الفهرس العام

المسلك الثاني في وصف حال القتال وما يقرب من تلك الحال


  فلما كان في بعض الأيام نزل في مكان ، فلم نجد بداً من أن ننازله فيه ، فبينما نحن نتغدى بطعام لنا إذا أقبل رسول الحسين عليه السلام حتى سلم علينا .
  ثم قال : يا زهير بن القين إن أبا عبدالله عليه السلام بعثني إليك لتأتيه ، فطرح كل إنسان منا ما في يده حتى كأنما على رؤوسنا الطير .
  فقالت له زوجته ـ وهي ديلم بنت عمرو (1) ـ : سبحان الله، أيبعث إليك ابن رسول الله ثم لا تأتيه ، فلو أتيته فسمعت من كلامه .
  فمضى إليه زهير ، فما لبث أن جاء مستبشراً قد أشرق وجهه ، فأمر بفسطاطه فقوض وبثقله ومتاعه فحول إلى الحسين عليه السلام .
  وقال لامرأته : أنت طالق ، فإني لا أحب أن يصيبك بسببي إلا خير ، وقد عزمت على صحبة الحسين عليه السلام لأفديه بروحي وأقيه بنفسي (2) ، ثم أعطاها مالها وسلمها إلى بعض بني عمها ليوصلها إلى أهلها .
  فقامت إليه وودعته وبكت ، وقالت : خار (3) الله لك ، أسألك أن تذكرني في القيامة عند جد الحسين عليه السلام .
  ثم قال لأصحابه : من أحب منكم أن يصحبني ، وإلا فهو آخر العهد مني (4) به .

---------------------------
(1) أو ديلم بنت عمر .
وهي التي قالت لغلام لزهير بعد شهادته : انطلق فكفن مولاك ، قال : فجئت فرأيت حسيناً ملقى ، فقلت : اكفن مولاي وأدع حسيناً ! فكفنت حسيناً ، ثم رجعت فقلت ذلك لها ، فقالت : أحسنت ، وأعطتني كفناً آخر ، وقالت فكفن مولاك ، ففعلت .
ترجمة الإمام الحسين من كتاب الطبقات ، المطبوع في مجلة تراثنا ، العدد 10 ص 190 ، وراجع أيضاً أعلام النساء المؤمنات: 341 .
(2) ع : لأفديه بنفسي وأقيه بروحي ، والمثبت من ب .
(3) ع : وقالت : كان الله عوناً ومعيناً خار .
(4) مني ، لم يرد في ر .

الملهوف على قتلى الطفوف _134_

  ثم سار الحسين عليه السلام حتى بلغ زبالة (1) ، فأتاه فيها خبر مسلم (2) بن عقيل ، فعرف بذلك جماعة ممن تبعه ، فتفرق عنه أهل الأطماع والإرتياب ، وبقي معه أهله وخيار الأصحاب .
  قال الراوي (3) : وارتج الموضع بالبكاء والعويل (4) لقتل مسلم بن عقيل ، وسالت الدموع عليه كل مسيل .
  ثم أن الحسين عليه السلام سار قاصداً لما دعاه الله إليه ، فلقيه (5) الفرزدق ، فسلم عليه وقال : يابن رسول الله كيف تركن إلى أهل الكوفة وهم الذين قتلوا ابن عمك مسلم بن عقيل وشيعته ؟
  قال : فاستعبر الحسين عليه السلام باكياً ، ثم قال : ( رحم الله مسلماً ، فلقد صار إلى روح الله وريحانه وتحيته ورضوانه ، أما أنه قد قضى ما عليه وبقي ما علينا ) ، ثم أنشأ يقول :
(
فــإن تـكـن الـدنـيا تـعـد نـفيسة      فــإن  ثــواب الله أعــلا iiوأنـبـل
وإن  تـكـن الأبـدان لـلموت iiأنـشئت      فـقتل  امـرءٍ بـالسيف فـي الله iiأفضل
وإن  تـكـن الأرزاق قـسـماً iiمـقـدراً      فقلة حرص المرء في السعي (6) أجمل

---------------------------
(1) بضم أوله : منزل معروف بطريق مكة من الكوفة ، وهي قرية عامرة بها أسواق بين واقصة والثعلبية ، وقال أبو عبيدة السكوني : زبالة بعد القاع من الكوفة وقبل الشقوق فيها حصن وجامع لبني غاضرة من بني أسد .
معجم البلدان 3|129 .
(2) ب : حتى أتاه خبر مسلم في زبالة .
(3) الراوي ، لم يرد في ر .
(4) والعويل ، لم يرد في ر .
(5) ب : ثم أنه سار فلقيه .
(6) ب : في الرزق .

الملهوف على قتلى الطفوف _ 135 _

  
وإن  تـكن الأمـوال لـلترك iiجـمعها      فما بال متروك به المرء (1) يبخل
)   قال الراوي (2) : وكتب الحسين عليه السلام كتاباً إلى سليمان بن صرد والمسيب بن نجبة (3) ورفاعة بن شداد وجماعة من الشيعة بالكوفة ، وبعث به مع قيس بن مسهر الصيداوي (4) .
  فلما قارب دخول الكوفة اعترضه الحصين بن نمير (5) صاحب عبيدالله بن زياد ليفتشه ، فأخرج الكتاب ومزقه ، فحمله الحصين إلى ابن زياد .
  فلما مثل بين يديه قال له : من أنت ؟
  قال : أنا رجل من شيعة أمير المؤمنين علي بن أبي طالب وابنه عليهما السلام .
  قال : فلماذا مزقت الكتاب ؟
قال : لئلا تعلم ما فيه .

---------------------------
(1) ب : الحر .
(2) الراوي ، لم يرد في ر .
(3) ر : نجية .
(4) ع : قيس بن مصهر الصيداوي .
وقيس بن مسهر أسدي من عدنان، شاب كوفي من أشراف بني أسد ، أحد حملة الرسائل من قبل الكوفيين إلى الحسين عليه السلام بعد إعلان الحسين رفضه لبيعة يزيد وخروجه إلى مكة ، صحب مسلم بن عقيل حين قدم من مكة مبعوثاً من قبل الحسين إلى الكوفة ، حمل رسالة من مسلم إلى الحسين عليه السلام يخبره فيها بيعة من بايع ويدعوه إلى القدوم .
تاريخ الطبري 5|394 ـ 395 ، رجال الشيخ : 79 ، تسمية من قتل مع الحسين : 152 ، أنصار الحسين : 123 ـ 124 .
(5) الحصين بن نمير بن نائل أبو عبدالرحمن الكندي ثم السكوني ، قائد من القساة الأشداء المقدمين في العصر الأموي ، من أهل حمص ، رمى الكعبة بالمنجنيق ، وكان في آخر أمره على ميمنية عبيدالله بن زياد في حربه مع إبراهيم الأشتر ، فقتل مع ابن زياد على مقربة من الموصل سنة 67 هـ .
التهذيب لابن عساكر 4|371 ، الأعلام 2|262 .

الملهوف على قتلى الطفوف _ 136 _

  قال : ممن الكتاب وإلى من ؟
  قال من الحسين بن علي عليهما السلام إلى جماعة من أهل الكوفة لا أعرف أسماءهم .
  فغضب ابن زياد وقال : والله لا تفارقني حتى تخبرني بأسماء هؤلاء القوم ، أو تصعد المنبر فتلعن الحسين وأباه وأخاه ، وإلا قطعتك إرباً إرباً .
  فقال قيس : أما القوم فلا أخبرك بأسمائهم ، وأما لعن الحسين وأبيه وأخيه فأفعل .
  فصعد المنبر ، فحمد الله وأثنى عليه وصلى على النبي صلى الله عليه وآله ، وأكثر من الترحم على علي وولده صلوات الله عليهم ، ثم لعن عبيدالله بن زياد وأباه ، ولعن عتاة بني أمية عن آخرهم .
  ثم قال : أيها الناس ، أنا رسول الحسين بن علي عليهما السلام إليكم ، وقد خلفته بموضع كذا وكذا ، فأجيبوه .
  فأخبر ابن زياد بذلك (1)، فأمر بإلقائه من أعلا القصر ، فألقي من هناك ، فمات رحمة الله.
  فبلغ الحسين عليه السلام موته ، فاستعبر باكياً ثم قال : ( اللهم اجعل لنا ولشيعتنا منزلاً كريماً واجمع بيننا وبينهم في مستقر رحمتك إنك على كل شيءٍ قدير ) .
  وروي أن هذا الكتاب كتبه الحسين عليه السلام من الحاجز (2) ، وقيل : غير ذلك .

---------------------------
(1) بذلك ، لم يرد في ر .
(2) في إرشاد المفيد 2|70 : من الحاجز من بطن الرمة .
وفي مراصد الاطلاع 2|634 : بطن الرمة منزل يجمع طريق البصرة والكوفة إلى المدينة .
وفي معجم البلدان 1|666 : بطن الرمة واد معروف بعالية نجد ، وقال ابن دريد : الرمة قاع عظيم بنجد تنصب إليه أوديه .

الملهوف على قتلى الطفوف _ 137 _

  قال الراوي (1) : وسار الحسين عليه السلام حتى صار على مرحلتين من الكوفة ، فاذا (2) بالحر بن يزيد (3) في ألف فارس .
  فقال له الحسين عليه السلام : ( ألنا أم علينا ؟ )
  فقال : بل عليك يا أبا عبدالله .
  فقال : ( لا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم ) .
  ثم تراد القول بينهما ، حتى قال له الحسين عليه السلام : ( فإذا كنتم على خلاف ما أتتني به كتبكم وقدمت به علي رسلكم ، فإني أرجع إلى الموضع الذي أتيت منه ) .
  فمنعه الحر وأصحابه من ذلك ، وقال : لا ، بل خذ يا بن رسول الله طريقاً لا يدخلك الكوفة ولا يوصلك إلى المدينة لأعتذر إلى ابن زياد بأنك خالفتني الطريق .
  فتياسر الحسين عليه السلام ، حتى وصل إلى عذيب الهجانات (4) .

---------------------------
(1) الراوي ، لم يرد في ر .
(2) ر : وإذاً.
(3) الحر بن يزيد بن ناجيه بن سعيد من بني رياح بن يربوع ، من الشخصيات البارزة في الكوفة ، قائد من أشراف تميم ، أحد أمراء الجيش الأموي في كربلاء ، وكان يقود ربع تميم وهمدان ، التقى مع الحسين عليه السلام عند جبل ذي حسم ، تاب قبل نشوب المعركة لما أقبلت خيل الكوفة تريد قتل الحسين وأصحابه وأبى أن يكون منهم ، فانصرف إلى الحسين ، فقاتل بين يديه قتالاً عجيباً حتى قتل .
تاريخ الطبري 5|422 و 400 و 427 ، تسمية من قتل مع الحسين : 153 ، رجال الشيخ : 73 ، البداية والنهاية 8|172 ، الكامل في التاريخ 4|19 ، أنصار الحسين : 84 ـ 85 ، الأعلام 2|172 .
(4) عذيب الهجانات قريب من عذيب القوادس ، وعذيب القوادس ماء بين القادسية والمغيثه ، بينه وبين القادسية أربعة أميال ، وقيل : غير ذلك .
معجم البلدان 4|92 .

الملهوف على قتلى الطفوف _138 _

  قال : فورد كتاب عبيدالله بن زياد إلى الحر يلومه في أمر الحسين عليه السلام ، ويأمره بالتضييق عليه .
  فعرض له الحر وأصحابه ومنعوه من المسير .
  فقال له الحسين عليه السلام : ( ألم تأمرنا بالعدول عن الطريق ؟ )
  فقال الحر : بلى ، ولكن كتاب الأمير عبيدالله بن زياد قد وصل يأمرني فيه بالتضييق عليك ، وقد جعل علي عيناً يطالبني بذلك .
  قال الراوي (1) : فقام الحسين عليه السلام خطيباً في أصحابه ، فحمدالله وأثنى عليه وذكر جده فصلى عليه ، ثم قال : ( إنه قد نزل بنا من الأمر ما قد ترون ، وإن الدنيا قد تنكرت وتغيرت وأدبر معروفها واستمرت جذاء ، ولم يبق منها إلا صبابة كصبابة الإناء ، وخسيس عيش كالمرعى الوبيل ، ألا ترون إلى الحق لا يعمل به ، وإلى الباطل لا يتناهى عنه ، ليرغب المؤمن في لقاء ربه محقاً ، فإني لا أرى الموت إلا سعادة والحياة مع الضالمين إلا برما ) .
  فقام زهير بن القين ، فقال : لقد سمعنا هدانا الله بك يابن رسول الله مقالتك ، ولو كانت الدنيا لنا باقية وكنا فيها مخلدين لآثر النهوض معك على الاقامة فيها .
  قال: ووثب هلال بن نافع البجلي (2) ، فقال : والله ما كرهنا لقاء ربنا ، وإنا

---------------------------
(1) قال الرواي ، لم يرد في ر .
(2) ظاهراً هو نفسه نافع بن هلال بن نافع بن جمل بن سعد العشيرة بن مذحج المذحجي الجملي ، ويخطئ من يعبر عنه : البجلي ، كان سيداً شريفاً شجاعاً قارءاً من حملة الحديث ومن أصحاب أمير المؤمنين ، وحضر معه حروبه الثلاثة في العراق ، وخرج إلى الحسين فلقيه في الطريق ، وأخباره في واقعة الطف كثيرة ، ذكرت في المقاتل .
إبصار العين : 86 ـ 89 ، الطبري 6|253 ، ابن الأثير 4|29 ، البداية 8|184 .

