تأليف
آية الله العظمى مكارم الشيرازي
إعداد
أبو القاسم عليان نژادي
تعريب
تحسين البدري


  مكارم شيرازى ، ناصر ، 1305 ـ امثال القرآن / تأليف مكارم الشيرازى ، اعداد ابوالقاسم عليان نژاد ، تعريب تحسين البدرى ، ـ قم : مدرسة الامام على بن ابى طالب (عليه السلام) ، 1382.
  552 ص.
  isbn 964 ـ 6632 ـ 94 ـ 7 عربى.
  فهرستنويسى بر اساس اطّلاعات فيپا.
عنوان اصلى: مثالهاى زيباى قرآن (امثال القرآن). 1. قرآن - - امثال ، الف ، عليان نژادى، ابوالقاسم، 1343، گردآورنده و مصحح ، ب ، بدرى ، تحسين ، مترجم ، ج ، عنوان .
2043 م 7 م / 4 / 84 bp 1382 كتابخانه ملى ايران 154/297 هوية الكتاب * اسم الكتاب / أمثال القرآن * المؤلف / سماحة آية الله العظمى الشيخ ناصر مكارم الشيرازي * إعداد وتدوين / ابو القاسم عليّان نژادي * نقله إلى العربية / تحسين البدري * الناشر / مدرسة الامام على ابن ابيطالب(عليه السلام) * التوزيع / نسل جوان للطباعة و النشر - قم، شارع شهداء تلفكس 7732478 * عدد النسخ / 2000 * رقم الصفحات و القطع / 552 - وزيرى * المطبع / اميرالمؤمنين(عليه السلام) - قم * الطبع / الاولى - 1424 هـ.ق شابك: 7-94-6632-964

أمثال القرآن _ 4 _

بسم اللّه الرحمن الرحيم

مقدمه
  الحمد لله رب العالمين ، والصلاة والسلام على جميع الانبياء والمرسلين ، لا سيّما أفضلهم خاتم النبيين ، وعلى آله الطاهرين المعصومين المنتجبين. لقد عدّ الرسول( صلى الله عليه وآله( ( في الخطبة الشعبانية المعروفة( شهر رمضان شهر المغفرة والبركة (1).
  انه شهر الرحمة ، لان أعمال الانسان الروتينية مثل النوم والتنفس في هذا الشهر لها ثواب العبادة فضلا عن العبادة نفسها.
إنّه شهر المغفرة والعفو ، لأن بحر لطف الله وعفوه موّاج في هذا الشهر. أبواب الجنة فيه مفتوحة وأبواب جهنم مغلقة ، والشياطين في غلّ وسلاسل. يغفر في كل ليلة منه ـ حسب ما في رواية ـ لسبعين الف وفي ليلة القدر يغفر بعدد الذين غفر لهم خلال هذا الشهر الا اولئك الذين يحملون البغض والعداوة عن اخوانهم في الدين ، ولا يغفر لهم حتى يتصالحوا (2).
انه شهر البركة ، لان فيه نزول انواع النعم والمواهب المعنوية والالهية ، انه شهر نزول وابل الرحمة على الانسانية ، واهم نعمة فيه هو نزول القرآن المجيد ( أي مائدة السماء العظمى( . هنيئاً

--------------------
(1) وسائل الشيعة ج 7 ، ابواب احكام شهر رمضان ، الباب 18 ، الرواية 20.
(2) وسائل الشيعة ج 7 ، ابواب احكام شهر رمضان ، الباب 18 ، الرواية 21 ـ

أمثال القرآن _ 5 _
إنارة
  إنّ كتاب ( امثال القرآن ) عبارة عن محاضرات القاها سماحة آية الله العظمى مكارم الشيرازي خلال شهري رمضان من عامى 1418 و 1419 و قد قام بتدوينها و اعدادها حجة الاسلام والمسلمين ابوالقاسم عليان نژادي و قام دار النشر ( نسل جوان ) بنشر نسختها الفارسية ، كما قام بنقلها إلى العربية الشيخ تحسين البدري و صُفت حروفها في المؤسسة الإسلامية للبحوث و المعلومات ( دانا فجر ) و برعاية خاصة منها.
  و الموضوع باعتباره طُرح على شكل محاضرات قد يفقد بعض الترتيبات الفنية التي يستلزمها أي كتاب ، لذا نأتي بعنوان مكتب المؤلف لتقبّل الاقتراحات و الانتقادات البناءة ، ولإتاحة الفرصة لابداء الرأي لمن أحب ذلك.
  ايران ـ قم ـ شارع الشهداء ـ مدرسة الإمام أميرالمؤمنين (عليه السلام) مركز نشر و تدوين آثار سماحة آية اللّه العظمى المكارم الشيرازي ( مدّ ظلّه ).

أمثال القرآن _ 7 _
بسم اللّه الرحمن الرحيم

مقدمة

  الحمد لله رب العالمين ، والصلاة والسلام على جميع الانبياء والمرسلين ، لا سيّما أفضلهم خاتم النبيين ، وعلى آله الطاهرين المعصومين المنتجبين.
  لقد عدّ الرسول ( صلى الله عليه وآله ) ( في الخطبة الشعبانية المعروفة ) شهر رمضان شهر المغفرة والبركة .(1)
  انه شهر الرحمة ، لان أعمال الانسان الروتينية مثل النوم والتنفس في هذا الشهر لها ثواب العبادة فضلا عن العبادة نفسها.
  إنّه شهر المغفرة والعفو ، لأن بحر لطف الله وعفوه موّاج في هذا الشهر.
  أبواب الجنة فيه مفتوحة وأبواب جهنم مغلقة ، والشياطين في غلّ وسلاسل.
  يغفر في كل ليلة منه ـ حسب ما في رواية ـ لسبعين الف وفي ليلة القدر يغفر بعدد الذين غفر لهم خلال هذا الشهر الا اولئك الذين يحملون البغض والعداوة عن اخوانهم في الدين ، ولا يغفر لهم حتى يتصالحوا . (2)
  انه شهر البركة ، لان فيه نزول انواع النعم والمواهب المعنوية والالهية ، انه شهر نزول وابل الرحمة على الانسانية ، واهم نعمة فيه هو نزول القرآن المجيد ( أي مائدة السماء العظمى ) ، هنيئاً

--------------------
(1) وسائل الشيعة ج 7 ، ابواب احكام شهر رمضان ، الباب 18 ، الرواية 20 .
(2) وسائل الشيعة ج 7 ، ابواب احكام شهر رمضان ، الباب 18 ، الرواية 21 .

