باء ـ المراد من ذلك هو الانفاق والبذل الذي يصدر من المسلمين المترائين لأجل بناء المساجد والحسينيات والمستشفيات والمستوصفات والجسور والطرق وما شابه ذلك ، فهي إنفاقات ذات دوافع غير إلهية ، وتنمُّ عن دوافع مثل المباهاة وجلب رضاء الناس لأجل الفائدة الأكبر في المستقبل.
  إنَّ إنفاق هؤلاء مثل الأرض الزراعية الخصبة ، ونية المنفقين غير الخالصة مثل الريح الصر.
  جيم ـ المراد منه هو الانفاق الذي يقترن مع المنِّ والإيذاء ، فهو في الظاهر إنفاق وفي الواقع إذهاب لماء وجه الآخرين وسلب اعتبارهم.
  فالإنفاق آنذاك كالأرض الزراعية ، أما المن والأذى فبمثابة الريح الصر فأنها تُبطل الانفاق ، كما أن لها أضراراً دنيوية ، وذلك لأنّه فقد ماله اضافة إلى انّه ارتكب ذنباً عليه عقاب (1).
  2 ـ الإنتقام من كافر النعمة
  يستفاد من الآية وآيات اخرى من القرآن المجيد أن الله ينتقم في كثير من الحالات من الذين يكفرون بنعمه ويطغون ، فيجعل النعم وسيلة لعذابهم ويبدّلها إلى نِقم ( أي الموت في قلب الحياة ) .
  كمثال على ذلك ، الله أباد قوم نوح بواسطة المطر والطوفان ، مع أنّ المطر قطرات تمنح الحياة لمن تصله ، وهو من أكبر نعم الله تعالى على هذا القوم.
  إنّ الغيث إذا لم ينزل ينتهي كل شيء على وجه الأرض ، فهو نعمة لكنه تبدّل إلى مصيبة على قوم نوح !
  تحدّثت سورة سبأ عن قوم سبأ ، والحكاية واقع وعبرة في نفس الوقت.
  إنّ هذا البلد يقع في مسير المياه الحاصلة من المطر ، ولأجل الحدّ من أضرار الأمطار الغزيرة بنى هذا القوم سداً ترابياً لجمع المياه الزائدة والافادة منها عند الحاجة ، وشقوا قنوات وسواقي من هذا السدّ إلى

--------------------
(1) رغم أنَّ الاحتمالات الثلاثة غير متما نعة مع مضمون الآية الشريفة ، إلاّ أنّه باعتبار الآية السابقة لها فإنَّ الأول هو الأصح ، وذلك لأن الآية السابقة ( 116 من سورة آل عمران ) تصرّح بموضوعها ، أي الكفّار.

أمثال القرآن _ 136 _

  أراضيهم ، فأصبحت أراضيهم بذلك قطعة من الخضار لكثرة التشجير والمزارع والبساتين ، وما كان الله يريد من هذا القوم إلاّ شكر الرب على نعمه الوافرة ، كما يصرّح القرآن بذلك في الآية 15 من سورة سبأ : ( كُلوا مِنْ رِزْقِ ربِّكُمْ واشْكُرُوا لَهُ بَلْدَةٌ طيِّبةٌ وربٌّ غَفُورٌ ) لكن باعتبار أنَّ الإنسان ينسى الله عندما يغرق في نعمه ، فكذا قوم سبأ كانوا قد نسوا الله وأصابهم الغرور والطغيان وكفران النعمة ، وهذه من صفات الإنسان إذا كان ضيق الصدر ، حيث ينسى كل شيء عندما يبلغ مستوى الرخاء.
  إنّ القرآن يصف العذاب والنقمة التي أصابتهم كالتالي : ( فَأَعْرَضُوا فأرْسَلْنَا عَلَيْهِم سَيْلَ العَرِم وَبَدَّلْنَاهُم بِجَنَتَيْهِم جَنَّتِيْنِ ذَوَاتَي أُكُل خَمْط وَأثْل وَشَيء مِنْ سِدْر قَليل ) (1).
  نعم ، إنّ كفران النعمة هو الذي بدّل نعمة السد الترابي إلى نقمة وعذاب.
  وقد توفرت مقدمات العذاب ، بعدما أوحى الله لفئران أن تثقب السدّ ، فكان الماء يخرج من الثقوب شيئاً فشيئاً إلى أن توسعت الثقوب لتصل إلى مستوى استطاعت أن تدمّر السدّ ، فتدفّق الماء بشدة ودمّر قصور القوم وبساتينهم وأنعامهم ، وبدّل مزارعهم إلى أراض جرداء.
  وفي النتيجة تبدّل هذا السدّ ـ إثر إعراضهم عن الله ـ إلى عذاب ليكون عبرة لمن بعدهم ، ولكي لا يطغى الإنسان أمام الله.
  النموذج الآخر ، هو عذاب الله الذي نزل على قوم شعيب من خلال الصيحة ( كما يعبر عنها القرآن في الآية 94 من سورة هود ) أو الصاعقة ، وهي من جهتين تعتبر عذاباً .
  الأولى : أنَّها تحرق كل ما تصطدم به.
  والثانية : أنّ أمواجها الصوتية تذهب بالسمع.
  ويُذكر هنا أنَّ هذه الصاعقة كانت نعمة لهم ، لأنها تسبب هطول الامطار ، تلك النعمة التي يدين لها جميع الأحياء على الكرة الأرضية.
  وحسب ما ذكر في الآية 16 من سورة هود ، أنّ الاستئصال كان نتيجة طغيانهم وكفرانهم لنعم الله ، وتبدّلت بذلك الأرض التي هي مهد الإنسان ومسكنه إلى وسيلة عذاب يتعذبون بها.

--------------------
(1) سبأ : 16.

أمثال القرآن _ 137 _
  إنّ اهتزاز الأرض دمر جميع مدنهم ، وقد أنزل الله وابلا من الأحجار عليهم بحيث لم يبق من آثارهم شيءٌ أبداً.
  أشرنا سابقاً إلى أن الريح من نعم الله العظمى للمزارعين ، كما أنَّه إذا لم يهب فانَّ عملية لقاح الاشجار سوف لا تتمُّ ، كما أنَّ الهواء إذا لم يتغير فسوف يستهلك الاوكسجين فيه ، وفي النهاية سوف لا تثمر الاشجار والنباتات من جراء ذلك.
  3 ـ فلسفة الكوارث الطبيعية
  منذ القدم كانت المسألة التالي ذكرها أحد مسائل بحث العدل الإلهي ، وهي : إذا كان الله عادلا فما فلسفه الكوارث والحوادث المؤلمة من قبيل الأمراض والسيول والطوفانات والزلالزل والامطار الشديدة والاعصار المخيفة ؟
  هل تتلاءم هذه الامور المؤلمة للإنسان أو المدمّرة له مع عدالة الله ؟
  لا نعرف التاريخ الدقيق لطرح هذه الشبهة ، وقد يرجع تاريخها إلى ما قبل ميلاد السيد المسيح ( عليه السلام ).
  وقد دوِّنت في هذا المجال البحوث والكتب الكثيرة ، وهممنا في كتاب ( خمسين درساً عقائدياً ) بالاجابة على هذه الشبهة.
  وقد تصدَّى القرآن في بعض آياته للاجابة على هذه الشبهة ، نشير إلى نماذج من تلك الآيات :
  1 ـ تعتبر بعض الآيات التنبّه واليقظة من أهداف هذه البلايا والكوارث ، كما هو كذلك في الآية 41 من سورة الروم : ( ظَهَرَ الفَسَادُ فِي البَرِّ والبَحْرِ بِمَا كَسَبَتْ أيدِي النَّاسِ ليُذيقَهُمْ بَعْضَ الَّذِي عَمِلوُا لَعلَّهُمْ يَرْجِعُونَ ).
  على أساس هذه الآية ، تعدُّ الكوارث لطفاًُ من الله للغافلين من الناس ، فإنَّها قد تفيق الغافلين عن غفلتهم لعلهم يرجعون إلى الله ، مثلما ابتلى الله الناس في زماننا هذا بمرض الايدز لكثرة فسادهم لعلهم بهذا الابتلاء يرجعون عن فسادهم وينتبهون إلى أنفسهم ، أو مثلما يبتلي شعوب العالم حالياً بالحروب والاختلاف الطبقي الفاحش والانقلابات والسقوط وتدمّر الحضارات البشرية وذلك لتفشي أمراض مثل أكل الربا فيهم.
  فهذه الابتلاءات تحلُّّ بالناس

