بـحث مقارن في تحريف القرآن من وجوهه الـمخـتلفة بين مذهب أهل البيت عليهم السلام ومذهب العامة مع بيان بعض افتراءات وجهالات الوهابية

إعلام الخَلف بمن قال بتحريف القرآن من أعلام السّلف _ 2 _
الاهداء
  أيْ نفس أخيك الرسول ،
  أي عين الله في أرضه وسيفه المسلول .
  أيْ صابرا عدد أمواج البحر وتعاريج السيول .
  أيْ عـرس مكسـورة الـضـلـع فـاطمة البـتـول .
  أيْ أبا الحسنيـن وأبا الـمحسن سِقطـها الـمقتول .
  هديتـي تمشي على استحياء زيتها ووقودها عطفك الـمأمول .
  أي أمير المؤمنين ، أنت أنت ، ونحن نحن ، ومن مواليك نرجو القبول .

إعلام الخَلف بمن قال بتحريف القرآن من أعلام السّلف _ 3 _
بِِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ
  (وَمَا رَمَيْتَ إِذْ رَمَيْتَ وَلَكِنَّ اللَّهَ رَمَى)

إعلام الخَلف بمن قال بتحريف القرآن من أعلام السّلف _ 4 _
بسم الله الرحمن الرحيم
  الحمد لله رب العالمين ، نحمدك يا رب بما أنت أهل له ، ونصفك بما وصفت به نفسك ورضيته لنفسك ، ولا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم .
  اللهم صل على أشرف أنبيائك المرسلين وسيد خلقك أجمعين ، نورك الذي لا يخبو ، وحبيبك الذي لا يجفو ، نزيه الشرك أبًا وأما وأخًا وابنا ، من هو بالمؤمنين رؤوف رحيم ، سيدنا ومولانا أبي القاسم محمد عليه أفضل الصلاة والسلام ، وعلى أهل بيته فخر خليقتك وأفضل بريتك ، السادة المنتجبين والهداة الميامين ، مصابيح الظلام وهداة كل الأنام والقادة إلى دار السلام ، حججك على خلقك من اقتدى بـهم اهتدى ومن أبى زُخّ إلى لظى .
  اللهم وفق ويسر واعن واستر ، ولا تجعل أمرنا علينا غمة يوم نلقاك بحق محمد وآل محمد صلواتك عليهم كل صباح ومساء ، آمين رب العالمين .

إعلام الخَلف بمن قال بتحريف القرآن من أعلام السّلف _ 5 _
المقدمة
  التشويه العقائدي مستمر !
  الركل والخيزران هو الخطاب الذي كان يخاطب به الشيعة قبل بضع سنين ، ومن قبله لـهيب السياط وحز السيف الذي كان يتعرض له الشيعة من قبل أمراء سلفهم الصالح حتى قضي ألوف من الشيعة صلبا وتقطيعا للأطراف وسجنا حتى الموت في المطبق وغيره ، وقد انزوت هذه الأفاعيل اليوم وصار محلها الدهاليز العطنة والسراديب المظلمة مراعاةً لمشاعر العالم الغربي ولجان حقوق الإنسان ، وأما على مستوى عقائد الشيعة فكان الأسلوب القهري الجبروتي الخطاب المعتاد ، كالتكفير والإخراج من الدين والتبديع والتفسيق ، ومازالت رحى أسلوبـهم المنطقي هذا دائرة على رؤوس أتباع أهل البيت عليهم السلام ، وصواعق الافتراء والكذب عليهم كالمطر الهاطل ، ومازال الشيعة ينتظرون الخطاب العقلائي منذ أكثر من ألف سنة !
  ولو أراد أحدنا أن يدون التهم التي أنيطت بالشيعة الإمامية والخزعبلات التي نبزوا بـها من أول التاريخ إلى يومنا هذا لكتب من جنسه أنواعا ، كراريس ودفاتر بل موسوعات ، وقد كتبت بالفعل ! لكن بأقلام مأجورة فرحين بـها ترضي أحلامهم وآمالهم ، فبدلا من مقارعة الحجة بالحجة أخذا وردا قاموا بكل قوة وحماس بقذف الحمم البركانية وتلبيد سماء التشيع لأهل البيت عليهم السلام بسحائب التنكيل والتشنيع والتبديع والتهديد والإخراج من الملة وأن الشيعة هم وقود النار ، كفار مشركون ، عبدة طين وأوثان ، هدفهم الأول والأخير إحياء أصل مذهبهم المزدكي المجوسي الزرادشتي القرمطي الهندوكي الساساني الكنفوشي وكل عجيب وغريب ، وأن الشيعة فعلوا ، وما فعلوا ، وما أدراك ما فعلوا ؟! إلى غير ما هنالك من الافتراء والكذب !
  وكله يحقق لـهؤلاء غايتين في طول بعضهما لا أرى ثالثة لهما ، أولهما أن هذه المكدسات من الكذب والأراجيف ترتفع وتتراكم لتكون ساترا كثيفا يقف دون علم الناس بحقيقة ما يقوله أهل البيت عليهم السلام ويمنع من فهمه على النحو الصحيح ، ولا ريب لهؤلاء المهرجين العذر في إثارة الأتربة ونفضها في وجوه من يحاول فهم مذهب أهل البيت عليهم السلام ، لأن أثر كلمات أهل البيت عليهم السلام في النفوس الطيبة قوي جدا ، وأقل النور يخرق الظلام وإن كان دامسا ، فما بالك بنور أناس أذهب الله عنهم الرجس وطهرهم تطهيرا وهم أهل بيت محمد صلى الله عليه وآله وسلم ؟!
  وغايتهم الأخرى من هذا الكذب المتواصل والافتراء على مدى أكثر من ألف سنة ، هي المنع من نتيجة الفهم الصحيح لمذهب أهل البيت عليهم السلام ، فهذا المنع والحرمان ينتج عنه يقف دون أي مقايسة حقة ومقارنة صحيحة يقوم بـها الناس الطيبون بين ما يدين به أولئك وما يدين به أهل البيت عليهم السلام ، لئلا يظهر فساد المعتقد وفراغ المذهب وعوار الفكر ، ولكي لا يتضح الأصيل من اللصيق والنور المبين من الضلال القديم ، وإلا بماذا نفسر قولهم لعوامهم : لا تناقش شيعيا فإنه يسحرك بالكلام ! ، ( قَالَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ مِثْلَ قَوْلِهِمْ تَشَابَهَتْ قُلُوبُهُمْ قَدْ بَيَّنَّا الآياتِ لِقَوْمٍ يُوقِنُونَ ) (البقرة/118) ، ( كَذَلِكَ مَا أَتَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ مِنْ رَسُولٍ إِلاَّ قَالُوا سَاحِرٌ أَوْ مَجْنُونٌ ) (الذاريات/52) ، ( أَفَسِحْرٌ هَذَا أَمْ أَنْتُمْ لاَ تُبْصِرُونَ ) (الطور/15).

إعلام الخَلف بمن قال بتحريف القرآن من أعلام السّلف _ 6 _
لماذا الكتابة في تحريف القرآن ؟
  ما كان تعرضنا لموضوع كهذا نتاجَ وقتٍ فراغ أو استهواء مترف أو ميل لاكتشاف غريبة ، إذ لا يشك الغيور أن خوضا في غمار موضوع كهذا وانتزاع نتيجة منه يعتبر مرصدا لكل من حاد الله ورسوله وملاذا لمن أعُجز في طلب حيلة يخاصم بـها أتباع الدين الحنيف .
  إن فرية تحريف القرآن على الشيعة التي تطبل لها الوهابية بين الفينة والأخرى ما هي إلا نشاب وأسنة طعنوا بـها القرآن ، وأي طعنة ! ، وفتنة للناس حتى شك بعض المسلمين من السنة والشيعة في سلامة القرآن من التحريف ، وقد رأينا على شاشات الإنترنت بعضا من احتجاجات أهل الكتاب الذين ارتدوا عن الإسلام زاعمين أن الحلم الذي أدخلهم الإسلام قد تبدد وهو وجود كتاب لله عز وجل لم تناله يد التحريف ، فاتضح الآن أن القرآن والإنجيل سواء بسواء ! وقد احتجوا لذلك ببعض افتراءات الوهابية على الشيعة !
  فمن الذي أضل هؤلاء ؟!
  ومن الذي يطبل لهذه الفرية ؟!
  وقد كثرت الأراجيف واشتد سَعر الافتراء من الوهابيين مجدين مصرين بكل جهدهم على تشويه القرآن من حيث لا يشعرون ، بزعم أنـهم يشوهون مذهب أهل البيت عليهم السلام ، وخفي عليهم أن المصيبة تحل على القرآن فقط ، فكم من شيعي وسني شك في سلامة القرآن من التحريف دون رجوع عن مذهبه ! وسنبين الوجه فيه .
  وهذا حال الوهابية منذ زمن طويل في توزيع التهم والكيل بالأوفى ، وقد صكت فرية اعتقاد الشيعة تحريف القرآن مسامع الكثيرين وصدقوا بـها لـجهلهم ، إضافة لعدم اكتراث الوهابية بالنصح والإرشاد ، بل اعتبروا أن هذا النصح تـهربا وتسترا وانـهزاما ! ، لذا أصبحنا بين أمرين القرآن من جانب ، والرضا بالظلم والكذب من جانب آخر ، فرجحنا غير لغة النصح والتوعية لأن لغة احترام القرآن وتقديسه لا تلقي الوهابية لها كثير بال ، فكان كشف المعتدي وتعريته على حقيقته وإلزامه بما في مذهبه هو العلاج لإسكاته ، وآخر العلاج الكي !
  وأرى أن من المحتم على الغيور من كل فرق المسلمين سنة وشيعة اجتثاث هذا الطرح الخطر ، بأي وسيلة ، ولا ريب أن من اطلع على كلمات الوهابية لن يجد دواءً ناجعا إلا ما رأيناه نحن ، حتى أخذ به بعض علماء أهل السنة من قبل فقالوا إن إلزام الشيعة بـهذا الرأي يوجب إلزام أهل السنة به

