دراسة مبسّطة
حول الأمثال الواردة في الكتاب العزيز
تأليف
العلاّمة المحقّق جعفر السبحاني



بسم اللّه الرحمن الرحيم
  ( لَوْ أَنْزلْنا هَذَا القُرْآنَ عَلى جَبَلٍ لَرَأَيْتَهُ خَاشِعَاً مُتَصَدِّعاً مِنْ خَشْيَةِ اللهِ وَتِلْكَ الاَْمثالُ نَضْرِبُها لِلنّاسِ لَعَلَّهُمْ يِتَفَكّرُون ) ( الحشر : 21 )

الأمثال في القرآن الكريم _ 5 _

  الأمثال في القرآن وقبل الخوض في المقصود نقدم أُموراً :
الأوّل : المثل في اللغة ؟

  يظهر من غير واحد من المعاجم ، كلسان العرب والقاموس المحيط ، أنّ للفظ ( المثل )معاني مختلفة ، كالنظير والصفة والعبرة وما يجعل مثالاً لغيره يُحذا عليه إلى غير ذلك من المعانى. (1)
  قال الفيروز آبادي : المِثْل ـ بالكسر والتحريك ـ الشبه ، والجمع أمثال ، والمَثَلُ ـ محرّكة ـ الحجة ، والصفة ، والمثال : المقدار والقصاص ، إلى غير ذلك من المعانى. (2)
  ولكن الظاهر أنّ الجميع من قبيل المصاديق ، وما ذكروه من باب خلط المفهوم بها وليس للّفظ إلا معنى أو معنيين ، والباقي صور ومصاديق لذلك المفهوم ، وممن نبَّه على ذلك صاحب معجم المقاييس ،
  حيث قال :
  لمِثْل والمثَل يدلاّن على معنى واحد وهو كون شيء نظيراً للشيء ، قال ابن

--------------------
(1) لسان العرب : 13\22 ، مادة مثل .
(2) القاموس المحيط : 4\49 ، مادة مثل .

الأمثال في القرآن الكريم _ 6_

  فارس : ( مثل )يدل على مناظرة الشيء للشىء ، وهذا مثل هذا ، أي نظيره ، والمثل والمثال بمعنى واحد ، وربما قالوا : ( مثيل كشبيه )، تقول العرب : أمثل السلطان فلاناً ، قتله قوداً ، والمعنى أنّه فعل به مثلما كان فعله ، والمِثْل : المثَل أيضاً ، كشِبْه وشبَه ، والمثل المضروب مأخوذ من هذا ، لانّه يذكر مورّى به عن مثله في المعنى.
  وقوله : مَثَّلَ به إذا نُكِّل ، هو من هذا أيضاً ، لأنّ المعنى فيه إذا نُكل به : جعل ذلك مثالاً لكل من صنع ذلك الصنيع أو أراد صنعه ، والمثُلات أيضاً من هذا القبيل ، قال الله تعالى : ( وَقَدْ خَلَتْ مِنْ قَبْلِهِمُ الْمَثُلات ) (1) أي العقوبات التي تزجر عن مثل ما وقعت لأجله ، وواحدها : مُثُل . (2)    وعلى الرغم من ذلك فمن المحتمل أن يكون من معانيه الوصف والصفة ، فقد استعمل فيه إمّا حقيقة أو مجازاً ، وقد نسب ابن منظور استعماله فيه إلى يونس ابن حبيب النحوي ( المتوفّى 182 ه‍ ) ، ومحمد بن سلام الجمحي ( المتوفّى 232 ه‍ ) ، وأبي منصور الثعالبي ( المتوفّى 429 ه‍ ). (3)
   ويقول الزركشي ( المتوفّى 794 ه‍ ) : إنّ ظاهر كلام أهل اللغة أن المثل هو الصفة ، ولكن المنقول عن أبي علي الفارسي ( المتوفّى 377 ه‍ ) أنّ المثل بمعنى الصفة غير معروف في كلام العرب ، إنّما معناه التمثيل. (4)
   ويدل على مختار الاَكثر ما أورده صاحب لسان العرب ، حيث قال : قال

--------------------
(1) الرعد : 6 ـ
(2) معجم مقاييس اللغة : 5\296.
(3) لسان العرب : 13\22 ، مادة مثل.
(4) البرهان في علوم القرآن : 1\490.

الأمثال في القرآن الكريم _ 7_

  عمر بن أبي خليفة : سمعت مُقاتِلاً صاحب التفسير ، يسأل أبا عمرو بن العلاء ، عن قول الله عزّ وجلّ : ( مَثَلُ الجَنّة ) ، ما مَثَلُها ؟ فقال : ( فيهَا أنهارٌ مِنْ ماءٍ غيرِ آسن ) ، قال : ما مَثَلُها ؟ فسكت أبو عمرو.
  قال : فسألت يونس عنها ، فقال : مَثَلها صفتها ، قال محمد بن سلام : ومثل ذلك قوله : ( ذلِكَ مَثَلُهُمْ فِي التَّوراةِ وَمَثَلُهُمْ فِي الاِِنْجِيل ) (1) أي صفتهم.
  قال أبو منصور : ونحو ذلك روي عن ابن عباس ، وأمّا جواب أبي عمرو لمقاتل حين سأله ما مثَلُها ، فقال : فيها أنهار من ماءٍ غير آسنٍ ، ثمّ تكريره السؤال ما مَثَلُها وسكوت أبي عمرو عنه ، فانّ أبا عمرو أجابه جواباً مقنعاً ، ولما رأى نبوة فَهْمِ مقاتل ، سكت عنه لما وقف من غلظ فهمه ، وذلك انّ قوله تعالى : ( مثل الجنّة ) تفسير لقوله تعالى : ( إِنَّ اللهَ يُدخِلُ الَّذينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصّالِحات جَنّاتٍ تَجْري مِنْ تَحْتِهَا الاََنْهار ) (2) وصف تلك الجنات ، فقال : مَثَلُ الجنة التي وصفتها ، وذلك مثل قوله : ( ذلِكَ مَثَلُهُمْ فِي التَّوراةِ وَمَثَلُهُمْ فِي الاِِنْجيل ) أي ذلك صفة محمّد ( صلى الله عليه وآله وسلم ) وأصحابه في التوراة ، ثم أعلمهم أنّ صفتهم في (3) الإنجيل كزرعٍ.
   ثمّ إنّ الفرق بين المماثلة والمساواة ، أن المساواة تكون بين المختلفين في الجنس والمتفقين ، لأنّ التساوي هو التكافؤ في المقدار لا يزيد ولا ينقص ، وأمّا المماثلة فلا تكون إلاّ في المتفقين. (4)

--------------------
(1) الفتح : 29.
(2) الحج : 1 (4)
(3) لسان العرب : مادة مثل.
(4) لسان العرب : مادة مثل.

الأمثال في القرآن الكريم _ 8 _

   وأمّا الفرق بين المماثلة والمشابهة هو أنّ الأولى تستعمل في المتفقين في الماهية والواقعية ، بخلاف الثانية فإنّما تستعمل غالباً في مختلفي الحقيقة ، المتفقين في خصوصية من الخصوصيات.
  بهذا يعلم أنّ التجربة تجري في المتماثلين والمتفقين في الحقيقة ، كانبساط الفلز حينما تمسُّه النار ، وهذا بخلاف الاستقراء ، فإنّ مجراه الأمور المختلفة كاستقراء أنّ كل حيوان يتحرك فكه الاَسفل عند المضغ ، فيتعلّق الاستقراء بمختلفي الحقيقة كالشاة والبقرة والاِبل.
  وقد تكرر في كلام غير واحد من أصحاب المعاجم أن المَـثَل والمثْل سيان ، كالشَبَه والشبْه ، ومع ذلك كلّه نرى أنّ القرآن ينفي المثْل لله ، ويقول : ( لَيْسَ كَمِثْلِهِ شيء ) (1) وفي الوقت نفسه يُثبت له المثَل ، ويقول : ( لِلَّذينَ لا يُوَْمِنُونَ بِالآخرةِ مَثَلُ السَّوءِ وَللهِ المَثَلُ الأعْلى وَهُوَ الْعَزيزُ الحَكِيم ) (2) .
  والجواب : أنّه لا منافاة بين نفي المِثْل لله واثبات المَثَل له ، أمّا الأوّل ، فهو عبارة عن وجود فرد لواجب الوجود يشاركه في الماهية ، ويخالفه في الخصوصيات ، فهذا أمر محال ثبت امتناعه في محلّه ، وأمّا المَثَلُ فهو نُعوت محمودة يُعرف بها الله سبحانه كأسمائه الحسنى وصفاته العليا ، وعلى هذا ، المَثَلُ في هذه الآية وما يشابهها بمعنى ما يوصف به الشيء ويعبَّر به عنه ، من صفات وحالات وخصوصيات.
  فهذه الآية تصرّح بأنّ عدم الإيمان بالآخرة مبدأ لكثير من الصفات

--------------------
(1) الشورى : 11 ـ
(2) النحل : 60.

الأمثال في القرآن الكريم _ 9 _
  القبيحة ، ومصدر كل شر ، وفي المقابل أنّ الإيمان بالآخرة هو منشأ كل حسنة ومنبع كلّ خير وبركة ، فكلّ وصف سوء وقبيح يلزم الإنسان ويلحقه ، فإنّما يأتيه من قبل عدم الإيمان بالآخرة ، كما أنّ كلّ وصف حسن يلزم الإنسان ينشأ من الإيمان بها ، وبذلك ظهر معنى قوله : ( لِلَّذينَ لا يُوَْمِنُونَ بِالآخِرَة مَثَل السَّوء ) الذي يدلّ بالملازمة للذين يؤمنون بالآخرة لهم مثل الحسن.
  وأمّا قوله سبحانه : ( وَللهِ المَثَلُ الأعلى ) فمعناه أنّه منزّه من أن يوصف بصفات مذمومة وقبيحة كالظلم ، قال سبحانه : ( ولا يَظلم رَبُّك أَحداً ) ، (1) وفي الوقت نفسه فهو موصوف بصفات محمودة.
  فكلّ وصف يستكرهه الطبع أو يردعه العقل فلا سبيل له إليه ، فهو قدرة لا عجز فيها ، وحياة لا موت معها إلى غير ذلك من الصفات الحميدة ، بخلاف ما يقبله الطبع فهو موصوف به.
  وقد أشار إلى ذلك في غير واحد من الآيات أيضاً ، قال : ( وَلَهُ المَثَلُ الأعلى فِي السَّماواتِ وَالأرْضِ ) (2) وقال : ( لَهُ الأسْماءُ الحُسْنى ) (3) ، فالأمثال منها دانية ومنها عالية فإنّما يثبت له العالي بل الأعلى. (4)
  ومنه يعلم أنّ الأمثال إذا كان جمع مثْل ـ بالسكون ـ فالله سبحانه منزّه من المثْل والأمثال ، وأمّا إذا كان جمع مثَل ـ بالفتح ـ بمعنى الوصف الذي يحمد به سبحانه ، فله الأمثال العليا ، والأسماء الحسنى كما مرّ .

--------------------
(1) الكهف : 49.
(2) الروم : 27.
(3) طه : 8 ـ
(4) لاحظ : الميزان : 12 / 249.

الأمثال في القرآن الكريم 10
الثانيا : المَثَلَ في الاصطلاح

  المَثَلُ : قسم من الحكم ، يرد في واقعة لمناسبة اقتضت وروده فيها ، ثمّ يتداولها الناس في غير واحد من الوقائع التي تشابهها دون أدنى تغيير لما فيه من وجازة وغرابة ودقة في التصوير.
  فالكلمة الحكيمة على قسمين : سائر منتشر بين الناس ودارج على الألسن فهو المثل ، وإلا فهي كلمة حكيمة لها قيمتها الخاصة وإن لم تكن سائرة ، فما ربما يقال : ( المثل السائر ) فالوصف قيد توضيحي لا احترازي ، لأنّ الانتشار والتداول داخل في مفهوم المثل ، ويظهر ذلك من أبي هلال العسكري ( المتوفّى حوالى 400 ه‍ ) ، حيث قال : جعل كل حكمة سائرة ، مَثَلاً ، وقد يأتي القائل بما يحسن من الكلام أن يتمثل به إلاّ أنّه لا يتفق أن يسير فلا يكون مَثَلاً. (1)
  وكلامه هذا ينم ( انّ الشيوع والانتشار وكثرة الدوران على الألسن هو الفارق بين الحكمة والمثل ، فالقول الصائب الصادر عن تجربة يسمّى حكمة إذا لم يتداول ، ومثلاً إذا كثر استعماله وشاع أداؤه في المناسبات المختلفة ).
  ولأجل ذلك يقول الشاعر :

ما  أنت إلا مثل iiسائر      يعرفه الجاهل والخابر
  أمّا تسمية ذلك الشيء بالمثال ، فهو لأجل المناسبة والمشابهة بين الموردين على وجه يُصبح مثالاً لكل ما هو على غراره.

--------------------
(1) جمهرة أمثال العرب : 1\(5

الأمثال في القرآن الكريم _ 11 _
   قال ابن السكيت ( المتوفّى عام 244 ه‍ ) : المثل لفظ يخالف لفظ المضروب له ، ويوافق معناه معنى ذلك اللفظ ، شبّهوه بالمثال الذي يعمل عليه غيره. (1)   بما انّ وجه الشبه والمناسبة التي صارت سبباً لإلقاء هذه الحكمة غير مختصة بمورد دون مورد ، وإن وردت في مورد خاص يكون المثل آية وعلامة أو علماً للمناسبة الجامعة بين مصاديق مختلفة.
  يقول المبرّد : فحقيقة المثل ما جعل كالعلم للتشبيه بحال الأوّل ، كقول كعب بن زهير :
كانت مواعيد عرقوب لها مَثَلاً      ومـا مـواعيدها إلاّ iiالأباطيل
  مواعيد عرقوب علم لكل ما لا يصح من المواعيد (2).
  وعلى ذلك فالمثل السائر كقوله : ( في الصيف ضيعتِ اللبن ) علم لكل من ضيَّع الفرصة وأهدرها ، كما أن قول الرسول ( صلى الله عليه وآله وسلم ) : ( لا ينتطح فيها عنزان ) علم لكلّ أمر ليس له شأن يعتد به. (3)
  كما أنّ قول أبي الشهداء الحسين بن علي ( عليهما السلام ) : ( لو ترك القطا ليلاً لنام ) الذي تمثل به الإمام ( عليه السلام ) في جواب أُخته زينب ( عليها السلام ) ، علم لكل من لا يُترك بحال أو من حُمل على مكروه من غير إرادة ، إلى غير ذلك من الأمثال الدارجة.

--------------------
(1) مجمع الأمثال : 1 / (6)
(2) مجمع الأمثال : 1 / (6)
(3) مجمع الأمثال : 2 / 225.

الأمثال في القرآن الكريم _ 12 _
الثالث : فوائد الأمثال السائرة

  ذكر غير واحد من الاُدباء فوائد جمة للمثل السائر :
  (1) قال ابن المقفّع ( المتوفّـى عام 143 ه‍ ) : إذا جعـل الكلام مثلاً كان أوضح للمنطق ، وآنق للسمع ، وأوسع لشعوب الحديث.
  (2) وقال إبراهيم النظّام ( المتوفّـى عام 231 ه‍ ) : يجتمـع في المثل أربعـة لا تجتمع في غيره من الكلام : إيجاز اللفظ ، وإصابة المعنى ، وحسن التشبيه ، وجودة الكناية ، فهو نهاية البلاغة.
  وقال غيرهما : سُمِّيت الحِكَم القائم صدقها في العقول أمثالاً ، لانتصاب صورها في العقول مشتقة من المثول الذي هو الانتصاب، (1) وقد نقل ابن قيم الجوزية ( المتوفّى عام 751 ه‍ ) كلام النظّام بشكل كامل ، وقال :
  وقد ضرب الله ورسوله الأمثال للناس لتقريب المراد وتفهيم المعنى وإيصاله إلى ذهن السامع ، وإحضاره في نفسه بصورة المثال الذي مثّل به فقد يكون أقرب إلى تعقّله وفهمه وضبطه واستحضاره له باستحضار نظيره ، فإن النفس تأنس بالنظائر والأشباه وتنفر من الغربة والوحدة وعدم النظير.
   ففي الأمثال من تأنّس النفس وسرعة قبولها وانقيادها لما ضرب لها مثله من الحق أمر لا يجحده أحد ولا ينكره ، وكلّما ظهرت الأمثال ازداد المعنى ظهوراً ووضوحاً ، فالأمثال شواهد المعنى المراد ، وهي خاصية العقل ولبّه وثمرته. (2)

--------------------
(1) مجمع الأمثال : 1 / (6)
(2) أعلام الموقعين : 1 / 291 ـ وما ذكره من الفائدة مشترك بين المثل السائر الذي هو موضوع كلامنا ، والتمثيل الذي شاع في القرآن ، وسيوافيك الفرق بين المثل السائر والتمثيل.

الأمثال في القرآن الكريم _ 13 _
   وقال عبد القاهر الجرجاني ( المتوفّى عام 471 ه‍ ) : إعلم أنّ مما اتّفق العقلاء عليه انّ التمثيل إذا جاء في أعقاب المعاني ، أو أُبرزت هي باختصار في معرضه ، ونُقلت عن صورها الاَصلية إلى صورته كساها أُبّهة ، وكسبها منقبة ، ورفع من أقدارها ، وشبّ من نارها ، وضاعف قواها في تحريك النفوس لها ، ودعا القلوب إليها ، واستثار من أقاصى الأفئدة صبابة وكلفاً ، وقسر الطّباع على أن تُعطيها محبة وشغفاً.
  فإن كان ذمّاً : كان مسه أوجع ، وميسمه ألذع ، ووقعه أشدّ ، وحدّه أحد.
  وإن كان حجاجاً : كان برهانه أنور ، وسلطانه أقهر ، وبيانه أبهر.
  إن كان افتخاراً : كان شأوه أمدّ ، وشرفه أجد (1) ولسانه ألد.
  إن كان اعتذاراً : كان إلى القبول أقرب ، وللقلوب أخلب ، وللسخائم أسلّ ، ولغَرْب الغضب أفلّ ، وفي عُقد العقود أنفث ، وحسن الرجوع أبعث.
  وإن كان وعظاً : كان أشفى للصدر ، وأدعى إلى الفكر ، وأبلغ في التنبيه والزجر ، وأجدر أن يجلى الغياية (2) ويُبصّـر الغاية ، ويبريَ العليل ، ويشفي الغليل. (3)
  (4) وقال أبو السعود ( المتوفّى عام 982 ه‍ ) : إنّ التمثيل ليس إلاّ إبراز المعنى المقصود في معرض الأمر المشهور ، وتحلية المعقول بحلية المحسوس ، وتصوير أوابد المعاني بهيئة المأنوس ، لاستمالة الوهم واستنزاله عن معارضته للعقل ، واستعصائه عليه في إدراك الحقائق الخفيّة ، وفهم الدّقائق الأبيّة ، كي يتابعه فيما يقتضيه ،

--------------------
(1) من الجد : الحظ ، يقال : هو أجدّ منك ، أي أحظ.
(2) الغياية : كل ما أظلك من فوق رأسك.
(3) أسرار البلاغة : 10 (1) 10 (2)

الأمثال في القرآن الكريم _ 14 _
  ويشايعه إلى ما لا يرتضيه ، ولذلك شاعت الأمثال في الكتب الإلهية والكلمات النبوية ، وذاعت في عبارات البلغاء ، وإشارات الحكماء.
  إن التمثيل ألطف ذريعة إلى تسخير الوهم للعقل واستنزاله من مقا الاستعصاء عليه ، وأقوى وسيلة إلى تفهيم الجاهل الغبىّ ، وقمع سورة الجامح الأبيّ ، كيف لا ، وهو رفع الحجاب عن وجوه المعقولات الخفية ، وإبرازها لها في معرض المحسوسات الجلية ، وإبداء للمنكر في صورة المعروف ، وإظهار للوحشي في هيئة المألوف. (1)
  ولعلّ في هذه الكلمات غنى وكفاية فلا نطيل الكلام ، غير انّه يجب التنبيه على نكتة ، وهي أن السيوطي نقل في ( المزهر ) عن أبي عبيد أنّه قال :
  الأمثال حكمة العرب في الجاهلية والإسلام وبها كانت تعارض كلامها فتبلغ بها ما حاولت من حاجاتها في المنطق بكناية. (2)
  ولا يخفى أنّ الأمثال ليست من خصائص العرب فحسب ، بل لكلّ قوم أمثال وحكم يقرّبون بها مقاصدهم إلى إفهام المخاطبين ويبلغون بها حاجاتهم ، وربما يشترك مَثَلٌ واحد بين أقوام مختلفة ، ويصبح من الأمثال العالمية ، وربما تبلغ روعة المثل بمكان يقف الشاعر أمامه مبهوراً فيصب مضمونه في قالب شعري.
  روى الطبري عن مهلّب بن أبي صفرة ، قال : دعا المهلَّب حبيباً ومن حضره من ولده ، ودعا بسهام فحزمت ، وقال : أترونكم كاسريها مجتمعة ؟ قالوا : لا ، قال : أفترونكم كاسريها متفرقة ؟ قالوا : نعم ، قال : فهكذا الجماعة. (3)
  وليس المهلب أوّل من ساق هذا المثل على لسانه ، فقد سبقه غيره إليه.