أمثال القرآن _ 138 _
  لعلّها تنبههم وترجعهم إلى الطريق الصواب وتفيقهم من غفلتهم هذه.
  إذن ، الابتلاءات هذه مواهب إلهية في الواقع.
  ولأجل اتضاح هذه الفلسفة بشكل أفضل التفتوا إلى هذا المثال : نشاهد في بعض الشوارع الطويلة والمستوية بعض العقبات والعكر تعَّمد إيجادها المعنيوّن ، إذا ما سألنا عن سبب ذلك قالوا : إن شوراع من هذا القبيل قد تؤدي إلى غفوة السائق وغفلته الأمر الذي قد يودي ، بحياته وحياة الآخرين ، ولأجل الحيلولة دون غفوة السائق نتعمد إيجاد هذه العكر ليبقى السائق منتبهاً دائماً.
  إنّ حياة الإنسان إذا خلت من هذه العقبات قد تؤدي إلى غفلة الإنسان وغفوته وسقوطه في الهاوية في نهاية الأمر ، لكن وجود هذه العقبات تحول دون غفلته وتنجيه من السقوط رغم أنها تؤذيه ولا تريحه.
  2 ـ الفلسفة الاخرى المستفادة من الآيات هي أنَّ بعض هذه البلاءات والحوادث نتيجة عمل الإنسان نفسه ، وبتعبير آية المثل : أنَّ الإنسان يظلم نفسه وأنَّ الله لا يظلم أحداً.
  على سبيل المثال ، الأبوان اللذان لايكترثان بسوء أو حسن تربية الاطفال ، ولا يهتمان بتعليمهم المسائل الدينية ، ولا يرشدونهم إلى الاماكن الدينية مثل المساجد والحسينيات ولا يعوّدونهم على التردد على هذه الأماكن ، فان النتيجة ستكون اطفالا غير مهذبين أو متعاطين للمخدرات ، الأمر الذي يعود بأضراره لا على نفسيهما فحسب بل على جميع المجتمع ، لكن يا ترى من كان السبّاق والناثر للبذرة الأولى لهذا الشذوذ وهذا الظلم؟ لا أحد غير الأبوين.
  إعتبروا قبل مدة جاء شخص محترم لمكتبنا لغرض دفع ما عليه من واجبات مالية ، فقضى الموظفون حاجته وأدى ما عليه ، ثم رحل.
  بعد فترة من الزمن جاء نفس الشخص مع صديق له ، وهو يحمل معه الكثير من الهمّ والغمّ ، ورأيته يبكي ، فسألته عن سبب بكائه ؟ فأجابني : أنَّ إطفالي صادروا جميع ما جمعت من المال خلال السنوات الماضية من عمري ، وقد طردوني من البيت ، وأنا الآن أنام في كل ليلة في بيت

أمثال القرآن _ 139 _
  من بيوت المعارف.
  ثم أشار إلى صديقه وقال : إنّ الطريق الذي سلكه صديقي كان طريقاً صحيحاً ، فهو سعى منذ البداية في تربية أولاده وتعاليمهم والاحكام الإسلامية وأرشدهم منذ الصغر إلى المساجد والحسينيات ، وأولاده حالياً كالعصى بيد والديهم يحترمونهما ويؤدون واجباتهم تجاههما ، إلاّ اني أخطأت منذ أن فكّرت في إرسالهم للخارج وتعليمهم العلوم من دون الاكتراث بما قد يسيء ذلك إلى تربيتهم.
  وحالياً عندما رجعوا إلينا وجدناهم لا يفكرون إلاّ بأنفسهم ومصالحهم المادية ، فلا يهتمون بشيء غير المال ( وَمَا ظَلَمْنَاهُمْ وَلكِنْ كَانُوا أنْفُسَهُمْ يَظْلِمُونَ ) (1).
  إنّ لطف الله ورحمته على العباد مثل الغيث الذي يهطل على الأراضي ، ففي بعضها تنبت الزهور والنباتات ، وفي بعضها الآخر تنبت الأدغال ، والاشكال ليس في المطر بل في ذات الأرض.
  كما أنه لا اشكال في أنوار الهداية الإلهيّة ، بل الاشكال في قلوب الناس.
  وعلى هذا ، فإنَّ الفلسفة الاخرى لهذه الابتلاءات هي أنَّها ردود فعل لأفعالنا نحن.
  بالطبع هناك فلسفات اخرى لهذه الظواهر ، نحن نكتفي هنا بالموردين السابقين.

--------------------
(1) جاءت آيات كثيرة بهذا المضمون ، منها الآية 57 من سورة البقرة ، والآية 117 من سورة آل عمران والآية 9 و 16 و 162 و 177 من سورة الاعراف ، والآية 70 من سورة التوبة والآية 44 من سورة يونس.

أمثال القرآن _ 141 _
المثل الثاني عشر : الكفر والإيمان
  يشير الله تعالى إلى هذا المثل في الآية 112 من سورة الأنعام ، حيث يقول : ( أَوَ مَنْ كَانَ مَيْتاً فَأَحْيَيْناهُ وَجَعَلْنَا لَهُ نُورَاً يَمْشِي بِهِ فِي النَّاسِ كَمَنْ مَثَلُهُ فِي الظُّلُمَاتِ لَيْسَ بِخَارِج مِنْهَا كَذَلك زُيِّنِ لِلْكَافِريِنَ مَا كَانُواَ يَعْمَلُونَ ).

تصوير البحث
  في الآية مثلان كلاهما عن الكفر والايمان .
  شبّه القرآن الايمان في المثل الأول بالحياة ، والكفر بالموت.
  وفي المثل الثاني شبّه الله الايمان بالنور والكفر بالظلمات.

شأن نزول الآية
  ذُكر شأنان لنزول الآية :
  1 ـ نزلت الآية في حمزة العم الجليل لرسول الله ( صلى الله عليه وآله ) وفي أبي جهل العدوّ اللدود للرسول ( صلى الله عليه وآله ).
  إنّ حمزة لم يؤمن في صدر الإسلام ، وقد يكون ذلك تأنياً منه لدراسة الدين الجديد بشكل افضل ، فهو في صدر الإسلام سلك سبيل السكوت تجاه الدعوة.
  أما أبو جهل فكان يؤذي الرسول دائماً بشكل وآخر وكان يضع أمام الرسول العقبات لأجل إيذائه.
  في يوم كان حمزة قد ذهب للصيد ، وفي نفس اليوم كان أبو جهل قد آذى الرسول بشدة بحيث تأثر من جراء ذلك

أمثال القرآن _ 142 _
  حتى عبدة الأصنام ، وقد وصل خبر إيذاء الرسول ( صلى الله عليه وآله ) لحمزة بعد أن قدم من الصيد ، فذهب إلى أبي جهل وضربه على أنفه بحيث رعف أنفه دماً ، ورغم ما كان لأبي جهل من قوم وأنصار ، إلاّ أنه هاب حمزة ، ولم يصدر منه أي ردّ فعل ، وفي هذه الاثناء استسلم حمزة.
  إنّ الآية نزلت هنا ، وكأنها تريد القول : إنَّ حمزة حيى عندما أسلم ، وبذلك تنوَّر قلبه ، عكس ما كان عليه ابوجهل في تورّطه بالظلمات ، وأنَّ تعصبه ولجّه حال دون الخروج منها.
  الكفار يعتقدون بصحة أعمالهم ورفعة شأنها رغم أنهم يزدادون كل يوم غطساً في طين الشقاء والكفر (1).
  2 ـ الشأن الآخر هو أنَّها نزلت في عمار بن ياسر وأبي جهل.
  إنّ عمار من الشباب الشجعان ومن أوائل الذين أسلموا ونوروا قلوبهم بالايمان ، فهو من أنصار رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) ، وأصبح نصيراً للإمام أمير المؤمنين ( عليه السلام ) بعد وفاة الرسول ( صلى الله عليه وآله ) ، وقد استشهد في صفين (2).
  عندما أسلم هذا الشاب ذمّه الكثير من المشركين ، منهم أبو جهل ، وقد تعرّض آنذاك لأنواع من العذاب.
  ومن هنا قيل : إنَّ الآية نزلت في إيمان عمار وكفر أبي جهل ، باعتبار أنَّ عمار قبل الإسلام كان ميتاً وحيى بعد الإسلام وتنوّر قلبه به ، أما أبو جهل فظل في وادي الظلمات باصراره على الكفر ولجه في ذلك ، ولا أمل له في النجاح والسعادة ، لأنَّه كان يعتبر أعماله القبيحة حسنة (3).

ما هي الحياة ؟
  لأن نستوعب بعمق المثل الأوّل علينا أن نفهم معنى الحياة.
  رغم أن آثار الحياة نجدها في كل مكان ، ورغم أنّه يمكننا أن نميّز الحياة عن الممات ، إلاَّ أنَّ تعريف الحياة وإدراك حقيقتها أمر مشكل ، وقد لا يوجد شخص استطاع إبداء تعريف جامع لحقيقة الحياة.

--------------------
(1) انظر تفسير الأمثل 4 : 401 ـ 403.
(2) إنّ قتل عمار أوجد ضجة في معسكر معاوية ، وذلك لأن الرسول ( صلى الله عليه وآله ) كان قد قال له : ( ( تقتلك الفئة الباغية ) ) إثر ذلك كاد ان يرتد الكثير من معسكر معاوية ، إلا أنّ معاوية أنقذ نفسه بالقول بأن قاتله هو من دعاه أو جاء به للقتال.
(3) انظر تفسير الأمثل 4 : 401 ـ 403.