إعلام الخَلف بمن قال بتحريف القرآن من أعلام السّلف _7
  أيضا ، وصاروا يسردون كلمات سلفهم في تحريف القرآن ثم أردفوا ناصحين بوجوب غلق هذا الباب ورفع القرآن عن مرمى السهام ، ولكن يا لها من آذان لا تسمع ، ومن قلوب لا تفقه ، ومن أعين لا تبصر عند الوهابية ؟ !
  وكما ترى فما انـجلت الغبرة إلا عن قرآن تتلاطم به أمواج التشكيك ، وانقلب مرتعا ومحلا لافتراء السفيه وخبال المتهتك ، فكانوا مصداقا آخر للمستعاذ منه في هذه الآية الكريمة (فَإِذَا قَرَأْتَ الْقُرْآنَ فَاسْتَعِذْ بِاللَّهِ مِنْ الشَّيْطَانِ الرَّجِيمِ) (النحل/98).

تحريف القرآن تشويه واستغفال للعوام !
  وإلى يومنا هذا منابرهم تصيح وكتيباتـهم الملونة وأشرطتهم السمجة تنسخ وتوزع ، وجُزي خيرا من أعان على نشر هذا الشريط ، وأفضل هدية لأخيك المؤمن ، وحوار من رافضي ، وحوار مع ناصبي ، وغير هذه التفاهات ، لماذا ؟! لأن الشيعة تقول بالمتعة ، والشيعة تقول بالتقية ، والشيعة تقول بتحريف القرآن ، والشيعة تقول بالجمع بين الصلاتين ، الشيعة قبلتها في الصلاة كربلاء ، وهكذا !
  ولكن لنسأل ، هل طرح هذه المواضيع ـ بغض النظر عما فيها من الأكاذيب والأراجيف ـ يعطي النتيجة المطلوبة ؟! ، إن المطلوب المنطقي المتصور لكل هذا الطرح هو إخراج الشيعة من مذهب أهل البيت عليهم السلام وإدخالهم في مذهب العامة ، وهذا الطرح لا تعطي المراد ، إلا إذا كان التهريج هو القصد .
  يمكن توضيح المراد بالقول إن مذهب التشيع قائم على ركيزة افترق بـها عن مذهب العامة ، فالشيعة يجعلون أهل البيت عليهم السلام الحجة بينهم وبين الله عز وجل ومصدر لتلقي السنة النبوية والأحكام الشرعية بعد رسول الله صلى الله عليه وآله سلم ، بدلالة حديث الثقلين المتواتر الذي أوصى فيه رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم الأمة بأن تتمسك من بعده بالكتاب والعترة ، وهذا ذكره الألباني في سلسلته الصحيحة :
  ( قال رسول الله صلى الله عليه (وآله) وسلم : أيها الناس ! إني تركت فيكم ما إن أخذتم به لن تضلوا ، كتاب الله ، وعترتي أهل بيتي ) (1) .
  فمشايعة أهل البيت عليهم السلام ومتابعتهم هو الخط الفاصل بين مذهبين ، فإن ثبت بطلانـها بطل مذهب الشيعة من رأس ويخر بنيانـهم من الأساس ، لذا ليسأل العاقل نفسه ، هل إن

--------------------
(1) سلسلة الأحاديث الصحيحة لناصر الدين الألباني ج4 ص355 ح1761.

إعلام الخَلف بمن قال بتحريف القرآن من أعلام السّلف _ 8 _
  طرح تلك المواضيع يمس التشيع لأهل البيت عليهم السلام ؟ ! بالطبع لا ، لأن مشايعة أهل البيت عليهم السلام لا تتوقف على القول بالتقية فإن ثبت عنده أن التقية غير جائزة ـ لا عنادا لأقوال أهل البيت عليهم السلام ـ فهذا لا يخرجه من التشيع ولا يدخله في مذهب العامة ، وكذا من قال بعدم تحريف القرآن فإن ذلك لا يخرجه من التشيع ولا يدخله في التسنن ، وكذا بقية الموارد السابقة ، إلا أن يقال أن تحريف القرآن يوجب الكفر وهذا الكلام على إطلاقه خطأ كبير سوف نثبت خلافه من كلامات علماء أهل السنة إن شاء الله تعالى ، ثم لنفرض أنه يوجب الكفر فهل هذا يصحح مذهب العامة ؟ ! ،
  فلماذا يطرح الوهابيون هذه المواضيع التي لا تمس محل النـزاع وهو التشيع والمتابعة لأهل البيت عليهم السلام ؟ !
  أم حسبوا أن المبطل والضال من يقول قولا يثير غضب الهمج وترتفع في وجهه صرخات الأوباش ؟ !
  أما كان لميزانـهم الخاسر بين العقلاء موضع غير القرآن وسلامته من التحريف ؟ !

الاستدراج والخداع في النقاش الوهابي
  ولا بأس بذكر شيء نقرب به معنى كلامنا أن نقاش الوهابية فيه محاولة جادة للطعن في كتاب الله عز وجل من حيث لا يشعرون ، فهاهم الآن ينتهجون منهجا في النقاش يجرون به الطرف المقابل إلى موضوع تحريف القرآن شاء أم أبى ! فعندما يناقشهم الشيعة في لب الموضوع ومنبع الخلاف أي تحديد مصدر التلقي وأخذ الدين بعد النبي صلى الله عليه وآله وسلم أي مفاد حديث الثقلين السابق ، يفاجئك الوهابي بالقول : فلنتكلم عن الثقل الأكبر ! ، يقصد لنتكلم عن تحريف القرآن ! فهذا هو الأسلوب الأول .
  والأسلوب الآخر أن يقول لك قبل النقاش : نريد أن نحدد محورا ومرجعا نحتكم إليه عند الخلاف ، فيقال له لنجعل القرآن كتاب الله بيننا ، فيرد عليك : الشيعة تقولون بتحريف القرآن ! ويبدأ السجال والأخذ والرد والتناوش على كتاب الله !
  هكذا ، يتحايلون ويخادعون لجر النقاش وحصر الخلاف بين الشيعة والسنة إلى القرآن بأنه محرف أم لا ؟ مع أننا قلنا إن إثبات عدم التحريف لا يمس التشيع والمتابعة لأهل البيت عليهم السلام ! ، فقد يرى الشيعي عدم التحريف أو التحريف ولا يصير سنيا في كلتا الحالتين ، وهنا يتضح معنى قولنا إن هذا الطرح لا يجر سوى الويلات على القرآن .
  ولو نظرنا في خداعهم السابق لوجدناه منطويا على مغالطة في كل من الحيلتين ، فأسلوبـهم الأول بتسرعه الفاضح لحصر الكلام في الثقل الأكبر ، وقصر العين على أحد الثقلين قبل تحديد الثقل

إعلام الخَلف بمن قال بتحريف القرآن من أعلام السّلف _ 9 _
  الآخر ، له معنيان لا ثالث لهما ، إما أنه مسلّم بدلالة حديث الثقلين ولا داعي لتحديدهما في الرتبة السابقة ، وهذا تسليم بمرجعية أهل البيت عليهم السلام بعد النبي صلى الله عليه وآله وسلم وعند هذه النقطة يكسر مذهب أهل السنة ويفض النـزاع ، وإما أنه دلس وقفز من دلالة الحديث إلى ما عبأ به نفسه وشحنها ليحصر النقاش فيه أي في تحريف القرآن ـ وهو واقع حال الوهابية ـ فحينها يقال له يجب قبل الخوض في خصوصية كل ثقل ورأي المذهبين فيه ومدى التمسك به أن نحدد في الرتبة السابقة دلالة الحديث أي العلم بما يدل عليه الحديث من معنى الثقلين هل هما الكتاب والعترة أم غيرهما ؟
  وبعد تحديدهما والفراغ من أن القرآن والعترة أو القرآن وأي شيء آخر هما المأمور باتباعهما بعد وفاة النبي صلى الله عليه وآله وسلم ، حينها ينتقل النقاش ـ ولن ينتقل لأن هذه المرتبة تسقط مذهب أهل السنة ـ إلى المرتبة الثانية وهي خصوصيات كل ثقل وأحكامه الخاصة به ، لا أن يقصر النظر على ثقل منهما ويحصر النقاش فيه قبل الفراغ من دلالة الحديث !
  والحيلة الثانية أسخف من الأولى لأن الطرف المقابل ـ الشيعي ـ قد سلم بعدم تحريف القرآن ومن سلم بشيء يُلزم به حتى وإن لم يؤمن به لأن أمره سيفتضح في نـهاية المطاف ، فكيف إذا كان مؤمنا به حقا ؟ ! ، وهذا أمر بديهي ومن أوليات التفكير المنطقي ، لذا من غير المعقول أن يقال له إن بعض علماء الشيعة قال بالتحريف ، فهل يعني هذا أنه لم يُسلّم ؟ ! أو أن تسليمه ليس بتسليم ؟ ! ، حتى لو سلمنا بأن المقّر بشيء لا يؤخذ بإقراره وتسليمه إلا بشروط وقيود ! ،
  فلماذا يلزم هذا المسكين برأي شاذ ولا يُلزم برأي الجمهور ، بل لماذا يرفَض تسليمه وما سلم به هو رأي كل مراجع الشيعة على مر العصور ؟ !
  بل أكثر من ذلك إن من قال بتحريف القرآن لم يقل إن المحرف والساقط من المصحف يتعارض مع الموجود حتى يمنع ذلك من جعل القرآن الحالي محورا يحتكم إليه عند النـزاع ، فالكل إذن متفق على أن ما في المصحف يمكن جعله محورا ومرجعا بلا معارض !
  ناهيك عن أن عدم قبول الوهابي لهذا التسليم يعني سد باب النقاش في أي موضوع كان سواء في تحريف القرآن أو غيره ، لأن أي نقاش يفتح ـ حتى وإن كان في تحريف القرآن ـ سيقف عدم تحديد المرتكز الذي يحتكم إليه عند الاختلاف عقبة لم تحل بعد ! ، لذا عندما يحاول الوهابي الضحك على العقول فيبدأ النقاش في تحريف القرآن ، نسأله : ما هو الضابط الذي نحتكم إليه في هذا النقاش ؟ ! هل القرآن ؟ ! كيف وقد صار محلا للنقاش ؟ ! ، فيجب عليه حينها تغيير المرتكز كجعل العقل مثلا ، ولن يقبله الوهابي لأن العقل ليس من حزبه ، أو أن ينبذ جهالاته وسخافاته جانبا ويأخذ بما سلم به الطرف المقابل ، وعليه يتضح معنى البديهة المنطقية القائلة من سلم بشيء يُلزم به .