--------------------
(1) هامش تفسير الفخر الرازي : 1 / 156 ، المطبعة الخيرية ، ط الاُولى ، مصر ـ 1308 هـ .
(2) المزهر : 1 / 288.
(3) تاريخ الطبري : حوادث سنة 82 هـ.

الأمثال في القرآن الكريم _ 15 _
  روى أبو هلال العسكري في جمهرته ، عن قيس بن عاصم التميمي ( المتوفّـى عام 20 ه‍ ) الأبيات التالية التي تعرب بأنّ المثل صبّ في قالب الشعر أيضاً :
بصلاح ذات البين طول iiبقائكم      إن  مُدّ في عمري وإن لم iiيُمدد
حـتى  تـلين قلوبكم وجلودكم      لـمسوّد مـنكم وغـير iiمسوّد
إنّ الـقداح إذا جـمعن iiفرامها      بـالكسر ذو حنق وبطش iiباليد
عزّت فلم تكسر وإن هي بُدّدت      فـالوهن والتكسير للمتبدّد (1)ii
  وقد نقل المسعودي في ترجمة عبد الملك بن مروان ، وقال :
  كان الوليد متحنّناً على إخوته ، مراعياً سائر ما أوصاه به عبد الملك ، وكان كثير الإنشاد لأبيات قالها عبد الملك حين كتب وصيته ، منها :
بصلاح ذات البين طول iiبقائكم      إن  مُدّ في عمري وإن لم iiيُمدد
حـتى  تـلين قلوبكم وجلودكم      لـمسوّد مـنكم وغـير iiمسوّد
إنّ الـقداح إذا جـمعن iiفرامها      بـالكسر ذو حنق وبطش iiباليد
عزّت فلم تكسر وإن هي بُدّدت      فـالوهن والتكسير للمتبدّد  ii

--------------------
(1) جمهرة الأمثال : 1 / 48.
(2) مروج الذهب : أخبار الوليد بن عبد الملك.

الأمثال في القرآن الكريم _ 16 _
الكتب المؤلّفة في الأمثال العربية

  وقد أُلّفت في الأمثال العربية قديمها وحديثها كتباً كثيرة ، وأجمع كتاب في هذا المضمار هو ما ألّفه أحمد بن محمد بن إبراهيم النيسابوري الميداني ( المتوفّى عام 518 ه‍ ) وأسماه ب‍ ( مجمع الأمثال ) لاِحتوائه على عظيم ما ورد منها وهي ستة آلاف ونيف . (1)
  الرابع : الأمثال القرآنية
  دلّت غير واحدة من الآيات القرآنية على أنّ القرآن مشتمل على الأمثال ، وأنّه سبحانه ضرب بها مثلاً للناس للتفكير والعبرة ، قال سبحانه : ( لَوْ أَنْزَلْنا هذا الْقُرآنَ عَلى جَبلٍ لَرَأيْتَهُ خاشِعاً مُتَصدّعاً مِنْ خَشْيَةِ اللهِ وَتِلْكَ الأمْثالُ نَضْربُها لِلنّاسِ لَعَلَّهُمْ يَتَفكَّرون ). (2)
  إلى غير ذلك من الآيات التي تدل على وجود الأمثال في القرآن ، وانّ الروح الأمين نزل بها ، وكان مَثَلاً حين النزول على قلب سيد المرسلين ، هذا هو المستفاد من الآيات.
  ومن جانب آخر أنّ المثل عبارة عن كلام أُلْقيَ في واقعة لمناسبة اقتضت إلقاء ذلك الكلام ، ثمّ تداولت عبر الزمان في الوقائع التي هي على غرارها ، كما هو الحال في عامة الأمثال العالمية.

--------------------
(1) مجمع الأمثال : 1 / (5
(2) الحشر : 21 ـ

الأمثال في القرآن الكريم _ 17_
   وعلى هذا فالمثل بهذا المعنى غير موجود في القرآن الكريم ، لما ذكرنا من أنّ قوام الأمثال هو تداولها على الألسن وسريانها بين الشعوب ، وهذه الميزة غير متوفرة في الآيات القرآنية.
  كيف وقد أسماه سبحانه مثلاً عند النزول قبل أن يعيها النبي ( صلى الله عليه وآله وسلم ) ويقرأها للناس ويدور على الألسن ، فلا مناص من تفسير المثل في القرآن بمعنى آخر ، وهو التمثيل القياسي الذي تعرّض إليه علماء البلاغة في علم البيان وهو قائم بالتشبيه والاستعارة والكناية والمجاز ، وقد سمّاه القزويني ( في تلخيص المفتاح ) المجاز المركب وقال :   إنّه اللفظ المركب المستعمل فيما شُبّه بمعناه الأصلي تشبيه التمثيل للمبالغة في التشبيه ، ثمّ مثّل بما كتب يزيد بن وليد إلى مروان بن محمد حين تلكأ عن بيعته : أمّا بعد ، فإنّي أراك تقدّم رجلاً وتؤخّر أخرى ، فإذا أتاك كتابي هذا فاعتمد على أيّهما شئت ، والسلام. (1)
  فلهذا التمثيل من المكانة ما ليس له لو قصد المعنى بلفظه الخاص ، حتى أنّه لو قال مثلاً : بلغني تلكّؤك عن بيعتي ، فإذا أتاك كتابي هذا فبايع أو لا ، لم يكن لهذا اللفظ من المعنى بالتمثيل ، ما لهذا.
  فعامة ما ورد في القرآن الكريم من الأمثال فهو من قبيل التمثيل لا المثال المصطلح.
  ثمّ إنّ الفرق بين التشبيه والاستعارة والكناية والمجاز أمر واضح لا حاجة لإطناب الكلام فيه ، وقد بيّنه علماء البلاغة في علم البيان ، كما طرحه أخيراً

--------------------
(1) الإيضاح : 304 ، التلخيص : 322 ـ

الأمثال في القرآن الكريم _ 18_
  علماء الأصول في مباحث الألفاظ ، ولأجل ذلك نضرب الصفح عنه ونحيل القارئ الكريم إلى الكتب المدونة في هذا المضمار.
  ويظهر من بعضهم أنّ التمثيل من معاني المثل ، قال الآلوسي : المثل مأخوذ من المثول ـ وهو الانتصاب ـ ومنه الحديث ( من أحبّ أن يتمثل له الناس قياماً فليتبوّأ مقعده من النار ) ثم أطلق على الكلام البليغ الشائع الحسن المشتمل إمّا على تشبيه بلا شبيه أو استعارة رائقة تمثيلية وغيرها ، أو حكمة وموعظة نافعة ، أو كناية بديعة أو نظم من جوامع الكلم الموجز. (1)
  ولولا قوله ( الشائع ) لانطبقت العبارة على التمثيل القياسي، ( وقد امتازت صيغة المثل القرآني بأنّها لم تنقل عن حادثة معينة ، أو واقعة متخيلة ، أعيدت مكرورة تمثيلاً ، وضرب موردها تنظيراً ، وإنّما ابتدع المثل القرآني ابتداعاً دون حذو احتذاه ، وبلا مورد سبقه فهو تعبير فني جديد ابتكره القرآن حتى عاد صبغة متفردة في الأداء والتركيب والإشارة ).
  ( وعلى هذا فالمثل في القرآن الكريم ليس من قبيل المثل الاصطلاحي ، أو من سنخ ما يعادله لفظاً ومعنى ، الفقر بالأمثال بمضمونه ، بل هو نوع آخر أسماه القرآن مثلاً من قبل أن نعرف علوم الأدب ( المثل ) ، ومن قبل أن تسمّي به نوعاً من الكلام المنثور وتضعه مصطلحاً له ، بل من قبل أن يعرف الأدباء ( المثل ) بتعريفهم ). (2)

--------------------
(1) روح المعاني : 1 / 163 ـ
(2) الصورة الفنية في المثل القرآني : 72 ، نقلاً عن كتاب المثل لمنير القاضي.

الأمثال في القرآن الكريم _ 19 _
الخامس : أقسام التمثيل

  قد عرفت أنّ التمثيل عبارة عن إعطاء منزلة شيء لشيء عن طريق التشبيه أو الاستعارة أو المجاز أو غير ذلك ، فهو على أقسام :
  (1) التمثيل الرمزي : وهو ما ينقل عن لسان الطيور والنباتات والأحجار بصورة الرمز والتعمية ويكون كناية عن معاني دقيقة ، وهذا النوع من التمثيل يعجّ به كتاب ( كليلة ودمنة ) لابن المقفع ، وقد استخدم هذا الأسلوب الشاعر العارف العطار النيشابوري في كتابه ( منطق الطير ).
  ويظهر من الكتاب الأوّل أنّه كان رائجاً في العهود الغابرة قبل الإسلام ، وقد ذكر المؤرّخون أنّ طبيباً إيرانياً يدعى ( برزويه ) وقف على كتاب ( كليلة ودمنة ) في الهند مكتوباً باللغة السنسكريتية ونقلها إلى اللغة البهلوية ، وأهداه إلى بلاط أنوشيروان الساساني ، وقد كان الكتاب محفوظاً بلغته البهلوية إلى أن وقف عليه عبد الله بن المقفع ( 10 (6) 143 ه‍ ) فنقله إلى اللغة العربية ، ثمّ نقله الكاتب المعروف نصر الله بن محمد بن عبد الحميد في القرن السادس إلى اللغة الفارسية وهو الدارج اليوم في الأوساط العلمية.
  نعم نقله الكاتب حسين واعظ الكاشفي إلى الفارسية أيضاً في القرن التاسع ومن حسن الحظ توفر كلتا الترجمتين.
  وقام الشاعر ( رودكي ) بنظم ، ما ترجمه ابن المقفع ، باللغة الفارسية، ويظهر من غير واحد من معاجم التاريخ أنّه تطرق بعض ما في هذا الكتاب من الأمثلة إلى الأوساط العربية في عصر الرسالة أو بعده ، وقد نقل أنّ عليّاً ( عليه السلام ) قال : ( إنّما اُكلت يوم اُكل الثور الأبيض ) وهو من أمثال ذلك الكتاب.

الأمثال في القرآن الكريم _ 20 _
   وهناك محاولة تروم إلى أنّ القصص القرآنية كلّها من هذا القبيل أي رمز لحقائق علوية دون أن يكون لها واقعية وراء الذهن ، وبذلك يفسرون قصة آدم مع الشيطان ، وغلبة الشيطان عليه ، أو قصة هابيل وقابيل وقتل قابيل أخاه ، أو تكلم النملة مع سليمان ( عليه السلام ) ، وغيرها من القصص ، وهذه المحاولة تضادّ صريح القرآن الكريم ، فانّه يصرّح بأنّها قصص تحكي عن حقائق غيبيّة لم يكن يعرفها النبي ( صلى الله عليه وآله وسلم ) ولا غيره ، قال سبحانه : ( لَقَدْ كانَ فِي قَصَصِهِمْ عِبْرَةٌ لاَُولى الألْبابِ ما كانَ حَدِيثاً يُفْتَرى وَلكِنْ تَصْدِيقَ الّذِي بَيْنَ يَدَيْهِ وَتَفْصِيلَ كُلّ شَيءٍ وَهُدًى وَرَحْمَةً لِقَوْمٍ يُؤمِنُون ). (1)
  فالآية صريحة في أنّ ما جاء في القصص ليس أمراً مفترىً ، إلى غير ذلك من الآيات الدالّة على أنّ القرآن بأجمعه هو الحقّ الذي لا يدانيه الباطل.
  (2) التمثيل القصصي : وهو بيان أحوال الأمم الماضية بغية أخذ العبر للتشابه الموجود. يقول سبحانه : ( ضَرَبَ اللهُ مَثلاً لِلّذِينَ كَفَرُوا امرأةَ نُوحٍ وَامرأةَ لُوطٍ كانَتا تَحْتَ عَبْدَينِ مِنْ عِبادِنا صالِحَيْنِ فَخانَتاهُما فَلَمْ يُغْنِيا عَنْهُما مِنَ اللهِ شَيئاً وقِيلَ ادْخُلا النّارَ مَعَ الدّاخِلِين ). (2)
  والقصص الواردة في أحوال الأمم الغابرة التي يعبر عنها بقصص القرآن ، هي تشبيه مصرّح ، وتشبيه كامن والغاية هي أخذ العبرة.
  (3) التمثيل الطبيعي : وهو عبارة عن تشبيه غير الملموس بالملموس ، والمتوهم بالمشاهد ، شريطة أن يكون المشبه به من الأمور التكوينية ، قال سبحانه : ( إِنَّما مَثَلُ الْحَياةِ الدُّنْيا كَماءٍ أَنْزَلْناهُ مِنَ السَّماءِ فَاخْتَلَطَ بِهِ نَباتُ الأرْضِ مِمّا

--------------------
(1) يوسف : 11(1)
(2) التحريم : 10.

الأمثال في القرآن الكريم _ 21 _
  يَأكُلُ النّاسُ وَالأنْعامُ حَتّى إذا أَخَذَتِ الأرْضُ زُخْرُفَها وَ ازَّيّنَت وَظَنَّ أَهْلُها أَنَّهُمْ قادِرُونَ عَلَيْها أَتاها أَمْرُنا لَيْلاً أَوْ نَهاراً فَجَعَلْناها حَصِيداً كَأَنْ لَمْ تَغْنَ بِالأمْسِ كَذلِكَ نُفَصّلُ الآياتِ لِقَوْمٍ يَتَفَكَّرُون ). (1)
  والأمثال القرآنية تدور بين كونها تمثيلاً قصصيّاً ، أو تمثيلاً طبيعيّاً كونيّاً. وأمّا التمثيل الرمزي فإنّما يقول به أهل التأويل.
السادس : الأمثال القرآنية في الأحاديث

  إنّ الأمثال القرآنية بما أنّها مواعظ وعبر قد ورد الحث على التدبّر فيها عن أئمّة أهل البيت ( عليهما السلام ) ، ننقل منها ما يلي :
  (1) قال أمير المؤمنين على ( عليه السلام ) : ( قد جرّبتم الأمور وضرّستموها ، ووُعظتم بمن كان قبلكم ، وضُـربت الأمثال لكم ، ودعيتم إلى الأمر الواضح ، فلا يصمّ عن ذلك إلا أصمّ ، ولا يعمى عن ذلك إلا أعمى ، ومَن لم ينفعه الله بالبلاء والتجارب لم ينتفع بشيء من العظة ). (2)
  (2) وقال ( عليه السلام ) : ( كتاب ربّكم فيكم ، مبيّناً حلاله وحرامه ، وفرائضه وفضائله ، وناسخه ومنسوخه ، ورخصه وعزائمه ، وخاصّه وعامّه ، وعبره وأمثاله ). (3)
  (3) قال أمير المؤمنين ( عليه السلام ) : ( نزل القرآن أرباعاً : ربع فينا ، وربع في عدوّنا ، وربع سنن وأمثال ، وربع فرائض وأحكام ). (4)

--------------------
(1) يونس : 2 (4)
(2) نهج البلاغة ، الخطبة 176.
(3) نهج البلاغة : الخطبة 81 ـ
(4) بحار الأنوار : 24 / 305 ح 1 ، باب جوامع تأويل ما نزل فيهم 8 ـ

الأمثال في القرآن الكريم _ 22 _
  (4) روى الإمام الصادق ( عليه السلام ) عن جده أمير المؤمنين علي ( عليه السلام ) أنّه قال لقاض ( هل تعرف الناسخ من المنسوخ ؟ ) ، قال : لا ، قال : ( فهل أشرفت على مراد الله عزّ وجل في أمثال القرآن ؟ ) ، قال : لا ، قال : ( إذاً هلكت وأهلكت )، والمفتي يحتاج إلى معرفة معاني القرآن وحقائق السنن وبواطن الإشارات والآداب والإجماع والاختلاف والإطّلاع على أُصول ما أجمعوا عليه وما اختلفوا فيه ، ثم حسن الاختيار ، ثم العمل الصالح ، ثم الحكمة ، ثم التقوى ، ثم حينئذٍ إن قدر . (1)
  (5) قال أمير المؤمنين على ( عليه السلام ) : ( سمّوهم بأحسن أمثال القرآن ، يعنى : عترة النبي ( صلى الله عليه وآله وسلم ) ، هذا عذب فرات فاشربوا ، وهذا ملح أجاج فاجتنبوا ). (2)
  (6) وقال علي بن الحسين عليهما السلام في دعائه عند ختم القرآن : ( اللّهمّ انّك أعنتني على ختم كتابك الذي أنزلته نوراً وجعلته مهيمناً على كل كتاب أنزلته ـ إلى أن قال : ـ اللّهم اجعل القرآن لنا في ظلم الليالي مؤنساً ، ومن نزعات الشيطان وخطرات الوساوس حارساً ، ولأقْدامِنا عن نقلها إلى المعاصي حابساً ، ولألسنتنا عن الخوض في الباطل من غير ما آفة مخرساً ، ولجوارحنا عن اقتراف الآثام زاجراً ، ولما طوت الغفلة عنّا من تصفح الاعتبار ناشراً ، حتى توصل إلى قلوبنا فهم عجائبه وزواجر أمثاله التي ضعفت الجبال الرواسي على صلابتها عن احتماله ). (3)
  (7) وقال علي بن الحسين عليهما السلام في مواعظه : ( فاتّقوا الله عباد الله ، واعلموا أنّ الله عزّ وجلّ لم يحب زهرة الدنيا وعاجلها لأحد من أوليائه ولم يرغّبهم فيها وفي عاجل زهرتها وظاهر بهجتها ، وإنّما خلق الدُّنيا وخلق أهلها ليبلوهم فيها

--------------------
(1) بحار الأنوار : 2 / 121 ح 34 ، باب النهى عن القول بغير علم من كتاب العلم.
(2) بحار الأنوار : 92 / 116 ، الباب 12 من كتاب القرآن.
(3) الصحيفة السجادية : من دعائه 7 عند ختم القرآن.

الأمثال في القرآن الكريم _ 23 _
  أيّهم أحسن عملاً لآخرته ، وأيم الله لقد ضرب لكم فيه الأمثال وصرّف الآيات لقوم يعقلون ولا قوّة إلاّ بالله ). (1)
  (8) وقال الإمام الباقر ( عليه السلام ) لاَخيه زيد بن علي : ( هل تعرف يا أخى من نفسك شيئاً مما نسبتها إليه فتجيئ عليه بشاهد من كتاب الله ، أو حجّة من رسول الله ، أو تضرب به مثلاً ، فانّ الله عز وجلّ أحلَّ حلالاً وحرّم حراماً ، فرض فرائض ، وضرب أمثالاً ، وسنَّ سنناً ). (2)
  (9) روي الكليني عن إسحاق بن جرير ، قال : سألتني امرأة أن استأذن لها على أبي عبد الله ( عليه السلام ) فأذن لها ، فدخلت ومعها مولاة لها ، فقالت : يا أبا عبد الله قول الله عزّ وجلّ : ( زَيتُونةٍ لا شَرْقيةٍ وَلا غَرْبية ) (3) ما عني بهذا ؟ فقال : ( أيّتها المرأة إنّ الله لم يضرب الأمثال للشجر إنّما ضرب الأمثال لبني آدم ). (4)
  (10) روى داود بن كثير عن أبي عبد الله ( عليه السلام ) أنّه قال : ( يا داود إنّ الله خلقنا فأكرم خلقنا وفضلنا وجعلنا أُمناءه وحفظته وخزّانه على ما في السماوات وما في الأرض ، وجعل لنا أضداداً وأعداءً ، فسمّـانا في كتابه وكنّى عن أسمائنا بأحسن الأسماء وأحبها إليه ، وسمّى أضدادنا وأعداءنا في كتابه وكنّى عن أسمائهم وضرب لهم الأمثال في كتابه في أبغض الأسماء إليه ... ). (5)
  هذه عشرة كاملة من كلمات أئمّتنا المعصومين حول أمثال القرآن.

