والعمرة عمل آخر وهو زيارة البيت بالاحرام من أحد المواقيت والطواف وصلاته والسعي بين الصفا والمروة والتقصير ، وهما أعنى الحج ، والعمرة عبادتان لايتمان إلا لوجه الله ويدل عليه قوله تعالى : وأتموا الحج والعمرة لله الآية.
  قوله تعالى : ( فَإِنْ أُحْصِرْتُمْ فَمَا اسْتَيْسَرَ مِنَ الْهَدْيِ وَلاَ تَحْلِقُواْ رُؤُوسَكُمْ ) ( الخ) ، الاحصار هو الحبس والمنع ، والمراد الممنوعية عن الاتمام بسبب مرض أو عدو بعد الشروع بالاحرام والاستيسار صيرورة الشئ يسيرا غير عسير كأنه يجلب اليسر لنفسه ، والهدى هو ما يقدمه الانسان من النعم إلى غيره أو إلى محل للتقرب به ، واصله من الهدية بمعنى التحفة أو من الهدى بمعنى الهداية التي هي السوق إلى المقصود ، والهدى والهدية كالتمر والتمرة ، والمراد به ما يسوقه الانسان للتضحية به في حجه من النعم.
  قوله تعالى : ( فَمَن كَانَ مِنكُم مَّرِيضاً أَوْ بِهِ أَذًى مِّن رَّأْسِهِ ) ( الخ) ، الفاء للتفريع ، وتفريع هذا الحكم على النهي عن حلق الراس يدل على ان المراد بالمرض هو خصوص المرض الذي يتضرر فيه من ترك الشعر على الرأس من غير حلق ، والاتيان بقوله : أو به أذى من رأسه بلفطة أو الترديد يدل على ان المراد بالاذى ما كان من غير طريق المرض كالهوام فهو كناية عن التأذي من الهوام كالقمل على الرأس فهذان الامران يجوزان الحلق مع الفدية بشئ من الخصال الثلاث : التي هي الصيام ، والصدقة ، والنسك.
  وقد وردت السنة ان الصيام ثلاثة ايام ، وأن الصدقة أطعام ستة مساكين ، وان النسك شاة.
  قوله تعالى : ( فَإِذَا أَمِنتُمْ فَمَن تَمَتَّعَ بِالْعُمْرَةِ إِلَى الْحَجِّ ) ، تفريع على الاحصار ، أي إذا أمنتم المانع من مرض أو عدو أو غير ذلك فمن تمتع بالعمرة إلى الحج ، أي تمتع بسبب العمرة من حيث ختمها والاحلال إلى زمان الاهلال بالحج فما استيسر من الهدى ، فالباء للسببية ، وسببية العمرة للتمتع بما كان لا يجوز له في حال الاحرام كالنساء والصيد ونحوهما من جهة تمامها بالاحلال.
  قوله تعالى : ( فَمَا اسْتَيْسَرَ مِنَ الْهَدْيِ ) ، ظاهر الآية ان ذلك نسك لا جبران لما فات منه من الاهلال بالحج من الميقات فإن ذلك امر يحتاج إلى زيادة مؤنة في فهمه من الآية كما هو ظاهر.

الميزان في تفسير القران (الجزء الثاني)_ 77 _
  فان قيل : إن ترتب قوله : فما استيسر من الهدى ، على قوله : فمن تمتع ترتب الجزاء على الشرط مع ان اشتمال الشرط على لفظ التمتع مشعر بأن الهدى واقع بإزاء التمتع الذي هو نوع تسهيل شرع له تخفيفا فهو جبران لذلك.
  قلت : يدفعه قوله تعالى : بالعمرة ، فان ذلك يناسب التجويز للتمتع في اثناء عمل واحد ، ولا معنى للتسهيل حيث لا إحرام لتمام العمرة وعدم الاهلال بالحج بعد ، على أن هذا الاستشعار لو صح فإنما يتم به كون تشريع الهدى من أجل تشريع التمتع بالعمرة إلى الحج لا كون الهدى جبرانا لما فاته من الاهلال بالحج من الميقات دون مكة ، وظاهر الآية كون قوله : فمن تمتع بالعمرة إلى الحج فما استيسر من الهدى أخبارا عن تشريع التمتع لا إنشاء للتشريع فإنه يجعل التمتع مفروغا عنه ثم يبني عليه تشريع الهدى ، ففرق بين قولنا : من تمتع فعليه هدى وقولنا تمتعوا وسوقوا الهدى ، وأما إنشاء تشريع التمتع فإنما يتضمنه قوله تعالى في ذيل الآية : ذلك لمن لم يكن أهله حاضري المسجد الحرام.
  قوله تعالى : ( فَمَن لَّمْ يَجِدْ فَصِيَامُ ثَلاثَةِ أَيَّامٍ فِي الْحَجِّ وَسَبْعَةٍ إِذَا رَجَعْتُمْ ) ، جعل الحج ظرفا للصيام باعتبار اتحاده مع زمان الاشتغال به ومكانه ، فالزمان الذي يعد زمانا للحج ، وهو من زمان إحرام الحج إلى الرجوع ، زمان الصيام ثلاثة ايام ، ولذلك وردت الروايات عن أئمة أهل البيت ان وقت الصيام قبل يوم الاضحى أو بعد إيام التشريق لمن لم يقدر على الصيام قبله والافعند الرجوع إلى وطنه ، وظرف السبعة إنما هو بعد الرجوع فإن ذلك هو الظاهر من قوله : إذا رجعتم ، ولم يقل حين الرجوع على ان الالتفات من الغيبة إلى الحضور في قوله إذا رجعتم لا يخلو عن إشعار بذلك.
  قوله تعالى : ( تِلْكَ عَشَرَةٌ كَامِلَةٌ ) ، أي الثلاثة والسبعة عشرة كاملة وفي جعل السبعة مكملة للعشرة لا متممة دلالة على أن لكل من الثلاثة والسبعة حكما مستقلا آخر على ما مر من معنى التمام والكمال في أول الآية فالثلاثة عمل تام في نفسه ، وإنما تتوقف على السبعة في كمالها لا تمامها.
  قوله تعالى : ( ذَلِكَ لِمَن لَّمْ يَكُنْ أَهْلُهُ حَاضِرِي الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ ) ، أي الحكم المتقدم ذكره وهو التمتع بالعمرة إلى الحج لغير الحاضر ، وهو الذي بينه وبين المسجد الحرام

الميزان في تفسير القران (الجزء الثاني)_ 78 _
  أكثر من اثني عشر ميلا على ما فسرته السنة ، وأهل الرجل خاصته : من زوجته وعياله ، والتعبير عن النائي البعيد بأن لا يكون اهله حاضري المسجد الحرام من الطف التعبيرات ، وفيه إيماء إلى حكمة التشريع وهو التخفيف والتسهيل ، فإن المسافر من البلاد النائية للحج ، وهو عمل لا يخلو من الكد ومقاسات التعب ووعثاء الطريق ، لا يخلو عن الحاجة إلى السكن والراحة والانسان إنما يسكن ويستريح عند أهله ، وليس للنائي أهل عند المسجد الحرام ، فبدله الله سبحانه من التمتع بالعمرة إلى الحج والاهلال بالحج من المسجد الحرام من غير ان يسير ثانيا إلى الميقات.
  وقد عرفت : أن الجملة الدالة على تشريع المتعة أنما هي هذه الجملة أعني قوله : ذلك لمن لم يكن ( الخ) ، دون قوله : فمن تمتع بالعمرة إلى الحج ، هو كلام مطلق غير مقيد بوقت دون وقت ولاشخص دون شخص ولاحال دون حال.
  قوله تعالى : ( وَاتَّقُواْ اللّهَ وَاعْلَمُواْ أَنَّ اللّهَ شَدِيدُ الْعِقَابِ ) ، التشديد البالغ في هذا التذليل مع أن صدر الكلام لم يشتمل على أزيد من تشريع حكم في الحج ينبئ عن أن المخاطبين كان المترقب من حالهم إنكار الحكم أو التوقف في قبوله وكذلك كان الامر فإن الحج خاصة من بين الاحكام المشرعة في الدين كان موجودا بينهم من عصر إبراهيم الخليل معروفا عندهم معمولا به فيهم قد أنسته نفوسهم وألفته قلوبهم وقد أمضاه الاسلام على ماكان تقريباإلى آخر عهد النبي فلم يكن تغيير وضعه أمرا هينا سهل القبول عندهم ولذلك قابلوه بالانكار وكان ذلك غير واقع في نفوس كثير منهم على ما يظهر من الروايات ، ولذلك اضطر النبي ( صلى الله عليه وآله وسلم ) إلى أن يخطبهم فيبين لهم أن الحكم لله يحكم ما يشاء ، وأنه حكم عام لا يستثنى فيه أحد من نبي أو أمة فهذا هو الموجب للتشديد الذي في آخر الاية بالامر بالتقوى والتحذير عن عقاب الله سبحانه.
  قوله تعالى : ( الْحَجُّ أَشْهُرٌ مَّعْلُومَاتٌ فَمَن فَرَضَ فِيهِنَّ الْحَجَّ ) ألى قوله : في الحج ، أي زمان الحج أشهر معلومات عند القوم وقد بينته السنة وهي : شوال وذو القعدة وذو الحجة.
  وكون زمان الحج من ذي الحجة بعض هذا الشهر دون كله لا ينافي عده شهرا للحج فإنه من قبيل قولنا : زمان مجيئي اليك يوم الجمعة مع ان المجئ إنما هو في بعضه