إعلام الخَلف بمن قال بتحريف القرآن من أعلام السّلف _ 10 _
  والمضحك أن أحد مشايخهم تكلم بنفس هذا الأسلوب واستدرج أحد عوام الشيعة إلى تحريف القرآن ، وفي حين أن الوهابي لم يقبل من الشيعي حاكمية ومرجعية القرآن عند الاختلاف لأن الشيعة تقول بتحريف القرآن بزعمه صارت استدلالات الوهابي المخدوشة كلها من القرآن ، ويتعجب هذا الوهابي العبقري من الشيعي كيف لا يقر باستدلاله القرآني ؟ ! مع أن الوهابي يقول إن الشيعة لا يصح لها أن تعتمد القرآن في النقاش ؟!! فأي عقل هذا ؟!
  وأتمنى أن يتنبه لمثل هذه المغالطات والحيل التي يدخل بـها الوهابية على كتاب الله عز وجل محاولين حصر النقاش في تحريف القرآن .
اخر العلاج ، هذا الكتاب !
  وإن أبى الوهابية إلا النقاش في تحريف القرآن على ما فيه من مغالطات وتخليط ، وانتهجوا التبجح والصياح كذبا وزورا بأن الشيعة يحرفون القرآن ، فحينها يؤخذ وبكل سرور هذا الترياق المجرب والميسم الكاوي ليوسم به الوهابية بنفس كلمات علمائهم المعتبرين كالطبري وابن كثير وابن حجر وابن تيمية وغيرهم ، الذين صرحوا واعترفوا أن من أكابر الصحابة والتابعين من كان يرى وقوع التحريف في القرآن وهذا هو دين بعض سلفهم الصالح ، وقد أفردنا له فصلا كاملا في آخر الكتاب ، وحينها ينتهي السجال بتكفير الصحابة والتابعين بنفس ميزان الوهابية .
ماذا في الكتاب
  لا أدري كيف صبغت هذه المقدمة بالقيل والقال حتى لا تكاد تشعر أنـها مقدمة ! ، ولكني وجدت الكلام السابق مفيدا ونافعا لذا نرجو معذرة القارئ الكريم ، وهذا الكتاب في ثلاثة فصول ، الفصل الأول يتناول تحريف القرآن عند الشيعة مع شيء من التفصيل ، وفيه شيء من عجائب وغرائب الوهابية ، والفصل الثاني في تحريف القرآن عند أهل السنة ، وهو على قسمين :

القسم الأول التحريف غير الصريح
  وموضوعه علوم القرآن التي شانت القرآن بتقنين تحريفه والقول بشرعيته ، وهذا في أربعة بحوث :

إعلام الخَلف بمن قال بتحريف القرآن من أعلام السّلف _ 11 _
  1 ـ الأحرف السبعة
  2 ـ جمع القرآن
  3 ـ القراءات القرآنية
  4 ـ نسخ التلاوة
  وبين طيات كل مبحث منها توجد ملاحظات واعتراضات على الجزئيات المطروحة ، ثم نذكر وجه العلاقة بين هذا المبحث المطروح وتحريف القرآن ، وفي نـهاية كل مبحث نذكر رأي الشيعة في أهم المسائل لتصح المقارنة والمقايسة بين المذهبين ، أقصد مذهب أهل البيت عليهم السلام ومذهب العامة ، أما الوهابية فسنقتصر على بيان غرائبهم وشيء من نوادرهم للترويح ولإنعاش القارئ المحترم الذي تلبد فكره بالأخذ والرد .

والقسم الثاني التحريف الصريح
  وفيه ذكر للسور الزائدة والناقصة من القرآن وكذا الحال بالنسبة للآيات ، ونذكر أيضا التلاعب الذي أحدثه سلفهم الصالح في القرآن واتخاذهم تحريف القرآن مهنة وحرفة يراد منها التفاف الجماهير والشهرة ، ومن ثم نفرد فصلا لذكر من قال بتحريف القرآن من سلفهم الصالح ودان به ، ثم نعقب بفصل آخر فيه شهادات علماء أهل السنة الكبار معترفين مقرين أن من الصحابة ورموز التابعين من كان يعتقد وقوع التحريف في القرآن ، وهذه الشهادات والاعترافات أخذت من كتبهم المعتبرة بالجزء والصفحة .
  وأما الفصل الثالث فتناول دور الشيعة في صيانة القرآن من التحريف وإيصاله لنا بـهذا الشكل الأنيق الرصين ، وسيتضح لنا أن جمع القرآن ، وتدوينه ، وإملاءه ، وتنقيطه بنقط الإعراب أولا ، وبنقط الإعجام ثانيا ، وإعادة صياغة النقاط مع بعض الإضافات لخط المصحف ، وكذا تطوير الخط النسخي إلى هذا الخط الرائع أمامك فأمكن وضع التشكيل عليه ، كل هذه الأمور التي تدرّج فيها القرآن في مراتب الكمال والصيانة والحفظ والحصانة إنما قام بـها رجال الشيعة فقط دون غيرهم ، فامتازوا بحفظ هذا الكتاب الكريم من التلاعب والتغيير ، والحمد لله رب العالمين .
  ليلة المبعث النبوي الشريف سنة 1422ه
  أبو عمر صادق العلائي‍

إعلام الخَلف بمن قال بتحريف القرآن من أعلام السّلف _ 12 _
الفصل الأول : الشيعة الإمامية وتحريف القرآن

التهمة القديـمة المتهالكـة !
  من تلك التهم السائرة الدائرة على مر الأيام التي مني بـها مذهب آل الله وآل رسوله صلى الله عليه وعليهم أجمعين فرية تحريف القرآن ، بدعوى أن الشيعة من مذهبهم القول بسقوط بعض آيات من القرآن ، وكثير من الكتيبات التي كتبتها أيادي الفرقة تريد حشر هذه التهمة في رأس السذج والبسطاء .
  ولا شك أن ناشر هذه الفرية ليس إلا صلف الوجه لا يعبأ بما يقال فيه ، كيف لا ! والشيعة ليست من الفرق البائدة التي لا يخبر عنها إلا في الكتب العتيقة وبين صفحات التراجم سحيقة العهد ، فهذه أعيانـهم في كل مكان وعلماؤهم بين أظهرنا وكتبهم ظاهرة سهلة المنال وكلمات محققيهم ومراجعهم لا تخفى إلا على ميت الأحياء ، والقول الفصل عند مراجعهم كلهم أجمعين أكتعين أن القرآن الذي نزل على النبي صلى الله عليه وآله وسلم هو هذا المصحف الموجود في بيوتنا وبيوتات المسلمين بجميعه وتمامه لا نقيصة فيه ولا زيادة ، وهذا واضح عند من دار في شوارع المسلمين أو مرّ في أضيق أزقتهم .
*الشذوذ عن فكر المذهب :
  وكون التحريف فرية واضحة على مذهب أهل البيت عليهم السلام لا ينفي شذوذ بضع نفر عما ذهب له الجمهرة والسواد الأعظم وهذا واضح لدى من امتلك شيئا من العقل ، فبعض علماء الشيعة شذوا عن رأي الطائفة حيث قالوا بعدم صيانة القرآن من التحريف وحالهم كحال من شذ عن مذهب أهل السنة وقال بوقوع التحريف في القرآن وعدم صيانته منه (1) ، وهذه القلة من الشيعة ذات ميول خاصة ومبان انفردت بـها وخالفت سوادهم الأعظم ، وقد انقرضت تلك الفئة مع ما شذوا به .