--------------------
(1) الكافي : 8 / 75. (2) بحار الأنوار : 46 / 204 ، الباب 11 ـ
(3) النور : 35.
(4) الكافي : 5 / 551 ، الحديث 2 ، باب السحق من كتاب النكاح.
(5) البحار : 24 / 303 ، الحديث 1(4)

الأمثال في القرآن الكريم _ 24 _
   وقد حازت الأمثال القرآنية على اهتمام المفكرين ، فذكروا حولها كلمات تعرب عن أهمية الأمثال ومكانتها في القرآن :
  (1) قال حمزة بن الحسن الاصبهاني ( المتوفّى عام 351 ه‍ ) : لضرب العرب الأمثال واستحضار العلماء النظائر ، شأن ليس بالخفي في إبراز خفيّات الدقائق ورفع الأستار عن الحقائق ، تريك المتخيَّل في صورة المتحقق ، والمتوهَّم في معرض المتيقن ، والغائب كأنّه مشاهد ، وفي ضرب الأمثال تبكيت للخصم الشديد الخصومة ، وقمع لسورة الجامح الأبيّ ، فإنّه يؤثر في القلوب ما لا يؤثّر وصف الشيء في نفسه ولذلك أكثر الله تعالى في كتابه وفي سائر كتبه الأمثال ، ومن سور الإنجيل سورة تسمّى سورة الأمثال وفشت في كلام النبي ( صلى الله عليه وآله وسلم ) وكلام الأنبياء والحكماء . (1)
  (2) قال الإمام أبو الحسن الماوردي ( المتوفّى عام 450 ه‍ ) : من أعظم علم القرآن علم أمثاله ، والنّاس في غفلة عنه لاشتغالهم بالأمثال ، وإغفالهم الممثَّلات ، والمثل بلا ممثَّل كالفرس بلا لجام والناقة بلا زمام. (2)
  (3) قال الزمخشري ( المتوفّى عام 538 ه‍ ) في تفسير قوله سبحانه : ( مَثَلُهُمْ كَمَثَلِ الَّذِي اسْتَوْقَدَ ناراً ) (3) : وضرب العرب الأمثال واستحضار العلماء المثل والنظائر ، إلى آخر ما نقلناه عن الاصبهاني. (4)
  (4) وقال الرازي ( المتوفّى عام 606 ه‍ ) : ( إن المقصود من ضرب الأمثال

--------------------
(1) الدرّة الفاخرة في الأمثال السائرة : 1 / 59 ـ 60 والعجب أن هذا النص برمّته موجود في الكشّاف في تفسير قوله سبحانه : ( فَما رَبِحَتْ تِجارتهم وَما كانُوا مُهْتَدين مَثَلُهُمْ كَمَثل الَّذي استَوقَدَ ناراً ) ( انظر الكشّاف : 1 / 149 ).
(2) الإتقان في علوم القرآن : 2 / 104(1)
(3) البقرة : 17.
(4) الكشّاف : 1 / 72 ـ

الأمثال في القرآن الكريم _ 25 _
  انّها تؤثر في القلوب ما لا يؤثره وصف الشيء في نفسه ، وذلك لأنّ الغرض في المثل تشبيه الخفي بالجلي ، والغائب بالشاهد ، فيتأكد الوقوف على ماهيته ، ويصير الحس مطابقاً للعقل ، وذلك في نهاية الإيضاح ، ألا ترى أنّ الترغيب إذا وقع في الإيمان مجرّداً عن ضرب مثل له لم يتأكد وقوعه في القلب كما يتأكد وقوعه إذا مُثّل بالنور ، وإذا زهد في الكفر بمجرّد الذكر لم يتأكد قبحه في العقول ، كما يتأكد إذا مثل بالظلمة ، وإذا أخبر بضعف أمر من الأمور وضرب مثله بنسج العنكبوت كان ذلك أبلغ في تقرير صورته من الاِخبار بضعفه مجرّداً ، ولهذا أكثر الله تعالى في كتابه المبين ، وفي سائر كتبه أمثاله ، قال تعالى : ( وَتِلْكَ الأمْثال نَضْرِبها لِلنّاس ) (1). (2)
  (5) وقال الشيخ عزالدين عبدالسلام ( المتوفّى عام 660 ه‍ ) : إنّما ضرب الله الأمثال في القرآن ، تذكيراً ووعظاً ، فما اشتمل منها على تفاوت في ثواب ، أو على إحباط عمل ، أو على مدح أو ذم أو نحوه ، فإنّه يدل على الاحكام. (3)
  (6) وقال الزركشي ( المتوفّى عام 794 ه‍ ) : وفي ضرب الأمثال من تقرير المقصود ما لا يخفى ، إذ الغرض من المثل تشبيه الخفي بالجلي ، والشاهد بالغائب ، فالمرغب في الإيمان مثلاً ، إذا مثّل له بالنور تأكّد في قلبه المقصود ، والمزهَّد في الكفر إذا مثل له بالظلمة تأكد قبحه في نفسه وفيه أيضاً تبكيت الخصم ، وقد أكثر الله تعالى في القرآن ، وفي سائر كتبه من الأمثال. (4)
  لكن يرد على ما ذكره الزمخشري والرازي والزركشي أنّ ما ذكروه راجع إل

--------------------
(1) العنكبوت : 43 ـ
(2) مفاتيح الغيب : 2 / 7(2) 73 ـ
(3) الإتقان في علوم القرآن : 2 / 1041 ـ
(4) البرهان في علوم القرآن : 1 / 488.

الأمثال في القرآن الكريم _ 26 _
  نفس الأمثال لا إلى الضرب بها ، فانّ الأمثال شيء وضرب الأمثال شيء آخر ، لأنّ إبراز المتخيل بصورة المحقّق ، والمتوهم في معرض المتيقن ، ليس من مهمة ضرب الأمثال ، وإنّما هي مهمة نفس الأمثال ، ( وذلك أنّ المعاني الكلية تعرض للذهن مجملة مبهمة ، فيصعب عليه أن يحيط بها وينفذ فيها فيستخرج سرّها ، والمثل هو الذي يفصّل إجمالها ، ويوضّح إبهامها ، فهو ميزان البلاغة وقسطاسها ومشكاة الهداية ونبراسها ). (1)
السابع : الكتب المؤلفة في الأمثال القرآنية

  ولأجل هذه الاَهمية التي حازتها الأمثال القرآنية ، قام غير واحد من علماء الإسلام القدامى منهم والجدد ، بتأليف رسائل وكتب حول الأمثال القرآنية نذكر منها ما وقفنا عليه.
  (1) ( أمثال القرآن)للجنيد بن محمد القواريري ( المتوفّى سنة 298 ه‍ ).
  (2) ( أمثال القرآن)لاِبراهيم بن محمد بن عرفة بن مغيرة المعروف بنفطويه ( المتوفّـى سنة 323 ه‍ ).
  (3) ( الدرة الفاخرة في الأمثال السائرة)لحمزة بن الحسن الاصبهاني ( المتوفّـى 351 ه‍ ).
  (4) ( أمثال القرآن)لأبي على محمد بن أحمد بن الجنيد الاسكافي ( المتوفّى عام 381 ه‍ ).
  (5) ( أمثال القرآن ) للشيخ أبي عبد الرحمن محمد بن حسين السلمي النيسابوري ( المتوفّـى عام 412 ه‍ ).

--------------------
(1) تفسير المنار : 1\237.

الأمثال في القرآن الكريم _27 _
  (6) ( الأمثال القرآنية)للاِمام أبي الحسن علي بن محمد بن حبيب الماوردي الشافعي ( المتوفّـى سنة 450 ه‍ ).
  (7) ( أمثال القرآن)للشيخ شمس الدين محمد بن أبي بكر بن قيم الجوزية ( المتوفّـى سنة 754 ه‍ )، وقد طبعت مؤخّراً.
  (8) ( الأمثال القرآنية)لعبد الرحمن حسن حنبكة الميداني.
  (9) ( أمثال القرآن)للمولى أحمد بن عبد الله الكوزكناني التبريزي ( المتوفّـى عام 1327 ه‍ )، المطبوعة على الحجر في تبريز عام 1324 هـ.
  (10) ( أمثال القرآن)للدكتور محمود بن الشريف.
  (11) ( الأمثال في القرآن الكريم)للدكتور محمد جابر الفياضي، وقد طبعت مؤخّراً.
  (12) ( الصورة الفنية في المثل القرآني)للدكتور محمد حسين علي الصغير، وقد طبعت مؤخّراً.
  (13) ( أمثال قرآن)( بالفارسية ) لعلي أصغر حكمت، وقد طبعت مؤخّراً.
  (14) ( تفسير أمثال القرآن)( بالفارسية ) للدكتور إسماعيل إسماعيلي، وقد طبعت مؤخّراً.
الثامن : تقسيم الأمثال القرآنية إلى الصريح والكامن

  ذكر بدر الدين الزركشي ان الأمثال على قسمين : ظاهر وهو المصرّح به ، وكامن وهو الذي لا ذكر للمثل فيه وحكمه حكم الأمثال. (1)
  قد نقل السيوطي ذلك النص بنفسه وحاول تفسير المثل الكامن ، وقال

--------------------
(1) البرهان في علوم القرآن : 1 / 571 ـ

الأمثال في القرآن الكريم _28 _
  ما هذا نصّه : فمن أمثلة الأوّل ، قوله تعالى : ( مَثَلُهُمْ كَمَثَلِ الَّذي اسْتَوقَدَ ناراً ... ) (1) ضرب فيها للمنافقين مثلين : مثلاً بالنار ومثلاً بالمطر ـ ثمّ قال ـ : وأما الكامنة : فقال الماوردي : سمعت أبا إسحاق إبراهيم بن مضارب بن إبراهيم ، يقول : سمعت أبي يقول : سألت الحسين بن فضل ، فقلت : إنّك تخرج أمثال العرب والعجم من القرآن ، فهل تجد في كتاب الله : ( خير الأمور أوسطها ) ؟ قال : نعم في أربعة مواضع :
  قوله تعالى : ( لا فارِضٌ وَلا بِكْرٌ عَوانٌ بَيْنَ ذلِكَ ). (2)
  وقوله تعالى : ( وَالّذينَ إذا أَنْفَقُوا لم يُسْرِفُوا وَلَمْ يَقْتُروا وكانَ بَيْنَ ذلِكَ قَواماً ). (3)
  قوله تعالى : ( وَلا تَجْعَل يَدَكَ مَغْلُولَةً إِلى عُنُقِكَ وَلا تَبْسُطْها كُلَّ الْبَسْطِ ). (4)
  قوله تعالى : ( وَلا تَجْهَرْ بِصَلاتِكَ وَلا تُخافِتْ بِها وَابتَغِ بَيْنَ ذلِكَ سَبيلاً ). (5)
  قلت : فهل تجد في كتاب الله ( من جهل شيئاً عاداه ) ؟ قال : نعم ، في موضعين :
  ( بَل كَذّبُوا بما لَمْ يُحِيطُوا بِعِلْمِهِ ). (6)

--------------------
(1) البقرة : 17 ـ 20.
(2) البقرة : 68.
(3) الفرقان : 67.
(4) الإسراء : 29.
(5) الإسراء : 110.
(6) يونس : 39.

الأمثال في القرآن الكريم _29_
  ( وَإِذ لَمْ يَهْتَدُوا بِهِ فَسَيَقُولُونَ هذا إِفْكٌ قَديم ). (1)
  قلت : فهل تجد في كتاب الله ( احذر شر من أحسنت إليه ) ؟ قال : نعم.
  ( وما نَقمُوا إلاّ أن أغْناهُمُ اللهُ وَرَسُولُهُ مِنْ فَضْلِهِ ). (2)
  قلت : فهل تجد في كتاب الله ( ليس الخبر كالعيان ) ؟ قال : في قوله تعالى : ( قالَ أَوَ لَمْ تُوَْمِن قال بَلى ولَكِنْ لِيَطْمَئِنّ قَلْبي ). (3)
  قلت : فهل تجد ( في الحركات البركات ) ؟ قال : في قوله تعالى : ( وَمَنْ يُهاجِرْ فِي سَبيلِ اللهِ يَجِدْ في الأرْضِ مُراغَماً كَثيراً وَسَعَة ). (4)
  قلت : فهل تجد ( كما تدين تدان ) ؟ قال : في قوله تعالى : ( مَنْ يعْمَلْ سُوءاً يُجْزَ بِه ). (5)
  قلت : فهل تجد فيه قولهم ( حين تَقْلي تدري ) ؟ قال : ( وَسَوْفَ يَعْلَمُونَ حينَ يَرَونَ العَذابَ مَن أَضلُّ سَبِيلاً ). (6)
  قلت : فهل تجد فيه : ( لا يُلدغ المؤمن من جحر مرّتين ) ؟ قال : ( هَلْ آمنُكُمْ عَليهِ إلا كَما أَمِنتُكُمْ عَلى أَخيهِ مِنْ قَبْلُ ). (7)
  قلت : فهل تجد فيه ( من أعان ظالماً سُلّط عليه ) ؟ قال : ( كَتَبَ عَليهِ أنَّهُ مَنْ

--------------------
(1) الأحقاف : 11 ـ
(2) التوبة : 7(4)
(3) البقرة : 260.
(4) النساء : 100.
(5) النساء : 123 ـ
(6) الفرقان : 42 ـ
(7) يوسف : 6(4)

الأمثال في القرآن الكريم _30 _
   تَوَلاّهُ فَأنَّهُ يُضِلُّهُ وَيَهْدِيهِ إِلى عَذابِ السَّعير ). (1)
  قلت : فهل تجد فيه قولهم : ( ولا تلد الحية إلا حيّة ) ؟ قال : قوله تعالى : ( وَلا يَلِدُوا إلا فاجِراً كَفّاراً ). (2)
  قلت : فهل تجد فيه : ( للحيطان آذان ) ؟ قال : ( وَفِيكُمْ سَمّاعُونَ لَهُمْ ). (3)
  قلت : فهل تجد فيه : ( الجاهل مرزوق والعالم محروم ) ؟ قال : ( مَنْ كانَ فِي الضَّلالةِ فلَيَمْدُد لَهُ الرَّحْمنُ مَدّاً ). (4)
  قلت : فهل تجد فيه : ( الحلال لا يأتيك إلا قوتاً ، والحرام لا يأتيك إلا جزافاً ) ؟ قال : ( إذْ تَأْتِيهِمْ حِيتانُهُمْ يَومَ سَبْتِهِمْ شُرّعاً وَيَومَ لا يَسْبِتُونَ لا تَأْتِيهم ) (5). (6)
  وقد أخذ عليه ( بأنّه لو حققْتَ النظر فيما أورده الماوردي ، لما وجدت مثلاً قرآنياً واحداً بالمعنى الذي يراد التعبير عنه بأنّه مثل كامن ، على أنّ الماوردي لم ينقل عن الحسين بن الفضل بأنّ متخيّره هذا مثل كامن ، ولاسمَّى الماوردي ذلك به ، وإنّما أورد رواية للمقارنة بما يمكن أن يعد أمثالاً من كلام العرب والعجم ، ووضع قائمة مختارة ازاءه من كتاب الله بما يبذّ كلامهم ويعلو على أمثالهم.
  فالتسمية إذن اختارها السيوطي متابعاً فيها الزركشي، وطبّق عليها هذه

--------------------
(1) الحج : (4)
(2) نوح : 27.
(3) التوبة : 47.
(4) مريم : 75.
(5) الأعراف : 16(3)
(6) الإتقان في علوم القرآن : 2 / 104 (5) 1046.

الأمثال في القرآن الكريم _31 _
   الأمثلة، فهي فيما عنده أمثال كامنة ولكنّه من الواضح أن هذه العبارات القرآنية لا تدخل في باب الأمثال ، فإن اشتمال العبارة على معنى ورد في مثل من الأمثال ، لا يكفي لإطلاق لفظ المثل على تلك العبارة ، فالصيغة الموروثة ركن أساس في المثل ، لذلك نرى أنّ اصطلاح العلماء على تسمية هذه العبارات القرآنية ( أمثالاً كامنة ) محاولة لا تستند على دليل نصّي ولا تاريخي. (1)
  فسير آخر للمثل الكامن :
  ويمكن تفسير المثل الكامن بالتمثيلات التي وردت في الذكر الحكيم من دون أن يقترن بكلمة ( مثل ) أو ( كاف ) التشبيه ، ولكنّه في الواقع تمثيل رائع لحقيقة عقلية بعيدة عن الحسن المجسّد بما في التمثيل من الأمر المحسوس ، ومن هذا الباب قوله سبحانه :
  (1)( أَفَمَنْ أسَّسَ بُنْيانَهُ عَلى تَقوى مِنَ اللهِ وَرِضْوانٍ خَيرٌ أَمْ مَن أَسَّسَ بُنْيانَهُ عَلى شَفا جُرُفٍ هارٍ فَانْهارَ بهِ في نارِ جَهَنَّم وَاللهُ لا يَهْدي القَوم الظّالِمين ). (2)
  إنّه سبحانه شبَّه بنيانهم على نار جهنم بالبناء على جانب نهر هذا صفته ، فكما أنّ من بنى على جانب هذا النهر فإنّه ينهار بناءه في الماء ولا يثبت ، فكذلك بناء هؤلاء ينهار ويسقط في نار جهنم ، فالآية تدلّ على أنّه لا يستوي عمل المتقي وعمل المنافق ، فإنّ عمل المؤمن المتقي ثابت مستقيم مبني على أصل صحيح ثابت ، وعمل المنافق ليس بثابت وهو واهٍ ساقط. (3)

--------------------
(1) الصورة الفنية في المثل القرآني : 118 ، نقلاً عن كتاب ( الأمثال في النثر العربي القديم ).
(2) التوبة : 109.
(3) مجمع البيان : 3 73 ـ

الأمثال في القرآن الكريم _32 _
  (2) ( إِنَّ الَّذِينَ كَذَّبُوا بِآياتِنا وَ اسْتَكْبَروا عَنْها لا تُفَتَّحُ لَهُمْ أَبْوابُ السَّماءِ وَلا يَدخُلُونَ الجنَّةَ حتّى يَلِجَ الجَمَلُ في سَمِّ الخِياطِ وَكَذلِكَ نَجْزِي المُجْرِمِين ). (1)
  كانت العرب تمثّل للشيء البعيد المنال ، بقولهم : لا أفعل كذا حتى يشيب الغراب ، وحتى يَبْيَضَّ القار ، إلى غير ذلك من الأمثال.
  يقول الشاعر :
إذا شاب الغراب أتيت أهلي      وصار  القار كاللبن iiالحليب
  ولكنّه سبحانه مثّل لاستحالة دخول الكافر الجنّة بأنّهم يدخلون لو دخل الجمل في ثقب الاِبرة ، وقال : ولا يدخلون الجنة حتى يلج الجمل في سمّ الخياط ، معبراً عن كونهم لا يدخلون الجنة أبداً.
  ففي الآية تمثيل وليس لها من لفظ المثل وحرف التشبيه أثر.
  (3) ( وَالْبَلَدُ الطَّيِّبُ يَخْرُجُ نَباتُهُ بِإذْنِ رَبّهِ وَالّذي خَبُثَ لا يَخْرُجُ إلاّ نَكِداً كَذلِكَ نُصَرّفُ الآيات لِقَوْمٍ يَشْكُرُون ). (2)
  إنّ هذا مثل ضربه الله تعالى للمؤمن والكافر فأخبر بأنّ الأرض كلّها جنس واحد ، إلا أنّ منها طيّبة تلين بالمطر ، ويحسن نباتها ويكثر ريعها ، ومنها سبخة لا تنبت شيئاً ، فإن أنبتت فممّـا لا منفعة فيه ، وكذلك القلوب كلّها لحم ودم ثمّ منها ليّن يقبل الوعظ ومنها قاسٍ جافٍ لا يقبل الوعظ ، فليشكر الله تعالى من لانَ قلبه بذكره . (3)

--------------------
(1) الأعراف : 40.
(2) الأعراف : 58.
(3) مجمع البيان : 2 / 432 ـ

الأمثال في القرآن الكريم _33 _
   وفي ذيل الآية ( كَذلِكَ نُصَرّفُ الآيات ) إلمام إلى كونه تمثيلاً ، كما في الآية التالية.
  (4) قال سبحانه : ( أَيَوَدُّ أَحَدُكُمْ أَنْ تَكُونَ لَهُ جَنَّةٌ مِنْ نَخيلٍ وَأَعْنابٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الأنْهارُ لَهُ فِيها مِنْ كُلّ الثَّمراتِ وَأَصابَهُ الكِبَر وَلَهُ ذُرّيّةٌ ضُعفاءُ فَأَصابَها إعصارٌ فِيهِ نارٌ فَاحتَرَقَتْ كَذلِكَ يُبَيّنُ اللهُ لَكُمُ الآياتِ لَعَلَّكُمْ تَتَفَكَّرُون ). (1)
  أخرج البخاري عن ابن عباس ، قال : قال عمر بن الخطاب يوماً لأصحاب النبي ( صلى الله عليه وآله وسلم ) فيمن ترون هذه الآية نزلت ( أَيَوَدُّ أَحدكُمْ أَنْ تَكُون لَهُ جَنَّة مِنْ نَخيل وَأَعْناب ) ؟
  قالوا : الله أعلم ، فغضب عمر ، وقال : قولوا : نعلم أو لا نعلم. فقال ابن عباس : في نفسي منها شيء ، فقال : يابن أخي : قل ولا تحقِّر نفسك ، قال ابن عباس : ضربت مثلاً لعملٍ ، قال عمر : أي عمل ؟ قال ابن عباس : لرجل غني عمل بطاعة الله ، ثم بعث الله له الشيطان فعمل بالمعاصي حتى أغرق أعماله. (2)
  وحصيلة البحث : إنّ التمثيل الوارد في القرآن الكريم ، تارة يقترن بكلمة المثل ، وأخرى يقترن به مع لفظ الضرب حيث اختار سبحانه مادة الضرب لقسم كبير من أمثال القرآن ، وثالثة بحرف كاف التشبيه ، ورابعة بذكر مادة المثل بدون اقتران بواحد منهما مثل قوله : ( وَالْبَلَدُ الطَّيّبُ يخْرجُ نَباتهُ بِإذْنِ رَبّهِ وَالّذِي خَبُثَ لا يَخرجُ إلا نَكِداً ). (3)

--------------------
(1) البقرة : 266.
(2) صحيح البخاري : التفسير : تفسير سورة البقرة ، باب قوله : ( أيودّ أحدكم ) رقم 426(4)
(3) الأعراف : 58.

