قال الكاشاني الحـنفي : ( أما حديث عائشة رضي الله عنها فقد قيل أنه لم يثبت عنها وهو الظاهر فإنه روي أنـها قالت توفي النبي صلى الله عليه (وآله) وسلم وهو مما يتلى في القرآن فما إلى نسخه سبيل ولا نسخ بعد وفاة النبي صلى الله ، ولا يحتمل أن يقال ضاع شيء من القرآن ولهذا ذكر الطحاوي في اختلاف العلماء أن هذا حديث منكر ، وإنه من صيارفة الحديث … ) (1) .
  قال أبو المحاسن الحنفي : ( فإن قيل فقد روي عن عائشة أن الخمس رضعات توفي رسول الله صلى الله عليه وسلم وهن مما يقرأ من القرآن فالجواب ... مع أنه محال لأنه يلزم أن يكون بقي من القرآن ما لم يجمعه الراشدون المهديون ولو جاز ذلك لاحتمل أن يكون ما أثبتوه فيه منسوخا وما قصروا عنه ناسخا فيرتفع فرض العمل به ونعوذ بالله من هذا القول وقائليه ) (2) .
  قال في مباني المعاني : ( فإنه كيف يتوهم أن يكون الناسخ والمنسوخ قد نزلا معاً حتى كتبا جميعاً في جُليدٍ فأكلتهما الداجن ؟ فإن قول القائل إنـهما كتبا في رقعة واحدة منفردة عن غيرهما يشير إلى نزولهما معاً حتى اتفق كتابتهما معاً في موضع واحد دون سائر المواضع ، ولئن كان الذي أكله الداجن أحدهما دون الآخر ، وبقي الآخر ، فما بال المسلمين ما سمعوا شيئا من ذلك من رسول الله صلى الله عليه (وآله) وسلم حتى تفردت عائشة رضي الله عنها بسماعه وتغافلت عنه إلى أن أكله الداجن ، هذا والله البعيد الذي لا يتوهم ، ثم إن كثيراً من الأخبار قد نقلها قوم يحبّون نقل الغريب والشهرة به ، والافتخار بما يؤخذ عنهم دون غيرهم من غير أن يصح أصله أو يعتمد على نقله ، وما كان بـهذه المنـزلة فلا معترض به على كتاب الله عز وجل ) (3) .
  قال أبو جعفر النحاس : ( وأما قول من قال : إنّ هذا كان يقرأ بعد وفاة رسول الله صلى الله عليه وآله فـعظيم ، لأنه لو كان ممّا يقرأ لكانت عائشة قد نبّهت عليه ، ولكان قد نقل إلينا في المصاحف التي نقلها جماعة التي لا يجوز عليهم الغلط وقد قال الله تعالى ( إِنَّا نَحْنُ نَزَّلْنَا الذِّكْرَ وَإِنَّا لَهُ لَحَافِظُونَ ) ( الحجر / 9 )، وقال ( إِنَّ عَلَيْنَا جَمْعَهُ وَقُرْآنَهُ ) ( القيامة / 17 )، ولو كان بقي منه شيء لم ينقل إلينا لجاز أن يكون ممّا لم ينقل ناسخاً لما نقل فيبطل العمل بما نقل ونعوذ بالله من هذا فإنه كفر ) (4) .

--------------------
(1) بدائع الصنائع ج4 ص 7 .
(2) معتصر المختصر ج1ص321.
(3) مقدمتان في علوم القرآن ص89ـ90 .
(4) الناسخ والمنسوخ لأبي جعفر النحاس ص11 .

إعلام الخَلف بمن قال بتحريف القرآن من أعلام السّلف _502 _
  قال الطحاوي : ( وهذا مما لا نعلم أحد رواه كما ذكرنا غير عبد الله بن أبي بكر وهو عندنا وهـمٌ منه أعني ما فيه مما حكاه عن عائشة أن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم توفي وهن مما يقرأ من القرآن لأن ذلك لو كان لذلك لكان كسائر القرآن ولجاز أن يقرأ به في الصلوات وحاشا لله أن يكون كذلك أو يكون قد بقي من القرآن ما ليس في المصاحف التي قامت بـها الحجة علينا وكان من كفر بحرف مما فيها كان كافرا ولكان لو بقي من القرآن غير ما فيها لجاز أن يكون ما فيها منسوخاً لا يجب العمل به وما ليس فيها ناسخ يجب به وفي ذلك ارتفاع وجوب العمل بما في أيدينا مما هو القرآن عندنا ونعوذ بالله من هذا القول ممن يقوله ) (1) .
  وقال في موضع آخر : ( ومما يدل على فساد ما قد زاده عبد الله بن أبي بكر على القاسم بن محمد ويحيى بن سعيد في هذا الحديث أنا لا نعلم أحدا من أئمة أهل العلم روى هذا الحديث عن عبد الله بن أبي بكر غير مالك بن أنس ثم تركه مالك فلم يقل به وقال بعده إلى أن قليل الرضاع وكثيره يحرم ولو كان ما في هذا الحديث صحيحاً أن ذلك في كتاب الله لكان مما لا يخالفه ولا يقول بغيره ) (2) .
  وقال النيسابوري : ( وأما ما حكي أن تلك الزيادة كانت في صحيفة في بيت عائشة فأكلتـها الداجن فمن تأليفات المبتدعة ) (3) ، الرواية في صحيح مسلم ، ويقول من تأليفات المبتدعة !!
  وقال العلامة الزرقاني : ( وقال ابن عبد البر : وبه تمسك الشافعي لقوله لا يقع التحريم إلا بخمس رضعات تصل إلى الجوف ، وأجيب بأنه لم يثبت قرآنا وهي قد أضافته إلى القرآن واختلف عنها في العمل به فليس بسنة ولا قرآن وقال المازري لا حجة فيه لأنه لم يثبت إلا من طريقها والقرآن لا يثبت بالآحاد فإن قيل إذا لم يثبت أنه قرآن بقي الاحتجاج به في عدد الرضعات لأن

--------------------
(1) مشكل الآثار للطحاوي ج3 ص 6 ط دار صادر .
(2) ن.م ج3ص8 ، أقول : لم يأخذ إمام المالكية بـهذه الرواية ولا اعتمد عليها في فقهه ، وهذه رواية الموطأ ج2ص608ح1270: ( عبد الله بن أبي بكر بن حزم عن عمرة بنت عبد الرحمن عن عائشة زوج النبي صلى الله عليه (وآله) وسلم أنـها قالت : كان فيما أنزل من القرآن عشر رضعات معلومات يحرمن ثم نسخن بخمس معلومات فتوفي رسول الله صلى الله عليه (وآله) وسلم وهو فيما يقرأ من القرآن ، قال يحيى : قال مالك : وليس على هذا العمل ) ، وذيل الكلام صريح في أن مالك بن أنس لم يعتمد الرواية وقد جاء في فقه مالك في كتاب المدوّنة الكبرى ج2ص405 ما يؤكد عدم التزامه بما أخرجه في موطئه من رواية عائشة : ( قلت لعبد الله بن القاسم : أتحرّم المصة والمصّتان في قول مالك قال : نـعـم ) ، مع أن مسلم بن الحجاج قد روى رواية عائشة في صحيحه عن مالك بن أنس نفسه !
(3) غرائب القرآن ورغائب الفرقان للعلامة نظام الدين النيسابوري بهامش تفيسر الطبري ج21 ص81 ط دار المعرفة .

إعلام الخَلف بمن قال بتحريف القرآن من أعلام السّلف _ 503 _
  المسائل العملية يصح التمسك فيها بالآحاد قيل هذا وإن قاله بعض الأصوليين فقد أنكره حذاقهم لأنـها لم ترفعه فليس بقرآن ولا حديث وأيضا لم تذكره على أنه حديث ) (1) .
  وقال الشيخ الجزيري : ( ليس في حديث عائشة ما يدل على نسخ خمس رضعات فلماذا لا تكون قد سقطت كما يقول أعداء الدين ؟ ومع التسليم أن فيه ما يدل فما فائدة نسخ اللفظ مع بقاء الحكم ؟ ومع التسليم أن له فائدة ، فما الدليل الذي يدل على أن اللفظ قد نسخ وبقي حكمه ؟ ) (2) .
  وقال الأستاذ محمد رشيد رضا : ( الحق لا يظهر لهذا النسخ حكمة ، ولا يتفق مع ما ذكر من العلة ، وأن رد هذه الرواية عن عائشة لأهون من قبولها مع عدم عمل جمهور من السلف والخلف بـها كما عملت ، فإن لم نعتمد روايتها فلنا أسوة بمثل البخاري (3) ، وبمن قال باضطرابـها خلافاً للنووي وإن لم نعتمد معناها فلنا أسوة بمن ذكرنا من الصحابة والتابعين ومن تبعهم في ذلك كالـحنفية وهي عند مسلم من رواية عمرة عن عائشة ، أو ليس رد رواية عمرة وعدم الثقة بـها أولى من القول بنـزول شيء من القرآن لا تظهر له حكمة ولا فائدة ثم نسخه وسقوطه أو ضياعه فإن عمرة زعمت أن عائشة كانت ترى أن الخمس لم تنسخ وإذا لم نعتد بروايتها وإذا كان الأمر كذلك فالمختار التحريم بقليل الرضاع وكثيره إلا المصة والمصتين إذ لا تسمى رضعة ولا تؤثر في الغذاء ) (4) .
  قال الشيخ العريض : ( وقال الأستاذ السايس : ما رواه مالك وغيره عن عائشة أنـها قالت : كان فيما أنزل الله في القرآن عشر رضعات … الخ ، حديث لا يصح الاستدلال به ، لاتفاق الجميع على أنه لا يجوز نسخ تلاوة شيء من القرآن بعد وفاته صلى الله عليه (وآله) وسلم وهذا هو الخطأ الصراح ) (5)
  ثم علّق عليه : ( وهذا هو الصواب الذي نعتقده ، وندين الله عليه ، حتى نقفل الباب على الطاعنين في كتاب الله تعالى من الملاحدة والكافرين ، الذين وجدوا من هذا الباب نقرة يلجون منها إلى الطعن في القرآن الكريم ، حتى ننـزه كتاب الله تعالى عن شبهة الحذف والزيادة بأخبار

--------------------
(1) شرح الزرقاني ج3ص321.
(2) الفقه على المذاهب الأربعة لعبد الرحمن الجزيري ج4 ص257ـ257 ط مكتبة الإستقامة السادسة في مصر .
(3) لاحظ أسلوبه في امتصاص غضب القارئ واستشفاعه برأي البخاري كي يتحرز من مغبة إبطاله لـحديث صحيح مسلم !
(4) تفسير المنار ج4ص473 للأستاذ محمد رشيد رضا ط دار المنار 1365ه‍ .
(5) فتح المنان ص216ـ217 .

