وهذا إمامهم الحسن بن حي يرى أن الفصل لا ينفك عن القضاء والحق في الآية أن تكون هكذا ( تقضي الحق وهو خير الفاصلين ) لا كما هي في القرآن (إِنْ الْحُكْمُ إِلاَّ لِلَّهِ يَقُصُّ الْحَقَّ وَهُوَ خَيْرُ الْفَاصِلِينَ) (الأنعام/57) !

إعلام الخَلف بمن قال بتحريف القرآن من أعلام السّلف _ 677 _
الإمام القدوة ابن عجلان (1)
  سورة التوبة سقط أولـها :
  قال أبو بكر بن العربي في أحكام القرآن : ( وفي ذلك للعلماء أغراض جماعها أربعة ، الأول : ... وكذلك يروى عن ابن عجلان أنه بلغه أن سورة براءة كانت تعدل البقرة أو قربـها فـذهب منها فلذلك لم يكتب فيها بسم الله الرحمن الرحيم ) (2) .

دفع دخل !
  واضح أن إمامهم ابن عجلان لم يقصد خرافة نسخ تلاوة ـ إن قلنا أنه سمع بـها ـ لأنه ادعى أن الصحابة لم يكتبوا البسملة لسقوط أول براءة ، ونسخ التلاوة رفع من الله عز وجل يبطل به القرآن ويلغيه فتنتفي قرآنيته وينـزل مكانه غيره كما قال علماء أهل السنة واستدلوا بـهذه الآية (مَا نَنسَخْ مِنْ آيَةٍ أَوْ نُنسِهَا نَأْتِ بِخَيْرٍ مِنْهَا أَوْ مِثْلِهَا) (البقرة/106) فالنسخ لو وقع لأبدل الله الآيات بغيرها تحل محلها فلا يصح تأويل قوله ( ذهب منها ) بنسخ التلاوة لأن الإبدال لا نقص ولا فقدان فيه .
  ثم إن قوله السابق يعني أن قوله تعالى (بَرَاءةٌ مِنْ اللَّهِ وَرَسُولِهِ إِلَى الَّذِينَ عَاهَدتُّمْ مِنْ الْمُشْرِكِينَ) (التوبة/1) ليس هو أول السورة لذلك لم يكتب الصحابة (بِاِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَانِ الرَّحِيمِ) وهذا لا ينسجم مع نسخ التلاوة أيضا ! لأنه إلغاء لقرآنية المنسوخ فلو ألغى قرآنية أول السورة لا يقال حينئذ عن الملغي أنه أول السورة القرآنية ! ، بل أول السورة هو الذي أبقاه الله عز وجل ولم ينف قرآنيته .

--------------------
(1) تـهذيب الكمال ج26ص101 رقم 5462 : ( محمد بن عجلان القرشي أبو عبد الله المدني ، كان عابدا ناسكا فقيها وكان له حلقة في مسجد رسول الله صلى الله عليه (وآله) وسلم وكان يفتي ، قال صالح بن أحمد بن حنبل عن أبيه ثقة ، وقال عبد الله بن أحمد بن حنبل عن أبيه سمعت بن عيينة يقول : حدثنا محمد بن عجلان وكان ثقة ، وقال عبد الله بن أحمد أيضا : سألت أبي عن محمد بن عجلان وموسى بن عقبة أيهما أعجب إليك ؟ فقال : جميعا ثقة ، وما أقربـهما ، كان ابن عيينة يثني على محمد بن عجلان ، وقال إسحاق عن يحيى بن معين : ثقة .
  وقال عبد الله بن أحمد بن حنبل قيل ليحيى بن معين : من تقدم داود بن قيس أو محمد بن عجلان ؟ قال : محمد ، وقال عباس الدوري عن يحيى بن معين : محمد بن عجلان ثقة أوثق من محمد بن عمرو بن علقمة ما يشك في هذا أحد ، وكان ثقة كثير الحديث ، وقال أبو سعيد بن يونس قدم مصر وصار إلى الإسكندرية فتزوج بـها امرأة من أهلها فأتاها في دبرها فشكته إلى أهلها فشاع ذلك فصاح به أهل الإسكندرية فخرج منها )
  سير أعلام النبلاء ج6ص317ت135 : ( محمد بن عجلان الإمام ، القدوة ، الصادق ، بقية الأعلام أبو عبد الله القرشي ، المدني ، وكان فقيها مفتيا ، عابدا صدوقا ، كبير الشأن ، له حلقة كبيرة في مسجد رسول الله صلى الله عليه (وآله) وسلم .
  وقد خرج على المنصور مع ابن حسن ، فلما قتل ابن حسن ، هم والي المدينة جعفر بن سلميان أن يجلده ، فقالوا له ، أصلحك الله : لو رأيت الحسن البصري فعل مثل هذا أكنت تضربه ؟ قال : لا ، قيل : فابن عجلان في أهل المدينة كالحسن في أهل البصرة ، وقيل : إنه هم بقطع يده حتى كلموه ، وازدحم على بابه الناس ، قال : فعفا عنه .
  عن صفوان بن عيسى قال : مكث ابن عجلان في بطن أمه ثلاث سنين ، فشق بطنها ، فأخرج منه وقد نبتت أسنانه (!!)، عن ابن المبارك قال : لم يكن بالمدينة أحد أشبه بأهل العلم من ابن عجلان كنت أشبهه بالياقوتة بين العلماء رحمه الله .
  قال مصعب الزبيري : كان لابن عجلان قدر وفضل بالمدينة ، وكان ممن خرج مع محمد بن عبد الله ، فأراد جعفر بن سليمان قطع يده ، فسمع ضجة ، وكان عنده الأكابر ، فقال : ما هذا ؟ قالوا : هذه ضجة أهل المدينة يدعون لابن عجلان ، فلو عفوت عنه ؟ وإنما غر ، وأخطأ في الرواية ظن أنه المهدي ، فأطلقه وعفا عنه ، قلت : وثق ابن عجلان أحمد بن حنبل ، ويحيى بن معين ، وحدث عنه شعبة ، ومالك ، وهو حسن الحديث ، وأقوى من ابن إسحاق ، ولكن ما هو في قوة عبيد الله بن عمر ونحوه .
  قال أبو عبد الله الحاكم : أخرج له مسلم في كتابه ثلاثة عشر حديثا كلها في الشواهد ، وتكلم المتأخرون من أئمتنا في سوء حفظه ، عباس الدوري ، عن يحيى بن معين قال : ابن عجلان أوثق من محمد بن عمرو ، ما يشك في هذا أحد ، وممن وثقه ابن عيينة ، وأبو حاتم الرازي ، مع تعنته في نقد الرجال .
  وقال ابن القاسم : قيل لمالك : إن ناسا من أهل العلم يحدثون يعني بحديث خلق آدم على صورته فقال : من هم ؟ قيل : ابن عجلان ، قال : لم يكن ابن عجلان يعرف هذه الأشياء ، ولم يكن عالما ، قلت : لم ينفرد به محمد ، والحديث : في الصحيحين ، وقال البخاري : قال لي علي ، عن ابن أبي الوزير ، عن مالك ، أنه ذكر ابن عجلان فذكر خيرا ).
  لسان الميزان ج7ص368رقم4682 : ( محمد بن عجلان القرشي أبو عبد الله المدني أحد العلماء العاملين ).
(2) أحكام القرآن 2ص87 ط الحلبي تحقيق علي محمد البجاوي ، تفسير القرطبي ج8ص62 ملاحظة : المتأمل في راوياتـهم ـ على كثرتـها ـ الناصة على أن سورة براءة كانت عدل البقرة في طولها وأن هذا الموجود منها هو أقل من المفقود يتضح له ما اشتهر بين السلف من تحريف هذه السورة وكذا سورة الأحزاب بسبب يوم اليمامة ، وقد بينا الوجه الصحيح لهذا الجزء المفقود في مبحث الشيعة وفرية تحريف القرآن ، وسبب كون تنـزيل هذه السورة بالذات وسورة الأحزاب كبيرا نسبيا ، والحمد لله أن هذا الوجه المعتبر لا وجود له إلا عن الشيعة أتباع مدرسة أهل البيت عليهم السلام .

إعلام الخَلف بمن قال بتحريف القرآن من أعلام السّلف _ 678 _
  وعلى أي حال فكلامه ظاهر والتمسك بالظاهر حجة ، وكما ترى فإن الكل يترنم بنغمة واحدة وهي ضياع سورة الأحزاب وبراءة في يوم اليمامة ولكن بعضهم يصرح بيوم اليمامة والبعض يكتفي بالضياع .

إعلام الخَلف بمن قال بتحريف القرآن من أعلام السّلف _ 679 _
إمام التفسير الضحاك بن مزاحم (1)   أخطأ الكاتب !
  ( أخرج أبو عبيد وابن جرير وابن المنذر عن الضحاك بن مزاحم (رض) أنه قرأها ( ووصى ربك ) قال : إنـهم ألصقوا إحدى الواوين بـالصاد فـصارت قافـا ! ) (2) .
  ( أخرجه ـ ابن اشته ـ من طريق أخرى عن الضحاك أنه قال : كيف تقرأ هذا الحرف ؟ قال (وَقَضَى رَبُّكَ) (الإسراء/23) قال : ليس كذلك نقرؤها نحن ولا ابن عباس ! إنما هو ( ووصى ربك ) ، وكذلك كانت تقرأ وتكتب ، فـاستمد كـاتبـكم فاحـتمل القلم مدادا كثيرا فالـتـصقت الواو بالصاد ! ثم قرأ ( وَلِلَّهِ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الأَرْضِ وَلَقَدْ وَصَّيْنَا الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ مِنْ قَبْلِكُمْ وَإِيَّاكُمْ أَنْ اتَّقُوا اللَّهَ) (النساء/131) ولو كانت (وَقَضَى) من الرب لم يستـطع أحد رد قضاء الرب ولكنـه وصية أوصى بـها العباد ) (3) .
  وهكذا تابع إمامهم في التفسير الضحاك بن مزاحم رأي شيخه ابن عباس فجاهر بوقوع التحريف لهذه الآية كما جاهر شيخه من قبل ، فادعى وقوع التحريف في هذه الآية بسبب نعاس كاتب المصحف !

--------------------
(1) تـهذيب الكمال ج13ص291ت2928 ( الضحاك بن مزاحم الهلالي أبو القاسم ، وقال أبو بكر بن أبي خيثمة عن يحيى بن معين وأبو زرعة : ثقة ، عن مزاحم بن زفر سمعت الضحاك بن مزاحم يقول : لو دخلت على أمي لقلت لها أيتها العجوز غطي عني شعرك ، عن قيس بن سليم العنبري : كان الضحاك بن مزاحم إذا أمسى بكى ، فيقال له : ما يبكيك ؟ قال : لا أدري ما صعد اليوم من عملي ، وقال عبد العزيز بن أبي رزمة عن جويبر عن الضحاك : لا تقبل شهادة من لم يؤد الزكاة ، عن قرة بن خالد : كانت هجيرى الضحاك إذا سكت لا حول ولا قوة إلا بالله ، وقال سعيد بن سليمان الواسطي عن ميمون أبي عبد الله عن الضحاك في قوله تعالى (كُونُوا رَبَّانِيِّينَ بِمَا كُنْتُمْ تُعَلِّمُونَ الْكِتَابَ)(آل عمران/79)، قال : حق على كل من يُعلّم القرآن أن يكون فقيها ).
  سير أعلام النبلاء ج4ص598ت238 ( الضحاك بن مزاحم الهلالي ، أبو محمد ، وقيل أبو القاسم ، صاحب التفسير ، كان من أوعية العلم ، وليس بالمجود لحديثه ، وهو صدوق في نفسه ، وقيل : كان فقيه مكتب كبير إلى الغاية ، فيه ثلاثة آلاف صبي ، فكان يركب حمارا ويدور على الصبيان ، وله باع كبير في التفسير والقصص ).
  قال ابن كثير في البداية والنهاية ج9ص223 ( هو تابعي جليل ، وكان الضحاك إماما في التفسير ، قال الثوري : خذوا التفسير عن أربعة : مجاهد و عكرمة و سعيد بن جبير و الضحاك ).
  وفي مشاهير علماء الأمصار ج1ص194ت1562 ( فإن أمه كانت حاملا به سنتين وولد وله سنان اثنتان (!) ، وكان ممن عنى بعلم القرآن عناية شديدة مع لزوم الورع ، وكان معلم كتاب يعلم الصبيان فلا يأخذ منهم شيئا إنما يحتسب في تعليمهم ).
  ميزان الاعتدال ج2ص326 : ( وأما عبد الله بن أحمد فقال : سمعت أبي يقول : الضحاك بن مزاحم ثقة مأمون )
  سير أعلام النبلاء ج4ص598ت238 ( الضحاك بن مزاحم الهلالي ، صاحب التفسير ، كان من أوعية العلم ، وليس بالـمجود لحديثه ، وهو صدوق في نفسه ، وثقه أحمد بن حنبل ، ويحيى بن معين ، وغيرهما ، وحديثه في السنن لا في الصحيحين ).
(2) الدر المنثور ج4ص170 ـ171.
(3) الإتقان ج1ص542 أقول : قد اعترف بعض علماء أهل السنة أن الضحاك قال بوقوع التحريف في هذه الآية منهم الإمام القرطبي في تفسيره والحافظ ابن حجر العسقلاني في فتح الباري وابن تيمية في مجموع الفتاوى ، ومنعا للإطالة سنذكر تلك الاعترافات في المقام التالي الذي خصص لذكر اعترافات وشهادات علماء أهل السنة بأن بعض الصحابة والتابعين اعتقدوا تحريف القرآن .