الملهوف على قتلى الطفوف _ 139 _

  على نياتنا وبصائرنا ، نوالي من والاك ونعادي من عاداك .
  قال : وقام برير بن حصين (1) ، فقال : والله يابن رسول الله لقد من الله بك علينا أن نقاتل بين يديك فتقطع فيك أعضاؤنا ، ثم يكون جدك شفيعنا يوم القيامة .
  قال : ثم أن الحسين عليه السلام قام (2) وركب ، وصار كلما أراد المسير يمنعونه تارةً ويسايرونه أخرى ، حتى بلغ كربلاء ، وكان ذلك في اليوم الثاني (3) من المحرم .
  فلما وصلها قال : ( ما اسم هذه الأرض ؟ )
  فقيل : كربلا .
  فقال : ( انزلوا ، هاهنا والله محط ركابنا وسفك دمائنا ، هاهنا والله مخط قبورنا ، وهاهنا والله سبي حريمنا ، بهذا حدثني جدي (4) ) .
  فنزلوا جميعاً ، ونزل الحر وأصحابه ناحية ، وجلس الحسين عليه السلام يصلح سيفه ويقول :

---------------------------
(1) ع : خضير .
وفي بعض المصادر : بدير بن حفير ، والظاهر أن خضير هو الأولى.
هو سيد القراء ، كان شيخاً تابعياً ناسكاً قارئاً للقرآن ومن شيوخ القراءة في جامع الكوفة ، وله في الهمدانيين شرف وقدر ، وكان مشهوراً ومحترماً في مجتمع الكوفة ، وهو همداني من شعب كهلان موطنه الكوفة ، بذل محاولة لصرف عمر بن سعد عن ولائه للسلطة الأموية .
تاريخ للطبري 5|421 و 423 و 432 ، معجم رجال الحديث 3|289 ، المناقب 4|100 ، البحار 45|15 .
(2) ر : نزل .
(3) ب : الثامن .
(4) ع : فقيل كربلا ، فقال عليه السلام : اللهم إني أعوذبك من الكرب والبلاء ، ثم قال : هذا موضع كرب وبلاء .
انزلوا ، هاهنا محط رحالنا ومسفك دمائنا وهنا محل قبورنا ، بهذا حدثني جدي رسول الله صلى الله عليه وآله .

الملهوف على قتلى الطفوف _ 140 _

  (
يـا  دهر أفٍّ لك من iiخليل      كـم لك بالإشراق iiوالأصيل
مـن  طالبٍ وصاحبٍ iiقتيل      والـدهر  لا يـقنع iiبالبديل
وإنـما  الأمـر إلى iiالجليل      وكـل  حـيٍّ فـإلى iiسبيل
ما أقرب الوعد إلى iiالرحيل      إلى جنان وإلى مقيل (1)
)   قال الراوي (2) فسمعت زينب ابنت فاطمة عليهما السلام (3) ذلك ، فقالت : يا أخي هذا كلام من قد أيقن بالقتل .
  فقال : ( نعم يا أختاه ) .
  فقالت زينب : واثكلاه ، ينعى إلي الحسين نفسه .
  قال : وبكى النسوة ، ولطمن الخدود ، وشققن الجيوب .
  وجعلت أم كلثوم (4) تنادي : وامحمداه واعلياه واأماه وافاطمتاه واحسناه

---------------------------
(1) ع :
وكـل  حـي سالك iiسبيل      ما أقرب الوعد من الرحيل
وإنـما الأمـر إلى iiالجليل
(2) الراوي ، لم يرد في ر .
(3) زينب بنت أمير المؤمنين علي بن أبي طالب عليهما السلام ، عقيلة بني هاشم ، شقيقة الحسن والحسين ، زوجها ابن عمها عبدالله بن جعفر بن أبي طالب ، حضرت مع أخيها الحسين وقعة كربلاء ، حملت مع السبايا إلى الكوفة ، ثم إلى الشام ، كانت صابرة ثابتة الجنان رفيعة القدر فصيحة خطيبة ، توفيت سنة 62 هـ ، وقيل غير ذلك ، دفنت في مصر على أشهر الأقوال .
الإصابة 8|100 ، نسب قريش : 41 ، الطبقات 8|341 ، الأعلام 3|67 .
ولزيادة الإطلاع راجع كتاب زينب الكبرى للشيخ جعفر النقدي ، فانه أحسن وأجاد في دراسته عن هذه الشخصية البارزة سيدة النساء بعد أمها الزهراء عليها السلام .
(4) أم كلثوم بنت أمير المؤمنين عليه السلام ، وأمها فاطمة عليها السلام ، وهي أخت الحسن والحسين وزينب عقيلة بني هاشم ، ومسألة زواجها من عمر من أشد المسائل اختلافاً بين المسلمين ، وكثيراً ما يقع الخلط

الملهوف على قتلى الطفوف _ 141 _

  واحسيناه واضيعتاه بعدك يا أبا عبدالله .
  قال : فعزاها الحسين عليه السلام وقال لها : ( يا أختاه تعزي بعزاء الله، فإن سكان السموات يموتون ، وأهل الأرض لا يبقون ، وجميع البرية يهلكون ) .
  ثم قال : ( يا أختاه يا أم كلثوم ، وأنت يا زينب ، وأنت يا رقية (1) ، وأنت يا فاطمة (2) ، وأنت يا رباب (3) ، أنظرن إذا أنا قتلت فلا تشققن علي جيباً ولا تخمشن علي وجهاً ولا تقلن علي هجراً ) .
  وروي من طريق آخر : أن زينب لما سمعت الأبيات ـ وكانت في موضع منفرد عنه مع النساء والبنات ـ خرجت حاسرة تجر ثوبها ، حتى وقفت عليه وقالت :

---------------------------
عند المؤرخين بينهما وبين أختها زينب الكبرى ، لاتحادهما في الكنية .
راجع من مصادر ترجمتها : أجوبة المسائل السروية : 226 ، الاستغاثة : 90 ، الاستيعاب 4|490 ، أسد الغابة 5|614 ، أعلام النساء المؤمنات : 181 ـ 220 ، وذكر فيه الكثير من مصادر ترجمتها .
(1) لم يذكرها المؤرخون ، وذكرها السيد الأمين في الأعيان 7|34 قائلا : ينسب لها قبر ومشهد مزور بمحلة العمارة من دمشق ، الله أعلم بصحته ، جدده الميرزا علي أصغر خان وزير الصدارة في ايران عام 1323هـ ...
(2) فاطمة بنت الإمام الحسين عليه السلام ، تابعية من روايات الحديث ، روت عن جدتها فاطمة مرسلاً وعن أبيها ، حملت إلى الشام مع أختها سكينة وعمتها زينب وأم كلثوم ، قيل : عادت إلى المدينة فتزوجها ابن عمها الحسن بن الحسن بن علي ، ومات عنها فتزوجها عبدالله بن عمرو بن عثمان ، ومات فأبت الزواج إلى أن توفيت سنة 110 هـ .
الطبقات 8|347 ، مقاتل الطالبيين : 119 و 120 و 202 و 237 ، الأعلام 5|130 .
(3) الرباب بنت امرئ القيس بن عدي ، زوجة الحسين السبط الشهيد ، كانت معه في وقعة كربلاء ، وبعد استشهاده جيء بها مع السبايا إلى الشام ، ثم عادت إلى المدينة ، فخطبها الأشراف ، فأبت ، وبقيت بعد الحسين سنة لم يظلها سقف بيت حتى بليت وماتت كمداً ، وكانت شاعرة لها رثاء في الحسين عليه السلام .
المحبر 3|13 ، أعلام النساء 1|378 ، الأعلام النساء 1|378 ، الأعلام 1|378 .

الملهوف على قتلى الطفوف _ 142 _

  واثكلاه ، ليت الموت أعدمني الحياة ، اليوم ماتت أمي فاطمة الزهراء ، وأبي علي المرتضى ، وأخي الحسن الزكي ، يا خليفة الماضين وثمال الباقين .
  فنظر الحسين عليه السلام إليها وقال : ( يا أختاه لا يذهبن حلمك ) .
  فقالت : بأبي أنت وأمي أستقتل ؟ ! نفسي لك الفداء .
  فرد غصته وتغرغرت عيناه بالدموع ، ثم قال : ( هيهات هيهات ، لو ترك القطا ليلاً لنام ) .
  فقالت : يا ويلتاه ، أفتغصب نفسك اغتصاباً ، فذلك أقرح لقلبي وأشد على نفسي ، ثم أهوت إلى جيبها فشقته وخرت مغشياً عليها .
  فقام عليه السلام فصب على وجهها الماء حتى أفاقت ، ثم عزاها عليه السلام بجهده وذكرها المصيبة بموت أبيه وجده صلوات الله عليهم أجمعين .
  ومما يمكن أن يكون سبباً لحمل الحسين عليه السلام لحرمه معه ولعياله : أنه لو تركهن بالحجاز أو غيرها من البلاد كان يزيد بن معاوية لعنه الله أرسل من أخذهن إليه ، وصنع بهن من الإستيصال وسوء الأعمال ما يمنع الحسين عليه السلام من الجهاد والشهادة ، ويمتنع عليه السلام ـ بأخذ يزيد بن معاوية لهن ـ عن مقام السعادة .

الملهوف على قتلى الطفوف _ 143 _

المسلك الثاني في وصف حال (1) القتال وما يقرب من تلك الحال


---------------------------
(1) حال ، لم يرد في ر .

الملهوف على قتلى الطفوف _ 145 _

  قال الراوي (1) : وندب عبيدالله بن زياد أصحابه إلى قتال الحسين عليه السلام ، فاتبعوه ، واستخف قومه فأطاعوه ، واشترى من عمر بن سعد آخرته بدنياه ودعاه إلى ولاية الحرب فلباه ، وخرج لقتال الحسين عليه السلام في أربعة (2) آلاف فارس ، وأتبعه ابن زياد بالعساكر ، حتى تكاملت عنده إلى ست ليال خلون من المحرم عشرون ألفاً ، فضيق على الحسين عليه السلام حتى نال منه (3) العطش ومن أصحابه .
  فقام عليه السلام واتكى على قائم (4) سيفه ونادى بأعلى صوته ، فقال : ( أنشدكم الله هل تعرفونني ؟ )
  قالوا : اللهم نعم ، أنت ابن رسول الله وسبطه .
  قال : ( أنشدكم الله هل تعلمون أن جدي رسول الله صلى الله عليه وآله ؟ )
  قالوا : اللهم نعم .
  قال : ( أنشدكم الله هل تعلمون أن أمي فاطمة ابنت محمد ؟ )
  قالوا : اللهم نعم .
  قال : ( أنشدكم الله هل تعلمون أن أبي علي بن أبي طالب ؟ )

---------------------------
(1) الراوي ، لم يرد في ر .
(2) أربعة ، لم يرد في ر .
(3) ر : من .
(4) قائم ، لم يرد في ر .

الملهوف على قتلى الطفوف _ 146 _

  قالوا : اللهم نعم .
  قال : ( أنشدكم الله هل تعلمون أن جدتي خديجة بنت خويلد (1) أول نساء هذه الأمة إسلاماً ؟ )
  قالوا : اللهم نعم .
  قال : ( أنشدكم الله هل تعلمون أن حمزة (2) سيد الشهداء عم أبي ؟ )
  قالوا : اللهم نعم .
  قال : ( أنشدكم الله هل تعلمون أن جعفر الطيار (3) في الجنة عمي ؟ )

---------------------------
(1) خديجة بنت خويلد بن أسد بن عبدالعزى ، من قريش زوج رسول الله صلى الله عليه وآله الأولى، وكانت أسن منه ، بخمس عشرة سنة ، ولدت بمكة ، كانت ذا مال كثير وتجارة تبعث بها إلى الشام ، تستأجر الرجال ، فلما بلغ رسول الله صلى الله عليه وآله الخامسة والعشرين من عمره خرج في تجارة لها فعاد رابحاً ، تزوجها رسول الله صلى الله عليه وآله قبل النبوة ، دعاها رسول الله صلى الله عليه وآله إلى الاسلام ، فكانت أول نساء هذه الأمة إسلاماً ، وكانت تصلي مع النبي صلى الله عليه وآله سراً ، توفيت خديجة بمكة لثلاث سنين قبل الهجرة .
الطبقات الكبرى 8|7 ـ 11 ، الإصابة قسم النساء ، صفة الصفة 2|2 ، تاريخ الخميس 1|301 ، الأعلام 2|302 .
(2) حمزة ، لم يرد في ر .
وحمزة بن عبد المطلب بن هاشم أبو عمارة ، سيد الشهداء ، استشهد سنة 3 هـ ، عم النبي صلى الله عليه وآله ، أحد صناديد قريش وسادتهم في الجاهلية والاسلام ، هاجر مع النبي صلى الله عليه وآله إلى المدينة ، حضر وقعة بدر وغيرها ، قتل يوم أحد ودفن في المدينة .
تاريخ الاسلام 1|99 ، صفة الصفوة 1|144 ، الأعلام 2|278 .
(3) جعفر بن أبي طالب عليه السلام ، يكنى أبا عبدالله ، صحابي هاشمي من شجعانهم ، أول قتيل من الطالبيين في الإسلام ، ويكنى أبا المساكين أيضاً ، وجعفر هو الثالث من ولد أبيه بعد طالب وعقيل ، وبعد جعفر علي عليه السلام ، وأمهم فاطمة بنت أسد بن هاشم بن عبد مناف ، استشهد سنة 8 هـ ، حضر وقعة مؤتة ، فنزل عن فرسه وقاتل ، ثم حمل الراية وتقدم صفوف المسلمين ، فقطعت يمناه ، فحمل الراية باليسرى ، فقطعت أيضاً ، فاحتضن الراية إلى صدره وصبر حتى وقع شهيداً وفي جسمه نحو تسعين

الملهوف على قتلى الطفوف _ 147 _

  قالوا : اللهم نعم .
  قال : ( أنشدكم الله هل تعلمون أن هذا سيف رسول الله صلى الله عليه وآله أنا متقلده ؟ )
  قالوا : اللهم نعم .
  قال : ( أنشدكم الله هل تعلمون أن هذه عمامة رسول الله صلى الله عليه وآله أنا لا بسها ؟ )
  قالوا : اللهم نعم .
  قال : ( أنشدكم الله هل تعلمون أن علياً عليه السلام كان أول الناس إسلاماً وأجزلهم (1) علماً وأعظمهم حلماً وأنه ولي كل مؤمن ومؤمنة ؟ )
  قالوا : اللهم نعم .
  قال : ( فبم تستحلون دمي وأبي صلوات الله عليه الذائد عن الحوض غداً ، يذود عنه رجالاً كما يذاد البعير الصادر على الماء ، والواء الحمد بيد أبي يوم القيامة ؟!! )
  قالوا : قد علمنا ذلك كله ونحن غير تاركيك حتى تذوق الموت عطشاً !!! فلما خطب هذه الخطبة وسمع بناته وأخته زينب كلامه بكين وندبن ولطمن (2) وارتفعت أصواتهن .