الميزان في تفسير القران (الجزء الثاني)_ 79 _
  دون جميعه.
  وفي تكرارلفظ الحج ثلاث مرات في الآية على أنه من قبيل وضع الظاهر موضع المضمر لطف الايجاز فإن المراد بالحج الاول زمان الحج وبالحج الثاني نفس العمل وبالثالث زمانه ومكانه ، ولو لا الاظهار لم يكن بد من إطناب غير لازم كما قيل.
  وفرض الحج جعله فرضا على نفسه بالشروع فيه لقوله تعالى : ( وَأَتِمُّواْ الْحَجَّ وَالْعُمْرَةَ لِلّهِ ) الآية ، والرفث كما مر مطلق التصريح بما يكنى عنه ، والفسوق هو الخروج عن الطاعة ، والجدال المراء في الكلام ، لكن السنة فسرت الرفث بالجماع ، والفسوق ، بالكذب ، والجدال بقول لا والله وبلى والله.
  قوله تعالى : ( وَمَا تَفْعَلُواْ مِنْ خَيْرٍ يَعْلَمْهُ اللّهُ ) ، تذكرة بأن الاعمال غير غائبة عنه تعالى ، ودعوة إلى التقوى لئلا يفقد المشتغل بطاعة الله روح الحضور ومعنى العمل ، وهذا دأب القرآن يبين أصول المعارف ويقص القصص ويذكر الشرائع ويشفع البيان في جميعها بالعظة والوصية لئلا يفارق العلم ، العمل فان العلم من غير عمل لا قيمة له في الاسلام ، ولذلك ختم هذه الدعوة بقوله : واتقوني يا أولي الالباب ، بالعدول من الغيبة إلى التكلم الذي يدل على كمال الاهتمام والاقتراب والتعين.
  قوله تعالى : ( لَيْسَ عَلَيْكُمْ جُنَاحٌ أَن تَبْتَغُواْ فَضْلاً مِّن رَّبِّكُمْ ) ، هو نظير قوله تعالى : ( يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا نُودِي لِلصَّلَاةِ مِن يَوْمِ الْجُمُعَةِ فَاسْعَوْا إِلَى ذِكْرِ اللَّهِ وَذَرُوا الْبَيْعَ ) إلى أن قال : ( فَإِذَا قُضِيَتِ الصَّلَاةُ فَانتَشِرُوا فِي الْأَرْضِ وَابْتَغُوا مِن فَضْلِ اللَّهِ ) الجمعة ـ 10 فبدل البيع بالابتغاء من فضل الله فهو هو ، ولذلك فسرت السنة الابتغاء من الفضل في هذه الآية من البيع فدلت الآية على إباحة البيع اثناء الحج.
  قوله تعالى : ( فَإِذَا أَفَضْتُم مِّنْ عَرَفَاتٍ فَاذْكُرُواْ اللّهَ عِندَ الْمَشْعَرِ الْحَرَامِ ) ، الافاضة هي الصدور عن المكان جماعة فهي تدل على وقوف عرفات كما تدل على الوقوف بالمشعر الحرام ، وهي المزدلفة.
  قوله تعالى : ( وَاذْكُرُوهُ كَمَا هَدَاكُمْ ) ( الخ) أي واذكروه ذكرا يماثل هدايته إياكم وانكم كنتم من قبل هدايته إياكم لمن الضالين.

الميزان في تفسير القران (الجزء الثاني)_ 80 _
  قوله تعالى : ( ثُمَّ أَفِيضُواْ مِنْ حَيْثُ أَفَاضَ النَّاسُ ) ، ظاهره إيجاب الافاضة على ما كان من دأب الناس والحاق المخاطبين في هذا الشأن بهم فينطبق على ما نقل ان قريشا وحلفائها وهم الحمس كانوا لا يقفون بعرفات بل بالمزدلفة وكانوا يقولون : نحن اهل حرم الله لا نفارق الحرم فأمرهم الله سبحانه بالافاضة من حيث افاض الناس وهو عرفات.
  وعلى هذا فذكر هذا الحكم بعد قوله : فإذا أفضتم من عرفات ، بثم الدالة على التأخير اعتبار للترتيب الذكري ، والكلام بمنزلة الاستدراك ، والمعنى ان أحكام الحج هي التي ذكرت غير انه يجب عليكم في الافاضة ان تفيضوا من عرفات لا من المزدلفة ، وربما قيل : إن في الآيتين تقديما وتأخيرا في التأليف ، والترتيب : ثم أفيضوا من حيث أفاض الناس ، فإذا أفضتم من عرفات.
  قوله تعالى : ( فَإِذَا قَضَيْتُم مَّنَاسِكَكُمْ ) إلى قوله : ذكرا ، دعوة إلى ذكر الله والبلاغ فيه بأن يذكره الناسك كذكره آبائه وأشد منه لان نعمته في حقه وهي نعمة الهداية كما ذكره بقوله تعالى : ( وَاذْكُرُوهُ كَمَا هَدَاكُمْ ) أعظم من حق آبائه عليه ، وقد قيل : إن العرب كانت في الجاهلية إذا فرغت من الحج مكثت حينا في منى فكانوا يتفاخرون بالآباء بالنظم والنثر فبدله الله تعالى من ذكره كذكرهم أو أشد من ذكرهم وأو في قوله أو أشد ذكرا ، للاضراب فتفيد معنى بل ، وقد وصف الذكر بالشدة وهو امر يقبل الشدة في الكيفية كما يقبل الكثرة في الكمية ، قال تعالى : ( اذْكُرُوا اللَّهَ ذِكْرًا كَثِيرًا ) الاحزاب ـ 41 ، وقال تعالى : ( وَالذَّاكِرِينَ اللَّهَ كَثِيرًا ) الاحزاب ـ 35 فإن الذكر بحسب الحقيقة ليس مقصورا في اللفظ ، بل هو امر يتعلق بالحضور القلبي واللفظ حاك عنه ، فيمكن ان يتصف بالكثرة من حيث الموارد بأن يذكر الله سبحانه في غالب الحالات كما قال تعالى : ( الَّذِينَ يَذْكُرُونَ اللّهَ قِيَامًا وَقُعُودًا وَعَلَىَ جُنُوبِهِمْ ) آل عمران ـ 191 ، وإن يتصف بالشدة في مورد من الموارد ، ولما كان المورد المستفاد من قوله تعالى : فإذا قضيتم مناسككم ، موردا يستوجب التلهي عنه تعالى ونسيانه كان الانسب توصيف الذكر الذي أمر به فيه بالشدة دون الكثرة كما هو ظاهر.
  قوله تعالى : ( فَمِنَ النَّاسِ مَن يَقُولُ رَبَّنَا آتِنَا فِي الدُّنْيَا ) ( الخ ) تفريع على قوله

الميزان في تفسير القران (الجزء الثاني)_ 81 _
  تعالى : ( فَاذْكُرُواْ اللّهَ كَذِكْرِكُمْ آبَاءكُمْ ) ، والناس مطلق ، فالمراد به أفراد الانسان أعم من الكافر الذي لا يذكر إلا آبائه أي لا يبتغي إلا المفاخر الدنيوية ولا يطلب إلا الدنيا ولا شغل له بالآخرة ، ومن المؤمن الذي لا يريد الا ما عند الله سبحانه ، ولو أراد من الدنيا شيئا لم يرد إلا ما يرتضيه له ربه ، وعلى هذا فالمراد بالقول والدعاء ما هو سؤال بلسان الحال دون المقال ، ويكون معنى الآية أن من الناس من لا يريد إلا الدنيا ولا نصيب له في الاخرة ومنهم من لا يريد إلا ما يرتضيه له ربه سواء في الدنيا أو في الاخرة ولهؤلاء نصيب في الاخرة.
  ومن هنا يظهر وجه ذكر الحسنة في قول أهل الاخرة دون أهل الدنيا ، وذلك أن من يريد الدنيا لا يقيده بأن يكون حسنا عند الله سبحانه بل الدنيا وما هو يتمتع به في الحياة الارضية كلها حسنة عنده موافقة لهوى نفسه ، وهذا بخلاف من يريد ما عند الله سبحانه فإن ما في الدنيا وما في الاخرة ينقسم عنده إلى حسنة وسيئة ولا يريد ولا يسأل ربه إلا الحسنة دون السيئة.
  و المقابلة بين قوله : وما له في الآخرة من خلاق ، وقوله : أولئك لهم نصيب مما كسبوا ، تعطي أن أعمال الطائفة الاولى باطلة حابطة بخلاف الثانية كما قال تعالى : ( وقدمنا إلى ما عملوا من عمل فجعلناه هباء منثورا ) الفرقان ـ 23 ، وقال تعالى : ( وَيَوْمَ يُعْرَضُ الَّذِينَ كَفَرُوا عَلَى النَّارِ أَذْهَبْتُمْ طَيِّبَاتِكُمْ فِي حَيَاتِكُمُ الدُّنْيَا وَاسْتَمْتَعْتُم بِهَا ) الاحقاف ـ 20 ، وقال تعالى : ( فَلَا نُقِيمُ لَهُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَزْنًا ) الكهف ـ 105.
  قوله تعالى : ( وَاللَّهُ سَرِيعُ الْحِسَابِ ) ، إسم من أسماء الله الحسنى ، وإطلاقه يدل على شموله للدنيا والآخرة معا ، فالحساب جار ، كلما عمل عبد شيئا من الحسنات أو غيرها آتاه الله الجزاء جزاء وفاقا.
  فالمحصل من معنى قوله : فمن الناس من يقول إلى آخر الآيات ، أن اذكروا الله تعالى فإن الناس على طائفتين : منهم من يريد الدنيا فلا يذكر غيرها ولا نصيب له في الآخرة ، ومنهم من يريد ما عند الله مما يرتضيه له وله نصيب من الاخرة والله سريع الحساب يسرع في حساب ما يريده عبده فيعطيه كما يريد ، فكونوا من أهل النصيب

