هدف ؟ لماذا لم يزرع الفلاح أعلافاً وأشواكاً بدلاً عن النباتات المفيدة ؟
  لا شكَّ بأن للفلاح هدفاً ، وعلى هذا كيف يمكن لله الحكيم والأعقل من كل عاقل والأعلم من كل عالم أن يخلق الانسان والدنيا دون هدف ؟ وهل يمكن لله أن يخلق الانسان ويخلق جميع المخلوقات لأجله ، لغرض اللهو واللعب والزينة والتفاخر والتكاثر ولأجل أن يعيش أياماً ثم ينتقل إلى عالم الآخرة ؟
  أيُّها الانسان ، خلقك زارع الكون لهدف أهم ، وحياتك الخالدة تبدأ بعد الحياة الدنيا ، والدنيا بمثابة عالم الأجنّة ، حيث موتك فيه هو الحياة ( وَاِنَّ الدَّارَ الآخِرَةَ لَهِيَ الحَيَوانُ لَوْ كَانُوا يَعْلَمُونَ ) (1) ، فاسعَ لتلك الحياة الخالدة ، ولا تلقِ نفسك في مستنقع اللهو واللعب والتفاخر والزينة والتكاثر في الأموال والأولاد.

--------------------
(1) العنكبوت : 64.

أمثال القرآن _ 461 _

المثل الخمسون والحادي والخمسون : اليهود
  الآيات 14 ـ 17 من سورة الحشر تشتمل على مثلين ، يقول الله فيها : ( لا يُقاتِلُونَكُمْ جَمِيعاً إِلاَّ في قُرىً مُحَصَّنَة أوْ مِن وَرَاءِ جُدُر بَأسُهُم بَيْنهُمْ شَديِدٌ تَحْسَبُهُم جَمِيعاً وَقُلُوبُهُمْ شَتَّى ذلِكَ بأَنَّهُمْ قَومٌ لاَّ يَعْقِلُونَ * كَمَثَلِ الذِينَ من قَبْلِهِم قَرِيباً ذاقُوا وَبَالَ أمْرِهِم وَلَهُمْ عَذَابٌ ألِيمٌ * كَمَثَلِ الشَّيطَانِ إِذْ قَالَ للإنسَانِ اكْفُرْ فَلَمَّا كفَرَ قالَ إنّي بَرىءٌ مِنكَ إِنّي أخَافُ اللهَ رَبَّ العَالَمِينَ * فَكَانَ عَاقِبَتَهُما أَنَّهُمَا في النَّارِ خَالِدَينِ فِيها وَذلِكَ جَزَاءُ الظَّالِمِينَ ).

تصوير البحث
  الآيات الأربع تضمُّ مثلين جميلين عن طائفة من اليهود تدعى بني النضير قصدت الحرب مع المسلمين بإيعاز من المنافقين ، وهذه الآيات حذّرت هذه الطائفة من الحرب ومن عواقبها لكلٍّ من المنافقين واليهود ، وضربت مثلين يأتي شرحهما.

تاريخ اليهود في المدينة
  لا تضاح الآيات الأربع علينا إلقاء نظرة على تاريخ اليهود في المدينة.
  كان في المدينة يعيش ثلاث طوائف من اليهود ، هي : بني النضير وبني قينقاع وبني قريظة ، كانوا قد صنعوا لانفسهم قلاعاً مستحكمة ، وكانوا يعملون في المجالات التجارية ، وكانت أوضاعهم المالية جيدة.

أمثال القرآن _ 462 _
  كان اليهود قد قدموا من شبه الجزيرة العربية إلى المدينة ، محاولة منهم للقاء الرسول الموعود ، باعتبار أنَّهم كانوا قد سمعوا من علمائهم أن الرسول سيظهر في الحجاز.
  كانوا يعيشون انتظار رؤية جمال الرسول الخاتم ( صلى الله عليه وآله ) في مكة ، كما كانوا يبشرون أهل المدينة بظهوره وظهور دين جديد.
  عندما ظهر الرسول ( صلى الله عليه وآله ) وجاء بدين جديد أضاء بنوره ظلمات الحجاز وجد متعصّبو اليهود هذا الدين متضارباً مع مصالحهم وأهوائهم الشيطانية فهموا بالمخالفة.
  اعاذنا الله من هوى النفس ، ماذا يعمل ؟ مجموعة تهاجر من وطنها لتسكن موطن الرسول الموعود ، حبّاً به وانتظاراً لرؤيته ، وعندما تنقضي لحظات الانتظار الصعبة ويرونه أمامهم لا أنَّهم لا يستقبلونه ولا يرحّبون به فحسب بل يخططون لقتله ويتّحدون مع أعدائه ويتآمرون للقضاء عليه.
  انتصر الاسلام في هذه المواجهة وفتح القلاع الثلاث ودمَّر اليهود وتركهم بين قتيل وبين مغادر المدينة بذلٍّ وصغار.
  شأن نزول الآيات
  بعد ما تلاشت طائفة بني قينقاع إثر المواجهة التي حصلت بينها وبين المسلمين ، همَّ المنافقون للإيعاز إلى طائفة بني النضير لمواجهة المسلمين ولشنِّ حرب ضدهم ، وقالوا لهم : لنتعاون معاً لطرد الاسلام واجتثاثه من الجذور ما دام غير مستحكم ولم يشكل حكومة في المدينة بعد.
  الآيات المزبورة تحذّر اليهود من التعاون مع المنافقين ومن الوقوع في مستنقع الشقاء بسببهم ، والمنافقون سوف لا ينفعونكم شيئاً ، وأنتم لوحدكم غير قادرين على المقاومة أمام المسلمين ، ومصيركم هو نفس المصير الذي ابتلى به بني قينقاع ، وعاقبة كلا الطائفتين واحدة ، ثم يضرب لهم مثلين.
  الشرح والتفسير
  ( لا يُقاتِلُونَكُمْ جَمِيعاً إلاَّ فِي قُرَىً مُحَصَّنةً أوْ مِنْ وَرَاءِ جُدُر ).

أمثال القرآن _ 463 _
  أيها المسلمون ، لا تخافوا هؤلاء اليهود ، فهم لا يتجرّؤون مواجهتكم ، وإذا أرادوا مواجهتكم فمن خلف قلاع محصّنة وجدران ، وهذا يكشف عن قدرتكم وقوتكم وعن ضعفهم وعجزهم.
  ( بَأسُهُمْ بَيْنَهُمْ شَدِيدٌ تَحْسَبُهُمْ جَمِيعاً وقُلُوبُهُمْ شَتَّى ).
  شديدو البأس فيما بينهم إذا تقاتلوا ، ممَّا يجعلكم تتصوّرون أنَّهم متحدون وأقوياء ، مع أنَّهم متشتتين ، واتحادهم ظاهري ، وبذور التفرقة مزروعة في قلوبهم.
  هذا هو حال اليهود في العصر الحاضر ، فهم أقوياء ومتحدون عند القتال في الظاهر ، لكنهم عاجزون لا خيار لهم أمام مسلمي حزب الله (1) ، وأن بذور الفرقة مزروعة في قلوبهم ، فهم ماديون ومن عبدة الدنيا ، ويميلون حيثما مالت مصالحهم وينفصلون ويتفرّقون أينما اقتضت تلك المصالح.
  ( ذلِكَ بأنَّهُمْ قَوْمٌ لا يَعْقِلُونَ ).
  سبب اختلافهم وفرقتهم هو جهلهم وعدم كونهم من ذوي العقول والفكر ، فالعقل سبب للاتحاد ، والجهل سبب للاختلاف والفرقة.
  إذن ، ما على المسلمين أن يرهبوا اليهود.
  وبعد بيان ما عليه اليهود من الفرقة والاختلاف شرع في بيان مثلين لهم.
  المثل الاول : ( كَمَثَلِ الَّذِينَ مِنْ قَبلِهِمْ قَرِيباً ذاقُوا وَبَالَ أمْرِهِمْ وَلَهُمْ عَذَابٌ ألِيمٌ ).
  مثل بني النضير كمثل الذين سبقوهم ممَّن دفعوا ثمن أعمالهم وكفارتها ، وهم حالياً يعيشون في عذاب أليم.
  وبهذا مثَّل الله بني النضير بالأقوام الذين سبقوهم من حيث دفعهم كفارة سوء أعمالهم.
  احتمل المفسرون احتمالين في المراد من القوم المذكور في الآية :
  الاول : المراد هو مشركو مكة الذين دفعوا ثمن أعمالهم أو كفارتها في حرب بدر.
  المنافقون أوعزوا لمشركي مكة لخوض حرب بدر ، وبعدما نشبت خسروها ورجعوا أذلاء ، واليهود

