1 ـ الـبُزّي : هو أبو الحسن أحمد بن محمد بن عبد الله بن القاسم بن نافع بن أبي بزّة ، وُلد في 170 ه‍ وتوفي في 205 ه‍ .
  2 ـ قُـنبل : هو محمد بن عبد الرحمن بن محمد المكي المخزومي ، وُلد في 195ه‍ ، وتوفي في 291ه‍ ، قال في معجم الأدباء : ( قرأ على عبد الله بن كثير وكان من جلّة أصحابه ومن جهته انتشرت قراءته ) (1) .
  ونلاحظ هنا أن البُزّي لم يلق شيخه ، إذ ان بين وفاة الشيخ وولادة الراوي خمسين سنة ! وكذا قنبل لم يلق شيخه فإن بين وفاة الشيخ وولادته خمسا وتسعين سنة ، وقد ذكر ابن مجاهد الوسائط بين كل من الراويين وشيخهما فقال في كتاب السبعة في القراءات عند ذكره لطريق قنبل : ( أما قراءة ابن كثير فإني قرأت بـها على أبي عمر محمد بن عبد الرحمن بن محمد بن خالد بن سعيد بن جُرْجة المخزومي المكي ، ويلقّب قنبلا سنة ثمان وسبعين و مائتين ، وأخبرني أنه قرأ على أحمد بن محمد بن عون النّبال القوّاس ، وأخبره أنه قرأ على أبي الإخريط وهب بن واضح ، قال : وأخبرني أنه قرأ على إسماعيل بن عبد الله بن القُسطْ ، وأخبره إسماعيل أنه قرأ على شبل بن عبّاد ومعروف بن مشكان ، وأخبراه أنـهما قرآ على ابن كثير رحمه الله تعالى ).
  وقال عند ذكر طريقي البزّي : ( وأخبرني مضر بن محمد الأسدي ، قال : حدثني أبو الحسن أحمد بن محمد بن عبد الله بن القاسم بن نافع بن أبي بزّة– البزّي – سنة ست وثلاثين ومائتين ، قال : قرأت على عكرمة بن سليمان بن كثير بن عامر مولى جبير بن شيبة الحجبي ، قال : وأخبرني أنه قرأ على شبل بن عباد وعلى إسماعيل بن عبد الله بن قسطنطين مولى بني ميسرة وأخبراه أنـهما قرآ على ابن كثير مولى عمرو بن علقمة الكناني ).
  ( وأخبرني بـهذا الإسناد أحمد بن محمد ـ البزّي ـ قال : وقرأت على أبي الإخريط وهب بن وضّاح مولى عبد العزيز بن أبي روّاد ، وأخبرني أنه قرأ على إسماعيل بن عبد الله ، عن عبد الله بن كثير عن مجاهد ) (2) .
  فيتضح أن بين قنبل راوي القراءة وشيخه ابن كثير أربع وسائط ، وللبزّي طريقين كليهما بواسطتين .

--------------------
(1) معجم الأدباء ج 17 ص 17 ـ 18 ط ، دار المستشرق .
(2) كتاب السبعة في القراءات ص92 .

إعلام الخَلف بمن قال بتحريف القرآن من أعلام السّلف _ 277 _
  3 ـ أبو عمرو بن العلاء :
  زبان بن العلاء بن عمار أو العريان بن عبد الله بن الحصين بن الحارث المازني البصري إمام البصرة و مقرئها ، زعيم المدرسة البصرية في النحو ، وُلد في 68ه‍ ، وتوفي في 154ه‍ ، عرض على مجاهد بن جبر وسعيد بن جبير وعطاء بن يسار وعكرمة بن خالد ، وابن كثير وعرض بالمدينة على أبي جعفر يزيد بن القعقاع ويزيد بن رومان وشيبة بن نصاح ) (1) .
  وهو أكثر القراء شيوخا وترتفع قراءته عندهم إلى أمير المؤمنين علي بن أبي طالب عليه السلام وأبي بن كعب رضي الله عنه وزيد بن ثابت وأبي موسى الأشعري وعمر بن الخطاب ، واشتهرت قراءته على يد اثنين من الرواة روياها عن أبي عمرو بالواسطة وهما :
  1 ـ الدوري : هو أبو عمرو حفص بن عمر بن صَهْبان النحوي الدوري ، وُلد في 150ه‍ ، وتوفي في 240ه‍ .
  2 ـ السوسي : هو أبو شعيب صالح بن زياد بن عبد الله السوسي ، وُلد في 170ه‍ تقريبا ، وتوفي في 271 ه‍ ، وقد قارب التسعين سنة .
  وعدم التقائهما بأبي عمرو ظاهر ، وإنما رويا عنه بواسطة اليزيدي أبي محمد يحيى بن المبارك العدوي المتوفى في 202ه‍ ، فيكون الدوري قد بلغ عمره أربع سنين حينما توفي الشيخ ، والسوسي سيُولد بعد وفاة شيخه بأربع عشرة سنة.
  قال ابن مجاهد في كتاب السبعة في القراءات : ( وأخبرني ـ ابن عبدوس ـ أنه قرأ على أبي عمر ـ الدوري ـ وقرأ أبو عمر على اليزيدي وقرأ اليزيدي على أبي عمرو ) (2) وقال : ( وأخبرني علي بن موسى ، عن أبي شعيب صالح بن زياد السوسي ، عن اليزيدي عن أبي عمرو) (3) وقال في معرفة القرّاء الكبار : ( قرأ السوسي على اليزيدي وسمع بالكوفة من عبد الله بن نمير وأسباط بن محمد وبمكة من سفيان بن عيينة ) (4) .
  4 ـ حـمزة الزيات :
  حمزة بن حبيب بن عمارة بن إسماعيل الزيّات الكوفي التيمي ، مولاهم ، وُلد في 80 ه‍ ، وتوفي في 156ه‍ ، وقيل أنه قرأ على الإمام الصادق عليه السلام وعلى أبي محمد سليمان بن مهران الأعمش وعلى عمرو بن عبد الله السبيعي وعلى محمد بن عبد الرحمن بن أبي ليلى وعلى طلحة اليامي ، وتنتهي سلسلة رواة قراءته إلى أمير المؤمنين عليه السلام وابن مسعود وأبي بن كعب وعثمان بن عفان .

--------------------
(1) معرفة القراء الكبار للذهبي ج1ص101 .
(2) كتاب السبعة في القراءات ص 99 .
(3) كتاب السبعة في القراءات ص100 .
(4) معرفة القراء الكبار ج1ص193 .

إعلام الخَلف بمن قال بتحريف القرآن من أعلام السّلف _ 278 _
  ولقراءته راويان لم يلقيا حمزة الزيات وإنما روياها بالواسطة وهما :
  1 ـ خلف : خلف بن هشام بن طالب البزار ، وُلد في150ه‍ ، وتوفي 229ه‍ وقد شارف على الثمانين سنة .
  2 ـ خلاّد : أبو عيسى خلاّد بن خالد الأحول الصيرفي توفي في 220ه‍ .
  قال ابن مجاهد : ( وأخبرني محمد بن الجهم ، قال : حدثني خلف بن هشام ، عن سليم ، عن حمزة … و أخبرني موسى بن إسحاق عن أبي هشام ، عن سليم ، عن حمزة ).
  أما طريق خلاّد : ( وأخبرني يحيى بن أحمد بن هارون المزوق ، عن أحمد بن يزيد عن خلاّد عن سُليم ، عن حمزة ) (1) ، وفي طبقات القراء : ( خلاد بن خالد الكوفي إمام في القراءة ، ثقة عارف ، محقق ، أستاذ ، أخذ القراءة عرضاً على سُليم و هو أضبط أصحابه و أجلهم ) (2) .
  رويا قراءة حمزة الزيات بواسطة أبي عيسى سُليم بن عيسى الحنفي الكوفي المتوفى في سنة 188ه‍ .

--------------------
(1) كتاب السبعة في القراءات ص 97 ـ 98 .
(2) طبقات القراء ج1 ص 274 .