إعلام الخَلف بمن قال بتحريف القرآن من أعلام السّلف _680 _
* الآية خطأ !
  ( أخرج عبد بن حميد وابن جرير عن الضحاك أنه قال : كيف تقرءون هذه الآية (يَـذَرَكَ)(الأعراف/127) ؟ قالوا : (يَذَرَكَ وَآلِهَتَكَ) ! فقال الضحاك : إنـما هي ( الاهـتك ) أي عبادتك ، ألا ترى أنه يقول : (أَنَا رَبُّكُمُ الأَعْلَى)(النازعات/24) ! ) (1) .
  مازال الضحاك يخطّئ قرآن المسلمين ويدعي تحريفه ، ولا بأس بإضافة إمامهم الضحاك لقائمة الكفار والمرتدين من أكابر الصحابة والتابعين ، وكله على مذهب الوهابية .

--------------------
(1) الدر المنثور ج3ص107.

إعلام الخَلف بمن قال بتحريف القرآن من أعلام السّلف _ 681 _
العلامة عيسى بن عمر (1)
  الآية خطأ !
  قال الفخر الرازي في تفسيره : ( قرأ أبو عمرو وعيسى بن عمر ( إن هذين لساحران ) قالوا : هي قراءة عثمان وعائشة وابن الزبير وسعيد بن جبير والحسن رضي الله تعالى عنه ، واحتـج أبو عمرو وعيسى على ذلك بما روى هشام بن عروة عن أبيه عن عائشة رضي الله تعالى عنها أنـها سئلت عن قوله (إِنْ هَذَانِ لَسَاحِرَانِ) وعن قوله (إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَالَّذِينَ هَادُوا وَالصَّابِئُونَ وَالنَّصَارَى )في المائدة وعن قوله (لَكِنْ الرَّاسِخُونَ فِي الْعِلْمِ مِنْهُمْ ـ إلى قوله ـ وَالْمُقِيمِينَ الصَّلاَةَ وَالْمُؤْتُونَ الزَّكَاةَ) فقالت : يا ابن أختي هذا خطأ من الكاتب ، وروي عن عثمان أنه نظر في المصحف فقال : أرى فيه لـحنا وستقيمه العرب بألسنتها ) (2) .

--------------------
(1) تـهذيب الكمال ج23ص11ت4645 : ( عيسى بن عمر الأسدي المعروف بالهمداني أبو عمر الكوفي القارئ الأعمى صاحب الحروف ، عن يحيى بن معين : عيسى بن عمر القارئ ثقة ، وكذلك قال النسائي وقال عباس الدوري عن يحيى بن معين : عيسى بن عمر الكوفي هو همداني وعيسى بن عمر النحوي بصري وصاحب الحروف الكوفي ، وقال أبو حاتم : ليس بحديثه بأس ، وقال أيضا : حدثنا مقاتل بن محمد قال حدثنا وكيع عن عيسى بن عمر الهمداني وكان ثقة .
  وقال أبو بكر الخطيب : كان ثقة ، وذكره بن حبان في كتاب الثقات ) أقول الرجل لعل ترجمته ليست هذه ، وإنما الصحيح ترجمة تميزه وهذا ما أرجحه ، قال في تـهذيب الكمال ج23ص13ت4646 : ( تميز عيسى بن عمر النحوي أبو عمر البصري المعروف بالثقفي صاحب عاصم الجحدري وهو أخو أبي خشينة حاجب بن عمر وابن أخي الحكم بن الأعرج يروي عن الحسن البصري وعمه الحكم بن الأعرج وعبد الله بن أبي إسحاق الحضرمي النحوي وعون بن عبد الله بن عتبة بن مسعود ويروي عنه أحمد بن موسى اللؤلؤي وداود بن المحبر وشجاع بن أبي نصر البلخي والعباس بن بكار الضبي وعبد الملك بن قريب الأصمعي وعلي بن نصر الجهضمي الكبير وهارون بن موسى النحوي الأعور قال أبو عبد الرحمن القحذمي عيسى بن عمر مولى لخالد بن الوليد وكان عطاؤه في ثقيف نزل فيهم ذكرناه للتمييز بينهما ) ، والترجيح ناشئ مما نقله ابن حجر العسقلاني من قول ابن قتيبة والأصمعي وأبي عبيد بأنه كان لا يقدم القراءة على النحو وقواعد العربية وإن خالف بذلك قراءة العامة فكان يركب مزاجه النحوي فيها !
  قال في تـهذيب التهذيب ج8 ص200ت416 : ( تمييز عيسى بن عمر النحوي أبو عمر البصري الثقفي ، قال ابن معين : بصري ثقة ، وقال أبو محمد بن قتيبة : كان من أهل القراءة إلا أن الغريب والشعر أغلب عليه ومات سنة تسع وأربعين ومائة قبل أبي عمرو بن العلاء ، وقال الأصمعي : كان لا يدع الأعراب لشيء ، وقال أبو عبيد : كان من قراء أهل البصرة غير أنه كان له اختيار في القراءة على مذهب العربية يفارق قراءة العامة وكان يحب النصب على ما وجد إليه سبيلا منه قوله تعالى ( حمالة الحطب ) و ( هو أطهر لكم ) وغير ذلك ) .
  قال في سير أعلام النبلاء ج7ص199ت76 : ( عيسى بن عمر ، العلامة ، إمام النحو ، أبو عمر الثقفي البصري ، نزل في ثقيف فاشتهر بـهم ، وكان صاحب فصاحة وتقعر وتشدق في خطابه ، وكان صديقا لأبي عمرو بن العلاء ، وقد أخذ القراءة عرضا عن عبد الله بن أبي إسحاق ، وابن كثير المكي ، وصنف في النحو كتابي : الإكمال و الجامع ، وكان صاحب افتخار بنفسه ، قال مرة لأبي عمرو : أنا أفصح من معد بن عدنان ، قال يحيى بن معين : هو بصري ثقة ، أرخ القفطي وابن خلكان موته في سنة تسع وأربعين ومائة ، وأراه وهما ، فإن سيبويه جالسه ، وأخذ عنه ، ولعله بقي إلى بعد الستين ومئة ، )
  البداية والنهاية ج10 ص102 ـ 103 : ( عيسى بن عمرو أبوعمرو الثقفي البصري النحوي شيخ سيبويه ، يقال إنه من موالي خالد بن الوليد ، وإنما نزل في ثقيف فنسب إليهم ، كان إماما كبيرا جليلا في اللغة والنحو و القراءات ، أخذ ذلك عن عبيد الله بن كثير وابن المحيص و عبد الله بن أبي إسحاق ، وسمع الحسن البصري وغيرهم ، وعنه الخليل بن أحمد والأصمعي وسيبويه ، ولزمه وعرف به وانتفع به ، وأخذ كتابه الذي سماه بالجامع فزاد عليه وبسطه ، فهو كتاب سيبويه اليوم ، وإنما هو كتاب شيخه ، وكان سيبويه يسأل شيخه الخليل ابن أحمد عما أشكل عليه فيه ، فسأله الخليل أيضا عما صنف عيسى بن عمر فقال : جمع بضعا وسبعين كتابا ذهبت كلها إلا كتاب الإكمال ، وهو بأرض فارس ، وهو الذي أشتغل فيه وأسألك عن غوامضه ، فأطرق الخليل ساعة ثم أنشد :

ذهـب  الـنحو جـميعا iiكله      غير ما أحدث عيسى بن عمر
ذاك إكـمـال وهـذا جـامع      وهـما  لـلناس شمس iiوقمر
وقد كان عيسى يغرب ويتقعر في عبارته جدا ، وقد حكى الجوهري عنه في الصحاح : أنه سقط يوما عن حماره فاجتمع عليه الناس فقال : ما لكم تكأكأتم علي تكأكؤكم على ذي مرة ؟ افرنقعوا عني ، معناه : ما لكم تجمعتم علي تجمعكم على مجنون ؟ انكشفوا عني ، وقال غيره : كان به ضيق النفس فسقط بسببه فاعتقد الناس أنه مصروع ، فجعلوا يعودونه ويقرؤون عليه ، فلما أفاق من غشيته قال ، ما قال : فقال بعضهم : إني حسبته يتكلم بالفارسية ، وذكر ابن خلكان أنه كان صاحبا لأبي عمرو بن العلاء ، وأن عيسى بن عمر قال يوما لأبي عمرو بن العلاء : أنا أفصح من معد بن عدنان ، فقال له أبو عمرو كيف تقرأ هذا البيت :
قد كن يخبأن الوجوه تسترا      فـاليوم  حين بدأن iiللنظار
أو بدين ؟ فقال : بدين ، فقال أبو عمرو : أخطأت ، ولو قال : بدأن لأخطأ أيضا ، وإنما أراد أبو عمرو تغليطه ، وإنما الصواب (بدون) من بدا يبدو إذا ظهر ، وبدأ يبدأ إذا شرع في الشيء ).
(2) التفسير الكبير للفخر الرازي ج22ص74 ط دار الكتب العلمية .

إعلام الخَلف بمن قال بتحريف القرآن من أعلام السّلف _ 682 _
  وهاهو علامتهم يحتج على قراءته بمذهب عائشة في وقوع التحريف لـهذه الآيات !.
  وأوضح منه ما ذكره الإمام أبو عبيد : ( (قَالُوا إِنْ هَذَانِ لَسَاحِرَانِ )(طه/63) قال أبو عمرو وعيسى ويونس : ( إن هذين لساحران ) في اللفظ وكُـتب ( هَذَانِ ) كما يزيدون وينقصون في الكتاب ، واللفظ صواب ) (1) .
  ناهيك عن أن شيخ قراءتـهم عيسى بن عمر كان يقدم النحو على ما تواتر من ألفاظ القرآن ! فيغلّط القرآن انتصارا للنحو وهو مع ذلك شيخ للقراءة عندهم ! ، وواضح هذا من ترجمته في الهامش .

--------------------
(1) مجاز القرآن ج2ص21 لأبي عبيدة المتوفى 210ه‍ ، ط دار الفكر ، وعنه في تفسير كتاب الله العزيز للشيخ هود بن محكَّم الهواري ج3ص42 ، وقال الطبري في تفسيره ج16ص137 ط دار الحديث : ( وحدثت عن أبي عبيدة معمر بن المثنى قال : قال أبو عمرو وعيسى بن عمر ، ويونس ( إن هذين لساحران ) في اللفظ وكتب (هَذَانِ) (طه/63)، كما يريدون الكتّاب ).

إعلام الخَلف بمن قال بتحريف القرآن من أعلام السّلف _ 683 _
مقرئ الكوفة وعالمها أبو عبد الرحمن السلمي (1)
  يقرئ الناس سورة ليست في المصحف !
  ( أخرج محمد بن نصر عن عطاء بن السائب قال : كان أبو عبد الرحمن يقرئنا ( اللهم إنا نستعينك ونستغفرك ونثني عليك الخير ولا نكفرك ونؤمن بك ونخلع ونترك من يفجرك اللهم إياك نعبد ولك نصلى ونسجد واليك نسعى ونحفد نرجو رحمتك ونخشى عذابك الجد إن عذابك بالكفار ملحق ) ، وزعم أبو عبد الرحمن أن ابن مسعود كان يقرئهم إياها ويزعم أن رسول الله صلى الله عليه (وآله) وسلم كان يقرئهم إياها ) (2) .
  وهذه شهادة من عطاء على السلمي بأنه كان يعترف بقرآنية هذه الجمل ويقرئهم إياها كقرآن إلى زمن التابعين حيث لا منسوخ ولا غيره !