--------------------
(1) وقد لاحظنا كيف أرغم جهاد رجال حزب الله وايمانهم الجيش الاسرائيلي على الانسحاب من جنوب لبنان بذل.

أمثال القرآن _ 464 _
  سيبتلون بنفس المصير الذي ابتلى به هؤلاء.
  الثاني : المراد هو يهود بني قينقاع ، الذين تأثروا بإيعازات المنافقين واغواءاتهم وخاضوا حرباً مع المسلمين وخسروها واُرغموا على ترك المدينة.
  فيا يهود بني النضير ، إن مصيراً كمصير بني قينقاع في انتظاركم.
  المثل الثاني : ( كَمَثَلِ الشَّيطانِ إذْ قَالَ للإنْسَانِ اكْفُرْ فَلَمَّا كَفَرَ قَالَ إنّي بَرِيءٌ مِنْكَ إنّي أخافُ اللهَ ربّ العَالَمِينَ ).
  كان المثل الاول مضروباً في حق اليهود الذين حاربوا المسلمين بإيعاز من المنافقين ، أمَّا المثل الثاني فيخصُّ المنافقين ، وبعبارة اُخرى : كان المثل الاول يخصُّ مَن اُثيروا تحرَّضوا ، وهذا المثل لمَن أثاروا وحرّضوا.
  يقول الله في هذا المثل : المنافقون الذين أثاروا اليهود وأوعزوا لهم لحرب المسلمين مثل الشيطان الذي يثير الانسان ويوعز له لأن يكفر بالله ، ويتركه هارباً بمجرّد أن لا يرى الموقف لصالحه.
  قد يتجلّى الشيطان بشكل انسان ليخدع وليمرر حيله (1) ، نشير إلى نماذج من هذا القبيل :
  الف : تمثَّل الشيطان بشكل انسان في معركة بدر ، يدعو المشركين للحرب ويحرّضهم للهجوم على المسلمين ، وسحب نفسه عندما مالت كفّه الميزان لصالح المسلمين ، وأنزل الله عندها ملائكة لنصرتهم ، وعندما سئل عن سبب الانسحاب رغم أنَّه كان يحرّض على القتال ، قال : إنّي أرى ما لا ترون (2).
  باء : عندما عقد زعماء قريش جلسة لدراسة قضية كيفية مواجهة الرسول ( صلى الله عليه وآله ) تمثَّل لهم كشيخ عجوز من أهالي نجد ، اقترح عليهم أن يُنتخب من كل قبيلة فتى ، يجتمعون ويهاجمون بيت الرسول ( صلى الله عليه وآله ) ويقتلونه ، لكي يتوزَّع دمه على جميع القبائل ، وتعجز قريش عن الانتقام من

--------------------
(1) بحث العلامة المجلسي الموضوع بالتفصيل ، راجع بحار الأنوار 60 : 283 فما بعدها أو 63 : 131 على طبعة مؤسسة الوفاء.
(2) تاريخ الأنبياء : 617 ، البحار63 : 233.

أمثال القرآن _ 465 _
  جميع العرب ، ووافقوا على هذه الخطة (1).
  جيم : في قضية بيعة أبي بكر بعد وفاة الرسول يُقال : تمثَّل الشيطان للمسلمين كشيخ عجوز في المسجد ، وكان أول من أقدم على بيعة أبي بكر (2).
  على كل حال ، يقول الله للمنافقين مثلكم كمثل الشيطان الذي يوعز للانسان بالكفر ويحرّضه عليه ، ثم يلوذ بالفرار من الساحة عندما يشعر بالخطر ، ويقول : إنّي بريء منك إنّي أخاف الله ربّ العالمين.
  هذا الكلام يصدر من الشيطان عندما يرى نفسه على حافة العذاب ، فيتوب ، لكن لا فائدة في التوبة عند نزول البلاء والعذاب ، كما أن التوبة غير مقبولة على عتبة الموت حيث تنجلي ستار الغفلة ، وحيث يتورّط الطرفان ، الشيطان الذي حرّض وأثار والانسان الذي تأثّر وتحرَّض ، وكذا المنافقون الذي أثاروا اليهود وحرَّضوهم واليهود الذين أُثيروا وتحرّضوا ، وعاقبة الطرفين هي جهنَّم وبئس المصير.
  المثلان ضربا في اليهود والمنافقين في صدر الاسلام ، لكن هل يختصان بعهد الرسول ؟ الإنصاف في القول بأن المثلين جاريان في جميع العهود والأزمان والأماكن ، وشاملان لكلِّ من همَّ بقتال المسلمين بتحريض من المنافقين ، الذين يرفعون يد العون والإثارة عندما يرون الورطة بأعينهم ، بل أحياناً يهمّون بالدفاع عمَّن حرَّضوا الآخرين ضده ، وذلك لانعدام مفاهيم من قبيل العهد والوفاء في قواميس المنافقين والشياطين.
  خطابات الآية
  1 ـ أعداء الاسلام ضعفاء
  وفقاً لما جاء في الآية ، أعداء الاسلام ليسوا كما نتصوّر ، فهم غير متّحدين ولا أقوياء ،

--------------------
(1) البحار 19 : 46.
(2) راجع تفصيل القصة على لسان الامام علي ( عليه السلام ) في الكتاب القيم : أسرار آل محمد : 219 فما بعدها ، وكذا كتاب سليم : 145 ، تحقيق محمد باقر الأنصاري الزنجاني ، كما أن هناك نماذج اُخرى لا نتحال الشيطان شخصيات انسانية ، راجع البحار 63 : 131 فما بعدها على طبعة مؤسسة الوفاء.

