باء ـ إنَّ الاعصار قد يتلاقى مع نار مستعرة فياخذ منها ويلقيه على البستان فيحترق البستان ويتبدل رماداً.
جيم ـ هذه الأعصار ليست اعصاراً متعارفة ، بل هي اعصار يطلق عليها ( سموم ) تهب غالباً في السعودية والذين يقعون في طريقها يتقنعون وينبطحون إلى أنْ تَتجاوزهم ، وهذه الأعصار عندما تلاقي البستان تحرقه وتدمره.
( كَذَلك يُبَيِّن اللهُ لَكُمُ الآياتِ لَعَلَّكُم تَتَفَكَّرُونَ ) يعتبر الله الهدف من هذا المثل هو التفكّر والتعقل.
ووفقاً لهذه الآية الشريفة ، فإنَّ على الإنسان أن يودع نفسه بيد الله ويعتقد أنَّ كل ما يقوم به من أعمال وطاعات وعبادات هي قليلة في حق الله وأنَّ ما يصله من الله تعالى من نعيم هو بلطفه وإحسانه لا لعمل وعبادة استحق بهما الإنسان تلك النعم.
من المؤسف أنَّ هذا الإنسان الضعيف قد لا يفكر جيداً ويغتر بما جاء به من ركعات صلاة وأيام من الصوم فيعد نفسه ـ لأجل ذلك ـ من أصحاب الجنة.
بل يعد الجنة ، واجبة له ، ونفس هذا الإنسان قد يرى نفسه ميتاً خلو الإيمان.
اللهم اجعلنا من المرحومين ولا تجعلنا من المحرومين.
إنّ السوء كان عاقبة هذا الشخص
في زمن الطاغوت البهلوي كان طالب حوزة متدينٌ جداً ومتق ، وكان يواضب على اعماله كثيراً ، وقد كان متذمراً من اخيه ولا يعاشره لاجل انه كان لا يدفع الخمس والزكاة.
في يوم من الأيام مرض هذا الطالب مرضاً شديداً فاخذه اخوه إلى بيته ليعتني به وأثناء تواجده عند أخيه ذهب احد الاساتذة لعيادته وعند الدخول قال للاستاذ : لا تجلس على السجادة لانها مغصوبة ... لكن الزمان غيّر هذا الطالب ولم يبقه على ما كان ، بل حوّله إلى درجة أنّه ما كان يجلس على مأدبة طعام خالية من المسكر.
يقول الإمام علي ( عليه السلام ) في الخطبة القاصعة
(1) التي تعرض في جزء منها إلى آثار التكبر
--------------------
(1) نهج البلاغة ، الخطبة 192.
أمثال القرآن
_ 111 _
والعجب : ( فاعتبروا بما كان من فعل الله بابليس إذ احبط عمله الطويل وجهده الجهيد وكان قد عبد الله ستة الاف سنة ، لا يدري أمن سني الدنيا ام من سني الاخرة عن كبر ساعة واحدة ) ، فإنَّ ساعة من العناد والتكبر احبطت اعماله وورطته بمصير لا يحمد.
وعلى هذا ، فلا ينبغي ان يغتر الإنسان ابداً بطاعاته واعماله ، بل عليه ان يتطلع دائماً إلى عفو الله ورحمته.
اللهم اجعل عاقبة أمرنا خيراً.
خطابات آية المثل هي الاحباط والتكفير
من البحوث المطروحة في علم الكلام هي مسألة الاحباط والتكفير وقد أشارت اليهما الآية.
إنَّ الاحباط عبارة عن أعمال وذنوب ، الاتيان بها يؤدي إلى ذهاب حسنات الإنسان وعباداته.
أمّا التكفير فهو عبارة عن اعمال ، اداؤها يؤول إلى ذهاب الذنوب ومحوها.
وعلى سبيل المثال ، فإنَّ تكبر الشيطان وحسده ولجه سبب في احباط اعماله التي أدَّاها خلال ست الاف سنة ، أمّا توبة الحر بن يزيد الرياحي عند الامام الحسين ( عليه السلام ) فقد كانت تكفيراً لذنوبه التي ارتكبها.
ان التوبة تطفي نار الذنوب ، وعلى المسلمين ان يتوبوا وينيبوا إلى الله دائماً بالدعاء والمناجاة والتوسل بالأئمة المعصومين ( عليهم السلام ).
اضافة إلى الايات ، فإن ادعية العشرة الثالثة من شهر رمضان أشارت إلى مسألة الاحباط والتكفير ، فنقرأ في دعاء ليلة القدر مثلا : ( وان كنت من الاشقياء فامحني من الاشقياء واكتبني من السعداء ) (1) فان القسم الاول من الدعاء يشير إلى مسألة الاحباط والقسم الثاني إلى مسألة التكفير.