أمثال القرآن _ 8 _
  لاولئك الذين ينهلون من زلال معارفه ويتأملون فيها ويتدبرون ويلتقطون من بحر تعاليمه الجواهر ومن حديقة حكمه ومواعظه الازهار.
  ان بعضاً من الدول الاسلامية وبخاصة ايران الاسلامية تعطّر نفسها في هذا الشهر بالتبليغ والاعلام للمعارف الالهية. ان الناس بدخولهم في ضيافة الله يستقبلون المبلغين وعشاق المعارف الالهية ، لذلك نرى جلسات القرآن وتلاوته وتفسيره وبيان معارفه والاحكام الدينية والتوسل بأهل البيت( عليهم السلام( في كل شارع وزقاق.
  إنّ جلسات المرجع الكبير آية الله العظمى مكارم الشيرازي ( مد ظله( من جملة تلك الجلسات حيث اختصت بتفسير القرآن ، فانه في محاضراته هذه يسقي عشاق هذا الكتاب من زلال معارف القرآن المجيد.
  ان موضوع التفسير في محاضرات آية الله مكارم الشيرازي لعامي 1418 و 1419 هـ.ق هو ( أمثال القرآن( وهو موضوع رغم بساطته يعدّ من اهم وأعقد المفاهيم القرآنية.
  مع الالتفات إلى قوة طرح الموضوع وسلاسة بيان هذا المفسر الجليل وغنى المطالب التي تضمنتها المحاضرات ، بادرت إلى جمع هذه المطالب وتدوينها وتنظيمها ونشرها بعد اخذ الرخصة من سماحته.
  وما في متناول ايدينا هنا هو عبارة عن الشكل المنظم والمرتب لمحاضراته تقدم لعشاق المعارف الالهية والقرآنية.
  وننبه هنا على النقاط التالية :
  1 ـ قد يظن بعض القراء الاعزاء انّ آيات ( أمثال القرآن ) قد فسرت بالمقدار الكافي في تفسير ( الأمثل ) ، الا ان مطالعة هذا الكتاب يكشف لنا ان الاستاذ الجليل قد توصل في هذه المحاضرات إلى حقائق جديدة وبديعة ومفيدة جداً لم يشر لها في تفسير ( الامثل ) رغم كل مزاياه وامتيازاته ، وهو لا يغنينا عن مطالعة هذا البحث.
  2 ـ ينقل الاستاذ آية الله العظمى مكارم الشيرازي ( زيد عزه ) : انّ البعض اعترض عندما بدأت بتأليف تفسير ( الامثل ) قائلا بكفاية ( مجمع البيان ) ولا ضرورة لتفسير جديد ، الا ان

أمثال القرآن _ 9 _
  مضي الزمان وتدوين تفاسير جديدة مثل ( الميزان ) و ( الامثل ) كشف عن حاجة الناس وتطلعهم للجديد مما يستشف من كتاب الوحي الالهي.
  انه كتاب مصداق للحديث الشريف للرسول ( صلى الله عليه وآله ) : ( لا تشبع منه العلماء ولا يخلق عن كثرة رد ولا تنقضي عجائبه ) . (1)
  وان المفسرين في كل عصر موظفون للنهل من مستجداته وذلك بالافادة من العلوم والإكتشافات الجديدة ، وكما قيل ( كم ترك الاول للاخر ) .
  3 ـ نقرّ بنواقص التدوين والتنظيم ، لذلك نمدّ اليكم ـ أيها القراء الإفاضل ـ يد العون لنستقبل الإقتراحات والانتقادات البناءة.
  ربنا أحينا مع القرآن وامتنا معه ، واحشرنا معه ، آمين يا رب العالمين.
  ربنا تقبل منا انك انت السميع العليم.
  الحوزة العلمية في قم
  ابو القاسم عليان نژادي
  18/12/1376 الموافق للحادي عشر من ذي القعدة
  يوم ولادة الامام علي بن موسى الرضا ( عليه السلام ) .

--------------------
(1) مجمع البيان 1 : 61 .

أمثال القرآن _ 11 _
تحليل لأمثال القرآن
أهمية القرآن وشهر رمضان

  شهر رمضان الذي هو شهر نزول القرآن له علاقة محكمة بالقرآن ، ولأجل بيان هذه العلاقة نقوم بدراسة اجمالية لبعض آيات القرآن المجيد.
  يبيّن القرآن في الآية 183 من سورة البقرة حكم وجوب الصوم ، وإيضاحاً لأهميته يطرح قضية شمولية الصوم للنحل الاخرى ويقول : ( كُتِبَ عَلَيْكُمُ الصّيَامُ كَمَا كُتِبَ عَلَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُم ) ثم يعتبر التقوى وتربية الروح هي نتيجة الصيام.
  ثم يستثني ثلاث طوائف من وجوب الصوم في الاية 184 اما الطائفة الاخيرة فملزمة باداء الكفارة وهي بحجم 750 غراماً من الحنطة او ما شابه.
  كما أن هذا العجز المذكور في الاية يرفع وجوب الصوم على البنات اللاتي بلغن تواً باعتبارهن لم يتجاوزن العشر ، فان البلوغ هو احد شروط وجوب الصوم ، والاطاقة هو الشرط الاخر له ، وبذلك تحل مشكلة هذه البنات ، فان الصوم غير واجب على البالغات تواً واللاتي لم يطقن الصوم لضعف جسمهن وصغر سنهن.
  وفي الاية 185 من نفس السورة يعلن القرآن أن شهر رمضان شهر الصوم ، ويبين اهمية هذا الشهر من حيث انه شهر نزول القرآن ويقول : ( شَهْرُ رَمَضَانَ الَّذِي أُنْزِلَ فِيهِ الْقُرْآنُ هُدَىً لِلنَّاسِ وَبَيِّنَات مِنَ الْهُدَى والفُرْقَان ... ) ان المستشف من هذه الآية هو ان نزول القرآن في ليلة القدر على صدر الرسول ( صلى الله عليه وآله ) هو اهم خصوصية يمتاز بها هذا الشهر الكريم.

أمثال القرآن _ 12 _
علاقة شهر رمضان المبارك بالقرآن
  شهر رمضان شهر العبادة والتربية وترك المعصية واداء الطاعة.
  لاجل القيام بهذه المهمة نحتاج إلى التعليم والتربية معاً ، ان ( القرآن ) يعلم الانسان و( الصوم ) يربيه ، ولا يصل الانسان إلى الكمال الا بهما ، وفي الحقيقة ، ان ( القرآن ) من دون فريضة ( الصوم ) تعليم ناقص ومن دون تربية ، والصوم من دون ( قرآن ) تربية فاقدة للعلم والمعرفة ، ولذلك فعلى المسلم ان يصوم ويحيي شهر رمضان لكي يتربى ، وباقترابه بالقرآن وانسه معه يهتدي ، وذلك لان القرآن هداية وبينات وفرقان ( هُدَىً لِلنَّاسِ وَبَيِّنَات مِنَ الْهُدَى والفُرْقَانِ ) إن كتاباً كهذا نزل في شهر رمضان ، كما قد وجب الصوم في الشهر ذاته لذلك ينبغي الالتفات الخاص إلى هذين الهديتين.
  موضوع البحث
  تلاوة القرآن فضيلة كبرى ، وبخاصة في شهر رمضان المبارك فان فضيلة ذلك لا تعد ولا تحصى.
  وهذه الفضيلة تحصل في وقت تتزامن فيه التلاوة مع التدبر والتفكّر الذي يطهر الروح ويوفر الأرضية للعمل.
  ولهذا الغرض ارتأينا ان يكون لنا درس تفسير القرآن في شهر رمضان هذا العام (1) وقد اخترنا موضوع ( أمثال القرآن ) ليكون ارضية جديدة في التفسير ولكي تعم فائدته.
  لماذا جاء القرآن بالامثال ؟
  يشاهد في القرآن اكثر من خمسين مثلا (2) ففي سورة البقرة التي هي ثاني سورة يوجد عشرة امثال على أقل تقدير ، فما هي الحكمة في الامثال بحيث جاء بها القرآن وبهذا الحجم ؟

--------------------
(1) شهر رمضان المبارك لعام 1418 هـ . ق .
(2) لقد عدّت بعض الكتب ( أمثال القرآن ) بمائة وثلاثين مثلا ، إلاَّ أنّ ذلك يبدو غير صحيح ، وذلك لأن مضارب الأمثال ليست أمثالا ، فالآية الشريفة 164 من سورة الانعام : ( وَلا تَزِرُ وازِرَةٌ وِزْرَ أُخرى ... ) والآية 39 من سورة النجم : ( لَيْسَ للإنْسَانِ إلاَّ مَا سَعَى ) مضارب للامثال ، وليست أمثالا ، لأنها تخلو من التشبيه.