--------------------
(1) تـهذيب الكمال ج14ص408ت3222 : ( عبد الله بن حبيب بن ربيعة بالتصغير أبو عبد الرحمن السلمي الكوفي القارئ ولأبيه صحبة ، وكان يقرئ القرآن بالكوفة من خلافة عثمان إلى إمرة الحجاج ، قال أبو إسحاق السبيعي اقرأ أبو عبد الرحمن السلمي القرآن في المسجد أربعين سنة ، وقال عطاء بن السائب دخلنا على أبي عبد الرحمن السلمي في مرضه الذي مات فيه فذهب بعض القوم يرجيه فقال : أنا أرجو ربي وقد صمت له ثمانين رمضانا ، وقال العجلي : أبو عبد الرحمن السلمي الضرير المقرئ كوفي تابعي ثقة ، وقال النسائي : ثقة ).
  تذكرة الحفاظ ج1ص58ت43 : ( مقرئ الكوفة وعالمها ، وتصدر للإقراء في خلافة عثمان إلى أن مات ، وكان ثقة رفيع المحل )
  تـهذيب التهذيب ج5ص161ت317 : ( قال النسائي ثقة ، وقال ابن سعد قال محمد بن عمر كان ثقة كثير الحديث ، قال ابن عبد البر هو عند جميعهم ثقة )
  مشاهير علماء الأمصار ج1ص102ت753 : ( من قراء القرآن وأهل الورع في السر و الإعلان ) البداية والنهاية ج9ص10 ( أبو عبد الرحمن السلمي مقرئ أهل الكوفة بلا مدافعة )
  سير أعلام النبلاء ج4ص267 ت97 ( أبو عبد الرحمن السلمي مقرئ الكوفة ، الإمام ، العلم ، من أولاد الصحابة ، مولده في حياة النبي صلى الله عليه (وآله) وسلم ، قرأ القرآن ، وجوده ، ومهر فيه ، قال أبو إسحاق : كان أبو عبد الرحمن السلمي يقرئ الناس في المسجد الأعظم أربعين سنة ، وقال سعد بن عبيدة ، أقرأ أبو عبد الرحمن في خلافة عثمان ، وإلى أن توفي في زمن الحجاج ، عن أبي عبد الرحمن ، قال : أخذت القراءة عن علي .
  روى منصور عن تميم بن سلمة ، أن أبا عبد الرحمن كان إمام المسجد ، وكان يحمل في اليوم المطير ، حماد بن زيد : عن عطاء بن السائب ، أن أبا عبد الرحمن قال : أخذنا القرآن عن قوم أخبرونا أنـهم كانوا إذا تعلموا عشر آيات لم يجاوزوهن إلى العشر الأخر حتى يعلموا ما فيهن ، فكنا نتعلم القرآن والعمل به ، وسيرث القرآن بعدنا قوم يشربونه شرب الماء لا يجاوز تراقيهم ، عبد الحميد بن أبي جعفر الفراء : عن أبيه ، عن أبي عبد الرحمن السلمي أنه جاء وفي الدار جلال وجزر ، فقالوا : بعث بـها عمرو بن حريث لأنك علمت ابنه القرآن ، فقال : رد ، إنا لا نأخذ على كتاب الله أجرا .
  وروى سعد بن عبيدة ، عن أبي عبد الرحمن ، عن عثمان بن عفان ، أن النبي صلى الله عليه (وآله) وسلم قال : خيركم من تعلم القرآن وعلمه ، قال أبو عبد الرحمن : فذلك الذي أقعدني هذا المقعد ، قال إسماعيل بن أبي خالد : كان أبو عبد الرحمن السلمي يعلمنا القرآن ، خمس آيات ، خمس آيات ، قال أبو حصين عثمان بن عاصم : كنا نذهب بأبي عبد الرحمن من مجلسه ، وكان أعمى ، أبو بكر بن عياش ، عن عاصم ، عن أبي عبد الرحمن ، أنه قرأ على علي ( عليه السلام)، وعن أبي عبد الرحمن ، قال : خرج علينا علي رضي الله عنه وأنا أقرئ .
  قال عبد الواحد بن أبي هاشم : حدثنا محمد بن عبيد الله المقرئ ، حدثنا عبد الله بن عبد الرحمن ، حدثنا أبي ، حدثنا حفص أبو عمر ، عن عاصم بن بـهدلة ، وعطاء بن السائب ، ومحمد بن أبي أيوب ، وعبد الله بن عيسى ، أنهم قرؤوا على أبي عبد الرحمن السلمي ، وذكروا أنه أخبرهم أنه قرأ على عثمان عامة القرآن ، وكان يسأله عن القرآن ، فيقول : إنك تشغلني عن أمر الناس ، فعليك بزيد بن ثابت ، فإنه يجلس للناس ، ويتفرغ لهم ، ولست أخالفه في شئ من القرآن ، قال : وكنت ألقى عليا ، فأسأله ، فيخبرني ويقول : عليك بزيد ، فأقبلت على زيد ، فقرأت عليه القرآن ثلاث عشرة مرة ، قلت : ليس إسنادها بالقائم .
  وروي عن عطاء بن السائب ، عن أبي عبد الرحمن ، قال : حدثني الذين كانوا يقرئوننا ، عثمان ، وابن مسعود ، وأبي ، أن رسول الله صلى الله عليه (وآله) وسلم كان يقرئهم العشر ، فذكر الحديث ، أحمد بن أبي خيثمة : حدثنا يحيى بن السري ، حدثنا وكيع ، عن عطاء ابن السائب ، قال : كان رجل يقرأ على أبي عبد الرحمن ، فأهدى له قوسا فردها وقال : ألا كان هذا قبل القراءة ! ).
(2) الدر المنثور ج6 ص421 .

إعلام الخَلف بمن قال بتحريف القرآن من أعلام السّلف _ 684 _
العالم البصري أبو مجلز (1)
  أخرج ابن المنذر و أبو الشيخ عن أبي مجلز قال : مكتوب في سورة يونس عليه السلام إلى جنب هذه الآية (حَتَّى إِذَا أَخَذَتِ الأَرْضُ زُخْرُفَهَا ـ إلى قوله تعالى ـ يَتَفَكَّرُونَ) (يونس/24) ( ولو أن لابن آدم واديين من مال لتمنى واديا ثالثا ولا يشبع نفس ابن آدم إلا التراب ويتوب الله على من تاب ) فـمُحـيَـت ) (2) .
  وهذا تحريف صريح ، ومع ذلك يترضى عنه علامتهم السيوطي عندما ينقل الرواية في الدر المنثور ، وفي دين الوهابية من لم يكفر الكافر فهو كافر ، فالسيوطي الذي يترضى على الكافر كافرٌ مثله ، ومن لم يكفر السيوطي فهو كافر مثله ، وهكذا دواليك !!

--------------------
(1) تـهذيب الكمال ج31ص176ت6772 ( لاحق بن حميد بن سعيد ويقال شعبة بن خالد بن كثير بن حبيش بن عبد الله بن سدوس السدوسي أبو مجلز البصري ، ذكره محمد بن سعد في الطبقة الثانية من أهل البصرة وقال كان ثقة وله أحاديث وذكره الهيثم بن عدي عن عبد الله بن عياش في الطبقة الثالثة وقال العجلي : بصري تابعي ثقة ، وكان يحب عليا ، وقال أبو زرعة وابن خراش : ثقة ، وذكره ابن حبان في كتاب الثقات ، وقال الحسين بن حبان عن يحيى بن معين : مضطرب الحديث ، وقال عباس الدوري عن يحيى بن معين : لم يسمع من حذيفة ، وقال علي بن المديني : لم يلق سمرة ولا عمران ، وقال أبو داود الطيالسي عن شعبة : تجيئنا عنه أحاديث كأنه شيعي وتجيئنا عنه أحاديث كأنه عثماني ، وقال مطهر بن جويرية : رأيت أبا مجلز أبيض الرأس واللحية ، ورأيته على بيت مال خراسان ، وقال النضر بن شميل عن هشام بن حسان : كان أبو مجلز قصيرا قليلا ، فإذا تكلم كان من الرجال ، وقال معتمر بن سليمان عن أبيه كنا في مجلس نتذاكر فيه الفقه والسنن ومعنا أبو مجلز فقال رجل : لو قرأتم سورة ؟! فقال أبو مجلز : ما نرى أن قراءة سورة أفضل مما نحن فيه ، وقال روح بن عبادة حدثنا عمران بن حدير عن أبي مجلز قال : شهدت شهادة عند زرارة بن أوفى وحدي فقضى بـها ، قال أبو مجلز : وبئس ما صنع ، وقال عبد الملك بن الصباح عن عمران بن حدير : أرسل ابن سيرين إلى أبي مجلز أن ابعث إلينا بنفقة ولا تطلبها حتى نبعث بـها إليك ، قال فصر ثلاث مائة فأرسل بـها إليه ، وقال المنذر بن ثعلبة عن الرديني بن أبي مجلز كان أبي يقول : إن أكيس المؤمنين أشدهم حذرا ).
  الجرح والتعديل ج9ص124ت526 ( سئل أبو زرعة عن أبى مجلز فقال : بصري ثقة ) تذكرة الحفاظ ج1ص102 فصل في عدد من علماء التابعين : ( أبو مجلز لاحق بن حميد من علماء البصرة )
  تـهذيب التهذيب ج11ص151ت293 ( قال ابن عبد البر : هو ثقة عند جميعهم )
  طبقات ابن سعد ج7ص216 ( أبو مجلز واسمه لاحق بن حميد السدوسي وكان ثقة وله أحاديث توفي في خلافة عمر بن عبد العزيز قبل وفاة الحسن البصري ) وقال في ص368 من نفس الجزء ( وكان قد أتى مرو فنزلها وابتنى بـها دارا وولي بيت المال بـها وكان أعور توفي في خلافة عمر بن عبد العزيز ).
(2) الدر المنثور ج3ص304 .

إعلام الخَلف بمن قال بتحريف القرآن من أعلام السّلف _ 685 _
الإمام الثقة محمد بن سعد (1)
  ( أخرج الطبراني وابن مردويه من طريق الجريري عن أخيه قال : سمعت محمد بن سعد يقرأ هذه الآية ( ولمن خاف مقام ربه جنتان وإن زني وإن سرق ) فقلت : ليس فيه ( وإن زني وإن سرق ) ! قال : سمعت رسول الله صلى الله عليه (وآله) وسلم يقرؤها كذلك ، فأنا أقرءوها كذلك حتى أموت ) (2) .
  مازالت هذه الزيادة من القرآن إلى زمن التابعيين !

--------------------
(1) تـهذيب الكمال ج25ص258ت5238 ( محمد بن سعد بن أبي وقاص القرشي الزهري أبو القاسم المدني ، وقال محمد بن سعد ـ صاحب الطبقات ـ : كان ثقة وله أحاديث ليست بالكثيرة ، وكان قد خرج مع عبد الرحمن بن محمد بن الأشعث وشهد دير الجماجم فأتي به الحجاج فقتله ، وذكره بن حبان في كتاب الثقات روى له الجماعة أبو داود في المراسيل ).
  في تذكرة الحفاظ ج1ص102 عده الذهبي في عداد علماء التابعين .
  سير أعلام النبلاء ج4ص 348 ت121 : ( الإمام ، الثقة ، أبو القاسم القرشي ، الزهري المدني ، روى جملة صالحة من العلم ، ثم كان ممن قام على الحجاج مع ابن الاشعث ، فأسر يوم دير الجماجم ، فقتله الحجاج ، روى له الشيخان ، والترمذي ، والنسائي ، والقزويني ، قيل : إنه انـهزم إلى المدائن ، فتجمع إليه ناس كثير ، ثم لحق بالبصرة وكان مصرعه في سنة اثنتين وثمانين ، ) تـهذيب التهذيب ج9ص161ت276 : (قال العجلي : تابعي ثقة )
(2) الدر المنثور ج6 ص146 ، وقد عُرف محمد بن سعد بإرساله عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم وهو واضح لمن راجع ترجمته في كتب التراجم ، ولعله سمعها عن أبي الدرداء لأن ما قاله مرسلا هنا هو نفس ما جاء مسندا عنه إلى أبي الدرداء عن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم
  السنن الكبرى ج6ص478 ـ479ج11561 : ( عن محمد بن سعد بن أبي وقاص أن أبا الدرداء قال عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قرأها هو (وَلِمَنْ خَافَ مَقَامَ رَبِّهِ جَنَّتَانِ) (الرحمن/46 ـ47) فقلت : وإن زنا وإن سرق يا رسول الله ؟! قال : (وَلِمَنْ خَافَ مَقَامَ رَبِّهِ جَنَّتَانِ) ، قال قلت : وإن زنا وإن سرق يا رسول الله ؟! قال : (وَلِمَنْ خَافَ مَقَامَ رَبِّهِ جَنَّتَانِ) وإن زنا وإن سرق ، ورغم أنف أبي الدرداء !، فلا أزال أقرؤها كذلك حتى ألقاه صلى الله عليه وسلم (!) )
  وقال البخاري في التاريخ الكبير ج1ص89ت247: ( محمد بن سعد سمع أبا الدرداء ، قال لي زهير حدثنا يونس بن محمد قال حدثنا صدقة بن هرمز عن الجريري عن محمد ، وحدثني مؤمل قال حدثنا إسماعيل عن الجريري قال حدثني موسى عن محمد بن سعد بن أبي وقاص أن أبا الدرداء عن النبي صلى الله عليه (وآله) وسلم قرأ (جَنَّتَانِ)، حدثني جراح بن مخلد قال حدثنا سالم بن نوح قال حدثنا الجريري عن أخيه عن محمد بن سعد عن أبي الدرداء قال سـمعت النبي صلى الله عليه (وآله) وسلم قرأ (جَنَّتَانِ) ) .