إعلام الخَلف بمن قال بتحريف القرآن من أعلام السّلف _ 504 _
  الآحاد ، فما لم يتواتر في شأن القرآن اثباتاً وحذفاً لا اعتداد به ، ومن هذا الباب نسخ القرآن بالسنة الآحادية ، بل حتى المتواترة عند بعضهم ، ونرفض كل ما ورد من الروايات في هذا الباب ، وما أكثرها كما ورد في بعض الأقوال عن سورة الأحزاب وبراءة وغيرها ) (1) .
  وقال الأستاذ محمد مصطفى شلبي : ( والثاني طريقه مضطرب أيضاً لأنه جاء في بعض رواياته : كان فيما نزل من القرآن عشر رضعات يحرمن ثم نسخن بخمس رضعات يحرمن ، وتوفي رسول الله وهن فيما يقرأ من القرآن ، فقبول ذلك يؤدي إلى الطعن في القرآن بأنه ضاع منه شيء ، ويرد هذا كفالة الله بحفظه ، وإجماع الأمة على أن القرآن الذي توفي رسول الله صلى الله عليه (وآله) وسلم عنه لم يضع منه حرف واحد ) (2) .
  وقال الدكتور مصطفى زيد : ( وفي الروايات التي تذكر أنه قال قد نسخ لفظ التحريم بخمس رضعات و بقي حكمها معمولاً به ـ وهي مروية عن عائشة رضي الله عنها –ـ كثير من الاضطراب ، يحملنا على رفضها من حيث متنها ، ومن ثم يبقى منسوخ التلاوة باق الحكم مجرد فرض ، لم يتحقق في واقعة واحدة ، ولـهذا نرفضه ، ونرى أنه غير معقول و لا مقبول ) (3) .
  ولا أدري كيف تصدر منهم هذه الكلمات مع أنـهم يرون صحة كل ما كتبه مسلم ؟! أم أن الرواية صحيحة إلى عائشة وهي تقول بتحريف القرآن في نظرهم ؟!
  وبعد أن نقلنا بعضا من كلمات علمائهم الذين رفضوا مضمون الرواية ، نقول : حتى لو لم تقل عائشة ( وهن فيما يقرأ من القرآن ) ، فإن الرواية تبقى صريحة في أن عائشة تدّعي أن هناك آيتين من القرآن غير موجودتين في المصحف ، فلو أخذوا بادعاء عائشة أن تلك الجملتين من القرآن ، فقد ثبت تحريفهم للقرآن بالزيادة لأنـهم ألحقوا بالقرآن آيتين لم يتواتر نقلهما كقرآن ، وما لم يتواتر فليس من القرآن قطعا .

--------------------
(1) فتح المنان ص 219 .
(2) أصول الفقه الإسلامي ص554ـ555 ، للأستاذ محمد مصطفى شلبي أستاذ ورئيس قسم الشريعة بالجامعة العربية .
(3) النسخ في القرآن الكريم للدكتور مصطفى زيد ـ دراسة تشريعية تاريخية نقدية ـ ج1ص283ـ284 مسألة رقم 388و389و 392 ، أقول : عدد من رفض رواية مسلم قليل بالنسبة لبقية علماء أهل السنة ، فأن المناقشة في صحة أي حديث أخرجه البخاري ومسلم في كتابيهما يعتبر من اتباع غير سبيل المؤمنين ! حتى وإن كان الحديث يطعن في كتاب الله عز وجل ! نعوذ بالله من الخذلان .

إعلام الخَلف بمن قال بتحريف القرآن من أعلام السّلف _ 505 _
  ثم لنفرض أنـهم أثبتوا تواتر قرآنيتهما ـ ولن يثبتوا ـ فحينئذ يثبت تحريفهم للقرآن بالنقص منه لأن المصحف لا يحتوي تلك الآيتين ! فإن قيل نسخت تلاوة فنقول : سلمنا ، ولكن أين تواتر نسخها ؟! وحيث لا تواتر ، فقد أثبت أهل السنة قرآنا غير موجود في المصحف ولم ينسخ ، وما هو إلا التحريف الصريح .
شيء من تسترهم على طامة عائشة !
  قال ابن حجر العسقلاني في الدراية في تخريج أحاديث الهداية : ( وفي الباب عن عائشة قالت أنزل في القرآن عشر رضعات معلومات فنسخ من ذلك خمس وصار إلى خمس رضعات فتوفى رسول الله صلى الله عليه وسلم والأمر على ذلك أخرجه مسلم ) (1).
  قال الزيلعي الحنفي في نصب الراية : ( ومن أحاديث الخصوم أيضا ما أخرجه مسلم أيضا عن عائشة قالت : أنزل في القرآن عشر رضعات معلومات فنسخ من ذلك خمس وصار الى خمس رضعات فتوفي رسول الله صلى الله عليه وسلم والأمر على ذلك انتهى ) (2) .
  قال ابن قدامة الحنبلي في المغني : ( وجه الأولى ما روي عن عائشة أنـها قالت : أنزل في القرآن عشر رضعات معلومات يحرمن فنسخ من ذلك خمس وصار إلى خمس رضعات معلومات يحرمن فتوفي رسول الله صلى الله عليه وسلم والأمر على ذلك رواه مسلم ) (3) .
  فهل ما أخرجه مسلم في صحيحه هو ( والأمر على ذلك ) أم ( وهن فيما يقرأ من القرآن ) ؟! ، لولا أنـهم محرجون من قول عائشة لما تستروا عليه .

--------------------
(1) الدراية في تخريج أحاديث الهداية ج2ص68.
(2) نصب الراية ج3ص218.
(3) المغني ج8ص138.

إعلام الخَلف بمن قال بتحريف القرآن من أعلام السّلف _ 506 _
الشيعة المساكين !
  أحد علمائهم ضجر من قول عائشة ، فقام مشمرا عن ساعده ليلقي رواية عائشة بعنق الشيعة حيث اتـهمهم مع الملاحدة بوضعها وتأليفها ! ، قال القرطبي المؤدب : ( وأما ما يحكى من أن تلك الزيادة كانت في صحيفة في بيت عائشة فأكلتها الداجن فمن تأليف الملاحدة والروافض ) (1) .
 أقول : يا ليت القرطبي هذا يترك عادته من رمي الكلام على عواهنه حينما يتكلم عن الشيعة ، فأين داجن عائشة في كتب الشيعة ؟! أم قصد أن ابن ماجة والطبراني وابن حزم الذين أخرجوا أكل الداجن للصحيفة كانوا من الروافض ؟! ، نعم لعلهم من الملاحدة في نظره القرطبي !
* النتيجة :
  إن وجود رواية كهذه في أصح المتون عندهم يلزمهم بأحد الأمور التالية ، إما الحكم بكون الرواية فاسدة متنا وأن صحيح مسلم يحوي غير الصحيح كهذه الرواية وهو ما ذهب له بعض أهل السنة ، أو أن عائشة زادت للقرآن ما ليس منه وهذا كفر عندهم فيلزمهم تكفيرها ، أو أن القرآن محرّف كما ادعته عائشة .

--------------------
(1) تفسير القرطبي ج14ص113، أقول : قد قصد القرطبي من الزيادة آية الرجم ، وقد نقلنا ما يدل من رواياتـهم أن آية الرضاع وآية الرجم كانتا في صحيفة واحدة ، والأشهر هو أكل الداجن لآية الرضاع لذلك ذكرت قوله هنا لا في آية الرجم .

إعلام الخَلف بمن قال بتحريف القرآن من أعلام السّلف _ 507 _
آية شهداء بئر معونة
  أخرج عدّة من الحفّاظ منهم البخاري ومسلم هذه الرواية ، واللفظ لأولهما : ( عن أنس بن مالك قال : بعث النبي صلى الله عليه (وآله) وسلم أقواما من بني سليم إلى بني عامر في سبعين ، فلما قدموا ، قال لهم خالي : أتقدمكم فإن أمنوني حتى أبلغهم عن رسول الله صلى الله عليه (وآله) وسلم وإلا كنتم مني قريبا ، فتقدم ، فأمنوه ، فبينما يحدثهم عن النبي صلى الله عليه (وآله) وسلم إذ أومؤوا إلى رجل منهم فطعنه فأنقذه ، فقال : الله أكبر فزت ورب الكعبة ، ثم مالوا على بقية أصحابه فقتلوهم إلا رجلا أعرج صعد الجبل ، قال همام : فأراه آخر معه ، فأخبر جبريل عليه السلام النبي صلى الله عليه (وآله) وسلم أنـهم قد لقوا ربـهم فرضي عنهم وأرضاهم ، فكنا نقرأ ( أن بلغوا قومنا أن قد لقينا ربنا فرضي عنا وأرضانا ) ثم نسخ بعد ، فدعا عليهم أربعين صباحا على رعل وذكوان وبني لحيان وبني عصية الذين عصوا الله تعالى ورسوله صلى الله عليه (وآله) وسلم ) (1) .
  وفي موضع آخر منه : ( قال قتادة وحدثنا أنس : أنـهم قرؤوا بـهم قرآنا ( ألا بلغوا عنا قومنا بأنا قد لقينا ربنا فرضي عنا وأرضانا ) ثم رفع ذلك بعد )(2) .
  ذكرنا في مبحث نسخ التلاوة وجود تضارب بين هذه الرواية وروايات أخرى أخرجت في نفس الصحيحين تدل على أن هذا المقطع الذي زُعم هنا كقرآن هو قول لشهداء بئر معونة ، وما يدل دلالة واضحة على ترجيح مضمون تلك الروايات أسلوب هذه الجملة ونظمها الهابط عن مستوى القرآن الذي يدل على عدم قرآنيتها ، بالإضافة لعدم تواتره .
  وهنا أمر يستحق التنبيه عليه وهو أني لم أجد رواية واحدة نسبت تلك الجملة إلى القرآن إلا وراويها أنس بن مالك ! ، وهذا أمر يشككنا في مصداقية هذه النسبة للقرآن ، إذ من غير المعقول ألاّ يبلّغ الرسول صلى الله عليه وآله وسلم تلك الآيات لأحد إلا لأنس بن مالك فيتفرّد أنس بنقلها كقرآن مع أن القرآن من طبيعته أن يتواتر ! ، ثم إن عبد الله بن مسعود نقلها على أنـها قول للشهداء كما أسلفنا في محله ، وعبد الله بن مسعود أخبر بالقرآن من أنس بن مالك ، ناهيك عن أن أنس كان يتفاخر بأن الله عز وجل قد أنزل هذه الجملة الركيكة في خاله الذي استشهد مع شهداء بئر معونة ! وهذا ما يزيد الأمر ريبة !