أمثال القرآن _ 143 _
  يعتقد العلماء أنّه لا يمكن أن يولد الحي من الميّت.
  ورغم ما انجزه العلماء من صناعات مدهشة كالكامبيوتر والطاقة الذرية و ... إلاّ أنهم ما استطاعوا أن يخلقوا موجوداً حيّاً من موجود ميّت.
  اعتبر القرآن قبل 1400 سنة الإنسان عاجزاً ، حيث قال في الآية 73 من سورة الحج : ( إنَّ الَّذِينَ تَدْعُونَ مِنْ دُونِ اللهِ لَنْ يخلقُوا ذُبَابَاً ولو اجْتَمَعُوا لَهُ ) .
  وفي هذا العصر المليء بالاختراعات ، يعجز الإنسان عن إدعاء الخلق فضلا عن الخلق نفسه.
  من المبادئ التجريبية المسلمة هي أنَّ الحي لا يمكن خلقه من الميّت ، وظنُّ بعض العوام أن الرطوبة تخلق بعض الموجودات الحيَّة فذلك ظن باطل ، كما أنَّه لا يتصور أنَّ التفاحة بنفسها توجد الدودة التي في داخلها ، بل ينبغي أن يكون في داخل التفاحة بيضة الدودة لكي توجد الدودة ، فلا الحيوان يوجد النبات ولا النبات يوجد الحيوان.
  سؤال : في اليوم الذي انفصلت الارض عن الشمس لم يكن موجود حىٌّ على الكرة الأرضية ، لكن الموجودات الحية وجدت بعد ذلك.
  ألم يكن ذلك بسبب أنَّ الموجودات الحية تخلق من الموجودات الجامدة ؟
  الجواب : نعم كانت هناك ظروف معقدة خاصة خلقت الجمادات الموجودات الحية ، لكن هذه الظروف غير متوافرة بالفعل ، كما لا يمكن للإنسان أن يوافر تلك الظروف.
  وعلى هذا ، فانَّ الحياة أعجب ظاهرة في عالم الوجود.
  والأعجب من ذلك هو خالق الحياة ، فرغم تحقيق ودراسة الملايين من العلماء ، ما أستطاع أحد منهم كشف هذا السر ومعرفة سر الخلق ! ولهذا كانت قضية الحياة من أهم أدلة وبراهين معرفة الله.

أقسام الحياة
  إن الحياة على ثلاثة أقسام :
  1 ـ الحياة النباتية ، وعلاماتها أشياء ثلاثة :
  الف ـ النمو.
  باء ـ التغذية .
  جيم ـ التناسل.
  2 ـ الحياة الحيوانية ، وهي حياة تضم علامتين ، هما : الحس والحركة.

أمثال القرآن _ 144 _
  3 ـ الحياة الإنسانية ، وهي تحضى ـ أضافة إلى الخصائص السابقة المذكورة في الحياة النباتية والحيوانية ـ بخصائص من قبيل العلم والمعرفة والايمان والأخلاق والحب والارادة.
  واذا فقدت الحياة الإنسانية الخصائص الثلاث الاخيرة تبدلت إلى حياة حيوانية.
  ولذا ، اعتبر القرآن المجيد غير المسلمين موتى ، لأنّه ينظر إلى حياتهم من الزاوية الدينية الإسلامية.

المراد من الحياة في آية المثل
  لا شك في أنَّ المراد من الحياة في الآية الشريفة هو الحياة الإنسانية ، أي أنَّ حمزة أو عمار أو أي شخص آخر يحيى إذا ما أسلم ، فتظهر فيه علائم الحياة الإنسانية ، أي العلم والمعرفة والاخلاق والايمان والحب والارادة.
  ومن هنا كان امثال عمار وحمزة والشهداء في سبيل الله أحياء (1) أمّا أمثال أبي جهل فأموات غير أحياء (2).

لماذا عُدّ عرب الجاهلية أمواتاً ؟
  يبحث الإمام علي ( عليه السلام ) هذا الأمر في الخطبة رقم 26 من نهج البلاغة ويقول : ( إنَّ الله بعث محمداً ( صلى الله عليه وآله ) نذيراً للعالمين ، وأميناً على التنزيل ... ) ثم يذكر عشر خصال لعرب الجاهلية.
  1 ـ ( وأنتم معشر العرب على شرِّ دين ) فإنَّ عبادة الأصنام هي أسوأ خرافة ، كيف يمكن للإنسان أن ينحت صنماً ثم يسجد ويركع إليه ويناجيه ويطلب منه الطلبات ؟ والأسوأ من ذلك كله هو أنّه يضحّي بولده لهذه الأصنام ، وعند الجوع يأكل أصنامه التي صنعها من التمر.
  2 ـ ( وفي شر دار ) فهم كانوا في دار لم يحكمها السلام أبداً ، فنار الحرب كانت مستعرة دائماً ، وكانوا يصرون على النزاع والمخاصمة ويورثون الأحقاد لأولادهم ، وكان الموت مصير من لم يستطع الانتقام من خصمه ، وكانوا يوصون أولادهم بالانتقام.
  3 و 4 ـ ( مُنيخون بين حجارة خُشن وحيَّات صُمّ ) أي كانوا فقراء يعيشون بين الاحجار

--------------------
(1) سورة آل عمران الآية 169.
(2) سورة النحل الآية 21.

أمثال القرآن _ 145 _
  الصلبة والخشنة والحيات الخطرة التي كانت صماء لا تسمع ، ( فكانت الأرض فراشكم والسماء غطاءكم ).
  5 ـ ( تشربون الكدر ) أي ما كانوا يشربون ماءً زلالا بل ماؤهم كان وسخاً دائماً.
  6 ـ ( وتأكلون الجشب ) أي مأكولاتهم ما كانت لذيذة بل متواضعة ولا تلذ.
  7 ـ ( وتسفكون دماءكم ) فان عدم الأمن والأمان كان هو الحاكم آنذاك.
  8 ـ ( وتقطعون الأرحام ) فما كانوا يرحمون أولادهم فضلا عن غيرهم ، إنّ وأد البنات كان من عاداتهم.
  9 ـ ( الأصنام فيكم منصوبة ) أي أنَّها كانت منصوبة للاحترام والتبجيل والعبادة ...
  10 ـ ( والآثام بكم معصوبة ) أي كانوا قد غرقوا في وحل الذنوب والعصيان.
  من مقال الإمام يستفاد أن الفقر كان هو السائد ، سواء كان بمعناه الديني أو الثقافي أو السياسي أو الاقتصادي أو الأمني ... فبعث الله في هذا الوسط ـ الذي كان ميتاً بكامل معنى الكلمة ـ رسولا مع باقة من العلم والمعرفة .
  عندها التقى عرب الجاهلية ومسلمو صدر الإسلام مع العلم والمعرفة وما مرّ زمن طويل حتى تزعموا عالم العلم ، ووفّروا الأرضية للحركة العلمية في اوروبا.
  وخلال أربعة أو خمسة قرون استطاع المسلمون أن يرشدوا الاوربيين نحو العلم.
  ورغم أنَّ المسلمين تزعموا العلم وكانوا روّاد الحركة العلمية في العالم ، إلاّ أنَّهم تخلفوا حالياً عن عجلة الصناعة والتقنية ، وهم يمدون أيديهم الآن إلى الدول الأوروبية لارسال خبراء ومستشارين رغم ما يترك هذا الأمر من مضار أخلاقية واجتماعية ودينية.
  وعلى العلماء في الوقت الحاضر أن يشدوا الشباب بماضيهم المنير وأن يعرّفوا هذا الجيل بما أقرّ به الاوربيون للمسلمين من علوم واختراعات وابتكارات علمية قبل النهضة الاوربية ... وبتدريسهم هذه المطالب في الجامعات والمراكز العلمية سوف يحرّضون الشبان نحو النشاط الاكبر والأكثر فاعلية.

أمثال القرآن _ 146 _
آثار النور وبركاته
  لقد شُبِّه الايمان في المثل الثاني بالنور ، والكفر بالظلمات.
  ولأجل اتضاح عظمة النور من المناسب ان نشير إلى آثاره المادية وبركاته هنا : النور هو ألطف موجود وأسرعه في عالم المادة ، فإنَّ سرعته في الثانية 000/300 كيلوامتر ، وبعبارة اخرى : النور يستطيع أن يطوي الارض سبع مرات ونصف المرة في الثانية الواحدة ، لأن قطر الأرض في خط الاستواء هو 40 الف كيلوا متر ، واذا قسمنا 000/300 على 000/40 فان الناتج سيكون سبعة ونصف.
  إنَّ بركات عالم المادة جميعها من النور ، وذلك لأنَّ بواسطته تُقتل الميكروبات المضرّة وتُعالج بعض الامراض ، وببركته يدفء الجو ، وببركته تتنوّر الأرض ، وببركته تنزل نعمة المطر الالهية.
  في الإسلام والايمان إضاءة كما في النور.
  إنَّ حمزة وعمار كانوا أمواتاً قبل الإسلام ، كما هو حال عرب الجاهلية أجمع ، ثمّ تنوّروا بعد إيمانهم ، وأحيى هذا النور وجودهم وقلوبهم ، وقد سلكوا طريق الحق والحقيقة بواسطة هذا النور ، وطبيعي أن يختلف صاحب هذا النور عمن لا يمتلكه.

نور الفرقان
  الآية التالية ( 29 من سورة الأنفال ) من الآيات ذات المحتوى والمعنى العميق التي نزلت في هذا المجال : ( يَا أَيُّها الَّّذِيْنَ آمَنُوا إنْ تَتّقُوا اللهَ يَجْعَلُ لَكُمْ فُرْقَاناً ).
  الفرقان لغوياً يعني ما يميز به الحق عن الباطل.
  والآية تعني أنَّ الإنسان إذا اتقى الله ، فالله يلقي في قلبه نوراً يستطيع الإنسان من خلاله أنْ يميز الحق عن الباطل.
  ولهذا قد يحصل أن يكون بين الناس العوام اشخاص يحملون هذا النور ويعلمون بواقع الأمر رغم اكتناف الواقع بملابسات وغموض بحيث يعلمون بالمنشأ والأهداف.
  إنَّ أصحاب هذا النور لا يقعون في فخ الشيطان ولا يكونون آلة بيده ، كما لا يتورطون بشباك المحتالين ، وذلك لأن نور الفرقان يكشف لهم عمّا غمض ويهديهم إلى الصواب ، لذا قال رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) : ( المؤمن ينظر بنور الله ) (1).

--------------------
(1) بحار الأنوار64 : 75.