إعلام الخَلف بمن قال بتحريف القرآن من أعلام السّلف _ 886 _
الإمام الفقيه أبان بن عثمان بن عفان (1)
  ( أخرج عبد بن حميد وابن جرير وابن أبي داود في المصاحف وابن المنذر عن الزبير بن خالد (2) قال : قلت لأبان بن عثمان بن عفان : ما شأنـها كتبت (لَكِنْ الرَّاسِخُونَ فِي الْعِلْمِ مِنْهُمْ وَالْمُؤْمِنُونَ يُؤْمِنُونَ بِمَا أُنزِلَ إِلَيْكَ وَمَا أُنزِلَ مِنْ قَبْلِكَ وَالْمُقِيمِينَ الصَّلاَةَ وَالْمُؤْتُونَ الزَّكَاةَ) (النساء/162) ، ما بين يديها وما خلفها رفع وهي نصب ؟! قال : إن الكاتب لما كتب (لَكِنْ الرَّاسِخُونَ) حتى إذا بلغ قال : ما أكتب ؟ قيل له : أكتب (وَالْمُقِيمِينَ الصَّلاَةَ) فـكتب مـا قيل لـه ) (3).
  وفي تاريخ المدينة للنميري : ( حدثنا عمرو بن عاصم قال ، حدثنا حماد بن سلمة ، عن الزبير أن خاله (4) قال ، قلت لأبان بن عثمان وكان ممن حضر كتاب المصحف : كيف كتبتم (وَالْمُقِيمِينَ الصَّلاَةَ وَالْمُؤْتُونَ الزَّكَاةَ) (النساء/162) ؟! فقال : كان الكاتب يكتب والمملي يملي ، فقال : أكتب ، قال : ما أكتب ، قال : أكتب (والمقيمين الصلاة والمؤتون الزكاة) ) (5) .
  أي أن علة الخلل النحوي وخطأ الكتابة هو سهو المملي واتباع الكاتب الأعمى له وإلا لما أرجع سببه إلى المملي والكاتب بل لله سبحانه .

--------------------
(1) سير أعلام النبلاء ج4 ص352 ت133 : ( أبان بن عثمان بن عفان ، الإمام ، الفقيه ، الأمير ، قال يحيى القطان : فقهاء المدينة عشرة : أبان بن عثمان ، وسعيد بن المسيب ، وذكر سائرهم ، قال مالك : حدثني عبد الله بن أبي بكر ، أن والده أبا بكر بن حزم كان يتعلم من أبان القضاء ، وعن عمرو بن شعيب قال : ما رأيت أحدا أعلم بـحديث ولا فقه ، من أبان بن عثمان )
  البداية و النهاية لابن كثير ج9 ص233 ( كان من فقهاء التابعين و علمائهم ) تـهذيب الكمال ج2 ص16ت141 ( قال أحمد بن عبد الله العجلي : مدني تابعي ثقة من كبار التابعين ) .
  الكاشف ج1ص206ت109 (كان فقيها مجتهدا ).
(2) الصحيح ( الزبير أبو خالد ) لا ( الزبير بن خالد ) ، التاريخ الكبير للبخاري ج3ص413ت1373 ( الزبير أبو خالد روى عنه حماد بن سلمة سمع أبان بن عثمان بن عفان )
(3) الدر المنثور ج2 ص246 ، وجاء السند في تفسير الطبري ج6ص34 بـهذا الشكل ( حدثني المثنى ، قال : ثنا الحجاج بن المنهال ، قال : ثنا حماد بن سلمة ، عن الزبير ، قال : قلت لأبان بن عثمان بن عفان …) ورجاله ثقات ، والزبير أبو خالد وثقه ابن حبان وما تكلم فيه أحد ، ويجب تتبع إسناد كل المصادر حتى يمكن الجزم بضعف السند وبعضها غير متوفر لدي .
(4) وهو خطأ ! والصحيح ( الزبير أبو خالد ) .
(5) تاريخ المدينة لابن شبة النميري ج3ص1013.

إعلام الخَلف بمن قال بتحريف القرآن من أعلام السّلف _ 887 _
التابعي الثقة ابن زرير الغافقي (1)
  ( أخرج محمد بن نصر عن يزيد بن أبي حبيب قال : بعث عبد العزيز بن مروان إلى عبد الله بن زرير الغافقي فقال له : والله إني لأراك جافيا ما أراك تقرأ القرآن ! قال : بلى والله إني لأقرأ القرآن وأقرأ منه ما لا تقرأ به ، فقال له عبد العزيز : وما الذي لا أقرأ به من القرآن ؟! قال : القنوت حدثني علي بن أبى طالب أنه من القرآن ) (2) .
  بعد تحريق المصاحف وإلغاء ما ليس من القرآن بقرابة خمسين سنة يأتي الغافقي ليقول أن هناك ما هو من القرآن ولم يكتب في المصحف !

--------------------
(1) تـهذيب الكمال رقم 3272 ( عبد الله بن زرير الغافقي المصري ، قال أحمد بن عبد الله العجلي مصري تابعي ثقة وقال محمد بن سعد كان ثقة وله أحاديث مات في خلافة عبد الملك بن مروان سنة إحدى وثمانين وقال غيره سنة ثمانين وروي عنه أنه قال قال : لي عبد الملك ما حملك على حب أبي تراب ألا إنك أعرابي جاف ، قال فقلت : والله لقد قرأت القرآن قبل أن يجتمع أبواك في حديث ذكره وذكره ابن حبان في كتاب الثقات روى له أبو داود والنسائي وابن ماجة حديثا واحدا ) .
  الثقات ج5ص24ت3654 ( مات سنة ثلاث وثمانين بمصر ).
(2) الدر المنثور ج6ص421 ، ويزيد بن أبي حبيب ثقة فقيه ، ومحمد بن نصر إمام ثقة .

إعلام الخَلف بمن قال بتحريف القرآن من أعلام السّلف _ 888 _
إمام الـمالكية (1)
  سورة التوبة سقط أولـها !
  الإمام مالك بن أنس يرى أن سورة التوبة قد سقط أولها ولذلك فقدنا البسملة منها ! ، قال الزركشي في البرهان : ( وعن مالك : أنّ أوّلـها لما سقـط سقـطت البـسملـة ) (2) .
  وذكره السيوطي في الإتقان : ( وعن مالك أن أوّلـها لـما سقط سـقط معه البسملة فـقد ثبت أنـها كـانت تـعدل البقرة لطولـها ) (3) .
  فهذا مالك بن أنس إمام من أئمتهم الأربعة يجزم بأنـها كانت تعدل البقرة في الطول وأن سبب فقدان البسملة هو فقدانـها مع فقدان أول السورة (4) .

--------------------
(1) عن سير أعلام النبلاء ج8 ترجمة رقم 10 ص 48 وما بعدها : ( هو شيخ الإسلام ، حجّة الأمة ، إمام دار الهجرة … كان عالم المدينة في زمانه بعد رسول الله وصاحبيه ، زيد بن ثابت وعائشة ثم ابن عمر ثم سعيد بن المسيب ثم الزهري ثم عبيد الله بن عمر ثم مالك ، وعن ابن عيينة قال : ( مالك عالم أهل الحجاز وهو الحجّـة في زمانه ) ، وقال الشافعي ـ وصدق وبر ـ ) إذا ذكر العلماء فمالك نجمٌ ) .
  وعن شجرة النور الزكية في طبقات المالكية ص53 : ( كان رضي الله عنه إمام دار الهجرة النبوية على صاحبها أفضل الصلاة وأزكى التحية الوارث لحديث الرسول الناشر في أمته الأحكام والفصول ، العالم الذي انتشر علمه في الأمصار و أشتهر فضله في الأقطار ، ضربت له أكباد الإبل وارتحل الناس إليه من كل فج) .
  قال شافعي رضي الله عنه ( مالك أستاذي وعنه أخذت العلم وجعلت مالكا بيني وبين الله حجّة وإذا ذكر العلماء فمالك النجم الثاقب ولم يبلغ أحد مبلغ مالك في العلم لحفظه وإتقانه وصيانته ) وقال : ( ما على الأرض كتاب أقرب إلى القرآن من كتاب مالك بن أنس الموطّأ … وقال أبو زرعة : ( لو حلف رجل بالطلاق على أن أحاديث مالك التي في الموطأ صحاح لم يحنث ) ولما ألف الموطأ اتـهم نفسه بالإخلاص فيه فألقاه في الماء وقال : ( إن بتلّ فلا حاجة لي به فلم يبتل منه شيء ) .
  تذكرة الحفاظ للذهبي ج1ص207ت199 ( الإمام ، الحافظ ، فقيه الأمة ، شيخ الإسلام ، أبو عبد الله الأصبحي المدني ، الفقيه ، إمام دار الهجرة ، عبد الله بن أحمد قلت لأبي : من أثبت أصحاب الزهري ؟ قال : مالك أثبت في كل شيء ، وقال عبد الرزاق في حديث ) يوشك الناس أن يضربوا أكباد الإبل في طلب العلم فلا يجدون عالما أعلم من عالم المدينة ) : فكنا نرى أنه مالك ، وكان عبد الرحمن بن مهدي لا يقدم على مالك أحدا ، قال أبو مصعب سمعت مالكا يقول ما أفتيت حتى شهد لي سبعون أني أهل لذلك ، وقال القعنبي كنت عند بن عيينة فبلغه نعي مالك فحزن وقال : ما ترك على ظهر الأرض مثل ، وقال وهيب : إمام أهل الحديث مالك ، قال أحمد بن الخليل : سمعت إسحاق بن إبراهيم يقول : إذا اجتمع الثوري ومالك والأوزاعي على أمر فهو سنة وان لم يكن فيه نص ـ نعوذ بالله ممن اتخذوا أحبارهم ورهبانـهم أربابا من دون الله ـ ، عن أشهب بن عبد العزيز قال : رأيت أبا حنيفة بين يدي مالك كالصبي بين يدي أبيه ، عن وهب : حججت سنة ثمان وأربعين وصائح يصيح لا يفتي الناس إلا مالك ) .
  الجرح والتعديل ج8 ص204ت902 ( قال سمعت عبد الرحمن بن مهدى يقول كان وهيب لا يعدل بمالك أحدا ، قال سمعت سفيان بن عيينة يقول ما كان أشد انتقاد مالك للرجال واعلمه بشأنـهم .
  حدثنا علي يعنى بن المديني قال : سمعت يحيى يعنى بن سعيد يقول ما في القوم أصح حديثا من مالك يعنى بالقوم الثوري وابن عيينة ومالك أحب إلى من معمر ، كنا عند وهيب فذكر حديثا عن ابن جريج ومالك عن عبد الرحمن بن القاسم فقلت لصاحب لي أكتب ابن جريج ودع مالكا و إنما قلت ذلك لان مالكا كان يومئذ حيا فسمعها وهيب فقال : تقول دع مالكا ما بين شرقها وغربـها أحد آمن عندنا على ذلك من مالك وللعرض على مالك أحب إلي من السماع من غيره ولقد أخبرني شعبة إنه قدم المدينة بعد وفاة نافع بسنة وإذا لمالك حلقة .
  أخبرنا عبد الله بن أحمد بن محمد بن حنبل فيما كتب الى قال قلت لأبي أيما اثبت أصحاب الزهرى قال مالك اثبت في كل شيء ، عبد الرحمن قال سمعت أبي ـ ابن حنبل ـ يقول مالك بن أنس ثقة إمام أهل الحجاز وهو أثبت أصحاب الزهري وابن عيينة وإذا خالفوا مالكا من أهل الحجاز حكم لمالك ومالك نقي الرجال نقي الحديث وهو أنقى حديثا من الثوري والأوزاعي وأقوى في الزهري من ابن عيينة وأقل خطأ منه وأقوى من معمر وابن أبي ذئب أخبرنا يونس بن عبد الأعلى قال سمعت الشافعي يقول إذا جاء الأثر فمالك النجم ومالك وابن عيينة القرينان ) .
(2) البرهان في علوم القرآن ج1 ص263 .
(3) الإتقان في علوم القرآن ج1 ص 65 ط الحلبي الثالثة .
(4) وحيث أن البسملة في أوائل السور ليست من القرآن في نظر مالك فلا يصح ادعاء نسخ التلاوة هنا وإلا لقلنا أن الله عز وجل ينسخ غير القرآن أيضا ! ، وقلنا سابقا أن منسوخ التلاوة ليس من القرآن بعد نسخه وإلغاء قرآنيته فمن يقول أن أول السورة سقط يعني أنه مسلم بأن أولها من القرآن فليس من منسوخ التلاوة ! ناهيك عن أن النسخ المدعى هنا ليس سقوط وفقدان وإنما تبديل وإحلال فكيف يقال أن مالكا قصد بسقوط أول السورة منسوخ التلاوة ؟!!