--------------------
(1) صحيح البخاري ج3ص19ـ20وج2ص117 ، صحيح مسلم ج2ص136 ، طبقات ابن سعد ج2ص53و54 ط صادر ، السنن الكبرى للبيهقي ج2ص199 ، مشكل الآثار للطحاوي ج2ص420 ، تاريخ الطبري ج2ص550 ، مسند أحمد ج3ص289، وغيرها .
(2) صحيح البخاري ج3 باب العون والمدد ح2899 ، ونفسه في باب (الذين استجابوا لله والرسول) .

إعلام الخَلف بمن قال بتحريف القرآن من أعلام السّلف _ 508 _
  ولكن للأسف ، مع مناقضتها لصريح روايات البخاري ومسلم الأخرى ومخالفتها لمبانيهم الأصولية في عدم قرآنية ما لم يتواتر ، نجد أن علماء أهل السنة يصرّون على أنـها قرآن منـزل ! ، وقد رفض بعضهم ذلك ، قال أبو بكر الرازي :
  ( وروي عن أنس أنـهم كانوا يقرءون : بلغوا قومنا عنا أنا لقينا ربنا فرضي عنا وأرضانا ، ونحو ذلك مما يروى أنه كان في القرآن ، فإنه لا مطعن لملحد فيه ، لأن هذه الأخبار ورودها من طريق الآحاد فغير جائز إثبات القرآن بـها ) (1) .
  فنقول للأغلبية ، كيف أثبتم قرآنية هذه الجمل السمجة بلا تواتر ؟! فهذا تحريف بالزيادة ، ولو سلمنا أنكم أثبتم تواترها ، فكيف ضاعت من المصحف ؟ إن قلتم بالنسخ نقول : سلمنا (2) ، ولكن النسخ يحتاج إلى تواتر ، وحيث لا تواتر فثبت التحريف بنسبة النقص لكتاب الله عز وجل .
  ومع كل هذا يوجد إشكال آخر وهو : أين الحكم الشرعي في هذه الآية المزعومة حتى يتعلق بـها النسخ لو سلمنا بوقوعه في التلاوة ؟! لأن علماءهم قالوا إن النسخ لا يتعلق إلا بالأحكام .
  وهكذا الحال في بقية الموارد التي لا تتضمن الآيات المزعومة أي حكم شرعي ، فلا داعي للإعادة ، ولا داعي للإطالة في إبطال هذا الهرج والسخف .

* آية الواديين !
  التأمل في هذه الجملة التي ألصقوها بالقرآن يوقفك على إعجاز القرآن وإتقان صنعه ولطيف سبكه ، فالقرآن ببديع نظمه تنفُر عنها هذه البساطة بذاتـها ، فلا تصمد هذه الجمل الباردة كما سنرى أمام تنـزلات الكتاب المكنون ، والضمير الحر هو الحكم في صحة ادعاء قرآنية مثل هذه الجملة ، فهل هذه آية من القرآن ؟! : ( لو كان لابن آدم واديان من مالٍ لابتغى وادياً ثالثا ، ولا يملأ جوف ابن آدم إلاّ التراب ويتوب الله على من تاب ) أو ( لو كان لابن آدم واد من ذهب أحب أن له واديا آخر ولن يملأ فاه إلا التراب والله يتوب على من تاب )

--------------------
(1) الفصول في الأصول ج2 ص257 ، أقول : الرازي هذا هو صاحب تعريف نسخ التلاوة الذي اعتمدوا عليه ، ومع ذلك فقد أنكر كون هذه آية من المنسوخ تلاوة !!
(2) نقول (سلمنا) لأننا أثبتنا في فصل مستقل فساد القول بوقوع نسخ التلاوة .

إعلام الخَلف بمن قال بتحريف القرآن من أعلام السّلف _ 509 _
  أهكذا أسلوب القرآن ؟ ، لا والله ! ، فنحن لا نناقشهم في علة فقدها من مصحف المسلمين وإنما في أصل كونـها قرآنا ( فَاعْتَبِرُوا يَا أُولِي الأَبْصَارِ ) !
لفـتة للوهابي !
  وأحب أن أذكّر هنا بما نقلناه سابقا عن الوهابي (ناصر.ق) الذي شنع على كلمات التنـزيل المروي في الكافي الشريف وغيره من كتب الشيعة وحكم بأنـها ليست من القرآن لضعفها البلاغي حيث قال في أصول مذهب الشيعة :
  ( وهذه الإضافات التي تزعم الشيعة نقصها من كتاب الله (!!) ألا يلاحظ القارئ العربي أن السياق لا يتقبلها ، وأنـها مقحمة إقحاما بلا أدنى مناسبة ولذلك يكاد النص يلفظها (1) ، وأنـها من وضع أعجمي لا صلة له بلغة العرب ، ولا معرفة له بأساليب العربية ، ولا ذوق له في اختيار الألفاظ وإدراك المعاني ) (2) .
  أقول : فأين هو مما يعتقده ويدين به أهل السنة من قرآنية هذه الجمل التي لا تكاد تُقرأ حتى تنقبض النفس من نسبتها للقرآن الكريم لما فيها من العوار والضعف ؟!

* التهافت في النقل :
  الآية المزعومة حصل في نقلها اختلاف وتضارب وهذه نبذة من تلك الروايات :
  جاء في صحيح مسلم عن أبي الأسود ظالم بن عمرو قال : ( بَعثَ أبو موسى الأشعري إلى قرّاء أهل البصرة ، فدخل عليه ثلاثمائة رجلٍ قد قرؤا القرآن ، فقال : أنتم خيار أهل البصرة وقرّاؤهم ، فاتلوه ولا يطولن عليكم الأمد فتقسو قلوبكم كما قست قلوب من كان قبلكم ، وإنـّـا كنّـا نقرأ سورةً كنّـا نشبِّهـها في الطّول والشّدة ببراءة ، فأنْسيتُها ، غير أنّي قد حفظت منها : ( لو كان لابن آدم واديان من مالٍ لابتغى وادياً ثالثاً ، ولا يملأ جوف ابن آدم إلاّ التراب ) ) (3) .

-------------------
(1) وهذا صحيح لأنـها تفسير للقرآن وليست منه لذلك هي للإقحام أقرب من الإنسجام التام .
(2) أصول مذهب الشيعة ج1ص243.
(3) صحيح مسلم ج3ص100 كتاب الزكاة باب كراهية الحرص على الدنيا وبشرح النووي ج7ص139،140.

إعلام الخَلف بمن قال بتحريف القرآن من أعلام السّلف _ 510 _
  ( عن أنس بن مالك عن رسول الله صلى الله عليه (وآله) وسلم أنه قال : ( لو كان لابن آدم واد من ذهب أحب أن له واديا آخر ولن يملأ فاه إلا التراب والله يتوب على من تاب ) ) (1) .
  وفي الطبراني : وعن زيد بن أرقم قال : لقد كنا نقرأ على عهد رسول الله صلى الله عليه (وآله) وسلم : ( لو كان لابن آدم واديان من ذهب وفضة لابتغى إليهما آخر ولا يملأ جوف ابن آدم إلا التراب ويتوب الله على من تاب ) ) (2).
  وفي مسند أحمد والبزار وأبي يعلى : ( عن جابر قال : سمعت رسول الله صلى الله عليه (وآله) وسلم يقول : ( لو كان لابن آدم وادي نخل تمنى مثله ثم تمنى مثله حتى يتمنى أودية ولا يملأ جوف ابن آدم إلا التراب ) ) (3) .
  وأخرج الحاكم في المستدرك : ( عن أبي بن كعب قال : قال لي رسول الله صلى الله عليه (وآله) وسلم إن الله قد أمرني أن أقرأ عليك القرآن فقرأ : لم يكن الذين كفروا من أهل الكتاب والمشركين ومن بقيّتها : ( لو أن ابن آدم سأل وادياً من مالٍ فأعطيته سأل ثانياً وإن سأل ثانياً فأعطيته سأل ثالثاً ولا يملأ جوف ابن آدم إلاّ التراب ويتوب الله على من تاب وإن الدين عند الله الحنيفية غير اليهوديّة ولا النصرانية ومن يعمل خيراً فلن يكفره ) ) (4) .
  وليست هذه زيادتـهم الوحيدة لسورة البينة وإنما تطرق لها التعديل والتغيير أكثر من مرة وسيأتي بإذنه تعالى عرض أشكال متنوعة لها !
  وأخرج الترمذي في سننه : ( عن زرّ بن حبيش عن أُبي بن كعب : أن رسول الله قال له : إنّ الله أمرني أن أقرأ عليك ـ إلى قوله ـ وقرأ عليه ( ولو أنّ لابن آدم وادياً من مالٍ لابتغى إليه ثانياً ولو كان له ثانيًا لابتغى إليه ثالثاً ولا يملأ جوف ابن آدم إلاّ التراب ويتوب الله على من تاب ) ) (5) .

-------------------
(1) صحيح مسلم ج3 ص99 كتاب الزكاة باب الحرص على الدنيا.
(2) مجمع الزوائد المجلد العاشر ص 243 ( باب لا يملأ جوف ابن آدم إلا التراب) ، وعلق ابن حجر عليه (رواه الطبراني والبزار بنحوه ورجالهم ثقات).
(3) ن.م ص245 وعلق ابن حجر عليه (رواه أحمد وأبو يعلى والبزاز ورجال أبى يعلى والبزاز رجال الصحيح ).
(4) المستدرك على الصحيحين ج2 ص 224 علق عليه الحاكم ب‍ (هذا حديث صحيح الإسناد ولم يخرجاه ) ووافقه الذهبي ، ملاحظة : المقطع الأخير لفظ آية أخرى كما سيتضح بإذنه تعالى .
(5) سنن الترمذي ح3793،ح3898 وعلق عليه الترمذي ب‍ (حسن صحيح) ، ومسند أحمد ج5 ص131 الطبعة الميمنية ، وعبد الله ابن أحمد ج5 ص132 .

إعلام الخَلف بمن قال بتحريف القرآن من أعلام السّلف _ 511 _
  وفي مسند أحمد عن زيد بن أرقم قال : ( لقد كنا نقرأ على عهد رسول الله صلى الله عليه (وآله) وسلم :( لو كان لابن آدم واديان من ذهب وفضة لابتغى إليهما آخر ، ولا يملأ بطن ابن آدم إلا التراب ويتوب الله على من تاب ) ) (1).
  وفي الدر المنثور : ( وأخرج ابن الضريس : ليؤيدن الله هذا الدين برجال مالهم في الآخرة من خلاق ( ولو أن لابن آدم واديين من مال لتمنى واديا ثالثا ولا يملأ جوف ابن آدم إلا التراب إلا من تاب فيتوب الله عليه والله غفور رحيم ) ) (2) .
  ولنقتصر على هذا القدر في بيان تضاربـهم في نقل المزعومة ، فمرة تذكر الروايات لفظ مالا وأخرى ذهبا وثالثة ذهبا وفضة ورابعة نخلاً ، ومرّة واديا وأخرى واديين ، ومرّة سأل وأخرى يملك ، ومرّة تذكر بطنا ومرة فاهاً وأخرى جوفا ، ومرة ثانيا وأخرى تزيد إلى ثالثا ، ومرة تصرح الرواية أن الآية كانت في سورة أنسيت ومرّة أخرى أن الآية كانت في ضمن سورة البيّنة ، إلى غيره من التضارب الذي يتضح بقليل من التأمل وزيادة الخير والبركة بمراجعة المصادر الأخرى (3) .