أمثال القرآن _ 13 _
  الجواب: ان المثل يعني تشبيه الحقائق العقلية بالامور الحسية الملموسة.
  فمن جانب هناك أمور عقلية كثيرة لا يفهمها اكثر الناس ، ومن جانب آخر ، فإن الناس اعتادوا على المحسوسات والعينات الملموسة ، ولهذا كان المثل ( عقول الناس في عيونهم ) وهو يعني ان ادراك الناس للامور الملموسة والمرئية اسهل لهم ، ومن هنا طرح القرآن بعض المفاهيم العقلية الرفيعة في قالب الامثال ليسهل على الناس ادراكها.
  وعلى هذا ، فان فلسفة امثال القرآن هو تنزيل القضايا العميقة والرفيعة إلى مستوى يتناسب مع أفق تفكير الناس.

الأمثال العملية واللسانية
  ينبغي الالتفات هنا إلى نقطة وهي ان بعض الامثال عملية وتبين بلسان العمل ، وبعضها لفظية تبين باللسان والقول.
  ان أمثال القرآن هي من النوع الثاني ، الا انه يشاهد بعضاً ما في سيرة الرسول ( صلى الله عليه وآله ) واهل بيته الاطهار( عليهم السلام ) امثال عملية ، وهي بالطبع ذات تأثير اكثر ، (1) نأتي هنا بنموذجين من ذلك.
  1 ـ عندما تتراكم الذنوب الصغيرة
  إنَّ رسول الله( صلى الله عليه وآله ) نزل بارض قرعاء فقال لاصحابه : ( ائتونا بحطب ) ـ قد هدف الرسول من ذلك شيئاً غير الاعداد للنار ـ فقالوا : يا رسول اللّه نحن بارض قرعاء ما بها من حطب ، قال : ( فليأت كل انسان بما قدر عليه ) ، فجاؤوابه حتّى رموا بين يديه بعضه على بعض.
  فقال رسول الله( صلى الله عليه وآله ) : ( هكذا تجتمع الذنوب ) ثم قال : ( اياكم والمحقرات من الذنوب فان لكل شيء طالباً الا وان طالبها يكتب ما قدموا وآثارهم ، وكل شيء احصيناه في امام مبين ) . (2)
  نعم ان الذنوب الصغيرة قد تتراكم لتبلغ مستوى الجبل ارتفاعاً ، وكثافة جبل من النار.
  ان خطر الذنوب الصغيرة هو عدم الإنتباه إليها واتخاذ موقف اللامبالاة تجاهها ، فذكَّر الرسول ( صلى الله عليه وآله ) بخطرها بهذا المثل العملي.

--------------------
(1) لقد أثرنا بعض الأمثال اللفظية عن الرسول ( صلى الله عليه وآله ) والأئمة ( عليهم السلام ) ، راجع ميزان الحكمة الروايات 18106 إلى 18236.
(2) ميزان الحكمة ، الباب 1372 ، الحديث 6593.

أمثال القرآن _ 14 _
  2 ـ ترسيم نار جهنم
  عندما كان الامام علي ( عليه السلام ) خليفة كان له اخ صاحب اطفال وعائلة وما كانت تكفيه مؤنة بيت المال فطلب من الامام سهماً اكبر من بيت المال فكان جواب الامام علي( عليه السلام ) ... ولنقرأ القصة على لسان الامام نفسه : ( والله لقد رأيت عقيلا وقد املق (1) حتى استماحني (2) من بركم (3) صاعاً ، ورأيت صبيانه شعث (4) الشعور ، غبر الالوان (5) من فقرهم ، كانما سودت وجوههم بالعظلم (6) وعاودني مؤكداً وكرر علي القول مردداً فاصغيت اليه سمعي فظن اني ابيعه ديني ، واتبع قياده (7) مفارقاً طريقتي ، فأحميت له حديدة ثم أدنيتها من جسمه ليعتبر بها ، فضج ضجيج ذي دنف (8) من ألمها ، وكاد ان يحترق من ميسمها ، (9) فقلت له : ثكلتك الثواكل (10) يا عقيل ! أتئن من حديدة احماها انسانها للعبه وتجرني إلى نار سجرها جبارها لغضبه ! اتئن من الاذى ولا ائن من لظى ! (11) وأعجب من ذلك طارق طرقنا بملفوفة (12) في وعائها ومعجونة شنئتها (13) كانما عجنت بريق حية او قيئها ، فقلت أصِلة (14) ام زكاة ام صدقة ؟ فذلك محرم علينا اهل البيت ؟

--------------------
(1) افتقر أشد الفقر.
(2) استعطاني.
(3) البر هو الحنطة.
(4) الشعر المتلبد بالوسخ.
(5) متغير اللون وشاحبه.
(6) سواد يصبغ به.
(7) ما يقاد به.
(8) المرض.
(9) المكواة.
(10) الثكل هو فقدان الحبيب ، والثواكل هي النساء.
(11) من أسماء جهنم.
(12) نوع من الحلوى اهداها الاشعث بن قيس إلى علي.
(13) كرهتها.
(14) العطية.

أمثال القرآن _ 15 _
  فقال : لا ذا ولا ذاك ولكنها هدية ، فقلت هبلتك الهبول ! (1) أعن دين الله اتيتني لتخدعني ؟ امختبط انت او ذو جنة (2) ام تهجر (3) والله لو أعطيت الاقاليم السبعة بما تحت افلاكها على ان اعصي الله في نملة اسلبها جلب (4) شعيرة ما فعلته ، وان دنياكم عندي لاهون من ورقة في فم جرادة تقضمها (5) ما لعلي ولنعيم يفنى ، ولذة لا تبقى!! نعوذ بالله من سبات (6) العقل ، وقبح الزلل (7) وبه نستعين ) (8) .
  ان هذه الامثال تسهل ادراك وهضم كثير من المفاهيم ، ولها وقع وتأثير يفوق النصيحة الموعظة ان هذا المثل لا يختص بعقيل وفي ذلك الزمن والعصر فحسب بل انه مثل للجميع وفي كل العصور والازمنة ، ولهذا الغرض استخدم القرآن الامثال.

الهدف من الامثال من لسان القرآن
  لقد بُيّن الهدف من الأمثال في بعض آيات القرآن ، نأتي هنا بثلاثة نماذج :
  1 ـ في الاية 25 من سورة ابراهيم بعد ما شبّه ( الكلمة الطيبة ) بالشجرة الطيبة ـ وسيأتي بحث ذلك ـ يقول في اخر الاية : ( وَيَضْرِبُ اللهُ الأمثالَ للناّس لَعَلّهُم يَتَذَكّرون ) وعلى هذا فالتذكير هو من أهداف الامثال.
  2 ـ في الاية 21 من سورة الحشر بعد ما يشبّه بعض القلوب بالجبال وان امكانية التأثير على الجبال اكثر من امكانية التأثير على هذه القلوب يقول في نهاية الاية : ( وتِلْكَ الأمثَال نَضْرِبُها للناس لَعَلّهُم يَتَفَكّرُون ) وعلى هذا فالتفكّر هو من اهداف هذه الامثال.

--------------------
(1) هبل أي ثكل ، والهبول هي الثكول.
(2) من أصابه مس من الشيطان.
(3) تهذي.
(4) قشر.
(5) تكسرها باسنانها.
(6) نوم.
(7) السقوط في الخطأ.
(8) نهج البلاغة ، صبحي الصالح : 346 ـ 347.