إعلام الخَلف بمن قال بتحريف القرآن من أعلام السّلف _ 279 _
  المجموعة الثانية :
  (1) عاصم بن بـهدلة :
  عاصم بن بـهدلة بن أبي النجود الأسدي مولاهم الكوفي ، أبو بكر المقرئ ، توفي في 127ه‍‍ أو 128ه‍ ، قرأ القرآن على أبي عبد الرحمن السُّلمي وعلى زرّ بن حُبيش ، ويرتفع إسناد هذين الراويين كما ذكر علماء أهل السنة إلى أمير المؤمنين علي بن أبي طالب عليه السلام وأبي بن كعب وابن مسعود وزيد بن ثابت وعثمان بن عفان ، وكلهم عن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم ، أما راويا قراءته فقد روياها عنه مباشرةً :
  1 ـ حفـص : هو حفص بن سليمان البزاز ، ربيب عاصم ، وُلد في 90ه‍ وتوفي في 180ه‍ .
  2 ـ أبو بـكر : هو شعبة بن عياش بن سالم الأسدي ، ولد في 95ه‍ ، وتوفي في 193ه‍ .
  (2) نـافـع المدني :
  نافع بن عبد الرحمن بن أبي نُعيم الليثي قارئ المدينة ، وُلد في 70ه‍‌ ، وتوفي في 169ه‍ ، قيل أنه قرأ على سبعين تابعيا ، وتنتهي سلسلة أسانيد قراءته كما يرى علماء أهل السنة إلى أُبي بن كعب وزيد بن ثابت ، وعمر بن الخطاب ، وهؤلاء عن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم .
  أما راوياه بالمباشرة فهما :
  1 ـ قالون : هو أبو موسى عيسى بن ميناء بن وردان المدني ، وُلد في 120ه‍ ، وتوفي في 205ه‍ .
  2 ـ ورش : هو أبو سعيد عثمان بن سعيد المصري ، ولد في 121 ه‍ ، وتوفي في 197ه‍ .
  (3) علي بن حمزة الكسائي :
  أبو الحسن علي بن حمزة بن عبد الله بن بـهمن بن فيروز الكوفي ، وُلد في حدود في 120ه‍ ، وتوفي في 189ه‍ ، وقرأ الكسائي على شيخه حمزة الزيات وعليه اعتماده وتنتهي أسانيد الكسائي إلى ما تنتهي له أسانيد قراءة حمزة .
  وله راويان بالمباشرة :
  1 ـ الليث : هو أبو الحارث الليث بن خالد المروزي ، توفي في 140ه‍ .
  2 ـ الدوري : تقدم الكلام عنه .
  وإلى هنا يتّضح جليا فساد قول من قال إن جميع هؤلاء الرواة مباشرون للقرّاء ، وهذا للفاصل الزمني المانع من ملاقاة الراوي لشيخ القراءة ، حتى أن الاختراع ظاهر في إسناد بعض هؤلاء السبعة كإسناد قراءة ابن عامر ، ولا يوجد لاختيار هؤلاء السبعة مستند شرعي ولا لعددهم أيضا بل كله يرجع لاختيار شخص اسمه ابن مجاهد ، وكثير من العلماء المعاصرين لابن مجاهد ومن قارب عصره استنكروا تسبيعه للقرّاء لأنه شبّه بـذلك على العوام وألبس عليهم بأن هذه القراءات هي الأحرف السبعة المذكورة في الأثر .

إعلام الخَلف بمن قال بتحريف القرآن من أعلام السّلف _ 280 _
  تواتر القراءات السبع :
  الخبر المتواتر هو الخبر المفيد لليقين الذي ينقله جمع عن جمع تحيل العادة تواطأهم على الكذب ، قال الشيخ المظفر رضوان الله تعالى عليه : ( والمتواتر : ما أفاد سكون النفس سكوناً يزول معه الشك ويحصل به الـجزم القاطع من أجل أخبار جماعة يمتنع تواطؤهم على الكذب ) (1) .

--------------------
(1) أصول الفقه ج2ص60 .

إعلام الخَلف بمن قال بتحريف القرآن من أعلام السّلف _ 281 _
  علاقة تواتر القرآن بتواتر القراءات :
  قبل الخوض في بيان قيمة هذا الادعاء أقصد تواتر القراءات السبعة نلفت القارئ إلى أن بعض علماء أهل السنة ذهب إلى أن تواتر القراءات وعدمها لا يلزم منه إثبات تواتر القرآن وعدمه وذلك لأن القرآن والقراءات حقيقتان متغايرتان ، فلا ملازمة بين سلب التواتر عن أحدهما وسلبه عن الآخر ، وقالوا إن القرآن الكريم هو ما نزل به جبرائيل عليه السلام على قلب الرسول الأعظم صلى الله عليه وآله وسلم وهو ما أخذه المسلمون من الصحابة والتابعين أخذ الكل عن الكل ، وله صورة ثابتة في المصحف الذي اجتمعت الأمة على صحّة كل ما فيه ، فألفاظه مدّونة في المصحف على مرّ العصور ، و‌‌أما لو قلنا بأن القراءات السبع أو العشر غير متواترة فهذا يعني أن طريقة تأدية المادة القرآنية من كلمات وأحرف وكيفية التلفظ بـها وبيان مخارجها غير متواترة ، فكلامنا هنا متوجّه بنحو الخصوص إلى ما تميّز به كل قارئ من مدّ وإشمام ونبر وإمالة وتفخيم وما إلى ذلك من أساليب القراءة ، وليس إلى المادة القرآنية ، فهناك تغاير واضح بين الحقيقتين ، وهذا ما ذكره الإمام الزركشي في البرهان حيث قال :
  ( للقرآن والقراءات حقيقتان متغايرتان ، فالقرآن هو الوحي المنـزل على محمد صلى الله عليه (وآله) وسلم للبيان و الإعجاز ، والقراءات اختلاف ألفاظ الوحي المذكور في الحروف وكيفيتها من تخفيف وتشديد غيرهما ) (1) .
  وقال في مناهل العرفان : ( فإن القول بعدم تواتر القراءات السبع لا يستلزم القول بعدم تواتر القرآن كيف وهناك فرق بين القرآن والقراءات السبع بحيث يصح أن يكون القرآن متواترا في غير القراءات السبع أو في القدر الذي اتفق عليه القراء جميعا أو في القدر الذي اتفق عدد يؤمن تواطؤهم على الكذب قراء كانوا أو غير قراء بينما تكون القراءات السبع غير متواترة وذلك في القدر الذي اختلف فيه القراء ولم يجتمع على روايته عدد يؤمن تواطؤهم على الكذب في كل طبقة وإن كان احتمالا ينفيه الواقع كما هو التحقيق الآتي ) (2) .
  أقول : إن قصد أن القرآن شيء واختصاص فلان بطريقة معينة لأداء الحروف كالنبر والإشمام والإمالة وغيرها شيء آخر فهذا صحيح ، أما إن قصد أن القرآن شيء والقراءة شيء آخر حتى يحترز من عدم تواتر القرآن حال عدم تواتر القراءة فهذا غير صحيح ، فالقرآن النازل ليس هو المكتوب والمخطوط ، وإنما الكلام المعجز الملفوظ المنـزل من عند الله عز وجل :

--------------------
(1) البرهان في علوم القرآن للزركشي ج1ص318 ، بتحقيق محمد أبو الفضل إبراهيم ، وهو الرأي في البيان والتمهيد .
(2) مناهل العرفان للزرقاني ج1ص301.

إعلام الخَلف بمن قال بتحريف القرآن من أعلام السّلف _ 282 _
  ( القرآن : هو المنـزل على الرسول المكتوب في المصاحف المنقول عنه نقلاً متواتراً بلا شبهة ) (1) ، وكذا هو : ( الكلام المنـزل للإعجاز بآية منه المتعبد بتلاوته ) (2) .
  وهذا الملفوظ المعجز كتب فيما بعد في الصحف بالخط القديم بلا ألفات وبلا تشكيل أو تنقيط ، والكلمة تتكون في الحقيقة من مادة وهيئة ولا يمكن تأديتها على الوجه الصحيح إن أخللنا بـهيئة الكلمة (3) ، وعليه كيف يمكن القول بتواتر القرآن مع عدم القول بتواتر هيئات كلماته ! ، ومن غير المعقول أيضا أن يحقق الرسول صلى الله عليه وآله وسلم مصداق القرآن المنـزل ويؤديه بلا نقص فيه أو خلل بإهمال هيئة الكلمة التي هي جزء لا يتجزأ من الكلمة نفسها ، وبعد فليس بمقنع ما ذكره أحد الأعلام : ( إن الاختلاف في القراءة إنما يكون سبباً لالتباس ما هو القرآن بغيره ، وعدم تميزه من حيث الـهيئة أو من حيث الإعراب ، وهذا لا ينافي تواتر أصل القرآن ، فالمادة متواترة وإن اختلف في هيئتها أو في إعرابـها ، وإحدى الكيفيتين أو الكيفيات من القرآن قطعا وإن لم تعلم بخصوصها ).
  إذ لا يكفي هذا لإثبات تواتر القرآن تفصيلا ، نعم ! يثبت التواتر الإجمالي لآيات القرآن الكريم ، مع أن القرآن بجميع سكناته وحركاته وإعرابه وتمام هيئته متواتر متصل بنقل الكافة عن الكافة ، وهذا صريح ما ذكره علماء الشيعة الإمامية سددهم الله تعالى ، أما تشبيه تواتر القرآن بتواتر أصل هجرة النبي صلى الله عليه وآله وسلم بلا تواتر لخصوصياتـها فهذا لا يمكن التسليم به ، وهذه القراءة المتداولة اليوم هي المتواترة عن الرسول صلى الله عليه وآله وسلم في جميع العصور والأمصار وهي قراءة عاصم برواية حفص .
  ووجدت قولا قيما للمحقق الهمداني رضوان الله تعالى عليه في مصباح الفقيه يقول فيه :
  ( إن الصدق العرفي مبني على نحو من التوسع وإلا فالكلمة الملحونة غير الكلمة التي هي من أجزاء المقروء خصوصا إذا كان اللحن في حركاتـها الأصلية ، فإن للهيئة التي هي بمنـزلة الجزء الصوري للكلمة كالمادة دخلا في قوام ماهية الكلمة بحسب وضعه ، ولذا صح توصيفه باللحن ، وهكذا الكلام في الحركات العارضية الخاصة للكلام بواسطة الوضع التركيبي من رفع الفاعل ونصب المفعول ، فصدق قراءة الحمد أو الشعر الفلاني مع اللحن غير المغير للمعنى ليس إلا كصدقه مع اللحن المغير للمعنى أو مع تحريف بعض كلماته فإنه يصدق عليه اسم القراءة ، ولكن مع اتصافها بعدم الصحة

--------------------
(1) التعريفات للجرجاني .
(2) البحر المحيط ج1ص441 .
(3) مادة الكلمة هي الأحرف الثابتة في الكلمة التي لا تتغير وإن تغيّر تصريفها ، مثلا كاتب ويكتب وكتاب واستكتب مادتـها هي ( ك،ت،ب ) ، والـهيئة هي الصورة الفعلية للكلمة كما هي الأمثلة السابقة فكل منها ذات صورة خاصة تشكلت منها مادة ( ك،ت،ب ) ، فالمادة من غير الهيئة لا تكفي لبيان كل المعاني المرجوة كما هو واضح .