الميزان في تفسير القران (الجزء الثاني)_ 82 _
  بذكر الله ولا تكونوا ممن لا خلاق له بتركه ذكر ربه فتكونوا قانطين آئسين.
  قوله تعالى : ( وَاذْكُرُواْ اللّهَ فِي أَيَّامٍ مَّعْدُودَاتٍ ) ، الايام المعدودات هي ايام التشريق وهي اليوم الحادي عشر والثاني عشر والثالث عشر من ذي الحجة ، والدليل على ان هذه الايام بعد العشرة من ذي الحجة ذكر الحكم بعد الفراغ عن ذكر أعمال الحج ، والدليل على كونها ثلاثة أيام قوله تعالى : ( فَمَن تَعَجَّلَ فِي يَوْمَيْنِ ) ( الخ) ، فإن التعجل في يومين إنما يكون إذا كانت الايام ثلاثة ، يوم ينفر فيه ، ويومان يتعجل فيهما فهي ثلاثة ، وقد فسرت في الروايات بذلك أيضا.
  قوله تعالى : ( فَمَن تَعَجَّلَ فِي يَوْمَيْنِ فَلاَ إِثْمَ عَلَيْهِ وَمَن تَأَخَّرَ فَلا إِثْمَ عَلَيْهِ لِمَنِ اتَّقَى ) ، لا نافية للجنس فقوله : لا إثم عليه في الموضعين ينفي جنس الاثم عن الحاج ولم يقيد بشيء أصلا ، ولو كان المراد لا إثم عليه في التعجل أو في التأخر لكان من اللازم تقييده به ، فالمعنى إن من اتم عمل الحج فهو مغفور لا ذنب له سواء تعجل في يومين أو تأخر ، ومن هنا يظهر : ان الآية ليست في مقام بيان التخيير بين التأخر والتعجل للناسك ، بل المراد بيان كون الذنوب مغفورة للناسك على أي حال.
  واما قوله : لمن اتقى ، فليس بيانا للتعجل والتأخر وإلا لكان حق الكلام ان يقال : على من اتقى ، بل الظاهر ان قوله : لمن اتقى نظير قوله تعالى : ذلك لمن لم يكن اهله حاضري المسجد الحرام الآية ، والمراد ان هذا الحكم لمن اتقى واما من لم يتق فليس له ، ومن اللازم ان يكون هذه التقوى تقوى مما نهى الله سبحانه عنه في الحج واختصه به فيؤل المعنى ان الحكم إنما هو لمن اتقى تروك الاحرام أو بعضها أما من لم يتق فيجب ان يقيم بمنى ويذكر الله في ايام معدودات ، وقد ورد هذا المعنى في بعض ما روي عن أئمه اهل البيت كما سيجئ إنشاء الله.
  قوله تعالى : ( وَاتَّقُواْ اللّهَ وَاعْلَمُوا أَنَّكُمْ إِلَيْهِ تُحْشَرُونَ ) ، امر بالتقوى في خاتمة الكلام وتذكير بالحشر والبعث فإن التقوى لا تتم والمعصية لا تجتنب إلا مع ذكر يوم الجزاء ، قال تعالى : ( إِنَّ الَّذِينَ يَضِلُّونَ عَن سَبِيلِ اللَّهِ لَهُمْ عَذَابٌ شَدِيدٌ بِمَا نَسُوا يَوْمَ الْحِسَابِ ) ص ـ 26.
  وفي اختيار لفظ الحشر في قوله تعالى : انكم إليه تحشرون ، مع ما في نسك

الميزان في تفسير القران (الجزء الثاني)_ 83 _
  الحج من حشر الناس وجمعهم لطف ظاهر ، وإشعار بأن الناسك ينبغي ان يذكر بهذا الجمع والافاضة يوما يحشر الله سبحانه الناس لا يغادر منهم احدا .

( بحث روائي )
  في التهذيب وتفسير العياشي عن الصادق ( عليه السلام ) : في قوله تعالى : ( وَأَتِمُّواْ الْحَجَّ وَالْعُمْرَةَ لِلّهِ ) ، قال : هما مفروضان .
  وفي تفسير العياشي عن زرارة وحمران ومحمد بن مسلم عن ابي جعفر وابي عبد الله ( عليهم السلام ) قالوا : سألناهما عن قوله : واتموا الحج والعمرة لله ، قالا : فإن تمام الحج ان لا يرفث ولا يفسق ولا يجادل .
  وفي الكافي عن الصادق ( عليه السلام ) في حديث قال : يعني بتمامهما أدائهما ، واتقاء ما يتقي المحرم فيهما .
  اقول : والروايات غير منافية لما قدمناه من معنى الاتمام فإن فرضهما وادائهما هو إتمامهما.
  وفي الكافي عن الحلبي عن الصادق ( عليه السلام ) قال : ان رسول الله ( صلى الله عليه وآله وسلم ) حين حج حجة الاسلام خرج في اربع بقين من ذي القعدة حتى اتى الشجرة وصلى بها ثم قاد راحلته حتى أتى البيداء فإحرم منها واهل بالحج وساق مأة بدنة واحرم الناس كلهم بالحج لا ينوون عمرة ولا يدرون ما المتعة ، حتى إذا قدم رسول الله ( صلى الله عليه وآله وسلم ) مكة طاف بالبيت وطاف الناس معه ثم صلى ركعتين عند المقام واستلم الحجر ، ثم قال : أبدا بما بدء الله عز وجل به فأتى الصفا فبدء بها ثم طاف بين الصفا والمروة سبعا ، فلما قضى طوافه عند المروة قام خطيبا وأمرهم ان يحلوا ويجعلوها عمرة ، وهو شيء امر الله عز وجل به فأحل الناس ، وقال رسول الله : لو كنت استقبلت من امري ما استدبرت لفعلت كما امرتكم ، ولم يكن يستطيع من اجل الهدى الذي معه ، إن الله عز وجل يقول : ولا تحلقوا رؤسكم حتى يبلغ الهدى محله ، قال سراقة بن جعثم الكناني : علمنا ديننا كأنا خلقنا اليوم ، أرأيت هذا الذي امرتنا به لعامنا أو لكل عام ؟ فقال

الميزان في تفسير القران (الجزء الثاني)_ 84 _
  رسول الله ( صلى الله عليه وآله وسلم ) لا بل للابد ، وإن رجلا قام فقال : يا رسول الله نخرج حجاجا ورؤسنا تقطر من نسائنا ؟ فقال رسول الله ( صلى الله عليه وآله وسلم ) إنك لن تؤمن بها أبدا ، قال : ( عليه السلام ) : واقبل علي ( عليه السلام ) من اليمن حتى وافى الحج فوجد فاطمة قد احلت ووجد ريح الطيب فانطلق إلى رسول الله ( صلى الله عليه وآله وسلم ) مستفتيا فقال رسول الله ( صلى الله عليه وآله وسلم ) : يا علي بأي شيء أهللت ؟ فقال بما اهل به النبي ، فقال : لا تحل انت فاشركه في الهدى وجعل له سبعا وثلاثين ونحر رسول الله ( صلى الله عليه وآله وسلم ) ثلاثا وستين فنحرها بيده ثم اخذ من كل بدنة بضعة فجعلها في قدر واحد ثم امر به فطبخ فأكل منه وحصا من المرق وقال ( صلى الله عليه وآله وسلم ) قد اكلنا الآن منه جميعا والمتعة خير من القارن السائق وخير من الحاج المفرد ، قال : وسئلته : ليلا احرم رسول الله ( صلى الله عليه وآله وسلم ) أم نهارا ؟ فقال : نهارا ، فقلت : اي ساعة ؟ قال : صلوة الظهر.
  اقول : وقد روي هذا المعنى في المجمع وغيره.
  وفي التهذيب عن الصادق ( عليه السلام ) قال : دخلت العمرة في الحج إلى يوم القيمه فمن تمتع بالعمرة إلى الحج فما استيسر من الهدى فليس لاحد إلا أن يتمتع لان الله انزل ذلك في كتابه وجرت به السنة من رسول الله ( صلى الله عليه وآله وسلم ).
  وفي الكافي أيضا عن الصادق ( عليه السلام ) في قوله تعالى : فما استيسر من الهدى شاة.
  وفي الكافي أيضا عن الصادق ( عليه السلام ) في المتمتع لا يجد الشاة ، قال : يصوم قبل التروية بيوم التروية ويوم عرفة ، قيل : فإنه قد قدم يوم التروية ؟ قال : يصوم ثلاثة ايام بعد التشريق ، قيل : لم يقم عليه جماله ؟ قال : يصوم يوم الحصبة وبعده يومين ، قيل : وما الحصبة ؟ قال يوم نفره ، قيل : يصوم وهو مسافر ؟ قال : نعم اليس هو يوم عرفة مسافرا ؟ إنا اهل بيت نقول بذلك ، يقول الله تعالى : فصيام ثلاثة ايام في الحج ، يقول : في ذي الحجة.
  وروي الشيخ عن الصادق ( عليه السلام ) قال : ما دون المواقيت إلى مكة فهو حاضري المسجد الحرام ، وليس له متعة .
  اقول : يعني ان ما دون المواقيت فساكنة يصدق عليه انه من حاضري المسجد الحرام وليس له متعة ، والروايات في هذه المعاني كثيرة من طرق أئمه اهل البيت.
  وفي الكافي عن الباقر ( عليه السلام ) في قوله تعالى : الحج اشهر معلومات ، قال :