الأمثال في القرآن الكريم _34 _
التاسع : ما هو المراد من ضرب المثل

  قد استعمل الذكر الحكيم كلاً من لفظي ( المَثَل ) و ( المِثْل ) في غير واحد من سوره وآياته حتى ناهز استعمالهما ثمانين مرة ، إلاّ أنّ الثاني يزيد على الأوّل بواحد ، والأمثال جمع لكليهما ويميّزان بالقرائن قال سبحانه : ( إِنَّ الّذِينَ تَدْعُونَ مِنْ دُونِ الله عِبادٌ أَمْثالُكُمْ ) (1) وهو في المقام ، جمع المِثْل لشهادة أنّه يحكم على آلهتهم بأنّها مثلهم في الحاجة والاِمكان.
  وقال سبحانه : ( تِلْكَ الأمْثالُ نَضْرِبُها لِلنّاسِ لعلّهُمْ يَتفَكَّرُون ). (2)
  فاقتران الأمثال بلفظ الضرب ، دليل على أنّه جمع مَثَل. إلاّ أنّ المهم هو دراسة معنى ( الضرب ) في هذا المورد ونظائره ، فكثيراً ما يقارن لفظ المثل لفظ الضرب ، يقول سبحانه : ( ضَرَبَ اللهُ مَثَلاً )، (3) وقال سبحانه : ( وَلَقَدْ ضَرَبْنا للنّاسِ في هذا القُرآن مِنْ كُلّ مَثَلٍ لَعَلَّهُمْ يَتَذَكَّرون ). (4)
  وقد اختلفت كلمتهم في تفسير لفظ ( الضرب ) في هذا المقام ، بعد اتّفاقهم على أنّه في اللغة بمعنى إيقاع شيء على شيء ، ويتعدّى باليد أو بالعصى أو بغيرهما من آلات الضرب ، قال سبحانه : ( أَنِ اضْرِب بِعَصاكَ الْحَجَر ) (5) وقد ذكروا وجوهاً :
  الأوّل : إنّ الضرب في هذه الموارد بمعنى المَثَل ، والمرا د هو التَمثيل ، وهو

--------------------
(1) الأعراف : 19(4)
(2) الحشر : 21 ـ
(3) إبراهيم : 2 (4)
(4) الزمر : 27.
(5) الأعراف : 160.

الأمثال في القرآن الكريم _35 _
   خيرة ابن منظور واستشهد بقوله : ( واضْربْ لَهُمْ مَثَلاً أَصحابَ القَرْيَةِ إذْ جاءَها الْمُرسَلُون ) (1) أي مثّل لهم مثلاً وهو حال أصحاب القرية ، وقال : ( يَضْرِبُ اللهُ الحَقَّ وَالباطِل ) (2) أي يمثل الله الحقّ والباطل ، (3) وهذا خيرة صاحب القاموس أيضاً.
  الثاني : إنّ الضرب بمعنى الوصف والبيان ، وقد حُكي عن مقاتل بن سليمان ، وفسر به قوله سبحانه : ( وضَرَبَ الله مَثلاً عَبداً مَمْلُوكاً لاَ يَقْدِرُ عَلى شَيء ). (4)
  واستشهد بقول الكميت :
وذلـك ضرب أخماس iiأريدت      لأسداس عسى أن لا تكونا (5)
  الثالث : إنّ الضرب بمعنى الاعتماد والتثبيت ، وهو خيرة الشيخ الطوسي (6) ( 38(5) 460 ه‍ ) ، والزمخشري ، (7) والآلوسي ، (8) ( المتوفّى عام 0721 ) فقد فسّروا به قوله سبحانه : ( يا أَيُّهَا النّاسُ ضُرِبَ مَثَلٌ فَاسْتَمِعُوا لَهُ ). (9)
  لرابع : إن الضرب في المقام من باب الضرب في الأرض وقطع المسير ،

--------------------
(1) يس : 13
(2) الرعد : 17.
(3) لسان العرب : 2 / 37 ، مادة ضرب.
(4) النحل : 75.
(5) تفسير الطبري : 1 / 175.
(6) التبيان في تفسير القرآن : 7 / 30(2)
(7) الكشّاف : 2 / 553 ـ
(8) روح المعاني : 1 / 206.
(9) الحج : 73 ـ

الأمثال في القرآن الكريم _36 _
   وضرب المثل عبارة عن جعله سائراً في البلاد كقولك : ضرب في الأرض إذا صار فيها ، ومنه سُمِّيَ الضارب مضارباً. (1)
  فإذا كان الضرب بمعنى قطع الأرض وطيّها ، فضرب المثل عبارة عن جعله شيئاً سائراً بين الأقوام والشعوب يمشي ويسير حتى يستوعب القلوب.
  وفي المقام كلمة لابن قيم ، يوضّح فيها أكثر هذه الاحتمالات : ضرب الله سبحانه لعباده ، الأمثال ، وضرب الرسول ( صلى الله عليه وآله وسلم ) لاَُمّته الأمثال ، وضرب الحكماء والعلماء والمؤدّبون الأمثال ، فما معنى ضرب المثل ؟ قد يكون مشتقّاً من قولك ( ضرب في الأرض ) أي سار فيها.
  فمعنى ضرب المثل جعله ينتشر ويذيع ويسير في البلاد، وإلى هذا ذهب أبو هلال في مقدمة كتابه. (2)
  وقد يكون معنى ( ضرب المثل ) نصبه للناس بإشهاره لتستدلّ عليه خواطرهم كما تستدلّ عيونهم على الأشياء المنصوبة، واشتقاقه حينئذٍ من قولهم : ( ضربت الخباء ) إذا نصبته.
  قوله تعالى : ( كَذلِكَ يَضْرِبُ اللهُ الحَقَّ وَالباطل ) (3) أي ينصب منارهما ويوضح أعلامهما ليعرف المكلّفون الحق بعلاماته فيقصدوه ، ويعرفون الباطل فيجتنبوه ، كما قال الشريف الرضيّ ( 359 ـ 406 ه‍ ) في كتابه ( تلخيص البيان في مجازات القرآن ) :

--------------------
(1) الحكم والأمثال : 79.
(2) انظر مقدمة كتاب جمهرة الأمثال.
(3) الرعد : 17.

الأمثال في القرآن الكريم _37 _
   وقد يفهم من ضرب المثل صنعه وإنشاؤه ، فيكون مشتقّاً من ضرب اللّبْنِ وضرب الخاتم.
  أو قد يكون من الضرب بمعنى : إبقاء شيء على شيء. (1)
  ومنه ضرب الدراهم : أي إيقاع النموذج الذي به الصّكُ على الدراهم لتنطبع به ، فكأنّ المثل مطابق للحالة ، أي للصفة التي جاء لإيضاحها ، وخلاصة القول : ضرب المثل مأخوذ : إمّا من :
  (1) ضرَب في الأرض بمعنى : سار.
  (2) ضربه : نصبه للناس وأشهره.
  (3) ضرب : صنع وأنشأ.
  (4) ضرب : إبقاء شيء على مثال شيء. (2)
  وبذلك يُعلم تفسير قوله سبحانه : ( ... وَقالَ الظّالِمُونَ إِنْ تَتَّبِعُونَ إلاّ رَجُلاً مَسْحُوراً * انْظُر كَيْفَ ضَرَبُوا لَكَ الأمْثالَ فَضَلُّوا فَلا يَسْتَطِيعُونَ سَبِيلاً ). (3)
  نرى أنّ المشركين وصفوا النبي ( صلى الله عليه وآله وسلم ) بكونه رجلاً مسحوراً ، فيردّ عليه سبحانه باستنكار ويقول : ( انظر ـ أيّها النبي ـ كيف ضربوا لك الأمثال ) أي كيف وصفوك بأنّك مسحور مع أنّ سيرتك تشهد على خلاف ذلك ، وما تتلو من الآيات كلامه سبحانه لا صلة له بالسحر وإنّ ما يجدونه خلاَّباً للعقول وآخذاً بمجامع القلوب فإنّه هو لأجل عذوبته وجماله وإعجازه الخارق وأين هو من السحر ؟!

--------------------
(1) تلخيص البيان في مجازات القرآن : 107.
(2) الأمثال في القرآن الكريم : 20 ـ 2(1)
(3) الفرقان : 8 ـ 9.

الأمثال في القرآن الكريم _38_
  وعلى ذلك فالمعنى المناسب لتفسير الآية ، هو تفسير الضرب بالوصف ، وقد تقدّم أنّ الوصف أحد معانيه ، وأقرّ به ابن منظور : أن انظر كيف وصفوك بكونك مسحوراً.
  وأمّا تفسيره بالتمثيل بأن يقال : انظر كيف مثّلوا لك المثال أو التمثيل ، فغير تام ، لأنّ وصف النبي ( صلى الله عليه وآله وسلم ) بكونه ( مسحوراً ) ، لا مثَل سائر ، ولا تمثيل قياسي.
  ونظيره تفسيره بقطع الأرض ، لأنّ المشركين ما وصفوه به ليشهّروه حتى يصير قولهم ( سيراً في الأرض ).
العاشر : الأمثال القرآنية وانسجامها مع البيئة

  لا شكّ أنّ كلّ خطيب يتأثر بالظروف التي يعيش فيها ، وبسهولة يمكن فرز كلام المدني عن القروي ، وكلامهما عن كلام البدوي ، وما ذاك إلاّ لأنّ البيئة تُعدّ أحد الأضلاع الثلاثة التي تُكوّن شخصية الإنسان ، ومن هذا الجانب أصبح بإمكان المحقّق الخبير بالتاريخ أن يميز الشعر الجاهلي عن الشعر في العصر الاِسلامي ، والشعر في العصر الأموي عن الشعر في العصر العباسي ، وما هذا إلاّ نتيجة انعكاسات البيئة على التراث الاَدبي ، ولكن القرآن بما أنّه كلامه سبحانه قد تنزّه عن هذه الوصمة ، لأنّ الله سبحانه خالق كلّ شيء فهو منزَّه من أن يتأثر بشيء سواه.
  ومع ذلك كلّه نزلت الأمثال القرآنية لهداية الناس ولذلك رُوعيَ فيها الغايات التي نزلت لأجلها ، فنجد ان الطابع المكي يعلو هامة الأمثال المكية ، والطابع المدني يعلو هامة الأمثال المدنية.
  مّا الأمثال المكية ، فكانت دائرة مدار معالجة الأدواء التي ابتلي بها

الأمثال في القرآن الكريم _39 _
  المجتمع المكى لا سيما وانّ النبي ( صلى الله عليه وآله وسلم ) كان يجادل المشركين ويسفّه أحلامهم ويدعوهم إلى الإيمان بالله وحده ، وترك عبادة غيره ، والإيمان باليوم الآخر ، ففي خِضمّ هذا الصراع يأتي القرآن بأروع مثل ويشبّه آلهتهم المزعومة التي تمسّكوا بأهدابها ببيت العنكبوت الذي لا يظهر أدنى مقاومة أمام النسيم الهادئ ، وقطرات المطر ، وهبوب الرياح.
  يقول سبحانه : ( مَثَلُ الَّذِينَ اتَّخَذُوا مِنْ دُونِ اللهِ أَولياء كَمَثَلِ الْعَنْكَبُوتِ اتّخَذَتْ بَيتاً وإِنَّ أَوهَنَ الْبُيُوتِ لَبيتُ العَنْكَبُوتِ لو كانُوا يَعْلَمون ). (1)
  فقد شبّه آلهتهم التي اتخذوها حصوناً منيعة لأنفسهم بخيوط العنكبوت ، وبذلك صغّرهم وذلّلهم.
  كما أنّه سبحانه في آية أخرى شبّه آلهتهم بالذباب ، وقال : ( يا أَيُّهَا النّاس ضُرِبَ مَثَلٌ فَاسْتَمِعُوا له إِنَّ الّذِينَ تَدْعُونَ مِنْ دُونِ اللهِ لَنْ يَخْلُقُوا ذُباباً ولَوِ اجْتَمَعوا لَهُ وإن يَسْلُبْهُمُ الذُّبابُ شَيئاً لا يَسْتَنْقِذُوهُ مِنْهُ ضَعُفَ الطّالِبُ وَالْمَطْلُوب ). (2)
  فقد كانت قريش تعبد 360 إلهاً يطلونها بالزعفران فيجفّ ، فيأتى الذباب فيختلسه فلا يقدرون عن الدفاع عن أنفسهم ، ففي هذا الصدد ، قال سبحانه : ( ضعف الطالب والمطلوب ) أي الذباب والمدعوّ.
  فأي مثل أقرع من تشبيه آلهتهم بهذه الحشرة الحقيرة ، ولقد مضى على الناس منذ ضرب لهم كتاب الإسلام هذا المثل أربعة عشر قرناً ، وما يزال المثل القرآني يتحدَّى كل جبروت الغزاة وعبقرية العلماء ، وما يزال على الذين غرّهم الغرور بما حقّق إنسان العصر الحديث من معجزات العلم ، أن ينسخوا ذلك ، بأن يجتمعوا

--------------------
(1) العنكبوت : 41 ـ
(2) الحج : 7 (3)

الأمثال في القرآن الكريم _40 _
  فيخلقوا ذباباً ، أو يستنقذوا شيئاً سلبتهم إيّاه هذه الحشرة الضئيلة التي تقتلها ذرّة من هواء مشبع بمُبيد الحشرات ، وتستطيع مع ذلك أن تسلب مخترع المبيد حياته ، بلمسة هيّنة خاطفة تحمل إليه جرثومة داء مميت. (1)
  هذا في مجال الردِّ على عبادتهم للاَوثان والأصنام ، أمّا في مجال ركونهم إلى الدنيا والاِعراض عن الآخرة ، يستعرض مثلاً يشير فيه إلى أنّ الدنيا ظل زائل وليست خالدة ، قال سبحانه : ( إِنَّما مَثَلُ الحَياة الدُّنيا كَماءٍ أَنْزَلْناهُ مِنَ السَّماءِ فَاخْتَلَطَ بِهِ نَباتُ الأرض مِمّا يَأكُلُ النّاسُ وَالأنْعامُ حَتّى إذا أَخَذَتِ الأرْضُ زُخْرُفَها وَ ازّيّنَتْ وَظَنّ أَهْلُها أَنَّهُمْ قادِرُونَ عَليها أَتاها أَمْرُنا لَيلاً أو نَهاراً فَجَعَلْناها حَصيداً كَأنْ لَمْ تَغْنَ بِالأمْسِ كَذلِكَ نُفَصّلُ الآياتِ لِقَومٍ يَتَفكَّرُون ). (2)
  هذا بعض ما يمكن أن يقال حول الأمثال التي نزلت في مكة.
  أمّا الأمثال التي نزلت في المدينة ، فقد نجد فيها الطابع المدني لأجل انّها بصدد علاج الأدواء التي ابتلي بها المجتمع يومذاك وهي الأدواء الخلقية مكان الشرك والوثنية ، أو مكان إنكار الحياة الأخروية ، فلذلك ركّز الوحي على معالجة هذا النوع من الأدواء بالتمثيلات التي سنشير إليها.
  فقد كان النبي ( صلى الله عليه وآله وسلم ) في مهجره مبتلياً بالمنافقين الذين كانوا يبطنون الكفر ويظهرون الإسلام بغية الاِطاحة بالحكومة الإسلامية الفتيّة ، وفي هذا الصدد نرى أنّ الأمثال المدنية تطرّقت في آيات كثيرة إلى المنافقين وبيّنت خطورة موقفهم على الإسلام والمسلمين ، فتارة يضرب الله سبحانه لهم مثلاً بالنار وأخرى بالمطر ، يقول سبحانه : ( مَثَلُهُمْ كَمَثَلِ الّذِي اسْتَوقَدَ ناراً فَلَمّا أَضاءَتْ ما حَوْلَهُ

--------------------
(1) الصورة الفنية في المثل القرآني : 99 ، نقلاً عن كتاب ( القرآن وقضايا الإنسان ) لبنت الشاطئ.
(2) يونس : 2(4)

الأمثال في القرآن الكريم _41 _
   ذَهَبَ اللّهُ بِنُورِهِمْ وَتَرَكَهُمْ في ظُلماتٍ لا يُبْصِرُون * صُمّ بُكْمٌ عُمْىٌ فَهُمْ لا يَرْجِعُون * أَوْ كَصَيّبٍ مِنَ السَّماءِ فِيهِ ظُلُماتٌ وَرَعْدٌ وَبَرْقٌ يَجْعَلُونَ أَصابِعَهُمْ فِي آذانِهِمْ مِنَ الصَّواعِقِ حَذَرَ المَوتِ وَاللهُ مُحيطٌ بِالكافِرين ). (1)
  كان المجتمع المدني يضمُّ في طيّاته طوائف ثلاث من اليهود وهم : بنو قينُقاع ، وبنو النضير ، وبنو قُريظة ، وقد جبلوا على المكر والحيلة والغدر ، وكانوا يقرأون سمات النبي ( صلى الله عليه وآله وسلم ) في توراتهم ، ويمرّون عليها مرار الأمي الذي لا يجيد القراءة والكتابة ، وهذه السمة أدت إلى أن يشبّههم سبحانه بالحمار الذي يحمل أسفاراً قيّمة دون أن يستفيدوا منها شيئاًً ، يقول سبحانه : ( مَثَلُ الّذِينَ حُمّلُوا التَّوراةَ ثُمَّ لَمْ يَحْمِلُوها كَمَثَلِ الحِمارِ يَحْمِلُ أَسْفاراً بِئْسَ مَثَلُ القَومِ الَّذينَ كَذَّبُوا بِآياتِ اللهِ وَاللهُ لا يَهْدِي القَومَ الظالِمين ). (2)
  وأمّا المسلمون الذين عاصروا النبي ( صلى الله عليه وآله وسلم ) فكانوا بحاجة إلى هداية إلهية تصلح أخلاقهم ، فقد كان البعض منهم ينفقون أموالهم رئاءً دون ابتغاء مرضاة الله ، أو ينفقونها بالمنّ والأذى ، فنزل الوحي الإلهي بمثل خاص يبيّن موقف المنفق في سبيل الله ، والمنفق بالمنِّ والأذى أو رئاء الناس ، قال سبحانه : ( مَثَلُ الَّذينَ يُنْفِقُونَ أَمْوالَهُمْ في سَبيلِ اللهِ كَمَثَلِ حَبَّةٍ أَنْبَتَتْ سَبْعَ سَنابِلَ فِي كُلِّ سُنْبُلَةٍ مائةُ حَبّةٍ وَاللهُ يُضاعِفُ لِمَنْ يَشاءُ وَاللهُ واسِعٌ عَليم ). (3)
  وقال سبحانه : ( يا أَيُّها الَّذينَ آمَنُوا لاتُبْطِلُوا صَدقاتِكُمْ بِالمَنّ وَالأذى كَالّذي يُنْفِقُ مالَهُ رِئاءَ النّاسِ وَلا يُؤمِنُ باللهِ وَاليَومِ الآخِرِ فَمَثَلُهُ كَمَثَلِ صَفوانٍ عَليه

--------------------
(1) البقرة : 17 ـ 19.
(2) الجمعة : (5
(3) البقرة : 26(1)

الأمثال في القرآن الكريم _42 _
   ُرابٌ فَأَصابَهُ وابِلٌ فَتَركَهُ صَلْداً لا يَقْدِرُونَ على شَيءٍ مِمّا كَسَبوا وَاللهُ لا يَهْدِي الْقومَ الكافِرِين ). (1)
  هذه إلمامة خاطفة لملامح الأمثال القرآنية التي نزلت قبل الهجرة وبعدها ، وسيوافيك البحث في تلك الأمثال عند تفسير الآيات واحدة تلو الاَُخرى.
الحادي عشر : استنكار الأمثال القرآنية