إعلام الخَلف بمن قال بتحريف القرآن من أعلام السّلف _ 283 _
  أي بعدم الإتيان بجميع أجزائها على ما هي عليها بمقتضى وضعها الأفرادي أو التركيبي وإلا لم تكن توصف بعدم الصحة ، والحاصل أنه يعتبر في كون المقروء قرآنا حقيقة كونه بعينه هي الماهية المنـزلة من الله تعالى على النبي صلى الله عليه وآله مادة وصورة وقد أنزله الله تعالى بلسان عربي ، فالإخلال بصورته التي هي عبارة عن الهيئات المعتبرة في العربية بحسب وضع الواضع كالإخلال بمادته مانع عن صدق كونه هي تلك الماهية وصدق اسم قراءة القرآن على المجموع المشتمل على الجزء الملحون إما من باب التجوز أو التغليب ، وإلا فيصح أن يقال إن هذه الكلمة بـهذه الكيفية ليست بقرآن كما هو واضح ، وكيف كان فلا ينبغي الارتياب في أنه لا يجوز الإخلال عمدا بشيء من الأعراف المعتبر في صحتها من حيث العربية ) (1) .
  فالقرآن الكريم المنـزل هو الملفوظ ، وهذا اللفظ تواتر بمادته وبـهيئته أيضا في قراءة واحدة مشهورة بين المسلمين منذ فجر الرسالة إلى يومنا الحاضر وهذه القراءة نسبت لعاصم في عصر متأخر .
  نعم يصح ما ذكره علماء أهل السنة من التفكيك بين القرآن والقراءات إجمالا مع إغماض الطرف عما تحويه القراءات السبع من القراءة المتواترة التي هي القرآن عينه ، فإن القرآن والقراءات ككل وبنظرة عامة حقيقتان متغايرتان ولا نقصد أنه حقيقة متغايرة مع قراءة عاصم برواية حفص ، لذا مرادنا هو أن قراءة عاصم غير القراءات القرآنية الباقية.

--------------------
(1) مصباح الفقيه ج2ص273 للمحقق الهمداني رضوان الله تعالى عليه ، منشورات مكتبة الصدر .
  هل القراءات متواترة ؟
  القراءات ـ غير قراءة عاصم ـ ليست بمتواترة عن الرسول الكريم صلى الله عليه وآله وسلم لأسباب ، منها أسباب راجعة إلى حال الإسناد والطرق التي تبطل دعوى التواتر ، ومنها أسباب ذاتية في القراءات نفسها تمنع تواترها عن الرسول صلى الله عليه وآله وسلم وسنذكر أخيرا شهادة علماء أهل السنة على ذلك بإذنه تعالى .
  * من جهة طرقها :
  1 ـ إن اختصاص كل قراءة بفلان من الناس ونسبتها إليه دون غيره دليل على عدم تحقق التواتر في نفس طبقة القارئ وإلا لما تمييّز بـهذه القراءة دون غيره ، والتواتر يلزم منه نقل العدد الذي تمنع العادة تواطأهم على الكذب في كل الطبقات ، وهنا تنخرم هذه الضابطة لو سلمنا بوجودها في كل الطبقات الأخرى .

إعلام الخَلف بمن قال بتحريف القرآن من أعلام السّلف _284 _
  2 ـ النظر في إسناد كل قارئ من القراء ينادي بعدم تواتره لكونـها طرق آحاد ، بل بعض تلك الأسانيد غير متصلة فضلا عن تواترها .
  3 ـ رواة القراءة الواحدة من الصحابة لا يتعدون الراويين أو الثلاثة ، فمن أين يأتيها التواتر ؟!
  قال المحقق النجفي رضوان الله تعالى عليه في الجواهر : ( وبالجملة من أنكر التواتر منا ومن القوم خلق كثير بل ربما نسب إلى أكثر قدمائهم تجويز العمل بـها وبغيرها لعدم تواترها ويؤيده أن من لا حظ ما في كتب القراءة المشتملة على ذكر القراء السبعة ومن تلمذ عليهم ومن تلمذوا عليه يعلم أنه عن التواتر بمعزل إذ أقصى ما يذكر لكل واحد منهما واحد أو اثنان على أن تواتر الجميع يمنع من استقلال كل من هؤلاء بقراءة بحيث يمنع الناس عن القراءة بغيرها ويمنع من أن يغلط بعضهم بعضا في قراءته بل ربما يؤدي ذلك إلى الكفر كما اعترف به الرازي في المحكي من تفسيره الكبير ) (1) .
  4 ـ الإدراج والإقحام في بعض الطرق كطريق ابن عامر دليل على عدم تواترها ، فلو كانت الطرق متواترة لما اضطروا لاختلاق الإسناد والرواة ! ، فإن التواتر يعني جمع من الرواة ويكفي أي منهم لاتصال السند !
  * من جهة القراءة نفسها :
  5 ـ اختلاف نقل نفس راويي القراءة الواحدة عن الشيخ ، فلو كانت متواترة لما أمكن اختلافهما في شيء من قراءته لأن التواتر يفيد التيقّن من قراءة الشيخ (2) ، وهذا دليل على كون اختلاف القراءات ناتجا من اجتهادات القراء ، وأن منبعها الأساسي والوحيد هو القارئ بلا دخالة للسنة النبوية فيها .

--------------------
(1) جواهر الكلام ج9ص293-294 ط دار الكتب الإسلامية .
(2) إلا أن يقال أن حدود التواتر هو ما فوق الشيخ ، وهذا ينفي التواتر كما هو واضح !

إعلام الخَلف بمن قال بتحريف القرآن من أعلام السّلف _ 285 _
  قال العلامة الحجة البلاغي رحمه الله : ( وأن القراءات السبع فضلا عن العشر إنما هي في صورة بعض الكلمات لا بزيادة كلمة أو نقصها ، ومع ذلك ما هي إلا روايات آحاد عن آحاد لا توجب اطمئنانا ولا وثوقا فضلا عن وهنها بالتعارض ومخالفتها للرسم المتداول بين عامة المسلمين في السنين المتطاولة ، وأن كلا من القراء هو واحد لم تثبت عدالته ولا ثقته يروي عن آحاد حال غالبهم مثل حاله ويروي عنه آحاد مثله وكثيرا ما يختلفون في الرواية عنه ، فكم اختلف حفص عن شعبة في الرواية عن عاصم ، وكذا قالون وورش في الرواية عن نافع ، وكذا قنبل والبزي في رواياتـهما عن أصحابـهما عن ابن كثير ، وكذا رواية أبي عمر وأبي شعيب في روايتهما عن اليزيدي عن أبي عمر ، وكذا رواية ذكوان وهشام عن أصحابـهما عن ابن عامر ، وكذا رواية خلف وخلاد عن سليم عن حمزة ، وكذا رواية أبي عمر وأبي الحارث عن الكسائي، مع أن أسانيد هذه القراءات الآحادية لا يتصف واحد منها بالصحة في مصطلح أهل السنة في الإسناد فضلا عن الإمامية كما لا يخفى ذلك على من جاس خلال الديار ، فيا للعجب ممن يصف هذه القراءات السبع بأنـها متواترة .
  هذا و كل واحد من هؤلاء القراء يوافق بقراءته في الغالب ما هو المرسوم المتداول بين المسلمين وربما يشذ عنه عاصم في رواية شعبة ، إذن فلا يحسن أن يعدل في القراءة عما هو المتداول في الرسم والمعمول عليه بين عامة المسلمين في أجيالهم إلى خصوصيات هذه القراءات ،مضافا إلى أنا معاشر الإمامية قد أمرنا بأن نقرأ كما يقرأ الناس أي نوع المسلمين وعامتهم ) (1) .
  6 ـ إنكار كبار علماء أهل السنة بعض القراءات الشاذة لـهؤلاء القراء السبعة وهذا يدل على عدم تواترها ، فلو كانت متواترة عن الرسول الأعظم صلى الله عليه وآله وسلم لما تجرّأ أحدهم على رفضها وإنكارها ، خاصة وأنـهم يكفرون من أنكر قراءة متواترة عنه صلى الله عليه وآله وسلم .
  فهذا الإمام أحمد بن حنبل كان ينكر على حمزة كثيراً من قراءاته ، وكان يكره أن يُصليّ خلف من يقرأ بقراءته ، فإذا كانت قراءة حمزة ـ وهو من السبعة ـ متواترة عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم فما الذي دعاه لكراهة قراءة ثبت أنه صلى الله عليه وآله وسلم قرأ بـها ؟! أليس هذا هو الكفر بعينه ؟!

--------------------
(1) من مقدّمة تفسير آلاء الرحمن ج1ص29 ـ 30 ط مكتبة الوجداني ، مدينة قم المقدسة .

