّ وأن يزيد عليه فيشرع ما ليس له في الكتاب ذكر فيكون ذلك في وجوب الحكم و لزوم العمل به : كالظاهر المتلو من القرآن ) (4) .

--------------------
(1) دراسات في الحديث والمحدثين ص 352 ـ 353 للسيد هاشم معروف الحسيني .
(2) من هامش تفسير العياشي ص 39 ط الأعلمي .
(3) وهذا بعينه ما قلنا أنه أخذه أهل البيت عنه صلى الله عليهم أجمعين وسمته الروايات بالتنـزيل أي نزل من السماء .
(4) مختصر سنن أبي داود للحافظ المنذري ومعالم السنن لأبي سليمان الخطابي وتـهذيب الإمام ابن القيم الجوزية ج 7 ص 7 ـ 8 تحقيق أحمد محمد شاكر .

إعلام الخَلف بمن قال بتحريف القرآن من أعلام السّلف _ 93 _
  قال الإمام الشافعي : ( كل ما حكم به رسول الله صلى الله عليه وسلم فهو مما فهمه من القرآن ـ إلى قوله ـ ولهذا قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : ألا إني أوتيت القرآن ومثله معه يعني السنة ، والسنة أيضا تنـزل عليهم بالوحي كما ينـزل القرآن إلا أنـها لا تتلى كما يتلى القرآن ) (1) ، ولا ريب أن من السنة تفسير القرآن وتأويله .
  قال المروزي في السنة : ( إلا أن التحليل والتحريم من الله يكون على وجهين ، أحدهما : أن ينـزل الله تحريم شيء في كتابه فيسميه قرآنا كقوله ( حُرِّمَتْ عَلَيْكُمْ الْمَيْتَةُ وَالدَّمُ وَلَحْمُ الْخِنزِيرِ ) ( المائدة / 3 ) ، وما أشبه ذلك مما قد حرمه في كتابه .
  والوجه الآخر : أن ينـزل عليه وحيا على لسان جبريل بتحريم شيء أو تحليله أو افتراضه فيسميه حكمة ولا يسميه قرآنا وكلاهما من عند الله كما قال الله : ( وَأَنزَلَ اللَّهُ عَلَيْكَ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ ) ( النساء / 113 ) ، وقال : ( وَاذْكُرُوا نِعْمَةَ اللَّهِ عَلَيْكُمْ وَمَا أَنزَلَ عَلَيْكُمْ مِنْ الْكِتَابِ وَالْحِكْمَةِ ) ( البقرة / 231 ) ، فتأولت العلماء أن الحكمة هاهنا هي السنة (2) ، لأنه قد ذكر الكتاب ثم قال والحكمة ففصل بينهما بالواو فدل ذلك على أن الحكمة غير الكتاب وهي ما سن الرسول صلى الله عليه وسلم مما لم يذكر في الكتاب لأن التأويل إن لم يكن كذلك فيكون كأنه قال : ( وَأَنزَلَ اللَّهُ عَلَيْكَ الْكِتَابَ ) والكتاب ، وهذا يبعد ، فيقال لمن قال بقول أبي ثور ما أنكرت أن يحول النبي صلى الله عليه وسلم عما فرض عليه عمله بالكتاب فيأمره أن يعمل بغير ذلك بوحي بوحيه إليه على لسان جبريل من غير أن ينـزل عليه في ذلك قرآنا ولكن ينـزل عليه حكمة يسميها سنة (3) ، وهذا ما لا ينكره إلا ضعيف الرأي ) (4) .
  وقال الإمام أبو المحاسن يوسف الحنفي : ( عن ابن عباس ( لا وحي إلا القرآن ) ما قاله رأيا بل توقيفا ، وليس فيه ما يدفع أن يوحى إلى النبي صلى الله عليه (وآله) وسلم بأشياء كثيرة ليست في القرآن ويكون معنى قوله لا وحي إلا القرآن أي القرآن نفسه وما أمر به القرآن مما لم يقله إلا بالقرآن