---------------------------
طعنة ورمية .
مقاتل الطالبيين 6|18 ، البداية والنهاية 4|255 ، تهذيب التهذيب 2|98 ، أسد الغابة 1|286 ، الإصابة 1|237 ، الطبقات الكبرى 4|22 ، حلية الأولياء 1|114 ، صفوة الصفوة 1|205 ، الأعلام 2|125 .
(1) ع : كان أول القوم إسلاماً وأعلمهم .
(2) وندبن ولطمن ، لم يرد في ر .

الملهوف على قتلى الطفوف _ 148 _

  فوجه إليهن أخاه العباس (1) وعلياً (2) ابنه وقال لهما : ( سكتاهن فلعمري ليكثرون بكاؤهن ) .
  قال الراوي (3) : وورد كتاب عبيدالله على عمر بن سعد يحثه على القتال وتعجيل النزال ، ويحذره من التأخير والإمهال ، فركبوا نحو الحسين عليه السلام .
  وأقبل شمر بن ذي الجوشن (4) لعنه الله فنادى : أين بنو أختي

---------------------------
(1) العباس بن علي بن أبي طالب ، أمه أم البنين بنت حزام بن خالد بن ربيعة بن الوحيد العامري ، وهو أكبر ولدها ، ويكنى أبا الفضل ، كان وسيماً جميلاً يركب الفرس المطهم ورجلاه تخطان في الأرض، يقال له قمر بني هاشم وهو السقاء ، كان لواء الحسين عليه السلام معه يوم قتل ، هو آخر من قتل من اخوته لأمه وأبيه ، قتله زيد بن رقاد الجنبي وحكيم بن الطفيل الطائي النبسي ، وكلاهما ابتلي في بدنه .
مقاتل الطالبيين : 84 ـ 85 ، تسمية من قتل مع الحسين : 149 ، رجال الشيخ : 76 ، أنصار الحسين : 131 وقال : ورد ذكره في الزيارة والإرشاد والطبري والاصفهاني والمسعودي والخوارزمي .
(2) علي بن الحسين الأكبر، يكنى أبا الحسن ، من سادات الطالبيين وشجعانهم ، أمه ليلى بنت أبي مرة ( قرة ) بن عروة ( عمرو ) بن مسعود بن مغيث ( معبد ) الثقفي ، وأمها ميمونة بنت أبي سفيان بن حرب ، كان له من العمر سبع وعشرون سنة ، وردت رواية أنه كان متزوجاً من أم ولد ، هو أول من قتل من بني هاشم ، طعنه مرة بن منقذ بن النعمان العبدي وهو يحوم حول أبيه ويدافع عنه ويقيه ، وانهال أصحاب الحسين على مرة فقطعوه بأسيافهم ، قيل : مولده في خلافة عثمان ، وسماه المؤرخون الأكبر تمييزاً له عن أخيه زين العابدين علي الأصغر .
مقاتل الطالبيين : 8 ـ 81 ، الطبقات 5|156 ن تسمية من قتل مع الحسين : 150 ، رجال الشيخ : 76 وفيه : علي بن الحسين الأصغر ، نسب قريش : 57 ، البداية والنهاية 8|185 ، الأعلام 4|277 ، أنصار الحسين : 129 وفيه : ورد ذكره في الزيارة والإرشاد والطبري والإصفهاني والخوارزمي والمسعودي .
(3) لفظ : الراوي ، لم يرد في ر .
(4) شمر بن ذي الجوشن ـ واسمه شرحبيل ـ بن قرط الضبابي الكلابي ، ابو السابغة ، من كبار قتلة

الملهوف على قتلى الطفوف _ 149 _

  عبدالله (1) وجعفر (2) والعباس وعثمام ؟ (3) .

---------------------------
ومبغضي الحسين الشهيد عليه السلام ، كان في أول أمره من ذوي الرئاسة في هوازن موصوفاً بالشجاعة ، وشهد يوم صفين مع علي عليه السلام ، سمعه أبو إسحاق السبيعي يقول بعد الصلاة : اللهم إنك تعلم أني شريف فاغفرلي !!! فقال له : كيف يغفر الله لك وقد أعنت على قتل ابن رسول الله ؟ ! فقال : ويحك كيف نصنع ، إن امراءنا هؤلاء أمرونا بأمرٍ فلم نخالفهم ! ولو خالفناهم كنا شراً من هذه الحمر ؟! ثم أنه لما قام المختار طلب الشمر ، فخرج من الكوفة وسار إلى الكلتانية ـ قرية من قرى خوزستان ـ ففجأه جمع من رجال المختار ، فبرز لهم الشمر قبل أن يتمكن من لبس ثيابه فطاعنهم قليلاً وتمكن منه أبو عمرة فقتله وألقيت جثته للكلاب .
الكامل في التاريخ 4|92 ، ميزان الاعتدال 1|449 ، لسان الميزان 3|152 ، جمهرة الأنساب : 72 ، سفينة البحار 1|714 ، الأعلام 3|157 ـ 176 .
(1) عبدالله بن علي بن أبي طالب ، أمه أم البنين بنت حزام ، كان عمره حين قتل خمساً وعشرين سنة ، قال له أخوه العباس : تقدم بين يدي حتى أراك وأحتسبك ...، قتله هاني بن ثبيت الحضرمي ، وقيل : رماه خولي بن يزيد الأصبحي بسهم وأجهز عليه رجل من بني تميم .
مقاتل الطالبيين : 82 ، تاريخ الطبري 6|89 ، تسمية من قتل مع الحسين : 149 ، رجال الشيخ : 76 ، أنصار الحسين : 129 ـ 130 وفيه : ورد ذكره في الزيارة والإرشاد والطبري والاصفهاني والمسعودي والخوارزمي .
(2) جعفر بن علي بن أبي طالب ، أمه أم البنين بنت حزام ، كان عمره حين قتل تسع عشر سنة ، قتله خولي بن يزيد الأصبحي ، وقيل : هاني بن ثبيت الحضرمي .
مقاتل الطالبيين : 83 ، تسمية من قتل مع الحسين : 149 ، رجال الشيخ : 72 ، أنصار الحسين : 130 وفيه : ورد ذكره في الزيارة والإرشاد والطبري والاصفهاني والمسعودي والخوارزمي .
(3) عثمان بن علي بن أبي طالب ، أمه أم البنين بنت حزام ، كان عمره حين قتل إحدى وعشرين سنة ، رماه خولي بن يزيد الأصبحي بسهم فأضعفه ، وشد عليه رجل من بني أبان بن دارم فقتله وأخذ رأسه ، وعثمان هذا هو الذي روي عن علي عليه السلام أنه قال : إنما سميته باسم أخي عثمان بن مظعون ، وفي رواية أخرى عن هبيرة بن مريم قال : كنا جلوساً عند علي عليه السلام ، فدعا ابنه عثمان ، فقال له : يا عثمان ، ثم قال : إني لم اسمه باسم عثمان الشيخ الكافر ، وإنما سميته باسم عثمان بن مظعون .
مقاتل الطالبيين : 84 ، تسمية من قتل مع الحسين : 150 ، تقريب المعارف : مخطوط ، أنصار الحسين : 130 وفيه : ورد ذكره في الزيارة والإرشاد والطبري والإصفهاني والمسعودي والخوارزمي .

الملهوف على قتلى الطفوف _ 150 _

  فقال الحسين عليه السلام : ( أجيبوه وإن كان فاسقاً ، فإنه بعض أخوالكم ) .
  فقالوا له : ما شأنك ؟
  فقال : يا بني أختي أنتم آمنون ، فلا تقتلوا أنفسكم مع أخيكم الحسين ، وألزموا طاعة أمير المؤمنين يزيد بن معاوية .
  فناداه العباس بن علي : تبت يداك ولعن ماجئت به من أمانك يا عدو الله، أتأمرنا أن نترك أخانا وسيدنا الحسين بن فاطمة وندخل في طاعة اللعناء أولاد اللعناء .
  فرجع الشمر إلى عسكره مغضباً .
  قال الراوي (1) : ولما رأى الحسين عليه السلام حرص القوم على تعجيل القتال وقلة انتفاعهم بالوعظ (2) والمقال قال لأخيه العباس : ( إن استطعت أن تصرفهم عنا في هذا اليوم فافعل ، لعلنا نصلي لربنا في هذه الليلة ، فانه يعلم أني أحب الصلاة له وتلاوة كتابه ) .
  قال الرواي (3) : فسألهم العباس ذلك ، فتوقف عمر بن سعد ، فقال له عمر (4) بن الحجاج الزبيدي : والله لو أنهم من الترك والديلم وسألوا ذلك لأجبناهم ، فكيف وهم آل محمد ، فأجابوهم إلى ذلك .
  قال الراوي (5) : وجلس الحسين عليه السلام فرقد ، ثم استيقظ وقال (6) :
  ( يا أختاه إني رأيت الساعة جدي محمداً صلى الله عليه وآله وأبي علياً وأمي فاطمة وأخي الحسن

---------------------------
(1) لفظ : الراوي ، لم يرد في ر .
(2) ع : بمواعظ الفعال .
(3) لفظ : الراوي ، لم يرد في ر .
(4) ع : عمرو .
(5) لفظ : الراوي ، لم يرد في ر .
(6) ب : قال ، ع : فقال .

الملهوف على قتلى الطفوف _ 151_

  وهم يقولون : يا حسين إنك رائحٌ (1) إلينا عن قريب ) .
  وفي بعض الروايات: ( غداً ) .
  قال الراوي (2) : فطمت زينب وجهها وصاحت .
  فقال لها الحسين عليه السلام : ( مهلاً ، لا تشمتي (3) القوم بنا ) .
  ثم جاء الليل ، فجمع الحسين عليه السلام أصحابه ، فحمد الله وأثنى عليه ، ثم أقبل عليهم وقال : ( أما بعد ، فإني لا أعلم أصحاباً خيراً منكم ، ولا أهل بيتٍ أفضل وأبر من أهل بيتي ، فجزاكم الله عني جميعاً خيراً ، وهذا الليل قد غشيكم فاتخذوه جملاً ، وليأخذ كل رجلٍ منكم بيد رجلٍ من أهل بيتي ، وتفرقوا في سواد هذا الليل وذروني وهؤلاء القوم ، فإنهم لا يريدون غيري ) .
  فقال له إخوته وأبناؤه وأبناء عبدالله بن جعفر (4) : ولم نفعل ذلك ، لنبقي بعدك ! لا أرنا الله ذلك أبداً ، وبدأهم بهذا القول العباس بن علي ، ثم تابعوه .
  قال الراوي (5) : ثم نظر إلى بني عقيل (6) وقال : ( حسبكم من القتل

---------------------------
(1) ر : راحلٌ .
(2) قال الراوي : لم يرد في ر . الراوي ، لم يرد في ب .
(3) ر : لا يشمت .
(4) عبدالله بن جعفر بن أبي طالب بن عبد المطلب الهاشمي القرشي ، صحابي ، ولد بأرض الحبشة لما هاجر أبواه إليها ، وهو أول من ولد بها من المسلمين ، كان كريماً يسمى بحر الجود ، وللشعراء فيه مدائح ، وكان أحد الأمراء في جيش علي يوم صفين ، توفي بالمدينة سنة 80 هـ ، وقيل : غير ذلك .
الإصابة ترجمة رقم 4582 ، فوات الوفيات 1|209 ، تهذيب ابن عساكر 7|325 ، الأعلام 4|76 ، زينب الكبرى للشيخ جعفر النقدي .
(5) لفظ : الراوي ، لم يرد في ر .
(6) عقيل بن أبي طالب بن عبد المطلب الهاشمي القرشي ، أبو يزيد ، أعلم قريش بأيامها ومآثرها ومثالبها وأنسابها ، صحابي فصيح اللسان شديد الجواب ، وهو أخو علي وجعفر لأبيها ، وكان أسن

الملهوف على قتلى الطفوف _ 152 _

  بصاحبكم مسلم ، إذهبوا فقد أذنت لكم ) .
  وروي من طريق آخر قال : فعندها تكلم إخوته وجميع أهل بيته وقالوا : يابن رسول الله فماذا يقول الناس لنا (1) وماذا نقول لهم ، إذ تركنا شيخنا وكبيرنا وسيدنا وإمامنا وابن بنت نبينا ، لم نرم معه بسهم ولم نطعن معه برمح ولم نضرب معه بسيف ، لا والله يابن رسول الله لا نفارقك أبداً ، ولكنا نقيك بأنفسنا حتى نقتل بين يديك ونرد موردك ، فقبح الله العيش بعدك .
 ثم قام مسلم بن عوسجة (2) وقال : نحن نخليك هكذا وننصرف عنك وقد أحاط بك هذ العدو ، لا والله لا يراني الله أبداً وأنا أفعل ذلك حتى أكسر في صدورهم رمحي وأضربهم بسيفي ما ثبت قائمة بيدي ، ولو لم يكن لي سلاح أقاتلهم به لقذفتهم بالحجارة ، ولم أفارقك أو أموت دونك .

