( بحث روائي )
في الحديث القدسي ، قال الله تعالى : الصوم لي وأنا اجزي به .
أقول : وقد رواه الفريقان على اختلاف يسير ، والوجه في كون الصوم لله سبحانه أنه هو العبادة الوحيدة التي تألفت من النفي ، وغيره كالصلوة والحج وغيرهما متألف من الاثبات أو لا يخلو من الاثبات ، والفعل الوجودي لا يتمحض في إظهار عبودية العبد ولا ربوبية الرب سبحانه ، لانه لا يخلو عن شوب النقص المادي وآفة المحدودية وإثبات الانية ويمكن أن يجعل لغيره تعالى نصيب فيه كما في موارد الرياء والسمعة والسجدة لغيره بخلاف النفي الذي يشتمل عليه الصوم بالتعالي عن الاخلاد إلى الارض والتنزه بالكف عن شهوات النفس فان النفي لا 26 نصيب لغيره تعالى فيه لكونه أمرا بين العبد والرب لا يطلع عليه بحسب الطبع غيره تعالى ، وقوله أنا اجزي به ، إن كان بصيغة المعلوم كان دالا على انه لا يوسط في إعطاء الاجر بينه وبين الصائم أحدا كما أن العبد يأتي بما ليس بينه وبين ربه في الاطلاع عليه أحد نظير ما ورد : ان الصدقة إنما يأخذها الله من غير توسيطه أحدا ، قال تعالى ؟ ( وَيَأْخُذُ الصَّدَقَاتِ ) التوبة ـ 104 ، وإن كان بصيغة المجهول كان كناية عن أن أجر الصائم القرب منه تعالى .
وفي الكافي عن الصادق ( عليه السلام ) : كان رسول الله أول ما بعث يصوم حتى يقال : ما يفطر ، ويفطر حتى يقال ، ما يصوم ، ثم ترك ذلك وصام يوما وأفطر يوما وهو صوم داود ، ثم ترك ذلك وصام الثلاثة الايام الغر ، ثم ترك ذلك وفرقها في كل عشرة يوما خميسين بينهما اربعاء فقبض ( صلى الله عليه وآله وسلم ) وهو يعمل ذلك .
وعن عنبسة العابد ، قال : قبض رسول الله على صيام شعبان ورمضان وثلاثة ايام من كل شهر .
أقول : والاخبار من طرق أهل البيت كثيرة في ذلك وهو الصوم المسنون الذي
الميزان في تفسير القران (الجزء الثاني)
_ 26 _
كان يصومه النبي ( صلى الله عليه وآله وسلم ) ما عدا صوم رمضان.
وفي تفسير العياشي عن الصادق ( عليه السلام ) : في قوله تعالى : ( يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ كُتِبَ عَلَيْكُمُ الصِّيَامُ ) ، قال هي للمؤمنين خاصة
وعن جميل قال : سئلت الصادق ( عليه السلام ) عن قول الله تعالى : ( يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ كُتِبَ عَلَيْكُمُ الصِّيَامُ ) .
قال : فقال : هذه كلها يجمع الضلال والمنافقين وكل من أقر بالدعوة الظاهرة .
وفي الفقيه عن حفص قال : سمعت أبا عبد الله ( عليه السلام ) ، يقول إن شهر رمضان لم يفرض الله صيامه على أحد من الامم قبلنا فقلت له : فقول الله عز وجل : يا أيها الذين آمنوا كتب عليكم الصيام كما كتب على الذين من قبلكم ، قال : إنما فرض الله شهر رمضان على الانبياء دون الامم ففضل الله هذه الامة وجعل صيامه فرضا على رسول الله ( صلى الله عليه وآله وسلم ) وعلى امته .
اقول : والرواية ضعيفة بإسمعيل بن محمد في سنده ، وقد روي هذا المعنى مرسلا عن العالم ( عليه السلام ) وكأن الروايتين واحدة ، وعلى أي حال فهي من الآحاد وظاهر الآية لا يساعد على كون المراد من قوله تعالى كما ( كُتِبَ عَلَى الَّذِينَ مِن قَبْلِكُمْ ) ، الانبياء خاصة ولو كان كذلك ، والمقام مقام التوطئة والتمهيد والتحريص والترغيب ، كان التصريح باسمهم أولى من الكناية وأوقع والله العالم .
وفي الكافي عمن سأل الصادق ( عليه السلام ) عن القرآن والفرقان أهما شيئان أو شيء واحد ؟ فقال : القرآن جملة الكتاب ، والفرقان الحكم الواجب العمل به .
وفي الجوامع عنه ( عليه السلام ) : الفرقان كل آية محكمة في الكتاب ، وفي تفسيري العياشي والقمى عنه ( صلى الله عليه وآله وسلم ) الفرقان هو كل أمر محكم في القرآن ، والكتاب هو جملة القرآن الذي يصدق فيه من كان قبله من الانبياء .
أقول : واللفظ يساعد على ذلك ، وفي بعض الاخبار أن رمضان اسم من اسماء الله تعالى فلا ينبغي أن يقال : جاء رمضان وذهب ، بل شهر رمضان الحديث ، وهو واحد غريب في بابه ، وقد نقل هذا الكلام عن قتادة أيضا من المفسرين .