--------------------
(1) تفسير ابن كثير ج 1 ص 4.
(2) مفتاح الجنة ج 1 ص 11 : ( قال تعالى ( لَقَدْ مَنَّ اللَّهُ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ ) إلى قوله ( وَيُعَلِّمُهُمْ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ ) ( آل عمران / 164 ) ، قال الشافعي سمعت من أرضى من أهل العلم بالقرآن يقول : الحكمة سنة رسول الله صلى الله عليه وسلم ثم أخرج بأسانيده عن الحسن وقتادة ويحيى بن أبي كثير أنـهم قالوا : الحكمة في هذه الآية السنة ).
(3) وروايات الشيعة تسميها تنـزيلا ، ولا مشاحة في الاصطلاحات .
(4) السنة للمروزي ج 1 ص 110 المسألة 401.

إعلام الخَلف بمن قال بتحريف القرآن من أعلام السّلف _ 94 _
  لأن الله عز وجل قال لنا فيه ( وَمَا آتَاكُمْ الرَّسُولُ فَخُذُوهُ ) ( الحشر / 7 ) ـ إلى قوله ـ ومعه من السنة ما قد كان معه التي منها الوحي الذي يوحي إليه مما ليس هو بقرآن لأن ما كان معه من ذلك عن النبي صلى الله عليه (وآله) وسلم داخل في القرآن إذ كان قبولهم إياه منه صلى الله عليه (وآله) وسلم بأمر القرآن إياهم به يحتمل أن يكون قوله لا وحي سوى القرآن من باب لا عالم سوى فلان يعني هو في أعلى مراتب العلم وكل عالم سواه دون رتبته لا أن لا عالم أصلا سواه ومثله لا زاهد إلا عمر بن عبد العزيز وفي الدنيا زهاد كثير إلا أنـهم لم يقدروا من الدنيا على مثل ما قدر هو فرسه فيها ) (1) .
  قال الإمام أبو بكر الجصاص : ( ويدل على أن مراده كان كما وصفنا ، أنه قال : لولا أن يقول الناس زاد عمر في كتاب الله لكتبته في المصحف ، فلو كان عنده آية من القرآن لكتبه فيه قال الناس ذلك أو لم يقولوه فهذا يدل على أنه لم يرد بقوله إن الرجم في كتاب الله أنه من القرآن ، وروي عنه أنه قال : إن الرجم مما أنزل الله وسيجيء قوم يكذبون به ، وهذا اللفظ أيضا لا دلالة فيه على أنه أراد به أنه من القرآن لأن فيما أنزل الله تعالى قرآنا وغير قرآن ، قال الله تعالى في وصف الرسول عليه السلام : وما ينطق عن الهوى إن هو إلا وحي يوحى ، وروي في بعض ألفاظ هذا الحديث أنه قال : إن مما أنزل الله آية الرجم ، وهذا اللفظ لو ثبت لم يدل أيضا على أن مراده أنه كان من القرآن ، لأن ما يطلق عليه اسم الآية لا يختص بالقرآن دون غيره ، قال تعالى : ومن آياته خلق السموات والأرض، ثم قال تعالى : إن في ذلك لآيات ، فسمى الدلالة القائمة مما خلق على توحيده آية فليس يمتنع أن يذكر ( آية ) الرجم وهو يعني أن ما يوجب الرجم أنزله الله على رسوله عليه السلام بوحي من عنده ) (2) .
  قال الإمام ابن قتيبة : ( ولم يكن رسول الله صلى الله عليه وسلم يعلم من حكم الله تعالى إلا ما علمه الله عز وجل ولا كان الله تبارك وتعالى يعرفه ذلك جملة بل ينـزله شيئا بعد شيء ويأتيه جبريل عليه السلام بالسنن كما كان يأتيه بالقرآن ولذلك قال أوتيت الكتاب ومثله معه يعني من السنن ) (3) .
-------------------
(1) معتصر المختصر ج 2 ص 368.
(2) الفصول في الأصول ج 2 ص 258 .
(3) تأويل مختلف الحديث ج 1 ص 166.