إعلام الخَلف بمن قال بتحريف القرآن من أعلام السّلف _ 889 _
  إن مفاد كلام مالك هو نفس مفاد كلام ابن عجلان السابق ، وهو أن الصحابة كانوا يكتبون البسملة في أوائل السور ولكن هذه السورة بالذات سقط وضاع أولها في حرب اليمامة بسبب مقتل القراء ومن كان يحفظها ، لذا لم يكتبوا البسملة في سورة براءة لأن أولها سقط وضاع ومن غير المعقول أن يفتتح بالبسملة في منتصف السورة لذلك لم تكتب (1) ، فهل يكفرون إمام المالكية أم لا ؟

--------------------
(1) وهناك مورد أخر قد استدل به على أن مالكا كان يرى تحريف القرآن وهو ما ذكره ابن أبي داود في كتاب المصاحف ص44 ( حدثنا أبو الطاهر ، حدثنا ابن وهب قال : سألت مالكا عن مصحف عثمان (رض) فقال : ذهـب ) وهو كما ترى .

إعلام الخَلف بمن قال بتحريف القرآن من أعلام السّلف _ 690 _
الحافظ إمام العراق أبو بكر بن أبي داود (1)
  وهو ابن أبي داود السجستاني صاحب السنن ، قد صنف سفرا جليلا أسماه كتاب المصاحف كان مرجع العلماء في معرفة ما غيّره السلف من الصحابة والتابعين في مصاحفهم ، وقد عقد بابا في كتابه المصاحف بعنوان : ( باب ما غيّر الحَجّاج في مصحف عثمان ) (2) ، وآخر بعنوان ( باب ما كتب الحجاج بن يوسف في المصحف ) (3) ، وهذا أدل دليل على أنه يرى وقوع التحريف في مصحف عثمان ، وقد روى في ذلك رواية لا بأس بإيرادها :

--------------------
(1) سير أعلام النبلاء ج13ت118ص221 ( الإمام ، العلامة ، الحافظ ، شيخ بغداد ، أبو بكر السجستاني ، صاحب التصانيف ، وكان من بحور العلم بحيث أن بعضهم فضله على أبيه ) وعن وفيات الأعيان ج2 في ترجمة أبيه ص405 ( وكان ولده أبو بكر عبد الله بن أبي داود سليمان من أكابر الحفاظ ببغداد ، عالما متفقها عليه ، إمام ابن إمام )
  وعن تاريخ بغداد ج9ص465 ( حدثنا أبو الفضل صالح بن أحد الحافظ قال : أبو بكر عبد الله بن سليمان ، أمام العراق ، علم العلم في الأمصار ، نصب له السلطان المنبر فحدث عليه لفضله ومعرفته ، وكتب عنه عام مشايخ بلدنا ذلك الوقت ، وكان في وقته بالعراق مشايخ أسند منه ولم يبلغوا في الآلة والإتقان ما بلغ هو )
  تذكرة الحفاظ ج2ص767ت768 ( الحافظ ، العلامة ، قدوة المحدثين ، صاحب التصانيف ، وقال : دخلت الكوفة ومعي درهم واحد فاشتريت به ثلاثين مدا باقلاء فكنت آكل منه وأكتب عن الأشج فما فرغ الباقلاء حتى كتبت عنه ثلاثين ألف حديث ما بين مقطوع ومرسل ، قال : أبو بكر بن شاذان قدم ابن أبي داود أصبهان وفي نسخة سجستان فسألوه أن يحدثهم فقال : ما معي أصل فقالوا : ابن أبي داود وأصل ؟! قال : فأثاروني ، فأمليت عليهم من حفظي ثلاثين ألف حديث ، فلما قدمت بغداد ، قال البغداديون : مضى إلى سجستان ولعب بـهم ! ثم فيجوا فيجا اكتروه بستة دنانير إلى سجستان ليكتب لهم النسخة ، فكتبت وجيء بـها وعرضت على الحافظ فخطأوني في ستة أحاديث منها ثلاثة حدثت بـها كما حدثت وثلاثة أخطأت فيها ، قال الحافظ أبو محمد الخلال : كان ابن أبي داود أحفظ من أبيه ، حدثنا ابن شاهين قال : أملى علينا بن أبي داود وما رأيت في يده كتابا إنما كان يملى حفظا ، قال محمد بن عبيد الله بن الشخير كان ابن أبي داود زاهدا ناسكا ).
(2) المصاحف ص130.
(3) ن.م ص59 .

إعلام الخَلف بمن قال بتحريف القرآن من أعلام السّلف _ 691 _
  ( حدثنا أبو حاتم السجستاني ، حدثنا عبّاد بن صهيب (1) ، عن عوف بن جميلة : أن الحجاج بن يوسف غيّر في مصحف عثمان أحد عشر حرفـا ، قال : كانت في البقرة ( لم يتسنّ وانظر ) بغير هاء ، فغيّرها (لَمْ يَتَسَنَّهْ) (البقرة/259).
  وكانت في المائدة ( شريعة ومنهاجا ) فغيرها (شِرْعَةً وَمِنْهَاجًا) (المائدة/48).
  وكانت في يونس ( هو الذي ينشركم ) فغيّرها (يُسَيِّرُكُمْ) (يونس/22).
  وكانت في يوسف ( أنا آتيكم بتأويله ) فغيرها (أَنَا أُنَبِّئُكُمْ بِتَأْوِيلِهِ ) (يوسف/45).
  وكانت في المؤمنين (سَيَقُولُونَ لِلَّهِ لِلَّهِ لِلَّهِ ) (المؤمنون/85،87،89) ، ثلاثتهن فجعل الأخريين ( لله ، لله ) .
  وكانت في الشعراء في قصة نوح ( من الخرجين ) وفي قصة لوط ( من المرجومين ) فغير قصة نوح (مِنْ الْمَرْجُومِينَ) (الشعراء/116).
  وقصة لوط (مِنْ الْمُخْرَجِينَ) (الشعراء/167)، وكانت في الزخرف ( نحن قسمنا بينهم معايشهم ) فغيرها (مَعِيشَتَهُمْ ) (الزخرف/32).
  وكانت في الذين كفروا ( من ماء غير ياسن ) فغيرها (مِنْ مَاءٍ غَيْرِ آسِنٍ ) (محمد/15).
  وكانت في الحديد (فالذين آمنوا واتقوا لهم أجر كبير ) فغـيّرها (وَأَنْفَقُوا) (الحديد/7) .
  وكانت في إذا الشمس كوّرت ( وما هو على الغيب بظنين ) فغيرها (بِضَنِينٍ) (التكوير/24)) (2) .
  وإمامهم ابن أبي داود يضاف بما عنونه في كتابه بجدارة لمن قال بتحريف القرآن ، فعلى مذهب الوهابية من أن من لم يكفر الكافر فهو كافر مثله يجب تكفيره وتكفير من مـدحه ومـجده مثل ابن خلكان والذهبي والخطيب البغدادي لأنـهم لم يكفروه بل مدحوه !!

--------------------
(1) قال فيه أحمد بن حنبل : ما كان صاحب كذب ، وقال أبو داود : صدوق قدري ، فهو معتبر على شرط أبي داود .
(2) المصاحف لابن أبي داود السجستاني ص59وص130.

إعلام الخَلف بمن قال بتحريف القرآن من أعلام السّلف _ 692 _
الإمام شيخ القراءة أبو عمرو بن العلاء (1)
  يستحي من قراءة المحرف الموجود في مصاحف المسلمين !
  قال الفخر الرازي : ( وعن أبي عمرو أنه قال : إني لأستحي أن أقرأ (إِنْ هَذَانِ لَسَاحِرَانِ) (طه/63) ) (2) .
  أحد القراء السبعة يستحي أن يقرأ القرآن كما أنزله الله عز وجل ، فكان أبو عمرو يقرأها هكذا ( إن هذين لساحران ) ! ، وهذا إما لعيب فيمن أنزل القرآن وهذا كفر صريح والعياذ بالله ، أو لعيب

--------------------
(1) سير أعلام النبلاء ج6ص407ت167 ( أبو عمرو بن العلاء بن عمار بن العريان التميمي ، ثم المازني البصري شيخ القراء والعربية ، برز في الحروف ، وفي النحو ، وتصدر للإفادة مدة ، واشتهر بالفصاحة والصدق وسعة العلم ، قال أبو عبيدة ، كان أعلم الناس بالقراءات والعربية ، والشعر ، وأيام العرب ، وكانت دفاتره ملء بيت إلى السقف ، ثم تنسك فأحرقها ، وكان من أشراف العرب ، مدحه الفرزدق وغيره ، قال يحيى بن معين : ثقة ، وقال أبو حاتم : ليس به بأس ، وقال أبو عمرو الشيباني : ما رأيت مثل أبي عمرو ، روى أ بو العيناء ، عن الأصمعي : قال لي أبو عمرو بن العلاء : لو تـهيأ أن أفرغ ما في صدري من العلم في صدرك لفعلت ، ولقد حفظت في علم القرآن أشياء لو كتبت ما قدر الأعمش على حملها ، ولولا أن ليس لي أن أقرأ إلا بما قرئ لقرأت حرف كذا ، وذكر حروفا ، قال إبراهيم الحربي وغيره : كان أبو عمرو من أهل السنة ، قال اليزيدي وآخر : تكلم عمرو بن عبيد في الوعيد سنة ، فقال أبو عمرو : إنك لألكن الفهم ، إذ صيرت الوعيد الذي في أعظم شئ مثله في أصغر شئ ، فاعلم أن النهي عن الصغير والكبير ليسا سواء ، وإنما نـهى الله عنهما لتتم حجته على خلقه ، ولئلا يعدل عن أمره ، ووراء وعيده عفوه وكرمه ثم أنشد .
ولا يرهب ابن العم ما عشت صولتي      ولا أخـتفي مـن صـولة iiالـمتهدد
وإنــي  وإن أوعـدتـه iiووعـدته      لـمخلف  إيـعادي ومـنجز موعدي
  فقال عمرو بن عبيد : صدقت إن العرب تتمدح بالوفاء بالوعد والوعيد ، وقد يمتدح بـهما المرء ، تسمع إلى قولهم :
لا يخلف الوعد والوعيد ولا      يـبيت  من ثأره على فوت
  فقد وافق هذا قوله تعالى : (وَنَادَى أَصْحَابُ الْجَنَّةِ أَصْحَابَ النَّارِ أَنْ قَدْ وَجَدْنَا مَا وَعَدَنَا رَبُّنَا حَقًّا فَهَلْ وَجَدْتُمْ مَا وَعَدَ رَبُّكُمْ حَقًّا قَالُوا نَعَمْ ) (الأعراف/44) قال أبو عمرو : قد وافق الأول أخبار رسول الله صلى الله عليه (وآله) وسلم ، والحديث يفسر القرآن .
  وعن الطيب بن إسماعيل قال : شهدت ابن أبي العتاهية وقد كتب عن اليزيدي قريبا من ألف جلد عن أبي عمرو بن العلاء خاصة ، قال : ويكون ذلك عشرة آلاف ورقة ، قال الأصمعي : كنت إذا سمعت أبا عمرو بن العلاء يتكلم ، ظننته لا يعرف شيئا ، كان يتكلم كلاما سهلا ، قال اليزيدي : سمعت أبا عمرو يقول : سمع سعيد بن جبير قراءتي فقال : الزم قراءتك هذه ).
  معجم الأدباء ج11ص156ت43 : ( الإمام أبو عمرو بن العلاء التميمي المازني البصري أحد القراء السبعة ، وروى عن الحروف سيبويه وكان أعلم الناس بالعربية والقرآن وأيام العرب والشعر وكان يونس بن حبيب يقول : لو كان أحدٌ ينبغي أن يؤخذ بقوله في كل شيء كان ينبغي أن يؤخذ بقول أبي عمرو بن العلاء ، وأما حاله في الحديث فقد وثقه يحيى بن معين ، وغيره وقالوا : صدوق حجة في القراءة وله أخبار حسان ، وروى عنه فوائد كثر يطول ذكرها ).
  طبقات القراء من هامش معجم الأدباء : ( وكان أعلم الناس بالقرآن والعربية مع الصدق والزهد والثقة ، قال ابن مجاهد : وحدثونا عن وهب بن جرير قال : قال لي شعبة تمسك بقراءة أبي عمرو فإنها ستصير للناس إسنادا ، وقال أيضا حدثني محمد بن عيسى بن حيان حدثنا نصر بن علي قال : قالي لي أبي قال شعبة : أنظر ما يقرأ أبو عمرو وما يختار لنفسه فأنه سيصير للناس إسنادا قال نصر قلت لأبي كيف تقرأ ؟ قال على قراءة أبي عمرو ، قلت للأصمعي : كيف تقرأ ؟ قال : قراءة أبي عمرو ).
  وفيات الأعيان ج3ص466 ت505 : ( أبو عمرو بن العلاء ، أحد القراء السبعة ، كان أعلم الناس بالقرآن الكريم والعربية والشعر وهو في النحو في الطبقة الرابعة من علي بن أبي طالب رضي الله عنه ، قال الأصمعي : قال أبو عمرو بن العلاء : لقد علمت من النحو ما لم يعلمه الأعمش وما لو كتب لما استطاع أن يحمله ، وقال أيضا : سألت أبا عمرو عن ألف مسالة فأجابني فيها بألف حجة ، وكان أبو عمرو رأسا في حياة الحسن البصري مقدما في عصره .
  وقال أبو عبيدة : كان أبو عمروا أعلم الناس بالأدب والعربية والقرآن والشعر ، وكانت كتبه التي عن العرب الفصحاء قد ملأت بيتا له إلى قريب من السقف ، ثم انه تقرَّأ ـ أي تنسك ـ فأخرجها كلها ، فلما رجع إلى علمه الأول لم يكن عنده إلا ما حفظه بقلبه ، وكانت عامة أخباره عن أعراب قد أدركوا الجاهلية .
  قال الأصمعي : جلست إلى أبي عمرو بن العلاء عشرة حجج فلم أسمعه يحتج ببيت إسلامي قال : وفي أبي عمرو بن العلاء يقول الفرزدق : ما زلت أغلق أبوابا وأفتحها حتى أتيت أبا عمرو بن عَمّار ، قال الأصمعي : سألت أبا عمرو بن العلاء عن قولهم ( أرهبته و رهّبته ) فقال : ليسا سواء ، فقلت : رهّبته فرّقته ، وأرهبته أدخلت الفرق في قلبه ، قال أبو عمرو : ذهب من يعرف هذا منذ ثلاثين سنة .
  وقال ابن مناذر : سألت أبا عمرو بن العلاء حتى متى يحسن بالمرء أن يتعلم ؟ قال : ما دامت الحياة تحسن به .
  وقال أبو عمرو : حدثنا قتادة السدوسي قال : لمّا كتب المصحف عرض على عثمان بن عفان رضي الله عنه فقال : إن فيه لحنا ولتقيمنّه العرب بألسنتها ، وكان أبو عمرو إذا دخل شهر رمضان لم ينشد بيت شعر حتى ينقضي )
  نور القبس المختصر من المقتبس للمزرباني ص25 : ( مرّ الحسن وحلقته متوافرة والناس عكوف ، فقال : من هذا ؟ فقالوا : أبو عمرو ، قال : لا إله إلا الله كاد العلماء أن يكونوا أرباباً ، وقال أبو عمرو : كان سعيد بن جبير إذا رآني بمكة قاعدا مع الشباب ناداني : يا أبا عمرو قم عن هؤلاء وعليك بالشيوخ ‍، ودخل يونس بن حبيب على أولاد أبي عمرو معزيا لهم فقال : ( نعزكم وأنفسنا عمن لا نرى شبها له أخرى الزمان ) والله لو قُسِم عِلمُ أبي عمرو رحمه الله وزهده على مائة إنسان لكانوا علماء زُهاّدا ، والله لو رآه رسول اله صلى الله عليه (وآله) وسلم لسرّه ما هو عليه ).
(2) التفسير الكبير ج22ص73 ط دار الكتب العلمية ،