أمثال القرآن _ 466 _
  ويقاتلون حتى حلفاءهم إذا ما تعرّضت مصالحهم للخطر ، فقلوبهم متفرِّقة ، وأفضل دليل على تفرّقهم هو عدم الاشتراك في المصالح ، فلكلٍّ مصالح تخصّه.
  2 ـ الجهل سبب الاختلاف
  جاء في ذيل الآية كون الجهل هو سبب التفرقة والاختلاف بين المشركين والكفّار ، إذ يقول الله : ( ذلِكَ بأنَّهُمْ قَوْمٌ لاَ يعقِلُون ) ، وهذا يعني أن الوحدة والاتّحاد يكشف عن النباهة والعقل والدراية.
  المجتمع الواعي هو الذي يهتم بالمصالح العامة لكل المجتمع ، وسلامة الفرد بسلامة المجتمع ككل.
  هل أدركنا هذا الخطاب المهم الذي أوحاه الوحي وقال به العقل ؟ وهل نحن مستعدون للتخلّي عن اختلافاتنا وميولنا الحزبية نزولاً عند طلب العقل والشرع ؟ كم من الطاقات والقوى تُهدر في النزاعات الداخلية والحزبية ؟ من المفروض أن تُصرف هذه الاموال والطاقات الفكرية والثقافية في طريق عمران البلاد والدين ، فلماذا تستهلك في نزاعات داخلية تافهة ؟
  نعم ، الاتحاد علامة العقل ، والاختلاف علامة الجهل.
  3 ـ الوثوق بالمنافقين خطأ
  عرفنا من آيات المثل أنَّه لا يمكن الوثوق بالمنافقين الداخليين ولا الأجانب ، ولا ينبغي لأنصار النظام الاسلامي وأتباع المدرسة القرآنية أن ينخدعوا بحيل المنافقين أو يتعاونوا معهم أو يثقوا بهم ، فإنَّهم يلوذون بالفرار ويتركون الآخرين لوحدهم بمجرَّد إحساسهم بالخطر ، بل يتعاونون مع الأعداء إذا وجدوهم أقوى.
  كان المنافقون ولا يزالون يشكّلون خطراً جدياً على الاسلام والمسلمين ، وسيبقون كذلك ، وما علينا إلاَّ الحذر منهم.

أمثال القرآن _ 467 _
  4 ـ تاريخ المتقدِّمين يضيء الطريق للمتأخرين
  إذا أردتم اختيار الطريق الصحيح لحياتكم فعليكم دراسة التاريخ ومطالعة سيرة المتقدِّمين ، لكي تستفيدوا من تجاربهم وتعتبروا من عبرهم ، فانَّ التاريخ يكرّر نفسه.
  يقول الامام أمير المؤمنين ( عليه السلام ) : ( إنَّ الدهر يجري بالباقين كجريه بالماضين ) (1).
  وهذا هو المراد من تكرُّر التاريخ.
  ينبغي النظر في تاريخ المتقدِّمين وسيرتهم ، ومن خلال استيعاب ومعرفة عوامل انتصارهم أو خسارتهم يمكننا أن نخطو نحو المستقبل بثقة وبنحو أفضل.
  5 ـ خُطى الشيطان والمنافقين واحدة
  النتيجة المستفادة من تشبيه المنافقين بالشيطان هي أن نهج الشيطان والمنافقين واحد ، وانهم يخطون في نفس النهج ، كما أن اليهود والمشركين من هذا القبيل ، ولهذا شُبِّه اليهود بالمشركين.
  الاختلاف الوحيد بين الشيطان والمنافقين هو أن الاوائل شياطين الجن والآخرين شياطين الإنس ، أمَّا مناهجهم وخططهم فواحدة ، وينبغي الحذر من كليهما.
  إلهي ! نعوذ بك من شر الشيطان ونسألك أن تحيمنا منه.

--------------------
(1) نهج البلاغة ، الخطبة 157.

أمثال القرآن _ 469 _
المثل الثاني والخمسون : جاذبية القرآن المتميّزة
  يقول الله تعالى في الآية 21 من سورة الحشر : ( لَوْ أنْزَلنَا هَذَا القُرآنَ عَلَى جَبَل لَرَأيْتَهُ خَاشِعاً مُتصَدِّعاً مِنْ خَشْيَةِ اللهِ وتِلْكَ الأمْثالُ نَضْرِبُهَا للنَّاسِ لَعَلَّهُمْ يَتَفَكَّرونَ ).

تصوير البحث
  هذا المثل يتعلَّق بالجاذبية الخارقة للطبيعة التي يتمتّع بها القرآن ، وقد شبَّه الله تعالى قدرة النفوذ المعنوي لكلامه في الانسان بخضوع وخشوع الجبال أمام القرآن ، بحيث لو نزِّل هذا القرآن على الجبال لخشعت وخضعت له ، خوفاً من الله ورهبة منه.
  ثمّ يعتبر التعقّل والتفكر في آيات الله هو الهدف من أمثال القرآن.

جاذبية القرآن العجيبة
  سيرة الرسول ( صلى الله عليه وآله ) تكشف عن أن المشركين كانوا يخافون من جاذبية القرآن القوية.
  وقد بيَّن القرآن خوفهم هذا في الآية 26 من سورة فصّلت كالتالي : ( وَقَالَ الَّذِينَ كَفَرُوا لا تَسْمَعُوا لِهَذا القُرآنَ والغَوْا فِيهِ لَعَلَّكُمْ تَغْلِبُونَ ).
  نعم ، كانت جاذبية القرآن كبيرة جداً وكان خوفهم بدرجة حيث كانوا يوجدون ضوضاءً عند تلاوته من قبل الرسول ( صلى الله عليه وآله ) ، لكي لا تصل كلماته إلى أسماع الناس ، وغاية ما كانوا

أمثال القرآن _ 470 _
  يفعلونه في هذا المجال أنَّهم كانوا يوصون من يدخل المسجد الحرام بوضع قطنة في اُذنه لكي لا يسمع شيئاً من كلام الرسول ( صلى الله عليه وآله ) ويُسحر به (1).
  ومن المؤسف أن هذا المنهج بأساليبه المتقدِّمة متَّبع حالياً ، سعياً للحؤول دون بلوغ صوت الحق أسماع الناس.
  بعض التُّهم التي ألصقها المشركون بالرسول ( صلى الله عليه وآله ) تكشف عن هذا المعنى ، منها : تهمة السحر التي أشارت إليها الآية الثانية من سورة يونس : ( قَالَ الكَافِرُونَ إنَّ هذَا لسَاحِرٌ مُبينٌ ).
  الشرح والتفسير
  ( لَوْ أنْزَلْنَا هَذَا القُرآنَ عَلَى جَبل لَرَأيْتَهُ خَاشِعاً مُتصَدِّعاً مِنْ خَشْيَةِ اللهِ ).
  نعم ، لو أن هذا القرآن كان قد نزل على الجبال لتلاشت ، لكن الانسان الغافل يسمعه يُتلى على لسان الرسول ( صلى الله عليه وآله ) ثلاثة وعشرين عاماً ، وقلبه لا يتأثر به ، وكأنَّه أقسى من الحجر.
  وردت نظريتان في تفسير الآية الشريفة :
  الاولى : لو كان للجبال عقل وإحساس وقابلية للاستيعاب والفهم وأنزلنا عليها هذا القرآن لخشعت ، أي أنَّ الآية قضية شرطية لتنبيه الانسان ، وأنَّ المفروض بالانسان أن يخشع قلبه للقرآن إذا كان له عقل ، لكنَّه لا يخشع للقرآن ولا يخضع له لماذا (2) ؟
  الثانية : الآية ليست قضية شرطية بل حقيقة ، لأن لجميع الموجودات إدراكاً وإحساساً يناسبه (3).
  وهذا المعنى انعكس في آيات عديدة ، منها : الآية الاولى من سورة التغابن ، إذ جاء هناك : ( يُسَبِّحُ للهِ مَا فِي السَّمَاواتِ وَمَا فِي الأرْضِ لَهُ المُلْكُ وَلَهُ الحَمْدُ وَهُوَ عَلَى كُلِّ شَيء قَدِيرٌ ).