الميزان في تفسير القران (الجزء الثاني)_ 85 _
  الحج اشهر معلومات شوال وذو القعدة وذو الحجة ليس لاحد ان يحج فيما سواهن.
  وفيه عن الصادق ( عليه السلام ) في قوله تعالى : فمن فرض فيهن ( الخ) ، الفرض التلبية والاشعار والتقليد فأي ذلك فعل فقد فرض الحج وفي الكافي عنه ( عليه السلام ) في قوله تعالى : فلا رفث ( الخ) ، الرفث الجماع ، والفسوق الكذب والسباب ، والجدال قول الرجل : لا والله وبلى والله.
  وفي تفسير العياشي عن الصادق ( عليه السلام ) في قوله تعالى : ( لا جناح عليكم ان تبتغوا فضلا من ربكم ) الآيه يعني الرزق فإذا أحل الرجل من إحرامه وقضى فليشتر وليبع في الموسم.
  اقول : ويقال : إنهم كانوا يتأثمون بالتجارة في الحج فرفع الله ذلك بالآيه.
  وفي المجمع ، وقيل : معناه لا جناح عليكم ان تطلبوا المغفرة من ربكم ، رواه جابر عن ابي جعفر ( عليه السلام ).
  اقول : وفيه تمسك بإطلاق الفضل وتطبيقه بأفضل الافراد.
  وفي تفسير العياشي عن الصادق ( عليه السلام ) في قوله تعالى : ( ثُمَّ أَفِيضُواْ مِنْ حَيْثُ أَفَاضَ النَّاسُ ) الآيه ، قال : إن اهل الحرم كانوا يقفون على المشعر الحرام ويقف الناس بعرفة ولا يفيضون حتى يطلع عليهم اهل عرفة ، وكان رجل يكني أبا سيار وكان له حمار فاره ، وكان يسبق اهل عرفه ، فإذا طلع عليهم قالوا : هذا أبو سيار ثم أفاضوا فامرهم الله ان يقفوا بعرفة وان يفيضوا منه.
  اقول : وفي هذا المعنى روايات اخر.
  وفي تفسير العياشي عن الصادق ( عليه السلام ) في قوله تعالى : ( رَبَّنَا آتِنَا فِي الدُّنْيَا حَسَنَةً وَفِي الآخِرَةِ حَسَنَةً ) ، قال : رضوان الله والجنة في الآخرة ، والسعة في الرزق وحسن الخلق في الدنيا
  وعنه ( عليه السلام ) قال : رضوان الله والتوسعة في المعيشة وحسن الصحبة ، وفي الآخرة الجنة.

الميزان في تفسير القران (الجزء الثاني)_ 86 _
  وعن علي ( عليه السلام ) في الدنيا المرئه الصالحة ، وفي الآخرة الحوراء ، وعذاب النار امرئة السوء.
  أقول : والروايات من قبيل عد المصداق والآيه مطلقة ، ولما كان رضوان الله تعالى مما يمكن حصوله في الدنيا وظهوره التام في الآخرة صح أن يعد من حسنات الدنيا كما في الرواية الاولى أو الآخرة كما في الرواية الثانية.
  وفي الكافي عن الصادق ( عليه السلام ) في قوله تعالى : ( وَاذْكُرُواْ اللّهَ فِي أَيَّامٍ مَّعْدُودَاتٍ ) الآية ، قال : وهي أيام التشريق ، وكانوا إذا أقاموا بمنى بعد النحر تفاخروا فقال الرجل منهم : كان أبي يفعل كذا وكذا ، فقال الله جل شأنه : فإذا قضيتم مناسككم فاذكروا الله كذكركم آبائكم أو أشد ذكرا ، قال : والتكبير : الله اكبر ، الله اكبر ، لا إله إلا الله والله اكبر ولله الحمد ، الله اكبر على ما هدانا ، الله اكبر على ما رزقنا من بهيمة الانعام
  وفيه عنه ( عليه السلام ) قال : والتكبير في أيام التشريق من صلاة الظهر يوم النحر إلى صلاة الفجر من اليوم الثالث ، وفي الامصار يكبر عقيب عشر صلوات.
  وفي الفقيه في قوله تعالى : ( فَمَن تَعَجَّلَ فِي يَوْمَيْنِ فَلاَ إِثْمَ عَلَيْهِ وَمَن تَأَخَّرَ فَلا إِثْمَ عَلَيْهِ ) الآية ، سئل الصادق ( عليه السلام ) في هذه الآية فقال : ليس هو على أن ذلك واسع إن شاء صنع ذا ، لكنه يرجع مغفورا له لا ذنب له.
  وفي تفسير العياشي عنه ( عليه السلام ) قال يرجع مغفورا له لا ذنب له لمن اتقى.
  وفي الفقيه عن الصادق ( عليه السلام ) في قوله تعالى : ( لِمَنِ اتَّقَى ) الآية ، قال : يتقي الصيد حتى ينفر أهل منى .
  وعن الباقر ( عليه السلام ) لمن اتقى الرفث والفسوق والجدال وما حرم الله في إحرامه.
  وعنه أيضا : لمن اتقى الله عز وجل.
  وعن الصادق ( عليه السلام ) لمن اتقى الكبائر.
  أقول : قد عرفت ما يدل عليه الآية ، ويمكن التمسك بعموم التقوى كما في

الميزان في تفسير القران (الجزء الثاني)_ 87 _
  الروايتين الاخيرتين.
  ( بحث روائي آخر )
  في الدر المنثور أخرج البخاري والبيهقي عن ابن عباس أنه سئل عن متعة الحج فقال : أهل المهاجرون والانصار وأزواج النبي ( صلى الله عليه وآله وسلم ) في حجة الوداع وأهللنا فلما قدمنا مكة ، قال : رسول الله ( صلى الله عليه وآله وسلم ) : اجعلوا إهلالكم بالحج عمرة إلا من قلد الهدى فطفنا بالبيت وبالصفا والمروة وأتينا النساء ولبسنا الثياب ، وقال : من قلد الهدى فإنه لا يحل حتى يبلغ الهدى ثم أمرنا عشية التروية أن نهل بالحج ، فإذا فرغنا من المناسك جئنا فطفنا بالبيت وبالصفا والمروة وقد تم حجنا وعلينا الهدى كما قال الله : فما استيسر من الهدى فمن لم يجد فصيام ثلاثة أيام في الحج وسبعة إذا رجعتم إلى أمصاركم والشاة تجزي فجمعوا نسكين في عام بين الحج والعمرة فإن الله أنزله في كتابه وسنة نبيه وأباحه للناس غير أهل مكة ، قال الله تعالى : ذلك لمن لم يكن أهله حاضري المسجد الحرام ، وأشهر الحج التي ذكر الله : شوال وذو القعدة وذو الحجة ، فمن تمتع في هذه الاشهر فعليه دم أو صوم ، والرفث الجماع ، والفسوق المعاصي ، والجدال المراء.
  وفي الدر المنثور أيضا أخرج البخاري ومسلم عن ابن عمر ، قال : تمتع رسول الله في حجة الوداع بالعمرة إلى الحج وأهدى فساق معه الهدى من ذي الحليفة ، وبدأ رسول الله فأهل بالعمرة ثم أهل بالحج فتمتع الناس مع النبي ( صلى الله عليه وآله وسلم ) بالعمره إلى الحج فكان من الناس من أهدى فساق الهدى ومنهم من لم يهد ، فلما قدم النبي ( صلى الله عليه وآله وسلم ) مكة قال للناس : من كان منكم أهدى فإنه لا يحل لشئ حرم منه حتى يقضى حجه ومن لم يكن أهدى فليطف بالبيت ، وبالصفا والمروة وليقصر وليحلل ثم ليهل بالحج فمن لم يجد هديا فليصم ثلاثة أيام في الحج وسبعة إذا رجع إلى أهله.
  وفي الدر المنثور أيضا أخرج الحاكم وصححه من طريق مجاهد وعطاء عن جابر : قال : كثرت القالة من الناس فخرجنا حجاجا حتى إذا لم يكن بيننا وبين أن نحل إلا ليال قلائل أمرنا بالاحلال ، قلنا أيروح أحدنا إلى عرفة وفرجه يقطر منيا ؟ فبلغ ذلك رسول الله فقام خطيبا فقال : أ بالله تعلمون أيها الناس ؟ فأنا والله أعلمكم بالله

الميزان في تفسير القران (الجزء الثاني)_ 88 _
  وأتقاكم له ولو استقبلت من أمري ما استدبرت ما سقت هديا ولحللت كما أحلوا ، فمن لم يكن معه هدى فليصم ثلاثة أيام في الحج وسبعة إذا رجع إلى أهله ، ومن وجد هديا فلينحر فكنا ننحر الجزور عن سبعة ، قال عطاء : قال ابن عباس : إن رسول الله ( صلى الله عليه وآله وسلم ) قسم يومئذ في أصحابه غنما فأصاب سعد بن أبي وقاص تيس فذبحه عن نفسه .
  وفي الدر المنثور أيضا أخرج ابن أبي شيبة والبخاري ومسلم عن عمر ان بن حصين قال : نزلت آية المتعة في كتاب الله وفعلناها مع رسول الله صلى عليه وآله وسلم ثم لم ينزل آية تنسخ آية متعة الحج ولم ينه عنه حتى مات ، قال رجل برأيه ما شاء.
  أقول : وقد رويت الرواية بألفاظ أخرى قريبة المعنى مما نقله في الدر المنثور.
  وفي صحيح مسلم ومسند أحمد وسنن النسائي عن مطرف ، قال : بعث إلى عمران بن حصين في مرضه الذي توفي فيه فقال : إني كنت محدثك بأحاديث لعل الله أن ينفعك بها بعدي فإن عشت فاكتم علي وإن مت فحدث بها عني إني قد سلم على وأعلم أن نبي الله ( صلى الله عليه وآله وسلم ) قد جمع بين حج وعمرة ثم لم ينزل فيها كتاب الله ولم ينه عنه نبي الله ، قال رجل فيها برأيه ما شاء.
  وفي صحيح الترمذي أيضا وزاد المعاد لابن القيم سئل عبد الله بن عمر عن متعة الحج ، قال : هي حلال فقال له السائل : إن أباك قد نهى عنها فقال : أرأيت إن كان أبي نهى وصنعها رسول الله ( صلى الله عليه وآله وسلم ) أمر أبي تتبع أم أمر رسول الله ( صلى الله عليه وآله وسلم ) فقال الرجل : بل أمر رسول الله ( صلى الله عليه وآله وسلم ) فقال : لقد صنعها رسول الله ( صلى الله عليه وآله وسلم ).
  وفي صحيح الترمذي وسنن النسائي وسنن البيهقي وموطأ مالك وكتاب الام للشافعي عن محمد بن عبد الله أنه سمع سعد بن ابى وقاص والضحاك بن قيس عام حج معاوية بن أبي سفيان وهما يذكران التمتع بالعمرة إلى الحج فقال الضحاك : لا يصنع ذلك إلا من جهل أمر الله ، فقال سعد بئسما قلت يا بن أخي ، قال الضحاك : فإن عمر بن الخطاب نهى عن ذلك ، قال سعد : قد صنعها رسول الله وصنعناها معه.
  وفي الدر المنثور أخرج البخاري ومسلم والنسائي عن أبي موسى ، قال : قدمت على رسول الله ( صلى الله عليه وآله وسلم ) وهو بالبطحاء فقال ( صلى الله عليه وآله وسلم ) : أهللت ؟ قلت : أهللت بإهلال النبي ( صلى الله عليه وآله وسلم ) ، قال : هل سقت من هدى ؟ قلت : لا ، قال : طف بالبيت وبالصفا والمروة