  يظهر من بعض الآيات أنّ بعض المخاطبين بالأمثال كانوا يستنكرونها ويستغربون منها ، وما ذلك إلا لأنّ المثل كان يكشف عن نواياهم ويبيّـن واقع عقيدتهم ، ويسفّه أحلامهم ، فيبعث فيهم القلق والاضطراب ، ذلك عندما يجمع سبحانه في أمثاله تارة بين الذباب والعنكبوت والبعوضة ـ كما مرّ ـ وأخرى بين الكلب والحمار :
  كقوله سبحانه :
  ( فَمَثَلُهُ كَمَثَلِ الكَلْب إنْ تَحْمِل عَلَيهِ يَلْهَثْ أَوْ تَتْرُكْهُ يَلْهَث ). (2)
  ( مَثَلُ الَّذِينَ حُمِّلُوا التَّوراة ثمَّ لَمْ يَحْمِلُوها كَمَثَلِ الحِمارِ يَحْمِلُ أَسْفاراً ). (3)
  وقد نقل سبحانه استنكارهم ، وقال : ( إِنَّ اللهَ لا يَسْتَحْيي أَنْ يَضْرِبَ مَثَلاً ما بَعُوضَةً فَما فَوقَها فَأَمّا الّذِينَ آمَنُوا فَيَعْلَمُونَ أنَّهُ الحَقُّ مِنْ رَبّهِمْ وَأَمّا الَّذِينَ كَفَرُوا فَيَقُولُونَ ماذا أَرادَ اللهُ بِهذا مَثَلاً يُضِلّ بِهِ كَثيراً وَيَهْدي بِهِ كَثيراً وَ ما يُضِلُّ بِهِ إلا

--------------------
(1) البقرة : 26(4)
(2) الأعراف : 176.
(3) الجمعة : (5

الأمثال في القرآن الكريم _43 _
   الفاسِقين ). (1)
  قال الزمخشري : والتمثيل إنّما يصار إليه لكشف المعاني ، وإدناء المتوهّم من الشاهد ، فإن كان المتمثَّل له عظيماً كان المتمثّل به مثله ، وإن كان حقيراً كان المتمثل به كذلك. (2)
  ربما سرت تلك الشبهة إلى عصرنا الحاضر ، فقد استغرب بعضهم من ضرب المثل بالحشرات والأمور الحقيرة الضئيلة ، ولكنّه غفل عن أنّ العبرة في ضرب الأمثال ليس بأدواتها وآلاتها ، وإنّما بمكنوناتها وغاياتها ، وما يدرينا بسرّ الإعجاز في التركيب الجثماني للبعوضة ، مثلاً ، وما فيه من إبداع وتحدٍّ وإعداد ، ولعل فيه من الاِنجاز الخلقي ما لا نشاهده بأكثر الأجسام ضخامة وكبراً ، على أن المبدع لها جميعاً هو الله وكفى ، ( والله رب الصغير والكبير وخالق البعوضة والفيل ، والمعجزة في البعوضة هي ذاتها المعجزة في الفيل ، إنّها معجزة الحياة ، معجرة السر المغلق الذي لا يعلمه إلا الله على أنّ العبرة في المثل ليست في الحجم ، إنّما الأمثال أدوات للتنوير والتبصير ، وليس في ضرب الأمثال ما يعاب ، وما من شأنه الاستحياء من ذكره. والله ـ جلّت حكمته ـ يريد بها اختبار القلوب وامتحان النفوس. (3)
الثاني عشر : التمثيلات القرآنية

  قد عرفت أنّ المثل السائر غير التمثيل الوارد في القرآن الكريم ، وأنّه

--------------------
(1) البقرة : 26.
(2) الإتقان في علوم القرآن : 2 / 1042 ـ
(3) في ظلال القرآن : 1 / 57.

الأمثال في القرآن الكريم _44 _
  سبحانه عند ما يقول : ( وَتِلْكَ الأمْثالُ نَضْرِبُها لِلنّاسِ لَعَلَّهُمْ يَتَفكَّرون ) (1) يريد التمثيل لا المثل السائر ، وهذه التمثيلات هي نمط آخر من علوم القرآن وباب عظيم من معارفه.
  وقد ألّف غير واحد في توضيح رموزها كتباً ورسائل ، ذكرنا أسماءها في قائمة خاصة ، ولعلّ ما لم أقف عليه أكثر من ذلك.
  ولأجل إيقاف القارئ الكريم على الآيات التي سنتناولها بالبحث في هذا الكتاب ، نذكر التمثيلات القرآنية حسب ترتيب السور التي وردت فيها ، وقد تحمّل عبأ جمعها الدكتور محمد حسين على الصغير في كتابه ) الصورة الفنية في المثل القرآني ( على الرغم من ذلك فقد فاته بعض الآيات كما عدّ منها ما ليس منها ويتضح ذلك في دراسة هذه الآيات :
  (1)( مَثَلُهُمْ كَمَثَلِ الَّذِي اسْتَوْقَدَ ناراً فَلَمّا أَضاءَتْ ما حَوْلَهُ ذَهَبَ اللهُ بِنُورِهِمْ وَتَرَكَهُمْ في ظُلُماتٍ لا يُبْصِرُونَ * صُمّ بُكْمٌ عُمْىٌ فَهُمْ لا يَرْجِعُون ). (2)
  (2) ( أَوْ كَصَـيّبٍ مِنَ السَّماءِ فيهِ ظُلُماتٌ وَرَعْدٌ وَبَرْقٌ يَجْعَلُونَ أَصابِعَهُمْ في آذانِهِمْ مِنَ الصَّواعِقِ حَذَرَ الْمَوتِ وَاللهُ مُحيطٌ بِالكافِرين * يَكادُ البَرْقُ يَخْطَفُ أَبْصارَهُمْ كُلَّما أَضاءَ لَهُمْ مَشَوا فيهِ وَإذا أَظْلَمَ عَلَيْهِمْ قامُوا وَلَو شاءَ اللهُ لَذَهَبَ بِسَمْعِهِمْ وَأَبْصارِهِمْ إِنَّ اللهَ عَلى كُلّ شَيْءٍ قَدير ). (3)
  (3) ( إِنَّ اللهَ لا يَسْتَحْيِي أَنْ يَضْرِبَ مَثَلاً ما بَعُوضَةً فَما فَوْقَها فَأَمّا الّذينَ آمَنُوا فَيَعْلَمُونَ أنَّهُ الحَقُّ مِنْ رَبّهِمْ وَأَمّا الّذينَ كَفَرُوا فَيَقُولُونَ ماذا أَرادَ اللهُ بهذا مَثَلاً يُضِلُّ بِهِ كَثيراً وَيَهْدي بِهِ كَثيراً وَما يُضِلُّ بِهِ إلا الفاسِقينَ * الّذينَ يَنْقُضُونَ عَهْدَ اللهِ مِنْ بَعْدِ

--------------------
(1) الحشر : 2(1)
(2) البقرة : 17 ـ 18.
(3) البقرة : 19 ـ 20.

الأمثال في القرآن الكريم _45 _
  ميثاقِهِ وَيَقْطَعُونَ ما أَمَرَ اللهُ بِهِ أَنْ يُوصَلَ وَيُفْسِدُونَ فِي الأرْضِ أُولئِكَ هُمُ الْخاسِرونَ ). (1)
  (4) ( وَمَثَلُ الّذِينَ كَفَرُوا كَمَثَلِ الّذي يَنْعِقُ بِما لا يَسْمَعُ إلاّ دُعاءً وَنداءً صُمّ بُكْمٌ عُمْيٌ فَهُمْ لا يَعْقِلُون ). (2)
  (5) ( أَمْ حَسِبْتُمْ أَنْ تَدْخُلُوا الجَنَّةَ وَلَما يَأْتِكُمْ مَثَلُ الَّذِينَ خَلَوْا مِنْ قَبْلِكُمْ مَسَّتْهُمُ البَأْساءُ وَالضَّرّاءُ وَزُلْزِلُوا حَتّى يَقُولَ الرَّسُولُ وَالّذِينَ آمَنُوا مَعَهُ مَتى نَصْرُ اللهِ أَلا إِنَّ نَصْرَ الله قَريبٌ ). (3)
  (6)( أَو كَالّذي مَرَّ عَلى قَرْيَةٍ وَهِيَ خاوِيَةٌ عَلى عُرُوشِها قالَ أَنّي يُحْيي هذهِ اللهُ بَعْدَ مَوتِها فَأَماتَهُ اللهُ مائةَ عامٍ ثُمَّ بَعَثَهُ قالَ كَمْ لَبِثْتَ قالَ لَبِثْتُ يَوماً أَوْ بَعْضَ يَومٍ قالَ بَلْ لَبِثْتَ مِائَةَ عامٍ فَانْظُر إلى طَعامِكَ وَشَرابِكَ لَمْ يَتَسَنَّهْ وَ انْظُرْ إِلى حِمارِكَ وَلنَجْعَلَكَ آيَةً لِلنّاسِ وَ انْظُرْ إِلى العِظامِ كَيْفَ نَنْشِزُُها ثُمَّ نَكْسُوها لَحْماً فَلَمّا تَبَيّنَ لَهُ قالَ أَعلَم أَنّ الله عَلى كُلّ شَيءٍ قَديرٌ ). (4)
  (7) ( مَثَلُ الّذِينَ يُنْفِقُونَ أَمْوالَهُمْ في سَبيلِ اللهِ كَمَثَلِ حَبَّةٍ أَنْبَتَتْ سَبْعَ سَنابِلَ في كُلّّ سُنْبُلَةٍ مِائةُ حَبَّةٍ وَاللهُ يُضاعِفُ لِمَنْ يَشاءُ وَاللهُ واسِعٌ عَليمٌ ). (5)
  (8) ( يا أَيُّهَا الَّذينَ آمَنُوا لا تُبْطِلُوا صَدَقاتِكُمْ بِالمَنّ وَالأذى كَالّذي يُنْفِقُ مالَهُ رئاءَ النّاسِ ولا يُؤمِنُ باللهِ وَاليَومِ الآخِرِ فَمَثَلُهُ كَمَثَلِ صَفْوانٍ عَليهِ تُرابٌ فَأَصابَهُ

--------------------
(1) البقرة : 26 ـ 27.
(2) البقرة : 171.
(3) البقرة : 214.
(4) البقرة : 259.
(5) البقرة : 261.

الأمثال في القرآن الكريم _46 _
  وابِلٌ فَتَركَهُ صَلْداً لا يَقْدِرُونَ عَلى شَيْءٍ مِمّا كَسَبُوا وَاللهُ لا يَهْدِي الْقَومَ الكافِرينَ ). (1)
  (9)( وَمَثَلُ الَّذِينَ يُنْفِقُونَ أَمْوالَهُمُ ابْتِغاءَ مَرْضاتِ اللهِ وَتَثْبِيتاً مِنْ أَنْفُسِهِمْ كَمَثَلِ جَنَّةٍ بِرَبْوَةٍ أَصابَها وابِلٌ فَآتَتْ أُكُلَها ضِعْفَيْنِ فَإِنْ لَمْ يُصِبْها وابِلٌ فَطَلّ وَاللهُ بِما تَعْمَلُونَ بَصيرٌ ). (2)
  (10)( أَيَوَدُّ أَحَدُكُمْ أَنْ تَكُونَ لَهُ جَنَّةٌ مِنْ نَخيلٍ وَأَعْنابٍ تَجْري مِنْ تَحْتِهَا الأنْهارُ لَهُ فيها مِنْ كُلّ الثَّمَراتِ وَأَصابَهُ الكِبَرُ وَلَهُ ذُرِيَّةٌ ضُعَفاءُ فَأَصابَها إِعْصارٌ فيهِ نارٌ فَاحْتَرَقَتْ كَذلِكَ يُبَيّنُ اللهُ لَكُمُ الآياتِ لَعَلَّكُمْ تَتَفكَّرُون ). (3)
  (11)( إِنَّ مَثَلَ عِيسى عِنْدَ اللهِ كَمَثَلِ آدَمَ خَلَقَهُ مِنْ تُرابٍ ثُمَّ قالَ لَهُ كُنْ فَيَكُونُ ). (4)
  (12)( مَثَلُ ما يُنْفِقُونَ في هذهِ الحَيوةِ الدُّنْيا كَمَثَلِ ريحٍ فِيها صِرٌّ أَصابَتْ حَرْثَ قَوْمٍ ظَلَمُوا أَنْفُسَهُمْ فَأَهْلَكَتْهُ وَما ظَلَمَهُمُ اللهُ وَلكِنْ أَنْفُسَهُمْ يَظْلِمُونَ ). (5)
  (13)( أَوَ مَنْ كانَ مَيْتاً فَأَحْيَيْناهُ وَجَعَلْنا لَهُ نُوراً يَمْشِي بِهِ فِي النّاسِ كَمَنْ مَثَلُهُ في الظُّلُماتِ لَيْسَ بِخارِجٍ مِنْها كَذلِكَ زُيّنَ لِلْكافِرينَ ما كانُوا يَعمَلُون ). (6)

--------------------
(1) البقرة : 264.
(2) البقرة : 265.
(3) البقرة : 266.
(4) آل عمران : 59.
(5) آل عمران : 117.
(6) الأنعام : 122.

الأمثال في القرآن الكريم _47 _
  (14)( وَالبَلَدُ الطَّيّبُ يَخْرُجُ نَباتُهُ بِإذْنِ رَبّهِ وَالَّذِي خَبُثَ لا يَخْرُجُ إلاّ نَكِداً كَذلِكَ نُصَرّفُ الآياتِ لِقَومٍ يَشْكُرُونَ ). (1)
  (15) ( وَ اتْلُ عَلَيْهِمْ نَبَأَ الَّذِي آتَيْناهُ آياتِنا فَانْسَلَخَ مِنْها فَأتْبَعَهُ الشَّيْطانُ فَكانَ مِنَ الغاوِينَ * وَلَوْ شِئْنا لَرَفَعْناهُ بِها وَلكِنَّهُ أَخْلَدَ إِلى الأرْضِ وَ اتَّبَعَ هَواهُ فَمَثَلُهُ كَمَثَلِ الْكَلْبِ إِنْ تَحْمِلْ عَلَيْهِ يَلْهَثْ أَوْ تَتْرُكْهُ يَلْهَثْ ذلِكَ مَثَلُ القَومِ الَّذينَ كَذَّبُوا بِآياتِنا فَاقْصُصِ القَصَصَ لَعَلَّهُم يَتَفَكَّرُونَ * ساءَ مَثَلاً القَومُ الَّذِينَ كَذَّبُوا بِآياتِنا وَأَنْفُسَهُمْ كانُوا يَظْلِمُونَ ). (2)
  (16) ( إِنَّما مَثَلُ الحَياةِ الدُّنْيا كَماءٍ أَنْزَلْناهُ مِنَ السَّماءِ فَاخْتَلَطَ بِهِ نَباتُ الأرْضِ مِمّا يَأكُلُ النّاسُ وَالأنْعامُ حَتّى إذا أَخَذَتِ الأرْضُ زُخْرُفَها وَازَّيَّنَتْ وَظَنَّ أَهْلُها أَنَّهُمْ قادِرُونَ عَلَيْها أَتاها أَمْرنا لَيلاً أَوْ نَهاراً فَجَعَلْناها حَصيداً كأنْ لَمْ تغنَ بِالأمْسِ كَذلِكَ نُفَصّلُ الآياتِ لِقَومٍ يَتَفَكَّرُونَ ). (3)
  (17)( مَثَلُ الفَريقَينِ كَالأعْمى وَالأصَمِّ وَالْبَصيرِ وَالسَّميعِ هَلْ يَسْتَوِيانِ مَثَلاً أَفَلا تَذَكَّرُونَ ). (4)
  (18) ( لَهُ دَعْوَةُ الحَقّ وَالَّذينَ يَدْعُونَ مِنْ دُونِهِ لا يَسْتَجيبُونَ لَهُمْ بِشَيْءٍ إلاّ كَباسِطِ كَفَّيْهِ إِلَى الماءِ لِيَبْلُغَ فاهُ وَما هُوَ بِبالِغِهِ وَمَا دُعاءُ الكَافِرينَ إلا في ضَلالٍ ). (5)

--------------------
(1) الأعراف : 58.
(2) الأعراف : 17(5) 177.
(3) يونس : 24.
(4) هود : 24.
(5 الرعد : 14.

الأمثال في القرآن الكريم _48 _
  (19)( أنْزَلَ مِنَ السَّماءِ ماءً فَسَالَتْ أَوْدِيَةٌ بِقَدَرها فَاحْتَمَلَ السَّيْلُ زَبَداً رَابِياً وَمِمّا يُوقِدُونَ عَلَيِهِ فِي النّار ابْتِغاءَ حِلْيَةٍ أوْ مَتاعٍ زَبَدٌ مِثْلُهُ كَذَلِكَ يَضْرِبُ اللهُ الْحَقَّ وَالباطِلَ فَأَمَّا الزَّبَدُ فَيَذْهَبُ جُفاءً وَأَمّا ما يَنْفَعُ النّاسَ فَيَمْكُثُ في الأرْضِ كَذَلِكَ يَضْرِبُ اللهُ الأمْثَالَ ). (1)
  (20) ( مَثَلُ الْجَنَّةِ الّتي وُعِدَ الْمُتَّقُونَ تَجْري مِنْ تَحْتِها الأنْهارُ أُكُلُها دائِمٌ وَظِلُّها تِلْكَ عُقْبَى الَّذينَ اتَّقَوا وَعُقْبَى الكافِرِينَ النّارُ ). (2)
  (21)( مَثَلُ الّذينَ كَفَرُوا بِرَبّهِمْ أَعْمالُهُمْ كَرَمادٍ اشْتَدَّتْ بِهِ الرّيحُ في يَومٍ عاصِفٍ لا يَقْدِرُونَ مِمّا كَسَبُوا على شَيْءٍ ذلِكَ هُوَ الضَّلالُ الْبَعيد ). (3)
  (22)( أَلَمْ تَرَ كيْفَ ضَرَبَ اللهُ مَثَلاً كَلِمَةً طَيّبَةً كَشَجَرةٍ طَيّبَةٍ أَصْلُهَا ثابِتٌ وَفَرْعُها فِي السَّماءِ * تُوَْتي أُكُلَها كُلَّ حينٍ بِإذْنِ رَبّها وَيَضْرِبُ اللهُ الأمْثالَ لِلنّاسِ لَعَلَّهُمْ يَتَذَكَّرُون ). (4)
  (23) ( وَمَثَلُ كَلِمَةٍ خَبيثَةٍ كَشَجَرَةٍ خَبيثةٍ اجْتُثَّتْ مِنْ فَوقِ الأرْضِ مَالَها مِنْ قَرار ). (5)
  (24) ( وَسَكَنْتُمْ في مَساكِنِ الّذينَ ظَلَمُوا أَنْفُسَهُمْ وَتَبَيَّنَ لَكُمْ كَيْفَ فَعَلْنا بِهِمْ وَضَرَبْنا لَكُمُ الأمْثالَ ). (6)

--------------------
(1) الرعد : 17.
(2) الرعد : 35.
(3) إبراهيم : 18.
(4) إبراهيم : 2(4) 25.
(5) إبراهيم : 26.
(6) إبراهيم : 45.