* الآية المزعومة كتبت في المصحف في زمن عمر وفقدت اليوم !
  عن مسند أحمد بن حنبل : حدثنا أبو معاوية عن أبي إسحاق الشيباني عن يزيد بن الأصم عن ابن عباس قال : جاء رجلٌ إلى عمر يسأله فجعل ينظر إلى رأسه مرّة وإلى رجليّه أُخرى ، هل يرى عليه من البؤس شيئا ، ثم قال له عمر : كم مالك ؟ قال : أربعون من الإبل ، قال ابن عباس فقلت : صدق الله ورسوله ( لو كان لإبن آدم واديان من ذهب لابتغى الثالث ولا يملأ جوف ابن آدم إلّا التراب ويتوب الله على من تاب ) قال عمر : ما هذا ؟ فقلت : هكذا أقرأنيها أبيّ ، قال : فمُر بنا إليه ، قال : فجاء إلى أبيّ ، فقال : ما يقول هذا ؟ قال أُبيّ : هكذا أقرأنيها رسول الله صلى الله عليه (وآله) وسلم قال : فأثـبتـها ؟ فـأثْـبَتـها ) (4) .

-------------------
(1) مسند أحمد ج4ص368 .
(2) الدر المنثور ج1 ص105 ط دار المعرفة بالأوفست ، ملاحظة : المقطع الأول آية مزعومة أخرى .
(3) نحو مشكل الآثار للطحاوي ج2ص419 ، المصنف للصنعاني ج10ص436 ، مناهل العرفان للزرقاني ج2ص25 ، تفسير الطبري ج1ص381 ، البرهان في علوم القرآن ج2ص36 .
(4) المسند لأحمد بن حنبل ج5ص117 ط الميمنية ، وعنه مجمع الزوائد للهيثمي المجلد السابع ص141 (سورة لم يكن) بلفظ ( قال : أفأثبتها في المصحف ؟ قال : نعم ) ، وعلق عليه الهيثمي ب‍ (رواه أحمد ورجاله رجال الصحيح ).

إعلام الخَلف بمن قال بتحريف القرآن من أعلام السّلف _ 512 _
  أقول : مر في مبحث جمع القرآن إن إلحاق الآيات بالمصحف كان بشهادة رجلين بزعمهم ، وهنا شهد كل من حبر الأمة ابن عباس وسيد القراء أبي بن كعب عند عمر بن الخطاب بأن هذه الجملة المزعومة آية من القرآن فقبل عمر شهادتـهما وأثبتها في المصحف ، وكله على طبق الموازين ، فلماذا لا نجد هذه الجملة في مصحفنا اليوم ؟ أليس هذا تحريفا وسقوطا لآيات دونت في المصحف زمن عمر ؟ فأين ذهبت إذاً ؟! ومن الذي حرف المصحف ؟
  آية أن الدين الحنيفية غير اليهودية ولا النصرانية !
  أخرج الترمذي في سننه : عن زرّ بن حبيش عن أُبي بن كعب : ( أن رسول الله قال له : إنّ الله أمرني أن أقرأ عليك ، فقرأ عليه ( لَمْ يَكُنِ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ ) ( البينة / 1 )، فقرأ فيها ( إن ذات الدين عند الله الحنفيّة المسلمة لا اليهوديّة ولا النّصرانية من يعمل خيراً فلن يكفره ) ) (1) .
  وفي مسند أحمد : ( عن زر عن أبي بن كعب قال قال لي رسول الله صلى الله عليه (وآله) وسلم ان الله تبارك وتعالى أمرني أن أقرأ عليك قال فقرأ علي ( لَمْ يَكُنِ الَّذِينَ كَفَرُوا ـ إلى قوله تعالى ـ إِلاَّ مِنْ بَعْدِ مَا جَاءَتْهُمُ الْبَيِّنَةُ ) ( البينة / 1 ـ 4 )، (إن الدين عند الله الحنيفية غير المشركة ولا اليهودية ولا النصرانية ومن يفعل خيرا فلن يكفره) قال شعبة : ثم قرأ آيات بعدها ثم قرأ : ( لو إن لابن آدم واديين من مال لسأل واديا ثالثا ولا يملا جوف ابن آدم إلا التراب ) ، قال ثم ختمها بما بقي منها ) (2) .
  وهي تحريف صريح إما بالزيادة في القرآن ما ليس منه أو لنقصها من المصحف ، كما بينا فيما سبق فلا نعيد .

--------------------
(1) سنن الترمذي ح3793 ، ح3898 وعلق عليه الترمذي ب‍ ( حسن صحيح ) ، المستدرك على الصحيحين ج2ص224 علق عليه الحاكم ب‍ ( هذا حديث صحيح الإسناد ولم يخرجاه ) ووافقه الذهبي .
(2) مسند أحمد ج 5ص132 ، وكنـز العمال ج2ص567ح4742 عن (ط حم ت حسن صحيح ك ص ) ، مجمع الزوائد عن مسند أحمد المجلد السابع ص140ـ141 ، وعلق عليه ( وفيه عاصم بن بـهدلة وثقه قوم وضعفه آخرون ، وبقية رجاله رجال الصحيح ) ، واعترض في تحرير تقريب التهذيب ج2ص165 على من قال إن عاصما صدوق له أوهام فقالا : ( بل ثقة يهم ، فهو حسن الحديث وقوله صدوق له أوهام ليس بجيد ، فقد وثقه يحيى بن معين وأحمد بن حنبل وأبو زرعة الرازي ويعقوب بن سفيان وابن حبان وجعله ابن معين من نظراء الأعمش وإن فضّل هو وأحمد الأعمش عليه ، وكل هؤلاء وثقوه مع معرفتهم ببعض أوهامه اليسيرة ) .

إعلام الخَلف بمن قال بتحريف القرآن من أعلام السّلف _ 513 _
* آية جهاد آخر الزمان !
  ذكر السيوطي في الدر المنثور : ( أخرج ابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم وابن مردويه عن ابن عباس رضي الله عنهما أن عمر بن الخطاب سأله فقال : أ رأيت قول الله تعالى لأزواج النبي صلى الله عليه (وآله) وسلم ( وَلاَ تَبَرَّجْنَ تَبَرُّجَ الْجَاهِلِيَّةِ الأُولَى ) ( الأحزاب / 33 )، هل كانت الجاهلية غير واحدة ؟ فقال ابن عباس رضي الله عنهما : ما سمعت بأولى إلا ولها آخرة ، فقال له عمر : فأنبأني من كتاب الله ما يصدق ذلك ؟ قال : إن الله يقول ( جاهدوا في الله حق جهاده كما جاهدتم أول مرّة ) ، فقال عمر : مَنْ أمرنا أن نجاهد ؟ قال : بني مخزوم وعبد شمس ) (1) .
  ( أخرج ابن مردويه عن عبد الرحمن بن عوف قال : قال لي عمر : ألسنا كنا نقرأ فيما نقرأ : ( وجاهدوا في الله حق جهاده في آخر الزمان كما جاهدتم في أوله ) ؟ قلت : بلى ! فمتى هذا يا أمير المؤمنين ؟ قال : إذا كانت بنو أمية الأمراء وبنو المغيرة الوزراء ) (2) .
  وأقصى علم هؤلاء الصحابة بـهذه الجملة المزعومة أنـها سقطت كغيرها الذي سقط من القرآن ! ، ( قال عمر لعبد الرحمن بن عوف : ألم تجد فيما أنزل علينا ( أن جاهدوا كما جاهدتم أوّل مرّة ) فإنّا لا نجدها ؟ قال : أسقطت فيما أسقط من القرآن ) (3) .

--------------------
(1) الدر المنثور في تفسير قوله تعالى ( وجاهدوا في الله حق جهاده ) ج4 ص371 ط دار المعرفة بالأوفست ، يقصد بعبد شمس بني أمية.
(2) الدر المنثور في تفسير قوله تعالى ( وجاهدوا في الله حق جهاده ) ج4 ص371 .
(3) الدر المنثور ج1ص106 عن أبي عبيد وابن الضريس وابن الأنباري ، مشكل الآثار ج2ص418 ، أقول : سواء فسرنا السقوط بالضياع أم بنسخ التلاوة فهو يفيد التحريف كما أشرنا له سابقا ، ولفظ (سقط) بعيد عن النسخ كما هو واضح .
  آية الولد للفراش وللعاهر الحجر !
  قبل الكلام عن هذه الآية المزعومة نقدم مقدّمة لعل فيها توضيحا لشيء من الحقيقة ، استقرأنا بعض مصادر أهل السنة فوجدنا تصريح عدد كبير من الصحابة في عشرات الموارد أن الآية المزعومة هي في الحقيقة حديث نبوي قاله رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم ، وهذا موضع اتفاق مع مصادر الشيعة ، ونذكر هنا بعض الروايات من مصادرهم لنرى من هم هؤلاء الصحابة :