إعلام الخَلف بمن قال بتحريف القرآن من أعلام السّلف _ 95 _
  وقال أيضا : ( إن جاز أن ينسخ الكتاب بالكتاب جاز أن ينسخ الكتاب بالسنة لأن السنة يأتيه بـها جبريل عليه السلام عن الله تبارك وتعالى فيكون المنسوخ من كلام الله تعالى الذي هو قرآن بناسخ من وحي الله عز وجل الذي ليس بقرآن ولذلك قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : أوتيت الكتاب ومثله معه ، يريد أنه أوتي الكتاب ومثل الكتاب من السنة ) (1) .
  وقال البيهقي : ( هذا الحديث يحتمل وجهين أحدهما أنه أوتي من الوحي الباطن غير المتلو مثل ما أوتي من الظاهر المتلو (2) والثاني أن معناه أنه أوتي الكتاب وحيا يتلى وأوتي مثله من البيان أي أذن له أن يبين ما في الكتاب فيعم ويخص وأن يزيد عليه فيشرع ما ليس في الكتاب له ذكر فيكون ذلك في وجوب الحكم ولزوم العمل به كالظاهر المتلو من القرآن ) (3) .
  وقال أبو الطيب الآبادي : ( ( أوتيت الكتاب ) أي القرآن ، ( ومثله معه ) أي الوحي الباطن غير المتلو أو تأويل الوحي الظاهر وبيانه بتعميم وتخصيص وزيادة ونقص أو أحكاما ومواعظ وأمثالا تماثل القرآن في وجوب العمل أو في المقدار ") (4) .
  وقال الشيخ محمد رشيد رضا : ( وليس كل وحي قرآناً فإن للقرآن أحكاماً ومزايا مخصوصة وقد ورد في السنة كثير من الأحكام مستندة إلى الوحي ولم يكن النبي ـ صلى الله عليه وآله وسلم ـ ولا أصحابه يعدونـها قرآنا ، بل جميع ما قاله عليه السلام على أنه دين هو وحي عند الجمهور واستدلوا عليه بقوله ( وَمَا يَنْطِقُ عَنْ الْهَوَى إِنْ هُوَ إِلاَّ وَحْيٌ يُوحَى ) ( النجم / 3 ـ 4 ) ، وأظهره الأحاديث القدسية ، و من لم يفقه هذه التفرقة من العلماء وقعت لـهم أوهام في بعض الأحاديث رواية ودراية وزعموا أنـهـا كانت قرآناً ونسخت ) (5) .
  وقال أحد علمائهم حال تعرضه لرواياتـهم التي فيها ادعاء أبي بن كعب قرآنية هذه الآية مع الجملة الزائدة ( إِذْ جَعَلَ الَّذِينَ كَفَرُوا فِي قُلُوبِهِمُ الْحَمِيَّةَ حَمِيَّةَ الْجَاهِلِيَّةِ ( ولو حميتم كما حموا لفسد

--------------------
(1) ن ، م ج 1 ص 195.
(2) وهو التنـزيل الذي يدعيه علماء الشيعة .
(3) عون المعبود ج 12 ص 231 ـ 232.
(4) عون المعبود ج 12 ص 231.
(5) تفسير المنار المجلد الأول ص 414 ـ 415 . ط دار المعرفة