الأمثال في القرآن الكريم _49 _
  (25) ( للَّذِينَ لا يُوَْمِنُونَ بِالآخِرَة مَثَلُ السَّوْءِ وَللهِ المَثَلُ الأعلى وَهُوَ العَزِيزُ الحَكِيمُ ). (1)
  (26) ( ضَرَبَ اللهُ مَثَلاً عَبْداً مَمْلُوكاً لا يَقْدِرُ على شَيءٍ وَمَنْ رَزَقْناهُ مِنّا رِزْقاً حَسَناً فَهُوَ يُنْفِقُ مِنْهُ سِرّاً وَجَهْراً هَلْ يَسْتَوونَ الحَمدُ للهِ بَلْ أَكْثَرُهُمْ لا يَعْلَمُونَ ). (2)
  (27) ( وَضَرَبَ اللهُ مَثَلاً رَجُلَيْنِ أَحدُهُما أَبْكَمُ لا يَقْدِرُ عَلى شىءٍ وَهُوَ كَلٌّ عَلَى مَولاهُ أَيْنَمَا يُوَجّههُّ لا يَأْتِ بِخَيْرٍ هَلْ يَسْتَوي هُوَ وَمَنْ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ وَهُوَ عَلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ ). (3)
  (28) ( وَلاتَكُونُوا كَالَّتي نَقَضَتْ غَزْلَها مِنْ بَعْدِ قُوَّةٍ أَنْكاثاً تَتَّخِذُونَ أَيْمانَكُمْ دَخَلاً بَيْنَكُمْ أَنْ تَكُونَ أُمَّةٌ هِيَ أَرْبى مِنْ أُمَّةٍ إِنَّما يَبْلُوكُمُ الله بِهِ وَلَيُبيّنَنَّ لَكُمْ يَوْمَ القِيامَةِ ما كُنْتُمْ فيهِ تَخْتَلِفُونَ ). (4)
  (29) ( وَضَرَبَ اللهُ مَثَلاً قَرْيَةً كانَتْ آمِنَةً مُطْمَئِنَّةً يَأْتيها رِزْقُها رَغَداً مِنْ كُلّ مَكانٍ فَكَفَرتْ بِأَنْعُمِ الله فَأَذاقَهَا اللهُ لِباسَ الْجُوعِ وَالخَوفِ بِما كانُوا يَصْنَعُونَ ). (5)
  (30)( وَ اضْرِبْ لَهُمْ مَثَلاً رَجُلَيْنِ جَعَلْنَا لاََحَدِهِمَا جَنَّتَينِ مِنْ أَعْنابٍ وَحَفَفْناهُمَا بِنَخْلٍ وَجَعَلْنَا بَيْنَهُما زَرْعاً * كِلْتَا الْجَنَّتينِ آَتَتْ أُكُلَها وَلَمْ تَظْلِمْ مِنْهُ شَيئاً وَفَجَّرْنا خِلالَهُما نَهَرَاً * وَكانَ لَهُ ثَمَرٌ فَقالَ لِصاحِبِهِ وَهُوَ يُحاوِرُهُ أَنَا أَكْثَرُ مِنْكَ مالاً وَأَعَزُّ نَفَراً * وَدَخَلَ جَنَّتَهُ وَهُوَ ظالِمٌ لِنَفْسِهِ قالَ ما أَظُنُّ أَنْ تَبيدَ هذه أَبَداً * وَما

--------------------
(1) النحل : 60.
(2) النحل : 75.
(3) النحل : 76.
(4) النحل : 92.
(5) النحل : 112.

الأمثال في القرآن الكريم _50 _
  ظُنُّ السّاعَةَ قائِمَةً وَلَئِنْ رُدِدْتُ إِلى رَبّي لأجِدَنَّ خَيراً مِنْها مُنْقَلَباً * قالَ لَهُ صاحِبُهُ وَهُوَ يُحاوِرُهُ أَكَفَرْتَ بِالّذي خَلَقَكَ مِنْ تُرابٍ ثُمَّ مِنْ نُطْفَةٍ ثُمَّ سَوّاكَ رَجُلاً * لَكِنّا هُوَ اللهُ رَبّي وَلا أُشْرِكُ بِرَبّي أَحَداً * وَلَولا إذْ دَخَلْتَ جَنَّتَكَ قُلْتَ ما شاءَ اللهُ لا قُوَّةَ إلاّ باللهِ إِنْ تَرَنِ أَنَا أَقَلَّ مِنْكَ مالاً وَوَلَداً * فَعَسى رَبّي أَنْ يُؤتِيَنِ خَيْراً مِنْ جَنَّتِكَ وَيُرْسِلَ عَلَيْها حُسْباناً مِنَ السَّماءِ فَتصبِحَ صَعيداً زَلَقاً * أَوْ يُصْبِحَ مَاؤهَا غَوراً فَلَنْ تَسْتَطيعَ لَهُ طَلَباً * وَأُحِيطَ بِثَمَرهِ فَأَصْبَحَ يُقَلّبُ كَفَّيْهِ عَلى ما أَنْفقَ فِيهَا وَهِىَ خاوِيَةٌ عَلى عُرُوشِها وَيَقُولُ يا لَيْتَني لَمْ أُشْرِكَ بِرَبّي أَحَداً * وَلَمْ تَكُنْ لَهُ فِئَةٌ يَنْصُرُونَهُ مِنْ دُونِ اللهِ وَمَا كَانَ مُنْتَصراً * هُنالِكَ الولايَةُ للهِ الحَقِّ هُوَ خَيْرٌ ثَواباً وَخَيْرٌ عُقْباً ) . (1)
  (31)( وَ اضْرِبْ لَهُمْ مَثَلَ الحَياةِ الدُّنْيَا كَماءٍ أَنْزَلْنَاهُ مِنَ السَّمَاءِ فَاخْتَلَطَ بِهِ نَباتُ الأرْضِ فَأَصْبَحَ هَشيماً تَذْرُوهُ الرّياحُ وَكانَ اللهُ عَلى كُلّ شَيْءٍ مُقْتَدِراً ) . (2)
  (32)( يا أَيُّهَا النّاسُ ضُرِبَ مَثَلٌ فَاسْتَمِعُوا لَهُ إِنّ الّذينَ تَدْعُونَ مِنْ دُونِ اللهِ لَنْ يَخْلُقُوا ذباباً وَلَوِ اجْتَمعُوا لَهُ وَإِنْ يَسْلُبْهُمُ الذُّبابُ شَيئاً لا يَسْتَنْقِذُوهُ مِنْهُ ضَعُفَ الطَّالِبُ وَالمَطْلُوبُ ) . (3)
  (33) ( اللهُ نُورُ السَّمواتِ وَالأرْضِ مَثَلُ نُورِهِ كَمِشْكاةٍ فِيها مِصْباحٌ المِصْباحُ في زُجاجَةٍ الزُّجاجَةُ كَأْنَّها كَوكَبٌ دُرِيّ يُوقَدُ مِنْ شَجَرةٍ مُبارَكةٍ زَيْتُونَةٍ لا شَرْقيةٍ وَلا غَرْبيةٍ يَكادُ زَيْتُها يُِضِيءُ وَلَوْ لَمْ تمْسَسْهُ نارٌ نُورٌ عَلى نُورٍ يَِهْدِي اللهُ لِنُورِهِ مَنْ يَشاءُ وَيَضْرِبُ اللهُ الأمْثالَ لِلنّاسِ وَاللهُ بِكُلّ شَيْءٍ عَلِيمٌ ) . (4)

--------------------
(1) الكهف : 3(2)44.
(2) الكهف : 45.
(3) الحج : 73.
(4) النور : 35.

الأمثال في القرآن الكريم _51 _
  (34) ( وَالَّذينَ كَفَرُوا أَعْمالُهُمْ كَسَرابٍ بِقِيعَةٍ يَحْسَبُهُ الظَّمْآن ماءً حَتّى إذا جاءَهُ لَمْ يَجِدْهُ شَيئاً وَوَجَدَ اللهَ عِنْدَهُ فَوَفّاهُُ حِسابَهُ وَاللهُ سَرِيعُ الحِسابِ ). (1)
  (35)( أَوْ كَظُلُماتٍ فِي بَحْرٍ لُجِّىٍّ يَغْشاهُ مَوجٌ مِنْ فَوقِهِ مَوجٌ مِنْ فَوقِهِ سَحابٌ ظُلماتٌ بَعْضُها فَوقَ بَعْضٍ إذا أَخْرَجَ يَدَهُ لَمْ يَكَدْ يَراها وَمَنْ لَمْ يَجْعَلِ اللهُ لَهُ نُوراً فَما لَهُ مِنْ نُورٍ ). (2)
  (36)( مَثَلُ الَّذينَ اتَّخَذُوا مِنْ دُونِ اللهِ أَولياءَ كَمَثلِ الْعَنْكَبُوتِ اتَّخَذَتْ بَيْتاً وَإِنَّ أَوهَنَ الْبُيُوتِ لَبَيْتُ الْعَنْكَبُوتِ لَوْ كانُوا يَعْلَمُونَ ). (3)
  (37) ( وَهُوَ الَّذي يَبْدَوَُا الخَلْقَ ثُمَّ يُعيدُهُ وَهُوَ أَهْوَنُ عَلَيْهِ وَلَهُ الْمَثَلُ الأعْلى فِي السَّمواتِ وَالأرْضِ وَهُوَ الْعَزيزُ الْحَكيمُ ). (4)
  (38) ( ضَرَبَ لَكُمْ مَثَلاً مِنْ أَنْفُسِكُمْ هَلْ لَكُمْ مِنْ ما مَلَكَتْ أَيمانُكُمْ مِنْ شُرَكاءَ في ما رَزَقْناكُمْ فَأَنْتُمْ فِيهِ سَواءٌ تخافُونَهُمْ كَخِيفَتِكُمْ أَنْفُسَكُمْ كَذلِكَ نُفَصّلُ الآياتِ لِقَومٍ يَعقِلُونَ ). (5)
  (39) ( وَما يَسْتَوِي الْبَحْرانِ هذا عَذْبٌ فُراتٌ سائِغٌ شَرابُهُ وَهذا مِلْحٌ أُجاجٌ وَمِنْ كُلٍّ تَأْكُلُونَ لَحْماً طَرِيّاً وَتَسْتَخْْرِجُونَ حِلْيَةً تَلْبَسُونَها وَتَرى الْفُلْكَ فيهِ مَواخِرَ لِتَبْتَغُوا مِنْ فَضْلِهِ وَلَعَلَّكُمْ تَشْكُرُون ). (6)

--------------------
(1) النور : 39.
(2) النور : 40.
(3) العنكبوت : 41.
(4) الروم : 27.
(5) الروم : 28.
(6) فاطر : 12.

الأمثال في القرآن الكريم _52 _
  (40) ( وَما يَسْتَوي الأعْمى وَالْبَصيرُ * وَلا الظُّلُماتُ وَلاَ النُّورُ * وَلا الظّلُّ وَلا الحَرُورُ * وَما يَسْتَوِي الأحْياءُ وَلا الأمْواتُ إِنَّ اللهَ يُسْمِعُ مَنْ يَشاءُ وَما أَنْتَ بِمُسْمِعٍ مَنْ فِي الْقُبُورِ ). (1)
  (41)( وَ اضْرِبْ لَهُمْ مَثَلاً أَصْحابَ الْقَرْيَةِ إذْ جاءَها الْمُرْسَلُونَ * إِذْ أَرْسَلْنا إِلَيْهِمُ اثْنَيْنِ فَكَذَّبُوهُما فَعَزَّزْنا بِثالثٍ فَقالُوا إِنّا إِلَيْكُمْ مُرْسَلُونَ * قالُوا ما أَنْتُمْ إلاّ بَشَرٌ مِثْلُنا وَما أَنْزَلَ الرَّحْمنُ مِنْ شَيْءٍ إِنْ أَنْتُمْ إلاّ تَكْذِبُونَ * قالُوا رَبُّنا يَعْلَمُ إِنّا إِلَيْكُمْ لمُرسَلُونَ * وَما عَلَيْنا إلا الْبَلاغُ الْمُبينُ * قالُوا إِنّا تَطَيَّرنا بِكُمْ لَئِنْ لَمْ تَنْتَهُوا لَنَرْجُمَنَّكُمْ وَلَيَمسَّنكُمْ مِنّا عَذابٌ أَليمٌ * قالُوا طائِرُكُمْ مَعَكُمْ أَئِن ذُكّرْتُمْ بَلْ أَنْتُمْ قَومٌ مُسْرِفُونَ * وَجاءَ مِنْ أَقْصَى الْمَدينَةِ رَجُلٌ يَسْعَى قالَ يا قَومِ اتَّبعُوا الْمُرسَلينَ * اتَّبِعُوا مَنْ لا يَسْئَلُكُمْ أَجْراً وَهُمْ مُهْتَدُونَ * وَماليَ لا أَعْبُدُ الَّذي فَطَرني وَإِلَيْهِ تُرْجَعُونَ * أَ أَتَّخِذُ مِنْ دُونِهِ آلِهَةً إِنْ يُرِدْنِ الرَّحْمنُ بِضُرٍّ لا تُغْنِ عَنّي شَفاعَتُهُم شَيْئاً وَلا يُنْقِذُونَ * إِنّي إِذاً لَفي ضَلالٍ مُبينٍ * إِنّي آمَنْتُ بِرَبّكُمْ فَاسْمَعُونِ * قِيلَ ادْخُلِ الْجَنَّةَ قالَ يا لَيْتَ قَومي يَعْلَمُونَ * بِما غَفَرَ لي رَبّي وَجَعَلَني مِنَ الْمُكْرَمين * وَما أَنْزَلْنا عَلى قَومِهِ مِنْ بَعْدِهِ مِنْ جُنْدٍ مِنَ السَّماءِ وَما كُنّا مُنْزِلينَ * إِنْ كانَتْ إلا صَيْحَةً واحِدَةً فَإِذا هُمْ خامِدُونَ * يا حَسْرَةً عَلَى العِبادِ ما يَأْتِيهِمْ مِنْ رَسُولٍ إلا كانُوا بِهِ يَسْتَهْزِءُونَ ). (2)
  (42) ( أَوَلَمْ يَرَ الاِِنْسانُ أنّا خَلَقْناهُ مِنْ نُطْفَةٍ فَإِذا هُوَ خَصِيمٌ مُبينٌ * وَضَرَبَ لَنا مَثَلاً وَنَسِيَ خَلْقَهُ قالَ مَنْ يُحْيِي الْعِظامَ وَهِيَ رَميمٌ * قُلْ يُحْيِيها الَّذي أَنْشَأَها أَوَّلَ مَرَّةٍ وَهُوَ بِكُلّ خَلْقٍ عَليمٌ ). (3)

--------------------
(1) فاطر : 19 ـ 22.
(2) يس : 13 ـ 30.
(3) يس : 77 ـ 79.

الأمثال في القرآن الكريم _53 _
  (43)( ضَرَبَ اللهُ مَثَلاً رَجُلاً فيهِ شُركاءُ مُتَشاكِسونَ وَرَجُلاً سَلَماً لِرَجُلٍ هَلْ يَسْتَويانِ مَثلاً الْحَمْدُ للهِ بَلْ أَكْثَرُهُمْ لا يَعْلَمُونَ ). (1)
  (44)( وَإذا بُشّرَ أَحَدُهُمْ بِما ضَرَبَ لِلرَّحْمنِ مَثَلاً ظَلَّ وَجهُهُ مُسْودّاً وَهُوَ كَظيمٌ * أَوَ مَنْ يُنَشَّوَُا في الحِلْيَةِ وَهُوَ في الخِصامِ غَيْرُ مُبينٍ ). (2)
  (45) ( فَلَمّا آسَفُونا انْتَقَمْنا مِنْهُمْ فَأَغْرَقْناهُمْ أَجْمَعين * فَجَعَلْناهُمْ سَلَفاً وَمَثلاً للآخِرِينَ ). (3)
  (46) ( وَلَما ضُرِبَ ابْنُ مَرْيَمَ مَثلاً إذا قَومُكَ مِنْهُ يَصِدُّونَ * وَقالُوا أآلهتُنا خَيْرٌ أَمْ هُوَ ما ضَرَبُوهُ لَكَ إلاّ جَدلاً بَلْ هُمْ قَومٌ خَصِمُونَ * إِنْ هُوَ إلاّ عَبْدٌ أَنْعَمْنا عَلَيْهِ وَجَعَلْناهُ مَثلاً لِبَني إِسْرائيلَ ). (4)
  (47) ( ذلِكَ بِأنَّ الَّذينَ كَفَرُوا اتَّبَعُوا الباطِلَ وَأَنَّ الَّذينَ آمَنُوا اتَّبعُوا الحَقَّ مِنْ رَبّهِمْ كَذلِكَ يَضْرِبُ اللهُ لِلنّاسِ أَمْثالَهُمْ ). (5)
  (48) ( مَثَلُ الجَنَّةِ الَّتي وُعِدَ الْمُتَّقُونَ فيها أَنْهارٌ مِنْ ماءٍ غَير آسنٍ وَأَنْهارٌ مِنْ لَبَنٍ لَمْ يَتَغَيَّر طَعْمُهُ وَأَنْهارٌ مِنْ خَمْرٍ لَذَّةٍ لِلشّارِبينَ وَأَنْهارٌ مِنْ عَسَلٍ مُصَفّى وَلَهُمْ فيها مِنْ كُلّ الثَّمَرَاتِ وَمَغْفِرَةٌ مِنْ رَبّهِمْ كَمَنْ هُوَ خالِدٌ فِي النّارِ وَسُقُوا ماءً حَميماً فَقَطَّعَ أَمْعاءَهُمْ ). (6)

--------------------
(1) الزمر : 29.
(2) الزخرف : 17 ـ 18.
(3) الزخرف : 55 ـ 56.
(4) الزخرف : 57 ـ 59.
(5) محمد : 3.
(6) محمد : 15.

الأمثال في القرآن الكريم _54_
  (49)( مُحَمَّدٌ رَسُولُ اللهِ وَالَّذينَ مَعَهُ أَشِدّاءُ عَلى الكُفّارِ رُحَماءُ بَيْنَهُمْ تَراهُمْ رُكَّعاً سُجّداً يَبْتَغُونَ فَضْلاً مِنَ اللهِ وَرِضْواناً سيماهُمْ في وُجُوهِهِمْ مِنْ أَثَرِ السُّجُودِ ذلِكَ مَثَلُهُمْ في التَّوراةِ وَمَثَلُهُمْ في الاِِنْجِيل كَزَرْعٍ أَخْرَجَ شَطأهُ فَآزَرَهُ فَاسْتَغْلَظَ فَاسْتَوى عَلى سُوقِهِ يُعْجِبُّ الزرّاعَ لِيَغيظَ بِهِمُ الكُفّارَ وَعَدَ اللهُ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصّالِحاتِ مِنْهُمْ مَغْفِرَةً وَأَجْراً عَظيماً ). (1)
  (50) ( اعْلَمُوا أنَّما الحَياةُ الدُّنيا لَعِبٌ وَلَهْوٌ وَزينَةٌ وَتَفاخُرٌ بَيْنَكُمْ وَتَكاثُرٌ فِي الأمْوالِ وَالأولادِ كَمَثَلِ غَيْثٍ أَعْجَبَ الكُفّارَ نَباتُهُ ثُمَّ يَهِيجُ فَتَراهُ مُصْفَرّاً ثُمَّ يَكُونُ حُطاماً وفِي الآخِرَةِ عَذابٌ شَديدٌ وَمَغْفِرَةٌ مِنَ اللهِ وَرِضْوانٌ وَما الحَياةُ الدُّنيا إلا مَتاعُ الْغُرُورِ ). (2)
  (51) ( كَمَثَلِ الَّذينَ مِنْ قَبْلِهِمْ قَريباً ذاقُوا وَبالَ أَمْرِهِمْ وَلَهُمْ عَذابٌ أَليمٌ ). (3)
  (52) ( كَمَثَلِ الشَّيْطانِ إذْ قالَ للاِنْسانِ اكْفُر فَلَمّا كَفَرَ قالَ إِنّي بَريءٌ مِنْكَ إِنّي أَخافُ اللهَ رَبَّ الْعالَمينَ ). (4)
  (53)( لَوْ أَنْزَلْنا هذَا الْقُرآنَ عَلى جَبَلٍ لَرَأيْتَهُ خاشِعاً مُتَصدّعاً مِنْ خَشيةِ اللهِ وَتِلْكَ الأمْثالُ نَضْرِبُها لِلنّاسِ لَعَلَّهُمْ يَتَفَكَّرُونَ ). (5)

--------------------
(1) الفتح : 29.
(2) الحديد : 20.
(3) الحشر : 15.
(4) الحشر : 16.
(5) الحشر : 21.

الأمثال في القرآن الكريم _55_
  (54) ( مَثَلُ الَّذينَ حُمّلُوا التَّوراةَ ثُمَّ لَمْ يَحْمِلُوها كَمَثَلِ الْحِمارِ يَحْمِلُ أَسْفاراً بِئْسَ مَثَلُ القَومِ الَّذينَ كَذَّبُوا بِآياتِ اللهِ وَاللهُ لا يَهْدي القَومَ الظّالِمينَ ). (1)
  (55) ( ضَرَبَ اللهُ مَثَلاً لِلَّذينَ كَفَرُوا امْرَأَةَ نُوحٍ وَ امْرَأة لُوطٍ كانَتا تَحْتَ عَبْدَينِ مِنْ عِبادِنا صالِحَيْنِ فَخانَتاهُما فَلَمْ يُغْنِيا عَنْهُما مِنَ اللهِ شَيْئاً وَقيلَ ادْخُلا النّارَ مَعَ الدّاخِلينَ ). (2)
  (56) ( وَ ضَرَبَ اللهُ مَثَلاً لِلّذِينَ آمَنُوا امْرأةَ فِرْعَونَ إذْ قالَتْ رَبّ ابْنِ لي عِنْدَكَ بَيْتاً في الجَنَّةِ وَنَجّني مِنْ فِرْعَونَ وَعَمَلِهِ وَنَجّني مِنَ الْقَومِ الظّالِمينَ * وَمَرْيَمَ ابْنَةَ عِمْرانَ الّتي أَحْصَنَتْ فَرْجَها فَنَفَخْنا فيهِ مِنْ رُوحِنا وَصَدَّقَتْ بِكَلماتِ رَبّها وَكُتُبِهِ وَكانَتْ مِنَ القانِتين ). (3)
  (57) ( وَما جَعَلَنا أَصحابَ النّارِ إلا مَلائِكةً وَما جَعَلْنا عِدَّتَهُمْ إلاّ فِتْنَةً لِلّذينَ كَفَروا لِيَسْتَيقِنَ الَّذِينَ أُوتُوا الكِتابَ وَيَزْدادَ الَّذينَ آمَنُوا إِيماناً ولا يَرْتابَ الَّذِينَ أُوتُوا الكتابَ وَالْمُوَْمِنُونَ وَلِيَقولَ الّذِينَ في قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ وَالكافِرُونَ ماذا أَرادَ اللهُ بِهذا مَثَلاً كَذلِكَ يُضِلُّ اللهُ مَنْ يَشاءُ وَيَهْدِي مَنْ يَشاءُ وَما يَعْلَمُ جُنودَ رَبّكَ إلا هُوَ وَما هِيَ إلا ذِكْرى لِلْبَشَرِ ). (4)
  هذا ما ذكره الكاتب ، ولكنّه غير جامع إذ هناك آيات تتضمن تمثيلاً وإن لم


--------------------
(1) الجمعة : 5.
(2) التحريم : 10.
(3) التحريم : 11 ـ 12.
(4) المدثر : 31.