إعلام الخَلف بمن قال بتحريف القرآن من أعلام السّلف _ 286 _
  وكذا كان أبو بكر بن عيّاش يقول : قراءة حمزة عندنا بدعة ، وقال ابن دريد : إني لأشتهي أن يخرج من الكوفة قراءة حمزة ، وكان المهدي يقول : لو كان لي سلطان على من يقرأ قراءة حمزة لأوجعت ظهره وبطنه ، وكان يزيد بن هارون يكره قراءة حمزة كراهة شديدة (1) ، وهاك بعض الاعتراضات التي اعترض بـها على قراءة القراء السبعة والتي تنسف دعوى تواترها من الأساس .
  الاعتراضات التي سجلت على القراءات السبعة !
  * قراءة حمزة لكلمة الأرحام مجرورة عطفا على الضمير المجرور في قوله تعالى ( وَاتَّقُوا اللَّهَ الَّذِي تَسَاءَلُونَ بِهِ وَالأَرْحَامَ ) (النساء / 1 ) ، قال الزجاج : ( إن القراءة الجيدة نصب ( الأَرْحَام ) وأما الخفض في العربية فإن إجماع النحاة أنه يقبح أن يعطف اسم ظاهر على اسم مضمر في حالة الخفض بإظهار الخافض ) (2)   وقال العلامة الزمخشري : ( وقراءة حمزة (والأَرْحَامَ) بالجر ليست بتلك القوية ) ، وقال في موضع آخر ( وليس بسديد ) (3) ، وقد حرّم أبو العباس المبرد القراءة بـها (4) ، وقد روى الفارسي عنه أكثر من ذلك فقد ذكر عنه قوله : ( لو صليت خلف إمام يقرأ ( وَاتَّقُوا اللَّهَ الَّذِي تَسَاءَلُونَ بِهِ وَالأَرْحَام ) بالجر ، لأخذت نعلي ومضيت ) (5).
  قال الآلوسي : ( وحكي قول النحاس عن قراءة حمزة : ما علمت أحدا من أهل العربية بصريا ولا كوفيا إلا وهو يخطئ قراءة حمزة ، فمنهم من يقول : هي لحن لأنه لم يأت إلا بمفعول واحد ( ليحسبن ) وممن قال هذا أبو حاتم ) (6) .
  * قراءة ابن عامر لقوله تعالى ( وَكَذَلِكَ زَيَّنَ لِكَثِيرٍ مِنَ الْمُشْرِكِينَ قَتْلَ أَوْلاَدِهِمْ شُرَكَاؤُهُمْ ) ( الأنعام / 137 )، بجر شركائهم على أن قتل مضاف وشركائهم مضاف إليه وأولادهم مفعول به منصوب لقتل ، قال العلامة الزمخشري :

--------------------
(1) تلخيص التمهيد ص257 نقلا عن تـهذيب التهذيب لابن حجر ج3 ص 27 ـ 28 .
(2) أثر القرآن والقراءات في النحو العربي للدكتور محمد اللبدي ص322 الناشر دار الكتب الثقافية .
(3) المصدر نفسه ، قول الزمخشري الأول نقلا عن المفصل ج2ص74 والثاني عن الكشاف ج1ص372.
(4) شرح المفصل ج3ص78 .
(5) أثر القرآن والقراءات ص323 نقلا عن فتح القدير ج1ص383.
(6) روح المعاني ج18ص209.

إعلام الخَلف بمن قال بتحريف القرآن من أعلام السّلف _ 287 _
  ( وقرئ زين على البناء للفاعل الذي هو شركاؤهم ، ونصب قتل أولادهم وزين على البناء للمفعول الذي هو القتل ، ورفع شركاؤهم بإضمار فعل دل عليه زين كأنه قيل لما قيل زين لهم قتل أولادهم ، زينه فقيل زينه لهم شركاؤهم ، وأما قراءة ابن عامر قتل أولادهم شركائهم برفع القتل و نصب الأولاد و جر الشركاء على إضافة القتل إلى الشركاء و الفصل بينهما بغير الظرف فشيء لو كان في مكان الضرورات وهو الشعر لكان سمجاً مردوداً كما سمج وردّ ( زج القلوص أبي مزاده ) فكيف به في الكلام المنثور ؟! فكيف به في القرآن المعجز بحسن نظمه و جزالته ؟! والذي حمله على ذلك أن رأى في بعض المصاحف شركائهم مكتوبا بالياء ، ولو قرئ الأولاد والشركاء لأن الأولاد شركاؤهم في أموالهم لوجد في ذلك مندوحة عن هذا الارتكاب ) (1) .
  وفي أثر القرآن والقراءات : ( وقد أنكرها ابن حمدان واعتبرها زلة ، وممن أنكرها ابن عصفور ، وتبعهما في ذلك النحاس الذي يقول عنها ( إنـها قراءة لا تجوز في كلام ولا في شعر ) ، ثم نجد الشوكاني أيضا في تفسيره يعلن عدم تواتر هذه القراءة ويقول فيها ( فمن قرأ بما يخالف الوجه النحوي فقراءته ردت عليه ) ) (2) .
  * قراءة نافع لقوله تعالى ( وَجَعَلْنَا لَكُمْ فِيهَا مَعَايِشَ ) ( الأعراف / 10 ) ، وقال : ( لقد تعقب النحاة هذه القراءة فردها البصريون ، وفي ذلك يقول الزجاج : جميع نحاة البصرة تزعم أن همزها خطأ ، ولا أعلم لها وجها إلا التشبيه بصحيفة وصحائف ولا ينبغي التعويل على هذه القراءة ولا يلتفت إليها ، ويقول النحاس عن هذا الهمز إنه لحن لا يجوز ، ويتطاول المازني على صاحب القراءة بقوله : أصل أخذ هذه القراءة عن نافع ولم يكن يدري ما العربية ، وله أحرف يقرؤها لحنا نحوا من هذا ) (3) .
  * قراءة الكسائي وحمزة لقوله تعالى ( وَلَبِثُوا فِي كَهْفِهِمْ ثَلاَثَ مِائَةٍ سِنِينَ وَازْدَادُوا تِسْعًا ) ( الكهف / 25 )، بإضافة مائة إلى سنين ، قال : ( وقد خطأها المبرد ولم يجوزها إلا في الشعر ضروة بقوله ( وهذا خطأ في الكلام غير جائز وإنما يجوز مثله في الشعر للضرورة ) ) (4) .

--------------------
(1) الكشاف للزمخشري ج2 ص54 ط الحلبي الأخيرة .
(2) أثر القرآن والقراءات ص323 .
(3) ن.م ص323 ـ 324.
(4) ن.م ص324.

إعلام الخَلف بمن قال بتحريف القرآن من أعلام السّلف _ 288 _
  وهذا يعني أن تلك القراءات كانت مجرد اجتهادات من القرّاء أنفسهم يعترض بـها عليهم ، وقد خالف القراء المقاييس في قراءاتـهم حتى وصفت كثير من الموارد بالشذوذ من قبل العلماء بل حتى من قبل القراء أنفسهم ، ولذا راجع كتاب التيسير لأبي عمرو الداني فقد جمع الكثير من القراءات الشاذة عن هؤلاء القرّاء ، وكل هذه الاعتراضات لا وجه لها لو كانت هذه القراءات متواترة في نظرهم عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم فإن المسلم لا ينكر شيئا ثبت تواتره عن الشرع .
  7 ـ ادعاء كل من القراء صحة قراءته دون قراءة الغير وإعراضه عنها ، ولو كانت كلها متواترة عن الرسول الأعظم صلى الله عليه وآله وسلم لما أمكنهم الإعراض والطعن على بعضها ، وقد مرّ طعن أبي بكر بن عياش المقرئ على قراءة حمزة ونعتها بالبدعة ! ، وسيأتي كلام الفخر الرازي بإذنه تعالى .
  8 ـ ذكر توجيهات ومبررات لقراءاتـهم ، مثل موافقتها للعربية في شواذ أشعار العرب وإرجاع علّة القراءة إلى غير السماع من رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم وغيرها من الأمور التي تدل على أنـها لم تكن توقيفية بل ناشئة عن اجتهادات القرّاء ، وإلا لما تكلف العلماء ذكر توجيهات بعيدة مع العدول عن الأدلة الشرعية .
  9 ـ إرجاع الراوي قراءته لاستنتاجه ورأيه الشخصي وإلى ما توصل إليه ، وهذا كان شائعا ذائعا بينهم ، فلو كانت مأثورة -فضلا عن تواترها- عن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم لأسندها إليه ، لا أن يجتهد فيها ويقدم رأيه !
  قال ابن مجاهد : " قال لي قنبل : قال القواس في سنة 237 : الق هذا الرجل ـ البزّي ـ فقل له : هذا الحرف ليس من قراءتنا ، يعني ( وما هو بميت ) مخففاً ، وإنما يخفف من الميت من قد مات ، وأما من لم يمت فهو مشدد ، فلقيت البزيّ فأخبرته ، فقال : قد رجعت عنه ) (1) .
  ولو كان القراء يتبعون ما قرأ به النبي صلى الله عليه وآله وسلم فكيف يرجع عنها لاجتهاد فلان من الناس ؟!

--------------------
(1) مناهل العرفان ج1ص452 ، ط الحلبي الثالثة .