--------------------
(1) سيأتي ذكر أسمائهم وأقوالهم بإذنه تعالى .

إعلام الخَلف بمن قال بتحريف القرآن من أعلام السّلف _ 13 _
  ومن الدعاوى العريضة أن نقول إن الشيعة انقسموا في الاتجاه والمشرب الفقهي إلى قسمين ، لكل منهما أصوله في استنباط الأحكام الشرعية إذ الفرع الذي ألقى بذرتـه الأمين الإستر آبادي رضوان الله تعالى عليه قبل أربعمائة سنة ثم انكسر واجتث بعد مائتي سنة من بزوغه لا يقسم الشيعة الإمامية في مذهبهم الاستنباطي السائر منذ ألف سنة إلى قسمين أحدهما ظهر قريبا وانتهى بمدة مئتي عام !
  وقد كان للإخبارية (1) قواعد ترتكز عليها مدرستهم وصارت من معالمها ، وهذه المدرسة لا وجود لها اليوم كتيار له منظّرون بما للكلمة من معنى وذلك لانقضاء أمر هذا التيار على يد مراجع الطائفة رضوان الله تعالى عليهم حينما تصدوا لهم فنقضوا أصولهم وبينوا عوارها حتى قضي الأمر واستوت الطائفة وعادت نمرقةً وسطى كما كانت على يد الوحيد البهبهاني رضوان الله تعالى عليه .
* أسسٌ افترق بـها هذا التيار الـمحدَث عن فكر المذهب :
  من أهم مباني الإخبارية التي شذوا بـها عن جمهرة الإمامية القول بعدم حجية ظواهر القرآن ، واعتمادهم على الأخبار فقط أي السنة الواردة من أهل البيت عليهم الصلاة والسلام فلذلك سموا إخبارية .
  وسبب قولهم بعدم حجية ظواهر القرآن (2) دعوى أن كلام الله عز وجل أجل وأرفع من أن يناله عقل البشر العاديين ، فإن كلام رب الناس لا تدركه عقول الناس ! ومن الإجحاف بساحته جل وعلا أن يدرك مرام كلامه ويفقه مغزاه البشر العادي ، لذا على الفقهاء إيكال فهم ظواهر القرآن إلى من خوطب به وهم الراسخون في العلم أي الرسول صلى الله عليه وآله وسلم وأئمة أهل البيت عليهم السلام وهم عِدل القرآن بنص حديث الثقلين المتواتر (3) .

--------------------
(1) مفهوم الإخباري كان متداولا منذ زمن بعيد ومتداولا بين قدماء علماء الطائفة ، ولكن كلامنا عن التيار ذي المرتكزات والقواعد التي أسسها الأمين الإسترآبادي رحمه الله فالكلام على وجه الخصوص .
(2) الظاهر هو ما كانت دلالته مظنونة لرجحانـها ، النص أو المحكم هو ما لا يحتمل إلا وجها وحدا ، والمتشابه هو ما احتمل على وجهين فصاعدا أي يكون مجملا مرددا بين معان مختلفة .
(3) فأراد الإخباريون بكلامهم هذا تنـزيه كتاب الله عز وجل عن أذهان البشر العاديين الذين ليسوا من الراسخين في العلم ، فالمانع من فهم ظواهر كتاب الله عز وجل ليس في الله عز وجل بل فينا أي لعجز في القابل لا لعجز في الفاعل ، وهي وإن كانت مقالة باطلة ، لكن من غير الإنصاف أن ينسب بعض الوهابية للإخبارية أنـهم قالوا بذلك لأن الله عز وجل عجز عن بيان أحكامه بصورة واضحة ! ، بل قال بعضهم إن الأئمة ـ عليهم السلام ـ عند الشيعة أفصح بيانا من الله عز وجل لأنـهم قالوا إن ( القرآن لا يكون حجة إلا بقيم ).

إعلام الخَلف بمن قال بتحريف القرآن من أعلام السّلف _ 14 _
  وننقل هنا أقوال بعض مراجع الطائفة الحقة في كتبهم الأصولية التي هي المعتمد الحق في بيان ما شذت به الإخبارية ، قال السيد البروجردي رضوان الله تعالى عليه في تقريرات بحثه :
  ( ما يظهر من الطائـفـة المنتـحلـة إلى الإمامية رضوان الله عليهم ، المعروفين بالإخبارية وهو عدم حجية ظواهر القرآن .
  => وهذا قول أحد الوهابية ممن ألفوا رسالة دكتوراه في الافتراء على الشيعة ، قال (ناصر ، ق) في أصول مذهب الشيعة ج 1 ص 128 : ( فماذا يعنون بـهذه العقيدة : أيعنون بذلك أن النص القرآني لا يمكن أن يحتج به إلا بالرجوع لقول الإمام ؟ وهذا يعني أن الحجة هي في قول الإمام لا قول الرحمن (!!) ، أم يعنون أن القرآن لا يؤخذ بنظامه إلا بقوة السلطان وهو القيم على تنفيذه ؟
  ولكن ورد عندهم في تتمة النص ما ينفي هذا الاحتمال وهو قولهم : ( فنظرت في القرآن فإذا هو يخاصم به المرجيء والقدري والزنديق الذي لا يؤمن به حتى يغلب الرجال بخصومته فعرفت أن القرآن لا يكون حجة إلا بقيم ) ، ومعنى هذا أن قول الإمام هو أفصح من كلام الرحمن ، ويظهر من هذا أنـهم يرون أن الحجة في قول الإمام لأنه الأقدر على البيان من القرآن ).
  لكن لو رجعنا إلى نص الرواية كاملة لعلمنا أن أهل السنة لم يستنكروا هذه المقالة من منصور بن حازم بل أقروه على لزوم وجود قيم للقرآن في الصحابة بعد وفاة النبي صلى الله عليه وآله وسلم لكن الوهابي (ناصر ، ق) دلس وبتر الرواية ليتسنى له التشنيع على الشيعة فقط لقولهم بفكرة صحيحة يقبلها كل مسلم ، وهذا نصها في الكافي ج 1 ص 188 : ( عن منصور بن حازم قال : قلت لأبي عبد الله عليه السلام : إن الله أجل وأكرم من أن يعرف بخلقه ، بل الخلق يعرفون ، بالله ، قال : صدقت ، قلت : إن من عرف أن له ربا ، فينبغي له أن يعرف أن لذلك الرب رضا وسخطا وأنه لا يعرف رضاه وسخطه إلا بوحي أو رسول ، فمن لم يأته الوحي فقد ينبغي له أن يطلب الرسل فإذا لقيهم عرف أنـهم الحجة وأن له الطاعة المفترضة .
  وقلت للناس : تعلمون أن رسول الله صلى الله عليه وآله كان هو الحجة من الله على خلقه ؟ قالوا : بلى ، قلت : فحين مضى رسول الله عليه السلام من كان الحجة على خلقه ؟ قالوا : القرآن ! ، فنظرت في القرآن فإذا هو يخاصم به المرجيء والقدري الزنديق الذي لا يؤمن به حتى يغلب الرجال بخصومته ، فعرفت أن القرآن لا يكون حجة إلا بقيم ، فما قال فيه من شيء كان حقا ، فقلت لهم : من قيم القرآن ؟ فقالوا ابن مسعود قد كان يعلم وعمر يعلم وحذيفة يعلم ، قلت : كله ؟ قالوا : لا ! فلم أجد أحدا يقال : إنه يعرف ذلك كله إلا عليا عليه السلام ، وإذا كان الشيء بين القوم فقال هذا : لا أدري ، وقال هذا : لا أدري ، وقال هذا : لا أدري . وقال هذا : أنا أدري .
  فأشهد أن عليا عليه السلام كان قيم القرآن ، وكانت طاعته مفترضة وكان الحجة على الناس بعد رسول الله صلى الله عليه وآله وأن ما قال في القرآن فهو حق ، فقال ـ عليه السلام ـ : رحمك الله ) ، فاتضح أن معنى القيم هنا هو المبين لـجميع ما في الكتاب من مجمل ومتشابه ومبهم وكما قال المولى المازندراني رضوان الله تعالى عليه في شرحه للحديث : ( والمراد به هنا من يقوم بأمر القرآن ويعرف ظاهره وباطنه ومجمله ومأوله ومحكمه ومتشابـهه وناسخه ومنسوخه بوحي إلهي أو بإلهام رباني أو بتعليم نبوي ) ، وهو من يمكنه إثبات المصداق العملي لقوله تعالى ( وَنَزَّلْنَا عَلَيْكَ الْكِتَابَ تِبْيَانًا لِكُلِّ شَيْءٍ )(النحل/89) ، فلا ريب أن أحكام الله عز وجل كلها في القرآن ولكنها تخفى علينا وعلى الوهابي السابق ، فهلا قال لنا : من يتكفل ببيانـها وتفصيلها من آيات القرآن ؟
  حتما سيقول هو الرسول صلى الله عليه وآله وسلم بمفاد قوله تعالى ( وَمَا آتَاكُمْ الرَّسُولُ فَخُذُوهُ وَمَا نَهَاكُمْ عَنْهُ فَانْتَهُوا )(الحشر/7) ، فهلا قال الوهابي لنا كيف صار كلام الرسول أفصح وأوضح من كلام الله عز وجل ؟ ! وكيف صار الرسول صلى الله عليه وآله وسلم أقدر على البيان من الله سبحانه ؟ ! والمورد هو المورد !!
  ثم بزغ لنا بعض براعم الوهابية ك‍ ( عثمان خميس ) الذي صار يردد نفس كلمات الوهابي السابق ، فكان عيالا عليه في كل شيء حتى في التعبيرات والجمل ! قال في شريطه ( الشيعة والقرآن ) : ( فإنـهم ـ الشيعة ـ يعتقدون أن القرآن ليس حجة بنفسه فعن منصور بن حازم أنه قال لأبي عبد الله ـ عليه السلام ـ إن القرآن لا يكون حجة إلا بقيم ، يقول فأقره أبو عبد الله ، وهذا في الكافي الجزء الأول صفحة ثمان وثمانين ومئة ، وقولهم هذا يعني أن الحجة في قول الإمام لا في القرآن لأنه الأقدر على البيان ).
  فانظر بالله عليك كيف نقل الرواية بالمعنى وصار يردد كلمات سيده الأول كالببغاء !! ، ولـهذا البرعم هرج ولغط كثير في شريطه سنتناول بعضه ونترك أغلبه لمن له طول بال ووقت يضيعه .

