--------------------------- (1) بضم أوله : منزل معروف بطريق مكة من الكوفة ، وهي قرية عامرة بها أسواق بين واقصة والثعلبية ، وقال أبو عبيدة السكوني : زبالة بعد القاع من الكوفة وقبل الشقوق فيها حصن وجامع لبني غاضرة من بني أسد . معجم البلدان 3|129 . (2) ب : حتى أتاه خبر مسلم في زبالة . (3) الراوي ، لم يرد في ر . (4) والعويل ، لم يرد في ر . (5) ب : ثم أنه سار فلقيه . (6) ب : في الرزق . الملهوف على قتلى الطفوف _ 135 _
فلما قارب دخول الكوفة اعترضه الحصين بن نمير (5) صاحب عبيدالله بن زياد ليفتشه ، فأخرج الكتاب ومزقه ، فحمله الحصين إلى ابن زياد . فلما مثل بين يديه قال له : من أنت ؟ قال : أنا رجل من شيعة أمير المؤمنين علي بن أبي طالب وابنه عليهما السلام . قال : فلماذا مزقت الكتاب ؟ قال : لئلا تعلم ما فيه . --------------------------- (1) ب : الحر . (2) الراوي ، لم يرد في ر . (3) ر : نجية . (4) ع : قيس بن مصهر الصيداوي . وقيس بن مسهر أسدي من عدنان، شاب كوفي من أشراف بني أسد ، أحد حملة الرسائل من قبل الكوفيين إلى الحسين عليه السلام بعد إعلان الحسين رفضه لبيعة يزيد وخروجه إلى مكة ، صحب مسلم بن عقيل حين قدم من مكة مبعوثاً من قبل الحسين إلى الكوفة ، حمل رسالة من مسلم إلى الحسين عليه السلام يخبره فيها بيعة من بايع ويدعوه إلى القدوم . تاريخ الطبري 5|394 ـ 395 ، رجال الشيخ : 79 ، تسمية من قتل مع الحسين : 152 ، أنصار الحسين : 123 ـ 124 . (5) الحصين بن نمير بن نائل أبو عبدالرحمن الكندي ثم السكوني ، قائد من القساة الأشداء المقدمين في العصر الأموي ، من أهل حمص ، رمى الكعبة بالمنجنيق ، وكان في آخر أمره على ميمنية عبيدالله بن زياد في حربه مع إبراهيم الأشتر ، فقتل مع ابن زياد على مقربة من الموصل سنة 67 هـ . التهذيب لابن عساكر 4|371 ، الأعلام 2|262 . الملهوف على قتلى الطفوف _ 136 _قال : ممن الكتاب وإلى من ؟قال من الحسين بن علي عليهما السلام إلى جماعة من أهل الكوفة لا أعرف أسماءهم . فغضب ابن زياد وقال : والله لا تفارقني حتى تخبرني بأسماء هؤلاء القوم ، أو تصعد المنبر فتلعن الحسين وأباه وأخاه ، وإلا قطعتك إرباً إرباً . فقال قيس : أما القوم فلا أخبرك بأسمائهم ، وأما لعن الحسين وأبيه وأخيه فأفعل . فصعد المنبر ، فحمد الله وأثنى عليه وصلى على النبي صلى الله عليه وآله ، وأكثر من الترحم على علي وولده صلوات الله عليهم ، ثم لعن عبيدالله بن زياد وأباه ، ولعن عتاة بني أمية عن آخرهم . ثم قال : أيها الناس ، أنا رسول الحسين بن علي عليهما السلام إليكم ، وقد خلفته بموضع كذا وكذا ، فأجيبوه . فأخبر ابن زياد بذلك (1)، فأمر بإلقائه من أعلا القصر ، فألقي من هناك ، فمات رحمة الله. فبلغ الحسين عليه السلام موته ، فاستعبر باكياً ثم قال : ( اللهم اجعل لنا ولشيعتنا منزلاً كريماً واجمع بيننا وبينهم في مستقر رحمتك إنك على كل شيءٍ قدير ) . وروي أن هذا الكتاب كتبه الحسين عليه السلام من الحاجز (2) ، وقيل : غير ذلك . --------------------------- (1) بذلك ، لم يرد في ر . (2) في إرشاد المفيد 2|70 : من الحاجز من بطن الرمة . وفي مراصد الاطلاع 2|634 : بطن الرمة منزل يجمع طريق البصرة والكوفة إلى المدينة . وفي معجم البلدان 1|666 : بطن الرمة واد معروف بعالية نجد ، وقال ابن دريد : الرمة قاع عظيم بنجد تنصب إليه أوديه . الملهوف على قتلى الطفوف _ 137 _قال الراوي (1) : وسار الحسين عليه السلام حتى صار على مرحلتين من الكوفة ، فاذا (2) بالحر بن يزيد (3) في ألف فارس .فقال له الحسين عليه السلام : ( ألنا أم علينا ؟ ) فقال : بل عليك يا أبا عبدالله . فقال : ( لا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم ) . ثم تراد القول بينهما ، حتى قال له الحسين عليه السلام : ( فإذا كنتم على خلاف ما أتتني به كتبكم وقدمت به علي رسلكم ، فإني أرجع إلى الموضع الذي أتيت منه ) . فمنعه الحر وأصحابه من ذلك ، وقال : لا ، بل خذ يا بن رسول الله طريقاً لا يدخلك الكوفة ولا يوصلك إلى المدينة لأعتذر إلى ابن زياد بأنك خالفتني الطريق . فتياسر الحسين عليه السلام ، حتى وصل إلى عذيب الهجانات (4) . --------------------------- (1) الراوي ، لم يرد في ر . (2) ر : وإذاً. (3) الحر بن يزيد بن ناجيه بن سعيد من بني رياح بن يربوع ، من الشخصيات البارزة في الكوفة ، قائد من أشراف تميم ، أحد أمراء الجيش الأموي في كربلاء ، وكان يقود ربع تميم وهمدان ، التقى مع الحسين عليه السلام عند جبل ذي حسم ، تاب قبل نشوب المعركة لما أقبلت خيل الكوفة تريد قتل الحسين وأصحابه وأبى أن يكون منهم ، فانصرف إلى الحسين ، فقاتل بين يديه قتالاً عجيباً حتى قتل . تاريخ الطبري 5|422 و 400 و 427 ، تسمية من قتل مع الحسين : 153 ، رجال الشيخ : 73 ، البداية والنهاية 8|172 ، الكامل في التاريخ 4|19 ، أنصار الحسين : 84 ـ 85 ، الأعلام 2|172 . (4) عذيب الهجانات قريب من عذيب القوادس ، وعذيب القوادس ماء بين القادسية والمغيثه ، بينه وبين القادسية أربعة أميال ، وقيل : غير ذلك . معجم البلدان 4|92 . الملهوف على قتلى الطفوف _138 _قال : فورد كتاب عبيدالله بن زياد إلى الحر يلومه في أمر الحسين عليه السلام ، ويأمره بالتضييق عليه .فعرض له الحر وأصحابه ومنعوه من المسير . فقال له الحسين عليه السلام : ( ألم تأمرنا بالعدول عن الطريق ؟ ) فقال الحر : بلى ، ولكن كتاب الأمير عبيدالله بن زياد قد وصل يأمرني فيه بالتضييق عليك ، وقد جعل علي عيناً يطالبني بذلك . قال الراوي (1) : فقام الحسين عليه السلام خطيباً في أصحابه ، فحمدالله وأثنى عليه وذكر جده فصلى عليه ، ثم قال : ( إنه قد نزل بنا من الأمر ما قد ترون ، وإن الدنيا قد تنكرت وتغيرت وأدبر معروفها واستمرت جذاء ، ولم يبق منها إلا صبابة كصبابة الإناء ، وخسيس عيش كالمرعى الوبيل ، ألا ترون إلى الحق لا يعمل به ، وإلى الباطل لا يتناهى عنه ، ليرغب المؤمن في لقاء ربه محقاً ، فإني لا أرى الموت إلا سعادة والحياة مع الضالمين إلا برما ) . فقام زهير بن القين ، فقال : لقد سمعنا هدانا الله بك يابن رسول الله مقالتك ، ولو كانت الدنيا لنا باقية وكنا فيها مخلدين لآثر النهوض معك على الاقامة فيها . قال: ووثب هلال بن نافع البجلي (2) ، فقال : والله ما كرهنا لقاء ربنا ، وإنا --------------------------- (1) قال الرواي ، لم يرد في ر . (2) ظاهراً هو نفسه نافع بن هلال بن نافع بن جمل بن سعد العشيرة بن مذحج المذحجي الجملي ، ويخطئ من يعبر عنه : البجلي ، كان سيداً شريفاً شجاعاً قارءاً من حملة الحديث ومن أصحاب أمير المؤمنين ، وحضر معه حروبه الثلاثة في العراق ، وخرج إلى الحسين فلقيه في الطريق ، وأخباره في واقعة الطف كثيرة ، ذكرت في المقاتل . إبصار العين : 86 ـ 89 ، الطبري 6|253 ، ابن الأثير 4|29 ، البداية 8|184 . الملهوف على قتلى الطفوف _ 139 _على نياتنا وبصائرنا ، نوالي من والاك ونعادي من عاداك .قال : وقام برير بن حصين (1) ، فقال : والله يابن رسول الله لقد من الله بك علينا أن نقاتل بين يديك فتقطع فيك أعضاؤنا ، ثم يكون جدك شفيعنا يوم القيامة . قال : ثم أن الحسين عليه السلام قام (2) وركب ، وصار كلما أراد المسير يمنعونه تارةً ويسايرونه أخرى ، حتى بلغ كربلاء ، وكان ذلك في اليوم الثاني (3) من المحرم . فلما وصلها قال : ( ما اسم هذه الأرض ؟ ) فقيل : كربلا . فقال : ( انزلوا ، هاهنا والله محط ركابنا وسفك دمائنا ، هاهنا والله مخط قبورنا ، وهاهنا والله سبي حريمنا ، بهذا حدثني جدي (4) ) . فنزلوا جميعاً ، ونزل الحر وأصحابه ناحية ، وجلس الحسين عليه السلام يصلح سيفه ويقول : --------------------------- (1) ع : خضير . وفي بعض المصادر : بدير بن حفير ، والظاهر أن خضير هو الأولى. هو سيد القراء ، كان شيخاً تابعياً ناسكاً قارئاً للقرآن ومن شيوخ القراءة في جامع الكوفة ، وله في الهمدانيين شرف وقدر ، وكان مشهوراً ومحترماً في مجتمع الكوفة ، وهو همداني من شعب كهلان موطنه الكوفة ، بذل محاولة لصرف عمر بن سعد عن ولائه للسلطة الأموية . تاريخ للطبري 5|421 و 423 و 432 ، معجم رجال الحديث 3|289 ، المناقب 4|100 ، البحار 45|15 . (2) ر : نزل . (3) ب : الثامن . (4) ع : فقيل كربلا ، فقال عليه السلام : اللهم إني أعوذبك من الكرب والبلاء ، ثم قال : هذا موضع كرب وبلاء . انزلوا ، هاهنا محط رحالنا ومسفك دمائنا وهنا محل قبورنا ، بهذا حدثني جدي رسول الله صلى الله عليه وآله . الملهوف على قتلى الطفوف _ 140 _(
فقال : ( نعم يا أختاه ) . فقالت زينب : واثكلاه ، ينعى إلي الحسين نفسه . قال : وبكى النسوة ، ولطمن الخدود ، وشققن الجيوب . وجعلت أم كلثوم (4) تنادي : وامحمداه واعلياه واأماه وافاطمتاه واحسناه --------------------------- (1) ع :
(3) زينب بنت أمير المؤمنين علي بن أبي طالب عليهما السلام ، عقيلة بني هاشم ، شقيقة الحسن والحسين ، زوجها ابن عمها عبدالله بن جعفر بن أبي طالب ، حضرت مع أخيها الحسين وقعة كربلاء ، حملت مع السبايا إلى الكوفة ، ثم إلى الشام ، كانت صابرة ثابتة الجنان رفيعة القدر فصيحة خطيبة ، توفيت سنة 62 هـ ، وقيل غير ذلك ، دفنت في مصر على أشهر الأقوال . الإصابة 8|100 ، نسب قريش : 41 ، الطبقات 8|341 ، الأعلام 3|67 . ولزيادة الإطلاع راجع كتاب زينب الكبرى للشيخ جعفر النقدي ، فانه أحسن وأجاد في دراسته عن هذه الشخصية البارزة سيدة النساء بعد أمها الزهراء عليها السلام . (4) أم كلثوم بنت أمير المؤمنين عليه السلام ، وأمها فاطمة عليها السلام ، وهي أخت الحسن والحسين وزينب عقيلة بني هاشم ، ومسألة زواجها من عمر من أشد المسائل اختلافاً بين المسلمين ، وكثيراً ما يقع الخلط الملهوف على قتلى الطفوف _ 141 _واحسيناه واضيعتاه بعدك يا أبا عبدالله .قال : فعزاها الحسين عليه السلام وقال لها : ( يا أختاه تعزي بعزاء الله، فإن سكان السموات يموتون ، وأهل الأرض لا يبقون ، وجميع البرية يهلكون ) . ثم قال : ( يا أختاه يا أم كلثوم ، وأنت يا زينب ، وأنت يا رقية (1) ، وأنت يا فاطمة (2) ، وأنت يا رباب (3) ، أنظرن إذا أنا قتلت فلا تشققن علي جيباً ولا تخمشن علي وجهاً ولا تقلن علي هجراً ) . وروي من طريق آخر : أن زينب لما سمعت الأبيات ـ وكانت في موضع منفرد عنه مع النساء والبنات ـ خرجت حاسرة تجر ثوبها ، حتى وقفت عليه وقالت : --------------------------- عند المؤرخين بينهما وبين أختها زينب الكبرى ، لاتحادهما في الكنية . راجع من مصادر ترجمتها : أجوبة المسائل السروية : 226 ، الاستغاثة : 90 ، الاستيعاب 4|490 ، أسد الغابة 5|614 ، أعلام النساء المؤمنات : 181 ـ 220 ، وذكر فيه الكثير من مصادر ترجمتها . (1) لم يذكرها المؤرخون ، وذكرها السيد الأمين في الأعيان 7|34 قائلا : ينسب لها قبر ومشهد مزور بمحلة العمارة من دمشق ، الله أعلم بصحته ، جدده الميرزا علي أصغر خان وزير الصدارة في ايران عام 1323هـ ... (2) فاطمة بنت الإمام الحسين عليه السلام ، تابعية من روايات الحديث ، روت عن جدتها فاطمة مرسلاً وعن أبيها ، حملت إلى الشام مع أختها سكينة وعمتها زينب وأم كلثوم ، قيل : عادت إلى المدينة فتزوجها ابن عمها الحسن بن الحسن بن علي ، ومات عنها فتزوجها عبدالله بن عمرو بن عثمان ، ومات فأبت الزواج إلى أن توفيت سنة 110 هـ . الطبقات 