الميزان في تفسير القران (الجزء الثاني)_ 89 _
  ثم حل فطفت بالبيت ، وبالصفا والمروة ، ثم أتيت امرأه من قومي فمشطتني رأسي وغسلت رأسي فكنت أفتي الناس في إمارة أبي بكر وإمارة عمر فإني لقائم بالموسم إذ جائني رجل فقال : إنك لا تدري ما أحدث أمير المؤمنين في شأن النسك فقلت : أيها الناس من كنا أفتيناه بشيء فليتئد فهذا أمير المؤمنين قادم عليكم فيه فاتموا فلما قدم قلت : ماذا الذي أحدثت في شأن النسك ؟ قال : أن نأخذ بكتاب الله فإن الله قال : وأتموا الحج والعمرة لله ، وأن نأخذ بسنة نبينا ( صلى الله عليه وآله وسلم ) لم يحل حتى نحر الهدى.
  وفي الدر المنثور أيضا أخرج مسلم عن أبي نضرة ، قال : كان ابن عباس يأمر بالمتعة وكان ابن الزبير ينهي عنها فذكر ذلك لجابر بن عبد الله فقال : على يدي دار الحديث تمتعنا مع رسول الله ( صلى الله عليه وآله وسلم ) فلما قام عمر قال : إن الله كان يحل لرسول الله ما شاء مما شاء وإن القرآن نزل منازله فأتموا الحج والعمرة كما أمركم الله وافصلوا حجكم من عمرتكم فإنه اتم لحجكم وأتم لعمرتكم.
  وفي مسند أحمد عن أبي موسى أن عمر قال : هي سنة رسول الله ( صلى الله عليه وآله وسلم ) يعني المتعة ولكني اخشى ان يعرسوا بهن تحت الاراك ثم يروحوا بهن حجاجا.
  وفي جمع الجوامع للسيوطي عن سعيد بن المسيب أن عمر بن الخطاب نهى عن المتعة في أشهر الحج وقال : فعلتها مع رسول الله ( صلى الله عليه وآله وسلم ) وأنا أنهي عنها وذلك أن احدكم يأتي من افق من الآفاق شعثا نصبا معتمرا في أشهر الحج وإنما شعثه ونصبه وتلبيته في عمرته ثم يقدم فيطوف بالبيت ويحل ويلبس ويتطيب ويقع على أهله إن كانوا معه حتى إذا كان يوم التروية أهل بالحج وخرج إلى منى يلبي بحجه لا شعث فيها ولا نصب ولا تلبية إلا يوما والحج أفضل من العمرة ، لو خلينا بينهم وبين هذا لعانقوهن تحت الاراك مع أن أهل البيت ليس لهم ضرع ولا زرع وإنما ربيعهم فيمن يطرء عليهم.
  وفي سنن البيهقي عن مسلم عن أبي نضرة عن جابر ، قال : قلت : إن ابن الزبير ينهي عن المتعة وإبن عباس يأمر به ، قال : على يدي جرى الحديث ، تمتعنا مع رسول الله ( صلى الله عليه وآله وسلم ) ومع أبي بكر فلما ولى عمر خطب الناس ، فقال : ان رسول الله ( صلى الله عليه وآله وسلم ) هذا الرسول والقرآن هذا القرآن وإنهما كانتا متعتين على عهد رسول الله صلى الله عليه آله وسلم وأنا أنهي عنهما وأعاقب عليهما إحديهما متعة النساء ولا أقدر على رجل تزوج امرأة إلى اجل إلا

الميزان في تفسير القران (الجزء الثاني)_ 90 _
  غيبته بالحجارة والاخرى متعة الحج.
  وفي سنن النسائي عن ابن عباس قال : سمعت عمر يقول : والله إني لانهاكم عن المتعة وانها لفي كتاب الله ولقد فعلها رسول الله ( صلى الله عليه وآله وسلم ) ، يعني العمرة في الحج.
  وفي الدر المنثور اخرج مسلم عن عبد الله بن شقيق ، قال : كان عثمان ينهي عن المتعة وكان علي يأمر بها فقال عثمان لعلي كلمة فقال علي ( عليه السلام ) : لقد علمت انا تمتعنا مع رسول الله ( صلى الله عليه وآله وسلم ) ، قال : ولكنا كنا خائفين.
  وفي الدر المنثور ايضا اخرج ابن ابي شيبة ومسلم عن ابي ذر كانت المتعة في الحج لاصحاب محمد ( صلى الله عليه وآله وسلم ) خاصة.
  وفي الدر المنثور أيضا أخرج مسلم عن أبي ذر قال : لا تصلح المتعتان إلا لنا خاصة يعني متعة النساء ومتعة الحج.
  اقول : والروايات في هذا المعنى كثيرة جدا لكنا اقتصرنا منها على ما له دخل في غرضنا وهو البحث التفسيري عن نهيه ، فإن هذا النهى ربما يبحث فيه من جهه كون ناهيه محقا أو معذورا فيه وعدم كونه كذلك ، وهو بحث كلامي خارج عن غرضنا في هذا الكتاب.
  وربما يبحث فيه من جهة اشتمال الروايات على الاستدلال على هذا المعنى بما له تعلق بالكتاب أو السنة فترتبط بدلالة ظاهر الكتاب والسنة ، وهو سنخ بحثنا في هذا الكتاب.
  فنقول : أما الاستدلال على النهي عن التمتع بأنه هو الذي يدل عليه قوله تعالى ( وَأَتِمُّواْ الْحَجَّ وَالْعُمْرَةَ لِلّهِ ) الآيه وان التمتع مما كان مختصا برسول الله ( صلى الله عليه وآله وسلم ) كما يدل عليه ما في رواية أبي نضرة عن جابر : أن الله كان يحل لرسوله ما شاء مما شاء وأن القرآن قد نزل منازله فأتموا الحج والعمرة كما امركم الله ، فقد عرفت : ان قوله تعالى : ( وَأَتِمُّواْ الْحَجَّ وَالْعُمْرَةَ لِلّهِ ) الآيه لا يدل على أزيد من وجوب إتمام الحج والعمرة بعد فرضهما .
  والدليل عليه قوله تعالى : فإن أحصرتم ( الخ) ، واما كون الآيه دالة على الاتمام بمعنى فصل العمرة من الحج ، وأن عدم الفصل كان أمر خاصا برسول الله ( صلى الله عليه وآله وسلم ) خاصة ، أو به وبمن معه في تلك الحجة ( حجة الوداع ) فدون إثباته خرط القتاد.
  وفيه مع ذلك اعتراف بأن التمتع كان سنة رسول الله ( صلى الله عليه وآله وسلم ) كما في رواية النسائي عن ابن عباس من قوله : والله إني لانهاكم عن المتعة إلى قوله : ولقد فعلها

الميزان في تفسير القران (الجزء الثاني)_ 91 _
  رسول الله ( صلى الله عليه وآله وسلم ).
  واما الاستدلال عليه بأن في النهي اخذا بالكتاب أو السنة كما في رواية ابي موسى من قوله : ان نأخذ بكتاب الله فإن الله قال : واتموا الحج والعمرة لله وأن نأخذ بسنة نبينا لم يحل حتى نحر الهدى انتهى ، فقد عرفت ان الكتاب يدل على خلافه ، واما ان ترك التمتع سنة النبي ( صلى الله عليه وآله وسلم ) لكونه لم يحل حتى نحر الهدى ففيه :
  اولا : انه مناقض لما نص به نفسه على ما يثبته الروايات الاخر التي مر بعضها آنفا.
  وثانيا : ان الروايات ناصة على ان رسول الله ( صلى الله عليه وآله وسلم ) صنعها ، وانه ( صلى الله عليه وآله وسلم ) اهل بالعمرة واهل ثانيا بالحج ، وانه خطب وقال : أبا لله تعلمون ايها الناس ، ومن عجيب الدعوى في هذا المقام ما ادعاه ابن تيمية ان حج رسول الله ( صلى الله عليه وآله وسلم ) كان حج قران وان المتعة كانت تطلق على حج القران !
  وثالثا : ان مجرد عدم حلق الراس حتى يبلغ الهدى محله ليس احراما للحج ولا يثبت به ذلك ، والآيه ايضا تدل على ان سائق الهدي الذي حكمه عدم الحلق ، إذا لم يكن اهله حاضري المسجد الحرام فهو متمتع لا محالة.
  ورابعا : هب ان رسول الله ( صلى الله عليه وآله وسلم ) اتى بغير التمتع لكنه امر جميع اصحابه ومن معه بالتمتع ، وكيف يمكن ان يعد ما شأنه هذا سنته ؟ وهل يمكن ان يتحقق امر خص به رسول الله نفسه ويأمر أمته بغيره وينزل به الكتاب ثم يكون بعد سنة متبعة بين الناس ؟ !
  واما الاستدلال عليه بأن التمتع يوجب هيئة لا تلائم وضع الحاج ويورده مورد الاستلذاذ بإتيان النساء واستعمال الطيب ولبس الفاخر من الثياب كما يدل عليه ما في رواية أحد عن أبي موسى من قوله : ولكني اخشى ان يعرسوا بهن تحت الاراك ثم يروحوا بهن حجاجا انتهى ، وكما في بعض الروايات قد علمت ان النبي ( صلى الله عليه وآله وسلم ) فعله واصحابه ولكني كرهت ان يعرسوا بهن في الاراك ثم يروحون في الحج تقطر رؤوسهم انتهى ، ففيه أنه اجتهاد في مقابل النص وقد نص الله ورسوله على الحكم ، والله ورسوله أعلم بأن هذا الحكم يمكن أن يؤدي إلى ما كان يخشاه ويكرهه ! ومن أعجب