إعلام الخَلف بمن قال بتحريف القرآن من أعلام السّلف _ 96 _
 المسجد الحرام ) فَأَنْزَلَ اللَّهُ سَكِينَتَهُ عَلَى رَسُولِهِ وَعَلَى الْمُؤْمِنِينَ وَأَلْزَمَهُمْ كَلِمَةَ التَّقْوَى وَكَانُوا أَحَقَّ بِهَا وَأَهْلَهَا وَكَانَ اللَّهُ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمًا ) ( الفتح / 26 ) :
  ( إن الذي ذكره أُبيّ قد كان من الوحي الذي نزل على رسول الله صلى الله عليه (وآله) وسلم مما سوى القرآن الذي هو المتلو في الصلوات وذلك بمنـزلة السنن التي أوحيت إليه خارج القرآن (1) ، قال الله عز وجل ( فَإِذَا قَرَأْنَاهُ فَاتَّبِعْ قُرْآنَهُ ثُمَّ إِنَّ عَلَيْنَا بَيَانَهُ ) ( القيامة / 18 ـ 19 ) فأخبر عن بيان بعد ما يقرؤه جبريل عليه السلام على النبي صلى الله عليه (وآله) وسلم وقال تعالى ( وَاذْكُرْنَ مَا يُتْلَى فِي بُيُوتِكُنَّ مِنْ آيَاتِ اللَّهِ وَالْحِكْمَةِ ) ( الأحزاب / 34 ) وإنما هي حكمة كان رسول الله صلى الله عليه (وآله) وسلم يتلوها سوى آيات القرآن ، وروي عن الرسول صلى الله عليه (وآله) وسلم أنه قال : أوتيت القرآن ومثله معه ).
  وقال : ( والذي ذكره أُبيّ مما أقرأه رسول الله صلى الله عليه (وآله) وسلم ويجعله وحيا أنزل عليه من غير أن يجعله قرآنا يتلى وإن ثبت أنه أطلق عليه أسم القرآن ، فإن ذلك على معنى اشتقاق الاسم مما يقرأ ، ليس أنه أدعى أنه مما يتلى في الصلوات ) (2) .
  لاحظ هذا المقطع الأخير فهو كلام مهم جدا وقد نص عليه الشيخ المفيد رضوان الله تعالى عليه في أوائل المقالات وقال إن لفظ القرآن يطلق مجازا على غير النص القرآني ، قد استعمله الشيخ المفيد في معناه المجازي وسيأتي ذكره إن شاء الله .
  وكذا قال ابن حزم الأندلسي : ( وقد قال قوم في آية الرجم إنـها لم تكن قرآنا وفي آيات الرضعات كذلك ، قال أبو محمد ـ أي ابن حزم ـ : ونحن لا نأبى هذا ولا نقطع أنـها كانت قرآنا متلوا في الصلوات ولكنا نقول إنـها كانت وحيا أوحاه الله تعالى إلى نبيه صلى الله عليه (وآله) وسلم مع ما أوحى إليه من القرآن فقرئ المتلو مثبوتا في المصاحف والصلوات وقرئ سائر الوحي منقولا محفوظا معمولا به كسائر كلامه الذي هو وحي فقط ) (3) .
  وكلام إمامهم ابن حزم هو عين ما يقوله الشيعة بالنسبة لتلك الكلمات الداخلة بين المفرادت الآية ، إلا أنـهم يرون تلك الجمل نازلة تفسيرا لآيات القرآن ، ولكن لابتعاد أهل السنة أو قل لتحرجهم من

--------------------
(1) هذا يؤيد ما ذكرنا من أن قوله صلى الله عليه وآله وسلم ( إني أوتيت القرآن ومثله معه ) بمعنى التفسير النازل الذي هو جزء من السنة .
(2) مقدمتان في علوم القرآن ص 86 ـ 87 ، من كتاب المباني وهي المقدمة الأولى .
(3) الإحكام في أصول الأحكام المجلد الأول ج 4 ص 493 ط دار الكتب العلمية .