إعلام الخَلف بمن قال بتحريف القرآن من أعلام السّلف _ 15 _
  اعلم أن حجية ظواهر الكتاب كانت معروفة غير محتاج إلى الاستدلال ، لأنه كتاب نزل به الروح الأمين على قلبه صلى الله عليه وآله ليكون بشيرا ونذيرا للعالمين ، ويكون به هداية الناس والجنة أجمعين ، وبه انقلب الجهل إلى العلم في جزيرة العرب بحيث صار موردا لتعجب العقلاء والمتمدنين والفصحاء المتكلمين فلا شبهة أنه كتاب أنزل لإفهام المطالب الـحقة لجميع الناس وإيصالهم إلى الكمالات اللائقة بحالهم ولم يشك فيه أحد من الناس إلا شــرذمـة قـليـلـة من الذين أشرنا إليهم في صـدر الـعنـوان .
  وعمدة ما وجه أو يوجه به قولهم ونظرهم أمور خمسة : أحدها : كونه مشتملا على المضامين العالية التي لا تصل إليها إلا أفهام الأوحدي من الناس . وفيه : أولا (1) . فبدأ رضوان الله تعالى عليه بتوجيه الأدلة لكسر مقالتهم الشاذة .
  وقال السيد الحكيم رضوان الله تعالى عليه : ( وأما ما ذهب إليه جمهور الإخباريين من عدم حجية ظواهر الكتاب ) ، فقد ذكر له في الكفاية وجوها خمسة :
  الأول : ما ورد من النصوص الدالة على أن القرآن لا يعرفه إلا أهله ومن خوطب به ، وهم النبي والأئمة عليهم أفضل الصلاة والسلام .
  الثاني : أن القرآن يحتوي على مطالب عالية شامخة ومضامين غامضة ، فلا يستطيع أن يفهمه كل أحد ، فان فيه علم كل شئ ، ولا يستطيع كل أحد أن يصل بفكره إلى ما اشتمل عليه القرآن (2) .
  وقال السيد محمد سعيد الحكيم حفظه الله تعالى وسدد خطاه في المحكم في أصول الفقه بعدما بين فساد أدلة الإخبارية : ( وبـهذا يظهر حال بقية الوجوه التي استدل بـها للإخباريين ، فقد استدل لهم بوجوه كثيرة لا مجال للتعويل عليها بعد ما عرفت من إجـمـاع الأصحـاب وتسـالـمـهم على حجية ظواهر الكتاب ، مع أنـها في أنفسها غير صالحة للاستدلال ) (3) .
  وننقل هنا ما قاله أحد الأفاضل في كتابه دروس في أصول فقه الإمامية : ( ومضافا إلى إن سيرة المسلمين في التعامل مع ظواهر القرآن بالأخذ بـها والاعتماد على مؤدياتـها دليل حجية ظهورات القرآن بخاصة ، هذا هو رأي جمهور المسلمين بما يكاد يرقي إلى مستوى الضرورة ومنهم أصحابنا

--------------------
(1) تقريرات في أصول الفقه ص 254 ـ 255 ، للشيخ علي الاشتهاردي .
(2) منتقى الأصول ، تقرير بحث الروحاني للحكيم رضوان الله تعالى عليهما ج 4 ص 217 ، للزيادة راجع حقائق الأصول ج 2 ص 85 ـ 90 للسيد محسن الحكيم رضوان الله تعالى عليه .
(3) المحكم في أصول الفقه ج 3 ص 179.

إعلام الخَلف بمن قال بتحريف القرآن من أعلام السّلف _ 16 _
  الأصولية من الإمامية (1) ، وفي مقابل هذا الرأي ذهب أكثر الأخبارية من الإمامية إلى عدم جواز الأخذ بظواهر القرآن إلا عن طريق ما فسر به من أحاديث رويت عن أئمة أهل البيت عليهم السلام ) (2) .
  وحيث أن الأصوليين لا ينعزلون عن روايات أهل البيت عليهم السلام حين استنباط الأحكام الشرعية من ظواهر القرآن فلا يظهر الخلاف واضحا بين المسلكين ، ويظهر في حال عدم وجود مانع من الروايات يمنع من التمسك بظهور الآيات القرآنية فحينها يعتمد الأصوليون على ظواهر القرآن لأنـها حجة في نفسها ، بخلاف الإخباريين ففي هذه الحالة لا يتمسكون بظواهر القرآن لأنـها ليست بحجة في نظرهم بدعوى أن عقولنا أقل شأنا من إدراك ظاهر كلام المولى عز وجل ، فتكون ظواهر الآيات من المتشابه ولا يسعهم حينها إلا الاسترجاع وتلاوة قوله تعالى ( وَأُخَرُ مُتَشابِهاتٌ فأَمّا الَّذينَ في قُلوبِهِمْ زَيْغٌ فَيَتَّبِعونَ ما تَشابَهَ مِنْهُ ابْتِغاءَ الْفِتْنَةِ وابْتِغاءَ تَأْويلِهِ وَمَا يَعْلَمُ تَأْوِيلَهُ إِلاَّ اللَّهُ وَالرَّاسِخُونَ فِي الْعِلْمِ يَقُولُونَ آمَنَّا بِهِ كُلٌّ مِنْ عِنْدِ رَبِّنَا وَمَا يَذَّكَّرُ إِلاَّ أُوْلُوا الأَلْبَابِ ) (آل عمران/7).
  قال في مصادر الاستنباط : ( وقد أجاب المحدث الاسترآبادي عن عمل الإخباريين في الظواهر القرآنية مثل قوله تعالى ( أَوْفُوا بِالْعُقُودِ) (المائدة/1) وقوله تعالى ( أَوْ لاَمَسْتُمْ النِّسَاءَ) (النساء/43) وقوله تعالى ( إِذَا قُمْتُمْ إِلَى الصَّلاَةِ فَاغْسِلُوا وُجُوهَكُمْ …)(المائدة/6) وفي ظواهر السنن النبوية مثل قوله صلى الله عليه وآله وسلم : ( لا ضرر ولا ضرار في الإسلام ) حيث قال ـ أي المحدث ـ : نحن نوجب الفحص عن أحوالهما بالرجوع إلى كلام العترة الطاهرة عليهم السلام فإذا ظفرنا بالمقصود وعلمنا حقيقة للحال علمنا بـها وإلا أوجبنا التوقف والتثبت (3) .
  ومن مبانيهم المسلمة القول بصحة كل الروايات الوارد في الكتب الأربعة أي الكافي ومن لا يحضره الفقيه والاستبصار والتهذيب ، فلا داعي لمناقشة السند فيها ، وهذا رأي غير مقبول عند الشيعة اليوم .
  وهناك كثير من الأمور التي شذ بـها الإخباريون عن الجمهور ، وقد : ( أنـهى الشيخ عبد الله بن صالح السماهيجي هذه الفروق إلى ثلاثة وأربعين فرقا ، وقد تتبع الشيخ يوسف البحراني هذه الفروق فاقتصر على ذكر ثمانية منها وأخذ بمناقشتها ، وانتهى إلى عدم وجود فرق جوهري بين الطرفين.

--------------------
(1) وهم كل الشيعة اليوم إن لم نعبأ بالنادر الذي لا يذكر .
(2) دروس في أصول فقه الإمامية ص144.
(3) مصادر الإستنباط بين الأصولين والإخباريين ص 80 ط دار الهادي .