أمثال القرآن _ 147 _
التقوى ثمرة الصوم والفرقان ثمرة التقوى
  شهر رمضان شهر التقوى والنور ، والإنسان يحصل بالصوم على تقوى أكثر إلى مستوى تتجذر فيه نبتة التقوى ( لعلكم تتقون ).
  وعليه ، فالتقوى ثمرة الصوم ونتيجته ، وعلى أساس الآية الشريفة ، إنَّ الفرقان هو ثمرة التقوى.
  ومن المناسب في هذه الليالي والأيام المباركة وبخاصة عند الاسحار أنْ نرفع أيدينا إلى السماء خشية وتضرّعاً سائلين الله التقوى والفرقان ( اللهم آمين ).

الأعمال القبيحة تبدو حسنة في نظر الكفار
  يقول الله في نهاية الآية الشريفة : ( زُيِّنَ لِلكَافِرِيْنَ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ ) ، وذلك لأنَّ حب الذات والهوى والأنانية والغرور تجعل الإنسان في غفلة عن أعماله القبيحة وتتزيّن له الأعمال القبيحة ، بحيث تبدو جميلة وحسنة.

أمثال القرآن _ 149 _
المثل الثالث عشر : شرح الصدر
  يقول الله تعالى في المثل الثالث عشر من أمثال القرآن في الآية 125 من سورة الأنعام : ( فَمَنْ يُرِدِ اللهُ أنْ يَهْديَهُ يَشْرَحُ صَدْرَهُ لِلأسْلاَمِ وَمَنْ يُرِدْ أنْ يُضِلَّهُ يَجْعَلْ صَدْرَهُ ضَيِّقاً حَرَجَاً كَأنّمَا يَصَّعَّدُ فِي السِّمَاء كَذَلك يَجْعَلُ اللهُ الرِّجْسَ عَلَى الّذِين لاَ يُؤمِنُونَ ).

تصوير البحث
  إنَّ الآية الشريفة في صدد بيان الأرضيات الروحية للناس لقبول الحق.
  والمستفاد من هذه الآية ، أنَّ الناس يختلفون من هذه الحيثية ، فبعض من الناس بمجرد أن يواجه الإسلام يتلقاه ويحتضنه ، وذلك لطهارة روحه و نورانية قلبه ، ولأجل ذلك يشرح الله صدوره.
  وفي قبال هذا البعض ، هناك البعض الذي لا يتأثر بالقرآن حتى لو قرأته كله عليه ، وذلك لأنه يفقد الأرضية اللازمة لقبول الحق ، فيجعل الله صدر هذا ضيّقاً ومظلماً.

الشرح والتفسير
  ( فَمَنْ يُرِدِ اللهُ أنْ يَهْدِيَهُ يَشْرَح صَدْرَهُ للأِسْلاَمِ ) والعبارة الاخرى لشرح الصدر هي توسيعه بحيث يجعله مؤهلا وقابلا لاستقطاب الحق والحقيقية.
  ( وَمَنْ يُرِدْ أنْ يُضِلّهُ يَجْعَلْ صَدْرَهُ ضَيّقاً حَرَجاً ) والعبارة الاخرى لضيق الصدر هي سلب القدرة والطاقة عن القلب بحيث يختل توازنه الفكري لأصغر مشكلة وأتفهها.

أمثال القرآن _ 150 _
  ( كَأنَّمَا يَصَّعَّدُ فِي السَّماءِ ... ) أي أنَّ ضيق الصدر يصل إلى مستوى وكأنه يحلق إلى السماء بدون وسيلة ، كما أنّ تحليقاً من هذا النوع محال بالنسبة إلى الإنسان ، كذلك تحّمل الضيق والظلمة بالنسبة لهؤلاء ، فهم لا يطيقون ذلك.
  إنَّ الله يجعل هكذا ظلمة وكفر في قلوب غير المؤمنين.

خطابات الآية
  1 ـ الهداية والضلالة بيد الله
  إنّ المفهوم الذي يتطابق مع ظاهر الآية هو أنَّ الهداية والضلالة بيد الله ، وهذا لا يعني إلاّ الجبر.
  ففي هذه الحالة يُعدُّ الإسلام والكفر أمرين غير اختياريين ، لكن قبول هذا ـ حسب عقيدتنا ـ يتنافى مع عدالة الله.
  ومن هنا كان علينا أن نقدم مقدمة نوضح فيها الأمر : من الفرق الإسلامية ـ التي لا تنهل من المنبع الزلال للولاية والامامة ـ فرقة تقول بالجبر وتعتقد أنَّ الإنسان مسلوب الإختيار.   إنَّ الإعتقاد بهذا المذهب ـ المخالف لمذهب الشيعة ـ يتساوى مع انكار اصول الدين الخمسة.
  إنّ أول أصل يغض النظر عنه هذا المذهب هو أصل العدل الإلهي ، فإنَّ الإنسان اذا كان مُجبراً على أعماله فعذاب الكافر وثواب المؤمن ليسا من العدالة ، لأنّه لا الكافر اختار الكفر ، ولا المؤمن اختار الايمان.
  ولهذا لم يقل بعدل الله من قال بالجبر.
  إنَّ التوحيد هو الأصل الثاني الذي ينفى بالاعتقاد بالجبر ، وذلك لأنَّ الله إذا لم يكن عادلا فهو ليس أهلا لادارة وتدبير هذا العالم الواسع الذي يُدار على أساس النظم والحكمة.
  من هنا كان إرسال الرُسُل وبعثة الأنبياء خالياً من أي معنى وتبرير ، فإنَّ الانبياء لا قدرة لهم على هداية الكفار وذلك لأنَّهم مسلوبو الإختيار ، كما أنّه لا تأثير للأنبياء على إيمان المؤمنين ، فإنَّ الجَبْر يحول دون انحرافهم ، وبعبارة أُخرى : أنّ الأوّل محال ، والثاني تحصيل حاصل ، وكلاهما غير ممكنين من وجهة نظر فلسفية.
  الإمامة ـ التي هي استمرار للنبوة ـ تبطل للسبب السابق.
  وآخر أصل يبطل بالجبر هو

أمثال القرآن _ 151 _
  أصل المعاد ، فإنَّ المعاد يبتني على الاختيار.
  وعليه ، إذا كان الناس جميعهم مجبورين ومسلوبي الاختيار فإنَّ الجزاء والجنة وجهنم والقيامة والمعاد كلها تكون مفاهيم دون معان.
  وفي النهاية ، لا يمكننا أنْ نكون مسلمين بالاعتقاد بالجبر ، كما لا يمكننا على أساسه قبول أصول الدين (1) ولهذا على الشيعة أن تشكر الله على أنَّه لم يوقعها ـ ببركة الائمة المعصومين ( عليهم السلام ) ـ في وادي الجبر المظلم ، كما لم يتركها تتسيب في صحراء التفويض المظلمة ، بل سلك الله بالشيعة طريقاً بين المذهبين المنحرفين ، وهو طريق الحق المستقيم والواضح.
  إنَّ ما تدل عليه الآية هو : أنَّ الخطوة الأولى للهداية والضلالة يخطوها الإنسان نفسه ، فاذا كانت هذه الخطوة باتجاه الهداية ، فإنَّه سيكون مشمولا للهداية الربانية ، وإذا كانت هذه الخطوة باتجاه الضلالة فإنَّه سيكون مشمولا للضلالة الربانية.
  سلمان الفارسي ـ مثلاًَ ـ تحرك من إيران وخطى باتجاه منبع الهدى ، وتحمّل في هذا السبيل المشاكل إلى مستوى أنّه أُخذ رقاً ، لكن باعتبار أنّ خطاه الأولى كانت باتجاه الهداية ، شملته هداية الله وشرح الله صدره ونال ما نال من جرّاء ذلك.
  أما أبو جهل وأبو لهب فرغم أنَّهما كانا بجنب منبع الهدى ، إلاَّ أنَّ خطاهما الأولى كانت باتجاه العناد والعداوة ، أي اختارا طريق الضلالة تبعاً للشيطان وأغلقا أعينهما وأسماعهما للحيلولة دون رؤية أو سماع الحق ونداءه ، لذا شملتهما ضلالة الله وضيّق الله صدورهما وأظلمها.
  وعلى هذا ، فإنَّ الهداية والضلالة نتيجة لخطى الإنسان الأولى ، والآية الشريفة كغيرها من الآيات لا تتنافى مع اختيار الانسان (2).
  2 ـ الاعجاز العلمي للقرآن في آية المثل
  رغم أنَّ المُفسرين يعتبرون جملة ( كَأنَّمَا يَصَّعَّدُ فِي السَّماءِ ) كناية عن الأمر المحال وغير

--------------------
(1) هناك عوامل كثيرة أدت للاعتقاد بالجبر ، للمزيد راجع كتابنا خمسين درساً في أصول العقائد ، بالفارسية الصفحة 118 فما بعدها.
(2) للمزيد راجع كتاب خمسين درساً عقائدياً ، الصفحة 137 فما بعدها.