8|347 ، مقاتل الطالبيين : 119 و 120 و 202 و 237 ، الأعلام 5|130 . (3) الرباب بنت امرئ القيس بن عدي ، زوجة الحسين السبط الشهيد ، كانت معه في وقعة كربلاء ، وبعد استشهاده جيء بها مع السبايا إلى الشام ، ثم عادت إلى المدينة ، فخطبها الأشراف ، فأبت ، وبقيت بعد الحسين سنة لم يظلها سقف بيت حتى بليت وماتت كمداً ، وكانت شاعرة لها رثاء في الحسين عليه السلام . المحبر 3|13 ، أعلام النساء 1|378 ، الأعلام النساء 1|378 ، الأعلام 1|378 . الملهوف على قتلى الطفوف _ 142 _واثكلاه ، ليت الموت أعدمني الحياة ، اليوم ماتت أمي فاطمة الزهراء ، وأبي علي المرتضى ، وأخي الحسن الزكي ، يا خليفة الماضين وثمال الباقين .فنظر الحسين عليه السلام إليها وقال : ( يا أختاه لا يذهبن حلمك ) . فقالت : بأبي أنت وأمي أستقتل ؟ ! نفسي لك الفداء . فرد غصته وتغرغرت عيناه بالدموع ، ثم قال : ( هيهات هيهات ، لو ترك القطا ليلاً لنام ) . فقالت : يا ويلتاه ، أفتغصب نفسك اغتصاباً ، فذلك أقرح لقلبي وأشد على نفسي ، ثم أهوت إلى جيبها فشقته وخرت مغشياً عليها . فقام عليه السلام فصب على وجهها الماء حتى أفاقت ، ثم عزاها عليه السلام بجهده وذكرها المصيبة بموت أبيه وجده صلوات الله عليهم أجمعين . ومما يمكن أن يكون سبباً لحمل الحسين عليه السلام لحرمه معه ولعياله : أنه لو تركهن بالحجاز أو غيرها من البلاد كان يزيد بن معاوية لعنه الله أرسل من أخذهن إليه ، وصنع بهن من الإستيصال وسوء الأعمال ما يمنع الحسين عليه السلام من الجهاد والشهادة ، ويمتنع عليه السلام ـ بأخذ يزيد بن معاوية لهن ـ عن مقام السعادة . الملهوف على قتلى الطفوف _ 143 _--------------------------- (1) حال ، لم يرد في ر . الملهوف على قتلى الطفوف _ 145 _قال الراوي (1) : وندب عبيدالله بن زياد أصحابه إلى قتال الحسين عليه السلام ، فاتبعوه ، واستخف قومه فأطاعوه ، واشترى من عمر بن سعد آخرته بدنياه ودعاه إلى ولاية الحرب فلباه ، وخرج لقتال الحسين عليه السلام في أربعة (2) آلاف فارس ، وأتبعه ابن زياد بالعساكر ، حتى تكاملت عنده إلى ست ليال خلون من المحرم عشرون ألفاً ، فضيق على الحسين عليه السلام حتى نال منه (3) العطش ومن أصحابه .فقام عليه السلام واتكى على قائم (4) سيفه ونادى بأعلى صوته ، فقال : ( أنشدكم الله هل تعرفونني ؟ ) قالوا : اللهم نعم ، أنت ابن رسول الله وسبطه . قال : ( أنشدكم الله هل تعلمون أن جدي رسول الله صلى الله عليه وآله ؟ ) قالوا : اللهم نعم . قال : ( أنشدكم الله هل تعلمون أن أمي فاطمة ابنت محمد ؟ ) قالوا : اللهم نعم . قال : ( أنشدكم الله هل تعلمون أن أبي علي بن أبي طالب ؟ ) --------------------------- (1) الراوي ، لم يرد في ر . (2) أربعة ، لم يرد في ر . (3) ر : من . (4) قائم ، لم يرد في ر . الملهوف على قتلى الطفوف _ 146 _قالوا : اللهم نعم .قال : ( أنشدكم الله هل تعلمون أن جدتي خديجة بنت خويلد (1) أول نساء هذه الأمة إسلاماً ؟ ) قالوا : اللهم نعم . قال : ( أنشدكم الله هل تعلمون أن حمزة (2) سيد الشهداء عم أبي ؟ ) قالوا : اللهم نعم . قال : ( أنشدكم الله هل تعلمون أن جعفر الطيار (3) في الجنة عمي ؟ ) --------------------------- (1) خديجة بنت خويلد بن أسد بن عبدالعزى ، من قريش زوج رسول الله صلى الله عليه وآله الأولى، وكانت أسن منه ، بخمس عشرة سنة ، ولدت بمكة ، كانت ذا مال كثير وتجارة تبعث بها إلى الشام ، تستأجر الرجال ، فلما بلغ رسول الله صلى الله عليه وآله الخامسة والعشرين من عمره خرج في تجارة لها فعاد رابحاً ، تزوجها رسول الله صلى الله عليه وآله قبل النبوة ، دعاها رسول الله صلى الله عليه وآله إلى الاسلام ، فكانت أول نساء هذه الأمة إسلاماً ، وكانت تصلي مع النبي صلى