--------------------
(1) مصباح الكفعمي ، أعمال ليلة الثالث والعشرين من شهر رمضان المبارك اضافة الى هذا فان جملة ( ان تجعل اسمي في هذه الليلة في السعداء ) نجدها في جميع ادعية الليالي العشر الاخيرة من شهر رمضان.
أمثال القرآن
_ 112 _
الاستدلال على وجود الاحباط والتكفير
رغم أنَّ بعض العلماء المسلمين لا يعتقد بالاحباط والتكفير ولا يرى تأثيراً لاحدهما على الاخر أي أنَّ الأعمال الحسنة لا تؤثر على السيئة والسيئة لا تؤثر على الحسنة ، لكن القرآن يصرح في بعض الآيات بالاحباط والتكفير.
ونختار من ذلك بعض النماذج :
الف ـ يقول الله في الآية 114 من سورة هود : ( وَأَقِمِ الصَّلوةَ طَرَفَي النَّهَارِ وَزُلْفاً مِنَ اللَّيْلِ إنَّ الحَسَنَاتِ يُذْهِبْنَ السَّيِّئَاتِ ذَلك ذِكْرَى للذّاكِرِينَ ).
باء ـ يتحدث القرآن المجيد عن الاحباط في الآية 5 من سورة المائدة : ( وَمَن يَكْفُرْ بِالإيمَان فَقَدْ حَبِطَ عَمَلُهُ وَهُوَ فِي الآخِرَة مِنَ الْخَاسِرِينَ ) (1).
وعلى هذا ، فأصل الإحباط والتكفير قد بُيِّنَ في الآيات ، إلاّ أنها لم توضح أي نوع من الذنوب توجب الاحباط وأي نوع من الاعمال توجب التكفير ، وعلينا استفادة ذلك من الروايات.
ما ينبغي علينا إلاّ مُراقبة أعمالنا خوف أنْ يصدر منّا عمل يحبط اعمالا قيّمة كثيرة.
وإذا ما اذنبنا فعلينا طلب الاعانة من الله بالبكاء والنواح لكي يتوافر بذلك بحر من الماء يطفئ نار الذنوب.
وإذا كانت شخصية مثل الإمام علي ( ( عليه السلام ) ) يسجد ويقول خضوعاً : ( آه من قلّة الزاد وطول الطريق وبعد السفر ... ) (2) فكيف بنا نحن انا وأنت ؟!
--------------------
(1) وهناك آيات أخرى من القرآن الكريم دلت على الاحباط والتكفير ، للمزيد راجع تفسير الأمثل 2 : 67 ـ 96 ، ومحال أُخرى من الكتاب نفسه متناثرة في باقي مجلداته ، منها في سورة هود ومنها في سورة الحجرات وغيرهما من السور.
(2) نهج البلاغة ، الكلمات القصار ، الكلمة 77.
أمثال القرآن
_ 113 _
المثل التاسع : أكل الربا
يقول الله تعالى في الآية 275 من سورة البقرة : ( الّذِيْنَ يَأكُلُونَ الرِّبَا لا يَقُومُونَ إلاّ كَمَا يَقُومُ الّذِي يَتَخَبَطُهُ الشَّيْطَانُ مِنَ المَسِّ ذلك بِأنَّهُم قَالُوا إنَّمَا البَيْعُ مِثْلُ الرِّبَا وَأَحَلَّ اللهُ البَيْعَ وَحَرَّمَ الرِّبَا فَمَنْ جَاءَهُ مَوْعِظَةٌ مِنْ رَبِّهِ فانْتَهَى فَلَهُ مَا سَلَفَ وَأمْرُهُ إلى اللهِ وَمَنْ عَادَ فأُولئِكَ أصْحَابُ النِّارِ هُمْ فِيْهَا خَالِدُونَ ).
تصوير البحث
إنّ آكلي الربا على أساس هذه الآية عندما يدخلون المحشر يوم القيامة يدخلون كالسكارى أو المجانين أو المصروعين ، لا يتمالكون على انفسهم ولا يستطيعون حفظ تعادلهم فيقعون ويقومون بين الحين والاخر.
وهذا المنظر المرعب يلفت انظار اهل المحشر ويجعلهم يدركون أنَّ هؤلاء هم آكلو الربا.
علاقة الآية بما قبلها
الايات السابقة تحدثت عن الصدقة والانفاق في سبيل الله ، وهذه الآية ترتبط بشكل وآخر بالصدقة ، وذلك لأن الصدقة على قسمين :
1 ـ الصدقة دون عوض وهو الانفاق والبذل للمحتاجين.
2 ـ الصدقة مع العوض وهو الدين أو القرض الحسن.
أمثال القرآن
_ 114 _