إعلام الخَلف بمن قال بتحريف القرآن من أعلام السّلف _ 693 _
  فيمن جمع القرآن ودونه وهو التحريف الصريح وهو كفر عند أهل السنة ، وما نقل عنه من كلمات تدل على أنه يرى وقوع التحريف في هذه الآية ، فقد قال الفخر الرازي :
  ( قرأ أبو عمرو وعيسى بن عمر ( إن هذين لساحران ) ، قالوا : هي قراءة عثمان وعائشة وابن الزبير وسعيد بن جبير والحسن رضي الله تعالى عنه ، واحتـج أبو عمرو وعيسى على ذلك بما روى هشام بن عروة عن أبيه عن عائشة رضي الله تعالى عنها أنـها سئلت عن قوله (إِنْ هَذَانِ لَسَاحِرَانِ) وعن قوله (إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَالَّذِينَ هَادُوا وَالصَّابِئُونَ و َالنَّصَارَى) في المائدة وعن قوله (لَكِنْ الرَّاسِخُونَ فِي الْعِلْمِ مِنْهُمْ ـ إلى قوله ـ وَالْمُقِيمِينَ الصَّلاَةَ وَالْمُؤْتُونَ الزَّكَاةَ) فقالت : يا ابن أختي هذا خطأ من الكاتب ، وروي عن عثمان أنه نظر في المصحف فقال : أرى فيه لحنا وستقيمه العرب بألسنتها ) (1) .
  وهاهو يحتج على صحة قراءته المخالفة لكتابة المصحف بادعاء عائشة وقوع التحريف في هذا المكتوب على يد الكتّاب !.
  ويدل بصورة قاطعة على اعتقاده التحريف ما حكاه الإمام أبو عبيد عنه في مجاز القرآن :
  ( (قَالُوا إِنْ هَذَانِ لَسَاحِرَانِ) (طه/63) قال أبو عمرو وعيسى ويونس : ( إن هذين لساحران ) في اللفظ وكُـتب ( هَذَانِ ) كما يزيدون وينقصون في الكتاب ، واللفظ صواب ) (2) .
  لذا يستحق شيخ قراءتـهم وأحد القراء السبعة أن يكفره الوهابيون .
* في الآية خطأ منطقي !
  ( أخرج ابن أبي حاتم عن الأصمعي قال : قرأ أبو عمر ( ويقضي الحق ) وقال : لا يكون الفصل إلا بعد القضاء ) (3).
  أبو عمرو يرى أن الآية الشريفة (إِنْ الْحُكْمُ إِلاَّ لِلَّهِ يَقُصُّ الْحَقَّ وَهُوَ خَيْرُ الْفَاصِلِينَ) (الأنعام/57) معارضة العقل ! ، والصحيح هو قراءته المخالفة لمصحف المسلمين ( ويقضي الحق وهو خير الفاصلين ) !

--------------------
(1) التفسير الكبير للفخر الرازي ج22ص74 ط دار الكتب العلمية .
(2) مجاز القرآن ج2ص21 لأبي عبيدة المتوفى 210ه‍ ، ط دار الفكر ، وعنه في تفسير كتاب الله العزيز للشيخ هود بن محكَّم الهواري ج3ص42 ، وقال الطبري في تفسيره ج16ص137 ط دار الحديث : ( وحدثت عن أبي عبيدة معمر بن المثنى قال : قال أبو عمرو وعيسى بن عمر ، ويونس ( إن هذين لساحران ) في اللفظ وكتب (هَذَانِ) (طه/63)، كما يريدون الكتّاب ).
(3) الدر المنثور ج3ص14.

إعلام الخَلف بمن قال بتحريف القرآن من أعلام السّلف _ 694 _
العلامة الراغب الأصفهاني :
  وهو أحد كبار علماء أهل السنة (1) ، وكتابه مفردات ألفاظ القرآن أشهر من النار على المنار ، وقد عنون في كتابه المحاضرات ما يدل بوضوح على قوله بوقوع التحريف في القرآن نحو هذا العنوان ( ما في القرآن من تغيير الكتابة ) ، وكذا هذا العنوان ( ما سد منه لحناً ) حيث قال :
  ( ( ما في القرآن من تغيير الكتابة ) : كان القوم الذين كتبوا المصحف لم يكونوا قد حذقوا الكتابة فلذلك وضعت أحرف على غير ما يجب أن تكون عليه ، وقيل : لما كتبت المصاحف وعرضت على عثمان وجد فيها حروفا من اللحن في الكتابة ، فقال : لا تغيروها فإن العرب ستغيرها أو ستعبر بـها ، ولو كان الكاتب من ثقيف والمملي من هذيل لم يوجد فيه هذه الحروف .
  ( ما سد منه لحناً ) : سألت عائشة عن لحن القرآن عن قوله (قَالُوا إِنْ هَذَانِ لَسَاحِرَانِ) (طه/63) وعن قوله (وَالْمُقِيمِينَ الصَّلاَةَ وَالْمُؤْتُونَ الزَّكَاةَ) (النساء/162) وعن قوله (إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَالَّذِينَ هَادُوا وَالصَّابِئُونَ) (المائدة/69) ، فقالت : يا ابن أختي هذا عمل الكُـتّاب أخطئوا في الكِتابة ) (2) .
  والوهابية يعتمدون كتاب المفردات للراغب الأصفهاني وهو كافر على مذهبهم !

--------------------
(1) قال محقق كتاب المفردات للراغب الأستاذ صفوان عدنان داوودي في المقدمة ص14-15 ط دار القلم : ( تنازع الناس في عقيدة الراغب ، فقال قوم : هو من المعتزلة ، وقال آخرون : هو من الشيعة ، وقال غيرهم : هو من أهل السنة والجماعة ، والصحيح الذي لا غبار عليه ـ إن شاء الله ـ أنه من أهل السنة والجماعة .
  ويؤيد هذا ما ذكره السيوطي فقال : كان في ظني أنه معتزلي ، حتى رأيت بخط الشيخ بدر الدين الزركشي على ظهر نسخةٍ من (القواعد الصغرى) لابن عبد السلام ما نصه : ذكر الإمام فخر الدين الرازي في (تأسيس التقديس) في الأصول أن أبا القاسم الراغب كان من أئمة السنة وقرنه بالغزالي ، قال : وهي فائدة حسنة ، فإن كثيرا من الناس يظنون أنه معتزلي اه.
  ويتضح هذا أيضا من خلال كتابه (المفردات) حتى نجده يرد على المعتزلة ، فمن ذلك ردُّه على الجبائي شيخ المعتزلة في مادة (ختم) ، وعلى البلخي في مادة (خل) .
  وأيضا فإن الراغب قال في كتاب الاعتقاد : أما رؤية العباد لله عز وجل في القيامة فقد أثبتها الحكماء وأصحاب الحديث كما نطق به الكتاب والسنة ، وبذلك يخالف المعتزلة ـ أقول : والشيعة أيضا ـ المنكرين للرؤية محتجين بقوله تعالى ( لن تراني ) (الأعراف/143) وله ردود أخرى عليهم في كتابه الاعتقاد ، وأما تشيعه فقد أراد الشيعة أن يجعلوه بصفهم ومن جماعتهم نظرا لكثرة علمه وسعة اطلاعه ـ أقول : الشيعة تعتقد أن ظفر إصبع لأحد أئمتهم يبز جميع علماء الدنيا فضلا وشرفا ـ واستدلوا على ذلك بكثرة نقوله عن علي بن أبي طالب رضي الله عنه وأئمة آل البيت ، وهذا ليس بحجة إذ حب آل البيت جاءت به الأخبار الصحيحة ، فإذا ما أحبهم أحد ونقل كلامهم فلا يعني أنه شيعي ـ أقول : هذا صحيح ، وقاله نفس علماء الشيعة ، راجع روضات الجنات للخونساري ـ ، وكثير من العلماء استشهدوا بأقوال آل البيت كالزمخشري مثلا في (ربيع الأبرار) ، والغزالي في (إحياء علوم الدين) ، والفيروزآبادي في (بصائر ذوي التمييز) وغيرهم ولم يقل أحد إنـهم من الشيعة .
  والذي يبطل مزاعمهم أيضا قول الراغب نفسه في رسالة الاعتقاد لما ذكر أهل البدع قال : وأعظمهم فرقتان : فرقة تدبُّ في ضراء ، وتسير حسواً في ارتضاء ، تظهر موالاة أمير المؤمنين ، وبـها إضلال المؤمنين ، يتوصلون بمدحه وإظهار محبته إلى ذم الصحابة وأزواج النبي رضي الله عنهم ، وشهد التنـزيل بذلك لهم ـ أقول : مثلما شهد الله على عائشة وحفصة في سورة التحريم وعلى بعض الصحابة في سورة براءة والمنافقين ! ـ ، ويقولون كلام الله رموز وألغاز لا ينبئ ظاهره عن حق ، ومفهومه عن صدق ، يجعل ذلك من الذرائع إلى إبطال الشرائع ،اه
  وقال أيضا في موضع آخر : والفرق المبتدعة الذين هم كالأصول للفرق الاثنين والسبعين سبعة : المشبَّهة ، ونفاة الصفات ، والقدرية ، والمرجئة ، والخوارج ، والمخلوقية ، والمتشيعة ، فالمشبهة ضلّت عن ذات الله ، ونفاة الصفات في أفعاله ، والخوارج في الوعيد ، والمرجئة في الإيمان ، والمخلوقية في القرآن ، والمتشيعة ضلت في الإمامة ، والفرقة الناجية هم أهل السنة والجماعة الذين اقتدوا بالصحابة – أقول : بالصحابة الذين أمروا أن يتمسكوا بأهل البيت بعد القرآن !
  كل هذا يبين لنا أن الراغب ليس من المعتزلة ولا من الشيعة ، بل من أهل السنة والجماعة ) ، ويكفي للقول بعدم تشيعه مدحه وتفضيله لابن أبي قحافة وابن الخطاب في كتابه المحاضرات .
(2) محاضرات الأدباء ج2ص434 ـ 435 ط دار مكتبة الحياة .