--------------------
(1) في هذا المجال وردت قصص كثيرة وجميلة مرَّ ذكر بعضها في الأمثال المتقدِّمة.
(2) انظر مجمع البيان 9 : 266.
(3) انظر مجمع البيان 9 : 266.

أمثال القرآن _ 471 _
  ولو لم يكن للموجودات عقل وإدراك متناسب معها لما كان هناك معنى لتسبيحها ، بل هي تدرك فتسبح وتقدّس وتحمد وتثني ، لكنا لا ندرك تسبيحها وتقديسها وذكرها ، أمَّا الذي يتمتّع بحالة شهود عالم الباطن فيسمع تسبيح الموجودات ويفهمها.
  الآية تندرج في أمثال القرآن طبقاً للتفسير الاول ، لكنها تخرج عن موضوع بحثنا طبقاً للتفسير الثاني.
  الآية 31 من سورة الرعد التي وردت في تأثير القرآن شاهد على التفسير الاول ، وقد جاء فيها ما يلي : ( وَلَوْ أنَّ قُرآناً سُيِّرت بِهِ الجبالُ أوْ قُطِّعَتْ بِهِ الأرْضُ أوْ كُلِّمَ بِهِ المَوْتَى بَل للهِ الأمْرُ جَمِيعاً ).
  في شأن نزول هذه الآية يرى بعض الفطاحل أنَّها نزلت جواباً على بعض مشركي مكة حيث جلسوا خلف الكعبة واستدعوا الرسول ( صلى الله عليه وآله ) ، فقدم إليهم أملاً في هدايتهم.
  قال له المشركون : إذا أردت أن نتّبعك فعليك إبعاد جبال مكة ، لكي تتسع من خلال ذلك أراضينا ، وعليك كذلك تفجير الأرض وجعل ينابيع وأنهاراً فيها ، فنغرس أشجاراً ونزرع ، فإنك ـ كما تزعم ـ لست أدنى من داود الذي سخّر الله له الجبال وكانت تسبّح معه (1) ، أو سخِّر لنا الريح تنقلنا إلى الشام نحلُّ مشاكلنا ونؤمّن حاجياتنا ونرجع في ذات اليوم ، كما سخَّره الله لسليمان ، وأنت ـ كما تزعم ـ لست أقل من سليمان ، كما عليك إحياء جدّك قصي ( من أجداد قريش ) أو أيّ شخص آخر من الموتى ، لكي نسأله عمَّا تدعو له من أنَّه حق أو باطل ، لأن عيسى ( عليه السلام ) كان يحيي الموتى ، وأنت ـ كما تزعم ـ لست أدنى شأناً من عيسى.
  عندها نزلت هذه الآية قائلة لهم : ما تقولونه صدر عن عناد ولجاجة لا سعياً للايمان بالرسول ، ويكفي الرسول ( صلى الله عليه وآله ) ما لديه من معاجز (2).

--------------------
(1) كما ورد ذلك في الآية 79 من سورة الأنبياء : ( وسَخَّرنا مع داودَ الجِبالَ يُسَبّحنَ والطَّيْرَ وكُنَّا فَاعِلينَ ) ، كما جاء ذلك في الآية 18 و19 من سورة ( ص ).
(2) انظر الأمثل 7 : 364.

أمثال القرآن _ 472 _
  خطاب الآية

هيبة القرآن وعظمته
  هذه الآية تحكي هيبة القرآن وعظمته ، وهي بدرجة تجعل الجبال متصدّعة ، ومع هذا كيف هو حال الذين يُقرأ عليهم هذا القرآن متواصلاً دون أن يؤثر فيهم أدنى تأثير ، إن قلوب هؤلاء أكثر قساوة من الحجر.
  إلهي ، زدنا علماً بالقرآن ، واجعل كل آية منه سبباً لزيادة ايماننا.

أمثال القرآن _ 473 _
المثل الثالث والخمسون : علماء بلا عمل
  الآية الخامسة من سورة الجمعة تشكّل مثلاً آخر من أمثال القرآن الجميلة ، يقول الله تعالى فيها : ( مَثَلُ الَّذِينَ حُمِّلوا التّورَاة ثُمَّ لَمْ يَحْمِلُوهَا كَمَثَلِ الحِمَارِ يَحْمِلُ أَسْفَاراً بِئسَ مَثَلُ القَوْمِ الَّذِينَ كَذَّبُوا بآياتِ اللهِ واللهُ لا يَهْدِي القَوْمَ الظَّالِمِينَ ).

تصوير البحث
  الآية تحدَّثت عن اليهود الذين لم يؤمنوا برسالة محمّد ( صلى الله عليه وآله ) رغم أن التوراة بشَّرت بها ، لكنهم تجاهلوا البشارة ، وبتعبير أدق : الآية تضرب مثلاً للعلماء غير العاملين بعلمهم وتشبّههم بالحمار الذي حُمّل كتباً لكن لا يمكنه أن يستفيد منها.
  شأن النزول
  عندما نزلت الآية الثانية من سورة الجمعة التي قالت بأن الله بعث الرسول ( صلى الله عليه وآله ) في مجتمع اُمّي ، قال متعصبو اليهود : عدم إيماننا بالاسلام بسبب أن الاسلام دين غير شمولي ويخصُّ المجتمع الاُمي المذكور في الآية ، التي هي بمثابة الاعتراف بعدم شمولية الاسلام (1).

--------------------
(1) انظر الأمثل 18 : 299.

أمثال القرآن _ 474 _
  غالباً ما يبحث اللجوجون والمغرورون عن الذرائع ، واليهود اللجوجون غير خارجين عن هذه القاعدة ، والآية جواب لما تشبّث به هؤلاء من ذريعة.
  الشرح والتفسير
  ( مَثَلُ الَّذِينَ حُمِّلوا التوراة ثُمَّ لَمْ يَحْمِلُوهَا كَمَثَلِ الحِمَارِ يَحْمِلُ أسْفَاراً ).
  وهب الله تعالى نعمة إلهية كبرى لليهود ، وهي كتاب التوراة السماوي ، لكنَّهم لم يؤدوا حق هذا الكتاب ، وكأنهم لم يُوهبوا هذه الموهبة الكبرى ، ومثل هؤلاء كمثل الحمار الذي يحمّلوه كتباً لا يفيد من مضمونها ومحتواها.
  التوراة بشَّرت بالرسول وذكرت علائم ومواصفات الرسول بنحو دقيق ، بحيث أصبحت معرفتهم الرسول كمعرفتهم أولادهم ، رغم ذلك أنكروا الرسول أو تنكروه ، لماذا ؟ (1) ألم يهاجروا من بلدانهم الأصلية إلى الحجاز شوقاً لرؤية خاتم الرسل ؟ إذن ، لماذا أدبروا عن بشارات التوراة ولم يؤمنوا بالرسول وبدينه ، بل حاربوه ؟
  مثل هؤلاء الذين لا يعملون بعلمهم كمثل الحمار الذي لا يفيد من مضامين الكتب التي يحملها.
  ( بِئسَ مَثَلُ القَوْمِ الَّذِينَ كَذَّبُوا بآياتِ اللهِ ) كيف لا يُشبَّه هؤلاء اليهود العنودون بالحمار مع أنهم أنكروا آيات الله تعالى لا في العمل فحسب بل أنكروها بألسنتهم كذلك ؟ وهذا الموقف الذي صدر من اليهود لم يختص بيهود صدر الاسلام ، بل اليهود ـ طبقاً لما ورد في الآية 87 من سورة البقرة ـ استكبروا أمام كل رسول جاءهم بما يخالف أهواءهم النفسية ، فقتلوا بعضاً من الرسل وكذَّبوا بعضاً آخر ، وهذه سيرتهم على طول التاريخ.
  ( واللهُ لا يَهْدِي القَوْمَ الظَّالِمِينَ ).
  رغم أن ذات الله هي منبع الهداية ومصدرها إلاَّ أن قابلية الانسان شرط في ذلك ، والله لا

--------------------
(1) كما هو مضمون ما ورد في البقرة : 146 ، الأنعام : 20.