إعلام الخَلف بمن قال بتحريف القرآن من أعلام السّلف _ 289 _
  وإتماما للفائدة نذكر بعض موارد اجتهاد السلف من الصحابة والتابعين في نصوص القرآن مما ينافي تواتر القراءات ، بل وأكثر من ذلك فإن بعضها ينفي تواتر قراءة الرسول صلى الله عليه وآله نفسها ! :
  ( وأخرج عبد بن حميد عن يحيى عن يعمر أنه قرأ ( إن الباقر تشابه علينا ) وقال : إن الباقر أكثر من ( الْبَقَرَ ) ( البقرة / 70 ) ) (1) .
  ( وأخرج عبد بن حميد عن عيسى بن عمر قال : قال الأعمش : نحن نقرأ ( لا يعبدون إلا الله ) بالياء لانا نقرأ آخر الآية ( ثم تولوا عنه ) وأنتم تقرؤون ( ثُمَّ تَوَلَّيْتُمْ ) ( البقرة / 83 ) ، فاقرؤوها ( لاَ تَعْبُدُونَ ) ) (2) .
  وهذا الأعمش يقسّم القراءة برأيه ! ، وهو من شيوخ حمزة الزيات أحد القراّء السبعة ، ولو كانت القراءة توقيفية لعلله الأعمش بقوله إن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم كان يقرأ بـهما .
  ( وأخرج أبو عبيد وابن المنذر عن يحيى بن يعمر انه كان يقرؤها ( جبرال ) ويقول : جبر هو عبد وآل هو الله ) (3) ، والآية هي ( وَجِبْرِيلَ وَمِيكَالَ ) ( البقرة / 98 )، ولكن يحيى جعلها بجتهاده على وزن ميكال !
  ( وأخرج سعيد بن منصور وأبو داود في ناسخه وابن جرير عن عكرمة أنه كان يقرؤها ( على الذين يطوقونه ) وقال : ولو كان يطيقونه إذن صاموا ) (4) ، مع أن الآية هكذا ( وَعَلَى الَّذِينَ يُطِيقُونَهُ فِدْيَةٌ طَعَامُ مِسْكِينٍ ) ( البقرة / 184 )، وهذا اجتهاد في مقابل النص القرآني .
  ( أخرج أبو عبيد وسعيد بن منصور وعبد بن حميد وابن جرير وابن المنذر وابن أبى حاتم وابن الأنباري في المصاحف من طرق عن ابن عباس انه قرأ ( ولم تجدوا كتابا ) وقال : قد يوجد الكاتب ولا يوجد القلم ولا الدواة ولا الصحيفة والكتاب يجمع ذلك كله ).
  ( وأخرج عبد بن حميد عن أبى العالية انه كان يقرأ ( فان لم تجدوا كتابا ) قال : يوجد الكاتب ولا توجد الدواة ولا الصحيفة ، وأخرج ابن الأنباري عن الضحاك مثله ) .

--------------------
(1) الدر المنثور ج1ص78 ، ط دار المعرفة .
(2) ن.م ج1ص85.
(3) ن.م، ج1ص91.
(4) ن.م، ج1ص178.

إعلام الخَلف بمن قال بتحريف القرآن من أعلام السّلف _ 290 _
  ( وأخرج عبد بن حميد عن ابن عباس أنه كان يقرؤها ( فإن لم تجدوا كتابا ) وقال الكتّاب كثير لم يكن حواء من العرب إلا كان فيهم كاتب ولكن كانوا لا يقدرون على القرطاس والقلم والدواة ) (1) .
  والآية هي ( وَإِنْ كُنتُمْ عَلَى سَفَرٍ وَلَمْ تجِدُوا كَاتِبًا ) ( البقرة / 283 ) ، وهذا اجتهاد في مقابل النص ! فأين التوقيف والاتباع لقراءة النبي صلى الله عليه وآله وسلم مع أنـهم يذكرون آراءهم لتعليل القراءة ؟!
  ( وأخرج أبو عبيد وسعيد بن منصور وعبد بن حميد وابن جرير وأبو الشيخ عن ابن عباس أنه كان يقرأ ( من الذين استحق عليهم الأولين ) ويقول : أ رأيت لو كان الأوليان صغيرين كيف يقومان مقامهما ؟ ) (2) ، والآية هي هكذا ( مِنْ الَّذِينَ اسْتَحَقَّ عَلَيْهِمْ الأَوْلَيَانِ ) ( المائدة / 107 ) .
  ( وأخرج ابن أبى حاتم عن الأصمعي قال : قرأ أبو عمر ( ويقضي الحق ) وقال : لا يكون الفصل إلا بعد القضاء ) ، والآية هي ( إِنْ الْحُكْمُ إِلاَّ لِلَّهِ يَقُصُّ الْحَقَّ وَهُوَ خَيْرُ الْفَاصِلِينَ ) (الأنعام / 57 ).
  ( وأخرج ابن أبى حاتم من طريق حسن بن صالح بن حي عن مغيرة عن إبراهيم النخعي أنه قرأ ( يقضي الحق وهو خير الفاصلين ) قال ابن حي : لا يكون الفصل إلا مع القضاء ) (3) ، والآية هي هكذا ( يَقُصُّ الْحَقَّ وَهُوَ خَيْرُ الْفَاصِلِينَ ) ( الأنعام / 57 ) .
  قال أبو العباس المبرّد : ( أما قراءة أهل المدينة ( هَؤُلاَءِ بَنَاتِي هُنَّ أَطْهَرُ لَكُمْ ) ( هود / 78 ) ، فهو لحن فاحش وإنما هي قراءة ابن مروان ولم يكن له علم بالعربية ) (4) .
  وهذا يخطئ قراءة المسلمين ويرد قراءة رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم كما هو الحال في الموارد السابقة واللاحقة ! فهل تصح دعوى التوقيف بعد هذا ؟!

--------------------
(1) ن.م، ج1ص373 .
(2) ن.م، ج2ص344.
(3) ن.م، ج3ص14.
(4) المقتضب ج4 ص105 من أراد الزيادة فليرجع للتمهيد في علوم القرآن .

إعلام الخَلف بمن قال بتحريف القرآن من أعلام السّلف _ 291 _
  ( وأخرج عبد بن حميد وابن جرير عن الضحاك أنه قال كيف تقرؤون هذه الآية ( يذرك ) قالوا : ( وَيَذَرَكَ وَآلِهَتَكَ ) ( الأعراف / 127 )، فقال الضحاك : إنما هي ( إلاهتك ) أي عبادتك ألا ترى أنه يقول ( أَنَا رَبُّكُمُ الأَعْلَى ) ( النازعات / 24 ) ) .
  ( وأخرج ابن أبى حاتم وأبو الشيخ عن سليمان التيمي قال : قرأت على بكر بن عبد الله ( وَيَذَرَكَ وَآلِهَتَكَ ) قال بكر : أتعرف هذا في العربية ؟ فقلت : نعم ، فجاء الحسن فاستقرأني بكر فقرأتـها كذلك فقال الحسن ( وَيَذَرَكَ وَآلِهَتَكَ ) ،فقلت للحسن : أو كان يعبد شيئا ؟ قال : إي والله إن كان ليعبد ، قال سليمان التيمي : بلغني : أنه كان يجعل في عنقه شيئا يعبده ، قال : وبلغني أيضا عن ابن عباس أنه كان يعبد البقر ) (1) .
  ( وأخرج ابن أبى حاتم عن عكرمة أنه قرأ ( ما كان للمشركين أن يعمروا مسجد الله ) قال : إنما هو مسجد واحد ) (2) ، والآية هي هكذا ( مَا كَانَ لِلْمُشْرِكِينَ أَنْ يَعْمُرُوا مَسَاجِدَ اللَّهِ شَاهِدِينَ عَلَى أَنفُسِهِمْ بِالْكُفْرِ ) ( التوبة / 17 ).
  ( وأخرج أبو عبيدة وابن جرير وابن المنذر عن الحسن أنه قال ( ولا أدرأتكم به ) يعنى بالهمز ، قال الفراء : لا أعلم هذا يجوز من دريت ولا أدريت إلا أن يكون الحسن همزها على طبيعته فان العرب ربما غلطت فهمزت ما لم يهمز ) ، فأين الاتباع من هذه الاعتراضات والاجتهادات ؟! والآية هي هكذا ( وَلاَ أَدْرَاكُمْ بِهِ ) ( يونس / 16 ).
  ( وأخرج أبو عبيد وابن المنذر عن هارون قال في قراءة أبي بن كعب ( أنا آتيكم بتأويله ) ).
  ( وأخرج ابن أبى حاتم وأبو الشيخ أنه كان يقرأ ( أنا آتيكم بتأويله ) فقيل له ( أَنَا أُنَبِّئُكُمْ ) ( يوسف / 45 )، قال : أهو كان ينبئهم ؟! ) (3) .

--------------------
(1) الدر المنثور ج3ص107.
(2) ن.م ، ج3ص216.
(3) ن.م ، ج4 ص22.