الله عليه وآله سراً ، توفيت خديجة بمكة لثلاث سنين قبل الهجرة . الطبقات الكبرى 8|7 ـ 11 ، الإصابة قسم النساء ، صفة الصفة 2|2 ، تاريخ الخميس 1|301 ، الأعلام 2|302 . (2) حمزة ، لم يرد في ر . وحمزة بن عبد المطلب بن هاشم أبو عمارة ، سيد الشهداء ، استشهد سنة 3 هـ ، عم النبي صلى الله عليه وآله ، أحد صناديد قريش وسادتهم في الجاهلية والاسلام ، هاجر مع النبي صلى الله عليه وآله إلى المدينة ، حضر وقعة بدر وغيرها ، قتل يوم أحد ودفن في المدينة . تاريخ الاسلام 1|99 ، صفة الصفوة 1|144 ، الأعلام 2|278 . (3) جعفر بن أبي طالب عليه السلام ، يكنى أبا عبدالله ، صحابي هاشمي من شجعانهم ، أول قتيل من الطالبيين في الإسلام ، ويكنى أبا المساكين أيضاً ، وجعفر هو الثالث من ولد أبيه بعد طالب وعقيل ، وبعد جعفر علي عليه السلام ، وأمهم فاطمة بنت أسد بن هاشم بن عبد مناف ، استشهد سنة 8 هـ ، حضر وقعة مؤتة ، فنزل عن فرسه وقاتل ، ثم حمل الراية وتقدم صفوف المسلمين ، فقطعت يمناه ، فحمل الراية باليسرى ، فقطعت أيضاً ، فاحتضن الراية إلى صدره وصبر حتى وقع شهيداً وفي جسمه نحو تسعين الملهوف على قتلى الطفوف _ 147 _قالوا : اللهم نعم .قال : ( أنشدكم الله هل تعلمون أن هذا سيف رسول الله صلى الله عليه وآله أنا متقلده ؟ ) قالوا : اللهم نعم . قال : ( أنشدكم الله هل تعلمون أن هذه عمامة رسول الله صلى الله عليه وآله أنا لا بسها ؟ ) قالوا : اللهم نعم . قال : ( أنشدكم الله هل تعلمون أن علياً عليه السلام كان أول الناس إسلاماً وأجزلهم (1) علماً وأعظمهم حلماً وأنه ولي كل مؤمن ومؤمنة ؟ ) قالوا : اللهم نعم . قال : ( فبم تستحلون دمي وأبي صلوات الله عليه الذائد عن الحوض غداً ، يذود عنه رجالاً كما يذاد البعير الصادر على الماء ، والواء الحمد بيد أبي يوم القيامة ؟!! ) قالوا : قد علمنا ذلك كله ونحن غير تاركيك حتى تذوق الموت عطشاً !!! فلما خطب هذه الخطبة وسمع بناته وأخته زينب كلامه بكين وندبن ولطمن (2) وارتفعت أصواتهن . --------------------------- طعنة ورمية . مقاتل الطالبيين 6|18 ، البداية والنهاية 4|255 ، تهذيب التهذيب 2|98 ، أسد الغابة 1|286 ، الإصابة 1|237 ، الطبقات الكبرى 4|22 ، حلية الأولياء 1|114 ، صفوة الصفوة 1|205 ، الأعلام 2|125 . (1) ع : كان أول القوم إسلاماً وأعلمهم . (2) وندبن ولطمن ، لم يرد في ر . الملهوف على قتلى الطفوف _ 148 _فوجه إليهن أخاه العباس (1) وعلياً (2) ابنه وقال لهما : ( سكتاهن فلعمري ليكثرون بكاؤهن ) .قال الراوي (3) : وورد كتاب عبيدالله على عمر بن سعد يحثه على القتال وتعجيل النزال ، ويحذره من التأخير والإمهال ، فركبوا نحو الحسين عليه السلام . وأقبل شمر بن ذي الجوشن (4) لعنه الله فنادى : أين بنو أختي --------------------------- (1) العباس بن علي بن أبي طالب ، أمه أم البنين بنت حزام بن خالد بن ربيعة بن الوحيد العامري ، وهو أكبر ولدها ، ويكنى أبا الفضل ، كان وسيماً جميلاً يركب الفرس المطهم ورجلاه تخطان في الأرض، يقال له قمر بني هاشم وهو السقاء ، كان لواء الحسين عليه السلام معه يوم قتل ، هو آخر من قتل من اخوته لأمه وأبيه ، قتله زيد بن رقاد الجنبي وحكيم بن الطفيل الطائي النبسي ، وكلاهما ابتلي في بدنه . مقاتل الطالبيين : 84 ـ 85 ، تسمية من قتل مع الحسين : 149 ، رجال الشيخ : 76 ، أنصار الحسين : 131 وقال : ورد ذكره في الزيارة والإرشاد والطبري والاصفهاني والمسعودي والخوارزمي . (2) علي بن الحسين الأكبر، يكنى أبا الحسن ، من سادات الطالبيين وشجعانهم ، أمه ليلى بنت أبي مرة ( قرة ) بن عروة ( عمرو ) بن مسعود بن مغيث ( معبد ) الثقفي ، وأمها ميمونة بنت أبي سفيان بن حرب ، كان له من العمر سبع وعشرون سنة ، وردت رواية