إعلام الخَلف بمن قال بتحريف القرآن من أعلام السّلف _ 695 _
الأزهري ابن الخطيب :
  الشيخ ابن الخطيب هو أحد من ماثل عمله عمل الشيخ النوري في تأليف كتاب يثبت فيه تحريف القرآن المزعوم ، فجمع الروايات وأقوال الصحابة في تحريف القرآن وكافح ابن الخطيب ونافع في كتابه الفرقان ـ الذي حصلنا عليه مؤخرا ـ عن فكرة التحريف وصار يرد على بعض علماء الأزهر ، وسننقل بعض الموارد من كتابه ، قال في فصل ( ما غيّره الحجاج في المصحف ) من كتابه الفرقان :
  ( قد غيّر الحجاج بن يوسف الثقفي في الصحف (1) ، إثنا عشر موضعا :
  كانت في سورة البقرة (لم يتسنّ) فغيرها (لَمْ يَتَسَنَّهْ)( البقرة/259) بالهاء .
  وكانت في سورة المائدة ( شريعة ومنهاجا ) فغيرها (شِرْعَةً وَمِنْهَاجًا) (المائدة/48).
  وكانت في سورة يونس ( هو الذي ينشركم ) فغيّرها (يُسَيِّرُكُمْ) (يونس/22).
  وكانت في سورة يوسف ( أنا آتيكم بتأويله ) فغيرها (أَنَا أُنَبِّئُكُمْ بِتَأْوِيلِهِ )(يوسف/45).
  وكانت في سورة المؤمنين ( سيقولون لله ) فغيرها ِ (سيقولون الله) (المؤمنون/87) ، وفي نفس السورة أيضا ( سيقولون لله ) فغيرها (سيقولون الله) (المؤمنون/89) .
  وكانت في سورة الشعراء ـ في قصة نوح عليه السلام ـ ( من الخرجين ) وفي نفس السورة ـ وفي قصة لوط عليه السلام ـ ( من المرجومين ) فغير التي في قصة نوح وجعلها (مِنْ الْمَرْجُومِينَ) (الشعراء/116)، وجعل التي في قصة لوط (مِنْ الْمُخْرَجِينَ) (الشعراء/167).
  وكانت في سورة الزخرف ( نحن قسمنا بينهم معايشهم ) فغيرها (مَعِيشَتَهُمْ ) (الزخرف/32).
  وكانت في سورة الذين كفروا ( من ماء غير ياسن ) فغيرها ( آسِنٍ ) (محمد/15).
  وكانت في سورة الحديد ( فالذين آمنوا واتقوا ) فغـيّرها (وَأَنْفَقُوا) (الحديد/7).
  وكانت في سورة التكوير ( وما هو على الغيب بظنين ) فغيرها (بِضَنِينٍ) (التكوير/24) .

--------------------
(1) هنا علق ابن الخطيب في هامشه بقوله ( وهو المصحف الذي كتب في عهد عثمان . والحجاج أول من نقط المصحف وشكله ، بأمر من الخليفة عبد الملك بن مروان ).

إعلام الخَلف بمن قال بتحريف القرآن من أعلام السّلف _ 696 _
  سبب ما فعله الحجاج من التغيير : ولم يصنع الحجاج ما صنع إلا بعد اجتهاده وبحثه مع القرّاء والفقهاء المعاصرين له ، وبعد اجماعهم على أن جميع ذلك قد حدث من تحريف الكُتّاب والناسخين (1) ، الذين لم يريدوا تغييرا ولا تبديلا ، وإنما حدث بعض ما حدث لجهلهم بأصول الكتابة وقواعد الإملاء والبعض الآخر لخطأ الكاتب في سماع ما يملى عليه ، والتباسه فيما يتلى عليه .
  ولا يتنافى هذا مع قوله جل شأنه (إِنَّا نَحْنُ نَزَّلْنَا الذِّكْرَ وَإِنَّا لَهُ لَحَافِظُونَ) (الحجر/9) ، لأن المراد بالحفظ مفهوم الألفاظ لا منطوقها (!!) لأن الألفاظ ما صيغت إلا ليستدل بـها على معان مخصوصة قصد بـها أوامر ، ونواه ، وعبادات ، ومعاملات ، وجميعها مصان محفوظ ، مهما تقادم الدهر ، وتطاول العمر ) (2) .
  وقال ابن الخطيب في فصل ( التناقض الموجود في رسم المصحف ) من كتابه الفرقان :
  ( قصور كاتب المصحف في الهجاء : وعلم الله تعالى أن هذا الرسم لم يناقض بعضه بعضا إلا لتوهم الكاتب للمصحف الأوّل (3) وقصوره في فن الـهجاء وخطئه ـ نعم أقوالها واضحة جلية بدون مواربة ، فالحق لا يقبل المحاباة ، ولا المداجاة ـ لأن ذلك الكاتب من البشر ، وسائر البشر يجوز في حقهم السهو ،

--------------------
(1) هذا ابن الخطيب إدعى إجماع علماء أهل السنة على تحريف القرآن في زمن الحجاج ، فهل يلزم الشيعة أهل السنة بـهذا الإجماع الذي الدعاه عالمهم كما ألزم الوهابيون الشيعة بإجماع أطلقه بعض الشيعة ولا أساس له من الصحة ؟! .

(2) الفرقان لابن الخطيب ص50 ـ 52 ط دارالكتب العلمية .
(3) قصد الصحابة الذين كتبوا المصحف .

إعلام الخَلف بمن قال بتحريف القرآن من أعلام السّلف _ 697 _
  والخطأ ، والنسيان ، والقصور ، وقد قال بذلك ، عائشة ، وابن عباس ، وغيرهما من فضلاء الصحابة الذين أخذنا عنهم الشريعة ، الدين ، والقرآن ) (1) .
  وقال ابن الخطيب في موضع آخر : ( وليس ما قدمناه من لـحن الكُتّاب في المصحف بضائره ، أو بمشكك في حفظ الله تعالى له ، بل إن ما قاله ابن عباس وعائشة وغيرهما من فضلاء الصحابة وأجلاء التابعين ، أدعى لحفظه وعدم تغييره وتبديله (2) .
  جواز الخطأ على كُتّاب المصحف : ومما لا شك فيه أن كُتّاب المصاحف من البشر ، ويجوز عليهم ما يجوز على سائرهم من السهو والغفلة والنسيان ، والعصمة لله وحده ، وقد اختلفوا في عصمة الأنبياء ، والقول الراجح أنـهم معصومون فيما يتعلق برسالاتـهم فقط ، أما ما عداها فشأنـهم كشأن بقية البشر ، ومثل لـحن الكُتّاب كلحن المطابع ، فلو أن إحدى المطابع طبعت مصحفا به بعض الخطأ ـ وكثيرا ما يقع هذا ـ وسايرها على ذلك بعض قرّاء هذا المصحف ، لم يكن ذلك متعارضا مع حفظ الله تعالى له وإعلائه لشأنه ) (3) .
  قال ابن الخطيب في الفرقان : ( قول عثمان بأن في كتابة المصحف لـحنا : وقد جاء أن عثمان قال ـ حين عرض عليه المصحف في كَتْـبَتِهِ الأخيرة ـ : أرى فيه لـحنا ، وستقيمه العرب بألسنتها ، ولا شك أن عثمان يقصد بذلك اللحن الذي ستقيمه العرب بألستنها : الخطأ البادي في الهجاء ، والتناقض الموجود في رسم المصحف القديم .
  قول عائشة بخطأ كاتب المصحف الأول : روى أبو معاوية عن هشام بن عروة عن أبيه عن عائشة أم المؤمنين أنـها قالت : ثلاثة أحرف في كتاب الله هي خطأ من الكاتب ( إِنْ هَذَانِ لَسَاحِرَانِ) (طه/63) ، و (إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَالَّذِينَ هَادُوا وَالصَّابِئُونَ) (المائدة/69)، و (لَكِنْ الرَّاسِخُونَ فِي الْعِلْمِ مِنْهُمْ وَالْمُؤْمِنُونَ يُؤْمِنُونَ بِمَا أُنزِلَ إِلَيْكَ وَمَا أُنزِلَ مِنْ قَبْلِكَ وَالْمُقِيمِينَ الصَّلاَةَ وَالْمُؤْتُونَ الزَّكَاةَ ) (النساء/162).
  أما وقد ثبت لنا الآن من قول عائشة (رضها) ومن قول كثير من فضلاء الصحابة : خطأ الكاتب للمصحف الأول ، فلا معنى للتمسك بـهذا الرسم ، الذي ثبت خطؤه بقول الرسول عليه الصلاة والسلام ، وقول عثمان (رض) ، وقول عقلاء الأمة وأدبائها ومفكريها ، وقد كان هذا الرسم سببا في خطأ بعض القراء المشهورين ، كما سنبينه في الفصول القادمة إن شاء الله تعالى ) (4) .

--------------------
(1) الفرقان لابن الخطيب ص83-84 ط دار الكتب العلمية .
(2) بزعم أن هؤلاء الصحابة والتابعين قد أرشدونا إلى أماكن الخطأ واللحن .
(3) الفرقان لابن الخطيب ص45 ـ46 ط دار الكتب العلمية ، أقول : لكنه نسي أو تناسى أن الخطأ الذي زعمه في مصحفنا هو الثابت والأصل الذي لا يوجد له أصل آخر نرجع إليه ، فصار الخطأ ـ بزعمه ـ صحيحا في نظر المسلمين وهذا هو التحريف ، وليس الأمر كالخطأ العارض لنسخة منه في أي مطبعة !!
(4) الفرقان لابن الخطيب ص90 ـ 91 ، ط دار الكتب العلمية .

إعلام الخَلف بمن قال بتحريف القرآن من أعلام السّلف _ 698 _
من ستر عليه ابن الأنباري من علماء أهل السنة
  قال أحد علماء أهل السنة بوقوع التحريف في القرآن وكان له من الشهرة ما أمكن ضبط كلماته في تحريف القرآن بكل دقة وإتقان ، وقد كان متصديا لإمامة الناس في الصلاة ويؤثر إمامتهم بالقراءات الشاذة التي قرأ بـها الصحابة ، وقد شنع عليه الإمام أبو بكر بن الأنباري وذكره في كتابه ، ولكنه تستر على اسمه وصار ينكل به من غير تصريح حتى لا يستفحل الأمر وتفوح الرائحة ، قال :
  ( فزعم أن المصحف الذي جمعه عثمان رضي الله عنه ـ باتفاق أصحاب رسول الله صلى الله عليه (وآله) وسلم على تصويبه فيما فعل (1) ـ لا يشتمل على جميع القرآن ، إذ كان قد سقط منه خمسمائة حرف وقد قرأت ببعضها وسأقرأ ببقيتها فمنها ( والعصر ونوائب الدهر ) فقد سقط من القرآن على جماعة المسلمين ( ونوائب الدهر ) (2) .
  ومنها ( حتى إذا أخذت الأرض زخرفها وازينت وظن أهلها أنـهم قادرون عليها أتاها أمرنا ليلا أو نـهارا فجعلناها حصيداً كأن لم تغن بالأمس وما كان الله ليهلكها إلا بذنوب أهلها ) فادعى هذا الإنسان أنه سقط على أهل الإسلام من القرآن ( وما كان الله ليهلكها إلا بذنوب أهلها ) (3) وذكر مما يدعي حروفا كثيرة .
  وادعى أن عثمان والصحابة رضي الله عنهم زادوا في القرآن ما ليس فيه ، فقرأ في صلاة المغرب والناس يسمعون ( الله الواحد الصمد ) فأسقط من القرآن ( قل هو ) وغيّر لفظ ( أحد ) وادعى أن هذا هو الصواب والذي عليه الناس هو الباطل والمحال ، وقرأ في صلاة الفرض ( قل للذين كفروا لا أعبد ما تعبدون ) وطعن في قراءة المسلمين .
  وادعى أن المصحف الذي في أيدينا اشتمل على تصحيف حروف مفسدة مغيرة منـها (إِنْ تُعَذِّبْهُمْ فَإِنَّهُمْ عِبَادُكَ وَإِنْ تَغْفِرْ لَهُمْ فَإِنَّكَ أَنْتَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ) (المائدة/118) فادعى أن الحكمة والعزة

--------------------
(1) قد مر أن هذا القول باطل لعدم الدليل عليه ولموقف ابن مسعود الرافض لهذا الجمع ولمن جمعه .
(2) بصريح رواياتـهم أن هذه قراءة الإمام علي عليه السلام وقراءة عبد الله بن مسعود وإبراهيم النخعي وعبد الله بن عتبة بن مسعود .
(3) وتنص رواياتـهم على أنـها قراءة لسيد القراء أبي بن كعب وحبر الأمة ابن عباس ومروان بن الحكم .