أمثال القرآن _ 475 _
  يهدي إلاَّ من توفّرت فيه هذه الأرضية ، وهدايته لا تشمل من اتَّخذ العناد واللجاجة كمنهج له وظلم نفسه.
  خطابات الآية
  1 ـ المثل عام
  معنى العبارة : ( حُمِّلوا ... ثُمَّ لَمْ يَحْمِلوا ) هو أن الله منح اليهود نعمة كبرى دون أن يريدوها ، والنعمة هي التوراة ، لكنَّهم لم يفيدوا منها.
  وهذا أمر لايختص باليهود ، بل تشمل كل انسان وكل نعمة منحها الله للانسان ولم يفد منها شيئاً.
  العقل من النعم التي لا بديل لها وقد منحها الله الانسان دون إرادة منه ، لكن كثيراً من الناس لم يستفد من هذه النعمة بنحو صحيح ومناسب.
  السلامة نعمة كبرى مجهولة (1) ، منحها الله للانسان دون إرادة واختيار منه ، لكن يا تُرى هل نفيد منها بنحو صحيح ومناسب ، أم أنها من مصاديق ( حُمِّلوا ... لَمْ يَحْمِلوا ) ؟
  يا ترى هل استفدنا من المعارف الدينية والقرآن وسنة الرسول والائمة وأقوال العلماء والمراجع ، التي هي نِعَم كثيرة منحها الله إيَّانا دون إرادة منا ، لغرض هداية أنفسنا والمجتمع ؟
  2 ـ لماذا الحمار ؟
  الحيوانات التي تستخدم للحمل كثيرة ، لكن لماذا الله مثَّل العلماء غير العاملين واليهود المتعصّبين بالحمار دون غيره من الحيوانات ؟
  الجواب : يبدو أن ذلك لاشتهار الحمار بالحماقة والجهل ، ولهذا يُضرب به المثل في حق الأحمق من الناس.
  ويكفي في حماقة هذا الحيوان أنَّه لو اُمر بالعبور من طريق وعر ومفعم بالأخطار عشر مرَّات لفعل ذلك دون أن يحاول تغييره.

--------------------
(1) كما ورد ذلك في رواية للامام الرضا ( عليه السلام ) حيث قال : ( الصحة والأمان نعمتان مجهولتان لا يعرفهما إلاَّ مَن فقدهما ) ، مسند الرضا : 120.

أمثال القرآن _ 476 _
  لأجل أن يبيّن الله حماقة اليهود ولجاجتهم وكذا العلماء غير العاملين شبَّههم بالحمار الذي لا يفيد من الكتب التي يحملها على ظهره ، ولا يعرف عنها غير إحساسه بالثقل والتعب.
  وهل يمكن تصوّر حماقة أكثر من حماقة الشخص الذي يحمل علوماً دون أن يفيد منها طول عمره ؟
  3 ـ سبب التعبير بالأسفار لا الكتب
  الأسفار من مادة سِفر ، ويعني الكشف عن شيء ، ويُطلق على النساء غير المحجبات سافرات ، باعتبار كشفهنَّ عمَّا يجب ستره ، كما استخدمت هذه المادة في السفر ( أي التنقل من مكان إلى آخر ) ، باعتبار أن الانسان يكشف عن نفسه في السفر عكس ما كان عليه في الحضر حيث يكون مستوراً في محلته وبيته وبنايته التي يعيش فيها أو في السيارة التي يتنقل بها أو في دائرته أو معمله الذي يعمل فيه.
  كما يُطلق على الكتاب سفر ، بإعتبار كشفه عن الحقائق والواقعيات والمعارف الانسانية.
  الكتاب السماوي سبب لهداية الانسان نحو الحقيقة ويكشف له عن الواقع ، لكن الكثير من البشر لا نصيب له من هذا الكتاب إلاَّ عناء حمله ونقله دون أن يفيد منه شيئاً.
  4 ـ الهداية تستدعي قابلية
  كما تقدَّم ، فإنَّ الأنوار الإلهية تقدم من الله ، أمَّا القابليات فنحن نوجدها.
  لا خلاف في طبع الغيث اللطيف ، لكنه لا يُنبت الزهور أينما هطل ، بل الأمر يتوقّف على نوعية الأرض ، فاذا كانت سبخة فلا تنبت الإَّ الأعلاف ، وتنبت الزهور قطعاً إذا كانت خصبة.
  لأجل ذلك قد يهتدي الانسان ويبلغ قلّة الكمال إثر سماعه كلمه صدرت من الرسول ( صلى الله عليه وآله ) قبل أكثر من ألف سنة ، فإن انساناً من هذا القبيل يحمل قابلية الهداية.
  لكن أشخاصاً من قبيل أبي سفيان وأبي جهل قضوا عمراً إلى جنب الرسول ( صلى الله عليه وآله ) وسمعوا منه مباشرة آيات كثيرة وبلغتهم مواعظه العديدة ، ولم يخطوا ادنى خطوة باتجاه الانسانية ، بل كانوا يبتعدون عن الانسانية شيئاً فشيئاً ليصبحوا كالأنعام بل أضل سبيلاً (1) ، وذلك لأجل انعدام القابلية فيهم.

--------------------
(1) كما هو مضمون ما ورد في الفرقان : 44.

أمثال القرآن _ 477 _
  5 ـ الآية شاملة لكلِّ عالم غير عامل
  كما تقدَّم ، فإن الآية رغم نزولها في اليهود إلاَّ أنها دون شك شاملة لكل عالم لم يعمل بعلمه.
  يقول المفسر الكبير المرحوم العلامة الطبرسي في ذيل هذه الآية : ( قال ابن عباس : فسواء حمل على ظهره أو جحده إذا لم يعمل به ، وعلى هذا فمن تلا القرآن ولم يفهم معناه وأعرض عنه إعراض من لا يحتاج إليه كان هذا المثل لاحقاً به وإن حفظه وهو طالب لمعناه فليس من أهل هذا المثل ) (1).
  إذن ، الآية تحذير للمسلمين جميعاً بأن لا يبتلوا بالمصير الذي ابتلى به اليهود ، وقد شملهم فضل الله بتنزيل القرآن عليهم ، على أن لا يترك على الرفوف يتراكم عليه الغبار أو يعلّق على الجدران لدفع العيون أو ليُهدى للعرائس أو ليُقرأ في مجالس الفاتحة فقط ، أو لتجويد آياته وتلاوتها بصوت حسن وحفظه على أقصى تقدير دون أن تنعكس تعاليمه في سلوكنا الفردي والاجتماعي ، ودون أن نجد له أثراً على عقائدنا وأعمالنا.