إعلام الخَلف بمن قال بتحريف القرآن من أعلام السّلف _ 292 _
  ( وأخرج ابن أبى حاتم عن ابن عباس أنه كان يقرأ ( لنحرقنه ) خفيفة يقول : إن الذهب والفضة لا يحرقان بالنار ! يسحل بالمبرد ثم يلقى على النار فيصير رمادا ) .
  ( وأخرج ابن أبى حاتم عن قتادة قال : في بعض القراءة ( لنذبحنه ثم لنحرقنه ) خفيفة ، قال قتادة : وكان له لحم ودم ) (1) ، والآية في القرآن ( وَانظُرْ إِلَى إِلَهِكَ الَّذِي ظَلَلْتَ عَلَيْهِ عَاكِفًا لَنُحَرِّقَنَّهُ ثُمَّ لَنَنسِفَنَّهُ فِي الْيَمِّ نَسْفًا ) ( طه / 97 ) .
  ( وأخرج ابن أبى حاتم عن عروة ابن الزبير أنه كان يعجب من الذين يقرؤون هذه الآية ( وَالَّذِينَ سَعَوْا فِي آيَاتِنَا مُعَاجِزِينَ ) ( الحج / 51 ) ، قال : ليس معاجزين من كلام العرب إنما هي معجزين يعنى مثبطين ) (2) .
  فهاهو عروة يعجب من قراءة الرسول صلى الله عليه وآله وسلم المتواترة ويعتمد اجتهاده !
  ( وأخرج عبد بن حميد عن محمد بن سيرين أنه سئل : كيف تقرأ هذه الآية ( حَتَّى إِذَا فُزِّعَ عَنْ قُلُوبِهِمْ ) ( سبأ / 23 )، أو ( فرغ عن قلوبـهم ) قال : ( إِذَا فُزِّعَ عَنْ قُلُوبِهِمْ ) قال : فان الحسن يقول برأيه أشياء أهاب أن أقولها ) (3) .
  وهذا يقول برأيه في كتاب الله !
  ( وأخرج عبد بن حميد وابن المنذر وابن أبى حاتم وابن مردويه عن ابن عباس رضي الله عنهما أنه كان يقرأ ( لا يسمعون إلى الملأ الأعلى ) مخففة وقال : إنـهم كانوا يتسمعون ولكن لا يسمعون ) (4) ، وهي هكذا ( لاَ يَسَّمَّعُونَ إِلَى الْمَلأ الأَعْلَى ) ( الصافات / 8 ).
  ( وأخرج أبو عبيد وعبد بن حميد وابن المنذر وابن أبى حاتم والبيهقي في الأسماء والصفات من طريق الأعمش عن شقيق بن سلمة عن شريح أنه كان يقرأ هذه الآية ( بَلْ عَجِبْتَ وَيَسْخَرُونَ ) ( الصافات / 12 )، بالنصب ويقول : إن الله لا يعجب من الشيء إنما يعجب من لا يعلم ،

--------------------
(1) ن.م ، ج4ص307 .
(2) ن.م ، ج4ص366.
(3) ن.م ، ج4ص237.
(4) ن.م ، ج4ص271 .

إعلام الخَلف بمن قال بتحريف القرآن من أعلام السّلف _ 293 _
  قال الأعمش : فذكرت ذلك لإبراهيم النخعي رضى الله عنه ، فقال : إن شريـحا كان معجبا برأيه وعبد الله بن مسعود ( رض ) كان أعلم منه كان يقرؤها ( بل عجبتُ ) ) (1) .
  وهنا الاجتهاد والرأي يرجح على قراءة النبي صلى الله عليه وآله !
  ( أخرج سعيد بن منصور وعبد بن حميد وابن جرير وابن أبي حاتم عن ابن عباس رضي الله عنهما انه كان يقرأ ( واذكر عبدنا إبراهيم ) ويقول : إنما ذكر إبراهيم ثم ذكر بعده ولده ) (2) ، والآية كما أنزلها لله عز وجل ( وَاذْكُرْ عِبَادَنَا إبْرَاهِيمَ وَإِسْحَاقَ وَيَعْقُوبَ أُوْلِي الأَيْدِي وَالأَبْصَارِ ) ( ص / 45 ).
  ( وأخرج ابن جرير عن عكرمة أنه كان يعيب ( لإيلاَفِ قُرَيْشٍ ) ( قريش / 1 ) ، ويقول إنما هي ( لتألف قريش ) وكانوا يرحلون في الشتاء والصيف إلى الروم والشام فأمرهم الله أن يألفوا عبادة رب هذا البيت ) (3) .
  وكل هذه الموارد تبين لك الحالة السائدة في أوساط الصحابة والتابعين من إعمال للرأي واستمزاج في إبدال نصوص القرآن وتحريفها ، وليس لله ولا لرسوله أي دخالة في هرجهم وعبثهم في كتاب الله عز وجل .
  ولكي تزداد الصورة وضوحا لنتأمل في هذا المورد والذي يعكس لنا واقع الصحابة بل واقع رموز الصحابة كابن عباس وابن مسعود ، وهما العلمان المقدمان في القرآن والتفسير من الصحابة ، ولنعلم أن سنة النبي صلى الله عليه وآله وسلم كانت بعيدة جدا عن تخبطهم في قراءة القرآن :
  ( وأخرج ابن منيع في مسنده عن أبي عبد الرحمن قال : قلت لابن عباس : إن ابن مسعود يقرأ ( وما كان لنبى أن يُغَل ) يعنى بفتح الغين ، فقال لي : قد كان له أن يُغَل وأن يُقتَل ، إنما هي ( أَنْ يَغُلَّ ) ( آل عمران / 161 ) ، يعنى بضم الغين ما كان الله ليجعل نبيا غالا ).
  ( وأخرج ابن جرير عن الأعمش قال كان ابن مسعود يقرأ ( ما كان لنبى أن يُغَل ) فقال ابن عباس : بلى ! ويقتل ! إنما كانت في قطيفة قالوا إن رسول الله صلى الله عليه (وآله) وسلم غلها يوم بدر فأنزل الله ( وَمَا كَانَ لِنَبِيٍّ أَنْ يَغُلَّ ) ( آل عمران / 161 ) ).
  ( وأخرج الطبرانى والخطيب في تاريخه عن مجاهد قال : كان ابن عباس ينكر على من يقرأ ( وما كان لنبى أن يُغَـل ) ويقول : كيف لا يكون له أن يُغَل ؟ وقد كان له أن يُقتَل ! قال الله :

--------------------
(1) ن.م ج5 ص272.
(2) ن.م ، ج5ص318 .
(3) ن.م ، ج6ص397.

إعلام الخَلف بمن قال بتحريف القرآن من أعلام السّلف _294 _
   ( وَيَقْتُلُونَ النَّبِيِّينَ بِغَيْرِ الْحَقِّ ) ( البقرة / 61 )، ولكن المنافقين اتـهموا النبي صلى الله عليه (وآله) وسلم في شئ من الغنيمة فأنزل الله ( وَمَا كَانَ لِنَبِيٍّ أَنْ يَغُلَّ ) ) (1) .
  فلو كان لرسول الله صلى الله عليه وآله وسلم أيّ مدخلية في إثبات كلتا القراءتين لما صح لابن عباس إنكار قراءة ابن مسعود ، ولكنه الاجتهاد ، وما أدراك ما الاجتهاد ؟!
  وكذا هذا المورد الذي فيه تخطئة بعض الصحابة لقراءة بعضهم الآخر ، والذي أخرجه ابن جرير الطبري في تفسيره من عدة طرق :
  ( عن ابن أبي مليكة قال قرأ ابن عباس ( حَتَّى إِذَا اسْتَيْئَسَ الرُّسُلُ وَظَنُّوا أَنَّهُمْ قَدْ كُذِبُوا ) ( يوسف / 110 ) ، فقال : كانوا بشرا ضعفوا ويئسوا ، قال ابن أبي مليكة : فذكرت ذلك لعروة ، فقال : قالت عائشة : معاذ الله ! ما حدّث الله رسوله شيئا قط إلا علم أنه سيكون قبل أن يموت ، ولكن لم يزل البلاء بالرسل حتى ظن الأنبياء أن من تبعهم قد كذبوهم فكانت تقرؤها ( قد كُذِّبوا ) تثقلها ( (2) .
  راجع بقية الطرق ، وقد قال الطبري قبلها : ( وقد ذكر هذا التأويل الذي ذكرناه أخيرا عن ابن عباس لعائشة فأنكرته أشد النكرة فيما ذكر لنا ).
  فكيف يحل لعائشة إنكار قراءة متواترة عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم وهي التي تثبت عليها مصحف المسلمين اليوم في شتى بقاع الدنيا وتقول ( معاذ الله ) ! مع العلم أن إنكار القراءة المتواترة كفر على مبانيهم وهو عين ما فعلته عائشة !
  وهذه أدلة على عدم توقيفية كل قراءات الصحابة ، فهم لم يلتزموا على الدوام بقراءة رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم ، وإلاّ كيف يصح أن ينكر بعضهم قراءة بعض ؟!

--------------------
(1) ن.م ج2ص91.
(2) تفسير الطبري ج13ص57 ، ط دار المعرفة بالأوفست .

