شيء بيده ، لأنّه ما من موجود إلاّ وهو يحتاج إلى الله الغني ، فالكل يحتاج إليه فكل شيء عاجز ، وهو القادر ، وكل شيء ضعيف ، وهو القوي والقادر المطلق ، فلا يصح الذهاب لا لمعبد الأصنام فحسب بل لكل شيء غير الله.
خطابات الآية
1 ـ هل التوسّل بالمعصومين ( عليهم السلام ) شرك ؟
وبعبارة اُخرى : هل أنَّ الأدعية والتوسلات بالأئمة تشملها الآية الشريفة وينهى عنها الشارع المقدس وينبغي الاجتناب عنها ؟
نقول جواباً عن التساؤل الماضي : إنَّ التوجه لهؤلاء العظماء لا يعني طلبنا منهم حل المشاكل بشكل مباشر ، بل نطلب منهم أن يشفعوا لنا عند الله ويبحثوا لنا عن حلّ لنا من الله القادر المطلق ، وذلك لأنّا نعتقد أنَّ هؤلاء إذا استطاعوا فعل شيء فبأذن من الله.
أما الوهابيون الذين ينسبون لنا الشرك والكفر لأجل هذه الأدعية والتوسلات فانّهم على خطأ ، وهم لا يعرفون المعنى الحقيقي للشرك والكفر ، كما أنَّهم لم يستوعبوا ماهية التوسل الذي عند الشيعة.
في رحلتي لمكة والمدينة عام 1419 هـ . ق التي كانت لغرض أداء العمرة ، حضرت صلاة الجمعة في اليوم الثاني والعشرين من شعبان في المسجد الحرام ، وكنت أصغي لما يقول الخطيب.
والمدهش هنا أنَّ الخطيب كان يقرأ عن ورقة قد أعدّها من ذي قبل ، يبدو أنّه ما كان مجازاً لإضافة او تنقيص ولو كلمة واحدة ، فتذكرت خطبة الجمعة في مدن ايران ومدى ما يتمتع به الخطيب من حرية التعبير والتحليل .
وعلى أي حال هاجم هذا الخطيب في أثناء خطبته اولئك الذين يتوسلون عند القبور المشرّفة ورماهم بالشرك والكفر.
بالطبع لم نسكت أمام هجوم هذا الخطيب ، بل كتبنا رسالة إلى زعماء السعودية اعترضنا فيها عما تفوّه به هذا الشخص.
إنَّ الذين يعتقدون بالدعاء والتوسّل لا يعتبرون أولياء الله شركاء لله ، بل شفعاء عنده .
وبعبارة اُخرى : أنَّ اعتقادنا هو تجسيد للآية الشريفة ( المائدة 110 ) التي تحدّثت عن السيد
أمثال القرآن _ 205 _
المسيح ( على نبينا وآله وعليه السلام )
( وَإذْ تَخْلُقُ مِنَ الطِّينِ كِهْيئَةِ الطَّيْر بإذْنِي فَتَنْفُخُ فِيهَا فَتَكُونُ طَيْراً بِإذْنِي وَتُبْرِئ الأَكْمَهَ وَالأبْرَصَ بِإذْنِي وَإِذْ تُخْرِجُ الْمَوْتَى بِإذْنِي ... ).
في هذه الآية نسب الخلق والاحياء والشفاء كلها للسيد المسيح ( عليه السلام ) لكن بإذن من الله تعالى
(1).
والشيعة لا تقول شيئاً غير هذا الذي في الآية الكريمة ، فالشيعة تعتقد أنَّ العظماء والأولياء يمكنهم فعل الكثير الذي يعجز عنه البشر لكن باذن الله ، كما يمكنهم أن يشفعوا للعباد عند الله لحل مشاكلهم.
وعلى هذا فدعاء الشيعة وتوسلهم لا شرك ولا كفر.
ومع هذه الايضاحات نقول : إنَّ الذي يعدُّ الشيعة لاجل دعائهم وتوسلهم مشركين ، فهو يعدُّ السيد المسيح مشركاً كذلك.
ويمكننا أن نستفيد مما سبق ضمنياً أن المعجزة قد لا تحصل بدعاء النبي وإجابة الله مباشرة ، بل قد تكون من النبيّ أو الولي مباشرة لكن بإذن من الله تعالى كما هو الحال بالنسبة لمعجزة شق القمر
(2) التي صدرت عن رسولنا ( صلى الله عليه وآله ) ، وهذا أمر غير مستبعد.
2 ـ الصور المختلفة لعبادة الأصنام
لعبادة الاصنام تاريخ طويل واشكال مختلفة ، فقد تكون بشكل صنم يُصنع بأيدي الناس من الحجر أو الخشب أو الفلز بل وحتى من الاغذية ، ثم يقع لها الإنسان ساجداّ وعابداً.
في برهة من الزمن كان المشركون يقدمون على انتخاب موجودات غير ذات شعور يعتبرونها أصناماً للعبادة ، لذلك عبد البعض الشمس ، والآخر النجوم أو القمر ،
(3) بل انّ البعض أقدم على عبادة أنهار أو بحيرات مهمة مثل نهر النيل أو بحيرة ساوة في ايران ، وقد يكون جفاف بحيرة ساوه وانطفاء معبد فارس عند ولادة الرسول
(4) بسبب أنها كانت معابد للإنسان آنذاك.