إعلام الخَلف بمن قال بتحريف القرآن من أعلام السّلف _ 17 _
  حيث قال : فلأن ما ذكروه من وجوه بينهما جلّـه أو كله لا يثمر فرقا في المقام .
  ولعل الشيخ البحراني قد بالغ في عدم الفرق فإن الفروق موجودة ، غير أنه قد شرح وجهة نظره بأن هذه الفروق لا توجب تشنيعا ولا قدحا لأنه نظير الاختلاف الحاصل بين علماء الطائفة .
  أما الشيخ جعفر كاشف الغطاء فقد ألف كتابا خاصا في هذا الموضوع أطلق عليه أسم ( الحق المبين في تصويب المجتهدين وتخطئة الأخباريين ) حيث ذكر الفروق فأنـهاها إلى ثمانين فرقاً وإذا انتقلنا إلى المحقق الخونساري فإننا نجده يذكر من الفروق تسعة وعشرين فرقا ، كما أنـهى محمد بن فرج الله الدسقوري هذه الفروق إلى ستة وثمانين فرقا وأغلب ما ذكر هو في الفروع التي يختلف فيها الأصوليون أنفسهم فلا تشكل فروقا حقيقية ) (1) .
  وما ذهب إليه الإخبارية فُند بأدلة أقامها محققو الطائفة المحقة رضوان الله تعالى عليهم ، وهنا يمكننا القول إن الإخبارية لهم أصولهم وعالمهم الخاص في التعامل مع الأدلة والمغاير لما عليه جمهور الشيعة ، ونادرا ما تجدهم في حالة وفاق ، حتى أن بعضهم كان يتهجم على البعض الآخر بشدة وحدة غريبتين حتى وصل الأمر إلى السباب والشتائم في بعض الأحيان ! والأصوليون بطابع عام يتبرؤون من أفكار هذا التيار ، ولا بأس هنا بنقل تقييم الشهيد مطهري رضوان الله تعالى عليه لهذه المباني والمرتكزات التي قام عليها التيار الإخباري :
  ( قبل أربعة قرون تقريبا ظهرت بيننا نحن الإمـامية فرقة باسم الفرقة الإخبارية ، وهي في قبال الأصولية القائلة بالاجتهاد ، وقد سيطرت على أفكار الناس ما يقارب القرنين أو الثلاثة قرون ، ولم تترك عملا شنيعا إلا وارتكبته من إشعال حربٍ وقتل وأمثالـهما ، أما اليوم فان عدد الإخباريين قليل جدا ) (2) .
  وقال رضوان الله تعالى عليه : ( هذا هو التيار الإخباري وتعصبه الأحمق اللامحدود الذي جعل أصحابه يعتبرون الصحيح والضعيف من الأحاديث على حدٍّ سواء ، إنّه تيار فكري خطر ظهر في دنيا الإسلام ، وتـمخض عن جمود فكري لا زلنا نعاني من تبعاته إذ سرت عدواه إلى أوساطنا ) (3) .

--------------------
(1) مصادر الاستنباط ص 66 ط دار الهادي .
(2) الإسلام ومتطلبات العصر ص 116 ط دار الأمير .
(3) ن ، م ص 122 ـ 123 .


إعلام الخَلف بمن قال بتحريف القرآن من أعلام السّلف _ 18 _
من هم القائلون بالتحريف ؟
  على ضوء اعترافات بعض علماء الإخبارية نتوصل إلى أن هؤلاء النفر الذين قالوا بتحريف القرآن من الشيعة هم بعض الإخبارية لا كلهم ، وعدد من نسب إليه الوهابيون ـ مع تتبعهم ـ تحريف القرآن لا يزيد عن عشرة ونيف ما بين من تيقنا بصحة النسبة إليه ومن لم نتيقن منها لغرابة بعض تلك الأسماء التي لم نسمع بـها من قبل ولعدم توفر المصادر ، ولا نستطيع الوثوق بما ادعاه الوهابية لما سيأتي من بيان مدى مصداقيتهم .
* كيف توصلوا لتلك الفجيعة ؟
  ليس من العجب عند من نظر في مباني الإخبارية أن بعضهم قال بتحريف القرآن ، فإن الركون والاقتصار على الأخبار على ما في بعضها من نقل للتحريف ، والتساهل الشديد بوثاقة الرواة ، والقطع بصحة كل ما في الكتب الأربعة ، وكذا القول بعدم حجية ظواهر القرآن حتى لا يصح التمسك بالآيات التي تتعهد بنفي التحريف عن القرآن ، كل هذه تجعل القول بتحريف القرآن أمرا متوقعا لا غرابة فيه ، فكل من ينسج على منوالـهم ويلتزم بمبانيهم ليس له إلا التسليم بما دل على التحريف من الروايات بلا أي عرض على مقاييس القبول والرفض ، فزمام الحكم على القرآن كان بيد الروايات على ما فيها من وضع ودس وضعف !
  ولنذكر هنا كيفية تجاوزهم للاعتراضات والعقبات التي وقفت أمام قول بعضهم بتحريف القرآن :
  1 ـ تأويلهم للآيات النافية للتحريف
  ولم تستطع الآية الكريمة ( إِنَّا نَحْنُ نَزَّلْنَا الذِّكْرَ وَإِنَّا لَهُ لَحَافِظُونَ ) (الحجر/9) ثنيهم عما ادعوه لذهابـهم إلى عدم حجية ظواهر القرآن بدعوى أن كلام الله تعالى أعز من أن تناله وتدركه عقولنا ! فصار الظاهر من المتشابه الذي يوكل أمره إلى الله ، والآية الكريمة من هذا النحو ، فيجب أن يرجع إلى الروايات لمعرفة معناه ، والروايات التي فيها ما فيها تقول إن القرآن محرف ، فيجب تأويل الآية المباركة !

إعلام الخَلف بمن قال بتحريف القرآن من أعلام السّلف _ 19 _
  وحتى لو قالوا بحجية الظاهر فقد نوقشت دلالة ظاهر الآية الكريمة على حفظ القرآن من التحريف ، فقال أحدهم :
  ( وفيه أنّ كون أصل القرآن الذي نزل به الروح الأمين على خاتم النبيين صلى الله عليه وآله وسلم محفوظا عند الأئمة الذين هم خزّان علم الله وكهوف كتبه ، يكفي في صدق الآية ولا دلالة فيها على كون ما بأيدينا محفوظا كما لا يخفى ، مضافا إلى احتمال أن يكون المراد أنه سبحانه يحفظه إلى آخر الدهر بأن بعث جماعة يحفظونه ويدرسونه ويشهرونه بين الخلق ، فتحفظه الأمة وتناولته الأيدي قرنا بعد قرن إلى يوم القيامة لقيام الحجة به على الخلق وكونه معجزة النّبوة ، وهذا كله بعد الغضّ عن رجوع الضمير في (لَهُ) إلى النبي صلى الله عليه وآله وسلم ، وإلا كما ذهب إليه الفرّاء فيسقط الاستدلال رأساً ، قال ابن الأنباري : لما ذكر الله الإنزال والمنـزِّل والمنـزَّل دلّ ذلك على المنـزَّل عليه ، فحسنت الكناية عنه لكونه أمرا معلوماً كما في قوله ( إِنَّا أَنزَلْنَاهُ فِي لَيْلَةِ الْقَدْرِ ) (القدر/1) ، فإن عود الضمير إلى القرآن مع عدم تقدّم ذكره لكونه معلوما من المقام ).
  توجيههم الأول هو ما اعتمدوا عليه ، فان ظاهر الآية غاية ما يدل عليه هو تعهد الله عز وجل بصيانة القرآن من التحريف ولكنها ساكتة عن شخص هذا القرآن والمصحف الذي تكفل المولى بحفظه ، فلا يلزم من التسليم بدلالة الآية على صيانة القرآن من التحريف أن يكون هذا الحفظ لجميع مصاحف المسلمين بل يكفي حفظ القرآن عند إمام المسلمين وقائدهم حتى يتحقق عنوان الحفظ في الآية الكريمة ، وعلى قولهم يكون الله عز وجل قد تعهد بحفظ القرآن عند المستودع للشريعة وهو الإمام المعصوم في كل زمان ، ففي أول الأمر كان عند الإمام علي عليه السلام ومنه إلى الحسن ثم الحسين وهكذا إلى أن استقر الآن عند صاحب العصر الإمام المهدي عليه وعليهم السلام ، والآية أجنبية عن التعهد بحفظ القرآن عند جميع الناس وفي كل مصاحف المسلمين ، فلا تعارض بين روايات التحريف والآية الكريمة .
  وكذا لم تثنهم الآية الكريمة ( لاَ يَأْتِيهِ الْبَاطِلُ مِنْ بَيْنِ يَدَيْهِ وَلاَ مِنْ خَلْفِهِ تَنزِيلٌ مِنْ حَكِيمٍ حَمِيدٍ ) (فصلت/42) ، عن مدعاهم ، فقالوا ردا على من استدل بالآية على أن ورود التحريف فيه يعني إتيانه الباطل : ( وفيه أن المراد بالآية أنّه ليس في إخباره عمّا مضى باطل ، ولا في إخباره عمّا يكون في المستقبل باطل ، بل أخباره كلّها موافقة لمخبراتـها ، رواه الطبرسي في مجمع البيان عن أبي جعفر وأبي عبد الله