الميزان في تفسير القران (الجزء الثاني)_ 92 _
  الامر أن الآيه التي تشرع هذا الحكم يأتي في بيانها بعين المعنى الذي أظهر أنه يخشاه ويكرهه فقد قال تعالى : فمن تمتع بالعمرة إلى الحج ، فهل التمتع إلا استيفاء الحظ من المتاع والالتذاذ بطيبات النكاح واللباس وغيرهما ؟ وهو الذي كان يخشاه ويكرهه !
  واعجب منه : ( ان الاصحاب قد اعترضوا على الله ورسوله حين نزول ) الآية ! وامر النبي ( صلى الله عليه وآله وسلم ) بالتمتع بعين ما جعله سببا للنهي حين قالوا كما في رواية الدر المنثور عن الحاكم عن جابر قلنا : أيروح أحدنا إلى عرفة وفرجه يقطر منيا انتهى فبلغ ذلك النبي ( صلى الله عليه وآله وسلم ) فقام خطيبا ورد عليهم قولهم وأمرهم ثانيا بالتمتع كما فرضه عليهم أولا.
  واما الاستدلال عليه بأن التمتع يوجب تعطل أسواق مكة كما في رواية السيوطي عن سعيد بن المسيب من قوله : مع ان أهل البيت ليس لهم ضرع ولا زرع وإنما ربيعهم فيمن يطرء عليهم انتهى.
  ففيه أيضا : أنه اجتهاد في مقابل النص ، على ان الله سبحانه يرد عليه في نظير المسأله بقوله : ( يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ إِنَّمَا الْمُشْرِكُونَ نَجَسٌ فَلاَ يَقْرَبُواْ الْمَسْجِدَ الْحَرَامَ بَعْدَ عَامِهِمْ هَذَا وَإِنْ خِفْتُمْ عَيْلَةً فَسَوْفَ يُغْنِيكُمُ اللّهُ مِن فَضْلِهِ إِن شَاء إِنَّ اللّهَ عَلِيمٌ حَكِيمٌ ) التوبة ـ 28.
  واما الاستدلال عليه بإن تشريع التمتع لمكان الخوف فلا تمتع في غير حال الخوف كما في رواية الدر المنثور عن مسلم عن عبد الله بن شقيق من قول عثمان لعلي ( عليه السلام ) ولكنا كنا خائفين انتهى ، وقد روي نظيره عن ابن الزبير كما رواه في الدر المنثور ، قال أخرج ابن أبي شيبة وابن جرير وابن المنذر عن ابن الزبير أنه خطب فقال : يا أيها الناس والله ما التمتع بالعمرة إلى الحج كما تصنعون ، إنما التمتع أن يهل الرجل بالحج فيحضره عدو أو مرض أو كسر ، أو يحبسه امر حتى يذهب ايام الحج فيقدم فيجعلها عمرة فيتمتع تحلة إلى العام المقبل ثم يحج ويهدي هديا فهذا التمتع بالعمرة إلى الحج الحديث.
  ففيه : ان الآيه مطلقة تشمل الخائف وغيره فقد عرفت ان الجملة الدالة على تشريع حكم التمتع هي قوله تعالى : ( ذَلِكَ لِمَن لَّمْ يَكُنْ أَهْلُهُ حَاضِرِي الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ ) الآية دون

الميزان في تفسير القران (الجزء الثاني)_ 93 _
  قوله تعالى : ( فَمَن تَمَتَّعَ بِالْعُمْرَةِ إِلَى الْحَجِّ ) الآية.
  على أن جميع الروايات ناصة في ان النبي ( صلى الله عليه وآله وسلم ) اتى بحجه تمتعا ، وانه أهل بإهلالين للعمرة والحج.
  واما الاستدلال عليه : بأن التمتع كان مختصا بأصحاب النبي ( صلى الله عليه وآله وسلم ) كما في روايتي الدر المنثور عن ابي ذر ، فإن كان المراد ما ذكر من استدلال عثمان وابن الزبير فقد عرفت جوابه ، وإن كان المراد انه كان حكما خاصا لاصحاب النبي لا يشمل غيرهم ، ففيه انه مدفوع بإطلاق قوله تعالى : ( ذَلِكَ لِمَن لَّمْ يَكُنْ أَهْلُهُ حَاضِرِي الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ ) الآية.
  على ان إنكار بعض أصحاب النبي ( صلى الله عليه وآله وسلم ) لذلك الحكم وتركهم له كعمر وعثمان وابن الزبير وابي موسى ومعاوية ( وروي ان منهم ابا بكر ) ينافي ذلك !
  واما الاستدلال عليه بالولاية وانه إنما نهى عنه بحق ولايته الامر وقد فرض الله طاعة أولي الامر إذ قال ( أَطِيعُواْ اللّهَ وَأَطِيعُواْ الرَّسُولَ وَأُوْلِي الأَمْرِ مِنكُمْ ) النساء ـ 54الآية ، ففيه ان الولاية التي جعلها القرآن لاهلها لا يشمل المورد.
  بيان ذلك : ان الآيات قد تكاثرت على وجوب اتباع ما انزله الله على رسوله كقوله تعالى : ( اتَّبِعُواْ مَا أُنزِلَ إِلَيْكُم مِّن رَّبِّكُمْ ) الاعراف ـ 3 ، وما بينه رسول الله مما شرعه ( وَلاَ يُحَرِّمُونَ مَا حَرَّمَ اللّهُ وَرَسُولُهُ ) التوبه ـ 29 ، وقوله تعالى : ( مَا آتَاكُمُ الرَّسُولُ فَخُذُوهُ وَمَا نَهَاكُمْ عَنْهُ فَانتَهُوا ) الحشر ـ 7 ، فالمراد بالايتاء الامر بقرينة مقابلته بقوله : وما نهيكم عنه ، فيجب إطاعة الله ورسوله بامتثال الاوامر وانتهاء النواهي ، وكذلك الحكم والقضاء كما قال تعالى : ( وَمَن لَّمْ يَحْكُم بِمَا أنزَلَ اللّهُ فَأُوْلَئِكَ هُمُ الظَّالِمُونَ ) المائدة ـ 45 ، وفي موضع آخر ( فَأُوْلَئِكَ هُمُ الْفَاسِقُونَ ) المائدة ـ 47 ، وفي موضع آخر ( فَأُوْلَئِكَ هُمُ الْكَافِرُونَ ) المائدة ـ 44 ، وقال تعالى : ( وَمَا كَانَ لِمُؤْمِنٍ وَلَا مُؤْمِنَةٍ إِذَا قَضَى اللَّهُ وَرَسُولُهُ أَمْرًا أَن يَكُونَ لَهُمُ الْخِيَرَةُ مِنْ أَمْرِهِمْ وَمَن يَعْصِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ ضَلَّ ضَلَالًا مُّبِينًا ) الاحزاب ـ 36 ، وقال : ( وَرَبُّكَ يَخْلُقُ مَا يَشَاء وَيَخْتَارُ مَا كَانَ لَهُمُ الْخِيَرَةُ ) القصص ـ 68 فإن المراد بالاختيار هو القضاء والتشريع أو ما يعم ذلك ، وقد نص القرآن على انه

الميزان في تفسير القران (الجزء الثاني)_ 94 _
  كتاب غير منسوخ وان الاحكام باقية على ما هي عليها إلى يوم القيامة ، قال تعالى : ( وَإِنَّهُ لَكِتَابٌ عَزِيزٌ {فصلت/41} لَا يَأْتِيهِ الْبَاطِلُ مِن بَيْنِ يَدَيْهِ وَلَا مِنْ خَلْفِهِ تَنزِيلٌ مِّنْ حَكِيمٍ حَمِيدٍ ) فصلت ـ 42 ، فالآية مطلقة تشمل نسخ الحكم فما شرعه الله ورسوله أو قضى به الله ورسوله يجب اتباعه على الامة ، أولي الامر فمن دونهم.
  ومن هنا يظهر : ان قوله تعالى : ( أَطِيعُواْ اللّهَ وَأَطِيعُواْ الرَّسُولَ وَأُوْلِي الأَمْرِ مِنكُمْ ) إنما يجعل لاولى الامر حق الطاعة في غير الاحكام فهم ومن دونهم من الامة سواء في انه يجب عليهم التحفظ لاحكام الله ورسوله بل هو عليهم أوجب ، فالذي يجب فيه طاعة اولي الامر إنما هو ما يأمرون به وينهون عنه فيما يرون صلاح الامة فيه ، من فعل أو ترك مع حفظ حكم الله في الواقعة.
  فكما ان الواحد من الناس له ان يتغذى يوم كذا أو لا يتغذى مع جواز الاكل له من مال نفسه ، وله ان يبيع ويشتري يوم كذا أو يمسك عنه مع كون البيع حلالا ، وله ان يترافع إلى الحاكم إذا نازعه احد في ملكه ، وله ان يعرض عن الدفاع مع جواز الترافع ، كل ذلك إذا رأى صلاح نفسه في ذلك مع بقاء الاحكام على حالها ، وليس له أن يشرب الخمر ، ولا له ان يأخذ الربا ، ولا له ان يغصب مال غيره بإبطال ملكه وإن رأى صلاح نفسه في ذلك لان ذلك كله يزاحم حكم الله تعالى ، هذا كله في التصرف الشخصي ، كذلك ولي الامر له ان يتصرف في الامور العامة على طبق المصالح الكلية مع حفظ الاحكام الالهية على ما هي عليها ، فيدافع عن ثغور الاسلام حينا ، ويمسك عن ذلك حينا ، على حسب ما يشخصه من المصالح العامة ، أو يأمر بالتعطيل العمومي أو الانفاق العمومي يوما إلى غير ذلك بحسب ما يراه من المصلحة.
  وبالجملة كل ما للواحد من المسلمين ان يتصرف فيه بحسب صلاح شخصه مع التحفظ على حكم الله سبحانه في الواقعة فلوالي الامر من قبل رسول الله ( صلى الله عليه وآله وسلم ) ان يتصرف فيه بحسب الصلاح العام العائد إلى حال المسلمين مع التحفظ بحكم الله سبحانه في الواقعة.
  ولو جاز لولي الامر ان يتصرف في الحكم التشريعي تكليفا أو وضعا بحسب ما يراه من صلاح الوقت لم يقم حكم على ساق ، ولم يكن لاستمرار الشريعه إلى يوم القيمة