أمثال القرآن _ 152 _
  الممكن ، إلاّ أنَّه باعتبار التقدّم الملحوظ في العلوم البشرية وامكانية الوصول إلى الفضاء ، يمكن ذكر تفسير آخر لهذه الجملة يكشف عن إعجاز علمي للقرآن المجيد (1).
  يحيط الكرة الأرضية وإلى ارتفاع 30 كيلومتراً مقدار من غاز الاوكسجين ، والذين يفيدون من هذا الاوكسجين من الموجودات الحية يفيدون من المقدار الموجود إلى ارتفاع كيلو مترات محدودة ، اما الموجود في الفضاء المرتفع فالإفادة منه صعب للغاية ، بحيث بالنسبة للإنسان كلّما ارتفع عن سطح الأرض كلّما صعب عليه التنفّس وضاق.
  ولأجل ذلك قد يبتلي متسلقو الجبال بمشاكل عسر التنفس إذا ما ما تسلقوا جبالا عالية ، أي بلغوا مستوى يصعب بعده جذب الاوكسجين في البدن ، الأمر الذي قد يؤدي بهم إلى الغيبوبة ، والموت بعضاً ما.
  ولنفس السبب تُجهَّز الطائرات بمعدات لتنظيم مقدار الاوكسجين في الطائرة عند التحليق في اماكن مرتفعة ، واذا اختل عمل أجهزة الهواء في الطائرة يضطر المسافرون للبس الاقنعة الخاصة التي تمدّهم بالاوكسجين والتي أعدت للحظات من هذا القبيل ، واذا تعسر الافادة من ذلك تضطر الطائرة للتحليق في ارتفاعات أدنى للحفاظ على حياة المسافرين.
  في الوقت الذي نزلت فيه الآية لم يكن الإنسان على علم بهذه القضية العلمية إلاَّ أنَّ القرآن المجيد في ذلك الزمان ( 1400 سنة قبل ) كشف عن هذا اللغز العلمي وقال بعدم امكان الافادة من الهواء في الفضاءات المرتفعة ، وشبَّه الضالين بأولئك الذين يريدون التنفس في تلك الفضاءات.
  3 ـ شرح الصدر
  عندما بلغ النبيّ موسى( عليه السلام ) مقام النبوة ، طلب من الله عدة أشياء ، منها : شرح الصدر حيث جاء : ( قَالَ رَبِّ اشْرَحْ لِي صَدْرِي ... ) (2).

--------------------
(1) إنّ اعجاز القرآن ذات وجوه مختلفة منها الاعجاز العلمي ، للمزيد راجع تفسير نفحات القرآن 8 :121 ـ 167.
(2) طه : 25.

أمثال القرآن _ 153 _
  نال الرسول ( صلى الله عليه وآله ) هذه النعمة الإلهيّة العظمى دون أن يطلبها من الله : ( ألَمْ نَشْرَح لك صَدْرَكَ ) (1).

ما معنى شرح الصدر باقتضاب ؟
  لا يعني الصدر ذلك القسم العلوي من البدن ، بل يعني الروح والفكر ، وعلى هذا ، فشرح الصدر يعني الروح المنفتحة والفكر المنفتح ، أي منشرح الصدر هو صاحب الفكر العميق والصبر والتأني الفكري والروحي بحيث لا يتزلزل أمام أبسط الحوادث أو أشدها.
  ولهذا كان شرح الصدر أحد أهم مستلزمات الترقي والتعالي نحو الله تعالى.

الرسول ( صلى الله عليه وآله ) وجاره اليهودي
  كان للرسول ( صلى الله عليه وآله ) جار يهودي يلقي فضلات بيته وجمر ناره على الرسول عند مروره من بيته ، وكان يمارس هذا العمل يومياً ، وفي يوم مرّ الرسول من بيت اليهودي ولم يواجه الظاهرة اليومية التي كانت تصدر من اليهودي ، فسأل الرسول أصحابه ؟ فأجابوه بأنه مريض ، فذهب الرسول لعيادته ، وطرق الباب وكانت إمرأته خلف الباب فسالته عمّا يريد فأجابها أن الهدف هو العيادة ففتحت له الباب ، وكان سلام الرسول ( صلى الله عليه وآله ) وتحياته لليهودي تبدو وكأنَّ اليهودي لم يكن من المؤذين للرسول يومياً.
  عندما شاهد اليهودي هذه المعاملة من الرسول سأله عمّا إذا كانت هذه الاخلاق من صلب الدين الذي يدعو له ؟ فاجابه بالايجاب.
  ونجد الكثير من هذه النماذج في سيرة الرسل والأئمة وعلماء الدين.
  على سبيل المثال ، كتب شخص في شيراز رسالة إلى أحد علماء تلك المدينة يهجره ويشهّر به فيها ، فيرى العالم ذلك الشخص الكاتب في الغد ويقول له : ( لقد رميت الرسالة التي كتبتها لي (2) يبدو أنك تعاني من مشكلة مالية ، فخذ هذا المبلغ لعلَّ مشاكلك تُحل به ).

--------------------
(1) سورة الشرح الآية 1 .
وقد جاء نفس المضمون في الآية 106 من سورة النحل وكذا الآية 22 من سورة الزمر.
(2) كان في كلامه تورية ، لأنّه رماها خلف الكتب بعد أن قرأها ، أمّا الكاتب فتصوّر أنه لم يقرأها.

أمثال القرآن _ 154 _
  ففرح كاتب الرسالة وكان يقول مع نفسه ( كان خيراً أن السيد لم يقرأ رسالتي ).
  على المسلم أن يتأسَّى بالرسول ( صلى الله عليه وآله ) وأن يشرح صدره ويوسع فيه ، وأن تكون همّته أرفع من أن يتنازل ويضعف أمام المشاكل ، بل عليه أن يتحمّل ولا يكفر بالنعم لكل مشكلة يواجهها ولو كانت صغيرة ، وما عليه أن يحقد ويسعى للإنتقام.
  إلهي ببركة هذا الشهر ( رمضان ) اشرح صدورنا ووفقنا جميعاً لتحمل ما لا نستسيغه.

أمثال القرآن _ 155 _
المثل الرابع عشر : المبدأ والمعاد
  يقول الله تعالى في المثل الرابع عشر من امثال القرآن الجميلة في الآية 57 من سورة الأعراف : ( هُوَ الَّذِي يُرْسِلُ الرِّيَاحَ بُشْرَاً بَيْنَ يَدَي رَحْمِتِه حَتَّى إذَا أقَلَّتْ سَحَاباً ثِقَالا سُقْنَاه لِبَلَد مَيِّت فأنْزَلْنَا بِهِ المَاءَ فأخْرَجْنَا بِهِ مِنْ كُلّ الثَمَرَاتِ كَذلك نُخْرِجُ المَوتَى لَعَلَّكُم تَذَكّرُونَ ).

تصوير البحث
  جاءتنا الآية بخطابين مصيريين ، هما صدر الآية الذي تضمّن التوحيد ومعرفة الخالق وببرهان مقنع على المبدأ ، وذيل الآية الذي تضمّن مثلا جميلا أشار به إلى عالم الآخرة والمعاد.

أهمية المبدأ والمعاد
  إن المبدأ والمعاد من المسائل المهمة جداً والتي طرحت في القرآن بشكل واسع بحيث اختص ما يقرب الالفين من الآيات ( أي ثلثا القرآن ) بالمعاد ، كما أن ثلث الآيات اختصت بموضوع المبدأ.
  وهذا الأمر يكشف عن أهمية المبدأ والمعاد.
  إنّ القضايا التي تناولتها الآيات هي من قبيل العدل الإلهي والجنة والنار ، ودفتر الاعمال وتجسّم الأعمال والمعاد الجسماني وثمار الجنة وغير ذلك.
  وسر الاهتمام البالغ بالمعاد واضح ، من حيث أنَّ الإنسان لا يمكنه أن يقع في طريق السعادة ولا يمكنه أن يخطو في هذا الطريق إلاَّ أنْ

أمثال القرآن _ 156 _
  يكون معتقداً بالأصلين المهمين ، الأول : هو المبدأ أو التوحيد والثاني : هو المعاد أو رجوع الإنسان إلى الله.
  إنّ الإعتقاد بالله يعلِّم الإنسان أنَّ الله يراقبه في كل زمان ومكان ( وَهُوَ مَعَكُمْ أيْنَمَا كُنْتُمْ ) (1).
  والإعتقاد بالمعاد يعلِّم الإنسان أنَّ الله لا يخفى عليه شيء وهو عالم بأعمال الإنسان جميعاً ( عَلِيْمٌ بِذَاتِ الصُّدُورِ ) ، (2) ( يَعْلَمُ خَائِنَةَ الأعْيُنِ وَمَا تُخْفِي الصُّدُورَ ) (3).
  وحسب ما جاء في الآيات ، يُدرس سجل الإنسان يوم القيامة في محكمة العدل الإلهي ، وهي محكمة لا يمكن إغواء القاضي فيها كما لا يمكن انكار شهودها ، فقد جاء في الآية الشريفة : ( فَمَنْ يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّة خَيْراً يَرَه وَمَنْ يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرّة شَرَّاً يَرَه ) ، (4) كما جاء في الآية الشريفة التالية : ( لاَ يُغَادِرُ صَغِيرَةً وَلاَ كَبِيرةً إلاّ أحصَيها ) (5) فالإنسان مسؤول على جميع أعماله ولو كانت صغيرة جداً.
  إنّ الإلتفات إلى الاصلين يجعلان من الإنسان أن يعتبر الله ناظراً على أعماله ، الأمر الذي يحول دون ارتكابه المعصية.
  كما أنّ الغفلة عن ذلك يترك للشيطان فجوة ينفذ من خلالها ، كما قالت ذلك الآية الكريمة : ( وَمَنْ يَعْشُ عَنْ ذِكْرِ الرّحْمَنِ نُقَيِّضْ لَهُ شَيْطَانَاً فَهُوَ لَهُ قَرِيْنٌ ) (6).