إعلام الخَلف بمن قال بتحريف القرآن من أعلام السّلف _ 295 _
  كلمات علمائهم في نفي تواتر القراءات
  قال ابن الجزري : ( كل قراءة وافقت العربية ولو بوجه ، ووافقت أحد المصاحف العثمانية ولو احتمالا ، وصح سندها فهي القراءة الصحيحة التي لا يجوز ردها ، ولا يحل إنكارها ، بل هي من الأحرف السبعة التي نزل بـها القرآن ووجب على الناس قبولها سواء كانت عن الأئمة السبعة أم عن العشرة أم عن غيرهم من الأئمة المقبولين ، ومتى اختل ركن من هذه الأركان الثلاثة أُطلق عليها ضعيفة ، أو شاذة ، أو باطلة سواء كانت من السبعة أم عمن هو أكبر منهم ، هذا هو الصحيح عند أئمة التحقيق من السلف والخلف .
  صرح بذلك الإمام الحافظ أبو عمرو عثمان بن سعيد الداني ، ونص عليه في غير موضع الإمام أبو محمد مكي بن أبي طالب ، وكذلك الإمام أبو العباس أحمد بن عمار المهدوي ، وحققه الإمام الحافظ أبو القاسم عبد الرحمن بن إسماعيل المعروف بأبي شامة وهو مذهب السلف الذي لا يعرف عن أحد منهم خلافه ) (1) .
  وعند ذكره لشرط صحة السند قال : ( وقد شرط بعض المتأخرين التواتر في هذا الركن ، ولم يكتف بصحة السند ، وزعم أن القرآن لا يثبت إلا بالتواتر ، وأن ما جاء مجيء الآحاد لا يثبت به قرآن ، وهذا مما لا يخفى ما فيه ، فإن التواتر إذا ثبت لا يحتاج فيه إلى الركنين الأخيرين من الرسم وغيره ، إذا ما ثبت من أحرف الخلاف متواتراً عن النبي صلى الله عليه (وآله) وسلم وجب قبوله وقطع بكونه قرآناً ، سواء وافق الرسم أم خالفه ، وإذا اشترطنا التواتر في كل حرف من حروف الخلاف انتفى كثير من أحرف الخلاف الثابت عن هؤلاء الأئمة السبعة وغيرهم ) (2) .
  وكلامه صريح في أن تلك الشروط إنما وضعت لتحل محل التواتر المفقود في القراءات ، وإن أخذ قيد التواتر يخرج كثيرا من اختلافات القراء فيما بينهم عن ساحة القراءة المقبولة للقرآن الكريم .
  وإليه ذهب العلامة السيوطي : ( قلت : أتقن الإمام ابن الجزري هذا الفصل جدا ) (3) .
  وقال الإمام أبو شامة : ( والحاصل إنا لسنا ممن يلتزم بالتواتر في جميع الألفاظ المختلف فيها بين القراء ، بل القراءات كلها منقسمة إلى متواتر وغير متواتر ، وذلك بين لمن أنصف وعرف

--------------------
(1) النشر في القراءات العشر ج1ص9 .
(2) ن.م ج1ص13 .
(3) الإتقان ج1ص75 ط المنيرية .

إعلام الخَلف بمن قال بتحريف القرآن من أعلام السّلف _ 296 _
  وتصفح القراءات وطرقها ، وغاية ما يبديه مدعي تواتر المشهور منها ، كإدغام أبي عمرو ، ونقل الحركة لورش ، وصلة ميم الجمع وهاء الكناية لابن كثير ، أنه متواتر عن ذلك الإمام الذي نسبت القراءة إليه بعد أن يجهد نفسه في استواء الطرفين والواسطة ، إلا أنه بقي عليه التواتر من ذلك الإمام إلى النبي صلى الله عليه (وآله) وسلم في كل فرد فرد من ذلك ، وهنالك تسـكب الـعبـرات ، فإنـها من ثم لم تنقل إلا آحاداً إلا اليسير منها (1) ، وقد حققنا هذا الفصل أيضا في كتاب البسملة الكبير، ونقلنا فيه من كلام الحذاق من الأئمة المتقنين ما تلاشى عنده شبه المشنّعين ، وبالله التوفيق ) (2) .
  وكلام الإمام أبي شامة واضح في أن غاية دعوى التواتر أنه متحقق في المشهور من قراءة القارئ وعنه فقط أي منه إلى ما بعده من الطبقات ، أما أن يتواتر هذا المشهور من الرسول الأعظم صلى الله عليه وآله وسلم إلى القارئ فهذا مما تسكب له العبرات وتذهب عليه النفس حسرات إذ هي أحادية السند إلا اليسير .
  وقال الزركشي في البرهان : ( والتحقيق أنـها متواترة عن الأئمة السبعة ، وأمّا تواترها عن النبي صلى الله عليه (وآله) وسلم ففيه نظر ، فإن إسناد الأئمة السّبعة بـهذه القراءات السبع الموجود في كتب القراءات ، وهي نقل الواحد عن الواحد ، لم تكمل شروط التواتر في استواء الطرفين والواسطة ، وهذا شيء موجود في كتبهم ، وقد أشار الشيخ شهاب الدين أبو شامة في كتابه المرشد الوجيز إلى شيء من ذلك ) (3) .
  وقال في البحر المحيط : ( وكان الإمام أبو القاسم الشاطبي رحمه الله يقرأ بمدّين طولي لورش وحمزة ووسطي لمن بقي ، وعن الإمام أحمد بن حنبل أنه كره قراءة حمزة لما فيها من طول المد وغيره ، وقال : لا يعجبني ، ولو كانت متواترة لما كرهها ) (4) .

--------------------
(1) قارن بين هذه الكلمات لأساتذة الفن في القراءات من علماء أهل السنة وبين ما يقوله بعض جهلة الوهابية ( عثمان الخميس ) من أن القراءات السبعة متواترة عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم يريدون بذلك إثبات التواتر القرآن من طرق أهل السنة فقط دون الشيعة ! ، وسيأتي الكلام عنه بإذنه تعالى .
(2) المرشد الوجيز ص 177 ـ 178 .
(3) البرهان ج1 ص 318 بتحقيق محمد أبو الفضل إبراهيم ، ط الحلبي .
(4) البحر المحيط للزركشي ج1ص469 .

إعلام الخَلف بمن قال بتحريف القرآن من أعلام السّلف _ 297 _
  وقال الفخر الرازي : ( هذه القراءات المشهورة إما أن تكون منقولة بالنقل المتواتر أو لا تكون ، فإن كان الأوّل فحينئذ قد ثبت بالنقل المتواتر أن الله قد خيّر المكلفين بين هذه القراءات وسوّى بينها في الجواز ، وإن كان كذلك كان ترجيح بعضها على البعض واقعاً على خلاف الحكم الثابت بالتواتر ، فوجب أن يكون الذاهبون إلى ترجيح البعض على البعض مستوجبين للتفسيق إن لم يلزمهم التكفير ، لكنّا نرى أن كل واحد من هؤلاء القرّاء يختصّ بنوع معين من القراءة ، ويحمل الناس عليها ويمنعهم عن غيرها ، فوجب أن يلزم من حقّهم ما ذكرنا ، وأماّ إن قلنا : إنّ هذه القراءات ما ثبتت بالتواتر ، بل بطريق الآحاد ، فحينئذ يخرج القرآن عن كونه مفيداً للجزم والقطع واليقين ، وذلك باطل بالإجماع ، ولقائل أن يجيب عنه فيقول : بعضها متواتر ، ولا خلاف بين الأمّة فيه ، وفي تجويز القراءة بكل واحدة منها ، وبعضها من باب الآحاد ، وكون بعض القراءات من باب الآحاد لا يقتضي خروج القرآن بكليّته عن كونه قطعياّ والله أعلم ) (1) .
  لاحظ الكلام الأخير الذي ذكره إمامهم الفخر الرازي مدعيا أن القرآن ليس متواترا إلا في الجملة وأما التواتر التفصيلي فغير متحقق للآيات القرآنية وهذا ليس بكلام خاص له وإنما هو مقتضى ما قاله ابن شامة وما اعتمده أساتذة هذا الفن من أهل السنة .
  وقال القسطلاني في اللطائف : ( وهذا ـ يعني اشتراط التواتر ـ بالنظر لمجموع القرآن ، وإلا فلو اشترطنا التواتر في كل فرد فرد من أحرف الخلاف انتفى كثير من القراءات الثابتة عن هؤلاء الأئمة السبعة وغيرهم ) (2) ، وكلامه ككلام الفخر الرازي .
  وقال الشوكاني في نيل الأوطار : ( إذا تقرر لك إجماع أئمة السلف والخلف على عدم تواتر كل حرف من حروف القراءات السبع ، وعلى أنه لا فرق بينها وبين غيرها إذا وافق وجها عربيا وصح إسناده ووافق الرسم ولو احتمالا بـما نقلناه عن أئمة القراء تبين لك صحة القراءة في الصلاة بكل قراءة متصفة بتلك الصفة سواء كانت من قراءة الصحابة المذكورين في الحديث أو من

--------------------
(1) التفسير الكبير ج1 ص 63 للفخر الرازي ، وتعقّب صاحب التمهيد كلام الفخر الرازي في تلخيص التمهيد ص248 فقال ( قلت : قد اشتبه عليه تواتر القرآن بتواتر القراءات ، ومن ثم وقع في المأزق الأخير، وسنبين أن القرآن شيء والقراءات شيء آخر ، فلا موقع للشق الأخير من الإشكال ) اه‍ .
  وقد قلنا سابقا أن القرآن الكريم لا يمكن فصله عن قراءته إذ أن القرآن المنـزل هو كلمات تلفظ وتقرأ وهو خصوص القراءة المتواترة عن الرسول الأعظم صلى الله عليه وآله وسلم ، وتعذر تحصيل التواتر للقراءات لا يلزم منه سلخ القران عن القراءة فإن القرآن المنـزل ليس غير الملفوظ !
(2) محاسن التأويل ج1ص296 للقاسمي نقلا عن علوم القرآن عند المفسرين ج2ص56 .