إعلام الخَلف بمن قال بتحريف القرآن من أعلام السّلف _ 514 _
  عبد الله بن مسعود : ( عن ابن مسعود قال : إني لبين يدي رسول الله صلى الله عليه (وآله) وسلم يوم الحج ، وأن زبد ناقته ليقع على ظهري ، فسمعته يقول : أدوا إلي كل ذي حق حقه ، والولد للفراش وللعاهر الحجر ، ومن تولى غير مواليه أو ادعى إلى غير أبيه فعليه لعنة الله والملائكة والناس أجمعين لا يقبل منه صرف ولا عدل ) (1) .
  عبد الله بن عباس : ( وعن ابن عباس أن النبي صلى الله عليه (وآله) وسلم أمر صارخا يصرخ في بطن مكة يأمر بصدقة الفطر ويقول : هي حق واجب على كل مسلم ذكر أو أنثى صغير أو كبير حر أو عبد حاضر أو باد مدان من قمح أو صاع مما سوى ذلك من الطعام ألا وإن الولد للفراش وللعاهر الحجر ) (2) .
  كتب ابن عباس رسالة وجّهها إلى لعيـن السماوات والأرض يزيد بن معاوية حينما أراد الأخير أن يشكره على خذلانه لعبد الله بن الزبير وهو أحد أعداء يزيد فأرسل ابن عباس رسالة طويلة وهذا مقطع منها : ( أتراني أنسى قتلك فتيان بني عبد المطلب مصابيح الدجى ونجوم الأعلام وغادرتـهم خيولك بأمرك فأصبحوا مصرعين في صعيد واحد مزملين بالدماء مسلوبين بالعراء لا مكفنين ولا موسدين ، تسفيهم الرياح ، تغزوهم الذئاب ، وتنتابـهم عوج الضبع ، حتى أتاح الله لهم قوما لم يشركوا في دمائهم فكفنوهم وأجنوهم ، وبـهم والله وبي من الله عليك فجلست في مجلسك الذي أنت فيه ، ومهما أنس من الأشياء فلست أنسى تسليطك عليهم الدعي ابن الدعي الذي كان للعاهرة الفاجرة ، البعيد رحما اللئيم أبا وأماً الذي اكتسب أبوك ـ معاوية ـ في ادعائه له العار والمأثم والمذلة والخزي في الدنيا والآخرة لأن رسول الله صلى الله عليه (وآله) وسلم قال : الولد للفراش وللعاهر الحجر (3).
  وإن أباك يزعم أن الولد لغير الفراش ولا يضير العاهر ويلحق به ولده كما يحلق ولد البغي الرشيد ، ولقد أمات أبوك السنة جهلا وأحيا الأحداث المضلة عمدا ومهما أنس من (4)

--------------------
(1) المعجم الكبير للطبراني ج17ص261ح719 ، أقول : والظاهر أن هناك خلطا في نقل الحادثة إذ رويت عن عمرو بن خارجة الآتي ذكره وهنا عن ابن مسعود ومن المستبعد التطابق التام .
(2) مجمع الزوائد ج3ص80 ـ 81 وعلق عليه : ( رواه كله البزار وفيه يحيى بن عباد السعدي فيه كلام).
(3) يقصد زياد بن أبيه الذي ألـحقه معاوية بأبيه فصار يسمى زياد بن أبي سفيان عنادا ومخالفة لأمر رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم .
(4) قد اعترف بذلك معاوية في ما ذكره في مجمع الزوائد ج5ص14 ( وعن محمد بن إسحاق قال ادعى نصر بن الحجاج بن علاط السلمي عبد الله بن رياح مولى خالد بن الوليد فقام خالد بن خالد بن الوليد فقال : مولاي ولد على فراش مولاي ، وقال نصر أخي أوصاني بمنزله قال فطالت خصومتهم فدخلوا معه على معاوية وفهر تحت رأسه فدعيا فقال معاوية : سمعت رسول الله صلى الله عليه (وآله) وسلم يقول : الولد للفراش وللعاهر الحجر ، قال نصر : فأين قضاؤك هذا يا معاوية في زياد فقال معاوية : قضاء رسول الله صلى الله عليه (وآله) وسلم خير من قضاء معاوية )، رواه أبو يعلى وإسناده منقطع ورجاله ثقات ، أقول : وذكره ابن حجر في فتح الباري ج12ص39 شرح حديث رقم 6369.

إعلام الخَلف بمن قال بتحريف القرآن من أعلام السّلف _ 515 _
  الأشياء فلست أنسى تسييرك حسينا ( عليه السلام) من حرم رسول الله صلى الله عليه (وآله) وسلم إلى حرم الله وتسيرك إليه الرجال وادساسك إليهم إن هو نذر بكم فعاجلوه فما زلت بذلك وكذلك حتى أخرجته من مكة إلى أرض الكوفة تزأر إليه خيلك وجنودك زئير الأسد عداوة مثلك لله ولرسوله ولأهل بيته ثم كتبت إلى ابن مرجانة يستقبله بالخيل والرجال والأسنة والسيوف … الخ ) (1) .
  أقول : لاحظ كيف استدل ابن عباس على ضلال معاوية لرده أمر الرسول صلى الله عليه وآله وسلم ، ولو كانت هذه الجملة من قول الله عز وجل كما يزعم أهل السنة لكان الأبلغ في الحجة أن يذكرها ابن عباس على أنـها قرآن .
  وكذا قال البراء بن عازب وزيد بن أرقم (2) ، وأبو أمامة الباهلي (3) ، وعمرو بن خارجة (4) ، وعبد الله بن حذافة بن قيس (5) ، وعائشة (6) ، وأبو هريرة (7) ، وأنس بن مالك (8) ، وعبد الله بن عمرو بن العاص (9) ، وعروة بن الزبير (10) .
  كل هؤلاء قالوا بأن تلك الجملة نص نبوي قاله الرسول صلى الله عليه وآله وسلم ،

--------------------
(1) المعجم الكبير للطبراني ج 10ص241ح 10590 .
(2) المعجم الكبير للطبراني ج5ص191 ح5057 في مسند زيد بن أرقم رضوان الله عليه .
(3) سنن ابن ماجة ج1ص647ح2007 علق عليه في الزوائد (إسناده صحيح ورجاله ثقات ) ، سنن الترمذي ج3ص293ح2203 ، مسند أحمد ج5ص267 .
(4) سنن ابن ماجة ج2ص905ح2712 ، سنن الترمذى ج3ص294ح2204 علق عليه (هذا حديث حسن صحيح ) ، مسند أحمد ج4ص184و186و238و239 من عدة طرق .
(5) مستدرك الحاكم ج3ص631 .
(6) صحيح البخاري ج3ص 4ـ5 و39 و91 و187 وج5ص96 وج8ص116 ، صحيح مسلم ج4 ص171 من طريقين ، سنن ابن ماجة ج1ص646ح2004 (باب الولد للفراش وللعاهر الحجر ) ، سنن أبي داود ج1ص507ح2273 (باب الولد للفراش ) ، سنن الدارمى ج2ص152 (باب الولد للفراش) ، السنن الكبرى ج6ص86 وج7ص412 من طريقين وج10ص150و266 ، مسند احمد ج6ص37و129و200و226 و237 و246 ـ 247 ، سنن النسائى ج 6 ص180 (باب الحاق الولد بالفراش إذا لم ينفه صاحب الفراش ).
(7) صحيح مسلم ج 4 ص 171 ، سنن ابن ماجة ج1ص647 ح2006 ، سنن الترمذى ج2 ص313 ح1167 (باب ما جاء أن الولد للفراش ) ، السنن الكبرى ج7ص402 ، ج7ص412 ، مسند أحمد ج2ص239 و280 و386 و475 ، سنن النسائى ج6ص180 (باب الحاق الولد بالفراش إذا لم ينفه صاحب الفراش ) بطريقين .
(8) مسند الشاميين ج1ص360 ح620 .
(9) سنن أبي داود ج1ص507ـ508ح2274(باب الولد للفراش) ، مجمع الزوائد ج6ص177ـ178(رواه الطبرانى ورجاله ثقات ) ، مسند احمد ج2ص179و207.
(10) سنن الدارمى ج 2ص389 بـهذا اللفظ ( قال عروة بلغنا أن رسول الله صلى الله عليه (وآله) وسلم قال : الولد للفراش وللعاهر الحجر ) ، لاحظ أن صيغة ( بلغنا ) لا تدل على التمريض أو عدم الوثوق عندهم كما هو سائد بيننا اليوم ، وكشاهد يحضرني هو اعتماد الإمام الشافعي في كتابه الأم على ما يقول في أوله ( بلغنا ) .

إعلام الخَلف بمن قال بتحريف القرآن من أعلام السّلف _ 516 _
  وما جاء عن التابعين لا أكاد أحصيه ومنه : ( عن ابن جريج قال : قلت لعطاء : أرأيت إن نفاه بعد ما تضعه ؟ قال يلاعنها والولد لها ، قلت : أو لم يقل النبي صلى الله عليه (وآله) وسلم : الولد للفراش وللعاهر الحجر ؟ قال : نعم ، إنما ذلك لأن الناس في الإسلام ادعوا أولادا ولدوا على فراش رجال ، فقالوا : هم لنا ، فقال النبي صلى الله عليه (وآله) وسلم : الولد للفراش وللعاهر الحجر ) (1) .
  وكذا أقوال العلماء في الفقه واستدلالاتـهم على حكم المسألة لا يكاد يخلو كتاب منه ، وهذا ما ذكره البيهقي في سننه : ( استدلالا بما روينا في الحديث الثابت عن عائشة وأبى هريرة رضى الله عنهما أن النبي صلى الله عليه (وآله) وسلم قال : الولد للفراش وللعاهر الحجر ، فلم يجعل لماء العاهر حرمة ) (2) .
  وما ذكره ابن حجر العسقلاني : ( قال ابن عبد البر : هو من أصح ما يروى عن النبي صلى الله عليه (وآله) وسلم جاء عن بضعة وعشرين نفسا من الصحابة فذكره البخاري في هذا الباب عن أبي هريرة وعائشة وقال الترمذي عقب حديث أبي هريرة (وفي الباب عن عمر وعثمان وعبد الله بن مسعود وعبد الله بن الزبير وعبد الله بن عمرو وأبي أمامة عمرو وابن عمر ) ، وزاد أبو القاسم بن منده في تذكرته ( معاذ بن جبل وعبادة بن الصامت وأنس بن مالك وعلي بن أبي طالب والحسين بن علي وعبد الله بن حذافة وسعد بن أبي وقاص وسودة بنت زمعة ) ) (3) .
  فكون هذه العبارة قولا للنبي صلى الله عليه وآله وسلم لا يشك فيها إلا معتوه ولم يقتصر الأمر على مصادر أهل السنة فحتى مصادر الشيعة مشحونة بذلك ، وكمثال نذكر رواية الكافي :
  ( عن سعيد الأعرج ، عن أبي عبد الله عليه السلام قال : سألته عن رجلين وقعا على جارية في طهر واحد لمن يكون الولد ؟ قال : للذي عنده لقول رسول الله صلى الله عليه وآله الولد للفراش وللعاهر الحجر ) (4) .

--------------------
(1) كنز العمال ج15ص210ح40607 (عب).
(2) السنن الكبرى للبيهقي ج7 ص157 (باب لا عدة على الزانية ، ومن تزوج امرأة حبلى من زنا لم يفسخ النكاح ) .
(3) فتح الباري شرح صحيح البخاري للعسقلاني ج12ص 39 شرح حديث رقم 6369 .
(4) الكافي ج5 ص 491ـ492 ح10130 ( الرجل يبيع الجارية من غير أن يستبرئها فيظهر بها حبل بعد ما مسها الآخر ) وقريب منه في من لا يحضره الفقيه ج3ص457 وج4ص380 ، تـهذيب الأحكام ج8ص168 و183و208 و343و344 وج9ص346 ، الاستبصار ج3ص368 وج4ص183 و185 .