المعاد الجسماني والمعاد الروحاني
  المعاد من وجهة نظر القرآن جسماني وروحاني ، أي أنَّ جسم الإنسان يحشر يوم القيامة كما تحشر روحه.
  وبعبارة أُخرى : أنَّ روح الإنسان تكون مشمولة لنعم الله ونقمه ، كما هو الحال بالنسبة إلى جسمه ، وذلك هو مقتضى العدل الالهي ، فكما أنَّ الإنسان بجسمه وروحه عمل

--------------------
(1) سورة الحديد الآية 4 ، وقد تناولت الآية 7 من سورة المجادلة نفس المضمون.
(2) لقد جاءت هذه العبارة في آيات كثيرة من القرآن منها الآية 119 من سورة آل عمران.
(3) غافر الآية 19.
(4) الزلزلة الآية 7 و 8 .
(5) الكهف الآية 49.
(6) الزخرف الآية 36.

أمثال القرآن _ 157 _
  خيراً أو شراً ، ففي القيامة ينبغي أن ينال كلٌّ من الروح والجسم نصيبه وجزاءه من العمل الدنيوي من ثواب أو عقاب.
  إنَّ ما أثار دهشة وإعجاب منكري المعاد في صدر الإسلام هو القول بالمعاد الجسماني لا الروحاني ، وذلك لأنَّ عقل أكثر الناس في عيونهم فيصدقون ما يرون ويكذبون ما لم يروا.
  من هنا كان يسأل منكرو المعاد : كيف يمكن أن يحيى الإنسان بعد ما تبدل إلى تراب بعد الموت بحيث يتعذّب يوم القيامة ؟ فأجابهم الله على شبهتهم هذه في الآيتين 7 و 8 من سورة سبأ حيث قال : ( قَالَ الَّذينَ كَفَرُوا هَلْ نُدُلُّكُمْ عَلَى رَجُل يُنَبِّئُكُمْ إذَا مُزِّقْتُمْ كُلَّ مُمَزَّق إنَّكُمْ لَفِي خَلْق جَدِيد افْتَرَى عَلَى اللهِ كَذِباً أمْ بِهِ جنّةٌ بَلِ الَّذينَ لاَ يُؤمِنُونَ بالآخِرةِ فِي العَذَابِ والضَّلالِ البَعِيْدِ ) (1).
  لقد تمسك القرآن المجيد بالمثل لاثبات المعاد الجسماني والروحاني ، كما هي سيرته في تفهيم المطالب لمخاطبيه.
  وقد أفاد هنا من ثلاثة أمثال :
  1 ـ التمثيل بالنباتات وتشبيه الحياة بعد الموت بإحياء النباتات بعد موتها.
  2 ـ التمثيل بالمراحل الجنينية لخلق الإنسان حيث تبدأ حياته بنطفة صغيرة تنمو كل يوم ، ويُعدُّ كل يوم من هذه المراحل حياة جديدة لهذا الجنين.
  3 ـ التمثيل بنوم أصحاب الكهف ، فإنَّ نومهم كان بمثابة الموت ، ويقظتهم كانت بمثابة الحياة الجديدة بعد سنوات عديدة.
 كيف يمكن لشخص أن يستيقظ من النوم سالماً بعد أكثر من ثلاثمأة سنة دون أن يأكل أو يشرب خلال هذه الفترة ؟
  حسب ما أقرته الآية ، انَّ أصحاب الكهف ناموا مدّة مليون يوماً ، وخلال هذه الفترة لم يتناولوا شيئاً من الطعام أو الماء رغم هذا استيقظوا سالمين ، مع أنَّ الإنسان العادي لا يستطيع العيش لأكثر من يومين أو ثلاثة دون أكل وشرب.
  من عجائب خلق الإنسان هو قلبه ، فان ضرباته تصل إلى مأة الف ضربة في اليوم. وإذا

--------------------
(1) لمعرفة المزيد في مجال المعاد الجسماني راجع نفحات القرآن 5 : 272 فما بعدها.

أمثال القرآن _ 158 _
  اعتبرنا عمر الإنسان العادي سبعين عاماً ، فإنَّ عدد ضربات قلبه ستصل إلى 250 مليون ضربة ( عَجَباً لِحِكْمَةِ اللهِ ) !
  إنَّ قلب الإنسان كاف لأجل معرفة الله ولأن يقرّ الإنسان بعظمة الخالق ويخضع له ... وعليه ، فاذا كانت أجسام أصحاب الكهف تعيش بالأغذية التي تناولتها قبل النوم ولمدة مليون يوماً ، فإنَّ على قلوبهم أن لا تدق في اليوم الواحد أكثر من مرّة واحدة.
  وعلى هذا ، فإنَّ أصحاب الكهف كانوا أشبه ما يكونون بالموتى ، أحياهم الله بعد أكثر من ثلاث مأة عام.
  واذا كان الله قادراً على أن يوقظ أناساً بعد مليون يوم من النوم ، فكيف لا يمكنه أن يُحيي الموتى !
  لهذا يصرّح الله في ذيل آية أصحاب الكهف بالحديث التالي : ( وَلِيَعْلَمُوا أنَّ وَعْدَ اللهِ حَقٌّ ).

الشرح والتفسير
  إنّ الآية إحدى الآيات الثلاث التي شبهت المعاد بإحياء النباتات ( هُوَ الَّذِي يُرْسِلُ الرِّيَاحَ... ) أي أنَّ الله يُرْسِله كبشرى لنزول الغيث ، وذلك لأن السماء تتهيّأ للمطر بواسطة الرياح.
  ( حتَّى إذَا أقَلّتْ سَحَاباً ثِقَالا ... ) أي تستمر الرياح حتى تجتمع الغيوم ويتراكم فيها الماء (1).
  إنّ الله يُرسل الرياح ليجمع بها الغيوم الممطرة في المدن والبلاد الميتة فيحييها ويحيي أراضيها.
  ( فَأَخْرَجْنَا بِهِ مِنْ كُلِّ الثَّمَرَاتِ ... ) فإنَّ المَطر هو الذي يثمر الاشجار ويمنحها القدرة على انتاج الفواكه.
  ( كَذَلك نُخْرِجُ المَوْتَى لَعلَّكُم تَذكَّرُون ) أي أنَّ الله يحيي الموتى يوم القيامة مثلما يحيي الأشجار والاراضي الميتة.
  وفي نهاية الآية يعتبر الله التذكّر وتوعية الناس هو فلسفة المثل.

--------------------
(1) لقد كشف القرآن المجيد قبل 1400 عن هذا السر العلمي ، وبيّن أنّ الغيوم على قسمين : ممطرة وغير ممطرة ، والممطرة أثقل من غير الممطرة.

أمثال القرآن _ 159 _
فواكه مختلفة من ماء وهواء وتراب واحد
  كما قلنا سابقاً : إنَّ التعود من حجب المعرفة الإنسانية ، فالإنسان عندما يتعوّد على شيء سوف لا يفكر في ماهيته وسبر غوره ، وهذا حجاب عظيم.
  ومن هنا كان إنبات النباتات المتنوعة وإثمار الاشجار المتنوّعة من عجائب الطبيعة.
  فإنَّ هذا من مظاهر قدرة الله تعالى حيث تنبت من تراب وماء وهواء واحد ثمار وزهور متنوّعة بألوان مختلفة وطعم متفاوت.
  وهذا يدعو الإنسان أن لا يتعجّب من إحياء الإنسان يوم القيامة.
  لقد خلق من هذه الارض الواحدة أصناف عديدة من البشر منهم الصالحون والأنبياء والائمّة والشهداء ، ومنهم الفجرة والوضيعون مثل الفراعنة والنماردة ومعاوية وصدام و ... فكل هؤلاء مبعوثون من هذه الأرض الواحدة.
  إنَّ الإنسان من خلال مشاهدته لهذه الظواهر يرى لقطات من المعاد وتتكرّر عنده هذه اللقطات كل يوم إلى حين الممات.
  والعجيب أنَّ السماء تمطر في يوم البعث ، وذلك المطر يحيي من في القبور جميعاً (1).
  القانون الكلي الذي يستفاد من الآية الشريفة هو أنَّ مبادىء الموت والحياة واحدة في جميع المخلوقات الحية ، فكما أنَّ هناك حياة بعد ممات في النباتات كذلك بالنسبة إلى الإنسان.
  سؤال : في عالم النبات نتمكن من إعادة حياة نبات ما من خلال زرع بذوره ، اما في عالم الإنسان فالأمر يختلف من حيث انه إذا مات يتبدل إلى تراب ، فكيف يمكن إعادته من تراب ؟
  الجواب : إنّ الحياة الثانية للنبات ليست من خلال البذور دائماً ، بل قد تكون حياة وموت النبات شبيهة بحياة الإنسان وموته ، فقد تصفرّ أوراق الاشجار في الخريف وتسقط ، وبعد مدة تصبح تراباً تمتصها جذور الشجرة لترجع ورقة من جديد وهذا ما يحصل في الربيع ، وبهذا تحيى الورقة الميتة مرة أخرى رغم أنّها ماتت بالكامل وتبدلت إلى تراب ، فالانسان كذلك يموت بالكامل ويُبعث مرة أُخرى.
  وعلى هذا ، فالإنسان يرى ـ كل عام ـ المعاد بعينه ، لكنه يغفل عن أنَّ الله القادر على إحياء النبات بعد موته قادر على إحياء الإنسان الميت.

--------------------
(1) بحار الانوار 6 : 329 ، الحديث 13 وكذا 7 : 39.