إعلام الخَلف بمن قال بتحريف القرآن من أعلام السّلف _ 97 _
  الأخذ عن مناهل الوحي وبيوت العصمة ذهبوا بـهذه الموارد يمنة ويسرة يرقعونـها بالتخاريج والوجوه ، وما وجدوا لها حلا إلا أنـها حذفت مع ما حذفه عثمان حينما جمع المصاحف بدعوى أن القرآن نزل على سبعة أشكال ! أو أنـها قرآن رفعه الله وأبطله ! ، وسيأتي الكلام بإذنه تعالى .
  وأما أقوال المحدثين من علمائهم فحدث ولا حرج ، وننقل بعض كلماتـهم في هذا المجال ، قال أحد علماء الأزهر :
  ( وكما حفظ حفظ الله شريعته بكتاب لا يأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفهرفع الإصر والحرج عن خلقه فأنزل على نبيه الكريم إلى جانب القرآن العزيز نوعا آخر من الوحي هو السنة أنزلها عليه بالمعنى وجعل اللفظ إليه إيذانا بأن في الأمر سعة على الأمة وتخفيفا عليها وأن المقصود هو مضمونـها لا ألفاظها ـ إلى قوله ـ فإن السنة تبيان للقرآن العزيز ووحي من رب العالمين وثاني مصادر التشريع ).
  وقال : ( وإنك لتلمس آثار رحمة الله وحكمته في أن جعل الوحي على قسمين قسما لا تجوز روايته بالمعنى بل لابد فيه من التزام الألفاظ المنـزلة وهو القرآن الكريم وقسما تجوز روايته بالمعنى لمن يستطيع ذلك وهو السنة النبوية المطهرة وفي ذلك صون للشريعة والتخفيف عن الأمة ولو كان الوحي كله من قبيل القرآن الكريم في إلتزام أدائه بلفظه لشق الأمر وعظم الخطب ولما استطاع الناس أن يقوموا بحمل هذه الأمانة الإلهية ، ولو كان الوحي كله من قبيل السنة في جواز الرواية بالمعنى لكان فيه مجال للريب ومثار للشك ومغمز للطاعنين ومنفذ للملحدين ) (1) .
  وقال في مباحث في علوم القرآن : ( وعلى فرض تسليم جعل الحديث السابق دليلا يصح أن يؤوّل تأويلا آخر يبعده عن دائرة الاستدلال في نظر بعض الباحثين : فقد يكون المراد من قول السيدة عائشة : ( كان فيما أنزل الله) وحياً غير القرآن ، فالذي ينـزل على النبي ليس يلازم أن يكون قرآناً ، فقد يكون حديثاً نبوياً أو قدسياً ، وقد قال رسول الله صلى الله عليه (وآله) وسلم فيما أخرج البخاري : ( ألا إني أوتيت القرآن و مثله معه ) ) (2) .
  وكل هذه الكلمات تدل على أن وجود كيان آخر غير القرآن نزل من السماء ووحي جاء به جبريل عليه السلام إلى النبي صلى الله عليه وآله وسلم أمر لا شك فيه ولا ريب بين المسلمين .

--------------------
(1) الحديث والمحدثون أو عناية الأمة الإسلامية بالسنة النبوية ص 18 ـ 19 للشيخ محمد محمد أبو زهو ، مطبعة مصر .
(2) مباحث في علوم القرآن ص 262 للدكتور القصبي زلط ط ، دار القلم .