الأمثال في القرآن الكريم _56 _
  يشتمل على لفظ المثل أو حرف التشبيه ولكن التمثيل برَّمة أركانه موجود فيها ، قال سبحانه : ( الّذينَ يَأكُلُونَ الرّبا لا يَقُومُونَ إلاّ كَما يَقُومُ الذي يَتَخَبَّطُهُ الشَّيْطانُ مِنَ المَسّ ) (1) فشبّه آكل الربا بمن مسَّه الجن فصار مذعوراً لا يملك عقله ونفسه ، إلى غير ذلك من الآيات.
  قال بعض العلماء : ضرب الأمثال في القرآن يستفاد منه أُمور كثيرة : التذكير ، والوعظ ، والحث والزجر ، والاعتبار ، والتقرير ، وتقريب المراد للعقل ، وتصويره بصورة المحسوس ، فانّ الأمثال تصوّر المعاني بصورة الأشخاص ، لأنّها أثبت في الذهن لاستعانة الذهن فيها بالحواس ، ومن ثمّ كان الغرض من المثل تشبيه الخفي بالجليّ والغائب بالشاهد.
  وتأتي أمثال القرآن مشتملة على بيان تفاوت الأجر ، وعلى المدح والذم ، وعلى الثواب والعقاب ، وعلى تفخيم الأمر وتحقيره ، وعلى تحقيق أمر أو إبطاله. (2)
  ثمّ إنّ الآيات التي جاء فيها التصريح بالمثل ، عبارة عن الآيات التالية :

  1 ـ ( وَلَقَدْ صَرَّفنا لِلنّاسِ في هذا القُرآنِ مِنْ كُلّ مَثَل ). (3)
  2 ـ ( وَلَقَدْ صَرّفنا في هذَا القُرآنِ لِلنّاسِ مِنْ كُلّ مَثَل ). (4)
  3 ـ ( وَللهِ الْمَثَلُ الأعْلى وَهُوَ الْعَزيزُ الحَكِيمُ ). (5)

--------------------
(1) البقرة : 275.
(2) رياض السالكين : 5 / 461.
(3) الإسراء : 89.
(4) الكهف : 54.
(5) النحل : 60.

الأمثال في القرآن الكريم _57 _
  4 ـ ( وَلَهُ المَثَلُ الأعْلى فِي السَّمواتِ وَالأرْضِ وَهُوَ الْعَزيزُ الْحَكيم ). (1)
  5 ـ( وَلَقَدْ ضَرَبْنا لِلنّاسِ في هذا الْقُرآنِ مِنْ كُلّ مَثَل ). (2)
  6 ـ ( وَلَقَدْ ضَرَبْنا لِلنّاسِ في هذا القُرآن مِنْ كُلّ مَثَلٍ لَعَلَّهُمْ يَتَذكَّرون ). (3)
  7 ـ( كَذلِكَ يَضْرِب اللهُ الأمْثال ). (4)
  8 ـ ( وَيَضْرِبُ اللهُ الأمْثالَ لِلنّاسِ لَعَلَّهُمْ يَتَذكَّرون ). (5)
  9 ـ ( وَتَبَيَّنَ لَكُمْ كَيْفَ فَعَلْنا بِهِم وَضَرَبْنا لَكُمُ الأمْثال ). (6)
  10 ـ ( وَيَضْرِبُ اللهُ الأمْثالَ لِلنّاسِ وَاللهُ بِكُلّ شَيءٍ عَليم ). (7)
  11 ـ ( وَتِلْكَ الأمْثالُ نَضْرِبُها لِلنّاسِ وَما يَعْقِلُها إلا الْعالمون ). (8)
  12 ـ ( وَتِلْكَ الأمْثالُ نَضْرِبُها لِلنّاسِ لَعَلَّهُمْ يَتفَكَّرُونَ ). (9)
  13 ـ ( كَذلِكَ يَضْرِبُ اللهُ لِلنّاسِ أَمْثالَهُمْ ). (10)
  14 ـ ( وَلَقَدْ أَنْزَلْنا إِلَيْكُمْ آياتٍ مُبيّناتٍ وَمَثلاً مِنَ الّذينَ خَلَوْا مِنْ قَبْلِكُمْ وَمَوعِظَةً لِلْمُتَّقين ). (11)
  15 ـ ( وَلا يَأْتُونَكَ بِمَثَلٍ إلاّ جِئْناكَ بِالحَقّ وَأَحْسَنَ تَفسيراً ). (12)
  ولكن الأمثال أعم مما ورد فيه لفظ المثل أو كاف التشبيه كما مرّ.

--------------------
(1) الروم : 27.
(2) الروم : 58.
(3) الزمر : 27.
(4) الرعد : 17.
(5) إبراهيم : 25.
(6) إبراهيم : 45.
(7) النور : 35.
(8) العنكبوت : 43.
(9) الحشر : 21.
(10) محمد : 3.
(11) النور : 34.
(12) الفرقان : 33.

الأمثال في القرآن الكريم _58 _
الثالث عشر : الآيات التي تجري مجرى المثل

  القرآن الكريم كلّه حكمة وعظة ، بلاغ وعبرة ، وقد قام غير واحد من المحقّقين باستخراج الحكم الواردة فيه التي صارت أمثالاً سائرة عبر القرون لتداولها على الألسن في حياتهم العملية، وقد سبق منّا القول إنّ هذه الآيات لم تنزل بوصف المثل ، لأنّ المثل عبارة عن كلام تداولته الألسن فصار به أمثالاً سائرة دارجة ، ومن الواضح أنّ الحكم الواردة في القرآن نزلت من دون سبق مثال لها ، فلم تكن يوم نزولها موصوفة بوصف المثل ، وانّما أُضفي عليها هذا الوصف عبر مرّ الزمان وتداول الألسن.
  ثم إنّ جعفر بن شمس الخلافة (1) ( المتوفّى عام 226 ه‍ ) عقد باباً في ألفاظ القرآن الجارية مجرى المثل ، ونقله السيوطي عنه في كتاب ( الإتقان ) ، وقال : وهذا هو النوع البديعي المسمّى بإرسال المثل.
  وإليك ما أورده من هذا الباب :
  1 ـ ( وَعَسى أَنْ تكرَهُوا شَيئاً وَهُوَ خَيْرٌ لَكُمْ ). (2)
  2 ـ ( كَمْ مِنْ فِئَةٍ قَلِيلَةٍ غَلَبَتْ فِئَةً كَثِيرَة ). (3)
  3 ـ ( لا يُكَلّفُ اللهُ نَفْساً إلاّ وُسْعَها ). (4)

--------------------
(1) هو أبو الفضل جعفر بن محمد شمس الخلافة الأفضلي البصري المتولّد عام 543 ه‍ ، ترجمه ابن خلكان في ( وفيات الأعيان ) مؤلف كتاب ( الآداب ) وهو كتاب وجيز في الحكم والأمثال من النثر والنظم طبع في مصر عام 1349 هـ.
(2) البقرة : 216.
(3) البقره : 249.
(4) البقرة : 286.

الأمثال في القرآن الكريم _59_
  4 ـ( لَنْ تَنالُوا البِرَّ حَتّى تُنْفِقُوا مِمّا تُحِبُّون ). (1)
  5 ـ( ما عَلى الرَّسُولِ إلا البَلاغُ ). (2)
  6 ـ( قُلْ لا يَسْتَوي الْخَبيثُ وَالطَّيّب ). (3)
  7 ـ( لِكُلّ نَبَأٍ مُسْتَقَرٍ ). (4)
  8 ـ( وَلَوْ عَلِمَ اللهُ فِيهِمْ خَيراً لأسمَعَهُمْْ ). (5)
  9 ـ ( ما عَلَى الْمُحْسِنِينَ مِنْ سَبِيل ). (6)
  10 ـ( الآن وَقَدْ عَصَيْتَ قبلُ ). (7)
  11 ـ( أَلَيْسَ الصُّبحُ بِقَرِيب ). (8)
  12 ـ( قُضِي الأمْرُ الَّذى فِيهِ تَسْتَفْتِيان ). (9)
  13 ـ ( الآن حَصْحَصَ الحَقّ ). (10)
  14 ـ( قُلْ كُلّ يَعْمَلُ عَلى شاكِلَتِه ). (11)
  15 ـ( ذلِكَ بِما قَدَّمَتْ يَداك ). (12)
  16 ـ ( ضَعُفَ الطّالِبُ وَالْمَطْلُوب ). (13)
  17 ـ ( كُلُّ حِزبٍ بِما لَدَيْهِمْ فَرِحُون ). (14)

--------------------
(1) آل عمران : 92.
(2) المائدة : 99.
(3) المائدة : 100.
(4) الأنعام : 67.
(5) الأنفال : 23.
(6) التوبة : 91.
(7) يونس : 91.
(8) هود : 81.
(9) يوسف : 41.
(10) يوسف : 51.
(11) الإسراء : 84.
(12) الحج : 10.
(13) الحج : 73.
(14) الروم : 32.

الأمثال في القرآن الكريم _60 _
  18 ـ( ظَهَرَ الْفَسادُ فِي البَرّ وَالْبَحْر ). (1)
  19 ـ( وَقليلٌ مِنْ عِبادِيَ الشَّكُور ). (2)
  20 ـ( وَحيلَ بَيْنَهُمْ وَبَيْنَ ما يَشْتَهُون ). (3)
  21 ـ ( وَلا يُنَبِّئُكَ مِثْلُ خَبير ). (4)
  22 ـ ( وَلا يَحِيقُ المَكْرُ السَّيّءُ إلا بِأَهْلِهِ ). (5)
  23 ـ ( وَضَرَبَ لَنا مَثَلاً وَنَسِىَ خَلْقَهُ ). (6)
  24 ـ( لِمِثْلِ هذا فَلْيَعْمَلِ الْعامِلُون ). (7)
  25 ـ ( وَقَليلٌ ما هُمْ ). (8)
  26 ـ ( لَيْسَ لَها مِنْ دُونِ الله كاشِفَة ). (9)
  27 ـ ( هَلْ جَزاءُ الإحْسان إلاّ الإحْسان ). (10)
  28 ـ ( فَاعْتَبِرُوا يا أُولي الأبْصار ). (11)
  29 ـ ( تَحْسَبُهُمْ جَميعاً وَقُلُوبُهُمْ شَتّى ). (12)
  30 ـ ( كُلُّ نَفْسٍ بِما كَسَبَتْ رَهِينَة ). (13)

--------------------
(1) الروم : 41.
(2) سبأ : 13.
(3) سبأ : 54.
(4) فاطر : 14.
(5) فاطر : 43.
(6) يس : 78.
(7) الصافات : 61.
(8) ص : 24.
(9) النجم : 58.
(10) الرحمن : 60.
(11) الحشر : 2.
(12) الحشر : 14.
(13) المدثر : 38.

الأمثال في القرآن الكريم _61 _
   هذا ما نقله السيوطي في ( الإتقان ) عن كتاب ( الآداب ) لجعفر بن شمس الخلافة ، ولكن المذكور في كتاب ( الآداب ) ما يناهز 69 آية ، وقد صارت هذه الآيات في عصره أمثالاً سائرة. (1)
  ثمّ إنّ شهاب الدين محمد بن أحمد أبا الفتح الابشيهي المحلي ( 790 ـ 850 ه‍ ) في كتابه ( المستطرف في كل فن مستظرف ) ذكر من حِكم القرآن التي تجري مجرى الأمثال أكثر مما نقله السيوطي في إتقانه عن كتاب الآداب.
  قال صاحب المستطرف : إنَّ الأمثال من أشرف ما وصل به اللبيب خطابه ، وحلّي بجواهره كتابه ، وقد نطق كتاب الله تعالى وهو أشرف الكتب المنزلة بكثير منها ، ولم يخلُ كلام سيدنا رسول الله 6عنها ، وهو أفصح العرب لساناً وأكملهم بياناً ، فكم في إيراده وإصداره من مثل يعجز عن مباراته في البلاغة كلّ بطل ... فمن أمثال كتاب الله ، قوله تعالى : ( لَنْ تَنالُوا البِرّ حَتّى تُنْفِقُوا مِمّا تُحِبُّون ) ، ( الآن حَصْحَصَ الحَق ) ، و ( قُضِي الأمْرُ الذي فيهِ تَسْتَفْتِيان ) إلى آخر ما ذكره. (2)
  ثمّ إنّ بعض من ألّف في أمثال القرآن ، استدرك عليهما الحِكم التي صارت مثلاً بين الناس والتي يربو عددها على 245 آية. (3)
  كما أنّ الدكتور محمدحسين الصغير ذكر في خاتمة كتابه من هذه المقولة فبلغ 495 آية. (4)
  ولكن الذي فاتهم هو التركيز على أنَّ هذه الآيات لم تكن أمثالاً يوم نزولها

--------------------
(1) الإتقان : 2 / 1046النوع السادس والستون.
(2) المستطرف في كلّ فن مستظرف : 1 / 27.
(3) َمثال القرآن ، علي أصغر حكمت.
(4) الصورة الفنّية في المثل القرآني : 387 ـ 402.

الأمثال في القرآن الكريم _62_
  ، بل كانت حِكماً وإنّما جاءت مثلاً حسب مرّ الزمان.
  وأخيراً نزيد أنّ هناك آيات أخرى غير ما تقدَّم أكثر تداولاً على الألسن في أكثر البلاد الإسلامية نشير إلى قسم منها ، وربما يوجد بعض منها فيما ذكره مؤلف الآداب ، وهذه الآيات هي :
  1 ـ ( كُلُوا وَ اشْرَبُوا وَلا تُسْرِفُوا ) . (1)
  2 ـ ( هذا فراقٌ بَيْنِي وَبَيْنِك ) . (2)
  3 ـ ( نُورٌ عَلى نُور ) . (3)
  4 ـ( وَ ما عَلى الرَّسُولِ إلاّ البَلاغ ) . (4)
  5 ـ( يُخْرِجُ الحَيَّ مِنَ المَيّتِ وَيُخْرِجُ المَيّتَ مِنَ الحَيّ ) . (5)
  6 ـ( هَلْ يَسْتَوي الّذِينَ يَعْلَمُونَ وَالّذِينَ لا يَعْلَمُون ) . (6)
  7 ـ ( يَدُ اللهِ فَوْقَ أَيدِيهِمْ ) . (7)
  8 ـ( هَلْ جَزاء الإحْسانِ إلاّ الإحسانُ ) . (8)
  9 ـ( لِمَ تَقُولُونَ ما لا تَفْعَلُون ) . (9)
  10 ـ ( لَكُمْ دِينُـكُمْ وََلِي دِين ) . (10)
  هذه آيات عشر صارت مثلاً سائراً بين أكثر المسلمين.

--------------------
(1) الأعراف : 31.
(2) الكهف : 78.
(3) النور : 35.
(4) النور : 54.
(5) الروم : 19.
(6) الزمر : 9.
(7) الفتح : 10.
(8) الرحمن : 60.
(9) الصف : 2.
(10) الكافرون : 6.

الأمثال في القرآن الكريم _63 _
  ثم إنّ المحقّق بهاء الدين العاملي ( 953 ـ 1030 ه‍ ) عقد فصلاً تحت عنوان ( فيما ورد من كتاب الله تعالى مناسباً لكلام العرب ) ويريد بذلك انّ هناك معادلات في كلام العرب لما جاء في القرآن من الحكم ، وذكر الآيات والأمثال التالية :
  أ : العرب تقول في وضوح الأمر : ( قد وضح الصبح لذي عينين ).
  وقال الله تعالى : ( الآن حَصْحَصَ الحَقّ ) . (1)
  ب : وتقول العرب في فوات الأمر : ( سبق السيف العذل ).
  قال الله تعالى : ( قُضِيَ الأمْرُ الّذِي فِيهِ تَسْتَفْتيان ) . (2)
  ج : وتقول في تلافي الإساءة ( عاد غيث على ما أفسد ).
  قال الله تعالى : ( مكانَ السَّيئةِ الحَسنة ) . (3)
  د : وتقول في الإساءة لمن لا يقبل الاِحسان : ( اعط أخاك ثمرة فإن أبي فجمرة ).
  وقال تعالى : ( وَمَنْ يَعْشُ عَنْ ذِكْرِ الرَّحْمنِ نُقَيّضْ لَهُ شَيْطاناً فَهُوَ لَهُ قَرِين ) . (4)
  هـ : وتقول في فائدة المجازاة : ( القتل أنفى للقتل ).
  وقال تعالى : ( وَلَكُمْ فِي القِصاصِ حَياةٌ يا أُولي الألْباب ) . (5)

--------------------
(1) يوسف : 51.
(2) يوسف : 41.
(3) الأعراف : 95.
(4) الزخرف : 36.
(5) البقرة : 179.

الأمثال في القرآن الكريم _64 _
  و : وتقول في اختصاص الصلح : ( لكّل مقام مقال ).
  وقال تعالى : ( لِكُلّ نَبأٍ مُسْتَقر ) (1) (2)
  ثمّ إنّ بهاء الدين العاملى عاد إلى الموضوع في كتابه ( المخلاة ) ونقل شيئاً من أمثال العرب التي استفادها العرب من القرآن الكريم ، فأوضح أنّ القرآن هو المنبع المهم لهذه الأمثال ، قال :
  أ : قولهم : ما تزرع تحصد : ( مَنْ يَعْمَل سُوءاً يُجْزَ بِهِ ). (3)
  ب : قولهم : للحيطان آذان : ( وَفيكُمْ سَمّاعُونَ لَهُمْ ). (4)
  ج : قولهم : احذر شرَّ من أحسنت إليه : ( وَما نَقَمُوا إلاّ أنْ أغناهُمُ اللهُ وَرَسُولُهُ مِنْ فَضْلِهِ ). (5)
  د : وقولهم : لا تلد الحيّة إلاّ حيّة : ( وَلا يَلِدُوا إلاّ فاجِراً كفّاراً ) (6) (7)
  وما ذكره شيخنا العاملى هو الذي سبق ذكره في كلام الآخرين تحت عنوان ( الأمثال الكامنة ).
  ولعلّ ما ذكره ابن شمس الخلافة والسيوطى والبهائى ليس إلاّ جزءاً يسيراً من الحكم التي سارت بين الناس ، أو صارت نموذجاً لصبّ بقية الأمثال في قالبها ، وهذا من القرآن ليس ببعيد.
  كيف وقد وصفه النبي ( صلى الله عليه وآله وسلم ) : ( لا تُحصى عجائبه ولا تبلى غرائبه ). (8)

--------------------
(1) الأنعام : 67.
(2) أسرار البلاغة : 616 ـ 617.
(3) النساء : 123.
(4) التوبة : 47.
(5) التوبة : 74.
(6) نوح : 27.
(7) المخلاة : 307.
(8) الكافي : 2\599 ، كتاب فضل القرآن ، الحديث 2.