إعلام الخَلف بمن قال بتحريف القرآن من أعلام السّلف _ 699 _
  لا يشاكلان المغفرة ، وأن الصواب ( وإن تغفر لـهم فإنك أنت الغفور الرحيم ) ، وترامى في الغي وهذا وأشكاله حتى ادعى أن المسلمين يصحّفون (وَكَانَ عِنْدَ اللَّهِ وَجِيهًا) (الأحزاب/69)، والصواب الذي لم يغيّره عنده ( وكان عبدا لله وجيها ) ، وحتى قرأ في صلاة مفترضة على ما أخبرنا جماعة سمعوه وشهدوه (1) ( لا تحريك به لسانك إنا علينا جمعه وقراءته فإذا قرآناه فاتبع قراءته ثم إن علينا نبأ به ) وحكى لنا آخرون عن آخرين أنـهم سمعوه يقرأ ( ولقد نصركم الله ببدر بسيف عليّ وأنتم أذلة ) ويروي هؤلاء أيضا لنا عنه قال ( هذا صراط على مستقيم ) ).
  ( وادعى أن عثمان رضي الله عنه لما أسند جمع القرآن إلى زيد بن ثابت لم يصب ، لأن عبد الله بن مسعود وأبي بن كعب كانا أولى بذلك من زيد لقول النبي صلى الله عليه (وآله) وسلم ( أقرأ أمتي أبي بن كعب ) ولقوله عليه السلام ( من سرّه أن يقرأ القرآن غضاً كما أنزل فليقرأه بقراءة ابن أم عبد ) (2) ، وقال هذا القائل : لي أن أخالف مصحف عثمان كما خالفه أبو عمرو بن العلاء فقرأ ( إن هذين ) ، ( فأصدق وأكون ) ، ( وبشر عباديَ الذين ) بفتح الياء ، (فما آتانيَ الله ) بفتح الياء ، والذي في المصحف (إِنْ هَذَانِ) (طه/63)، بالألف ، (فَأَصَّدَّقَ وَأَكُنْ) (المنافقون/10)، بغير واو ، (فَبَشِّرْ عِبَادِ) (الزمر/17) ، بغير باءين في الموضعين ، وكما خالف ابن كثير ونافع وحمزة والكسائي مصحف عثمان فقرؤوا ( وكذلك حقا علينا نُنْج المؤمنين ) بإثبات نونين يفتح الثانية بعضهم ويسكنها بعضهم ، وفي المصحف نون واحدة ، وكما خالف حمزة المصحف فقرأ ( أتَمدُّونِ بمال ) بنون واحدة ووقف على الياء ، وفي المصحف نونان ولا ياء بعدهما ، وكما خالف حمزة أيضا المصحف فقرأ ( ألا أن ثمودا كفروا بربـهم ) بغير تنوين واثبات الألف يوجب التنوين ، وكل هذا الذي شنع به على القراء ما يلزمهم به خلافٌ للمصحف ).
  ( وقد وجدنا هذا الإنسان زاد فيها ( وكفى الله المؤمنين القتال بعلي وكان الله قويا عزيزا ) فقال في القرآن هجرا وذكر علياً في مكان لو سمعه يذكره فيه لأمضى عليه الحد وحكم عليه بالقتل ) (3) .

--------------------
(1) إمامته للناس في الصلاة ومعرفته بشواذ القراءات وأسماء الله وصفاته ، كلها تدل على أنه كان ذا مرتبة علمية وعلى دراية بما يقول .
(2) وهذا قول كل عاقل عندما يرى إسناد عثمان جمع القرآن لزيد وفي الصحابة العلماء الأجلاء كأبي وابن مسعود وغيرهم من خبراء القرآن ، ورأي عالمهم هو رأي ابن مسعود فلماذا اختص النكير بـهذا العالم !
(3) الجامع لأحكام القرآن للقرطبي ج1ص81 ـ 84 ط إحياء التراث العربي .

إعلام الخَلف بمن قال بتحريف القرآن من أعلام السّلف _ 700 _
  وغفل ابن الأنباري أن هذه الزيادة ( بعلي ) هي قراءة لابن مسعود ، وقد قلد عالمهم فيها هذا الصحابي ، فكان من الأجدر لابن الأنباري أن يوجه سيف أمير المؤمنين عليه السلام إلى عنق ابن مسعود لا إلى هذا المسكين ! (1) .
  والأدهى أن هذا العالم كان له أنصاره أيضا ، ويدل عليه قول ابن الأنباري : ( ويقال لـهذا الإنسان ومن ينتحل نصرته أخبرونا عن القرآن … ألخ ) (2) .

--------------------
(1) حاول أحد الوهابية وهو المتناقض (ناصر.ق) نفي هذه الطامة عن مذهب أهل السنة فرماها في عنق الشيعة من باب أفضل الدفاع الهجوم ! ، فقال إن هذا الرجل شيعي المذهب لأن كان يقرأ هكذا ( ولقد نصركم الله ببدر بسيف علي وأنتم أذلة ) ، فقال في أصول مذهب الشيعة ج1ص204 بعد أن ذكر مقطعا من أول كلام ابن الأنباري ومحل الشاهد فقط : ( هذا النص قاله ابن الأنباري المولود سنة 271ه‍ وهو يشير إلى أن هذا الافتراء بدأ في زمنه أي في نـهاية القرن الثالث وبداية القرن الرابع ، ويدل النص المذكور أيضا على : أن مصدر هذا الافتراء من طائفة الشيعة كما تفيده تلك الزيادة المفتراه ( بسيف علي ) ، كما يدل على أنه لم يكن للأمة المسلمة في ماضيها عهد بـهذه المفتريات حتى ظهر هذا الزائغ عن الملة ، وكأن ابن الأنباري بـهذا يشير إلى شخص بعينه إلا أنه لم يذكر إسمه ولكن بدت هويته المذهبية من خلال افتراءاته ) .
  أقول : حسب الوهابي أن كل من يقرأ ( بعلي ) فهو من الشيعة ! ، وقد مر أن ابن مسعود كان يقرأ بـهذه الزيادة في ( وكفى الله المؤمنين القتال بعلي وكان الله قويا عزيزا ) ولم يكن شيعيا كما يعتقد الوهابي !! ، ولو كان هذا الرجل شيعيا كما زعم الوهابي لما كان هناك أي مجال لتستر ابن الإنباري وإخفاء اسمه ، وبالنظر في كلمات هذا الشخص المجهول ونقله للروايات يعلم بعدم تشيعه ، فالشيعة ملتزمون بأقوال أهل البيت عليهم السلام فلو كان شيعيا لقرأ بالزيادات الموجودة في كتب الشيعة المنسوبة لأهل البيت عليهم السلام لا أن يقرأ بالزيادات التي جاءت في كتب أهل السنة وعن الصحابة كابن مسعود الذي ذمت قراءته كما حكته رواية الكافي !! ، وما يثبت قوة هذا الوجه أن الوهابي أخفى ذكر كل هذه الموارد واقتصر على القراءة التي فيها ( بعلي ) حتى لا ينكشف كذبه ، ثم كيف يقول أن أبي بن كعب وابن مسعود كانا أولى بجمع القرآن من زيد ويترك علي بن أبي طالب عليه السلام ، فهل هذا شيعي ؟!
  ثم أين هذه الروايات في مصادر الشيعة ( أقرأ أمتي أبي بن كعب ) ؟! ، وهذه ( من سرّه أن يقرأ القرآن غضاً كما أنزل فليقرأه بقراءة ابن أم عبد ) مع أن رواية الكافي قالت عن ابن مسعود أنه ضال في إنكاره للمعوذتين ؟! ، ثم أليس قد زعم الوهابي ـ المتناقض دوما ـ أن كلام ابن الأنباري واضح في أن القول بتحريف القرآن قد بزغ في زمنه ومن خصوص هذا الشخص فزعم الوهابي أنه من الشيعة ، فكيف يرجع ويقول بعدها مباشرة أن تحريف القرآن كان عند الشيعة قبل هذا الزمن بحوالي مائة سنة ؟! بل أكثر من ذلك فإن الكليني وشيخه القمي رضوان الله تعالى عليهما اللذين نسب لـهم الوهابي تحريف القرآن قد توفيا قبل منتصف القرن الثالث أي قبل أن يبزغ هذا القائل بتحريف القرآن ، أفلا يدل هذا على أن الأمر الذي حدث وبزغ في زمن ابن الأنباري ليس من نتاج الشيعة لأنـهم قالوا به مسبقا ؟! سبحانك يا معطي العقول !.
  ثم يقول الوهابي المتناقض بعد كلامه السابق : ( بينما نجد الملطي ت 377ه‍ يشير إلى أن هذا الشخص صاحب هذه الفرية هو هشام بن الحكم ، فزعم أن القرآن الذي في أيدي الناس وضع أيام عثمان ، وأما القرآن فقد صعد به إلى السماء لردة الصحابة بزعمه ، ولكن هشام بن الحكم توفي سنة 190ه‍ وهذا يعني أن هذا الافتراء أقدم مما ذكره ابن الأنباري ) ! ، فها قد اعترف بالضمن أن الذي بزغ ليس من الشيعة لأنه قال إن تحريف القرآن عند الشيعة كان أقدم مما ذكره ابن الأنباري وقد أقر مسبقا أن كلام ابن الأنباري يدل على أن ما جاء به هذا المحرف لم تعرفه الأمة من قبل !
  وهلا قال لنا المتناقض كيف ادعى أن الملطي أشار إلى أن الرجل الذي ذكره ابن الأنباري هو هشام بن الحكم ؟! ، ثم أنظر كيف نفى ذلك بعد أن جزم به !! ، فما معنى ( نجد الملطي يشير إلى أن هذا الشخص صاحب هذه الفرية هو هشام بن الحكم ) ؟! هل هو قص ولصق ؟! ، وهذا بلا ريب كذب على هشام لأن هشام بن الحكم لم يكن يرى أن القرآن رفع إلى السماء وما عندنا ألفه الصحابة ! ، واستدلالات هشام بالقرآن في كتب أهل السنة فضلا عن كتب الشيعة شاهدة على كذب هذه الدعوى ،
  وهاك مثالا ذكرته كتب الفقه عند أهل السنة في خصوص مسألة طلاق الحائض ، قال ابن قدامة الحنبلي في المغني ج8ص237 ـ 238 : ( فان طلق للبدعة وهو أن يطلقها حائضا أو في طهر أصابـها فيه أثم ووقع طلاقه في قول عامة أهل العلم ، قال ابن المنذر وابن عبد البر لم يخالف في ذلك إلا أهل البدع والضلال ، وحكاه أبو نصر عن ابن علية وهشام بن الحكم والشيعة قالوا : لا يقع طلاقه لأن الله تعالى أمر به في قبل العدة فإذا طلق في غيره لم يقع ، كالوكيل إذا أوقعه في زمن أمره موكله بإيقاعه في غيره ، ولنا حديث ابن عمر أنه طلق امرأته وهي حائض فأمره النبي صلى الله عليه وسلم أن يراجعها وفي رواية الدارقطني قال فقلت يا رسول الله ـ اللهم صل على محمد وعلى آل محمد ـ أ فرأيت لو أني طلقتها ثلاثا أكان يحل لي أن أراجعها ؟ قال : لا كانت تبين منك وتكون معصية ) اه ، فها هو هشام قد استدل بقول الله عز وجل على فساد طلاق الحائض وهو قوله تعالى (يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ إِذَا طَلَّقْتُمْ النِّسَاءَ فَطَلِّقُوهُنَّ لِعِدَّتِهِنَّ ) (الطلاق/1) فكيف يقال أنه يعتقد أن القرآن رفع والصحابة اخترعوا قرآنا آخر ؟! ، والملطي هذا من نفس فصيلة الوهابية ! فانظر بماذا ختم كذبه على المذهب الذي ينتسب له هشام بن الحكم ، قال في التنبيه والرد ص32 : ( واعلموا رحمكم الله أن في الرافضة اللواط ، والأبنة ، والحمق ، والزنا ، وشرب الخمر ، وقذف المؤمنين والمؤمنات ، والزور ، والبهت وكل قاذورة ليس لهم شريعة ولا دين ) ، وعلى مثل هذا فليعول أهل الحق والإنصاف !
  ومن باب التنبيه أقول إن كتاب أصول مذهب الشيعة لـهذا الوهابي قد وصلني بعد أن فرغت من كتابة هذا الكتاب تماما وكنت على عجلة من أمري ، فأحببت أن أبين بعض السخافة التي فيه فاتضح بالتصفح السريع أنه مليء بالمتناقضات التي لو تصدى المرء لبيانـها لأتى على مجلدات تفوق كتابه أضعافا مضاعفة ، فأرجو من الله عز وجل أن يقيض له من يبين جميع تناقضاته وكذبه في النقل وسقم فهمه للنصوص ، إنه سميع مجيب .
(2) الجامع لأحكام القرآن للقرطبي ج1ص85.