أمثال القرآن _ 16 _
  3 ـ وفي الايات 40 ـ 43 من سورة العنكبوت ، بعد ما يشبّه من اتخذ اولياء من دون الله بالعنكبوت الذي يتخذ بيتاً وهناً .
  يقول في نهاية الاية 43 : ( وَتِلْكَ الأمثال نَضْربُها للنّاسِ ومَا يَعْقِلُها إلاّ العَالِمُون ) وحسب ما في هذه الاية فإنَّ تعقل العلماء هو من اهداف تلك الامثال.
  يمكننا استنتاج ثلاث مراحل لتأثير الأمثال على النفوس ، هي كالتالي :
  الاولى: مرحلة التذكر وهي مرحلة مرور حقيقة الخطاب الالهي في الذهن.
  الثانية: مرحلة التفكر ، وهي مرحلة التفكير في موضوع المثل وحكمته.
  الثالثة: مرحلة التعقل وهي مرحلة ادراك وهضم الحقائق (1) .

أهمية خطاب المثل
  إن الناس في كثير من الأمور يعدّون الكبير دليلا على العظمة والصغير دليلا على قلة الأهمية ، لكن الواقع ليس كذلك فالمهم هو الخطاب الذي يحمله ذلك الشيء أو يستهدف المتكلم بيانه ، والأمر كذلك في القرآن فالمهم هو الخطاب الذي يوجهه ويهدفه من خلال المثل لا عظمة او حقارة ( الممثل به ) .
  يقول الله في الاية الشريفة 26 من سورة البقرة : ( إنَّ اللهَ لا يَسْتَحي أنْ يَضْرِبَ مَثْلا مَا بَعُوضَةً فَمَا فَوْقَهَا فأَمَّا الذَّينَ آمنُوا فيَعْلَمُونَ أنَّهُ الحَقّ منْ رَبِّهمْ وأمَّا الذين كَفَرُوا فيَقُولُونَ مَاذَا أَرَادَ اللهُ بِهَذَا مَثَلا يُضِلُّ بِهِ كَثِيراً وَيَهْدِى بِهِ كَثِيراً وَمَا يُضِلُّ بِهِ إلاّ الفاسقين ) .

تأمُّل في الآية
  إنَّ التأمل في الاية يرشدنا إلى النتائج التالية:
  الاولى: ان الله تعالى اعتبر الهدف من الامثال هو هداية البشر.
  الثانية: ان موضوع المثل ومحتواه يحظى بأهمية تفوق اهمية المضمون الظاهري

--------------------
(1) يمكننا الاخذ بنظر الاعتبار احتمالين آخرين ،
الأول: تقسيم الامثال حسب النتائج ، فبعضها تذكّر وبعضها تجعلنا نفكر وبعضها تؤدي إلى الاستيعاب والادراك.
الثاني: تقسيم الامثال حسب المخاطب ، فالمخاطب على ثلاثة أقسام وكل من الاقسام الثلاثة الماضية للامثال تختص بقسم من المخاطبين.

أمثال القرآن _ 17 _
  والموجودات المذكورة في المثل.
  الثالثة: إن المخلوقات جميعاً ولو كانت بعوضة تكشف عن عظمة الخالق.

الشرح والتفسير
  قبل البدء بتفسير الاية ولأجل اعداد الاذهان للاستيعاب الاعمق نذكر هنا باقتضاب شأن نزولها.
  ان التحجج او التذرع بالحجج هو من مواصفات المنافقين ، ان المنافق يتحجج ويماطل ويتذرع بالتبريرات الباطلة في كل قضية ومسألة ، انه لا يهتم بتوجهات المخاطب ومواقفه ، وذلك لانه ينظر إلى القضية من موقف مخالف ويعمل على اساس هذه الرؤية.
  وكمثال على ذلك نفرض ان شخصاً او اشخاصاً بنوا مركزاً اسلامياً يضم مسجداً و مكتبة ومصلى ومستشفى وداراً للعجزة و ... ففي هذه الحالة سيعرب المنافق عن شعوره بالكلمات التالية :
  هل من الصحيح بناء مركز بهذه الضخامة والكلفة في هذه المدينة رغم ما تضم من الفقراء والجياع ؟
  الم يكن من الصحيح ان تصرف هذه المبالغ لاجل اشباع الفقراء وسد رمقهم ؟
  الم يكن من الأفضل ان تصرف هذه المبالغ لاجل تزويج الشباب العزاب ؟
  ألم يكن من الأفضل أن يداوى بهذه المبالغ المرضى من المحتاجين والفقراء ؟
  ألم يكن من الافضل أنْ تصرف هذه المبالغ في سبيل تعليم الشباب وتربيتهم ؟!
  إنّ هذا الشخص او الاشخاص الخيرين لو صرفوا هذه المبالغ لاجل اطعام المساكين واعانة الشباب ومداواة المرضى و ... لاحتج هذا المنافق بحجج اخرى ولتمسك بذرائع من قبيل قوله : أي اسلام هذا واي مسلمين هؤلاء ، فانا لا نجد في هذه المدينة مسجداً ، وقد خصصتم هذه المبالغ الطائلة لامور تافهة لا فائدة فيها ، انكم قد ضيّعتم الاسلام باعمالكم هذه !
  تعلّموا من اليهود والنصارى ، فانهم يبنون معابد فخمة وجميلة تجذب الانسان نحوها تعلموا من الهندوس فإنهم يبنون معابد عظيمة لاصنامهم الجامدة.
  والخلاصة ، إنّ غاية المنافق هي المشاكسة والمخالفة وزرع بذور الشك والاختلاف وايذاء الآخرين.

أمثال القرآن _ 18 _
  ومع الالتفات إلى هذه المقدمة نقوم بشرح الاية المذكورة.
  عندما نزلت بعض الامثال القرآنية بدأ المنافقون بالترديد في المسألة والاشكال فيها والقول : ( ما هذه الامثال التي جاءت في القرآن ) ؟ إنّ شأن الله أرفع من ان يمثل بموجودات ضعيفة مثل الذباب (1) والعنكبوت ، او ان يمثل بموجودات جامدة مثل الرعد والبرق (2) وقد كانوا يهدفون من هذا الحديث القاء التشكيك في الهية القرآن ومصدره الرباني ، وان القرآن ليس من الوحي الالهي.
  بالطبع ، لو لم تنزل هذه الايات والامثال او نزلت بكلمات وصياغات معقدة لتمسك المنافقون ـ قطعاً ـ بذرائع اخرى ولقالوا : ( كيف يمكن لهذا ان يكون كلام الله مع انا لا نفهم منه شيئاً ) ؟ او لقالوا : ( لماذا لم ينزل الله هذه المفاهيم والحقائق بلغة بسيطة يفهمها الجميع ) ؟ كما ان هذا قد حصل لشعيب ( عليه السلام ) وقد حكته الآية الشريفة (91) من سورة هود : ( قَالُوا يَا شُعَيْبُ ما نَفْقَه كَثِيراً مِمّا تَقُولُ وَإنَّا لَنَرَاكَ فِينَا ضَعِيفاً ولَوْلا رَهْطُكَ لَرَجَمْنَاك وَمَا أنْتَ عَلَيْنَا بِعَزِيز ) .
  يستفاد من الآية ان التمسك بالذرائع كان منطقهم ، من جانب اخر كانوا يقولون : ( لا نَفْقَهُ كَثِيراً مِمّا تَقُولُ ) أي لا نفهم ما تقول ، ومن جانب اخر يقولون : ( لَوْلا رهْطُكَ لَرَجَمْنَاكَ ) أي لولا قبيلتك لقتلناك فيجيبهم شعيب ( عليه السلام ) : ( قَالَ يَا قَوْم أرَهْطِى أعزُّ عَليْكُمْ مِنَ الله ؟! ) (3) .
  بما ان المنافقين اللجوجين كانوا يشككون ويحتجون على التمثيل بالجمادات او الموجودات الضعيفة جاءت الاية 26 من سورة البقرة لتجيب عليهم وتدحض حججهم : ( إنّ اللهَ لا يَسْتَحِي أنْ يضرِبَ مَثلا ما بَعُوضَةً فَمَا فَوْقَها ... ) .
  إنّ بلاغة الكلام تقتضي تارة التمثيل بالموجودات الكبيرة وتارة بالموجودات الصغيرة ، فكلما اريد من التمثيل بيان العظمة شبّه بشيء كبير ، واذا ما اريد بيان ضعف الشيء وخواءه