إعلام الخَلف بمن قال بتحريف القرآن من أعلام السّلف _ 298 _
  قراءة غيرهم ، وقد خالف هؤلاء الأئمة النويري المالكي في شرح الطيبة فقال عند شرح قول الجزري فيها ( فكل ما وافق وجه نحوي وكان للرسم احتمالا يحوي وصح إسنادا هو القرآن فهذه الثلاثة الأركان وكل ما خالف وجها أثبت شذوذه لو أنه في السبعة ) : ما لفظه ظاهره أن القرآن يكتفي في ثبوته مع الشرطين المتقدمين بصحة السند فقط ولا يحتاج إلى التواتر وهذا قول حادث مخالف لإجماع الفقهاء والمحدثين وغيرهم من الأصوليين والمفسرين اه .
  وأنت تعلم أن نقل مثل الإمام الجزري وغيره من أئمة القراءة لا يعارضه نقل النويري لما يخالفه ، لأنا إن رجعنا إلى الترجيح بالكثرة أو الخبرة بالفن أو غيرهما من المرجحات قطعنا بأن نقل أولئك الأئمة أرجح ، وقد وافقهم عليه كثير من أكابر الأئمة حتى أن الشيخ زكريا بن محمد الأنصاري لم يحك في غاية الوصول إلى شرح لب الأصول الخلاف لما حكاه الجزري وغيره عن أحد سوى ابن الحاجب ) (1) .
  وكما ترى فإن أهل التحقيق وأساطين علوم القرآن والقراءات عندهم لا يرون تواتر القراءات إلى النبي صلى الله عليه وآله وسلم وهو الذي حداهم للقول بأن القرآن شيء والقراءات شيء آخر فلا يثبت تواتر القرآن بتواتر القراءات .

--------------------
(1) نيل الأوطار للشوكاني ج2ص263.
  مع بعض الوهابية !
  حاول أحد الوهابية ( عثمان الخميس ) في شريطه الذي حسب أنه يرد فيه على الشيعة الإستدلال على أن القرآن لم يثبت بالتواتر إلا من طرق أهل السنة ، فقال :
  ( وها أنا ذا أنقل تواتر القرآن عند أهل السنة ولينقل الشيعة تواتر القرآن من طرقهم ، إن القرآن الكريم كما هو معلوم يعني (كذا) يرجع جمعه إلى سبعة قراء المعروفون ـ والصحيح ( المعروفين) ـ بالقراء السبعة وهم نافع المدني وعبد الله بن كثير وأبو عمر بن العلاء وعبد الله بن عامر وعاصم بن بـهدلة وحمزة الزيات والكسائي ، هؤلاء هم القراء السبعة ، كيف وصل القرآن إلى هؤلاء القراء السبعة ؟ وهؤلاء بعدهم تواتر عنهم القرآن بنقل الكافة عن الكافة ولكن نحن الآن نتكلم عن هؤلاء السبعة كيف وصل إليهم القرآن الكريم ، أما نافع المدني ... الخ )

إعلام الخَلف بمن قال بتحريف القرآن من أعلام السّلف _ 299 _
  وصار يسرد الطرق وملخص ما قاله ، نافع المدني أخذ القرآن عن مسلم بن جندب و عن شبية بن نصاح وعن عبد الرحمن بن هرمز وعن يزيد بن القعقاع، وهؤلاء كلهم أخذوا القرآن عن ابن عباس وأبي هريرة ، وابن عباس عن علي وعثمان وأبي بن كعب وأبو هريرة عن علي وأبيّ بن كعب .
  عبد الله بن كثير : عن درباس وعن مجاهد ، ودرباس عن ابن عباس ، ومجاهد عن عبد الله بن السائب وابن عباس ، وعبد الله بن السائب عن علي وأبيّ بن كعب ، وابن عباس قد مرّ إسناده .
  أبو عمرو بن العلاء : عن ابن كثير وعن مجاهد وعن عطاء بن أبي رباح وعن نصر بن عاصم وعن عكرمة ، وابن كثير مرّت طرقه وكذا مجاهد ، أما عطاء بن أبي رباح فعن أبي هريرة ونصر بن عاصم عن عمر بن شراحبيل ، وعكرمة عن أبي هريرة وابن عباس ، وعمر بن شارحبيل عن علي وعمر وابن مسعود .
  عبد الله بن عامر : عن عثمان بن عفان وعن أبي الدرداء .
  عاصم بن بـهدلة : عن أبي عبد الرحمن السلمي وعن زر بن حبيش ، وعبد الرحمن عن علي وعثمان وأُبي و زيد وابن مسعود ، وزر بن حبيش عن عثمان وعلي وابن مسعود .
  حمزة الزيات : عن الأعمش وعن حمران بن أعين و عن ابن أبي ليلى وجعفر بن محمد ، والأعمش عن يحيى بن وثاب ، وهو عن زر بن حبيش ، و حمران بن أعين عن أبي الأسود الدؤلي وهو عن علي وعثمان ، وابن أبي ليلى عن المنهال وهو عن سعيد بن جبير وسعيد عن ابن عباس ، وجعفر بن محمد عن محمد بن علي ومحمد بن علي عن علي بن الحسين وعلي بن الحسين عن الحسين بن علي بن أبي طالب عن علي بن أبي طالب –صلوات الله عليهم أجمعين ـ .
  الكسائي : وأخذ القرآن عن حمزة وطرقه طرق حمزة ، ثم قال : وهذا تواتر القرآن من طرقنا فليثبت لنا الشيعة تواتر القرآن من طرقهم ، وأنا أتحدى أي عالم شيعي أن يثبت تواتر القرآن من طرقهم .
  أقول : هذا تمام هرجه ، ولو سمع علماء أهل السنة ما قاله البرعم لما سكتوا عنه ، إذ كان من الأحرى له ولغيره من المبتدئين ألا يخوضوا في غير مذهبهم قبل أن يتعلموا ما يقوله علماء أهل السنة أنفسهم ، حتى لا يكون جاهلا مزدوجا لا هو في العير ولا في النفير ! ، فقد نفى هذا الوهابي تواتر القرآن عند أهل السنة وطلب إثباته من طرق الشيعة ! ، فكان مصداقا لمن عناهم الله تعالى بقوله ( الَّذِينَ ضَلَّ سَعْيُهُمْ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَهُمْ يَحْسَبُونَ أَنَّهُمْ يُحْسِنُونَ صُنْعًا ) ( الكهف / 104 ) .

إعلام الخَلف بمن قال بتحريف القرآن من أعلام السّلف _ 300 _
  وقد استعرضنا من قبل كلمات أهل التحقيق وأساطين علوم القرآن من أهل السنة وحكمهم البات بأن تواتر القرآن لا علاقة له بتواتر القراءات ، وحذروا ونبهوا أنه لو لم نثبت تواتر القراءات فهذا لا يعني عدم تواتر القرآن ، ثم صرحوا بأن تواتر القراءات منتفٍ من الأساس ، كما مر بنا .
  فهذا الوهابي أدارها على السذج والأعراب من حوله بتكثير الأسماء وتشعيب الطرق ، مع العلم أن تلك الأسانيد بعيدة عن إثبات التواتر بعد السماء عن الأرض ! ، ويرد عليه كل ما ذكرناه من أدلة عدم تواتر القراءة ، وقد غفل عنها كلها !
  ومن الأمر الغريب حقا أن الغباء يصل فيه لدرجة يقول فيها قبل ذكره للطرق والأسانيد السابقة : إن أقل التواتر عشرة رجال ! ، قال :
  ( إن التواتر هو رواية جمع عن جمع تحيل العادة تواطئهم على الكذب ، وقد ذكر أهل العلم أن أقل طبقة من طبقات التواتر يكون فيها عشرة ، فهل يستطيع الشيعة أن يثبتوا هذا ؟ وهذا التواتر إنما ينقله أهل السنة في كتبهم ويثبتونه ) (1) .
  وإذ به يفاجئك بأنه أنـهى الطرق إلى سبعة رجال من الصحابة !!! ، وهؤلاء الذين ذكرهم بلسانه هم : علي بن أبي طالب ( عليهم السلام ) ، وابن مسعود ، وأبي بن كعب ، وأبي الدرداء ، وزيد بن ثابت ، عثمان بن عفان ، وعمر بن الخطاب ! (2) .
  ولو شئنا لأحسنا الظن بعقله وقلنا بغفلته وسكره من البداية فلم يعلم عدد الصحابة الذين أوصل إليهم الطرق ! ، لكن المصيبة أنه أكد المعنى السابق وذكر أن التواتر ثبت عند أهل السنة عن طريق القراء الـسبعـة مع قوله بأن أقل عدد التواتر عشرة !! (3) ، فهذا الذي لا يحتمل سماعه ! ، وهذا نص قوله بعد ذكره لطرق القراء السبعة : ( هؤلاء هم القراء السبعة ، هذا هو تواتر القرآن عندنا ) !!
  ثم انشرح وقال بكل قوة : ( هذا تواتر القرآن عندنا فهل يستطيع الشيعة أن يثبتوا تواتر القرآن من طرقهم ؟ ) !!!

--------------------
(1) نـهاية الوجه الأول من شريط (الشيعة والقرآن).
(2) هذا مع التسامح الشديد في نسبة الإقراء لبعضهم وكون الأخيرين ممن أقرءوا القرآن الكريم لأحد كما قال الطبري عن ابن عفان سابقا.
(3) هذا مع التنازل عن رجال الشيعة الموجودين في ضمن الأسانيد التي ذكرها سواء من الصحابة أو من هم دونـهم ، ومع التسليم بأن القراء السبعة كلهم من أهل السنة لأن أربعة منهم شيعة ، وكذا مع التنازل وإغماض الطرف عن أن قراءة عاصم برواية حفص قراءة شيعية خالصة نقلها شيعي عن شيعي ، وسيأتي ذكره بإذنه تعالى .