العلماء غير العاملين في الروايات
  للعلم والعالم قيمة عالية في الثقافة الاسلامية ، حيث وصفت الروايات العلم بما يلي : رأس الفضائل ، ووراثة كريمة ، وأفضل غنية ، ومصباح العقل ، ونعم دليل ، وأفضل هداية ، وجمال لايحظى ، وأفضل الأنيسين ، وأفضل شرف ، وأشرف الأحساب (2).
  كما وصفت العالم بما يلي : العلماء ورثة الأنبياء ، ومصابيح الأرض ، وخلفاء الأنبياء (3).
  ومن الواضح أن هذه الفضائل والقيم خاصة بالعلم الذي يُجسّد في الخارج ويُترجم إلى واقع وللعالم الذي يعمل بعلمه ، وإلاَّ فالعلم الذي يخلو من العمل لا أنه لا يسبب الهداية ولا يضييء الدرب للآخرين بل لا يهدي حامله كذلك.
  ورد في رواية يقشعر لها البدن عن الرسول ( صلى الله عليه وآله ) :

--------------------
(1) مجمع البيان 10 : 285.
(2) انظر ميزان الحكمة ، الباب 2830.
(3) انظر ميزان الحكمة ، الباب 2838.

أمثال القرآن _ 478 _
  ( مَن ازداد علماً ولم يزدد هدىً لم يزدد من الله إلاَّ بُعداً ) (1).
  ممَّا يبعث إلى التأمُّل في هذه الرواية هو أن الرسول ( صلى الله عليه وآله ) لم يقل من لم يزدد هدى بعلمه لم يقترب إلى الله بل قال : يزداد من الله بُعداً ، وذلك لأن عذر الانسان مقبول عند الله ما دام جاهلاً ، لكنه عندما يزداد علماً فلا يقبل الله له عذراً ، ولهذا يتراجع ويتخلَّف أكثر من ذي قبل.
  النتيجة : ينبغي السعي لكسب العلم وينبغي تحمّل جميع المتاعب التي تواجهنا في هذا الطريق ، كما ينبغي العمل بالعلم وجعل هذا العلم وسيلة لهداية أنفسنا وهداية الآخرين ، لكي لا تصدق علينا الرواية والآية السالفتان.

--------------------
(1) المحجة البيضاء 1 : 126.

أمثال القرآن _ 479 _
المثل الرابع والخمسون : من خصائص المنافقين
  جاء في الآية الرابعة من سورة المنافقون : ( وإذا رأيتَهُمْ تُعجِبُكَ أجسَامُهُمْ وإنْ يَقولُوا تَسْمَعْ لِقَولِهِمْ كَأنَّهُم خُشُبٌ مُسنَّدةٌ يَحْسَبُونَ كُلَّ صَيحة عَلَيْهِمْ هُمُ العَدُوُّ فَاحْذَرْهُمْ قَاتَلَهُمُ اللهُ أنَّى يُؤفَكُونَ ).

تصوير البحث
  بما أنَّ المنافقين أخطر أعداء الاسلام كان من المفروض التعريف بهم والكشف عن واقعهم ، من هنا وردت أوصافهم في آيات مختلفة ، منها الآية المزبورة ، التي أشارت إلى ثلاث من خصائصهم ، التي تكشف عن واقعهم وزيف ظاهرهم للجميع.

أوصاف المنافقين
  من الضروري التعرّف على أوصاف المنافقين ذوي الوجهين ، لغرض مواجهتهم ، ومن هذا المنطلق بتّ الله بالتشهير بهم وتعريفهم في كثير من الآيات.
  وفي سورة المنافقون أشار إلى عشرة من أوصافهم (1) ، ثلاثة منها في آية المثل.

--------------------
(1) الأوصاف هي :
1 ـ الكذب الصريح ( وَاللَّهُ يَشْهَدُ إِنَّ الْمُنَافِقِينَ لَكَاذِبُونَ ).
2 ـ اليمين الكاذب لتضليل الناس ( اتَّخَذُوا أَيْمَانَهُمْ جُنَّةً ).
3 ـ عدم إدراك الواقعيات بسبب تركهم دين الحق ( لا يَفْقَهُونَ ).
4 ـ ذوي ظاهر حسن ولسان ذلق ومتملّق رغم الفراغ الباطني ( وَإِذَا رَأَيْتَهُمْ تُعْجِبُكَ أَجْسَامُهُمْ ).
5 ـ عدم الخضوع للحق والصلابة الظاهرية ( كَأَنَّهُمْ خُشُبٌ مُسَنَّدَةٌ ).
6 ـ سوء الظن والخوف من كل شيء باعتبار خيانتهم ( يَحْسَبُونَ كُلَّ صَيْحَةٍ عَلَيْهِمْ ).
7 ـ الاستهزاء بالحق ( لَوَّوْا رُءُوسَهُمْ ).
8 ـ الفسق وارتكابهم الذنب ( إِنَّ اللَّهَ لا يَهْدِي الْقَوْمَ الْفَاسِقِينَ ).
9 ـ يعتبرون أنفسهم أغنياء ومالكين ، والناس بحاجة إليهم ( هُمْ الَّذِينَ يَقُولُونَ لا تُنْفِقُوا عَلَى مَنْ عِنْدَ رَسُولِ اللَّهِ حَتَّى يَنْفَضُّوا ).
10 ـ يعتبرون أنفسهم أعزَّة والآخرين أذلّة ( لَيُخْرِجَنَّ الأَعَزُّ مِنْهَا الأَذَلَّ ).
انظر الأمثل 18 : 334 ـ 335.

أمثال القرآن _ 480 _
  ونحن نبت بدراسة هذه الأوصاف الثلاثة ، أملاً بالتعرُّف على المنافقين من خلال هذه العلائم الثلاثة ، كما يتعرَّف الطبيب الخبير على المرض المزمن والخطر من خلال علائمه.
  الشرح والتفسير
  1 ـ ( وإذا رأيْتَهُمْ تُعجِبُكَ أجسامُهُمْ ).
  صفة المنافقين الاولى هي أن لهم ظاهراً جذّاباً وخادعاً ، أمَّا باطنهم فضعيف ، ولا يتمتَّعون بشخصية ثابتة ، ولهذا يهتمّون بظاهرهم كثيراً ، فيبدون بظاهر قوي وجميل ومنتظم ، لكن حقيقتهم شيء آخر.
  أيها النبي ، إذا نظرت لهم فلا يعجبك ظاهرهم ولا يخدعك ، وهم عكس المؤمنين ذوي الظاهر البسيط وشخصيات ثابتة وواقعية.
  روى بعض المفسرين في صفة رئيس المنافقين ( عبدالله بن اُبي ) : ( كان عبدالله بن اُبي رجلاً جسيماً صبيحاً فصيحاً ذلق اللسان ، وقوم من المنافقين في مثل صفته ، وهم رؤساء المدينة ، وكانوا يحضرون مجلس رسول الله ( صلى الله عليه وآله )فيستندون فيه ، ولهم جهارة المناظر وفصاحة الألسن ، فكان النبي ( صلى الله عليه وآله ) ومن حضر يعجبون بهياكلهم ويسمعون إلى كلامهم ) (1).
  2 ـ ( وإن يَقولوا تَسْمَعُ لِقَوْلِهِمْ كَأنَّهم خُشُبٌ مسندة ).
  الصفة الثانية للمنافقين هي كونهم يشبهون الاخشاب التي تستند أحدها على الاُخرى.
  ( الخُشب ) جمع ( خَشَب ) ، و( مسنَّدة ) تعني اليابسة التي لا تعتمد على نفسها بل تحتاج لشيء آخر تعتمد عليه (2).