إعلام الخَلف بمن قال بتحريف القرآن من أعلام السّلف _ 517 _
  فالصحابة بأكابرهم كابن مسعود وحبر الأمة ابن عباس وغيرهم من حملة القرآن لا تجد أحدا منهم إلا يصرح بأن الجملة السابقة هي قول للنبي صلى الله عليه وآله وسلم لا أنـها قرآن منـزل ! خاصة وأن فيهم من كان مغرما بقراءة الزيادات مع القرآن وخلطه بـها كابن مسعود ، ومن البعيد جدا أن يهمل هذا المورد ، وكذا التابعون لم نر فيهم من صرّح أنـها قرآن وكذا تابعوهم والفقهاء في مصنفاتـهم من السنة والشيعة .
* وأما عمر !
  ومع كل ما مرّ من أقوال جمهرة الصحابة واتفاق فقهاء المسلمين قاطبة وتصافق الأيدي على كون الجملة السابقة قولا للنبي صلى الله عليه وآله وسلم ، ومع كل هذا يأتينا ابن الخطاب ليفرغ لنا ما في جعبته فيقول هي قرآن فقدناه ! ، وأبي بن كعب أيده على ذلك !!
  ( عن عدي بن عدي بن عميرة بن فروة عن أبيه عن جده أن عمر بن الخطاب قال لأبي : أو ليس كنا نقرأ من كتاب الله ( أن انتفاءكم من آبائكم كفر بكم ) ؟ فقال : بلى (1) ، ثم قال : أو ليس كنا نقرأ ( الولد للفراش وللعاهر الحجر ) فُـقِد فيما فقدنا من كتاب الله ؟ قال : بلى ) ، ( إِنَّ فِي ذَلِكَ لَعِبْرَةً لأَوْلِي الأَبْصَارِ ) ( آل عمران / 13 ).
   آية : لا ترغبوا عن آبائكم !
  وما زلنا مع ابن الخطاب وما تحويه جعبته من الآيات التي خصّها الله عز وجل به من بين الصحابة ، بل ومن بين الأنبياء والمرسلين أيضا !
  أخرج عدة من الحفاظ منهم البخاري ومسلم واللفظ للأول : قال عمر بن الخطاب : ( إنا كنا نقرأ فيما نقرأ من كتاب الله أن : ( لا ترغبوا عن آبائكم فإنه كفر بكم أن ترغبوا عن آبائكم ) أو ( إن كفرا بكم أن ترغبوا عن آبائكم ) ) (2) .

-------------------
(1) كنز العمال ج6ص208 ح 15372 ( ابن عبد البر في التمهيد ).
(2) صحيح البخاري ج4ص122 ( باب رجم الحبلى من الزنا ) ، صحيح مسلم ج5ص116 كتاب الحدود ( باب رجم الثيب من الزنى ) ، ج4ص167 ، الترمذي ج4ص38ح1432 ، عن المسند للحميدي ج1ح25 ، مسند أحمد ج1ص47وص55 .

إعلام الخَلف بمن قال بتحريف القرآن من أعلام السّلف _ 518 _
  ( وأخرج الطيالسي وأبو عبيد والطبراني عن عمر بن الخطاب قال : كنا نقرأ فيما نقرأ ( لا ترغبوا عن آبائكم فانه كفر بكم ) ثم قال : لزيد بن ثابت أ كذلك يا زيد ؟ قال : نعم ) (1) .
* عمر من جديد !
  وهذه الجملة بالنظر في باقي روايات أهل السنة الصحيحة يتضح أنـها مما قاله النبي صلى الله عليه وآله وسلم بمحضر الصحابة ، وهذا متّفق عليه بإخراج الشيخين له في صحيحهما عن أبي هريرة ، وهذا نص ما أخرجه البخاري : ( عن أبي هريرة عن النبي صلى الله عليه (وآله) وسلم قـال : ( لا ترغبوا عن آبائكم فمن رغب عن أبيه فهو كفر ) ) (2) .
  والحال هنا كالحال في ( الولد للفراش ) ، قول للنبي صلى الله عليه وآله وسلم نسبه عمر إلى القرآن ! ، إضافةً لضعف أسلوبـها ودنوها عن فصاحة القرآن وبلاغته ،مع ذلك يقول أهل السنة هي من القرآن اتباعا لعمر !
  والغريب أن الوهابية تدعي أن القرآن ثبت عند أهل السنة بالتواتر ! فما بال هذه الموارد ثبتت منه بلا تواتر ؟! بل ثبت نسخها أيضا بلا تواتر !
* آية حميّة الجاهلية :
  ( عن أبي بن كعب رضي الله عنه أنه كان يقرأ : ( إذ جعل الذين كفروا في قلوبهم الحمية حميّة الجاهلية ، ولو حميتم كما حموا لفسد المسجد الحرام ، فأنزل سكينته على رسوله ) فبلغ ذلك عمر فاشتد عليه فبعث إليه وهو يهنأ ناقة له فدخل عليه فدعا أناسا من أصحابه فيهم زيد بن ثابت فقال : من يقرأ منكم سورة الفتح ؟ فقرأ زيد على قراءتنا اليوم فغلظ له عمر ، فقال له أبيٌّ : أ أتكلم ؟ فقال : تكلم ، فقال : لقد علمت أني كنت أدخل على النبي صلى الله عليه سلم ويقرئني وأنتم بالباب ،

-------------------
(1) الدر المنثور ج1ص 106 ط دار المعرفة بالأوفست ، وهو في كنـز العمال ج6ص208ص15371 (عب ، ط ، وأبو عبيد في فضائله ، وابن راهويه ، ورستم في الإيمان ، طب ) وهذه أحرف ترمز للمصنفات التي وردت فيها الرواية ، فراجع الكنـز .
(2) صحيح البخاري ج8ص12 (باب من انتفى عن ولده) ، صحيح مسلم ج1ص57 ، مسند أحمد ج2ص526.

إعلام الخَلف بمن قال بتحريف القرآن من أعلام السّلف _ 519 _
  فإن أحببت أن أقرئ الناس على ما أقرأني أقرأت ، وإلا لم أقرئ حرفاً ما حييت ! ، قال : بل أقرئ الناس ) (1) .
  هذه الرواية صريحة في ثبوت قرآنية هذه الجملة إلى ما بعد وفاة النبي صلى الله عليه وآله وسلم ، فأين ذهبت ؟ ولم لم ينكر أحد من الصحابة قول أبي بن كعب ؟! بل كيف أقر عمر ووافق أبي بن كعب على أنـها آية من القرآن كغيرها مما في المصحف ؟!
* السر في موقف عمر من هذه الزيادة :
  عوّدنا ابن الخطاب على تساهله في نصوص القرآن ونسبة كلمات له وحذف أخريات منه ، وموقفه هنا على خلاف العادة ! ، وكما قيل : لو علم السبب بطل العجب .
  إذ أن الزيادة التي زادها أبي بن كعب كان فيها تعريض مباشر لابن الخطاب وموقفه المخزي في صلح الحديبية بعد أن أغلظ القول لرسول الله صلى الله عليه وآله وسلم وأخذ يرد القول عليه حينما أخبر صلى الله عليه وآله وسلم المسلمين أنـهم لن يدخلوا المسجد الحرام في عامهم هذا ، فجاء ابن الخطاب مغضبا حَـمِقا مخاطبا الرسول صلى الله عليه وآله وسلم بقوله ( ألست نبي الله ) !! (2) ، وجاء عند أبي بكر وقال له

-------------------
(1) المستدرك على الصحيحين ج 225 قال الحاكم (هذا حديث صحيح على شرط الشيخين ولم يخرجاه ) ووافقه الذهبي .
(2) صحيح البخاري ج2ص978 : ( فقال عمر بن الخطاب فأتيت نبي الله صلى الله عليه وسلم ، فقلت : ألست نبي الله حقا ؟! ، قال : بلى !! قلت : ألسنا على الحق وعدونا على الباطل ؟! قال : بلى !! قلت : فلم نعطي الدنية في ديننا ؟! إذا قال : إني رسول الله ، ولست أعصيه ، وهو ناصري ! قلت : أو ليس كنت تحدثنا أنا سنأتي البيت فنطوف به ؟! قال : بلى ! فأخبرتك أنا نأتيه العام ؟! قال : قلت : لا ، قال : فإنك آتيه ومطوف به ! قال : فأتيت أبا بكر ، فقلت : يا أبا بكر ، أليـس هـذا نبـي الله حـقـا ؟! قال : بلى ! قلت : ألسنا على الحق وعدونا على الباطل ؟! قال : بلى ! قلت : فلم نعطي الدنية في ديننا ؟! إذا قال : أيها الرجل ! إنه لرسول الله صلى الله عليه وسلم ! وليس يعصي ربه وهو ناصره فاستمسك بغرزه ، فوالله إنه على الحق قلت أليس كان يحدثنا أنا سنأتي البيت ونطوف به قال بلى أفأخبرك أنك تأتيه العام قلت لا قال فإنك آتيه ومطوف به ، قال الزهري قال عمر : فعملت لذلك أعمالا ، قال فلما فرغ من قضية الكتاب قال رسول الله صلى الله عليه وسلم لأصحابه قوموا فانحروا ثم احلقوا قال : فوالله ما قام منهم رجل ـ أي من الصحابة ـ حتى قال ذلك ثلاث مرات ، فلما لم يقم منهم أحد دخل على أم سلمة فذكر لها ما لقي من الناس ، فقالت أم سلمة : يا نبي الله أتحب ذلك اخرج لا تكلم أحدا منهم كلمة حتى تنحر بدنك وتدعو حالقك فيحلقك ، فخرج فلم يكلم أحدا منهم حتى فعل ذلك نحر بدنه ودعا حالقه فحلقه فلما رأوا ذلك قاموا فنحروا وجعل بعضهم يحلق بعضا حتى كاد بعضهم يقتل بعضا غما ! )
  قال ابن حجر في فتح الباري ج5ص345ـ346 ( قوله قال عمر بن الخطاب فأتيت نبي الله صلى الله عليه وسلم ، هذا مما يقوي أن الذي حدث المسور ومروان بقصة الحديبية هو عمر وكذا ما تقدم قريبا من قصة عمر مع أبي جندل )
  وقال الصنعاني في مصنفه ج5ص330ـ339ح9720 ( عبد الرزاق عن معمر قال أخبرني الزهري قال أخبرني عروة بن الزبير عن المسور بن مخرمة ومروان بن الحكم صدق كل واحد منهما صاحبه قالا : خرج رسول الله صلى الله عليه وسلم زمن الحديبية في بضع عشرة مئة من أصحابه … فقال أبو جندل : أي معشر المسلمين ! أرد إلى المشركين وقد جئت مسلما ألا ترون ما قد لقيت وكان قد عذب عذابا شديدا في الله ، فقال عمر بن الخطاب : والله ما شككت منذ أسلمت إلا يومئذ (!!) ، قال : فأتيت النبي صلى الله عليه وسلم ، فقلت : ألست نبي الله حقا ! قال : بلى ! …). =>