أنه كان متزوجاً من أم ولد ، هو أول من قتل من بني هاشم ، طعنه مرة بن منقذ بن النعمان العبدي وهو يحوم حول أبيه ويدافع عنه ويقيه ، وانهال أصحاب الحسين على مرة فقطعوه بأسيافهم ، قيل : مولده في خلافة عثمان ، وسماه المؤرخون الأكبر تمييزاً له عن أخيه زين العابدين علي الأصغر . مقاتل الطالبيين : 8 ـ 81 ، الطبقات 5|156 ن تسمية من قتل مع الحسين : 150 ، رجال الشيخ : 76 وفيه : علي بن الحسين الأصغر ، نسب قريش : 57 ، البداية والنهاية 8|185 ، الأعلام 4|277 ، أنصار الحسين : 129 وفيه : ورد ذكره في الزيارة والإرشاد والطبري والإصفهاني والخوارزمي والمسعودي . (3) لفظ : الراوي ، لم يرد في ر . (4) شمر بن ذي الجوشن ـ واسمه شرحبيل ـ بن قرط الضبابي الكلابي ، ابو السابغة ، من كبار قتلة الملهوف على قتلى الطفوف _ 149 _عبدالله (1) وجعفر (2) والعباس وعثمام ؟ (3) .--------------------------- ومبغضي الحسين الشهيد عليه السلام ، كان في أول أمره من ذوي الرئاسة في هوازن موصوفاً بالشجاعة ، وشهد يوم صفين مع علي عليه السلام ، سمعه أبو إسحاق السبيعي يقول بعد الصلاة : اللهم إنك تعلم أني شريف فاغفرلي !!! فقال له : كيف يغفر الله لك وقد أعنت على قتل ابن رسول الله ؟ ! فقال : ويحك كيف نصنع ، إن امراءنا هؤلاء أمرونا بأمرٍ فلم نخالفهم ! ولو خالفناهم كنا شراً من هذه الحمر ؟! ثم أنه لما قام المختار طلب الشمر ، فخرج من الكوفة وسار إلى الكلتانية ـ قرية من قرى خوزستان ـ ففجأه جمع من رجال المختار ، فبرز لهم الشمر قبل أن يتمكن من لبس ثيابه فطاعنهم قليلاً وتمكن منه أبو عمرة فقتله وألقيت جثته للكلاب . الكامل في التاريخ 4|92 ، ميزان الاعتدال 1|449 ، لسان الميزان 3|152 ، جمهرة الأنساب : 72 ، سفينة البحار 1|714 ، الأعلام 3|157 ـ 176 . (1) عبدالله بن علي بن أبي طالب ، أمه أم البنين بنت حزام ، كان عمره حين قتل خمساً وعشرين سنة ، قال له أخوه العباس : تقدم بين يدي حتى أراك وأحتسبك ...، قتله هاني بن ثبيت الحضرمي ، وقيل : رماه خولي بن يزيد الأصبحي بسهم وأجهز عليه رجل من بني تميم . مقاتل الطالبيين : 82 ، تاريخ الطبري 6|89 ، تسمية من قتل مع الحسين : 149 ، رجال الشيخ : 76 ، أنصار الحسين : 129 ـ 130 وفيه : ورد ذكره في الزيارة والإرشاد والطبري والاصفهاني والمسعودي والخوارزمي . (2) جعفر بن علي بن أبي طالب ، أمه أم البنين بنت حزام ، كان عمره حين قتل تسع عشر سنة ، قتله خولي بن يزيد الأصبحي ، وقيل : هاني بن ثبيت الحضرمي . مقاتل الطالبيين : 83 ، تسمية من قتل مع الحسين : 149 ، رجال الشيخ : 72 ، أنصار الحسين : 130 وفيه : ورد ذكره في الزيارة والإرشاد والطبري والاصفهاني والمسعودي والخوارزمي . (3) عثمان بن علي بن أبي طالب ، أمه أم البنين بنت حزام ، كان عمره حين قتل إحدى وعشرين سنة ، رماه خولي بن يزيد الأصبحي بسهم فأضعفه ، وشد عليه رجل من بني أبان بن دارم فقتله وأخذ رأسه ، وعثمان هذا هو الذي روي عن علي عليه السلام أنه قال : إنما سميته باسم أخي عثمان بن مظعون ، وفي رواية أخرى عن هبيرة بن مريم قال : كنا جلوساً عند علي عليه السلام ، فدعا ابنه عثمان ، فقال له : يا عثمان ، ثم قال : إني لم اسمه باسم عثمان الشيخ الكافر ، وإنما سميته باسم عثمان بن مظعون . مقاتل الطالبيين : 84 ، تسمية من قتل مع الحسين : 150 ، تقريب المعارف : مخطوط ، أنصار الحسين : 130 وفيه : ورد ذكره في الزيارة والإرشاد والطبري والإصفهاني والمسعودي والخوارزمي . الملهوف على قتلى الطفوف _ 150 _فقال الحسين عليه السلام : ( أجيبوه وإن كان فاسقاً ، فإنه بعض أخوالكم ) .فقالوا له : ما شأنك ؟ فقال : يا بني أختي أنتم آمنون ، فلا تقتلوا أنفسكم مع أخيكم الحسين ، وألزموا طاعة أمير المؤمنين يزيد بن معاوية . فناداه العباس بن علي : تبت يداك ولعن ماجئت به من أمانك يا عدو الله، أتأمرنا أن نترك أخانا وسيدنا الحسين بن فاطمة وندخل في طاعة اللعناء أولاد اللعناء . فرجع الشمر إلى عسكره مغضباً . قال الراوي (1) : ولما رأى الحسين عليه السلام حرص القوم على تعجيل القتال وقلة انتفاعهم بالوعظ (2) والمقال قال لأخيه العباس : ( إن استطعت أن تصرفهم عنا في هذا اليوم فافعل ، لعلنا نصلي لربنا في هذه الليلة ، فانه يعلم أني أحب الصلاة له وتلاوة كتابه ) . قال الرواي (3) : فسألهم العباس ذلك ، فتوقف عمر بن سعد ، فقال له عمر (4) بن الحجاج الزبيدي : والله لو أنهم من الترك والديلم وسألوا ذلك لأجبناهم ، فكيف وهم آل محمد ، فأجابوهم إلى ذلك . قال الراوي (5) : وجلس الحسين عليه السلام فرقد ، ثم استيقظ وقال (6) : ( يا أختاه إني رأيت الساعة جدي محمداً صلى الله عليه وآله وأبي علياً وأمي فاطمة وأخي الحسن --------------------------- (1) لفظ : الراوي ، لم يرد في ر . (2) ع : بمواعظ الفعال . (3) لفظ : الراوي ، لم يرد في ر . (4) ع : عمرو . (5) لفظ : الراوي ، لم يرد في ر . (6) ب : قال ، ع : فقال . الملهوف على قتلى الطفوف _ 151_وهم يقولون : يا حسين إنك رائحٌ (1) إلينا عن قريب ) .وفي بعض الروايات: ( غداً ) . قال الراوي (2) : فطمت زينب وجهها وصاحت . فقال لها الحسين عليه السلام : ( مهلاً ، لا تشمتي (3) القوم بنا ) . ثم جاء الليل ، فجمع الحسين عليه السلام أصحابه ، فحمد الله وأثنى عليه ، ثم أقبل عليهم وقال : ( أما بعد ، فإني لا أعلم أصحاباً خيراً منكم ، ولا أهل بيتٍ أفضل وأبر من أهل بيتي ، فجزاكم الله عني جميعاً خيراً ، وهذا الليل قد غشيكم فاتخذوه جملاً ، وليأخذ كل رجلٍ منكم بيد رجلٍ من أهل بيتي ، وتفرقوا في سواد هذا الليل وذروني وهؤلاء القوم ، فإنهم لا يريدون غيري ) . فقال له إخوته وأبناؤه وأبناء عبدالله بن جعفر (4) : ولم نفعل ذلك ، لنبقي بعدك ! لا أرنا الله ذلك أبداً ، وبدأهم بهذا القول العباس بن علي ، ثم تابعوه . قال الراوي (5) : ثم نظر إلى بني عقيل (6) وقال : ( حسبكم من القتل --------------------------- (1) ر : راحلٌ . (2) قال الراوي : لم يرد في ر . الراوي ، لم يرد في ب . (3) ر : لا يشمت . (4) عبدالله بن جعفر بن أبي طالب بن عبد المطلب الهاشمي القرشي ، صحابي ، ولد بأرض الحبشة لما هاجر أبواه إليها ، وهو أول من ولد بها من المسلمين ، كان كريماً يسمى بحر الجود ، وللشعراء فيه مدائح ، وكان أحد الأمراء في جيش علي يوم صفين ، توفي بالمدينة سنة 80 هـ ، وقيل : غير ذلك . الإصابة ترجمة رقم 4582 ، فوات الوفيات 1|209 ، تهذيب ابن عساكر 7|325 ، الأعلام 4|76 ، زينب الكبرى للشيخ جعفر النقدي . (5) لفظ : الراوي ، لم يرد في ر . (6) عقيل بن أبي طالب بن عبد المطلب الهاشمي القرشي ، أبو يزيد ، أعلم قريش بأيامها ومآثرها ومثالبها وأنسابها ، صحابي فصيح اللسان شديد الجواب ، وهو أخو علي وجعفر لأبيها ، وكان أسن الملهوف على قتلى الطفوف _ 152 _بصاحبكم مسلم ، إذهبوا فقد أذنت لكم ) .وروي من طريق آخر قال : فعندها تكلم إخوته وجميع أهل بيته وقالوا : يابن رسول الله فماذا يقول الناس لنا (1) وماذا نقول لهم ، إذ تركنا شيخنا وكبيرنا وسيدنا وإمامنا وابن بنت نبينا ، لم نرم معه بسهم ولم نطعن معه برمح ولم نضرب معه بسيف ، لا والله يابن رسول الله لا نفارقك أبداً ، ولكنا نقيك بأنفسنا حتى نقتل بين يديك ونرد موردك ، فقبح الله العيش بعدك . ثم قام مسلم بن عوسجة (2) وقال : نحن نخليك هكذا وننصرف عنك وقد أحاط بك هذ العدو ، لا والله لا يراني الله أبداً وأنا أفعل ذلك حتى أكسر في صدورهم رمحي وأضربهم بسيفي ما ثبت قائمة بيدي ، ولو لم يكن لي سلاح أقاتلهم