--------------------
(1) الآية 73 من سورة الحج : ( يَا أيّهَا النَّاس ضُرِبَ مَثَلٌ فاسْتَمِعُوا لَهُ إنَّ الَّذِينَ تَدْعُونَ مِنْ دُونِ اللهِ لَنْ يَخْلُقُوا ذُبَابَاً وَلَو اجْتَمَعُوا لَهُ وإنْ يَسْلُبْهُمُ الذُّبَابُ شَيْئاً لا يَسْتَنقِذُوهُ مِنْهُ ضَعُفَ الطَّ الِبُ والمَطْلُوبُ ) .
(2) يأتي شرحها في المثل الأول والثاني.
(3) هود الآية 92 ـ 93.

أمثال القرآن _ 19 _
   شبّه بشيء ضعيف وصغير من الحيوانات والجمادات.
  وعلى هذا ، فان التمثيل بالشيء الكبير لا يدل على فصاحة الكلام وبلاغته دائماً ، اذن ، لا اشكال على القران عند تمثيله بشيء يتناسب مع موضوع المثل والهدف منه مهما كان صغيراً او كبيراً.
  ان المؤمنين والصالحين ، حيث يعلمون بحقيقة هذه الامثال ومحتواها ، يعلمون بانها الحق وأنها من ربهم ولا ينكرونها ، لكن المنافقين والكافرين لتعصبهم ولجاجتهم يقولون : ( مَاذَا أرَادَ اللهُ بِهَذَا مَثَلا يُضِلُّ بِهِ كَثِيراً ويَهْدِى بِه كَثِيراً ) ؟!.

خطأ المنافقين
  إنّ خطأ المنافقين الكبير هو عدم توجههم او عدم رغبتهم للتوجه إلى أنّ بلاغة القرآن وفصاحته أحد وجوه إعجاز القرآن المجيد والرسول الكريم . (1)
  إنّ الفصاحة والبلاغة ـ وهما من العلوم التي تدرس في الحوزة العلمية ؟ ـ بتعبير مقتضب هما عبارة عن ما يلي : إنّ ظاهر البيان إذا كان جميلا قيل انه فصيح ، واذا كان ذات معنى رفيع شاناً قيل انه بليغ.
  وعلى هذا ، الفصاحة والبلاغة ـ وهما من وجوه اعجاز القرآن ـ يعنيان الجمال الظاهري والرفعة في محتوى الخطاب.
  حقاً ان القرآن فصيح وبليغ أي ان ظاهره جميل وجذاب يدعو إلى الإصغاء اليه ، ومحتواه رفيع معنى وشأنا ، ان بلاغة القرآن وفصاحته إلى درجة جعلت الاعداء تسميه السحر! وذلك لأنه يجعل الصاغي يسلّم اليه ويخضع له ، وهذا بحد ذاته اقرار واعتراف بجاذبية القرآن

--------------------
(1) اعجاز القرآن من وجهة نظر العلوم الحديثة والاكتشافات العلمية.
(2) اعجاز القرآن من الناحية التاريخية.
(3) اعجازه من حيث وضعه للقوانين.
(4) اعجازه من حيث اخباره عن الغيب.
(5) اعجازه من حيث المعارف الالهية.
(6) اعجازه من حيث عدم احتوائه على التضاد والاختلاف.
راجع نفحات القرآن 8 : 93 فما بعدها إذا ما رغبت في التفصيل.

أمثال القرآن _ 20 _
  الشديدة والخارجة عن المتعارف ، إنّ كثيراً من الناس آمن اثر سماعه آيات من القرآن.

جاذبية القرآن وانقاذ المسلمين
  هاجر الكثير من المسلمين في صدر الإسلام إلى الحبشة اثر الضغط المتزايد الذي لاقوه من المشركين في مكة ، ولهذا بعث الكفار مبعوثين عنهم حاملين معهم هدايا وافرة إلى النجاشي ملك الحبشة لارجاع المسلمين إلى مكة ، طمَّع المبعوثان في البداية حاشية ملك الحبشة ثم جاءوا للملك قائلين له : ( أيها الملك ، انه قد ضوى ) أي لجأ ( إلى بلدك منا غلمان سفهاء ، فارقوا دين قومهم ولم يدخلوا في دينك وجاءوا بدين ابتدعوه ، لا نعرفه نحن ولا أنت ، وقد بعثنا اليك فيهم اشراف قومهم من آبائهم وأعمامهم وعشائرهم لتردهم اليهم ، فهم أعلى بهم عيناً ، واعلم بما عابوا عليهم وعاتبوهم فيه ) .
  كان المجلس لصالح الكفار من جميع النواحي وقد كان المشركون اعدوا من قبل المقدمات لكسب الموقف لصالحهم.
  لكن باعتبار كياسة النجاشي ورفعته ، طلب من المسلمين بيان مواقفهم ، فبدأ جعفر بن أبي طالب ( رض ) بالحديث وعرّف بالاسلام وبالرسول ( صلى الله عليه وآله ) والقران فطلب النجاشي منه قراءة بعض من الآيات .
  وباعتبار الزمان والمكان وباعتبار ان الحضور ينتمون إلى الديانة المسيحية قرأ آيات من القرآن تناولت ولادة عيسى ـ على نبينا وآله وعليه السلام ـ وهنا انقلب المجلس الذي كان قد أعد ليكون لصالح الكفار وبضرر المسلمين في البداية ، انقلب لصالحهم وبدأت عيون النجاشي و رجال دينه تغرورق بالدموع ، ان فصاحة القرآن وبلاغته وجاذبيته كانت بدرجة من التأثير على النجاشي حيث جعلته يرد هدايا الكفار ويسمح لجعفر والمسلمين بالاقامة في الحبشة إلى أي وقت شاءوا (1) .

--------------------
(1) انظر سيرة ابن هشام ج 1 : 334 ـ 335.

أمثال القرآن _ 21 _
نموذج آخر لتأثير القرآن
  ان النموذج الآخر لتأثير فصاحة القرآن وبلاغته هو قصة اسعد بن زرارة ، ان قبيلة اسعد كانت لفترة طويلة في صراع محتدم بينها وبين قبيلة اخرى ، فغادر اسعد يوماً ما المدينة إلى مكة قاصداً زيارة بيت الله والأصنام التي فيها ، فواجه في الطريق احد المشركين حذره من السماع لساحر يجلس قرب حجر إسماعيل ، فانشغل اسعد بالطواف الا انه عندما شاهد وجه الرسول النوراني فكر ، ورجح السماع والاصغاء لما يقوله الرسول ( صلى الله عليه وآله ) وقرر ان يعرض عنه إذا كان كلامه غير منطقي (1) وعندما اقترب من الرسول وسمع منه بعض الايات انجذب له إلى مستوى طلب منه تلاوة آيات أُخرى ، فتلى الرسول له ... ثم أسلم ، وحكى للرسول قصة الاختلاف بين قبائل المدينة ودعى الرسول للمجيء إلى المدينة لأجل حل هذه الاختلافات (2) .