---------------------------
منهما ، هاجر إلى المدينة سنة 8 هـ ، عمي في أواخر أيامه ، توفي أول أيام يزيد ، وقيل : في خلافة معاوية .
الإصابة ترجمة رقم 5630 ، البيان والتبيين 1|174 ، الطبقات 4|28 ، التاج 8|30 ، الأعلام 4|242 .
(1) لنا ، لم يرد في ر .
(2) مسلم بن عوسجة الأسدي ، من أبطال العرب في صدر الإسلام ، أول شهيد من أنصار الحسين بعد قتلى الحملة الأولى، كان صحابياً ممن رأى رسول الله صلى الله عليه وآله ، كان يأخذ البيعة للإمام الحسين عليه السلام في الكوفة ، عقد له مسلم بن عقيل على ربع مذحج وأسد حين تحركه القصير الأجل ، كان عند حضوره وقعة كربلاء شيخاً كبير السن ، وكان من الشخصيات البارزة في الكوفة ، أبدى شبث بن ربعي أسفه لقتله .
رجال الشيخ : 80 ، تاريخ الطبري 5|435 و369 ، البحار 45|69 ، الأخبار الطوال : 249 و 250 و 252 ، الكامل في التاريخ 4|28 ، الأعلام 7|222 ، أنصار الحسين : 108 ، تسمية من قتل مع الحسين : 52 وفيه : مسلم بن عوسجة السعدي من بني سعد بن ثعلبة قتله مسلم بن عبدالله وعبيدالله بن أبي خشكاره .

الملهوف على قتلى الطفوف _ 153 _

  قال : وقام سعيد (1) بن عبدالله الحنفي فقال : لا والله يابن رسول الله لا نخليك أبداً حتى يعلم الله أنا قد حفظنا فيك وصية رسوله محمد صلى الله عليه وآله ، ولو علمت أني أقتل فيك ثم أحيى ثم أحرق حياً ثم أذرى ـ يفعل بي ذلك سبعين مرة ـ ما فارقتك حتى ألقى حمامي من دونك ، فكيف (2) وإنما هي قتلة واحدة ثم أنال الكرامة التي لا انقضاء لها أبداً ؟!
  ثم قام زهير بن القين وقال : والله يابن رسول الله لوددت أني قتلت ثم نشرت ألف مرة وأن الله يدفع بذلك القتل عنك وعن هؤلاء الفتية من إخوتك وولدك وأهل بيتك .
  قال : وتكلم جماعة من أصحابه بمثل ذلك وقالوا : أنفسنا لك الفداء نقيك بأيدينا ووجوهنا ، فإذا نحن قتلنا بين يديك نكون قد وفينا لربنا وقضينا ما علينا .
  وقيل لمحمد بن بشير الحضرمي (3) في تلك الحال : قد أسر إبنك بثغر الري (4) .

---------------------------
(1) ر : سعد .
(2) ع : وكيف لا أفعل .
(3) ب : محمد بن بشير الحضرمي .
وفي ترجمة الإمام الحسين من كتاب الطبقات 180 ذكر نص هذا الخبر وذكر اسمه كما هنا ، لكن في تاريخ الطبري 5|444 وأنساب الأشراف : 196 ذكر اسمه بشير بن عمرو ، فلاحظ .
(4) ر : بشعر الروم ، والمثبت من : ب . ع .
والثغر بالفتح ثم السكون : وراء كل موضع قريب من أرض العدو ، كأنه مأخوذ من الثغرة التي هي في الحائط .
والري : مدينة مشهورة من أمهات البلاد وأعلام المدن ، كثيرة الفواكه والخيرات ، وهي محط الحاج على طريق السابلة وقصبة بلاد الجبال بينها وبين نيسابور مائة وستون فرسخاً وإلى قزوين سبعة وعشرون فرسخاً .
معجم البلدان 2|79 و3|116 .

الملهوف على قتلى الطفوف _ 154 _

   فقال : عند الله أحتسبه ونفسي ، ما كنت أحب أن يوسر وأن أبقى بعده .
  فسمع الحسين عليه السلام قوله فقال : ( رحمك الله، أنت في حل من بيعتي ، فاعمل في فكاك ابنك ) .
  فقال : أكلتني السباع حياً إن فارقتك .
  قال : فأعط إبنك هذه البرود (1) يستعين بها في فكاك أخيه .
  فأعطاه خمسة أثواب قيمتها ألف دينار .
  قال الراوي (2) : وبات الحسين عليه السلام وأصحابه تلك الليلة ولهم دوي كدوي النحل، ما بين راكع وساجد وقائم وقاعد ، فعبر إليهم في تلك الليلة من عسكر ابن سعد اثنان وثلاثون رجلاً (3) .
  قال (4) : فلما كان الغداة أمر الحسين عليه السلام بفسطاطه فضرب وأمر بجفنة فيها مسك كثير وجعل فيها نورة (5) ، ثم دخل ليطلي .
  فروي : أن برير بن حصين (6) الهمداني وعبدالرحمن بن عبد ربه

---------------------------
(1) البرد بالضم فالسكون : ثوب مخطط ، وقد يقال لغير المخطط أيضاً ، وجمعه برود وأبرد ، ومنه الحديث : الكفن يكون برداً ...
مجمع البحرين 3|13 .
(2) الراوي ، لم يرد في ر .
(3) في نسخة ع جاء بعد قوله اثنان وثلاثون رجلاً :
وكذا كانت سجية الحسين عليه السلام في كثرة صلاته وكمال صفاته ، وذكر ابن عبد ربه في الجزء الرابع من كتاب العقد قال : قيل لعلي بن الحسين عليهما السلام : ما أقل ولد أبيك ؟ فقال : العجب كيف ولدت له ، كان يصلي في اليوم والليلة ألف ركعة ، فمتى كان يتفرغ للنساء .
(4) قال ، لم يرد في ر .
(5) ر : وأمر بحفية فيها مسك كبير وجعل عندها نورة . والمثبت من ب . ع .
(6) ب . ع . خضير ، وفي حاشية ر : حضير خ ل .

الملهوف على قتلى الطفوف _ 155 _

  الأنصاري (1) وقفا على باب الفسطاط ليطليا بعده ، فجعل برير يضاحك عبد الرحمن .
  فقال له عبدالرحمن : يا برير أتضحك ! ما هذه ساعة ضحك ولا باطل .
  فقال برير : لقد علم قومي أني ما أحببت الباطل كهلاً ولا شاباً ، وإنما أفعل ذلك استبشاراً بما نصير إليه ، فوالله ما هو إلا أن نلقى هؤلاء القوم بأسيافنا نعالجهم بها ساعة ، ثم نعانق الحور العين .
  قال الراوي (2) : وركب أصحاب عمر بن سعد ، فبعث الحسين عليه السلام برير بن حصين (3) فوعظهم فلم يسمعوا وذكرهم (4) فلم ينتفعوا .
  فركب الحسين عليه السلام ناقته ـ وقيل : فرسه ـ فاستنصتهم فأنصتوا ، فحمد الله وأثنى عليه وذكره بما هو أهله ، وصلى على محمد صلى الله عليه وآله وعلى الملائكة والأنبياء والرسل ، وأبلغ في المقال ، ثم قال :
  ( تباً لكم أيتها الجماعة وترحاً (5) حين استصرختمونا والهين فأصرخناكم موجفين ، سللتم علنا سيفاً لنا في ايمانكم ، وحششتم علينا ناراً اقتد حناها

---------------------------
(1) ر : عبد الرحمن عبد ربه . والمثبت من ب . ع .
وهو عبدالرحمن بن عبد ربه ـ رب ـ الأنصاري من بني سالم بن الخزرج ، كان أمير المؤمنين عليه السلام رباه وعلم القرآن ، أحد الذين كانوا يأخذون البيعة للحسين عليه السلام في الكوفة ، ويبدو أنه كان من إحدى الشخصيات البارزة .
تاريخ الطبري 5|423 ، رجال الشيخ: 76 ـ 77 ، تسمية من قتل مع الحسين : 153 ، البحار 45|1 ، أنصار الحسين : 97 .
(2) الراوي ، لم يرد في ر .
(3) ع : خضير . حاشية ر : حضير .
(4) ب : ومذكرهم .
(5) ر : وبرحاً .

الملهوف على قتلى الطفوف _ 156 _

  على عدونا وعدوكم، فأصبحتم أولياء (1) لأعدائكم على أوليائكم بغير عدلٍ أفشوه (2) فيكم ولا أملٍ أصبح لكم فيهم .
  فهلا ـ لكم الويلات ـ تركتمونا والسيف مشيمٌ والجأش ضامرٌ والرأي لما يستحصف ، ولكن أسرعتم إليها كطير الدبا ، وتداعيتم إليها كتهافت الفراش .
  فسحقاً لكم يا عبيد الأمة ، وشرار (3) الأحزاب ، ونبذة الكتاب ، ومحرفي الكلم ، وعصبة الآثام ، ونفثة (4) الشيطان ، ومطفئ السنن .
  أهؤلاء تعضدون ، وعنا تتخاذلون ؟!
  أجل والله غدرٌ فيكم قديم وشحت عليه (5) أصولكم ، وتأزرت عليه فروعكم ، فكنتم أخبث شجاً (6) للناظر وأكلة للغاصب .
  ألا وإن الدعي ابن الدعي قد ركز بين اثنتين : بين السلة ، والذلة ، وهيهات منا الذلة ، يأبى الله لنا ذلك ورسوله والمؤمنون وحجور طابت وحجور طهرت وأنوف حمية ونفوس أبية : من أن تؤثر طاعة اللئام على مصارع الكرام .
  ألا وإني زاحف بهذه الأسرة مع قلة العدد وخذلان الناصر ) .

---------------------------
(1) ع : ألباً .
(2) ر : أفشوا .
(3) ع : وشذاذ .
(4) في حاشية ر : وفئة خ .
(5) ع : وشجت إليه .
(6) ع : ثمر شجاً .

الملهوف على قتلى الطفوف _ 157 _

  ثم أوصل (1) كلامه عليه السلام بأبيات فروة بن مسيك المرادي (2) :
(
فـإن نـهزم فـهزامن قدما      وإن  نـغلب فـغير iiمغلبينا
ومـا أن طـبنا جبن iiولكن      مـنايانا  ودولـة iiآخـرينا
إذا ما الموت رفع عن أناس      كـلاكـله أنـاخ iiبـآخرينا
فـأفنى  ذلك سروات iiقومي      كـما  أفنى القرون iiالأولينا
فـلو  خلد الملوك إذاً iiخلدنا      ولـو بـقي الكرام إذاً iiبقينا
فـقل لـلشامتين بنا: iiأفيقوا      سـيلقى  الشامتون كما لقينا
)   ثم قال : ( أما والله لا تلبثون بعدها إلا كريث ما يركب الفرس حتى يدور بكم دور الرحى ويقلق بكم قلق المحور عهدٌ عهده إلي أبي عن جدي ، فأجمعوا أمركم وشركاءكم ، ثم لا يكن أمركم عليكم غمة ، ثم اقضو إلي ولا تنظرون .
  إني توكلت على الله ربي وربكم ، ما من دابة إلا هو آخذٌ بناصيتها ، إن ربي على صراط مستقيم .
  اللهم احبس عنهم قطر السماء وابعث عليهم سنين كسنين يوسف ، وسلط عليهم غلام ثقيف يسومهم كأساً (3) مصبرةٌ ، فإنهم كذبونا وخذلونا ، وأنت ربنا عليك توكلنا وإليك أنبنا واليك المصير ) .

---------------------------
(1) ر : وصل .
(2) فروة بن مسيك أو مسيكة بن الحارث بن سلمة الغطيفي المرادي ، أبو عمرو ، صحابي ، من الولاة ، له شعر ، وهو من اليمن ، كان موالياً لملوك كندة في الجاهلية ، رحل إلى مكة سنة تسع أو عشر وأسلم ، سكن الكوفة في أواخر أعوامه ، مات سنة 30 هـ .
الطبقات 1|63 ، الإصابة ترجمة رقم 6983 ، رغبة الآمل 4|10 ، الأعلام 5|143 .
(3) ر : كأس .

الملهوف على قتلى الطفوف _ 158 _

  ثم نزل عليه السلام ودعا بفرس رسول الله صلى الله عليه وآله المرتجز ، فركبه وعبى أصحابه للقتال .
  فروي عن الباقر عليه السلام : ( أنهم كانوا خمسة وأربعين فارساً وماءة راجل ) .
  وروي غير ذلك .
  قال الراوي (1) : فتقدم عمر بن سعد ورمى نحو عسكر الحسين عليه السلام بسهم وقال : اشهدوا لي عند الأمير : أني أول من رمى ، وأقبلت السهام من القوم كأنها القطر .
  فقال عليه السلام لأصحابه : ( قوموا رحمكم الله إلى الموت ، إلى الموت الذي لابد منه ، فإن هذه السهام رسل القوم إليكم (2) ) . فاقتتلوا ساعة من النهار حملةً وحملةَ ، حتى قتل من أصحاب الحسين عليه السلام جماعة .
  قال (3) : فعندها ضرب الحسين عليه السلام يده (4) على لحيته وجعل يقول : ( اشتد غضب الله على اليهود إذ جعلوا له ولداً ، واشتد غضبه على النصارى إذ جعلوه ثالث ثلاثة ، واشتد غضبه على المجوس إذ عبدوا الشمس والقمر دونه ، واشتد غضبه على قوم اتفقت كلمتهم على قتل ابن بنت نبيهم .
  أما والله لا اجيبنهم إلى شيء مما يريدون حتى ألقى الله تعالى وأنا مخضب بدمي ) .
  وروي عن مولانا الصادق عليه السلام أنه قال : ( سمعت أبي يقول : لما التقى

---------------------------
(1) قال الراوي ، لم يرد في ر .
(2) إليكم ، لم يرد في ر ، وفي حاشية رجاء لفظ : المةت خ ، بدلاً من لفظ القوم .
(3) قال ، لم يرد في ر .
(4) ر : بيده .