إعلام الخَلف بمن قال بتحريف القرآن من أعلام السّلف _ 98 _
  ولذا صار من الطبيعي ألا يرى الشيعة قرآنية كل ما كان تنـزيلا ، فقد تنـزل من السماء آية قرآنية وبين مفرداتـها تفسيرها الدال على معناها أو تفسيرها بالباطن ، لذا تضمنت روايات الكافي الشريف للكليني عليه رضوان الله تعالى كمًّا لا بأس به من التنـزيل المبارك المرادف للآيات الكريمة المعجزة وهو لا يعدو السنة النبوية ، وقد أنزلت من قبل الله تعالى شرحا وبيانا وتفسيرا .
  وإلى هنا يفرض سؤال نفسه وهو هل يعقل اتـهام مذهب أهل البيت عليهم السلام بتحريف القرآن لوجود مثل هذه الروايات ؟! أليس الأجدر اتـهام الصحابة الذين كانوا يقرؤون التنـزيل كقرآن ويقر بذلك كل علماء أهل السنة ؟! وسيأتي الكلام عنه بإذنه تعالى .
ما فَعل التنـزيل وما فُعل به !
  في مبحث جمع القرآن سيتضح بإذنه تعالى أن الإمام علي عليه السلام كتب كل ما نزل من السماء قرآنا وتفسيرا بعد وفاة رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم بفترة قصيرة ، أي أنه كتب النص القرآني بسوره وآياته وتنـزيلها وتفسيرها الموحى للنبي صلى الله عليه وآله وسلم وجاء به إلى القوم في المسجد حتى نظر فيه عمر فلم يرق له ذكر أسماء المشركين والمنافقين من رجال ونساء قريش وفضحهم وهم آنذاك وجوه الصحابة من الطلقاء وغيرهم ، لذا كان هذا التنـزيل أشد وطأ على النفوس من النص القرآني لأنه كان يبين مبهمه ويفصل مجمله بذكر أسماء المنافقين ونواياهم ، ويتضح هنا معنى ادعاه الصحابة ـ كما تنص صحاح روايات أهل السنة ، أن كلا من سورة الأحزاب وسورة براءة كانت تعدل سورة البقرة في الطول ولكن سقط وضاع القسم الأكبر منهما ، ونذكر هنا بعض رواياتـهم ونحيل البعض الآخر إلى محله :

إعلام الخَلف بمن قال بتحريف القرآن من أعلام السّلف _ 99 _
  ( أخرج ابن أبي شيبة والطبراني في الأوسط وأبو الشيخ والحاكم وابن مردويه عن حذيفة رضي الله عنه قال : التي تسمّونـها سورة التوبة هي سورة العذاب والله ما تركت أحداً إلا نالت منه ولا تقرؤون منها مما كنا نقرأ إلا ربعها ) (1) ، وكذا الحال في سورة الأحزاب : ( عن عروة بن الزبير عن عائشة قالت : كانت سورة الأحزاب تقرأ في زمن النبي صلى الله عليه (وآله) وسلم مائتي آية فلما كتب عثمان المصاحف لم نقدر منها إلا ما هو الآن ) (2) .
  وسيأتي ذكر قدر آخر من رواياتـهم الدالة على سقوط أكثر سورة الأحزاب ، وقد جاءت بنفس مضمون رواياتـهم رواية عند الشيعة في ثواب الأعمال للشيخ الصدوق رضوان الله تعالى عليه :
  ( عن أبي عبد الله عليه السلام : سورة الأحزاب فيها فضائح الرجال والنساء من قريش وغيرهم ، يا ابن سنان ! إن سورة الأحزاب فضحت نساء قريش من العرب وكانت أطول من سورة البقرة لكن نقصوها وحرفوها ) (3) .
  وهذه الرواية على ما فيها من ضعف سند فصلت مجمل ما في روايات أهل السنة الصحيحة في نظرهم من أنـهم حذفوا حال جمع القرآن أسماء هؤلاء الرجال والنساء وصفاتـهم إلى غير ذلك مما كان في جملة المنـزل تفسيرا على الرسول صلى الله عليه وآله وسلم لا كقرآن وإنما كتنـزيل مفسر مقترن بآيات القرآن ، وهو ما كان موجودا في مصحف الإمام علي عليه السلام فرفض مصحفه لأجل ذلك .
  وكذا هو الحال بالنسبة لسورة البينة التي أوردناها فيما سبق من كتاب الكافي : ( عن أحمد بن محمد بن أبي نصر قال : دفع إلي أبو الحسن عليه السلام مصحفا وقال : لا تنظر فيه ، ففتحته وقرأت فيه : ( لَمْ يَكُنِ الَّذِينَ كَفَرُوا ) ( البينة / 1 ) ، فوجدت فيها اسم سبعين رجلا من قريش بأسمائهم وأسماء آبائهم قال : فبعث إلي : ابعث إلي بالمصحف ) (4) .