أمثال القرآن _ 160 _
آثار المعاد
  إنّ الاعتقاد بالمعاد يعلّم الإنسان الخضوع والتسليم إلى الحق ، وأنْ لا يظلم ولا يخون ، وهذا ما نراه منعكساً في كلام جميل لمولى المتقين الإمام علي ( عليه السلام ) في الخطبة 224 من نهج البلاغة يخاطب به أخاه عقيل : ( والله لأنْ أبيت على حسك السّعدان (1) مسهداً ، أو أجرَّ في الأغلال مصفّداً ، أحب إلىَّ من أن ألقى الله ورسوله يوم القيامة ظالماً لبعض العباد ).
  أي أنَّ المبيت على أشواك نبات السعدان أو الجرّ بالأغلال والسلاسل في النهار أحبُّ لعلي من أن يلاقي الله ورسوله يوم القيامة وهو ظالم لبعض عباد الله.
  هل من المحتمل صدور ظلم من هكذا زعيم عارف بالمبدأ والمعاد ومتيقن بهما ؟!
  هل يحتمل صدور تمييز من حاكم كهذا ؟ هل يقبل أو يتحمّل هكذا رئيس أقل خطأ من حواشيه ؟ !
  قطعاً جواب هذه الأسئلة هو النفي ، فإنَّ إنساناً كهذا يعتقد بيوم القيامة والمعاد يعظّم الذنب ولو كان صغيراً ، فلا يرتكبه .
  وينقل من خلال الخطبة ذاتها قصتين ذات عبرة عن أخيه عقيل و المنافق الأشعث بن قيس ، وفي القصتين آثار الاعتقاد بالمعاد واضحة وجلية (2).

--------------------
(1) أشواك السعدان عجيبة جداً من حيث انها تشبه الخنجر في استحكامها وحدتها ، وهي تجرح البدن أينما اصابته.
(2) أشرنا إلى القصتين في المباحث الماضية.

أمثال القرآن _ 161 _
المثل الخامس عشر : البلد الطيّب
  يقول الله في مثله الخامس العشر ، في الآية 58 من سورة الاعراف : ( وَالبَلَدُ الطَّيِّبُ يَخْرُجُ نَبَاتُهُ بإذْنِ رَبِّهِ وَالّذِي خَبُثَ لاَ يَخْرُجُ إلاَّ نَكِداً كَذَلك نُصَرِّفُ الآياتِ لِقَوْم يَشْكُرُونَ ).

تصوير البحث
  إنَّ هَذه الآية الشريفة التي جاءت مباشرة بعد المثل الرابع عشر هي في الواقع استمرار لبحث المعاد وجواب عن سؤال مقدّر قد تتداعى معانيه في أذهان البعض ، وسنأتي به في الصفحات المقبلة.
  إشارة للمثل السابق
  في المثل الرابع عشر ( الآية 57 من سورة الاعراف ) جاء القرآن في بيان جميل ببرهان على المبدأ وأصل التوحيد ، كما استدل على المعاد وعالم الاخرة.
  إنّ حركة الرياح واجتماع الغيوم الثقيلة ونزول المطر وإحياء الأرض بعد مماتها ، وتوفّر الثمار المتنوّعة والأزهار والنباتات والاشجار المختلفة كلها أدلة قاطعة على التوحيد ، وهي أدلة لو لم يكن غيرها لكانت كافية في إثبات المراد.
  مِمَّا لا شك فيه أنَّ آثار موت تبدو على البستان كله بحلول فصل الشتاء بحيث تصبح

أمثال القرآن _ 162 _
  الاشجار وكأنها مهمومة وجرداء من الروح ، لكن بعد فترة من الزمن أي بعد حلول فصل الربيع تبدأ الحياة الجديدة تنبض في البستان ، فتخضرّ الاشجار و تتفتح الزهور وتنمو النباتات المختلفة وتثمر الاشجار فواكه حامضة وحلوة بألوان متنوّعة بحيث تضفي طراوة على روح الإنسان.
  هذه الطبيعة المدهشة دليل قاطع على وجود الله القادر المطلق ، واذا ما فكّر الإنسان بورقة خضراء فقط لكان ذلك كافياً لمعرفة الحق.
  إنَّ هذه الورقة ـ كما يقول العلماء ـ إذا قصت من العرض فيبدو فيها سبع طبقات ، كل طبقة منها تحضى ببناء خاص ومهام خاصة ، إذا دققنا قليلا نجد خطوطاً رَفِيعة على هذه الورقة الظريفة وكأنها تشبه تأسيسات الماء في مدينة ، وهي تتكفل بايصال الأغذية والماء إلى الاقسام المختلفة من الورقة ، مَن الذي خلق هذه الطبقات الظريفة والجميلة ؟! يا له من خالق حكيم صمَّم هذه الشبكة العظيمة والدقيقة.
  إنَّ الورقة وما فيها يُعدُّ كتاباً لمعرفة الخالق لمن كان أهلا للعلم المعرفة.
  إذن ، صدر الآية يدل على التوحيد ، أما ذيلها ( كَذِلك نُخْرِجُ المَوْتَى ) فيدل على مسألة المعاد ويرشدنا إليها.

الشرح والتفسير
  كما قلنا سابقاً : إنّ الآية الشريفة جواب لسؤال مقدّر يمكن أن يتداعى في ذهن الذي يلتفت إلى الآية السابقة ، وهو : إذا كان الماء واحداً والهواء واحداً والتراب واحداً فلماذا تنبت الزهور والنباتات في بعض البقاع ، وتنبت الأدغال والأشواك في البعض الآخر ؟ وإذا كان وابل الرحمة الإلهية يصبُّ على القلوب جميعاً بشكل متساو ، فكيف أنَّ بعض القلوب تهتدي وتكون مصداقاً للبلد الطيّب وبعضها الآخر يكون مصداقاً للبلد الخبيث ، لأنها ظلّت ولم تهتدِ ؟
  إنّ الآية في صدد الأجابة على هذا السؤال ، حيث تقول : ( وَالبَلَدُ الطَّيِّبَ يَخرُجُ نَبَاتُهُ بإذنِ رَبِّهِ ) فإنَّ التربة الطاهرة وغير المالحة تكون مناسبة ولائقة وتُخرج باذن الله نباتات مناسبة وجيّدة ، كذلك القلوب المستعدة والطاهرة ينمو فيها الثمار الحلو من الاخلاص والصفاء ، ذلك كله بوحي من الله.

أمثال القرآن _ 163 _
  ( والَّذي خَبُثَ لا يَخْرِجُ إلاَّ نَكِداً ) فإنَّ الأرض غير المناسبة لا تنبت إلاّ النكد ، والنكد يعني الإنسان البخيل ، ويُطلق على النباتات غير المفيدة التي تنمو في الأراضي المالحة.
  فكما أنَّ البخيل لا يصل نفعه إلى غيره ، كذلك الأراضي المالحة لا يخرج منها الشيء المفيد ولا ينتفع بها أحد.
  ( كَذَلك نُصَرِّفُ الآياتِ لِقَوْم يَشْكُرُونَ ) أي أنا نبيّن آيات الله للناس بعبارات وأمثله بسيطة ليستفيدوا منها ويشكروا ربّهم عليها.
  وعلى هذا ، فلا اشكال على وابل الرحمة الإلهيّة ولا على الوحي السماوي ، وذلك لأنَّ هذين الرحمتين تنزلان على القلوب كلها بشكل متساو ، واذا كان هناك قصور أو تقصير فمن نفس القلوب والأراضي ذاتها ، فإنَّ بعض الأراضي غير مستعدة وغير مؤهّلة لنمّو النباتات فتنمو فيها الأشواك والأدغال فحسب ، كذلك بعض القلوب فإنَّها غير مؤهلة للهداية وترى نفسها في غنى عن الوحي الإلهي.
  لِمَن هذا المثل ؟
  هناك بحث في هذا المجال بين المفسرين ، فالكثير منهم يعتقد أنَّ الآية جاءت في الكفار والمؤمنين ، أي شُبِّه الوحي الإلهي هنا بالغيث ، باعتباره ينزل على جميع القلوب ، لكن لا يفيد منه إلاّ ذلك البعض الذي يكون مصداقاً للبلد الطيّب ، أي يحضى بقلب طاهر ، وتكون ثمار هذه الاراضي الطاهرة هي الاخلاق الحسنة والايمان القوي والشوق إلى أولياء الله ، والاخلاص في العمل ، والعمل بما تستدعيه الوظيفة و ... وفي مقابل هؤلاء هم الكفّار الذين قلوبهم تشبه الأراضي الملوّثة التي لا تستفيد من المطر شيئاً.

خطابات الآية
  1 ـ فاعلية الفاعل وقابلية القابل كلاهما ضروريان
  إنَّ الآية الشريفة وكذا آيات أخرى تشير إلى مطلب مهم ، وهو : ضرورة توافر شيئين لبلوغ الكمال :
  الف ـ فاعلية الفاعل.
  باء ـ قابلية القابل.