إعلام الخَلف بمن قال بتحريف القرآن من أعلام السّلف _ 20 _
  عليهما السلام ، وفي تفسير القمي عن أبي الجارود عن أبي جعفر عليه السلام قال : ( لاَ يَأْتِيهِ الْبَاطِلُ ) من قِبل التوراة ولا من قِبل الإنجيل والزبور ( وَلاَ مِنْ خَلْفِهِ ) لا يأتيه من بعده كتاب يبطله ).
  وهكذا لم يثبت القرآن الكريم صيانة القرآن من التحريف في نظرهم ، وصار القول الفصل للروايات ‍.
  2 ـ تأويلهم للروايات النافية للتحريف
  وفي المقابل توجد بعض الروايات التي يلزم من الأخذ بظاهرها نفي التحريف عن القرآن ، كالروايات التي تأمر بعرض الأخبار المنسوبة لأهل البيت عليهم السلام على القرآن فما وافق القرآن قاله أهل البيت عليهم السلام وما خالفه يضرب به عرض الجدار ، وسنرى أن هذه الروايات صريحة في كون القرآن هو القيّم والميزان لتمييز صحة الرواية من سقمها ، بعد علم أهل البيت عليهم السلام بكثرة الكذب والافتراء عليهم ، فلم يكن إمامٌ إلا وله كذاب يكذب عليه كما ورد في الرواية ، فلا ريب في وجود كثير من الزخرف الملبس والباطل المموه وهو وليد الوضع والاختلاق ، ولكن بعض الإخبارية قاموا بتأويل الروايات النافية للتحريف وصرفها عن ظاهرها لتتوافق مع روايات التحريف !
  وهاك نبذة مما أوّلوه على خلاف ظاهره ليتسنى لهم التوفيق بينها وبين روايات التحريف :
  عن أيوب بن الحر قال : ( سمعت أبا عبد الله عليه السلام يقول : كل شئ مردود إلى كتاب الله والسنة ، وكل حديث لا يوافق كتاب الله فهو زخرف ).
  عن كليب بن معاوية الأسدي : ( عن أبي عبد الله عليه السلام قال : ما أتاكم عنا من حديث لا يصدقه كتاب الله فهو باطل ).
  عن الهشامين جميعا وغيرهما قال : ( خطب النبي صلى الله عليه وآله فقال : أيها الناس ما جاءكم عني يوافق كتاب الله فأنا قلته ، وما جاءكم يخالف القرآن فلم أقله ) .

إعلام الخَلف بمن قال بتحريف القرآن من أعلام السّلف _ 21 _
  عن أيوب : ( عن أبي عبد الله عليه السلام قال : قال رسول الله صلى الله عليه وآله : إذا حدثتم عني بالحديث فأنحلوني أهنأه وأسهله وأرشده فان وافق كتاب الله فأنا قلته ، وإن لم يوافق كتاب الله فلم أقله ) (1) .
  وحدثني الحسين بن أبي العلاء أنه حضر ابن أبي يعفور في هذا المجلس قال : ( سألت أبا عبد الله عليه السلام عن اختلاف يرويه من يثق به ، فقال : إذا ورد عليكم حديث فوجدتموه له شاهد من كتاب الله أو من قول رسول الله صلى الله عليه وآله ، وإلا فالذي جاءكم به أولى ).
  عن النوفلي عن السكوني : ( عن أبي عبد الله عن آبائه عن علي عليهم السلام قال : إن على كل حق حقيقة وعلى كل صواب نورا فما وافق كتاب الله فخذوا به وما خالف كتاب الله فدعوه ).
  عن هشام بن الحكم : ( عن أبي عبد الله عليه السلام قال : قال رسول الله صلى الله عليه وآله ـ في خطبة بمنى أو مكة ـ : يا أيها الناس ما جاءكم عني يوافق القرآن فأنا قلته ، وما جاءكم عني لا يوافق القرآن فلم أقله ).
  عن محمد بن مسلم قال : ( قال أبو عبد الله عليه السلام : يا محمد ما جاءك في رواية من بر أو فاجر يوافق القرآن فخذ به ، وما جاءك في رواية من بر أو فاجر يخالف القرآن فلا تأخذ به ).
  عن سدير قال : ( قال أبو جعفر وأبو عبد الله عليهما السلام : لا تصدق علينا إلا بما يوافق كتاب الله وسنة نبيه صلى الله عليه واله ).
  عن الحسن بن الجهم : ( عن العبد الصالح عليه السلام قال : إذا كان جاءك الحديثان المختلفان فقسهما على كتاب الله وعلى أحاديثنا ، فإن أشبههما فهو حق ، وإن لم يشبههما فهو باطل ) (2) .

--------------------
(1) المحاسن ج1ص220 ح128 و129و130.
(2) بحار الأنوار ج 2 ص 242ح43،44،49،50،51 ، ملاحظة : رواية ابن أبي يعفور ورواية الحسن بن جهم يستفاد منهما جعل السنة في عرض القرآن في كونـهما قيمين على الرواية وهذا لا مانع منه لأن لـحاظ الإمام عليه السلام إلى السنة القطعية لا إلى مطلق الروايات حتى يلزم الدور .

إعلام الخَلف بمن قال بتحريف القرآن من أعلام السّلف _ 22 _
  وهذه الروايات تتصادم مع القول بتحريف القرآن إذ من غير المعقول أن يُجعل المحرف والمتلاعب به ميزانا لبيان صحة الأخبار وسلامتها من التحريف ، وكذا الحال في حديث الثقلين المتواتر الذي أُمِر المسلمون به بالتمسك بالقرآن والعترة لأن من تمسك بـهما عصم من الضلالة ، ومن غير المعقول أن نعصم من الضلالة مع تمسكنا بالمحرف والمبدل ! ، ولكن كل هذا لم يجد نفعا عندهم ، فقد قال السابق عن الاستدلال بحديث الثقلين :
  ( أما الطائفة الأولى فلا دلالة فيها على المُدعى أصلا ، لأنه صلى الله عليه وآله وسلم قد كان أمرنا بالاتباع بالكتاب والعرض عليه ولم يتطرق عليه تحريف يومئذ ، كما أمرنا باتباع أهل بيته وعترته وأخذ الأحكام عنهم والاقتباس من أنوارهم ، وإنما طرأت السوانح بعدما اختار الله سبحانه له صلى الله عليه وآله وسلم لقائه فمنع المكلفون على أنفسهم اللطف بسوء اختيارهم ، وغيّروا كتاب الله ونبذوه وراء ظهورهم ، كما تركوا العترة وصاروا سببا لاعتزالهم وتشريدهم إلى أن انتهى الأمر إلى الغيبة الكبرى ، فكما أن غيبة الإمام عليه السلام واعتزال الأئمة وقصور اليد عن التمسك بـهم وأخذ الأحكام عنهم الناشئ من سوء فعل المكلفين لا منافاة له مع أمر النبي صلى الله عليه وآله وسلم بالتمسك ، فكذلك قصور اليد عن اتباع القرآن المنـزل على ما هو عليه لا ينافي أمر النبي صلى الله عليه وآله وسلم باتّباعه والتمسك به (1) ، بل نقول : إن أمره صلى الله عليه وآله وسلم لم يكن إلا لأجل أن لا يفعلوا في كتاب الله ما فعلوه لم يكن إلا لأجل أن لا يفعلوا في كتاب الله ما فعلوه ، وإن لا يقصروا في حقّ الآل ما قصروا ).
  وقال ردا على الروايات التي تأمر بعرضها على القرآن : ( وأما الطائفة الثانية فلا دلالة فيها أيضا ، لانا نقول : إن الأئمة عليهم السلام إنما أمرونا بالرجوع إلى هذا الكتاب الموجود بأيدينا مع ما هو عليه من التحريف والنقصان لأجل التقية والخوف على أنفسهم وشيعتهم ، فيكون ما استفدناه حكما ظاهريا بالنسبة إلينا فافهم ) (2) .

--------------------
(1) هنا قياس مع الفارق لأن عدم الوجود الظاهر والمشاهد لأئمة أهل البيت عليه السلام لا يمنع من التمسك بـهم ، بل يكفي الرجوع لكلماتـهم واقتفاء سننهم كما أن الكل يدعي اقتفاء سنن المصطفى صلى الله عليه وآله وسلم مع أنـهم لم يروا له شخصا ، بخلاف القول في القرآن فإن دعوى التحريف فيه مانعة من التمسك به .
(2) وهذا غير مقبول ، لأن الأصل عدم التقية وخلاف الأصل يحتاج إلى دليل ، ثم إن الروايات تقول ما خالف كتاب الله فاضربوا به عرض الجدار ، وأين التقية في ذلك ؟! وهل أهل البيت عليهم السلام يخالفون ما بأيدينا من القرآن حتى يقال إن الأمر بموافقته من موارد التقية ؟!

إعلام الخَلف بمن قال بتحريف القرآن من أعلام السّلف _ 23 _
  وردّ دلالة روايات العرض بوجه آخر وهو : ( إن أهل بيت العصمة سلام الله عليهم لعلمهم بعدم طرو التحريف على آيات الأحكام رخصونا في الرجوع والعرض ، فبملاحظة ترخيصهم يحصل لنا القطع بكونها محفوظـة عن الخلل أو أنـهم رخّصونا في ذلك ، لعلمهم بأنّه ليس في الساقط ما يرجع إليه أو يعرض عليه إلاّ وفي الثابت ما يقـوم مقامه ) (1) .
  وعلى هذا فلا قرآن يثبت عندهم صيانة القرآن من التحريف ولا الروايات تثبت ذلك (2) ، وكثير من الروايات في كتب أهل لا إله إلا الله من أهل السنة والشيعة تقول بتحريف القرآن ، فلا عجب إن قالوا بوقوع التحريف في كتاب الله عز وجل !