إعلام الخَلف بمن قال بتحريف القرآن من أعلام السّلف _ 520 _
  ( أليس هــذا نبي الله) !! (1) ، فلم يرض ابن الخطاب عن فعل رسول الله صلى لله عليه وآله وسلم حتى عمل عمر أعمالا أخفى ذكرها وكانت سببا في تمرّد الصحابة على أمر رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم حيث قالت الرواية بعد ذكر غضب عمر على النبي صلى الله عليه وآله وسلم :
  ( قال عمر : فعملت لذلك أعمالا فلما فرغ من قضية الكتاب قال رسول الله صلى الله عليه (وآله) وسلم : لأصحابه قوموا فانحروا ثم احلقوا ! فو الله ما قام رجل منهم حتى قال ذلك ثلاث مرات فلما لم يقم منهم أحد ) (2) .
  فكان ما زاده أبي بن كعب في الآية من الجملة السابقة ( إذ جعل الذين كفروا في قلوبهم الحمية حميّة الجاهلية ، ولو حميتم كما حموا لفسد المسجد الحرام ، فأنزل سكينته على رسوله ) تعريضا بموقف ابن الخطاب وبيانا لفساد حميته الجاهلية ، فثار ابن الخطاب حفاظا على كرامته وسداً لباب الطعن فيه لا أكثر ولا أقل .
   => وقال الطبراني في المعجم الكبير ج20ص9ـ14ح13 ( حدثنا إسحاق بن إبراهيم الدبري عن عبد الرزاق عن معمر عن الزهري أخبرني عروة بن الزبير عن المسور بن مخرمة ومروان بن الحكم يصدق كل واحد منهما صاحبه قالا خرج رسول الله صلى الله عليه وسلم زمن الحديبية … فقال عمر بن الخطاب : والله ما شككت منذ أسلمت إلا يومئذ ، فأتيت النبي صلى الله عليه وسلم فقلت : ألست نبي الله حقا ؟! قال : بلى ! … فلما فرغ من قضية الكتاب قال رسول الله صلى الله عليه وسلم لأصحابه قوموا فانحروا ثم احلقوا قال : فوالله ما قام منهم رجل ، حتى قاله ثلاث مرات فلما لم يقم منهم أحد قام فدخل على أم سلمة … ).
  وقال ابن حجر في فتح الباري ج5ص346 ( وأخرجه البزار من حديث عمر نفسه مختصرا ولفظه ، فقال عمر : اتـهموا الرأي على الدين ، فلقد رأيتني أرد أمر رسول الله صلى الله عليه وسلم برأي وما ألوت عن الحق ، وفيه قال : فرضي رسول الله صلى الله عليه وسلم وأبيت حتى قال لي يا عمر تراني رضيت وتأبى ! ).
  وقال الشوكاني في نيل الأوطار ج8ص200 ( قوله ألست نبي الله حقا ؟! ، قال : بلى ، زاد الواقدي من حديث أبي سعيد قال : قال عمر : لقد دخلني أمر عظيم وراجعت النبي صلى الله عليه وآله وسلم مراجعة ما راجعته مثلها قط )
  أقول : إن أمكن لعمر بن الخطاب أن يؤثر في عقول الصحابة فلا يأتمروا بأمر النبي صلى الله عليه وآله وسلم والنبي أمامهم مازال على قيد الحياة ، فيأمرهم ثلاث مرات فلا يقوم منهم أحد ، فما الغريب أن يؤثر عمر وحزبه وبنو أسلم في عقول الناس حتى لا يأتمروا بأمر النبي صلى الله عليه وآله وسلم بعد وفاته بتسليم الأمر للإمام علي عليه السلام ؟! ناهيك عن أن عليا عليه السلام هو الذي وتر العرب وقتل صناديدهم ولهم عليه ثأر لا يمحى مدى الدهر !

-------------------
(1) عجبا لعمر كيف يعبر عن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم بلفظ ( هذا ) التي تشعر بالاستحقار والاستخفاف ؟! ، بل وأعجب منه ختم عمر صحبته لرسول الله صلى الله عليه وآله وسلم باتـهامه صلى الله عليه وآله وسلم في عقله ووعيه ووصمه بالهذيان والهجر وهو على فراش الموت ، راجع صحيح مسلم ج3ص1259.
(2) صحيح البخاري ج3ص712 ، مسند أحمد ج4ص330 ، السنن الكبرى ج9ص220 ، عبد بن حميد وأبو داود وابن جرير وابن المنذر كما في الدر المنثور ج6ص77 ط المعرفة بالأوفست
أقول : لا أدري كيف تجتمع عدالة الصحابة مع عدم إطاعة الرسول صلى الله عليه وآله وسلم فيما يأمر به حتى يغضب عليهم ويشكوهم لزوجته !

إعلام الخَلف بمن قال بتحريف القرآن من أعلام السّلف _ 521 _
آيتان لم تكتبا في مصحفنا !
  ( عن أبي سفيان الكلاعي أن مسلمة بن مخلد الأنصاري قال لهم ذات يوم : أخبروني بآيتين في القرآن لم يكتبا في المصحف فلم يخبروه وعندهم أبو الكنود سعد بن مالك فقال ابن مسلم : ( إن الذين آمنوا وهاجروا وجاهدوا في سبيل الله بأموالهم وأنفسهم ألا فابشروا أنتم المفلحون والذين آووهم ونصروهم وجادلوا عنهم القوم الذين غضب الله عليهم أولئك لا تعلم نفس ما أخفي لهم من قرّة أعين جزاء بما كانوا يعلمون) ) (1) .
  وهذه محاولة جادة لتقليد نظم القرآن ولكنها باءت بالفشل ، فلاحظ هذا المقطع ( ألا فابشروا أنتم المفلحون ) ، وهذا الآخر ( وجادلوا عنهم القوم الذين غضب الله عليهم ) وقارن بينهما وبين المقطع الآخير المسروق من هذه الآية المباركة لتعلم كم بينهما من فرق ( فَلاَ تَعْلَمُ نَفْسٌ مَا أُخْفِيَ لَهُمْ مِنْ قُرَّةِ أَعْيُنٍ جَزَاءً بِمَا كَانُوا يَعْمَلُونَ ) ( السجدة / 17 ) وصدق الله تعالى : ( قُلْ لَئِنِ اجْتَمَعَتِ الإِنسُ وَالْجِنُّ عَلَى أَنْ يَأْتُوا بِمِثْلِ هَذَا الْقُرْآنِ لاَ يَأْتُونَ بِمِثْلِهِ وَلَوْ كَانَ بعْضُهُمْ لِبَعْضٍ ظَهِيرًا ) ( الإسراء / 88 ) ، ولكن ماذا نفعل مع من يدعي قرآنية هذه التفاهات !

--------------------
(1) الإتقان ج2ص25 .

إعلام الخَلف بمن قال بتحريف القرآن من أعلام السّلف _ 522 _
* مائة وثلاث عشرة آية تصنف علماء السنة إلى محرف وغيره
  بينا سابقا أن أغلب علماء أهل السنة يقولون إن القرآن جمعه الصحابة لا رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم بخلاف الشيعة ، ووقع الكلام بين علماء أهل السنة في هل أن الصحابة زادوا في سور القرآن ما ليس منها عندما جمعوه ، أم لا ؟ ، فمال بعضهم إلى أن الصحابة ما زادوا في سور القرآن شيئا ، ومال بعضهم وهم السواد الأعظم اليوم إلى أن الصحابة زادوا للسور التي بين دفتي المصحف ما ليس منها ، وهي البسملة .

إعلام الخَلف بمن قال بتحريف القرآن من أعلام السّلف _ 522 _
* منطقيا :
  لنفرض أن فريقا من العلماء قطعوا بجزئية جملة من القرآن ، فمن ينفي جزئيتها من القرآن سيكون في نظرهم مخطئا لأنه أنقص من القرآن ما هو منه ، وكذا من نفى جزئية تلك الجملة من القرآن سيرى أن المثبت لها قد زاد فيه ما ليس منه .
  فالنافي يعتقد أن المثبت محرّف بالزيادة والمثبت يعتقد أن النافي محرّف بالنقص والحذف منه ، والمعلوم بديهيا أن تلك الجملة إما أن تكون من السور فيلزم التحريف بالنقص لمن أنكرها لأنه يرى عدم جزئيتها منها ، وإما ألا تكون جزءًا من السور فيلزم التحريف بالزيادة لمن ألحقها ، وذلك لاستحالة كون الجملة جزء من سور القرآن وليست منها في آن واحد ، فلا يخلو الأمر من ثبوت التحريف لأحد من الطرفين سواء بالزيادة أو النقص .
  أو قل إن تلك الجملة إما قرآن أو غيره ، فإن كانت قرآنا في الواقع فمن نفاها كان محرفا بالنقص والحذف ، وإن لم تكن قرآنا فمن أثبتها كان محرفا بالزيادة .
هل اختلف علماء السنة في جزئية البسملة إثباتا ونفيا ؟
  وهاهي كلمات القوم في المسألة أوضح من أن يدلل عليها أو ينقب فيها ، قال ابن كثير في تفسيره : ( وممن حكي عنه أنـها آية من كل سورة إلاّ براءة ابن عباس وابن عمر وابن الزبير وأبو هريرة وعلي ومن التابعين عطاء وطاوس وسعيد بن جبير ومكحول والزهري وبه يقول عبد الله بن المبارك والشافعي وأحمد بن حنبل في رواية عنه وإسحاق بن راهويه وأبو عبيد القاسم بن سلام رحمهم الله ، وقال مالك وأبو حنيفة وأصحابـهما ليست آية من القرآن ولا من غيرها من السور وقال الشافعي في قول في بعض طرق مذهبه هي آية من الفاتحة وليست من غيرها وعنه أنـها بعض آية من أوّل كل سورة وهما غريبان وقال داود هي آية مستقلّة في أوّل كل سورة لا منها وهذا رواية عن الإمام أحمد بن حنبل وحكاه أبو بكر الرازي عن أبي الحسن الكرخي وهما من أكابر أصحاب أبي حنيفة رحمهم الله ) (1) .
  وقال الشوكاني في نيل الأوطار : ( وقد اختلفوا هل هي آية من الفاتحة فقط أو من كل سورة أو ليست بآية ؟ فذهب ابن عباس وابن عمر وابن الزبير وطاوس وعطاء ومكحول وابن المبارك و طائفة إلى أنـها آية من الفاتحة ومن كل سورة غير براءة ، وحكي عن أحمد وإسحاق وأبي عبيد وجماعة من أهل الكوفة ومكة وأكثر العراقيين ، وحكاه الخطابي عن أبي هريرة وسعيد بن جبير ورواه البيهقي في الخلافيات بإسناده عن علي بن أبي طالب و الزهري وسفيان الثوري وحكاه في السنن

--------------------
(1) تفسير القرآن العظيم ج1ص15ـ16.