أمثال القرآن _ 164 _
  لأجل بلوغ الكمال والرقي ينبغي توافر العوامل كما ينبغي توفير الأرضية.
  وعلى هذا ، ففاعلية الفاعل ( الغيث ) ليس كافياً ، بل ينبغي أنْ يَكُون القابل قابلا ( استعداد الأرض وشأنها ) فإنَّ المطر لو هطل مدة مأة عام على الأرض المالحة لما أنبتت هذه الأرض ولا زهرة واحدة.
  إنَّ الرسول ( صلى الله عليه وآله ) كما دعى سلمان وأبا ذر والمسلمين الآخرين للإسلام كذلك دعى أبا جهل وأبا لهب وباقي الكفار ، فالقلب الطاهر لسلمان أنبت الإيمان ، لكنّ الدعوة لم تنبت في قلوب أبي جهل وأبي لهب إلاَّ البخل والبغض.
  2 ـ مردودات القرآن والوحي على الكافر عكسية
  آيات القرآن في بعض الأحيان لا أنها لا تكون هادية فحسب ، بل قد تكون ضالة لأولئك الذين ساءت طينتهم من الكفار ، فإنّهم بسماعهم للآيات يزدادون ضلالة.
  إنّ هذا الأمر بيّنته آيات من القرآن ، منها الآية 124 و 125 من سورة التوبة : ( وإذَا مَا أُنْزِلَتْ سُورَةٌ فَمِنْهُم مَنْ يَقُولُ أيُّكُم زَادَتْهُ هذِهِ إيمَاناً فأمَّا الَّذِينَ آمَنُوا فزَادَتْهُم إيْمَاناً وَهُم يَسْتَبْشِرُونَ وأمَّا الّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ فَزَادَتْهُم رِجْسًاً إلى رِجْسِهِم وَمَاتُوا وَهُم كَافِرُونَ ).
  سؤال : كيف يمكن للآيات القرآنية المنيرة أن تكون سبباً لضلال البعض ؟
  الجواب : أنّ القرآن المجيد بمثابة المصباح الذي اذا وقع بيد أحد العلماء أفاد منه لأجل العلم والاكتشاف والاختراع والتقدّم ، وهو بذاته اذا وقع بيد لصّ أفاد منه لأجل سرقة أشياء ثمينة ، وبذلك تزداد ذنوبه وآثامه.
  الإشكال هنا ليس من المصباح ذاته ، بل من قابلية القابل ، كذا الحال بالنسبة للغيث حيث إنتاجه يتوقف على نوعية الأرض ، فاذا كانت جيدة نبتت فيها الزهور والنباتات الصالحة واذا كانت مالحة وغير مؤهلة نبت فيها الأدغال والأشواك.
  ( فَزَادَتْهُم رِجْساً إلى رِجْسِهِمْ ) فإنَّ الآية اذا نزلت فزعوا للمخالفة والعناد والعداوة ، لذلك لا عجب إذا قلنا : إنَّ آيات القرآن قد تسبب للضالين ضلالة أكثر.

أمثال القرآن _ 165 _
الناس ثلاثة أصناف
  لإِيضاح هذا المطلب ( الذي يتناول قابليات الناس المختلفة ) نأتي بكلام لأمير المؤمنين ( عليه السلام ) مخاطباً فيه كميل بن زياد بعد ما دعاه إلى المقبرة ، وعند بلوغهما الصحراء قال الإمام له بعد أن تأوّه : ( يا كميل بن زياد إنّ هذه القلوب أوعية فخيرها أوعاها ).
  وكمثال نقول : إنَّ الناس يختلفون في إفادتهم من المطر ، واحد منهم يفيد من المطر بمقدار بحيرة ماء ، وذلك لسعة ظرفيته والآخر يفيد منه بمقدار كأس صغير ، وذلك لأنه لا يستوعب أكثر من ذلك.
  قد يكون هناك شخص لا يفيد من المطر أبداً ، لأنه قد قلب إناءه على ظهره.
  والمثال يوضح أنَّ الإشكال ليس من جانب الله بل من جانب الأوعية التي تُهيّئ للافادة من ماء المطر ... ثمّ يخاطب الإمام أمير المؤمنين ( عليه السلام ) كميل قائلا : ( فاحفظ عنّي ما أقول لك النّاس ثلاثة : فعالم ربّاني ومتعلم على سبيل نجاة وهمجٌ رُعاعٌ ) أي أنَّ الناس ثلاثة أصناف :
  1 ـ الصنف الأول هو صنف العلماء الذين طووا طريق الحق والحقيقة ويسعون لارشاد الناس وتربيتهم.
  2 ـ والثاني هم الذين يفقدون العلم لكنهم يسعون في سبيل تحصيله العلم وكسب المعرفة.
  3 ـ والثالث هم الحمقى من الناس الذين لا يعلمون ولا يسعون لأن يعلموا ولا يسألون أهل الطريق لإرشادهم إليه.
  يوضح الإمام خصال الصنف الثالث في أربع :
  الف ـ أتباع كلّ ناعق ، أي يتّبعون أصحاب الرايات المختلفة دون علم وبصيرة.
  باء ـ يميلون مع كلّ ريح ، فهم كالريح تهزّهم الدعوات المختلفة وتميلهم إلى جنبها ، ومثلهم كمثل الذين قاتلوا تحت راية الرسول في عصره ، وقاتلوا تحت راية معاوية بعد وفاته ، ولو كان الأجل يسمح لهم لقاتلوا تحت راية يزيد كذلك ، وذلك كله لأجل أن الريح آنذاك كان بهذا الاتجاه.
  جيم ـ لم يستضيئوا بنور العلم ، فهم المستضعفون المحرومون من العلم.
  دال ـ لم يلجؤوا إلى رُكن وثيق ، أي لا أنهم يفقدون العلم فحسب ، بل لا يعتمدون على أعمدته المحكمة (1).

--------------------
(1) نهج البلاغة ، الكلمات القصار ، الكلمة 147.

أمثال القرآن _ 166 _
  إنَّ الصنف الثالث وهم ذووا الأوعية الصغيرة أشخاص خطرون ، كما أنَّهم مصداق للآية الشريفة ( والَّذي خَبُثَ ) ، إلاّ أنَّ الصنف الأوّل والثاني مصاديق للآية الشريفة : ( البَلَدُ الطيَّبُ ).

الفاعلية اكتسابية أم جبرية ؟
  قابلية القابل ـ التي هي شرط الكمال ـ اكتسابيه أم جبرية ؟ وبعبارة أخرى : هل أنّ الله خلق بعضاً بقابلية ضخمة وخلق آخرين مع قابلية ضعيفة ؟ إنّ قابلية القابل اكتسابية لا جبريّة ، وذلك لأنّ القول بجبريتها يعني عدم ترتب الذنب على الشخص الذي ينبت قلبه الرياء بدل الاخلاص ، وما عليه من عقاب ، كما أنّه لا فائدة في بعثة الأنبياء.
  من هنا نقول : إن الإنسان كلّما سعى لكسب التقوى والمعرفة الإلهية أكثر ، كلّما استعدّ قلبه أكثر لقبول الوحي الإلهي والآيات القرآنية.
  إنّ القرآن يُوكّد على كون الإنسان مخلوقاً بأفضل شكل وصورة ( وَلَقَدْ خَلَقْنَا الإنْسَانَ فِي أحْسَن تَقْوِيم ) ، (1) ووفقاً لهذه الآية فانه لا فرق في خلق الناس ، والهداية والضلالة يتوقفان على الإنسان ذاته.
  حتى الشيطان لم يُخلق خبيثاً ، ولذلك كان في صفوف الملائكة وعبد الله ستة آلاف عاماً (2).
  نعم ، انَّ الناس يختلفون عن بعضهم البعض ، ليس بمعنى أنَّ بعضهم خلق حسناً وبعضهم الآخر خلق سيئاً ، بل في أن بعضهم خلق حسناً وبعضهم الآخر أحسن ، لذلك قال رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) : ( الناس معادن كمعان الذهب والفضة ) (3).
  في النتيجة لم يخلق إنسان شقياً أو خبيثاً ، وقابلية القابل اكتسابية لا جبرية.
  إنَّ المطر يهطل شفافاً وزلالا لكنّه يتسخ عندما يلتقي بالأرض الوسخة ، لكنه يبقى نظيفاً عندما يقع على الأرضي النظيفة ، فيبقى على فطرته وطهارته.

--------------------
(1) سورة التين الآية 4.
(2) ميزان الحكمة ، الباب 2005 ، الحديث 9365.
(3) بحار الأنوار 58 : 65.

أمثال القرآن _ 167 _
  إنّ البيئة الموبوئة والكتب المنحرفة والمفاهيم الفاسدة والأصدقاء السيئين والعائلة غير السليمة هذه كلها بمثابة الأرض الملوّثة ، تلوّث قلب الإنسان الطاهر وفطرته النقية.
  أيُّها الشباب الاعزة ! يا أمل الإسلام والثورة والوطن !
  إن الله خلقكم كقطرة المطر الشفافة الطاهرة ، إسعوا للحفاظ على هذه الطهارة ، واحذروا معاشرة صديق السوء ، لأن هذا الصديق قد يغيّر مستقبل الإنسان بالكامل.
  من وجهة نظر الإسلام ، ليس أداء الذنب لوحده معصية ، بل الحضور في مجلس يرتكب فيه الذنب يُعدُّ محرماً ومعصية.
  أي إذا حضر الإنسان في مجلس يُعصى فيه الله فإنَّ حضوره في هذا المجلس يُعدُّ معصية كذلك ، رغم أنّه لم يفعل الذنب الذي اقترف في المجلس ، وذلك لأنَّ المحيط الملوّث يؤدي إلى التلوث تدريجياً ، ويفقد الذنب آنذاك قبحه تدريجياً الأمر الذي قد يؤدي إلى اقتراف الذنب في المستقبل.
  إنَّ المتعاطين للمخدرات تعاطوها بهذا الشكل وبهذا الاسلوب.
  وعلى هذا ، ينبغي السعي لأجل الحفاظ على نقاء الباطن ، وتهيئة أرض القلب وإعدادها للافادة من وابل الرحمة اقصى إفادة.