خطابات الاية
  1 ـ البعوضة ليست حيواناً حقيراً !
  إنّ كثيراً من المفسرين المعروفين ومنهم المرحوم الطبرسي ( ره ) في تفسيره القيم ( مجمع البيان ) ينقل حديثاً عن الامام الصادق( عليه السلام ) في ذيل الاية ، حيث قال : ( إنما ضرب الله المثل بالبعوضة لأن البعوضة على صغر حجمها خلق الله فيها جميع ما خلق في الفيل مع كبره وزيادة عضوين آخرين فأراد الله تعالى أن يُنبّه بذلك المؤمنين على لطيف خلقه وعجيب صنعه ) (3) .
  ان الله في الحقيقة أراد بهذا المثال بيان ضرافة الخلق ، وان التفكّر في هذا الحيوان الضعيف ظاهراً ـ الذي خلقه الله شبيهاً لأكبر حيوان في اليابسة ـ ليرشد الانسان إلى عظمة خالقه.

--------------------
(1) لقد أيدت الآية الشريفة التالية هذا المنطق : ( فَبَشِّر عِبَادِ الَّذينَ يَسْتَمِعُونَ القَوْلَ فَيَتَّبِعُونَ أحْسَنَهُ أُولئِكَ الَّذينَ هَدَاهُمُ اللهُ وأُولئكَ هُم أُولُوا الألْبَابِ ) الرمر 17 ـ 18.
(2) نص القصة الكاملة في اعلام الورى : 35 ـ 4 ، بحار الانوار : 9 : 8 ـ 11 .
(3) مجمع البيان ، ذيل الاية.

أمثال القرآن _ 22 _
  التوضيح : في جسد البعوضة ضعيفة الجسم نفس الاعضاء الموجودة في فيل ضخم.
  ففيه جهاز الهضم ، وخرطوم دقيق ذات منفذ رفيع ، وأعضاء للحركة واجهزة للتناسل و ... اضافة إلى هذا ، فان للبعوضة قرنين تشبه الهوائيات وذلك للتواصل فيما بينها وبين البيئة المحيطة بها وهو أمر يفقده الفيل.
  2 ـ حجابان عظيمان : كثرة النعم والتعود عليها
  إنّ سبب غفلة الإنسان عن نعم الله العظيمة وعدم تفكره في دقة الخلق وضرافته هو شيئان :
  الاول: حجاب كثرة النعم ، فإن وفرة النعم تجعل الإنسان يستهين ولا يعتد ولا يفكر بها ، وكمثال على ذلك : ان البعوضة لو كانت نادرة في العالم ووقعت بأيدي العلماء ، لاعتبرها هؤلاء العلماء موجوداً ذات اهمية وأهلا للدراسات والتحقيق العلمي.
   الثاني : حجاب التعود ، فان العين مثلا من آيات الخلق العظمى ، الا انا لم نفكر بها ولا نتمعّن في خلقها ، الاذن كذلك ، فهو مستلم قوي ودقيق وعجيب الا انا بسبب تعودنا عليه لا نعرف قدره ولا نثمنه مع انا لو دققنا ليس في هذين فقط بل في كل اشياء العالم لوجدناها عجيبة ومدهشة وتكشف عن اسرار الخلق والعظمة والتوحيد.
  3 ـ الهداية والضلالة في القرآن
  في نهاية الآية يجيب الله المنافقين الذين قالوا : ( مَاذَا أرَادَ اللهُ بِهَذَا مَثلا يُضِلُّ بِهِ كَثِيراً وَيَهْدِي بِه كَثِيرَاً ) حيث قال : ( وما يُضِلُّ بِهِ إلاَّ الفَاسِقِينَ ) في هذه الاية وامثالها (1) نسبت الضلالة إلى الله كما نسبت الهداية في آيات اخرى (2) اليه كذلك.
  إذا كانت الهداية والضلالة من الله ونحن مجبورون عليهما ولا إرادة لنا في ذلك فلماذا يثيب

--------------------
(1) مثل الآيات 88 و 143 من سورة النساء والآيات 187 و 186 من سورة الاعراف والآيات 23 و 36 من سورة الزمر والآية 46 من سورة الشورى وغيرها.
(2) مثل الآيات 142 و 213 و 272 من سورة البقرة والآية 16 من سورة المائدة والآية 25 و 35 من سورة يونس وآيات اخرى.
(3) نهج البلاغة : 2|202 ، طبعة عبده.

أمثال القرآن _ 23 _
  الله المهتدين ويعاقب الضالين رغم انهم مجبورون على ذلك ؟
  هناك آراء مختلفة في تفسير هذه الآية وأمثالها ، فبعض قال : ان المراد من ( يضل ) هو ( يمتحن ) أي ان الله يريد امتحان الناس من خلال هذه الامثال (1).
  ويقول البعض الاخر : ان الهداية والضلالة تعنيان إعداد المقدمات لهما لا نفسهما والقرار النهائي فيهما يرجع إلى ارادة الإنسان نفسه.
  وكأن الله يسلب الموفقية من الإنسان اللجوج ، فيراد من الضلالة ـ على هذا ـ سلب الموفقية (2) .
  ان سبب الاختلاف بين المفسرين يرجع إلى صعوبة معنى المفردتين وتعقدهما ، ولهذا علينا ايضاحهما اولا ثم البتّ في حل مشكلة الاختلاف في تفسيرهما.

معنى الهداية والضلالة
  انتبهوا إلى هذا المثال : ان قطرات الغيث الشفافة والسليمة والمانحة للحياة تنزل على الكرة الارضية اجمع ، كما ان الشمس تسطع على هذه الكرة وتمنحها نوراً وطاقة.
  انّ الغيث والشمس كلاهما من رحمة الله الا ان المحاصيل الزراعية التي تنتجها الأراضي التي تتمتع بهذين النعمتين تختلف ، ففي الاراضي المالحة تنبت الادغال ، بينما في الاراضي الاخرى تنبت الازهار والنباتات المطلوبة.
  هل سبب هذا الاختلاف الغيث والشمس ام سببه ملوحة الارض ؟
  لا شك في ان منشأ الاشكال هو الارض فلو نثرت بذور الازهار مكان بذور الادغال في هذه الارض لتبدلت الارض إلى حديقة أزهار ، وعلى هذا فلو قيل : ان المطر جاء لنا بالادغال فان ذلك لا يعني ان المطر هو السبب في ذلك بل الارض كانت سقيمة.
  ان قضية الهداية والضلالة تجري هذا المجرى ، فان وابل الرحمة الالهية نزل بواسطة الرسول ( صلى الله عليه وآله ) على قلوب جميع البشر ، وقد اصغى الجميع لوحي القرآن ، فالذين قد أعدوا أراضي قلوبهم من ذي قبل ، اهتدوا ، اما اولئك الذين لم يغسلوا ملوحة قلوبهم بزلال الايمان ولم يعدوا انفسهم فضلُّوا.

--------------------
(1) انظر مجمع البيان 1 : 68.
(2) انظر تفسير الامثل 1 : 123 ـ 124.