إعلام الخَلف بمن قال بتحريف القرآن من أعلام السّلف _ 523 _
  الكبرى عن ابن عباس ومحمد بن كعب أنـها من الفاتحة فقط ، وحكي عن الأوزاعي ومالك وأبي حنيفة وداود وهو رواية عن أحمد أنـها ليست آية في الفاتحة ولا في أوائل السور ، وقال أبو البكر الرازي و غيره من الحنفيّة : هي آية بين كل سورتين غير الأنفال وبراءة وليست من السور بل هي قرآن مستقل كسورة قصيرة وحكي هذا عن داود وأصحابه وهو رواية عن أحمد ) (1) .
  وعن قال الآلوسي في روح المعاني : ( اختلف الناس في البسملة في غير النمل إذ هي فيها بعض آية بالاتفاق على عشرة أقوال : (الأول) أنـها ليست آية من السور أصلا (الثاني) أنـها آية من جميعها غير براءة (الثالث) أنـها آية من الفاتحة دون غيرها … الخ ) (2) .
  نستخلص مما سبق أن من ذهب إلى عدم كون البسملة في أوائل السور من القرآن هم الإمام مالك وأبو حنيفة وأصحابـهما والأوزاعي وداود وأحمد ين حنبل على رواية .
  والصحابة الذين قالوا أنـها جزء من أوّل كل سورة عدا براءة هم ابن عباس وابن عمر وابن الزبير وأبو هريرة وعلي عليه السلام ومن التابعين عطاء وطاوس وسعيد بن جبير ومكحول والزهري وعبد الله بن المبارك وكذلك الإمام الشافعي وأحمد بن حنبل على رواية أخرى (3) ، وإسحاق بن راهويه وأبو عبيد القاسم بن سلام .
  وعلى هذا الاختلاف بين أكابر علمائهم بالإثبات والنفي ، يتضح أن صغرى القياس : ( حصل الاختلاف بين علمائهم في جزئية جملة ما لسور القرآن بالإثبات والنفي ) صحيحة ، وتلك الجملة هي البسملة ، وقد أثبتنا كبراه : ( وحصول الاختلاف بالإثبات والنفي في جزئية جملة ما لسور القرآن يلزم منه التحريف بالنقص أو بالزيادة ) فيستنتج تلقائيا وبالضرورة :
  ( حصول الاختلاف بين علمائهم في جزئية البسملة لسور القرآن يلزم منه التحريف بالنقص أو بالزيادة ) ، فإما أن تكون من القرآن في أوائل السور فيثبت التحريف بالنقص لمن نفاها من علمائهم ، وإما أن لا تكون منه فيثبت التحريف بالزيادة لمن أثبتها منه ، فتحريف القرآن ثابت لعلمائهم بلا ريب (4) .

--------------------
(1) نيل الأوطار شرح منتقى الأخبار ج 2ص208 ط الحلبي الثانية (باب ما جاء في بسم الله الرحمن الرحيم) ، ولمعرفة اختلاف علماء أهل السنة في البسملة راجع موسوعة الفقة الإسلامي المقارن الشهيرة بموسوعة جمال عبد الناصر الفقيهة ج1ص94إلى97 .
(2) روح المعاني للآلوسي ج1ص39.
(3) باعتبار أن أحمد بن حنبل لم يكن من الفقهاء كأئمتهم الثلاثة وإنما كان محدثا يروي الروايات فقط ، لذا قول ابن حنبل دائما يعبر عنه ب‍ ( فيه روايتان عن أحمد ) .
(4) وهذا الوهابي ( عثمان الخميس ) قد اعترف بلسانه في شريطه ( الشيعة والقرآن) بأن علماءه اختلفوا في قرآنية البسملة نفيا وإثباتا فقال في الربع الأخير من الوجه الثاني للشريط : ( أما البسملة فلا خلاف بين أهل العلم أن النبي صل ـ كذا قالها ـ قرأ (بِاِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَانِ الرَّحِيمِ) في بداية قراءته لبعض سور القرآن ولكن الخلاف الذي وقع بينهم هل قرأها النبي صل ـ كذا قالها ـ على أنـها آية من القرآن أو قرأها للتبرك أو وضعت في المصحف للفصل بين السور ) ، وهذا اعتراف صريح منه بالاختلاف الذي يلزم منه أن شقا من علمائه محرف للقرآن بلا ريب ، فانقلب السحر على الساحر !

إعلام الخَلف بمن قال بتحريف القرآن من أعلام السّلف _ 524 _
أقوال سلفهم في أن ترك البسملة تحريف وإسقاط لآية
  أخرج البيهقي في شعب الإيمان بسنده : ( عن إبراهيم بن يزيد قال : قلت لعمرو بن دينار إن الفضل الرقاشي يزعم أن ( بِاِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَانِ الرَّحِيمِ ) ليس من القرآن ، قال : سبحان الله ، ما أجرأ هذا الرجل ! سمعت سعيد بن جبير يقول : سمعت ابن عباس يقول كان رسول الله صلى الله عليه (وآله) وسلم إذا نزلت عليه ( بِاِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَانِ الرَّحِيمِ ) علم أن تلك السورة قد ختمت وفتح غيرها ) .
  ( سمعت أبا جعفر حمد بن عبد الله المنادي يقول : سمعت أحمد بن حنبل يقول : من لم يقرأ مع كل سورة ( بِاِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَانِ الرَّحِيمِ ) فقد ترك مائة و ثلاثة عشرة آية ) .
  ( عن ابن عباس قال : من ترك ( بِاِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَانِ الرَّحِيمِ ) فقد ترك آية من كتاب الله عز وجل ) ، أقول : ومن البديهي أن من أنكرها فقد أنكر آية من كتاب الله عز وجل (1) ، وهذا هو التحريف .
  قال ابن قدامة الحنبلي: ( قال عبد الله بن المبارك : من ترك ( بِاِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَانِ الرَّحِيمِ ) فقد ترك مائة و ثلاث عشرة آية وكذلك قال الشافعي ) (2) .
  قال الغزّالي في المستصفي : ( ثم لما كانت البسملة أمر بما في أوّل كل أمر ذي بال ووجد ذلك في أوائل السور ظن قوم أنه كتب على سبيل التبرك وهذا الظن خطأ ، وكذلك قال ابن عباس رضي الله تعالى عنه سرق الشيطان من الناس آية من القرآن لما ترك بعضهم قراءة البسملة في أول السورة فقطع بأنـها آية ولم ينكر عليه كما ينكر على من ألحق التعوذ والتشهد بالقرآن فدل على أن ذلك كان مقطوعا به وحدث الوهم بعده ) (3) .

--------------------
(1) شعب الإيمان للعلامة البيهقي ج2 ص483ـ484 ح2330ـ2341 تحقيق أبي هاجر زغلول ط دار الكتب العلمية .
(2) المغني و الشرح الكبير لابن قدامة ج1 ص 524 ط ،دار الكتاب العربي ، وذكر البيهقي في شعب الإيمان ج2ص438ـ439 ح2339 ( قال عبد الله بن المبارك : من ترك بسم الله الرحمن الرحيم في فواتح السور فقد ترك مائة وثلاث عشرة آية من القرآن ) وفي ح2343 بسند آخر ( وقال ابن المبارك : من ترك بسم الله الرحمن الرحيم فقد ترك مائة و ثلاث عشرة آية من كتاب الله ).
(3) المستصفى ج1ص104 ط دار صادر ، الأميرية .

إعلام الخَلف بمن قال بتحريف القرآن من أعلام السّلف _ 525 _
  قال السيد ابن طاووس رضوان الله تعالى عليه ردا على أبي علي الجبّائي : ( ويقال له : إنك ادعيت في تفسيرك أن ( بِاِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَانِ الرَّحِيمِ ) ليست من القرآن ولا ترونـها آية من القرآن ، وهي مائة وثلاث عشرة آية في المصحف الشريف تزعمون أنـها زائدة وليست من القرآن ، وأن عثمان هو الذي أثبتها فيه على رأس السور فصلا بين السورتين ، فهل هذا إلاّ اعتراف منك يا أبا علي بزيادتكم أنتم في المصحف الشريف زيادةً لم تكن من القرآن ولا من آيه الكريمة ) (1) .
  وقال الفخر الرازي : ( وزعم القاضي أبو بكر أنـها من المسائل القطعية ، قال : والخطأ فيها إن لم يبلغ إلى حد التكفير فلا أقل من التفسيق (2) ، واحتج عليه بأن التسمية لو كانت من القرآن لكان طريق إثباته إما التواتر أو الآحاد والأول باطل ، لأنه لو ثبت بالتواتر كون التسمية من القرآن لحصل العلم الضروري بأنـها من القرآن ، ولو كانت كذلك لامتنع وقوع الخلاف فيه بين الأمة ، والثاني أيضا باطل ، لأن خبر الواحد لا يفيد إلا الظن فلو جعلناه طريقا إلى إثبات القرآن لخرج القرآن عن كونه حجة يقينية ولصار ذلك ظنيا ) (3) .‌
محاولة الفخر الرازي اليائسة !
  مع أن واقعهم يثبت أن الطريق لقرآنية هذه الآية أصبح ظنيا لكنهم لم يلتزموا بواقعهم المخزي ، لأنه مخزي ! ولكنه الواقع على أي حال ، لذا حاول الفخر الرازي دفع إشكال القاضي أبي بكر الباقلاني فقال :
  ( والذي عندي فيه أن النقل المتواتر ثابت بأن ( بِاِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَانِ الرَّحِيمِ ) كلام الله أنزله على محمد صلى الله عليه وآله وسلم ، وبأنه مثبت في المصحف بخط القرآن وعند هذا ظهر أنه لم يبق لقولنا أنه من القرآن أو ليس من القرآن فائدة إلا أنه حصل فيها أحكام شرعية هي من خواص القرآن مثل أنه هل يجوز للمحدث مسها أم لا ، ومعلوم أن هذه الأحكام اجتهادية ، فلما رجع حاصل قولنا

--------------------
(1) سعد السعود 145 .
(2) يقصد أن هؤلاء العلماء الذين اختلفوا في إثبات أو نفي البسملة كأبي حنيفة ومالك والشافعي وغيرهم لا يخلو الحكم عليهم إما بالكفر أو الفسق ولا ثالث لهما .
(3) التفسير الكبير ج1ص195 ط البهية ، مصر .