الميزان في تفسير القران (الجزء الثاني)_ 95 _
  معنى البتة ، فما الفرق بين ان يقول قائل : ان حكم التمتع من طيبات الحياة لا يلائم هيئة النسك والعبادة من الناسك فيلزم تركه ، وبين ان يقول القائل : ان اباحة الاسترقاق لا تناسب وضع الدنيا الحاضرة القاضية بالحرية العامة فيلزم اهمالها ، أو ان اجراء الحدود مما لا تهضمه الانسانية الراقية اليوم ، والقوانين الجارية في العالم اليوم لا تقبله فيجب تعطيله ؟ !
  وقد يفهم هذا المعنى من بعض الروايات في الباب كما في الدر المنثور : اخرج اسحق بن راعويه في مسنده ، واحمد عن الحسن : ان عمر بن الخطاب هم ان ينهي عن متعة الحج فقام إليه أبي بن كعب ، فقال : ليس ذلك لك قد نزل بها كتاب الله واعتمرنا مع رسول الله ( صلى الله عليه وآله وسلم ) فنزل عمر.
  ( وَمِنَ النَّاسِ مَن يُعْجِبُكَ قَوْلُهُ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَيُشْهِدُ اللّهَ عَلَى مَا فِي قَلْبِهِ وَهُوَ أَلَدُّ الْخِصَامِ * وَإِذَا تَوَلَّى سَعَى فِي الأَرْضِ لِيُفْسِدَ فِيِهَا وَيُهْلِكَ الْحَرْثَ وَالنَّسْلَ وَاللّهُ لاَ يُحِبُّ الفَسَادَ * وَإِذَا قِيلَ لَهُ اتَّقِ اللّهَ أَخَذَتْهُ الْعِزَّةُ بِالإِثْمِ فَحَسْبُهُ جَهَنَّمُ وَلَبِئْسَ الْمِهَادُ * وَمِنَ النَّاسِ مَن يَشْرِي نَفْسَهُ ابْتِغَاء مَرْضَاتِ اللّهِ وَاللّهُ رَؤُوفٌ بِالْعِبَادِ )
  ( بيان )
  تشتمل الآيات على تقسيم آخر للناس من حيث نتائج صفاتهم كما ان الآيات السابقة اعني قوله تعالى : (فَمِنَ النَّاسِ مَن يَقُولُ رَبَّنَا آتِنَا فِي الدُّنْيَا ) ( الخ ) تشتمل على تقسيم لهم غير ان تلك الآيات تقسمهم من حيث طلب الدنيا أو الآخرة ، وهذه الآيات تقسمهم من حيث النفاق والخلوص في الايمان فمناسبة الآيات مع آيات حج التمتع ظاهرة.
  قوله تعالى : ( وَمِنَ النَّاسِ مَن يُعْجِبُكَ قَوْلُهُ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا ) ( الخ ) اعجبه الشئ

الميزان في تفسير القران (الجزء الثاني)_ 96 _
  اي راقه وسره ، وقوله : في الحياة الدنيا ، متعلق بقوله : يعجبك ، اي ان الاعجاب في الدنيا من جهة ان هذه الحياة نوع حياة لا تحكم الا على الظاهر ، واما الباطن والسريرة فتحت الستر ووراء الحجاب ، لا يشاهده الانسان وهو متعلق الحياة بالدنيا الا ان يستكشف شيئا من امر الباطن من طريق الآثار ويناسبه ما يتلوه : من قوله تعالى : ويشهد الله على ما في قلبه ، والمعنى انه يتكلم بما يعجبك كلامه ، من ما يشير به إلى رعاية جانب الحق ، والعناية بصلاح الخلق ، وتقدم الدين والامه وهو اشد الخصماء للحق خصومة ، وقوله : الد ، افعل التفضيل من لد لدودا إذا اشتد خصومة ، والخصام جمع خصم كصعب وصعاب وكعب وكعاب ، وقيل : الخصام مصدر ، ومعنى ألد الخصام اشد خصومة.
  قوله تعالى : ( وَإِذَا تَوَلَّى سَعَى فِي الأَرْضِ لِيُفْسِدَ فِيِهَا ) ( الخ ) التولي هو تملك الولاية والسلطان ، ويؤيده قوله تعالى في الآية التالية : أخذته العزة بالاثم ، الدال على ان له عزة مكتسبة بالاثم الذي يأثم به قلبه غير الموافق للسانه ، والسعي هو العمل والاسراع في المشي ، فالمعنى وإذا تمكن هذا المنافق الشديد الخصومة من العمل وأوتي سلطانا وتولى امر الناس سعى في الارض ليفسد فيها ، ويمكن ان يكون التولي بمعنى الاعراض عن المخاطبة والمواجهة ، اي إذا خرج من عندك كانت غيبته مخالفة لحضوره ، وتبدل ما كان يظهره من طلب الصلاح والخير إلى السعي في الارض لاجل الفساد والافساد.
  قوله تعالى : ( وَيُهْلِكَ الْحَرْثَ وَالنَّسْلَ ) ، ظاهرة انه بيان لقوله تعالى : ليفسد فيها اي يفسد فيها بإهلاك الحرث والنسل ، ولما كان قوام النوع الانساني من حيث الحياة والبقاء بالتغذي والتوليد فهما الركنان القويمان اللذان لا غناء عنهما للنوع في حال : اما التوليد فظاهر ، واما التغذي فانما يركن الانسان فيه إلى الحيوان والنبات ، والحيوان يركن إلى النبات ، فالنبات هو الاصل ويستحفظ بالحرث وهو تربية النبات ، فلذلك علق الفساد على الحرث والنسل فالمعنى انه يفسد في الارض بإفناء الانسان وابادة هذا النوع بإهلاك الحرث والنسل.
  قوله تعالى : ( وَاللّهُ لاَ يُحِبُّ الفَسَادَ ) ، المراد بالفساد ليس ما هو فساد في الكون

الميزان في تفسير القران (الجزء الثاني)_ 97 _
  والوجود ( الفساد التكويني ) فإن النشأة نشأة الكون والفساد ، وعالم التنازع في البقاء ولا كون إلا بفساد ، ولا حياة إلا بموت ، وهما متعانقان في هذا الوجود الطبيعي في النشأة الطبيعية ، وحاشا ان يبغض الله سبحانه ما هو مقدره وقاضيه.
  وانما هو الفساد المتعلق بالتشريع فإن الله انما شرع ما شرعه من الدين ليصلح به اعمال عباده فيصلح اخلاقهم وملكات نفوسهم فيعتدل بذلك حال الانسانية والجامعة البشرية ، وعند ذلك تسعد حياتهم في الدنيا وحياتهم في الآخرة على ما سيجئ بيانه في قوله تعالى : كان الناس أمه واحدة.
  فهذا الذي يخالف ظاهر قوله باطن قلبه إذا سعى في الارض بالفساد فإنما يفسد بما ظاهره الاصلاح بتحريف الكلمة عن موضعها ، وتغيير حكم الله عما هو عليه ، والتصرف في التعاليم الدينية ، بما يؤدي إلى فساد الاخلاق واختلاف الكلمة ، وفي ذلك موت الدين ، وفناء الانسانية ، وفساد الدنيا ، وقد صدق هذه الآيات ما جرى عليه التاريخ من ولاية رجال وركوبهم اكتاف هذه الامة الاسلامية ، وتصرفهم في امر الدين والدنيا بما لم يستعقب للدين الا وبالا ، وللمسلمين الا انحطاط ، ا وللامة الا اختلافا ، فلم يلبث الدين حتى صار لعبة لكل لاعب ، ولا الانسانية الا خطفة لكل خاطف ، فنتيجة هذا السعي فساد الارض ، وذلك بهلاك الدين اولا ، وهلاك الانسانية ثانيا ، ولهذا فسر قوله ويهلك الحرث والنسل في بعض الروايات بهلاك الدين والانسانية كما سيأتي انشاء الله.
  قوله تعالى : ( وَإِذَا قِيلَ لَهُ اتَّقِ اللّهَ أَخَذَتْهُ الْعِزَّةُ بِالإِثْمِ فَحَسْبُهُ جَهَنَّمُ وَلَبِئْسَ الْمِهَادُ ) ، العزة معروفة ، والمهاد الوطاء ، والظاهر ان قوله : بالاثم متعلق بالعزة ، والمعنى انه إذا أمر بتقوى الله اخذتة العزة الظاهرة التي اكتسبها بالاثم والنفاق المستبطن في نفسه ، وذلك ان العزة المطلقة انما هي من الله سبحانه كما قال تعالى : ( وَتُعِزُّ مَن تَشَاء وَتُذِلُّ مَن تَشَاء ) آل عمران ـ 26 ، وقال تعالى : ( ولله العزة ولرسوله وللمؤمنين ) المنافقين ـ 8 ، وقال تعالى : ( أَيَبْتَغُونَ عِندَهُمُ الْعِزَّةَ فَإِنَّ العِزَّةَ لِلّهِ جَمِيعًا ) النساء ـ 139.
  وحاشا ان ينسب تعالى شيئا إلى نفسه ويختصه بإعطائه ثم يستعقب اثما أو شرا فهذه العزة انما هي عزة يحسبها الجاهل بحقيقة الامر عزة بحسب ظاهر الحياه الدنيا