الأمثال في القرآن الكريم _65 _
الرابع عشر : الأمثال النبوية

  إذا كان المثل إبراز المعنى المقصود في معرض الأمر المشهود ، وتحلية المعقول بحلية المحسوس ، واستنزال الحقائق المستعصية ، فهو من أدوات التبليغ والتعليم ، ولذلك ذاع التمثيل في القرآن الكريم والكلمات النبوية ، وكلمات أئمّة أهل البيت ( عليهما السلام ) ، إلى عبارات البلغاء وإشارات الحكماء.
  وقد قام غير واحد من المحدثين بجمع الأمثال النبوية.
  قد ذكر المحقّق المعاصر الشيخ محمد الغروي ـ حفظه الله ـ في مقدمة كتابه ( الأمثال النبوية ) حوالي عشرة كتب حول الأمثال النبويّة ، وهو بكتابه هذا أوصل العدد إلى أحد عشر كتاباً ، وقد نقل عن عبد المجيد محمود مؤلف كتاب ( أمثال الحديث ) العبارة التالية : أمّا أمثال الحديث فلم تحظ بالعناية التي نالتها أمثال القرآن أو الأمثال العربية العامة ، ولم أر أحداً من أصحاب الكتب الستة أفردها بالتأليف أو أفرد لها باباً في كتابه ، سوى الإمام الترمذي الذي خصص لأمثال الحديث مكاناً في جامعه تحت عنوان : ( أبواب الأمثال عن رسول الله ( صلى الله عليه وآله وسلم ) لكنّه لم يذكر تحت هذا العنوان غير أربعة عشر حديثاً ، ولهذا يقول ابن العربي : ولم أر أحداً من أهل الحديث صنف فأفرد لها باباً غير أبي عيسى ـ يعني الترمذي ـ ولله درّه لقد فتح باباً أو بنى قصراً أو داراً ، ولكن اختط خطاً صغيراً ، فنحن نقتنع به ونشكره عليه. (1)
  ثمّ إنّ شيخنا الغروي قام بجمع شوارد الأمثال النبوية في جزءين كبيرين مع تفسيرها ، مرتباً إياها وفق حروف التهجّي ، وأسمى كتابه ( الأمثال النبويّة ) ،

--------------------
(1) أمثال الحديث : 88 ، ولكلامه صلة.

الأمثال في القرآن الكريم _66 _
  وطبع في بيروت.
  وها نحن نذكر نماذج من الأمثال النبوية التي جمعها السيوطي في ( الجامع الصغير ) لتكون زينة للكتاب.
  1 ـ( مثل الإيمان مثل القميص تقمَّصه مرّة ، وتنزعه أخرى ).
  2 ـ ( مثل البخيل والمتصدّق كمثل رجلين عليهما جبّتان من حديد من ثديهما إلى تراقيهما ، فأمّا المنفق فلا ينفق إلاّ سبغت على جلده ، حتى تخفي بنانه ، وتعفو أثره ، وأمّا البخيل فلا يريد أن ينفق شيئاً إلاّ لزقت كل حلقة مكانها ، فهو يوسّعها فلا تتسع ).
  3 ـ( مثل البيت الذي يذكر الله فيه والبيت الذي لا يذكر الله فيه ، مثل الحيّ والميّت ).
  4 ـ( مثل الجليس الصالح والجليس السوء ، كمثل صاحب المسك وكير الحدّاد ، لا يعدمك من صاحب المسك ، إمّا أن تشتريه أو تجد ريحه ، وكير الحداد يحرق بيتك أو ثوبك ، أو تجد منه ريحاً خبيثة ).
  5 ـ ( مثل الجليس الصالح مثل العطّار ، إن لم يعطك من عطره أصابك من ريحه ).
  6 ـ ( مثل الرّافلة في الزينة في غير أهلها ، كمثل ظلمة يوم القيامة لا نور لها ).
  7 ـ ( مثل الصلوات الخمس كمثل نهر جارٍ عذب على باب أحدكم ، يغتسل فيه كلّ يوم خمس مرّات ، فما يبقي ذلك من الدَّنس ).
  8 ـ ( مثل العالم الذي يعلّم الناس الخير وينسى نفسه ، كمثل السراج يضيء للناس ويحرق نفسه ).

الأمثال في القرآن الكريم _67 _
  9 ـ( مثل القلب مثل الريشة تقلّبها الرياح بفلاة ).
  10 ـ ( مثل الذي يعتق عند الموت ، كمثل الذي يهدي إذا شبع ).
  11 ـ( مثل الذي يتعلّم العلم ، ثمّ لا يحدّث به ، كمثل الذي يكنز الكنز فلا ينفق منه ).
  12 ـ ( مثل الذي يتعلّم العلم في صغره كالنقش على الحجر ، ومثل الذي يتعلّم العلم في كبره ، كالذي يكتب على الماء ).
  13 ـ( مثل الذي يجلس يسمع الحكمة ولا يحدّث عن صاحبه إلاّ بشرّ ما يسمع ، كمثل رجل أتى راعياً ، فقال : يا راعي اجزرني شاة من غنمك ، قال : اذهب فخذ بأُذنِ خيرها شاةً ، فذهب فأخذ بأُذنِ كلب الغنم ).
  14 ـ( مثل الذي يتكلّم يوم الجمعة والاِمام يخطب ، مثل الحمار يحمل أسفاراً ، والذي يقول له : ( انصت ) لا جمعة له ).
  15 ـ ( مثل الذي يعلّم الناس الخير وينسى نفسه ، مثل الفتيلة ، تضيء للناس وتحرق نفسها ).
  16 ـ ( مثل الذي يعين قومه على غير الحقّ ، مثل بعير تردّى وهو يجرّ بذنبه ).
  17 ـ ( مثل الذين يغزون من أُمّتي ويأخذون الجعل يتقوّون به على عدوهم ، مثل أُمّ موسى ، ترضع ولدها وتأخذ أجرها ).
  18 ـ ( مثل المؤمن كمثل العطار ، إن جالسته نفعك ، وإن ماشيته نفعك ، وإن شاركته نفعك ).
  19 ـ ( مثل المؤمن مثل النخلة ما أخذت منها من شيء نفعك ).
  20 ـ ( مثل المؤمن إذا لقي المؤمن فسلّم عليه ، كمثل البنيان يشدّ بعضه

الأمثال في القرآن الكريم _68 _
  عضاً ).
  21 ـ( مثل المؤمن مثل النحلة ، لا تأكل إلاّ طيباً ، ولا تضع إلاّ طيباً ).
  22 ـ ( مثل المؤمن مثل السنبلة ، تميل أحياناً ، وتقوم أحياناً ).
  23 ـ ( مثل المؤمن مثل السنبلة ، تستقيم مرّة ، وتخرّ مرّة ، ومثل الكافر مثل الأرزّة ، لا تزال مستقيمة حتى تخرّ ولا تشعر ).
  24 ـ ( مثل المؤمن مثل الخامة ، تحمرُّ مرّة ، وتصفرُّ أخرى ، والكافر كاللأرزّة ).
  25 ـ( مثل المؤمن كمثل خامة الزرع من حيث أتتها الريح كفتها ، فإذا سكنت اعتدلت ، وكذلك المؤمن ، يكفّأ بالبلاء ، ومثل الفاجر كاللأرزّة صمّاء معتدلة ، حتى يقصمها الله تعالى إذا شاء ).
  26 ـ ( مثل المؤمن الذي يقرأ القرآن كمثل الاُترجُّة ريحها طيّب وطعمها طيّب ، ومثل المؤمن الذي لا يقرأ القرآن كمثل التمرة لا ريح لها ، وطعمها حلوٌ ، ومثل المنافق الذي يقرأ القرآن كمثل الريحانة ، ريحها طيب ، وطعمها مرّ ، ومثل المنافق الذي لا يقرأ القرآن كمثل الحنظلة ليس لها ريح وطعمها مر ).
  27 ـ ( مثل المؤمن مثل النحلة إن أكلت أكلت طيّباً ، وإن وضعت وضعت طيّباً ، وإن وقعت على عود نخر لم تكسره ، ومثل المؤمن مثل سبيكة الذهب إن نفخت عليها احمرّت ، وإن وزنت لم تنقص ).
  28 ـ ( مثل المؤمن كالبيت الخرب في الظاهر ، فإذا دخلته وجدته مونفاً ، ومثل الفاجر كمثل القبر المشرف المجصّص ، يعجب من رآه وجوفه ممتلىَُ نتناً.
  29 ـ مثل المؤمنين في توادّهم وتراحمهم وتعاطفهم مثل الجسد إذا اشتكى منه عضو تداعى له سائر الجسد بالسَّهر والحمى ).

الأمثال في القرآن الكريم _69 _
  30 ـ مثل المجاهد في سبيل الله ، كمثل الصائم القائم الدائم الذي لا يفتر من صيام ولا صدقة ، حتى يرجع ، وتوكّل الله تعالى للمجاهد في سبيله إن توفّاه أن يدخله الجنّة أو يرجعه سالماً مع أجرٍ أو غنيمة ).
  31 ـ ( مثل المرأة الصالحة في النساء ، كمثل الغراب الأعصم الذي إحدى رجليه بيضاء ).
  32 ـ( مثل المنافق كمثل الشاة العائرة بين الغنمين ، تعير إلى هذه مرّة ، وإلى هذه مرّة ، لا تدري أيّهما تتبع ).
  33 ـ( مثل ابن آدم وإلى جنبه تسعة وتسعون منيّة ، إن أخطأته المنايا وقع في الهرم حتى يموت ).
  34 ـ ( مثل أصحابي مثل الملح في الطعام ، لا يصلح الطعام إلاّ بالملح ).
  35 ـ ( مثل أُمّتي مثل المطر ، لا يُدرى أوّله خير ، أم آخره ).
  36 ـ ( مثل أهل بيتي مثل سفينة نوح ، من ركبها نجا ومن تخلّف عنها غرق ).
  37 ـ ( مثل بلال كمثل نحلة ، غدت تأكل من الحلو والمرّ ثم يمسي حلواً كلّه ).
  38 ـ ( مثل بلعم بن باعوراء في بني إسرائيل ، كمثل أُمية بن أبي الصلت في هذه الاَُمّة ).
  39 ـ ( مثل منىً كالرحم في ضيقه ، فإذا حملت وسعها الله ).
  40 ـ مثل هذه الدنيا مثل ثوب شُقَّ من أوّله إلى آخره ، فبقي متعلّقاً بخيط في آخره ، فيوشك ذلك الخيط أن ينقطع ).

الأمثال في القرآن الكريم _70 _
  41 ـ( مثلي ومثل الساعة كفرسي رهان ، مثلي ومثل الساعة كمثل رجل بعثه قوم طليعة ، فلمّـا خشي أن يسبق ألاح بثويبه : أُتيتم أُتيتُم ، أنا ذاك ، أنا ذاك ).
  42 ـ ( مثلي ومثلكم كمثل رجل أوقد ناراً ، فجعل الفراش والجنادب يقعن فيها وهو يذُبّـهنّ عنها ، وأنا آخذ بحجزكم عن النار ، وأنتم تفلتون من يدي ). (1)
الخامس عشر : الأمثال العلوية

  كان أمير المؤمنين ( عليه السلام ) مشرّع الفصاحة وموردها ، ومنشأ البلاغة ومولّدها ، ومنه عليه السلام ظهر مكنونها ، وعنه أخذت قوانينها ، وعلى أمثلته حذا كلّ قائل خطيب ، وبكلامه استعان كل واعظ بليغ ، وعلى كلامه مسحة من العلم الإلهي ، وفيه عبقة من الكلام النبوي.
  فقد قام غير واحد من روّاد الفصاحة والبلاغة بجمع شوارد كلامه ، وكلمه القصار والطوال ، فنافت على اثنتي عشرة ألف كلمة ، وفيما جمعه عبد الواحد الآمدي ( المتوفّى حدود 550 ه‍ ) في كتابه ( غرر الحكم ودرر الكلم ) غنىً وكفاية لطلاّب الحق ولذلك نطوي عنها كشحا.
  وأمّا التمثيل في كلمات سائر الأئمة الاثني عشر فحدّث عنه ولا حرج ، وقد شمّر المحقّق الغرويّ عن ساعد الجدّ فألّف موسوعات في هذا المضمار ، شكر الله مساعيه الجميلة.

--------------------
(1) الجامع الصغير : 2 / 527 ـ 534.

الأمثال في القرآن الكريم _71 _
السادس عشر : أمثال لقمان الحكيم

  اختلفت الأقوال في شخصية لقمان الحكيم ، روى ابن عمر ، قال : سمعت رسول الله ( صلى الله عليه وآله وسلم ) يقول : ( لم يكن لقمان نبيّاً ، ولكن كان عبداً كثير التفكّر حسن اليقين ، أحبّ الله فأحبّه ومنّ عليه بالحكمة ). (1)
  وقد بلغ سموُّ كلامه إلى حدّ نقل سبحانه وتعالى شيئاً من حكمه في القرآن الكريم ، وأنزل سورة باسمه ، كما قام غير واحد من العلماء بجمع حكمه المبثوثة في الكتب.
  وقد قام أمين الإسلام الطبرسي بنقل شيء من حكمه في تفسيره ، وقد وصفه الإمام الصادق ( عليه السلام ) بقوله : ( والله ما أوتي لقمان الحكمة لحسب ولا مال ولا بسط في جسم ولا جمال ، ولكنّه كان رجلاً قويّاً في أمر الله ، متورّعاً في الله ساكتاً سكيناً ، عميق النظر ، طويل التفكّر ، حديد البصر ، لم ينم نهاراً قطّ ، ولم يتكىَ في مجلس قوم قطّ ، ولم يتفل في مجلس قوم قطّ ، ولم يعبث بشيء قطّ ، ولم يره أحد من الناس على بول ولا غائط قطّ ، ولا على اغتسال لشدّة تستره وتحفّظه في أمره ، ولم يضحك من شيء قطّ ، ولم يغضب قطّ مخافة الإثم في دينه ، ولم يمازح إنساناً قطّ ، ولم يفرح بما أوتيه من الدنيا ، ولا حزن منها على شيء قطّ ... ولم يمرّ بين رجلين يقتتلان أو يختصمان إلاّ أصلح بينهما ، ولم يمض عنهما حتى تحاجزا ، ولم يسمع قولاً استحسنه من أحد قطّ ، إلاّ سأله عن تفسيره وعمّن أخذه ، وكان يكثر مجالسة الفقهاء والعلماء ، وكان يغشى القضاة والملوك والسلاطين ، فيرثي للقضاة بما ابتلوا به ، ويرحم الملوك والسلاطين لعزتهم بالله وطمأنينتهم في ذلك ، ويتعلّم ما يغلب به

--------------------
(1) مجمع البيان : 4 / 315.

الأمثال في القرآن الكريم _72_
  نفسه ويجاهد به هواه ، ويحترز من السلطان ، وكان يداوي نفسه بالتفكّر والعبر ، وكان لا يظعن إلا فيما ينفعه ، ولا ينظر إلا فيما يعينه ، فبذلك أوتي الحكمة ومنح القضية ). (1)

--------------------
(1) مجمع البيان : 4 / 317 ـ 318.

الأمثال في القرآن الكريم _73 _
سورة البقرة 1

  التمثيل الأوّل
  قال سبحانه : ( وَإِذَا لَقُوا الَّذِينَ آمَنُوا قَالُوا آمَنّا وَإِذَا خَلَوْا إِلى شَيَاطِينِهِمْ قَالُوا إِنَّا مَعَكُمْ إِنَّمَا نَحْنُ مُسْتَهْزِئُون * اللهُ يَسْتَهْزِىَُ بِهِمْ وَيَمُدُّهُمْ في طُغْيانِهِمْ يَعْمَهُون * أُولئِكَ الَّذينَ اشْتَرَوُا الضَّلالَةَ بِالهُدَى فَما رَبِحَتْ تِجارَتُهُمْ وَما كانُوا مُهْتَدين * مَثَلُهُمْ كَمَثَلِ الَّذِي اسْتَوقَدَ نَاراً فَلَمّا أَضَاءَتْ ما حَوْلَهُ ذَهَبَ اللهُ بِنُورِهِمْ وَتَرَكَهُمْ في ظُلُماتٍ لا يُبْصِرُونَ * صُمّ بُكمٌ عُمْيٌ فَهُمْ لا يَرْجِعُون ). (1)
  تفسير الآيات
  الوقود ـ بفتح الواو ـ الحطب ، استوقد ناراً ، أو أوقد ناراً ، كما يقال : استجاب بمعنى أجاب.
  افتتح كلامه سبحانه في سورة البقرة بشرح حال طوائف ثلاث :
  الاَُولى : المؤمنون ، واقتصر فيهم على آيتين.
  الثانية : الكافرون ، واقتصر فيهم على آية واحدة.
  الثالثة : المنافقون ، وذكر أحوالهم وسماتهم ضمن اثنتى عشرة آية.

الأمثال في القرآن الكريم _74 _
   وهذا إن دلّ على شيء فإنّما يدل على أنّ النفاق بؤرة الخطر ، وانّهم يشكلون خطورة جسيمة على المجتمع الاِسلامى، وقد مثل بمثلين يوقفنا على طبيعة نواياهم الخبيثة وما يبطنون من الكفر.
  بدأ كلامه سبحانه في حقهم بأنّ المنافقين هم الذين يبطنون الكفر ويتظاهرون بالإيمان ( وَإذا لَقُوا الَّذِينَ آمَنُوا قالُوا آمَنّا وَإذا خَلَوا إِلى شَياطِينِهِمْ قالُوا إِنّا مَعَكُمْ إِنَّما نَحْنُ مُسْتَهْزِئُون ).
  ثمّ إنّه سبحانه يردّ عليهم ، بقوله : ( اللهُ يَسْتَهْزِىَُ بِهِمْ وَيَمُدُّهُمْ في طُغْيانِهِمْ يَعْمَهُون ) والمراد أنّه سبحانه يجازيهم على استهزائهم.
  ثمّ وصفهم بقوله : ( أُولئِكَ الَّذينَ اشْتَرَوا الضَّلالَةَ بِالهُدى فَما رَبِحَتْ تِجارَتُهُمْ وَما كانُوا مُهْتَدين) ، أي أخذوا الضلالة وتركوا الهدى ، واستبدلوا الكفر بالإيمان ، فلم يكونوا رابحين في هذه التجارة والاستبدال ، ثمّ وصفهم بالتمثيل الآتي :
  نفترض أنّ أحداً ، ضلّ في البيداء وسط ظلام دامس وأراد أن يقطع طريقه دون أن يتخبّط فيه ، ولا يمكن أن يهتدي ـ والحال هذه ـ إلاّ بإيقاد النار ليمشي على ضوئها ونورها ويتجنب المزالق الخطيرة ، وما أن أوقد النار حتى باغتته ريح عاصفة أطفأت ما أوقده ، فعاد إلى حيرته الا َُولى.
  فحال المنافقين كحال هذا الرجل حيث إنّهم آمنوا بادىَ الأمر واستناروا بنور الإيمان ومشوا في ضوئه ، لكنّهم استبدلوا الإيمان بالكفر فعمَّهم ظلام الكفر لا يهتدون سبيلاً.
  هذا على القول بأنّ المنافقين كانوا مؤمنين ثمّ عدلوا إلى الكفر ، وأمّا على

الأمثال في القرآن الكريم _75 _
  لقول بعدم إيمانهم منذ البداية ، فالنار التي استوقدوها ترجع إلى نور الفطرة الذي كان يهديهم إلى طريق الحق ، ولكنّهم أخمدوا نورها بكفرهم بآيات الله تبارك وتعالى.
  والحاصل : أنّ حال هؤلاء المنافقين لمّا أظهروا الإيمان وأبطنوا الكفر كحال من ضلَّ في طريقه وسط الظلام في مكان حافل بالأخطار فأوقد ناراً لاِنارة طريقه فإذا بريح عاصفة أطفأت النار وتركته في ظلمات لا يهتدي إلى سبيل.
  وهذا التمثيل الذي برع القرآن الكريم في تصويره يعكس حال المنافقين في عصر الرسالة ، ومقتضى التمثيل أن يهتدي المنافقون بنور الهداية فترة من الزمن ثمّ ينطفئ نورها بإذن الله سبحانه ، وبالتالي يكونوا صمّاً بكماً عمياً لا يهتدون ، فالنار التي اهتدى بها المنافقون عبارة عن نور القرآن ، وسنّة الرسول ، حيث كانوا يتشرّفون بحضرة الرسول ويستمعون إلى كلامه وحججه في بيانه ودلائله في إرشاده وتلاوته لكتاب الله ، فهم بذلك كمن استوقد ناراً للهداية ، فلمّـا أضاءت لهم مناهج الرشد ومعالم الحقّ تمرّدوا على الله بنفاقهم ، فخرجوا عن كونهم أهلاً للتوفيق والتسديد ، فأوكلهم الله سبحانه إلى أنفسهم الأمّارة وأهوائهم الخبيثة ، وعمّتهم ظلمات الضلال بسوء اختيارهم.
  وعلى هذا ابتدأ سبحانه بذكر المثل بقوله : ( مَثَلُهمْ كَمَثلِ الَّذى استوقَد ناراً فلَمّا أضاءَت ما حوله ) وتمّ المثل إلى هنا.
  ثمّ ابتدأ بذكر الممثل بقوله : ( ذَهَبَ الله بِنُورهِمْ وَتَرَكَهُمْ في ظُلماتٍ لا يُبصرون ) .
  فإن قلت : فعلى هذا فما هو جواب ( لمّا ) في قوله ( فلمّا أضاءَت ) ؟ في ثوب المثل. فلننتقل إلى التمثيل السابع في سورة البقرة.