--------------------
(1) الكشاف 4 : 540 ( نقلاً عن الأمثل 18 : 328 ).
(2) قد تموت شجرة وتجفّ مكانها وتستند إلى جذورها ، وقد تقتطع الشجرة فتجفّ ، وعندها تكون بحاجة إلى ما تستند إليه ، وما أشارت إليه الآية هو النوع الثاني.

أمثال القرآن _ 481 _
  يستبطن هذا التشبيه نكات مختلفة ، وبتعبير آخر : شُبِّه المنافقون بالخشب المسندة لوجوه مختلفة :
  الف : كما أنَّ الخشب المسنَّدة لا أصل ولا جذور لها ، كذلك المنافقون فلا أصل ولا أساس لهم ، وهم بحاجة إلى الآخرين دائماً ولا يمكنهم الاعتماد على أنفسهم ، فلا استقلالية لهم بل هم بحاجة إلى الأجانب والكفار ، فيرتبطون بهم ، وتاريخ صدر الاسلام يؤيّد هذا.
  وقد تقدَّمت قصة مسجد ضرار في المثل الثامن عشر ، وشاهدتم كيف تعاون أبو عامر النصراني مع الروميين واعتمد عليهم وبنى مسجد ضرار في خطة للتآمر على المسلمين.
  وبهذا تتّضح إحدى صفات المنافقين ألا وهي الارتباط بالأجانب والاعتماد عليهم لإيجاد البلبلة والاضطراب في البلاد الاسلامية.
  باء : الخصيصة الاُخرى للخشب المسنَّدة أنَّه لا فائدة فيها غير استخدامها كوقود وإحراقها لهذا الغرض ، فلا تثمر شيئاً ولا تنمو فيها الأوراق ولا توجد ظلاً ، كما هو حال المنافقين ، فلا فائدة فيهم.
  جيم : الخشبة اليابسة لا تقبل الانعطاف ، كما هو حال المنافق ، فلا يمكن تغييره ، لتعصّبه ولجاجته ، حتى لو أقمت له أفضل البراهين والأدلَّة وأوضحها ، فلا يلينوا أمامها أبداً ، عكس ما عليه المؤمنون من اللين والانعطاف ، وهذا هو الذي يسبب اقتحامهم الأعاصير.
  التفتوا إلى هذه الرواية الجميلة التي وردت عن الرسول ( صلى الله عليه وآله ) : ( مَثَلُ المؤمن كَمَثَلِ الزرْع ، لا تزال الرياح تفيؤه ولا يزال المؤمن يُصيبه بلاءٌ ، ومثلُ المنافق مثل الشجرة الأرزة لا تهتز حتى تُستحصد ) (1).
  والحديث يشير إلى قابلية الانعطاف التي يتمتع بها المؤمن ولا يتمتع بها المنافق ، فالمؤمن كالزرع الذي تحنيه الرياح ثم يرجع إلى ما كان عليه ، أمَّا المنافق فمثل شجرة الصنوبر ذات القامة المستقيمة التي لا تقبل الانحناء ممَّا يجعلها تنكسر بالرياح الشديدة.

--------------------
(1) ميزان الحكمة ، الباب 3608 ، الحديث 18468.

أمثال القرآن _ 482 _
  خلاصة ما تقدم أن المنافق ذا الوجهين لا قابلية له على الانعطاف ، وبمثابة الخشبة المسندة التي تستند على غيرها ولا أساس لها ولا فائدة ولا ثمرة.
  3 ـ ( يَحْسَبُونَ كُلَّ صَيْحَة عَلَيْهِمْ ).
  الصفة الثالثة للمنافقين هي أنهم يسيئون الظن ، ويحسبون كل صيحة وضوضاء ضدّهم ، فهم مصاديق للمثل المعروف ( الخائن خائف ) (1).
  السارق يتلقَّى كل نظرة تُلقى عليه نظرة ذات معنى ، ويقول في نفسه : أخاف أنه علم بسرقتي ، أو أخاف أن يفشي سرقتي ، أو أخاف أن يكون شرطياً يعقبني ، وما شابه ذلك من الأوهام والتصوّرات ، هذا مع أنه من المحتمل أن يكون الناظر لم يرَ السارق من ذي قبل ، لكن طبيعة الخائن أنه يشعر بالخوف والاضطراب دائماً ، عكس الانسان الذي لم يتلوّث بالخيانة وصحيفة أعماله طاهرة فلا يخاف الحساب والتحقيق ، ولا ينتابه الخوف والاضطراب ولو نظرته آلاف العيون ، ولو كان في مركز الشرطة فلا يخاف شيئاً ، بل سوف يشعر بالاطمئنان الأكثر عندما يجد نفسه جنب قوى الأمن.
  وخلاصة الكلام هنا أن سوء الظن (2) من صفات المنافق.
  ( هُمُ العدو فَاحْذَرْهُمْ ).
  مع الأخذ بنظر الاعتبار صفات المنافقين السابقة فهم أعداء وليسوا أنصاراً ، بل هم الأعداء الأصليون وإن كان لكم أعداء آخرون ، لكن خطرهم أقل من خطر المنافقين ، ولهذا عليكم الحذر من المنافقين أكثر من غيرهم.
  الجملة الأخيرة انعكست في كلام الرسول ( صلى الله عليه وآله ) بنحو آخر ، حيث قال : ( إنّي لا أتخوّف على اُمتي مؤمناً ولا مشركاً ، أمَّا المؤمن فيحجرُهُ إيمانه ، وأمَّا المشرك فيقمعه كفره ، ولكن أتخوّف عليكم منافقاً عالم اللسان ، يقول ما تعرفون ويعمل ما تنكرون ) (3).

--------------------
(1) نزهة الناظر : 84 ، الحديث 13 ، والحلواني ينقلها في الكتاب المزبور كحديث وارد عن الامام الحسين ( عليه السلام ).
(2) سوء الظن على العموم يُعدُّ من الصفات الأخلاقية السيئة ، ولها عواقب ونتائج غير محمودة ، جاء ذكرها في المثل السابع والأربعين.
(3) ميزان الحكمة ، الباب 3934 ، الحديث 20295 ، وشبيه لهذا الكلام ورد في الرسالة 27 من نهج البلاغة ، التي نقلهاالامام علي ( عليه السلام ) عن الرسول ( صلى الله عليه وآله ).