--------------------
(1) الدر المنثور للسيوطي ج 3 ص 208 ، المستدرك على الصحيحين ج3ص208 وعلق عليه ( هذا حديث صحيح الإسناد ولم يخرجاه ) وبلفظ آخر في ج 2 ص 330 علق عليه ( هذا حديث صحيح الإسناد ولم يخرجاه ) ، وعن المصنّف لابن أبي شيبة ج 10 ص 509 ح 10143 ، ومجمع الزوائد ج 7 ص 28 ( سورة براءة ) علق عليه ( رواه الطبراني في الأوسط ورجاله ثقات ).
(2) الإتقان في علوم القرآن ج 2 ص 25.
(3) ثواب الأعمال ص 110.
(4) الكافي ج 2 ص 631.

إعلام الخَلف بمن قال بتحريف القرآن من أعلام السّلف _100 _
  وكذا الحال في مضمرة بصائر الدرجات : عن إبراهيم بن عمر عنه قال : ( إن في القرآن ما مضى وما يحدث وما هو كائن وكانت فيه أسماء الرجال فألقيت وإنما الاسم الواحد في وجوه لا تحصى تعرف ذلك الوصاة ) (1) .
  ونشعر هنا أن السور التي يدعي سلفهم الصالح احتواء أصلها على أضعاف ما هو موجود وقد نقصت وحرفت وفقد منها ما فقد ، كانت في الغالب سورا ذات طابع خاص من الشدة والتنكيل بالمشركين والمنافقين من الصحابة ، نيلا من نواياهم وإخمادا لإرجافهم بالرسول صلى الله عليه وآله وسلم حينما تزوج زينب بنت جحش كما في سورة الأحزاب ، وفضحا لنفاقهم وتلكئهم عن الجهاد كما في سورة براءة ، ووعيدا بنار جهنم للمشركين والكفار كما في سورة البينة ، فتتفق كلمات الصحابة مع الروايات التي وردت عن أهل البيت عليهم السلام من أن تلك الفضائح والأسماء كانت على نحو التنـزيل ، وأن هذا التنـزيل هو الذي حُرف وأُبعد عن ساحة المصحف المجموع ، وهذا ما قصدته روايات أهل البيت عليهم السلام ، فلو وردت رواية فيها أن القرآن قد حُرّف يكون المقصود من القرآن فيها ما يشمل النص القرآني المعجز مع الوحي الآخر الذي رادفه وهو التنـزيل ، فصار حذف التنـزيل والتفسير هو تحريفا للقرآن في الحقيقة ، وهو ما كان موجودا في المصحف الذي جمعه أمير المؤمنين عليه السلام .

--------------------
(1) بصائر الدرجات ج 1 ص 195 ـ 196 ح 6.
  القرآن حُرّف !
  فتحصل إلى هنا أن كل ما أنزل من السماء من النصوص القرآنية والتفسير والذي يسمى المجموع منهما بالقرآن مجازا قد حُرّف وعلى أيدي بعض الصحابة حينما جمعوه إما عن جهل أو عمد ، ولكنهم لم يحذفوا منه إلا التنـزيل أي تفسير الآيات القرآنية ، أما النصوص المعجزة التي تحدى الله بـها أهل الأرض أن يأتوا بمثلها فهي محفوظة تامة ولا نقص فيها ولا زيادة ، وإنما قصد بالقرآن ما يعم النص القرآني المعجز وتفسيره وتنـزيله وهذا الأخير هو الذي حرفوه وأنقصوه .