الملهوف على قتلى الطفوف _159_

  الحسين عليه السلام وعمر بن سعد لعنه الله وقامت الحرب على ساق ، أنزل الله النصر حتى رفرف على رأس الحسين عليه السلام ثم خير بين النصر على أعدائه وبين لقاء ربه (1) ، فاختار لقاء ربه (2) ) .
  قال الراوي : ثم صاح الحسين عليه السلام : ( أما من مغيثٍ يغيثنا لوجه الله، أما من ذاب يذب عن حرم رسول الله) .
  قال : فإذا الحر بن يزيد الرياحي قد أقبل على عمر بن سعد ، فقال له : أمقاتل أنت هذا الرجل ؟
  فقال : إي والله قتالاً أيسره أن تطير الرؤوس وتطيح الأيدي .
  قال : فمضى (3) الحر ووقف موقفاً من أصحابه وأخذه مثل الإفكل .
  فقال له المهاجر بن أوس (4) : والله إن أمرك لمريب ، ولو قيل : من أشجع أهل الكوفة لما عدوتك ، فما هذا الذي أراه منك ؟
  فقال : إني والله أخير نفسي بين الجنة والنار ، فوالله لا أختار على الجنة شيئاً ولو قطعت وأحرقت .

---------------------------
(1) ب : الله تعالى .
(2) ب : الله تعالى .
وجاء بعد هذا في ع : رواها أبو طاهر محمد بن الحسين النرسي في كتاب معالم الدين ، ولم ترد هذه العبارة في ر ، ب .
(3) ر : فمر .
(4) لم يذكروه .
وفي كتاب تسمية من قتل مع الامام الحسين : 155 ، ذكر من جملة شهداء الاصحاب المهاجر ابن أوس من بجيلة .
ولا أعلم هل المهاجر بن اوس اثنان ؟ أم واحد كان في عسكر ابن سعد ثم التحق بمعسكر الامام الحسين واستشهد معه ؟

الملهوف على قتلى الطفوف _160_

  ثم ضرب فرسه قاصداً إلى الحسين عليه السلام ويده على رأسه وهو يقول :
  اللهم إني تبت إليك فتب علي ، فقد أرعبت قلوب أوليائك وأولاد بنت نبيك .
  وقال للحسين : جعلت فداك أنا صاحبك الذي حبسك عن الرجوع وجعجع بك ، والله ما ظننت أن القوم يبلغون بك ما أرى ، وأنا تائب إلى الله، فهل ترى لي من توبة ؟
  فقال الحسين عليه السلام : ( نعم يتوب الله عليك فانزل ) .
  فقال : أنا لك فارساً خيرٌ مني راجلاً ، وإلى النزول يؤول آخر أمري .
  ثم قال : فإذا كنت أول من خرج عليك ، فأذن لي أن أكون أول قتيل بين يديك ، لعلي أكون ممن يصافح جدك محمداً غداً في القيامة .
  قال جامع الكتاب : إنما أراد أول قتيل من الآن، لأن جماعة قتلوا قبله كما ورد .
  فأذن له ، فجعل يقاتل أحسن قتال حتى قتل جماعة من شجعان وأبطال ، ثم استشهد ، فحمل إلى الحسين عليه السلام ، فجعل يمسح التراب عن وجهه ويقول : ( أنت الحر كما سمتك أمك ، حر في الدنيا وحر الآخرة ) .
  قال الراوي (1) : وخرج برير بن خضير (2) ، وكان زاهداً عابداً ، فخرج إليه يزيد بن معقل (3) واتفقا على المباهلة إلى الله: في أن يقتل المحق منهما المبطل ، فتلاقيا ، فقتله برير ، ولم يزل يقاتل حتى قتل رضوان الله عليه .

---------------------------
(1) الراوي ، لم يرد في ر .
(2) ر : حضير .
(3) ع : يزيد بن المغفل .
لم يذكروه ، وهو خبيث ملعون .

الملهوف على قتلى الطفوف _161_

  قال : وخرج وهب بن حباب الكلبي (1) ، فأحسن في الجلاد وبالغ في الجهاد ، وكان معه زوجته ووالدته ، فرجع إليهما وقال : يا أماه، أرضيت أم لا ؟
  فقالت : لا ، ما رضيت حتى تقتل بين يدي الحسين عليه السلام .
  وقالت امرأته : بالله عليك لا تفجعني في نفسك .
  فقالت له أمه : يا بني اعزب عن قولها وارجع فقاتل بين يدي ابن بنت نبيك تنل شفاعة جده يوم القيامة .
  فرجع ، ولم يزل يقاتل حتى قطعت يداه ، فأخذت امرأته عموداً ، فأقبلت نحوه وهي تقول : فداك أبي وأمي قاتل دون الطيبين حرم رسول الله صلى الله عليه وآله ، فأقبل ليردها إلى النساء ، فأخذت بثوبه ، وقالت : لن أعود دون أن أموت معك .
  فقال الحسين عليه السلام : ( جزيتم من أهل بيتٍ خيراً ، ارجعي إلى النساء يرحمك الله) ، فانصرفت إليهن .
  ولم يزل الكلبي يقاتل حتى قتل ، رضوان الله عليه .
  ثم خرج مسلم بن عوسجة ، فبالغ في قتال الأعداء ، وصبر على أهوال البلاء ، حتى سقط إلى الأرض وبه رمق ، فمشى إليه الحسين عليه السلام ومعه حبيب بن مظاهر .
  فقال له الحسين عليه السلام : ( رحمك الله يا مسلم ، فمنهم من قضى نحبه ومنهم من ينتظر وما بدلو تبديلاً ) .
  ودنا منه حبيب ، فقال : عز والله علي مصرعك يا مسلم أبشر بالجنة .

---------------------------
(1) ع : جناح .
في ضياء العينين : 25 : وهب بن عبدالله بن حباب الكلبي ، امه قمرى ، وذكر الكثير من أخباره في واقعة الطف ، أخذها من كتاب الملهوف وغيره من كتب المقاتل .

الملهوف على قتلى الطفوف _ 162 _

  فقال له بصوت ضعيف (1): بشرك الله بخيرٍ .
  ثم قال له حبيب : لولا أنني أعلم أني في الأثر لأحببت أن توصي إلي بكل ما أهمك .
  فقال له مسلم : فإني أوصيك بهذا ـ وأشار بيده إلى الحسين عليه السلام ـ فقاتل دونه حتى تموت .
  فقال له حبيب : لأنعمنك عيناً .
  ثم مات رضوان الله عليه .
  فخرج عمرو بن قرظة الأنصاري (2)، فاستأذن الحسين عليه السلام ، فأذن له ، فقاتل قتال المشتاقين إلى الجزاء وبالغ في خدمة سلطان السماء حتى قتل جمعاً كثيراً من حزب ابن زياد ، وجمع بين سداد وجهاد ، وكان لا يأتي إلى الحسين عليه السلام سهمٌ إلا اتقاه بيده ولا سيف إلا تلقاه بمهجته ، فلم يكن يصل إلى الحسين عليه السلام سوء ، حتى أثخن بالجراح .
  فالتفت إلى الحسين عليه السلام وقال : يابن رسول الله أوفيت ؟
  قال : ( نعم ، أنت أمامي في الجنة ، فاقرأ رسول الله صلى الله عليه وآله عني السلام وأعلمه أني في الأثر ) .

---------------------------
(1) ع : فقال له مسلم قولاً ضعيفاً .
(2) ر . ع : عمرو بن قرطة ، والمثبت من ب .
وهو عمرو بن قرظة الأنصاري ، ذكر في أكثر الموارد ، وفي الزيارة : عمر بن كعب الأنصاري ، وفي نسختها الأخرى : عمران ، أرسله الحسين مفاوضاً إلى عمر بن سعد .
تاريخ الطبري 5|413 ، المناقب 4|105 ، البحار 45|71 و 22 ، مقتل الحسين 2|22 ، أنصار الحسين : 104 ، تسمية من قتل مع الحسين : 153 .

الملهوف على قتلى الطفوف _ 163 _

  فقاتل حتى قتل رضوان الله عليه (1) .
  ثم برز جون مولى أبي ذر (2) ، وكان عبداً أسوداً .
  فقال له الحسين عليه السلام : ( أنت في إذنٍ مني ، فإنما تبعتنا طلباً للعافية ، فلا تبتل بطريقنا (3) ) .
  فقال : يا بن رسول الله أنا في الرخاء ألحس قصاعكم وفي الشدة أخذلكم ، والله إن ريحي لمنتن وإن حسبي للئيم ولوني لأسود ، فتنفس علي بالجنة (4) ، فيطيب ريحي ويشرف حسبي ويبيض وجهي ، لا والله لا أفارقكم حتى يختلط هذا الدم الأسود مع دمائكم . ثم قاتل حتى قتل ، رضوان الله عليه .
  قال الراوي (5) : ثم برز عمرو بن خالد الصيداوي (6) ، فقال للحسين :

---------------------------
(1) في نسخة ب جاء بعد قوله رضوان الله عليه :
وفي المناقب كان يقول :
قـد عـلمت كـتيبة الأنصار      أن  سوف أحمي حوزة iiالذمار
ضرب غلام غير نكس شاري      دون  حـسين مهجتي iiوداري
(2) ب : ثم تقدم جون مولى أبي ذر الغفاري .
وجون من الموالي ، أسود اللون ، شيخ كبير السن ، هو ابن حوي ، وذكر في بعض المصادر اسمه : جوين أبي مالك .
تسمية من قتل مع الحسين : 152 ، رجال الشيخ : 72 ، المناقب 4|103 ، المقتل 1|237 و2|1 9 ، تاريخ الطبري 5|420 ، البحار 45|82 ، أنصار الحسين : 72 .
(3) ر : بطريقتنا .
(4) ر : الجنة .
(5) الراوي ، لم يرد في ر .
(6) ر : عمر بن خالد الصيداوي .
وعمرو بن خالد الصيداوي من صيدا ، ذكر في أكثر المصادر ، وفي الرجبية ، عمرو بن خلف ،

الملهوف على قتلى الطفوف _ 164 _

   يا أبا عبدالله ، جعلت فداك قد هممت أن ألحق بأصحابي ، وكرهت أن أتخلف فأراك وحيداً فريداً بين أهلك قتيلاً .
  فقال له الحسين عليه السلام : ( تقدم فإنا لا حقون بك عن ساعة ) .
  فتقدم فقاتل حتى قتل رضوان الله عليه .
  قال الراوي (1) : وجاء حنظلة بن سعد الشبامي (2) ، فوقف بين يدي الحسين عليه السلام يقيه السهام والسيوف والرماح بوجهه ونحره .
  وأخذ ينادي : يا قوم إني أخاف عليكم مثل يوم الأحزاب مثل دأب قوم نوح وعاد وثمود والذين من بعدهم ، وما الله يريد ظلماً للعباد ، ويا قوم إني أخاف عليكم مثل يوم التناد ، يوم تولون مدبرين مالكم من الله من عاصم ، يا

---------------------------
ويحتمل أنه تصحيف خالد ، وبنو الصيدا بطن من أسد من العدنانية ، وذهب بعض العلماء إلى اتحاده مع عمرو بن خالد الأزدي، ذاهباً إلى أن الأزدي مصحف عن الأسدي ، والمرجح التعدد ، وإن كان احتمال الإتحاد وارداً.
تسمية من قتل مع الحسين : 155 ، تاريخ الطبري 5|446 ، المقتل 2|24 ، البحار 45|72 و 23 ، أنصار الحسين : 102 .
(1) الراوي ، لم يرد في ر . ب .
(2) كذا في ب . وفي ر : حنظلة بن سعد الثامي . وفي ع : حنظلة بن أسعد الشامي .
والشبامي : شبام بطن من همدان من القحطانية ، كوفي، ذكر في أكثر المصادر مع اختلاف في ضبط اسمه ، واحتمل بعض العلماء اتحاده مع حنظلة بن أسعد الشبامي ، واستدل بأن ابن شهر آشوب لم يذكر حنظلة المتفق عليه وهو الشبامي ، والمرجح أن سعداً غيرحنظلة ، لأن غير ابن شهر آشوب ذكر سعداً وأنه تميمي من عرب الشمال ، وحنظلة وأنه شبامي من عرب الجنوب ، واحتمل آخر اتحاده مع حنظلة ابن عمر الشيباني ، وهذا الاحتمال بعيد أيضاً .
رجال الشيخ : 73 ، المقتل 2|24 ، تاريخ الطبري 5|443 ، تسمية من قتل مع الحسين : 156 ، قاموس الرجال 4|318 ، معجم رجال الحديث 6|306 ـ 307 ، انصار الحسين : 86 و 89 ـ 90 و 116 ـ 117 .

الملهوف على قتلى الطفوف _ 165 _

  قوم لا تقتلوا حسيناً فيسحتكم الله بعذابٍ وقد خاب من افترى .
  ثم التفت إلى الحسين عليه السلام وقال : أفلا نروح إلى ربنا ونلحق بأصحابنا ؟
  فقال له : ( بل (1) رح إلى ما هو خيرٌ لك من الدنيا وما فيها وإلى ملكٍ لا يبلى ) .
  فتقدم ، فقاتل قتال الأبطال ، وصبر على احتمال الأهوال ، حتى قتل ، رضوان الله عليه .
  قال : وحضرت صلاة الظهر ، فأمر الحسين عليه السلام زهير بن القين وسعيد بن عبدالله الحنفي أن يتقدما أمامه بنصف من تخلف معه ، ثم صلى بهم صلاة الخوف .
  فوصل إلى الحسين عليه السلام سهمٌ ، فتقدم سعيد بن عبدالله الحنفي ، ووقف يقيه بنفسه ما زال ، ولا تخطى حتى سقط إلى الأرض وهو يقول : اللهم العنهم لعن عادٍ وثمود ، اللهم أبلغ نبيك عني السلام ، وأبلغه ما لقيت من ألم الجراح ، فإني أردت ثوابك في نصر ذرية نبيك ، ثم قضى نحبه رضوان الله عليه ، فوجد به ثلاثة عشر سهمأً سوى ما به من ضرب السيوف وطعن الرماح .
  قال الراوي (2) : وتقدم سويد بن عمر بن أبي المطاع (3) ، وكان شريفاً كثير الصلاة ، فقاتل قتال الأسد الباسل ، وبالغ في الصبر على الخطب النازل ، حتى

---------------------------
(1) ع : ونلحق بإخواننا بلى .
(2) الراوي ، لم يرد في ر .
(3) هو سويد بن عمرو بن أبي المطاع الخثعمي ، ذكر في عدة مصادر ، كان شريفاً كثير الصلاة ، وهو أحد آخر رجلين بقيا مع الحسين وقتل بعد مقتل الحسين عليه السلام ، فكان آخر قتيل ، قتله هاني بن ثبيت الحضرمي ، والخثعمي : خثعم بن أنمار بن أراش ، من القحطانية .
رجال الشيخ : 74 ، المناقب 4|102 وفيه : عمرو بن أبي المطاع الجعفي ، البحار 45|24 ، تسمية من قتل مع الحسين : 154 وفيه : سويد بن عمرو بن المطاع ، أنصار الحسين : 91 ـ 92 .