--------------------
(1) وما احتمله هنا مجرد ظن لا يغني من الحق شيئا ويلزمه الإتيان بالدليل عليه .
(2) ليس من الغريب ألا تصلنا روايات تنص على عدم تحريف القرآن ، فلا تجد لا من طرق الشيعة ولا من طرق السنة مثل هذه الروايات لبداهة كونه محفوظا من التحريف الذي كان يغني عن ذكره ، فمن غير المعقول أن يستغرب مثلا من عدم وجود رواية عن إمام معصوم يحدد فيـها اتجاه قبلة المسلمين في الكوفة ! والأمر ظاهر ، لذا فإن شهرة القضية وبداهتها تجعل النص عليها سخيفا ، والدليل عليه عدم وجود أية رواية عند أهل السنة عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم تثبت تعهد الله عز وجل بحفظ كتابه أو حتى رواية واحدة عن صحابي يقول إن القرآن سليم من التحريف ولم يسقط منه شيء ، وأما روايات التحريف التي جاءت عن الصحابة فهي زرافات ومجاميع ، وبـهذا نقف على جهل بعض الوهابية الذين يطلبون رواية واحدة عند الشيعة تثبت صيانة القرآن من التحريف !
  قال الوهابي (عثمان الخميس) في شريطه : ( ثم إن روايات التحريف ينقلونـها عن المعصومين عندهم بينما الإنكار فلا يروون منه شيئا عن المعصومين ) ، وسيتضح بعد قليل كذب قوله الأخير بإذنه تعالى ، ولكن السؤال هو لماذا لا يحضر لنا الوهابيون رواية واحدة في صيانة القرآن من التحريف عمن قوله حجة عندهم وهو قول رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم ؟!
  وقد سمعت بعض مشايخ الوهابية يطلب من أحد عوام الشيعة رواية عن إمام معصوم تثبت صيانة القرآن من التحريف ، فنقول : لماذا لا تأتونا أنتم بقول لرسول الله صلى الله عليه وآله وسلم ؟!
  تنكيل مراجع الشيعة وأكابرهم بـمن شذ وقال بتحريف القرآن
  تواترت صولات مراجع الشيعة وتتابعت اعتراضات أعلامهم وهاجت من كل حدب وصوب في وجه من شذ وقال بتحريف القرآن ، فما ترى عيناك أحدا تعرض لحجية ظواهر القرآن منهم إلا وذكر مصيبة تحريف القرآن والرزية التي منيت بـها الطائفة على يد هؤلاء النفر ، وهم رضوان الله تعالى عليه ما بين مسفه للرأي ومتحسف لهذا الخطب الجلل ، خاصة حينما طم الأمر واتسع الخرق وزيد للنار حطب بتأليف المحدث النوري كتابه فصل الخطاب الذي لملم فيه شتات الأخبار والروايات التي أعرضت عنها الطائفة منذ ألف سنة ، فحشى الكتاب بأي رواية وجد فيها أدنى إشارة على وقوع التحريف ولو

إعلام الخَلف بمن قال بتحريف القرآن من أعلام السّلف _ 24 _
  بتكلفات بعيدة ، وعندها قامت دنيا الشيعة ولم تقعد ، وثار المراجع والعلماء في وجه المؤلف ونُدد بالكتاب وطعن فيه ، بل هاجوا على المطبعة أيضا ، وكان حديث الساعة بين الأعلام ومحلا لاستنكارهم وسخطهم ، وهذه الرسالة شاهد تاريخي يحكي لنا حال الشيعة حينما علموا بصدور ذلك الكتاب والباطل الذي حواه :
  ( قد أسلفنا تواجد الشيخ النوري نفسه في وحشة العزلة منذ أن سلك هذا الطريق الشائك ، إذ وجد من أقطاب الطائفة متفقة على خلاف رأيه ، وكم حاول العثور على رفقة من مشاهير العلماء ولكن من غير جدوى ، وقد أحسّ الرجل من أول يومه بشَنَعات ومَسبّات سوف تنهال عليه من كلّ صوب ومكان ، وبالفعل قد حصل ! ووقع في الورطة التي كان يخافها .
  يحدثنا السيد هبة الدين الشهرستاني ـ وهو شاب من طلبة الحوزة العلميّة بسامراء على عهد الإمام الشيرازي الكبير ـ عن ضجّـةٍ و نعـراتٍ ثارت حول الكتاب ومؤلّفه وناشره يومذاك ، يقول في رسالة بعثها تقريظاً على رسالة البرهان التي كتبها الميرزا مهدي البروجردي بقم المقدّسة 1373 ه‍ .
  يقول فيها : ( كم أنت شاكر مولاك إذ أولاك بنعمة هذا التأليف المنيف ، لعصمة المصحف الشريف عن وصمة التحريف ، تلك العقيدة الصحيحة التي آنست بـها منذ الصغر أيّام مكوثي في سامراء ، مسقط رأسي ، حيث تمركز العلم و الدين تحت لواء الإمام الشيرازي الكبير ، فكنت أراها تـموج ثائرة على نزيلـها المحدث النوري بشأن تأليفه كتاب فصل الخطاب ، فلا ندخل مجلساً في الحوزة العلمية إلاّ ونسمع الضجّـة والعجّـة ضدّ الكتاب ومؤلّـفه ونـاشره ، يسلقونه بألسنة حداد ).
  وهكذا هبّ أرباب القلم يسارعون في الردّ عليه ونقض كتابه بأقسى كلمات وأعنف تعابير لاذعة ، لم يدعوا لبثّ آرائه ونشر عقائده مجالاً ولا قيد شعرةٍ ) (1) .
  وهنا ذكر بعض كلمات الأعلام في ذم فعل المؤلف والنيل من ذلك الكتاب :
  قال الإمام الحجة البلاغي رضوان الله تعالى عليه في آلاء الرحمن :
  ( هذا وإن المحدث المعاصر جهد في كتاب فصل الخطاب في جمع الروايات التي استدل بـها على النقيصة وكثر أعداد مسانيدها بأعداد المراسيل على الأئمة عليهم السلام في الكتب كمراسيل العياشي وفرات وغيرها مع أن المتتبع المحقق يجزم بأن هذه المراسيل مأخوذة من تلك المسانيد ، وفي الجملة ما أورده من الروايات ما لا يتيسر احتمال صدقها ، ومنها ما هو مختلف باختلاف يؤول به إلى التنافي والتعارض ، وهذا المختصر لا يسع بيان النحوين الأخيرين ، هذا مع أن القسم الوافر من الروايات

--------------------
(1) صيانة القرآن من التحريف للمحقق الشيخ معرفة حفظه الله ص 115.

إعلام الخَلف بمن قال بتحريف القرآن من أعلام السّلف _ 25 _
  ترجع أسانيده إلى بضعة أنفار ، وقد وصف علماء الرجال كلاًّ منهم إما بأنه ضعيف الحديث فاسد المذهب مجفو الرواية ، وإما بأنه مضطرب الحديث والمذهب ، يعرف حديثه وينكر ويروي عن الضعفاء ، وإما بأنه كذاب متهم لا أستحل أن أروي من تفسيره حديثا واحدا ، وأنه معروف بالوقف ، وأشد الناس عداوة لرضا عليه السلام ، وأما أنه كان غاليا كذابا ، وإما بأنه ضعيف لا يلتفت إليه ولا يعول عليه ومن الكذابين ، وأما بأنه فاسد الرواية يرمى بالغلو .
  ومن الواضح أن أمثال هؤلاء لا تجدي كثرتـهم شيئا ، ولو تسامحنا بالاعتناء برواياتـهم في مثل هذا المقام الكبير لوجب من دلالة الروايات المتعددة أن ننـزلها على مضامينها … ) (1) ، ثم ذكر بعض موارد التكلف الواضح لإثبات التحريف وهو في واقعه تفسير وتنـزيل .
  ما ذكره الإمام الخميني رضوان الله تعالى عليه وعطر الله مرقده في كتابه أنوار الهداية في التعليقة على الكفاية قال :
  ( وأزيدك وضوحا : أنه لو كان الأمر كما توهّم صاحب فصل الخطاب الذي كان كتَبَهُ لا يفيد علماً ولا عملاً ، وإنّما هو إيراد روايات ضعاف أعرض عنها الأصحاب وتنـزّه عنها أولوا الألباب من قدماء أصحابنا كالمحمّدين الثلاثة المتقدمين رحمهم الله (2) .
  هذا حال كتب روايته غالبا كالمستدرك ، ولا تسأل عن سائر كتبه المشحونة بالقصص والحكايات الغريبة التي غالبها بالهزل أشبه منه بالجد ، وهو رحمه الله شخص صالح متتبع ، إلاّ أنّ اشتياقَـه لجمع الضعاف والغرائب والعجائب وما لا يقبلها العقل السليم والرأي المستقيم ، أكثرُ من الكلام النافع ، والعجب من معاصريه من أهل اليقظة ! كيف ذهلوا وغفلوا حتّى وقع ما وقع مـمّا بـكت عـليه السماوات ، وكادت تـتدكدك على الأرض ؟! ) (3) .
  ولا ريب أن تلك المباني أركبتهم الصعب تسليما للخبر بلا عرض أو نظر ، فكان من المحتم على من يتصدى لرفع هذه الفرية عن القرآن أن يجتث تلك المباني الفاسدة التي ارتكزوا عليها لا أن يُغِير على النتيجة فيبدأ بالصياح والعويل ! فالنقاش لا يتم في تحريف القرآن وإنما في مبانيهم ومقدمات

--------------------
(1) مقدمة تفسير آلاء الرحمن .
(2) ثقة الإسلام الشيخ محمد بن يعقوب الكليني ، الشيخ المحدثين الشيخ محمد بن على بن بابويه الصدوق ، رئيس الطائفة المحقة الشيخ محمد ابن الحسن الطوسي قدس الله أسرارهم .
(3) أنوار الهداية في التعليقة على الكفاية ج 1 ص 243 ـ 247 .