الميزان في تفسير القران (الجزء الثاني)
_ 27 _
والاخبار الواردة في عد أسمائه تعالى خال عن ذكر رمضان ، على أن لفظ رمضان من غير تصديره بلفظ شهر وكذا رمضانان بصيغة التثنية كثير الورود في الروايات المنقولة عن النبي وعن أئمة أهل البيت ( عليهم السلام ) بحيث يستبعد جدا نسبة التجريد إلى الراوي .
وفي تفسير العياشي عن الصباح بن نباتة قال : قلت : لابي عبد الله ( عليه السلام ) إن ابن أبي يعفور ، أمرني أن اسألك عن مسائل فقال : وما هي ؟ قلت : يقول لك : إذا دخل شهر رمضان وأنا في منزلي ألي أن اسافر ؟ قال : إن الله يقول : فمن شهد منكم الشهر فليصمه فمن دخل عليه شهر رمضان وهو في أهله فليس له أن يسافر إلا لحج أو عمرة أو في طلب مال يخاف تلفه .
أقول : وهو استفادة لطيفة لحكم استحبابي بالاخذ بالاطلاق .
وفي الكافي عن علي بن الحسين ( عليه السلام ) قال : فأما صوم السفر والمرض فإن العامة قد اختلفت في ذلك فقال : قوم يصوم ، وقال آخرون : لا يصوم ، وقال قوم : إن شاء صام وإن شاء أفطر ، وأما نحن فنقول : يفطر في الحالين جميعا فإن صام في السفر أو في حال المرض فعليه القضاء فإن الله عز وجل يقول : ( فَمَن كَانَ مِنكُم مَّرِيضًا أَوْ عَلَى سَفَرٍ فَعِدَّةٌ مِّنْ أَيَّامٍ أُخَرَ) .
أقول : ورواه العياشي أيضا .
وفي تفسير العياشي عن الباقر ( عليه السلام ) في قوله فمن شهد منكم الشهر فليصمه قال ( عليه السلام ) : ما أبينها لمن عقلها ، قال : من شهد رمضان فليصمه ومن سافر فيه فليفطر .
أقول : والاخبار عن أئمة أهل البيت في تعين الافطار على المريض والمسافر كثيرة ومذهبهم ذلك ، وقد عرفت دلالة الآية عليه .
وفي تفسير العياشي أيضا عن أبي بصير قال : سألته عن قول الله ، وعلى الذين يطيقونه فدية طعام مسكين ، قال : الشيخ الكبير الذي لا يستطيع والمريض .
وفي تفسيره أيضا عن الباقر ( عليه السلام ) في الآية ، قال : الشيخ الكبير والذي يأخذه العطاش .
الميزان في تفسير القران (الجزء الثاني)
_ 28 _
وفي تفسيره أيضا عن الصادق ( عليه السلام ) قال : المرأة تخاف على ولدها والشيخ الكبير .
أقول : والروايات فيه كثيرة عنهم ( عليهم السلام ) والمراد بالمريض في رواية أبي بصير المريض في سائر أيام السنة غير ايام شهر رمضان ممن لا يقدر على عدة ايام اخر فإن المريض في قوله تعالى : فمن كان منكم مريضا ، لا يشمله وهو ظاهر ، والعطاش مرض العطش .
وفي تفسيره أيضا عن سعيد عن الصادق ( عليه السلام ) قال : إن في الفطر تكبيرا ، قلت : ما التكبير إلا في يوم النحر ، قال : فيه تكبير ولكنه مسنون في المغرب والعشاء والفجر والظهر والعصر وركعتي العيد .
وفي الكافي عن سعيد النقاش قال : قال أبو عبد الله ( عليه السلام ) لي في ليلة الفطر تكبيرة ولكنه مسنون ، قال : قلت : واين هو ؟ قال : في ليلة الفطر في المغرب والعشاء الآخرة وفي صلوة الفجر وفي صلوة العيد ثم يقطع ، قال : قلت : كيف أقول ! قال : تقول الله اكبر ، الله اكبر ، لا إله إلا الله والله الكبر ، الله اكبر على ما هدانا ، وهو قول الله ولتكملوا العدة يعني الصلوة ولتكبروا الله على ما هداكم والتكبير أن تقول : الله اكبر ، لا إله إلا الله والله اكبر ، ولله الحمد ، قال : وفي رواية التكبير الآخر أربع مرات .
أقول : اختلاف الروايتين في إثبات الظهرين وعدمه يمكن أن يحمل على مراتب الاستحباب ، وقوله ( عليه السلام ) : يعني الصلوة لعله يريد : أن المعنى ولتكملوا العدة أي عدة أيام الصوم بصلوة العيد ولتكبروا الله مع الصلوات على ما هديكم ، وهو غير مناف لما ذكرناه من ظاهر معنى قوله : ولتكبروا الله على ما هديكم ، فإنه استفادة حكم استحبابي من مورد الوجوب نظير ما مر في قوله تعالى فمن شهد منكم الشهر فليصمه ، من استفادة كراهة الخروج إلى السفر في الشهر لمن شهد الليلة الاولى منه هذا ، واختلاف آخر التكبيرات في الموضعين من الرواية الاخيرة يؤيد ما قيل : إن قوله : ولتكبروا الله على ما هديكم ، بتضمين التكبير معنى الحمد ولذلك عدي بعلي .
وفي تفسير العياشي عن ابن أبي عمير عن الصادق ( عليه السلام ) قال : قلت له ، جعلت