الملهوف على قتلى الطفوف _ 166 _

  سقط بين القتلى وقد أثخن بالجراح ، ولم يزل كذلك وليس به حراك حتى سمعهم يقولون : قتل الحسين ، فتحامل وأخرج من خفه سكيناً ، وجعل يقاتلهم بها حتى قتل ، رضوان الله عليه .
  قال: وجعل أصحاب الحسين عليه السلام يقاتلون (1) بين يديه ، وكانوا كما قيل :
قــومٌ إذ نـودوا لـدفع iiمـلمة      والـخيل بـين مدعس iiومكردس
لبسوا القلوب على الدروع وأقبلوا      يـتهافتون  عـلى ذهاب iiالأنفس
  فلما لم يبق معه إلا أهل بيته ، خرج علي بن الحسين عليه السلام ـ وكان من أصبح الناس وجهاً وأحسنهم خلقاً ـ فاستأذن أباه في القتال ، فأذن له .
  ثم نظر إليه نظرة آيسٍ منه ، وأرخى عليه السلام عينيه وبكى .
  ثم قال : ( اللهم اشهد ، فقد برز إليهم غلامٌ أشبه الناس خلقاً وخلقاً ومنطقاً برسولك صلى الله عليه وآله ، وكنا إذا اشتقنا إلى نبيك نظرنا إليه ) .
  فصاح وقال : ( يابن سعد قطع الله رحمك كما قطعت رحمي (2) ) .
  فتقدم عليه السلام نحو القوم ، فقاتل قتالاً شديداً وقتل جمعاً كثيراً .
  ثم رجع إلى أبيه وقال : يا أبه ، العطش قد قتلني ، وثقل الحديد قد أجهدني ، فهل إلى شربة ماء من سبيل ؟
  فبكى الحسين عليه السلام وقال : ( واغوثاه يا بني ، من أين آتي بالماء قاتل قليلاً ، فما أسرع ما تلقى جدك محمداً عليه السلام ، فيسقيك بكأسه الأوفى شربةً لا تظلمأ بعدها (3) ) .

---------------------------
(1) ع : يسارعون إلى القتل .
(2) من قوله : وكنا إذا اشتقنا ... إلى هنا ، لم يرد في ر ، وورد في ع .
(3) ع : بعدها أبداً .

الملهوف على قتلى الطفوف _ 167 _

  فرجع عليه السلام إلى موقف النزال ، وقاتل أعظم القتال ، فرماه منقذ بن مرة العبدي (1) بسهمٍ فصرعه ، فنادى: يا أبتاه عليك مني (2) السلام ، هذا جدي يقرؤك السلام ويقول لك : عجل القدوم علينا ، ثم شهق شهقة فمات .
  فجاء الحسين عليه السلام (3) حتى وقف عليه ، ووضع خده على خده (4) وقال : ( قتل الله قوماً قتلوك ، ما أجرأهم على الله وعلى انتهاك حرمة رسول الله صلى الله عليه وآله ، على الدنيا بعدك العفاء ) .
  قال الراوي (5) : وخرجت زينب ابنت علي تنادي : يا حبيباه يا بن أخاه ، وجاءت فأكبت عليه .
  فجاء الحسين عليه السلام فأخذها وردها إلى النساء .
  ثم جعل أهل بيته يخرج منهم الرجل بعد الرجل ، حتى قتل القوم منهم جماعة ، فصاح الحسين عليه السلام في تلك الحال : صبراً يا بني عمومتي ، صبراً يا أهل بيتي صبراً ، فوالله لا رأيتم هواناً بعد هذا اليوم أبداً .
  قال الراوي (6) : وخرج غلام (7) كأن وجهه شقة قمر ، فجعل يقاتل ،

---------------------------
(1) كذا في النسخ ، ولكن في تاريخ الطبري 6|625 و الكامل 4|30 و الأخبار الطوال : 254 و مقاتل الطالبيين : 84 ورد اسمه هكذا : مره بن منقذ بن النعمان العبدي ثم الليثي .
لم يذكروه ، وهو خبيث ملعون .
(2) مني ، لم يرد في ر .
(3) الحسين ، لم يرد في ر .
(4) ووضع خده على خده ، لم يرد في ر .
(5) الراوي ، لم يرد في ر .
(6) الراوي ، لم يرد في ر .
(7) هو القاسم بن الحسن بن علي بن أبي طالب ، أخو أبي بكر بن الحسن لأبيه وأمه المقتول قبله .
مقاتل الطالبيين : 50 .

الملهوف على قتلى الطفوف _ 168 _

  فضربه ابن فضيل الأزدي (1) على رأسه ، ففلقه ، فوقع الغلام لوجهه وصاح : يا عماه .
  فجلى الحسين عليه السلام كما يجلي الصقر ، وشد شدة ليثٍ أغضب ، فضرب ابن فضيل بالسيف ، فاتقاها بساعده فأطنها من لدن المرفق ، فصاح صيحة سمعه أهل العسكر ، فحمل أهل الكوفة ليستنقذوه ، فوطأته الخيل حتى هلك .
  قال : وانجلت الغبرة ، فرأيت الحسين عليه السلام قائماً على رأس الغلام وهو يفحص برجله ، والحسين عليه اللسلام يقول : ( بعداً لقومٍ قتلوك ، ومن خصمهم يوم القيامة فيك جدك (2) ) .
  ثم قال : ( عز والله على عمك أن تدعوه فلا يجيبك ، أو يجيبك فلا ينفعك صوته ، هذا يوم والله (3) كثر واتره وقل ناصره ) .
  ثم حمل الغلام على صدره حتى ألقاه بين القتلى من أهل بيته .
  قال : ولما رأى الحسين عليه السلام مصارع فتيانه وأحبته ، عزم على لقاء القوم بمهجته ، ونادى : ( هل من ذاب يذب عن حرم رسول الله ؟ هل من موحدٍ يخاف الله فينا ؟ هل من مغيثٍ يرجو الله بإغاثتنا ؟ هل من معينٍ يرجو ما عند الله في إعانتنا ؟ ) .
  فارتفعت أصوات النساء بالعويل ، فتقدم إلى باب الخيمة وقال لزينب : ( ناوليني ولدي الصغير (4) حتى أودعه ) ، فأخذه وأومأ إليه ليقبله ، فرماه

---------------------------
(1) في مقاتل الطالبيين : 88 ذكر اسمه : عمرو بن سعيد بن نفيل الأزدي.
(2) ع : جدك وأبوك .
(3) ر : فلا ينفعك صوت والله.
(4) هو عبدالله بن الحسين بن علي بن أبي طالب ، وأمه الرباب بنت امرئ القيس بن عدي بن أوس ،

الملهوف على قتلى الطفوف _ 169 _

  حرملة بن الكاهل (1) بسهم ، فوقع في نحره فذبحه ، فقال لزينب : ( خذيه ) .
  ثم تلقى الدم بكفيه حتى امتلأتا ، ورمى بالدم نحو السماء وقال : ( هون علي ما نزل بي ، إنه بعين الله) .
  قال الباقر عليه السلام : ( فلم يسقط من ذلك الدم قطرة إلى الأرض) .
  وروي من طرق أخرى ، وهي أقرب إلى العقل ، لأن الحال ما كان وقت توديع للصبي ، لاشتغالهم بالحرب والقتل ، وإنما زينب أخته عليها السلام أخرجت الصبي وقالت : يا أخي ، هذا ولدك له ثلاثة أيام ما ذاق الماء ، فاطلب له شربة ماء .
  فأخذه على يده وقال : ( يا قوم قد قتلتم شيعتي وأهل بيتي ، وقد بقي هذا الطفل يتلظى عطشاً ، فاسقوه شربةً من الماء ) .
  فبينما هو يخاطبهم إذ رماه رجل منهم بسهم فذبحه .
  فدعا عليهم بنحو ما صنع بهم المختار وغيره (2) .

---------------------------
وفي اسم قاتله اختلاف ، فقيل : حرملة ، وقيل عقبة بن بشر .
مقاتل الطالبيين : 89 ـ 90 .
(1) لم يذكروه ، وهو خبيث ملعون .
ولما قبض على حرملة ورآه المختار ، بكى المختار وقال : يا ويلك أما كفاك ما فعلت حتى قتلت طفلاً صغيراً وذبحته ، يا عدو الله، أما علمت أنه ولد النبي ، فأمر به فجعلوه مرمى ، فرمي بالنشاب حتى مات .
وقيل : إنه لما نظر المختار إلى حرملة قال : الحمد الله الذي مكنني منك يا عدو الله، ثم أحضر الجزار فقال له : اقطع يديه ورجليه ، فقطعها ، ثم قال : علي بالنار ، فاحضرت بين يديه ، فأخذ قضيباً من حديد وجعله في النار حتى احمر ثم ابيضٌ ، فوضعه على رقبته ، فصارت رقبته تجوش من النار وهو يستغيث حتى قطعت رقبته .
حكاية المختار : 55 و 59 .
(2) من قوله : وروي من طرق أخرى ... إلى هنا ، لم يرد في ع .

الملهوف على قتلى الطفوف _ 170 _

  قال الراوي (1) : واشتد العطش بالحسين عليه السلام ، فركب المسناة يريد الفرات ، والعباس أخوه بين يديه ، فاعترضتهما خيل ابن سعد ، فرمى رجل من بني دارم الحسين عليه السلام بسهمٍ فأثبته في حنكه الشريف ، فانتزع صلوات الله عليه السهم وبسط يده تحت حنكه حتى امتلأت راحتاه من الدم (2) ، ثم رمى به وقال : ( اللهم إني أشكوه إليك ما يفعل بابن بنت نبيك ) .
  ثم اقتطعوا العباس عنه ، وأحاطوا به من كل جانب ومكان ، حتى قتلوه قدس الله روحه (3) ، فبكى الحسين عليه السلام بكاءً شديداً ، وفي ذلك يقول الشاعر :
أحـق الناس أن يبكى iiعليه      فتىً  أبكى الحسين iiبكربلاء
أخـوه وابـن والـده iiعلي      أبو الفضل المضرج بالدماء
ومـن واساه لا يثنيه iiشيء      وجـادله  على عطش iiبماء
  قال الراوي (4) : ثم أن الحسين عليه السلام دعا الناس إلى البراز ، فلم يزل يقتل كل من برز اليه ، حتى قتل مقتلة عظيمة ، وهو في ذلك يقول :
القتل أولى من ركوب iiالعار      والعار أولى من دخول النار
  قال بعض الرواة : والله ما رأيت مكثوراً (5) قط قد قتل ولده وأهل بيته وأصحابه (6)أربط جأشاً منه ، وإن الرجال كانت لتشد عليه فيشد عليها

---------------------------
(1) الراوي ، لم يرد في ر .
(2) ر : راحته دماً .
(3) جاء بعد قوله قدس الله روحه في نسخة ب : وكان المتولي لقتله زيدبن ورقاء الحنفي وحكيم بن الطفيل السنبسي .
(4) الراوي ، لم يرد في ر .
(5) ر : مكسورا .
(6) ب : وصحبه .

الملهوف على قتلى الطفوف _ 171 _

  بسيفه فتنكشف عنه انكشاف المعزى إذا شد فيها الذئب ، ولقد كان يحمل فيهم ، وقد تكملوا ثلاثين ألفاً ، فينهزمون بين يديه كأنهم الجراد المنتشر ، ثم يرجع إلى مركزه (1) وهو يقول : ( لا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم ) .
  قال الراوي (2) : ولم يزل عليه السلام يقاتلهم حتى حالوا بينه وبين رحله .
  فصاح بهم : ( ويحكم (3) يا شيعة آل أبي سفيان ، إن لم يكن لكم دين وكنتم لاتخافون المعاد فكونوا أحراراً في دنياكم هذه (4) وارجعوا إلى أحسابكم إن كنتم عرباً كما تزعمون ) .
  قال : فناداه (5) شمر : ما تقول يابن فاطمة ؟
  قال : ( أقول : أنا الذي أقاتلكم (6) وتقاتلوني والنساء ليس عليهن جناح ، فامنعوا أعتاتكم وجهالكم وطغاتكم (7) من التعرض لحرمي ما دمت حياً ) .
  فقال شمر : لك ذلك يا بن فاطمة .
  وقصدوه بالحرب ، فجعل يحمل عليهم ويحملون عليه ، وهو مع ذلك (8)

---------------------------
(1) ر : معسكره .
(2) الراوي ، لم يرد في ر .
(3) ر . ع : فصاح عليه السلام ويلكم .
(4) هذه ، لم يرد في ب .
(5) ب : إذ كنتم أعراباً فناداه .
(6) كذا في ب . وفي ر : قال إني أقاتلكم .
(7) وجهالكم وطغاتكم ، لم يرد في ب .
(8) ب : فقال شمر : لك هذا ، ثم صاح شمر : إليكم عن حرم الرجل فاقصدوه في نفسه فلعمري لهو كفؤ كريم ، قال فقصده القول وهو في ذلك .