أمثال القرآن _ 24 _
  إنّ آيات القرآن تؤيد هذا الادعاء ، فالاية الثانية من سورة البقرة تقول : ( ذَلك الكِتَابُ لا رَيْبَ فِيْهِ هُدىً للمُتَّقِين ) أي ان الهداية تتغمد اولئك الذين ازالوا ستار التعصب واللجاجة عن نفوسهم ولهم اذن صاغية.
  وفي الاية المبحوثة هنا ( 26 من سورة البقرة ) يقول الله: ( مَا يُضِلُّ بِهِ إلاّ الفاسِقينَ ) أي انهم كانوا فاسقين واراضي قلوبهم مالحة لذلك اضلهم الله ، ونبتت في قلوبهم ـ اثر نزول مطر الرحمة والإيمان ـ أدغال الكفر.
  ويقول الله في سورة الروم الآية 10 : ( ثُمَّ كَانَ عَاقِبَةُ الّذِينَ أسَاءوا السُّوأى أن كَذَّبُوا بِآياتِ اللهِ... ) أي أنّ تكذيب آيات الله والضلالة كانا نتيجة أعمال الظالمين انفسهم (1) .
  وعلى هذا ، فالهداية والضلالة نتيجة لاعمالنا والله ـ الحكيم على الاطلاق ـ وضع مقدرات للعباد حسب حكمته.
  إذا خطوتُ و خطوات لاجل كسب الالطاف الالهية فاني سافوز بهدايته واذا ما خطوتُ و في طريق غير الحق فاني ساكون مصداقاً للآية الشريفة ( إنَّ الله يُضِلُّ مَنْ يَشَاءُ ويَهْدِي إلَيْهِ مَنْ أنَابَ ) وكان مصيري الضلالة.
  ذيل الاية يفيد ان الهداية ليست من غير حساب ، بل تتغمد الإنسان هداية ربانية إذا ما خطى باتجاه طريق الحق وتاب إلى الله ، إلاّ أنّ الذي يعادي الله فلا يكون مصيره الا الضلالة.
  الخلاصة: لا جبر في البين ، وان الهداية والضلالة هما نتيجتان لاعمال الإنسان ذاته ، وان الضلالة سم قاتل فلا يلوم الشخص إلاّ نفسه إذا ما تجرّعه بارادته.
  إن آيات ( الهداية والضلالة ) ليست بتلك الدرجة من التعقيد ، وقد فسرتها آيات أخرى من القرآن.
  وفي النهاية ان تكليف المسلم هو العمل ما في وسعه لاجل اعداد ارض القلب لاستقبال مطر الرحمة الإلهية ، وان يطلب من الله التوفيق والعفو عما صدر منه من أخطاء.

--------------------
(1) عدت الآية 34 من سورة غافر ، الاسراف سبباً للضلالة ، والآية 74 من نفس السورة عدت الكفر سبباً لذلك.

أمثال القرآن _ 25 _
المثل الأول: المنافقون
  المثل الاول لموضوع بحثنا هو ما ورد في الآيات 17 و 18 من سورة البقرة : ( مَثَلُهُم كَمَثَلِ الَّذي اسْتَوقَدَ نَاراً فلمَّا أضَاءَتْ مَا حَوْلَهُ ذَهَب الله بِنُورِهِمْ وَتَرَكهُم في ظُلُمَات لا يُبْصُرون صُمٌ بُكُم عُميٌ فَهُمْ لا يَرْجِعُونَ ).

تصوير البحث
  تحدثت الاية عن المنافقين الذين تستروا بستار النفاق ، الا ان التمزق كان عاقبة هذا الستار ، والخزي هو عاقبة المنافقين انفسهم.
  ان المنافق شُبّه هنا بانسان ضلّ وحيداً في صحراء يسعى للحصول على طريق لانقاذ نفسه من خلال استيقاد النار ، إلاّ أنّ ذلك لم ينفعه ولا زال في حيرة من أمره.
  الشرح والتفسير
  دُوّن تفسيران للآية الشريفة :
  التفسير الأول: إنَّ مثل المنافقين مثل الذين يضلون في صحراء ظلماء ومخوفة ، افرضوا أنّ مسافراً تخلف وحيداً عن قافلته في صحراء ظلماء ، فهو لا يملك نوراً ولا ضوءاً ولا دليلا يرشده ، ولا يعرف الطريق ولا يملك بوصلة ، فهو يخاف قطاعي الطرق والحيوانات المفترسة من جهة ، ويخاف الهلاك من الجوع والعطش من جهة أخرى ، وهذا يدفعه للتفكير بجدية

أمثال القرآن _ 26 _
  بطريق والسعي الأوفر للخلاص مما هو فيه ، فيجد حطباً بعد البحث المتوالي فيستوقد ناراً ثم يأخذ بشعلة نار بيده، إلاّ أنّ الريح تطفئ الشعلة فيبادر إلى جمع حطب آخر ليوقد ناراً أخرى إلاّ ان بحثه هذا لا يؤدي به إلا إلى ضلال آخر وانحراف عن الطريق تارة اخرى.
  إنَّ المنافقين كهذا المسافر فهم قد ضلوا الطريق ، انهم يعيشون في ظلمات في حياة مضيئة ، تخلفوا عن قافلة الانسانية والايمان ، ولا دليل لهم على الطريق، لأنّ الله سلب عنهم نور الهداية ، وتركهم في ظلمات.
  للمنافقين شخصيات مزدوجة ، ظاهرها مسلمة وباطنها كافرة ، ظاهرها صادقة وباطنها كاذب ، ظاهرها مخلص وباطنها مرائي ، ظاهرها أمين وباطنها خائن ، ظاهرها الصداقة وباطنها العداوة و ... انهم يصنعون من ظاهرهم إنارة خادعة ، يتظاهرون بالاسلام وينتفعون بمزايا الإسلام ، فذبيحتهم حلال واعتبارهم وعرضهم محفوظ وأموالهم محترمة ، ويتمتعون بحق الزواج من المسلمين و ... انهم يتمتعون بمنافع مادية ودنيوية قليلة يحصلون عليها من خلال تلك النار التي استوقدوها ، إلا ان هذه النار تخمد بعد الموت ( ذَهَبَ اللهُ بِنُورِهِمْ ) ويتركهم الله آنذاك في ظلمات القبر والبرزخ والقيامة وحينئذ يدركون ان لا فائدة في اسلامهم الظاهري وايمانهم الريائي.
  النتيجة هي أن في الآية أو المثل تشبيهاً ، المنافقون هم المشبهون والمسافر المحتار في الصحراء هو المشبه به ووجه الشبه هو الحيرة والضلالة وأن لا أثر لسعيه الظاهري.
  التفسير الثاني : فيما يخص التفسير الأول ينبغي التذكير هنا بان الاضاءة الظاهرية لتلك النار والظلمات التي تلحق تلك الإضاءة لا تختص بعالم القيامة المعنوي ، بل إنّ لها نتائج في هذه الدنيا كذلك.
  لا يتمكن المنافق اخفاء نفاقه للابد فانه سيفتضح في النهاية ، وهذا يحصل فيما لو وجد نفسه أو مصالحه عرضة للخطر والفناء ، فانه يفصح عن خلده القذر آنذاك كما افصح المنافقون في صدر الإسلام عن بواطنهم في الحروب والحوادث المختلفة ؟!
  ألم نرَ بأم اعيننا في الثورة الاسلامية وخلال النهضة التي سبقتها كم من المنافقين كشفوا بمرور الزمن عن بواطنهم النتنة وأزالوا نقاب النفاق عمّا في دواخلهم وافتضحوا في هذه الدنيا

أمثال القرآن _ 27 _
  ـ أعاذنا الله من شرور أنفسنا ـ وعلى هذا ، فان ( ذَهَبَ الُله بِنُورِهِم ) لا يختص بالاخرة والقيامة بل انه أمر يتحقق في هذا الدنيا كذلك.