--------------------
(1) حُكي هذا المطلب على لسان السيد المسيح نفسه في الآية 49 من سورة آل عمران.
(2) تجد شرح هذه المعجزة في كتاب ( المعراج ـ شق القمر ـ العبادة في القطبين ) بالفارسية.
(3) اُشير إلى هذا المطلب في الآيات 76 ـ 78 من سورة الأنعام.
(4) لقد حدثت معاجز كثيرة بولادة الرسول (صلى الله عليه وآله) كان منها انطفاء نار معبد فارس وجفاف بحيرة ساوه .
وللمزيد راجع منتهى الامال 1 : 44.
أمثال القرآن
_ 206 _
وفي بعض من بقاع العالم كان البعض يعبد الاشجار وبخاصة شجرة الصنوبر التي كانت منذ القدم معبوداً لمجموعة من الناس.
من هنا اعتقد بعض المفسرين أنَّ ( أصحاب الأيكة ) هم أنفسهم عبدة شجرة الصنوبر الذين كانوا منشأ لخرافة ( سيزده به در ) أي الثالث عشر من بداية السنة الشمسية.
وفي زمن كانت الحيوانات آلهة لبعض من الناس.
ومِمّا يؤسف له أنّ هذا النوع من العبادة لا زال موجوداً في بعض المناطق من الهند.
وقد ألّه البعض أشخاصاً من البشر ، كما هو الحال بالنسبة لفرعون حيث كان البعض يعبده كربّ لهم ، ويقول القرآن المجيد نقلا عن فرعون نفسه : ( وَقَالَ فِرْعَوْنُ يا أيُّهَا المَلأ مَا عَلِمْتُ لَكُمْ مِنْ إله غَيْرِي ) (1) وقد ألّه البعض الملائكة في بعض الأحيان.
يقول أحد المؤرخين : ( كل شيء في العالم قد تألّه ، وكان يُعبدُ في يوم ما ونحن لا نعرف شيئاً لم يتألَّه ولم يُعبد في يوم من الأيام ).
على كل حال ، أنَّ ما يجمع عبادة الأصنام هو التوجه إلى ما سوى الله والغفلة عن الله رب العالمين ، وقد جاء على لسان بعض العظماء : ( كلّ ما شغلك عن الله فهو صنمك ).
من هنا عُدَّ المال والبنون والمرأة والثروة والمقام والصديق وكل شيء يغفلنا عن الله صنماً.
القرآن قد شطب على كل شيء سوى الله ، ولا يرى أهلية العبادة لغير ذاته الحقة ، فإنَّ جميع المخلوقات فقيرة وتحتاجه وتفتقر فيضه في كل آن ولحظة ، ليس في بداية الخلق فحسب بل لادامة الحياة واستمراريتها كذلك.
إنّ مثل حاجة الإنسان إلى الله كمثل حاجة المصباح إلى مولد الكهرباء ، فكما أنَّ المصباح يحتاج إلى المولد في كل لحظة ما دام متقداً ، كذلك الإنسان فانه يفتقر فيض الله في كل لحظاته ما دام حياً.
وبعبارة أُخرى : أنَّ كل لحظة من لحظات العمر هي خلق وصنع جديد ( كُلَّ يَوْم هُوَ فِي
--------------------
(1) القصص الآية 38.
أمثال القرآن
_ 207 _
شَأن ) (1) وبخاصة إذا فسرنا ذلك حسب رؤية ( الحركة الجوهرية ) فإنَّ الأمر سَيكون أوضح (2).
الدعاء من وجهة نظر القرآن والروايات
إنّ الدعاء قضية مهمة جداً وقد انعكست بشكل واسع في القرآن وروايات المعصومين ( عليهم السلام ) .
وفي هذا المجال مباحث وأسئلة عديدة نشير إلى بعضها هنا :
1 ـ ما هي فلسفة الدعاء ؟ إذا كنا مستحقين للاجابة فالله العالم بالظاهر والباطن سيستجيب لطلباتنا من دون حاجة إلى دعاء ، وإذا لم نستحق الاجابة فإنَّ الله سوف لا يجيب لطلباتنا سواء دعوناه أم لم ندعه ، ولا تأثير لدعائنا هنا !
وبتعبير آخر : أنَّ طلبتنا إذا كانت بمصلحتنا فسيوفرها لنا الله من دون حاجة إلى دعاء ، وإذا لم تكن بمصلحتنا فانه سوف لا يوفرها مهما أصررنا بالدعاء والتوسّل.
إذن ما فلسفة الدعاء وما دوره ؟
2 ـ ما هي شروط إجابة الدعاء ؟ وما علينا فعله لكي يستجيب لنا الله الدعاء ولكي نبلغ هدف الاجابة ؟
3 ـ ما هي موانع استجابة الدعاء ؟ لماذا لم يُستجب لبعض الأدعية رغم الاصرار الوافر في طلبها ؟
4 ـ ما هو أسوأ دعاء ؟
الدعاء أفضل عبادة
المستفاد من الآيات والروايات هو أنَّ الدعاء ليس كونه عبادة فحسب ، بل من أفضل العبادات.
--------------------
(1) الرحمن الآية 29.
(2) للمزيد راجع تفسير الأمثل 17 : 373 ـ 374.
أمثال القرآن
_ 208 _