الملهوف على قتلى الطفوف _ 172 _

  يطلب شربة من ماء (1) فلا يجد ، حتى أصابه اثنتان وسبعون جراحة .
  فوقف يستريح ساعة وقد ضعف عن القتال ، فبينما هو واقف اذ أتاه حجر ، فوقع على جبهته ، فأخذ الثوب ليمسح الدم عن جبهته ، فأتاه سهم مسموم له ثلاث شعب ، فوقع على قلبه ، فقال عليه السلام : ( بسم الله وبالله وعلى ملة رسول الله صلى الله عليه وآله ) .
  ثم رفع رأسه إلى السماء وقال: ( اللهم إنك (2) تعلم أنهم يقتلون رجلاً ليس على وجه الأرض ابن بنت نبي (3) غيره ) .
  ثم أخذ السهم ، فأخرجه من وراء ظهره (4) ، فانبعث الدم كأنه ميزاب ، فضعف عن القتال (5) ووقف ، فكلما (6) أتاه رجل انصرف عنه ، كراهية أن يلقى الله بدمه .
  حتى جاءه رجل من كندة يقال له مالك بن النسر (7) لعنه الله، فشتم الحسين وضربه على رأسه الشريف بالسيف ، فقطع البرنس ووصل السيف إلى رأسه وامتلأ البرنس دماً .
  قال الراوي (8) : فاستدعى الحسين عليه السلام بخرقة ، فشد بها رأسه ، واستدعى بقلنسوة فلبسها واعتم عليها .

---------------------------
(1) ب : فكلما حمل بفرسه على الفرات حملوا عليه بأجمعهم ، حتى أحلوه عنه .
(2) ع : الهي أنت .
(3) ر : نبيك .
(4) ظهره ، ولم يرد في ر .
(5) عن القتال ، لم يرد في ر .
(6) ر : وكلما .
(7) لم يذكروه ، وهو خبيث ملعون .
(8) الراوي ، لم يرد في ر .

الملهوف على قتلى الطفوف _ 173 _

  فلبثوا هنيئة ، ثم عادوا إليه وأحاطوا به ، فخرج عبد الله بن الحسن بن علي (1) ـ وهوغلام لم يراهق ـ من عند النساء ، فشهد حتى وقف إلى جنب الحسين عليه السلام ، فلحقته زينب ابنت علي لتحبسه (2) ، فأبى وامتنع امتناعاً شديداً وقال :
   والله (3) لا أفارق عمي .
  فأهوى بحر بن كعب (4) ـ وقيل : حرملة بن الكاهل ـ إلى الحسين بالسيف .
  فقال له الغلام : ويلك يا بن الخبيثة أتتقل عمي .
  فضربه بالسيف ، فاتقاها الغلام بيده ، فاطنها إلى الجلد ، فإذا هي معلقة .
  فنادى الغلام : يا عماه (5) .
  فأخذه الحسين عليه السلام فضمه إليه وقال : ( يا بن أخي ، إصبر على ما نزل بك واحتسب في ذلك الخير ، فإن الله يلحقك بآبائك الصالحين ) .
  قال : فرماه حرملة بن الكاهل لعنه الله بسهم ، فذبحه وهو في حجر عمه الحسين عليه السلام .
  ثم أن شمربن ذي الجوشن لعنه الله حمل على فسطاط الحسين عليه السلام فطعنه

---------------------------
(1) عبد الله بن الحسن بن علي بن أبي طالب ، وأمه بنت السليل بن عبد الله أخي عبد الله بن جرير البجلي ، وقيل : أمه أم ولد ، وقيل : الرباب بنت امرئ القيس ، كان عمره حين قتل إحدى عشرة سنة .
تسمية من قتل مع الحسين : 150 ، مقاتل الطالبيين : 89 ، رجال الشيخ : 76 ، أنصار الحسين : 132 .
(2) ب : فقال الحسين عليه السلام : احبسيه يا أختي .
(3) ب . ع : لا والله.
(4) ب : أبجر بن كعب .
لم يذكروه ، وهو خبيث ملعون .
ويأتي أنه أخذ سراويل الإمام الحسين عليه السلام .
(5) ب . ع : يا أماه .

الملهوف على قتلى الطفوف _ 174 _

  بالرمح ، ثم قال : علي بالنار أحرقه على من فيه .
  فقال له الحسين عليه السلام : ( يابن ذي الجوشن ، أنت الداعي بالنار لتحرق على أهلي ، أحرقك الله بالنار ) .
  وجاء شبث فوبخه ، فاستحى وانصرف .
  قال الراوي (1) : وقال الحسين عليه السلام : (إاتوني بثوب (2) لا يرغب فيه أجعله تحت ثيابي ، لئلا أجرد منه ) .
  فأتي بتبان ، فقال : ( لا ، ذاك لباس من ضربت عليه الذلة ) .
  فأخذ ثوبا خلقاً ، فخرقه وجعله تحت ثيابه ، فلما قتل جردوه منه عليه السلام .
  ثم استدعى عليه السلام بسراويل من حبرة ، ففرزها ولبسها ، وإنما فرزها لئلا يسلبها ، فلما قتل سلبها بحر بن كعب لعنه الله وترك الحسين عليه السلام مجرداً (3) ، فكانت يدا بحر بعد ذلك تيبسان (4) في الصيف كأنهما عودان يابسان وتترطبان في الشتاء فتنضحان قيحاً ودماً ، إلى أن أهلكه الله تعالى .
  قال : ولما أثخن الحسين عليه السلام بالجراح ، وبقي (5) كالقنفذ ، طعنه صالح بن وهب المزني (6) لعنه الله على خاصرته طعنة ، فسقط الحسين عليه السلام عن فرسه إلى الأرض على خده الأيمن ، ثم قام صلوات الله عليه (7) .

---------------------------
(1) الراوي ، من .
(2) ب : ابعثوا إلي ثوباً . ع : ابغوا لي ثوباً .
(3) ب : سلبها أبجر بن كعب وتركه مجرداً .
(4) ر : يدا بحر تيبسان . ب : يد أبجر بعد ذلك ييبسان .
(5) ر : فبقى .
(6) في مستدركات علم الرجال 4 | 248 : صالح بن وهب المزني ، خبيث ملعون .
(7) ع : ... على خده الأيمن وهو يقول : بسم الله وبالله وعلى ملة رسول الله ثم قام صلوات الله عليه .

الملهوف على قتلى الطفوف _ 175 _

  قال الراوي (1) : وخرجت زينب من باب االفسطاط (2) وهي تنادي : وا أخاه ، وا سيداه ، وا أهل بيتاه ، ليت السماء انطبقت على الأرض، وليت الجبال تدكدكت على السهل .
  قال : وصاح شمر باصحابه : ما تنتظرون بالرجل .
  قال : فحملوا عليه من كل جانب .
  فضربه زرعة بن شريك (3) لعنه الله على كتفه اليسرى ، فضرب الحسين عليه السلام زرعة فصرعه .
  وضربه آخر على عاتقه المقدس بالسيف ضربة كبا عليه السلام بها على وجهه (4) ، وكان قد أعيى ، فجعل عليه السلام ينوء ويكبو .
  فطعنه سنان بن أنس النخعي (5) لعنه الله في ترقوته ، ثم انتزع الرمح فطعنه في بواني (6) صدره .
  ثم رماه سنان أيضاً بسهم ، فوقع السهم في نحره ، فسقط عليه السلام ، وجلس قاعداً ،

---------------------------
(1) الراوي ، من ع .
(2) ب : من الفسطاط .
(3) بن شريك ، لم يرد في ر .
في مستدركات علم الرجال 3 | 426 : زرعة بن شريك التميمي ، لم يذكروه ، وهو ملعون خبيث .
(4) ب . ع : لوجهه .
(5) في مستدركات علم الرجال 4 | 161 : سنان بن أنس ، قاتل مولانا الحسين صلوات الله عليه ، قيل : قتله ابن زياد حين قال : قتلت خير الناس أماً وأباً ، والمشهور أنه قتله المختار .
وفي كتاب حكاية المختار : 45 أن ابراهيم قال لسنان عندما قبض عليه : يا ويلك أصدقني ما فعلت يوم الطف ؟ قال : ما فعلت شيئاً غير أني أخذت تكة الحسين من سرواله !!! فبكى إبراهيم عند ذلك ، فجعل يشرح لحم أفخاذه ويشويها علىنصف نضاجها ويطعمه إياه ، وكلما امتنع من الأكل ينخزه بالخنجر ، فلما أشرف على الموت ذبحه وأحرق جثته .
(6) ر : نواني ، والمثبت من ب . ع .

الملهوف على قتلى الطفوف _ 176 _

  فنزع السهم من نحره ، وقرن كفيه جميعاً (1) ، وكلما امتلأتا من دمائه خضب بها رأسه ولحيته وهو يقول : ( هكذا ألقى الله مخضباً بدمي مغصوباً على حقي ) .
  فقال عمر بن سعد لعنه الله لرجل عن يمينه : إنزل ويحك إلى الحسين فأرحه .
  فبدر إليه خولي بن يزيد الأصبحي (2) ليحتز رأسه ، فأرعد .
  فنزل إليه سنان بن أنس النخعي لعنه الله فضربه بالسيف في حلقه الشريف وهو يقول : والله إني لأحتز (3) رأسك وأعلم أنك ابن رسول الله وخير الناس أباً وأماً !!! ثم احتز رأسه الشريف صلى الله عليه وآله (4) .
  وفي ذلك يقول الشاعر :
فأي رزية عدلت حسيناً      غـداة  تبيره كفا iiسنان
  وروي : أن سناناً هذا أخذه المختار فقطع أنامله أنملة أنملة ، ثم قطع يديه ورجليه ، وأغلى (5) له قدراً فيها زيت ، ورماه فيها وهو يضطرب .
  وروى أبوطاهر محمد بن الحسين البرسي في كتابه معالم الدين (6) ، عن الصادق عليه السلام قال : ( لما كان من أمر الحسين ما كان ، ضجت الملائكة وقالوا : يا ربنا (7) هذا الحسين صفيك وابن صفيك وابن بنت نبيك .

---------------------------
(1) جميعاً ، لم يرد في ر .
(2) في مستدركات علم الرجال 3 | 344 : خولي بن يزيد الأصبحي ، من قتلة أبي عبد الله عليه السلام ، قتله المختار .
(3) ب . ع : لا جتز .
(4) ب : رأسه المقدس المعظم صلى الله عليه وآله وسلم وكرم .
(5) ر : وغلا .
(6) قال الشيخ الطهراني في الذريعة 21 | 198 : معالم الدين ، للشيخ المتقدم أبي طاهر محمد بن الحسن القرسي ( البرسي ) ، يروي عنه السيد في اللهوف ... ويروي عنه في الإقبال ...
(7) ع : ضجت الملائكة إلى الله بالبكاء وقالت يا رب .

الملهوف على قتلى الطفوف _ 177 _

  قال : فأقام الله ظل القائم عليه السلام وقال : بهذا أنتقم لهذا ) .
  قال الراوي : وارتفعت (1) في السماء في ذلك الوقت غبرة شديدة سوداء مظلمة فيها ريح حمراء لا يرى فيها عين ولا أثر ، حتى ظن القوم أن العذاب قد جاءهم ، فلبثوا كذلك ساعة ، ثم انجلت عنهم .
  وروى هلال بن نافع قال : إني لواقف مع أصحاب عمر بن سعد إذ صرخ صارخ : أبشر أيها الأمير ، فهذا شمر قد قتل الحسين عليه السلام .
  قال : فخرجت بين الصفين ، فوقفت عليه ، فإنه ليجود بنفسه ، فوالله ما رأيت قتيلاً مضمخاً بدمه أحسن منه ولا أنور وجهاً ، ولقد شغلني نور وجهه وجمال هيأته عن الفكر في قتله .
  فاستسقى في تلك الحال ماءً ، فسمعت رجلاً يقول له : والله لا تذوق الماء حتى ترد الحامية فتشرب من حميمها !!!
  فقال له الحسين عليه السلام : ( لا ، بل (2) أرد على جدي رسول الله صلى الله عليه وآله وأسكن معه في داره في مقعد صدق عند مليك مقتدر ، وأشرب من ماء غير آسن ، وأشكو إليه ما ارتكبتم مني وفعلتم بي ) .
  قال : فغضبوا بأجمعهم ، حتى كأن الله لم يجعل في قلب أحد منهم من الرحمة شيئاً ، فاحتزوا رأسه وإنه ليكلمهم ، فعجبت من قلة رحمتهم وقلت : والله لا أجامعكم على أمر أبداً .
  قال : ثم أقبلوا على سلب الحسين عليه السلام ، فأخذ قميصه إسحاق بن حوبة

---------------------------
(1) ب : فلما قتل صلوات الله عليه ، وأرتفت .
ولفظ : الراوي ، لم يرد في ر . ب .
(2) ع : فتشرب من حميمها ، فسمعته يقول : يا ويلك أنا لا أرد الحامية ولا أشرب من حميمها بل .

الملهوف على قتلى الطفوف _ 178 _

  الحضرمي (1) لعنه الله، فلبسه فصار أبرص وامتعط شعره .
  وروي : أنه وجد في قميصه عليه السلام مائة وبضع عشرة ما بين رمية وضربه وطعنه .
  قال الصادق عليه السلام : ( وجد بالحسين عليه السلام ثلاث وثلاثون طعنة وأربع وثلاثون ضربة ) .
  وأخذ سراويله بحر بن كعب التيمي لعنه الله، وروي : أنه صار زمناً مقعداً من رجليه .
  وأخذ عمامته اخنس بن مرثد بن علقمة الحضرمي (2) لعنه الله، وقيل : جابر ابن يزيد الأودي (3) لعنه الله، فاعتم بها فصار معتوهاً .
  وأخذ نعليه الأسود بن خالد (4) .
  وأخذ خاتمه بجدل بن سليم الكلبي (5) لعنه الله، فقطع إصبعه عليه السلام مع الخاتم ، وهذا أخذه المختار فقطع يديه ورجليه وتركه يتشحط في دمه حتى هلك .
  وأخذ قطيفة له عليه السلام كانت من خز قيس بن الأشعث (6) لعنه الله.