خطابات الآية
  1 ـ أقسام المنافقين
  ان المنافق ليس شخصاً بالضرورة ، بل يمكن ان يكون جماعة أو منظمة أو حزب بل وحتى حكومة دولة ما ، لقد شاهدنا افتضاح بعض الدول التي تتقمص بالاسلام ظاهراً وتشترك في المجالس والمؤتمرات الاسلامية ، وذلك إثر اتضاح العلاقة بينها وبين أكبر أعداء الإسلام أي اسرائيل الغاصبة ، وافشاء أمر العقود المبرمة بينها وبين اسرائيل ما خفى منها وما ظهر ، فان ضوء نار ادعاءاتها اخذت بالخمود وثبتت ازدواجيتها ورياءها.
  نعم ، ان ذلك هو عاقبة النفاق ( فاعْتَبِرُوا يَا أوِلي الأَبْصَار ).
  2 ـ صور النفاق
  من الأمور التي تستنتج من البحث الاجمالي السابق هو صور النفاق المختلفة وهي كالتالي :
  أ ـ النفاق في العقيدة : وذلك مثل الذي يدعي بلسانه الإسلام ، الا انه لا يعد مسلماً ، أو أنه يتظاهر بالايمان لكنه لا يحسب من زمرة المؤمنين.
  ب ـ النفاق في الكلام : وهو كالذي ينطق بكلام لا يعتقد به ، وعلى هذا ، فان الكاذب منافق لأنه لا يتطابق قلبه مع لسانه.
  ج ـ النفاق في العمل : وهو مثل الذي يتضاد ويختلف عمله مع نيته وباطنه ، كالذي يتظاهر بالصلاة أو الامانة لكنه في الواقع لا يصلي وخائن (1) .
  3 ـ علائم النفاق
  يحكي الرسول ( صلى الله عليه وآله ) في رواية له عن علائم المنافق حيث يقول : ( ثلاث من كن فيه كان منافقاً

--------------------
(1) للمزيد راجع ميزان الحكمة ، الباب 3966 الحديث 20599 .

أمثال القرآن _ 28 _
  وان صام وصلى وزعم انه مسلم ، من إذا أؤتمن خان ، و إذا حدث كذب و إذا وعد اخلف ... ).
  الأولى : الخيانة ، ان الخائن منافق وذلك لانه يتظاهر بالأمانة وهو في الواقع خائن.
  وعلى هذا لا يمكننا أن نأتمنه بيت المال ، قد يكون البعض امناء تجاه الأموال القليلة إلا انهم يفصحون عن واقعهم الخائن عند ائتمانهم على الأموال الطائلة.
  الثانية : الكذب ، ان الكاذب منافق وذلك لانه يبطِّن نوايا قذرة ومخالفة للحقيقة والواقع من خلال تملقه الكلامي ، رغم انه يصلي ويقرأ دعاء الندبة والتوسل وغيرهما.
  الثالثة : خلف الوعد ، ان الذي يخلف الوعد منافق ، وذلك لأنَّ الوفاء بالوعد ضروري من الناحية الاخلاقية ومن الناحية الفقهية قد يكون واجباً أحياناً (1) .
  وخلاصة الكلام هنا ان كل نوع من الأزدواجية يعدّ نفاقاً.
  4 ـ نبذة من تاريخ المنافقين
  لم تخل المجتمعات البشرية من المنافقين ابداً ، ويمكن ان يقال ان النفاق وجد منذ ان بدأ الإنسان حياته على الكرة الأرضية ، وعداء المنافقين للبشرية اتضح منذ ذلك الحين.
  إذا عد المنافقون اخطر أعداء المجتمعات البشرية فذلك بسبب انهم يتقمصون قميص الاصدقاء ويبطنون العداء.
  ان مقارعة الأعداء هي احد صفات المجتمعات البشرية ، وهي آلية تفقد فاعليتها عند المنافق ، وذلك لانه يظهر نفسه صديقاً ، ولهذا كان ألد الأعداء ، ولأجل ذلك كانت التعابير القرآنية في حقه شديدة جداً.

المنافقون في القرآن
  كلما قلنا سابقاً ، فإنَّ القرآن أشار إلى المنافقين بتعابير شديدة نشير إلى بعض منها هنا :
  أ ـ يقول الله في الآية 4 من سورة المنافقين : ( هُمُ العَدُوُّ فاحْذَرْهُمْ ).

--------------------
(1) ميزان الحكمة ، الباب 3931 ، الحديث 20577 ، و في الباب روايات اُخرى عدَّت علائم اُخرى للنفاق.

أمثال القرآن _ 29 _
  لقد أشار القرآن المجيد إلى أعداء المسلمين (1) من خلال آياته الشريفة لكنه لم يستخدم هكذا اسلوب تجاه أىّ من الأعداء. وحسب قواعد اللغة العربية فان الجملة تفيد ان المنافقين هم الاعداء الحقيقيون للانسان.
  ب ـ يقول الله في تتمة الاية : ( قَاتَلَهُمُ اللهُ أنَّى يُؤْفَكُونَ ) أي ينحرفون عن الحق.
  إنَّ هذا الخطاب الشديد فريد ولم يستعمله القرآن في مورد اخر (2) .
  ج ـ يقول الله في الاية 145 من سورة النساء : ( إنَّ المُنَافِقِينَ فِي الدَّرْك الأسْفَلِ مِنَ النَّارِ ولَنْ تَجِدَ لهُمْ نَصِيراً ) وعلى هذا ينبغي تجنب صداقة أعداء الله التي هي من علائم النفاق.
  إن ( الدرج ) أو ( الدرجة ) ذات معنى واحد وهو نفسه الذي في ( دَرْك ) أو ( دَرَك ) إلاّ أنّ المفردتين الأوليتين تستخدمان للسّلم بلحاظ الاتجاه إلى الأعلى ، بينما تستخدم المفردتان الاخيرتان بلحاظ اتجاه السلم إلى الأسفل ، كما أنّ كلا منهما استخدم مرة واحدة في القرآن (3) .
  ان ( الدرك الاسفل ) هو قعر جهنم أو اخفض نقطة فيها ، ومن البديهي ان يكون العذاب في هذه النقطة اشد ، ومن هنا نستنتج أنّ الله أعدّ أشد العذاب للمنافقين.
  وهذا يكشف عن مدى حساسية موضوع النفاق وخطر المنافقين في جميع العهود ماضياً وحاضراً.
  خطر المنافقين من وجهة نظر رسول الإسلام ( صلى الله عليه وآله ) ينقل المرحوم الشيخ عباس القمي ( رض ) في كتابه القيّم ( سفينة البحار ) تحت مادة ( نَفَق ) حديثاً ملفتاً عن الرسول ( صلى الله عليه وآله ) نأتي به هنا :

--------------------
(1) عدّ القرآن الشيطان والكافرين والمجرمين والمنافقين أعداءً للإنسان ، ولأجل المزيد يراجع المعجم المفهرس للقرآن المجيد كلمة ( عدو ).
(2) لقد استخدم القرآن هذا الخطاب في اليهود في الاية 30 من سورة التوبة لكن ينبغي الالتفات إلى ان اليهود كانوا مبتلين بنوع من النفاق.
(3) ( الدَرْك ) استخدمت في الاية المذكورة في النص .
اما ( دَرَك ) فقد استخدمت في الاية 77 من سورة طه عند بيانه لعبور موسى ( عليه السلام ) والاسرائيليين من نهر النيل للاشارة إلى المسير الذي ينتهي إلى سطح النهر.