أمثال القرآن _ 483 _
  وهذا الحديث يكشف عن سبب اعتبار الآية المنافقين الأعداء الأصليين بصراحة.
  ( قَاتَلَهُمْ اللهُ أنَّى يُؤفكُونَ ).
  بعد ما بيَّن الله الصفات الثلاث للمنافقين يشير إلى خطرهم البالغ ويعتبرهم أعدا المسلمين الأصليين يدعو عليهم بأن يقاتلهم الله مثلما انحرفوا وضلوا وأضلّوا الآخرين (1).
  إذن ، ينبغي التعرُّف على المنافقين من خلال ما تقدَّمت الاشارة إليه من صفات وعلائم ، وبعد التعرُّف عليهم ينبغي الاجتناب عنهم ، وبخاصة في زماننا الحاضر ، حيث أصبح خطرهم أكبر ونشاطاتهم أوسع وأكثر تعقيداً.
  خطاب الآية

معيار النفاق
  إذا وجدت ضميرك لا يهتز بسماع آيات القرآن.
  وإذا وجدت نفسك لا تخطو نحو الأعمال الصالحة ولا تبتعد عن الأعمال السيئة عندما تقرأ آيات الثواب والعقاب الإلهي.
  وإذا وجدت نفسك لا تتأثر بكلام الحق وتستمر في طريق الباطل فاعلم أن فيك رساً من النفاق قد نفذ في قلبك جعلك تخطو في طريق المنافقين.
  نعم ، إنَّ المنافقين كالخشب المسنَّدة وكل من تشبَّه بهم صُنِّف معهم.
  مباحث تكميلية
  1 ـ مَن هو المنافق ؟
  للمنافقين وجهان وشخصيتان ، ظاهرهم شيء وباطنهم شيء آخر ، في الظاهر يدَّعون

--------------------
(1) ممَّا يلفت أن التعبير بقاتلهم الله استخدم مرّتان في القرآن فقط ، أحدهما : فيما نحن فيه ، والآخر : في الآية 30 من سورة التوبة ، وقد استخدم هناك في حق اليهود والنصارى ، وهل هناك علاقة بين المنافقين واليهود والنصارى المنحرفين ؟

أمثال القرآن _ 484 _
  الإيمان ويصنّفون مع المؤمنين ويؤدون العبادات ، لكن قلوبهم تخلو من الإيمان أو فيها إيمان سقيم (1).
  وقد ورد هذا المعنى في الروايات الاسلامية ، فقد ورد في واحدة منها أن الله خاطب عيسى بن مريم ( عليه السلام ) بالخطاب التالي : ( يا عيسى ليكن لسانك في السرِّ والعلانية لساناً واحداً وكذلك قلبك ، إنّي اُحذّرك نفسك ، وكفى بي خبيراً ، لا يصلح لسانان في فم واحد ولا سيفان في غَمَد واحد ولاقلبان في صدر واحد ) (2).
  على أي حال ، النفاق هو أن يكون للانسان وجهان وظاهر يضاد الباطن ، ولا يمكن للانسان أن يتطهّر منه بالكامل إلاَّ أنْ يتَّحد ظاهره مع باطنه ويتطابقا.
  اللهم ، أعنَّا على هذا الأمر الخطر.
  2 ـ أخطار النفاق
  خطر المافقين في كل مجتمع أشد من أي خطر آخر ، وخطر الأعداء الذين يعلنون الحرب أقل بكثير من خطر المنافقين ذوي الوجهين ، لأن الانسان عندما يتعرَّف على أعدائه يستعد لمواجهتهم ويتّخذ الإجراءات اللازمة ضدهم ، أمَّا الأعداء الذين تقمّصوا الصداقة فإنَّهم يباغتون الانسان ويهجمون عليه قبل أن يستعد للمواجهة.
  وهذا هو سبب كون خطر المنافقين أكثر وأشد من غيرهم من الأعداء ، وإذا راجعنا تاريخ

--------------------
(1) بالطبع ، للنفاق درجات ، فبعضها شديدة ويمكن تمييزها ببساطة ، وبعضها الآخر خفيفة يصعب تمييزها حتى على ذات الشخص ، وفي هذا المجال وردت روايات عديدة نشير إلى اثنين منها :
الف : في رواية لافتة يقول الرسول ( صلى الله عليه وآله ) : ( مَن خالفت سريرته علانيته فهو منافق كائناً من كان ) ميزان الحكمة ، الباب 3932 ، الحديث 20290 ، والعموم الذي تفيده الرواية ممَّا يثير التأمل.
باء : وفي رواية لافتة أُخرى يقول أمير المؤمنين ( عليه السلام ) : ( أشدّ الناس نفاقاً مَن أمر بالطاعة ولم يعمل بها ونهى عن المعصية ولم ينته عنها ) ميزان الحكمة ، الباب 3933 ، الحديث 20294 ، وهذه الرواية بمثابة التحذير للكُتّاب والخطباء وكل من تولَّى شؤون الاعلام والتبليغ.
(2) ميزان الحكمة ، الباب 3936 ، الحديث 20299.

أمثال القرآن _ 485 _
  الاسلام وجدنا المنافقين كانوا سبباً لأكثر الضربات والانتكاسات ، وقد تحمَّل الاسلام الكثير بسببهم ، ولو جمعنا في كتاب مؤامرات المنافقين وما افتعلوه من مشاكل ومصائب للمسلمين أصبح كتاباً تربوياً جيداً.
  نشير هنا إلى بعض النماذج.
  الف : قصة الإفك
  يستفاد من مجموع الآيات 11 ـ 16 من سورة النور أن امرأة بريئة ذات شأن وجاه اجتماعي تعرَّضت لتهمة تمسُّ بعرضها من قبل أحد المنافقين ، وكان الغرض من هذه التهمة تشويه سمعة الرسول وتدنيس عرضه في المجتمع.
  حاول بعض المنافقين المتظاهرين بالاسلام والايمان لاستغلال الحادث والتصيّد بالماء العكر وكسب بعض النتائج لصالحهم ، فنزلت الآيات المزبورة وأفشت مؤامرتهم (1).
  باء : إيجاد العقبات في الحديبية
  قرر الرسول ( صلى الله عليه وآله ) بصحبة المسلمين في السنة السادسة من الهجرة أن يقصدوا مكة للإتيان بالعمرة (2).
  ثمّ أطلع الرسول المسلمين أنَّه رأى مناماً يدخل فيه بصحبة المسلمين المسجد الحرام ومكة ، والجميع منهمك بالاتيان بمراسم العمرة.
  تحرك المسلمون باتجاه مكة وبعد ما بلغو ذو الحليفة (3) أحرموا فيها ، ثمّ تحرّكوا مصطحبين معهم نوقاً لأجل تضحيتها (4).
  وبما أن الرسول لم يقصد من رحلته هذه غير العبادة العظمى

--------------------
(1) هناك مباحث مختلفة وردت لتحديد شخصية المرأة المزبورة والمنافق الذي اتّهمها ، للمزيد راجع الأمثل 11 : 32 ـ 35.
(2) يمكن الاتيان بالعمرة في جميع أشهر السنة ، عكس ما عليه الحج ، حيث لا يمكن الإتيان به إلاَّ في شهر ذي الحجة ، للمزيد راجع مناسك الحج ، لسماحة آية الله العظمى مكارم الشيرازي ، المسألة 353 فما بعدها.
(3) يطلق ذو الحليفة على مكانين في الحجاز :
الف : قرية تقرب من المدينة ، ويقع فيها مسجد الشجرة ، وهو ميقات من قصد الحج عن طريق المدينة المنورة.
باء : مكان بين حاذة وذات عرق ، من أراضي تهامة.
والمراد منها هنا المكان الاول ، راجع مجمع البحرين 5 : 40.
(4) التضحية من الأعمال الواجبة في الحج ، وأفضلها بعير ثمّ بقرة ثمّ خروف ، للمزيد راجع مناسك الحج ، لسماحة آية الله العظمى مكارم الشيرازي ، المسألة 287 فما بعدها.