الميزان في تفسير القران (الجزء الثاني)_ 98 _
  لا عزة حقيقية اعطاها الله سبحانه لصاحبها.
  ومن هنا يظهر ان قوله : بالاثم ليس متعلقا بقوله : اخذته ، بأن يكون الباء للتعدية ، والمعنى حملته العزة على الاثم ورد الامر بالتقوى ، وتجيبه الآمر بما يسوئه من القول ، أو يكون الباء للسببية ، والمعنى ظهرت فيه العزة والمناعة بسبب الاثم الذي اكتسبه ، وذلك ان اطلاق العزة على هذه الحالة النفسانية وتسميته بالعزة يستلزم امضائها والتصديق منه تعالى بأنها عزة حقيقية وليست بها ، بخلاف ما لو سميت عزة بالاثم.
  واما قوله تعالى : ( بَلِ الَّذِينَ كَفَرُوا فِي عِزَّةٍ وَشِقَاقٍ * كَمْ أَهْلَكْنَا مِن قَبْلِهِم مِّن قَرْنٍ فَنَادَوْا وَلَاتَ حِينَ مَنَاصٍ ) ص ـ 2 ، فليس من قبيل التسمية والامضاء لكون العزة نكرة مع تعقيب الآية بقوله : كم اهلكنا من قبلهم ( الخ) فهي هناك عزة صورية غير باقية ولا اصيلة.
  قوله تعالى : ( وَمِنَ النَّاسِ مَن يَشْرِي نَفْسَهُ ابْتِغَاء مَرْضَاتِ اللّهِ ) ( الخ) ، مقابلته مع قوله تعالى : ومن الناس من يعجبك قوله ( الخ) يفيد ان الوصف مقابل الوصف أي كما ان المراد من قوله : ومن الناس من يعجبك ، بيان ان هناك رجلا معتزا بإثمه معجبا بنفسه متظاهرا بالاصلاح مضمرا للنفاق لا يعود منه إلى حال الدين والانسانية الا الفساد والهلاك كذلك المراد من قوله : ومن الناس من يشري نفسه ( الخ) ، بيان ان هناك رجلا آخر باع نفسه من الله سبحانه لا يريد الا ما اراده الله تعالى لا هوى له في نفسه ولا اعتزاز له الا بربه ولا ابتغاء له الا لمرضات الله تعالى ، فيصلح به امر الدين والدنيا ، ويحيى به الحق ، ويطيب به عيش الانسانية ، ويدر به ضرع الاسلام ، وبذلك يظهر ارتباط الذيل بالصدر اعني قوله تعالى : والله رؤوف بالعباد ، بما قبله ، فإن وجود إنسان هذه صفته من رأفة الله سبحانه بعبادة إذ لو لا رجال هذه صفاتهم بين الناس في مقابل رجال آخرين صفتهم ما ذكر من النفاق والافساد لانهدمت أركان الدين ، ولم تستقر من بناء الصلاح والرشاد لبنة على لبنة ، لكن الله سبحانه لا يزال يزهق ذاك الباطل بهذا الحق ويتدارك إفساد أعدائه بإصلاح أوليائه كما قال تعالى : ( وَلَوْلاَ دَفْعُ اللّهِ النَّاسَ بَعْضَهُمْ بِبَعْضٍ لَّفَسَدَتِ الأَرْضُ ) البقرة ـ 251 ، وقال تعالى :

الميزان في تفسير القران (الجزء الثاني)_ 99 _
  ( ولو لا دفع الله الناس بعضهم ببعض لهدمت صوامع وبيع وصلوات ومساجد يذكر فيها اسم الله كثيرا ) الحج ـ 40 ، وقال تعالى : ( فَإِن يَكْفُرْ بِهَا هَؤُلاء فَقَدْ وَكَّلْنَا بِهَا قَوْمًا لَّيْسُواْ بِهَا بِكَافِرِينَ ) الانعام ـ 89 ، فالفساد الطاري على الدين والدنيا من قبل عدة ممن لا هوى له إلا في نفسه لا يمكن سد ثلمته إلا بالصلاح الفائض من قبل آخرين ممن باع نفسه من الله سبحانه ، ولا هوى له إلا في ربه ، وإصلاح الارض ومن عليها ، وقد ذكر هذه المعاملة الرابية عند الله بقوله تعالى : ( إِنَّ اللّهَ اشْتَرَى مِنَ الْمُؤْمِنِينَ أَنفُسَهُمْ وَأَمْوَالَهُم بِأَنَّ لَهُمُ الجَنَّةَ يُقَاتِلُونَ فِي سَبِيلِ اللّهِ فَيَقْتُلُونَ وَيُقْتَلُونَ وَعْدًا عَلَيْهِ حَقًّا فِي التَّوْرَاةِ وَالإِنجِيلِ وَالْقُرْآنِ وَمَنْ أَوْفَى بِعَهْدِهِ مِنَ اللّهِ فَاسْتَبْشِرُواْ بِبَيْعِكُمُ الَّذِي بَايَعْتُم بِهِ ) التوبة ـ 111 ، إلى غير ذلك من الآيات.
  ( بحث روائي )
  في الدر المنثور عن السدي : في قوله تعالى : ( وَمِنَ النَّاسِ مَن يُعْجِبُكَ ) الآية ، انها نزلت في الاخنس بن شريق الثقفي حليف لبني زهرة ، أقبل إلى النبي ( صلى الله عليه وآله وسلم ) المدينة وقال : جئت أريد الاسلام ويعلم الله اني لصادق فأعجب النبي ( صلى الله عليه وآله وسلم ) ذلك منه فذلك قوله تعالى : ويشهد الله على ما في قلبه ، ثم خرج من عند النبي فمر بزرع لقوم من المسلمين وحمر فأحرق الزرع وعقر الحمر فأنزل الله : ( وَإِذَا تَوَلَّى سَعَى فِي الأَرْضِ ) الآية.
  وفي المجمع عن ابن عباس : نزلت الآيات الثلاثة في المرائي لانه يظهر خلاف ما يبطن ، قال : وهو المروي عن الصادق ( عليه السلام ).
  اقول : ولكنه غير منطبق على ظاهر الآيات ، وفي بعض الروايات عن أئمه اهل البيت انها من الآيات النازلة في أعدائهم.
  وفي المجمع عن الصادق ( عليه السلام ) في قوله تعالى : وَيُهْلِكَ الْحَرْثَ وَالنَّسْلَ : أن المراد بالحرث ههنا الدين ، والنسل الانسان.
  اقول : وقد مر بيانه ، وقد روي : ان المراد بالحرث الذرية والزرع ، والامر التطبيق سهل.
  وفي امالي الشيخ عن علي بن الحسين ( عليه السلام ) : في قوله تعالى : ( وَمِنَ النَّاسِ مَن يَشْرِي

الميزان في تفسير القران (الجزء الثاني)_ 100 _
  نَفْسَهُ ) الآية ، قال : نزلت في علي ( عليه السلام ) حين بات على فراش رسول الله ( صلى الله عليه وآله وسلم ).
  اقول : وقد تكاثرت الروايات من طرق الفريقين انها نزلت في شأن ليلة الفراش ، ورواه في تفسير البرهان بخمس طرق عن الثعلبي وغيره.
  وفي الدر المنثور أخرج ابن مردويه عن صهيب ، قال : لما اردت الهجرة من مكة إلى النبي ( صلى الله عليه وآله وسلم ) قالت لي قريش يا صهيب قدمت الينا ولا مال لك وتخرج انت ومالك ، والله لا يكون ذلك أبدا ، فقلت لهم : أرأيتم إن دفعت لكم مالي تخلون عني ؟ قالوا : نعم فدفعت إليهم مالي فخلوا عني فخرجت حتى قدمت المدينة فبلغ ذلك النبي ( صلى الله عليه وآله وسلم ) فقال : ربح البيع صهيب مرتين.
  اقول : ورواه بطرق أخرى في بعضها ونزلت : ( وَمِنَ النَّاسِ مَن يَشْرِي نَفْسَهُ ) الآية ، وفي بعضها نزلت في صهيب وابي ذر بشرائهما انفسهما بأموالهما وقد مر ان الآية لا تلائم كون المراد بالشراء الاشتراء.
  وفي المجمع عن علي ( عليه السلام ) : ان المراد بالآية الرجل يقتل على الامر بالمعروف والنهي عن المنكر.
  اقول : وهو بيان لعموم الآية ولا ينافي كون النزول لشأن خاص.
   ( يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ ادْخُلُواْ فِي السِّلْمِ كَآفَّةً وَلاَ تَتَّبِعُواْ خُطُوَاتِ الشَّيْطَانِ إِنَّهُ لَكُمْ عَدُوٌّ مُّبِينٌ * فَإِن زَلَلْتُمْ مِّن بَعْدِ مَا جَاءتْكُمُ الْبَيِّنَاتُ فَاعْلَمُواْ أَنَّ اللّهَ عَزِيزٌ حَكِيمٌ * هَلْ يَنظُرُونَ إِلاَّ أَن يَأْتِيَهُمُ اللّهُ فِي ظُلَلٍ مِّنَ الْغَمَامِ وَالْمَلآئِكَةُ وَقُضِيَ الأَمْرُ وَإِلَى اللّهِ تُرْجَعُ الامُورُ )