---------------------------
< (1) ع : حوية .
ويأتي أنه أحد العشرة الذين داسوا بخيولهم ظهر الحسين عليه السلام ، وهو ابن زنا .
(2) وفي بعض النسخ : اخنس بن مرتد .
ويأتي أنه أحد العشرة الذين داسوا الحسين عليه السلام بحوافر خيلهم ، حتى رضوا ظهره وصدره ، وهو من أولاد الزنا .
(3) في مستدركات علم الرجال 2 | 105 : جابر بن يزيد الأودي، لم يذكروه ، وهو مذموم ملعون ...
(4) ذكر في ترجمة الامام الحسين من كتاب الطبقات : 187 باسم الأسود بن خالد الأودي.
وهو خبيث ملعون .
(5) ر : نجدل .
في مستدركات علم الرجال 2 | 5 : بجدل بن سليم الكلبي ، خبيث ملعون ، قتله المختار .
(6) في ترجمة الإمام الحسين من كتاب الطبقات : 187 : وأخذ قطيفته قيس بن الأشعث بن قيس

الملهوف على قتلى الطفوف _ 179 _

  أخذ درعه البتراء عمر بن سعد لعنه الله، فلما قتل عمر بن سعد وهبها المختار لأبي عمرة (1) قاتله .
  وأخذ سيفه جميع بن الخلق الاودي (2) ، وقيل: رجل من بني تميم يقال له الأسود بن حنظلة (3) لعنه الله.
  وفي رواية ابن سعد (4) أنه أخذ سيفه الفلافس النهشلي (5) ، وزاد محمد بن زكريا (6) : أنه وقع بعد ذلك إلى بنت حبيب بن بديل (7) .
  وهذا السيف المنهوب ليس بذي الفقار : فإن ذلك كان مذخوراً ومصونا مع

---------------------------
الكندي ، فكان يقال له : قيس قطيفة .
لم يذكروه ، وهو خبيث ملعون .
(1) لم يذكروه .
(2) ب : الأزدي.
وفي ترجمة الإمام الحسين من كتاب الطبقات : 187 : وأخذ سيفاً آخر جميع بن الخلق الأودي.
لم يذكروه ، وهو خبيث ملعون .
(3) لم يذكروه وهو خبيث ملعون .
(4) ر : ابن سعيد . ع : ابن أبي سعد . والمثبت من ب ، وهو الصحيح ، لأن المراد به محمد بن سعد بن منيع البصري ، المتوفى سنة 230 هـ ، صاحب كتاب الطبقات الكبرى الذي طبع ناقصاً ، ومن أماكن نقصه ترجمة الإمام الحسين ، وطبعت ترجمة الامام الحسين من كتاب الطبقات في مجلة تراثنا العدد 10 بتحقيق العلامة السيد عبد العزيز الطباطبائي .
وما نقله هنا عن ابن سعد تجده في تراثنا 10 | 187 .
(5) ر : القلاقس . ب : القلافس . والمثبت من ع ، وترجمة الامام الحسين من كتاب الطبقات : 187 .
(6) أبو عبد الله محمد بن زكريا بن دينار الغلابي ، كان وجهاً من وجوه أصحابنا بالبصرة ، توفي سنة 298 هـ ، له كتاب مقتل الحسين عليه السلام .
رجال النجاشي : 346 ـ 347 ، الفهرست للنديم : 121 ، تنقيح المقال 3 | 117 .
(7) لم أهتد إلى من ذكر بنت حبيب بن بديل ، وحبيب بن بديل هو من رواة حديث الولاية .
راجع : الغدير 1 | 25 ، أسد الغابة 1 | 441 .

الملهوف على قتلى الطفوف _ 180 _

  أمثاله من ذخائر النبوة والإمامة ، وقد نقل الرواة تصديق ما قلناه وصورة ما حكيناه .
  قال الراوي (1) : وجاءت جارية من ناحية خيم الحسين عليه السلام .
  فقال لها رجل : يا أمة الله إن سيدك قتل .
  قالت الجارية : فاسرعت الى سيداتي وأنا اصيح ، فقمن في وجهي وصحن .
  قال : وتسابق القوم على نهب بيوت آل الرسول وقرة عين الزهراء البتول ، حتى جعلوا ينتزعون ملحفة المرأة عن ظهرها ، وخرج بنات رسول الله صلى الله عليه وآله وحريمه يتساعدن على البكاء ويندبن لفراق الحماة (2) والأحباء .
  فروى حميد بن مسلم قال : رأيت امرأة من بني بكر (3) بن وائل كانت مع زوجها في أصحاب عمر بن سعد ، فلما رأت القوم قد اقتحموا على نساء الحسين عليه السلام في فسطاطهن وهم يسلبونهن ، أخذت سيفاً وأقبلت نحو الفسطاط وقالت : يا آل بكر بن وائل أتسلب بنات رسول الله ؟ !! لا حكم إلا لله ، يالثارات رسول الله، فأخذها زوجها فردها إلى رحله .
  قال الراوي : ثم أخرجوا النساء من الخيمة وأشعلوا فيها النار ، فخرجن حواسر مسلبات حافيات باكيات يمشين سبايا في أسر الذلة .
  وقلن : بحق الله إلا ما مررتم بنا على مصرع الحسين ، فلما نظر النسوة إلى القتلى صحن وضربن وجوههن .
  قال : فوالله لا أنسى زينب ابنت علي وهي تندب الحسين عليه السلام وتنادي بصوت

---------------------------
(1) الراوي ، من ع .
(2) ر : الأكماة .
(3) ب : من بكر .

الملهوف على قتلى الطفوف _ 181 _

  حزين وقلب كئيب : وا محمداه ، صلى عليك مليك السماء ، هذا حسين بالعراء ، مرمل بالدماء ، مقطع الأعضاء ، وا ثكلاه ، وبناتك سبايا ، إلى الله المشتكى وإلى محمد المصطفى وإلى علي المرتضى وإلى فاطمة الزهراء وإلى حمزة سيد الشهداء .
  وا محمداه ، وهذا حسين بالعراء ، تسفي عليه ريح الصباء ، قتيل أولاد البغايا .
  واحزناه ، واكرباه عليك يا أبا عبد الله اليوم مات جدي رسول الله صلى الله عليه وآله .
  يا أصحاب محمد ، هؤلاء ذرية المصطفى يساقون سوق السبايا .
  وفي بعض الروايات : وا محمداه ، بناتك سبايا (1) ، وذريتك مقتلة تسفي عليهم ريح الصباء ، وهذا حسين محزوز الرأس من القفا ، مسلوب العمامة والردا .
  بأبي من أضحى عسكره في يوم الإثنين نهبا ، بأبي من فسطاطه مقطع العرى ، بأبي من لا غائب فيرتجى ، ولا جريح فيداوى ، بأبي من نفسي له الفداء ، بأبي المهموم حتى قضى ، بأبي العطشان حتى مضى ، بأبي من يقطر شيبه بالدماء (2) ، بأبي من جده رسول اله السماء ، بأبي من هو سبط نبي الهدى ، بأبي محمد المصطفى ، بأبي علي المرتضى ، بأبي خديجة الكبرى ، بأبي فاطمة الزهراء سيدة النساء ، بأبي من ردت عليه الشمس حتى صلى .
  قال الراوي (3) : فأبكت والله كل عدو وصديق .
  ثم أنه سكينة (4) اعتنقت جسد الحسين عليه السلام ، فاجتمع عدة من الأعراب حتى جروها عنه .

---------------------------
(1) ر : السبايا .
(2) ب . ع : شيبته تقطر بالدماء . وفي ع جاء بعد هذا : بأبي من جده محمد المصطفى .
(3) الراوي ، من ع .
(4) سكينة بن الحسين بن علي بن أبي طالب عليه السلام ، كريمة نبيلة ، كانت سيدة نساء عصرها ، توفيت سنة 117 هـ ، نسب إليها بعض المؤرخين أموراً نقطع بكذبها وافترائها عليها ، ليس هذا محل ذكرها .
الطبقات 8 | 348 ، الدر المنثور : 244 ، وفيات الأعيان 1 | 211 ، الأعلام 3 | 106 .

الملهوف على قتلى الطفوف _ 182 _

  قال الراوي (1) : ثم نادى عمر بن سعد في أصحابه (2) : من ينتدب للحسين فيوطئ الخيل ظهره (3) ؟
  فانتدب منهم عشرة ، وهم : إسحاق بن حوبة الذي سلب الحسين عليه السلام قميصه ، وأخنس بن مرثد ، وحكيم بن طفيل السبيعي (4) ، وعمر بن صبيح الصيداوي (5) ، ورجاء بن منقذ العبدي (6) ، وسالم بن خيثمة الجعفي (7) ، وصالح بن وهب الجعفي (8) ، وواحظ بن غانم (9) ، وهاني بن ثبيت الحضرمي (10) ، وأسيد بن مالك (11) لعنهم الله فداسوا الحسين عليه السلام بحوافر

---------------------------
(1) الراوي ، من ع .
(2) ر : ثم أن عمر بن سعد قال .
(3) ع : ظهره وصدره .
(4) ب . ع : السنبسي ، والمثبت من ر .
وهو : حكيم بن طفيل الطائي ، من المقدمين في العصر الأموي ، ولما امتلك المختار الكوفة ونادى بقتل قتلة الحسين ، قبض عليه ، وقتله رمياً بالسهام حتى صار كأنه القنفذ .
الكامل في التاريخ 4 | 94 ، الأعلام 2 | 269 .
(5) لم يذكروه ، وهو خبيث ملعون .
(6) في مستدركات علم الرجال 3 | 395 : رجاء بن المنقذ العبدي ، لم يذكروه ، خبيث .
(7) ع : خيثمة .
في مستدركات علم الرجال 4 | 7 : سالم بن خيثمة الجعفي ، لم يذكروه ، خبيث ملعون .
(8) في مستدركات علم الرجال 4 | 248 : صالح بن وهب المزني ، خبيث ملعون .
(9) ب . ع : ناعم .
لم يذكروه ، وهو خبيث ملعون .
(10) ع : وهاني بين شبث .
لم يذكروه ، وهو خبيث ملعون .
(11) لم يذكروه ، وهو خبيث ملعون .

الملهوف على قتلى الطفوف _ 183 _

  خيلهم حتى رضوا ظهره وصدره (1) .
  قال الراوي : وجاء هؤلاء العشرة حتى وقفوا على ابن زياد لعنه الله، فقال أسيد بن مالك أحد العشرة .
نحن رضضنا الصدر بعد الظهر      بـكل يـعبوب شـديد iiالأسـر
  فقال ابن زياد لعنه الله: من أنتم ؟
  قالوا : نحن الذين وطئنا بخيولنا ظهر الحسين حتى طحنا حناجر صدره .
  قال : فأمر لهم بجائزة يسيرة .
  قال أبو عمر (2) الزاهد : فنطرنا في هؤلاء العشرة ، فوجدناهم جميعاً أولاد زنا .
  وهؤلاء أخذهم المختار ، فشد أيديهم وأرجلهم بسكك الحديد ، وأوطأ الخيل ظهورهم حتى هلكوا .
  وروى ابن رباح (3) قال : لقيت رجلاً مكفوفاً قد شهد قتل الحسين عليه السلام .
  فسئل عن ذهاب بصره ؟
  فقال : كنت شهدت قتله عاشر عشرة ، غير أني لم أطعن ولم أضرب ولم أرم ،

---------------------------
(1) ذهب الكثير من علمائنا إلى أنهم عزموا على رض ظهر الحسين وصدره ، ولكن لم يمكنهم الله من ذلك ، ووردت بهذا المطلب عدة روايات ، والله العالم .
(2) ب : أبو عمرو .
  هو محمد بن عبد الواحد بن أبي هاشم المطرز الباوردي ، المعروف بغلام ثعلب ، أحد أئمة اللغة ، صحب ثعلباً النحوي ، وكان من المكثرين في التصنيف ، توفي في بغداد سنة 345 هـ .
  وفيات الأعيان 1 | 500 ، تاريخ بغداد 2 | 356 ، الأعلام 6 | 254 .
(3) هو عطاء بن أبي رباح ، تابعي ، كان عبداً أسوداً ، ولد باليمن ونشأ بمكة ، فكان مفتي أهلها ، توفي فيها سنة 114 هـ .
تذكرة الحفاظ 1 | 92 ، صفة الصفوة 2 | 119 ، الأعلام 4 | 135 .

الملهوف على قتلى الطفوف _184_

  فلما قتل رجعت إلى منزلي وصليت العشاء الآخرة ونمت .
  فأتاني آت في منامي ، فقال : أجب رسول الله صلى الله عليه وآله .
  فقلت : مالي وله .
  فأخذ بتلابيبي وجرني إليه ، فإذا النبي صلى الله عليه وآله جالس في صحراء ، حاسر عن ذراعية ، آخذ بحربة ، وملك قائم بين يديه وفي يده سيف من نار يقتل أصحابي التسعة ، فلما ضرب ضربة التهبت أنفسهم ناراً .
  فدنوت منه وجثوت بين يديه وقلت : السلام عليك يا رسول الله، فلم يرد علي ، ومكث طويلاً .
  ثم رفع رأسه وقال : يا عدو الله أنتهكت حرمتي وقتلت عترتي ولم ترع حقي وفعلت ما فعلت .
  فقلت : يا رسول الله، والله ما ضربت بسيف ولا طعنت برمح ولا رميت بسهم .
  فقال : صدقت ، ولكن كثرت السواد ، أدن مني ، فدنوت منه ، فاذا طشت مملو دماً ، فقال لي : هذا دم ولدي الحسين عليه السلام ، فكحلني من ذلك الدم ، فانتبهت حتى الساعة لا أبصر شيئاً .
  وروي عنه الصادق عليه السلام ، يرفعه إلى النبي صلى الله عليه وآله أنه قال : ( إذا كان يوم القيامة نصب لفاطمة عليها السلام قبة من نور ، ويقبل الحسين عليه السلام ورأسه في يده ، فإذا رأته شهقت شهقة لا يبقى في الجمع ملك مقرب ولا نبي مرسل إلا بكى لها ، فيمثله الله عز وجل لها في أحسن صورة ، وهو يخاصم قتلته بلا رأس ، فيجمع الله لي قتلته والمجهزين عليه ومن شرك في دمه ، فأقتلهم حتى آتي على آخرهم ، ثم ينشرون فيقتلهم أمير المؤمنين عليه السلام ، ثم ينشرون فيقتلهم الحسن عليه السلام ، ثم