به لقذفتهم بالحجارة ، ولم أفارقك أو أموت دونك . --------------------------- منهما ، هاجر إلى المدينة سنة 8 هـ ، عمي في أواخر أيامه ، توفي أول أيام يزيد ، وقيل : في خلافة معاوية . الإصابة ترجمة رقم 5630 ، البيان والتبيين 1|174 ، الطبقات 4|28 ، التاج 8|30 ، الأعلام 4|242 . (1) لنا ، لم يرد في ر . (2) مسلم بن عوسجة الأسدي ، من أبطال العرب في صدر الإسلام ، أول شهيد من أنصار الحسين بعد قتلى الحملة الأولى، كان صحابياً ممن رأى رسول الله صلى الله عليه وآله ، كان يأخذ البيعة للإمام الحسين عليه السلام في الكوفة ، عقد له مسلم بن عقيل على ربع مذحج وأسد حين تحركه القصير الأجل ، كان عند حضوره وقعة كربلاء شيخاً كبير السن ، وكان من الشخصيات البارزة في الكوفة ، أبدى شبث بن ربعي أسفه لقتله . رجال الشيخ : 80 ، تاريخ الطبري 5|435 و369 ، البحار 45|69 ، الأخبار الطوال : 249 و 250 و 252 ، الكامل في التاريخ 4|28 ، الأعلام 7|222 ، أنصار الحسين : 108 ، تسمية من قتل مع الحسين : 52 وفيه : مسلم بن عوسجة السعدي من بني سعد بن ثعلبة قتله مسلم بن عبدالله وعبيدالله بن أبي خشكاره . الملهوف على قتلى الطفوف _ 153 _قال : وقام سعيد (1) بن عبدالله الحنفي فقال : لا والله يابن رسول الله لا نخليك أبداً حتى يعلم الله أنا قد حفظنا فيك وصية رسوله محمد صلى الله عليه وآله ، ولو علمت أني أقتل فيك ثم أحيى ثم أحرق حياً ثم أذرى ـ يفعل بي ذلك سبعين مرة ـ ما فارقتك حتى ألقى حمامي من دونك ، فكيف (2) وإنما هي قتلة واحدة ثم أنال الكرامة التي لا انقضاء لها أبداً ؟!ثم قام زهير بن القين وقال : والله يابن رسول الله لوددت أني قتلت ثم نشرت ألف مرة وأن الله يدفع بذلك القتل عنك وعن هؤلاء الفتية من إخوتك وولدك وأهل بيتك . قال : وتكلم جماعة من أصحابه بمثل ذلك وقالوا : أنفسنا لك الفداء نقيك بأيدينا ووجوهنا ، فإذا نحن قتلنا بين يديك نكون قد وفينا لربنا وقضينا ما علينا . وقيل لمحمد بن بشير الحضرمي (3) في تلك الحال : قد أسر إبنك بثغر الري (4) . --------------------------- (1) ر : سعد . (2) ع : وكيف لا أفعل . (3) ب : محمد بن بشير الحضرمي . وفي ترجمة الإمام الحسين من كتاب الطبقات 180 ذكر نص هذا الخبر وذكر اسمه كما هنا ، لكن في تاريخ الطبري 5|444 وأنساب الأشراف : 196 ذكر اسمه بشير بن عمرو ، فلاحظ . (4) ر : بشعر الروم ، والمثبت من : ب . ع . والثغر بالفتح ثم السكون : وراء كل موضع قريب من أرض العدو ، كأنه مأخوذ من الثغرة التي هي في الحائط . والري : مدينة مشهورة من أمهات البلاد وأعلام المدن ، كثيرة الفواكه والخيرات ، وهي محط الحاج على طريق السابلة وقصبة بلاد الجبال بينها وبين نيسابور مائة وستون فرسخاً وإلى قزوين سبعة وعشرون فرسخاً . معجم البلدان 2|79 و3|116 . الملهوف على قتلى الطفوف _ 154 _فقال : عند الله أحتسبه ونفسي ، ما كنت أحب أن يوسر وأن أبقى بعده .فسمع الحسين عليه السلام قوله فقال : ( رحمك الله، أنت في حل من بيعتي ، فاعمل في فكاك ابنك ) . فقال : أكلتني السباع حياً إن فارقتك . قال : فأعط إبنك هذه البرود (1) يستعين بها في فكاك أخيه . فأعطاه خمسة أثواب قيمتها ألف دينار . قال الراوي (2) : وبات الحسين عليه السلام وأصحابه تلك الليلة ولهم دوي كدوي النحل، ما بين راكع وساجد وقائم وقاعد ، فعبر إليهم في تلك الليلة من عسكر ابن سعد اثنان وثلاثون رجلاً (3) . قال (4) : فلما كان الغداة أمر الحسين عليه السلام بفسطاطه فضرب وأمر بجفنة فيها مسك كثير وجعل فيها نورة (5) ، ثم دخل ليطلي . فروي : أن برير بن حصين (6) الهمداني وعبدالرحمن بن عبد ربه --------------------------- (1) البرد بالضم فالسكون : ثوب مخطط ، وقد يقال لغير المخطط أيضاً ، وجمعه برود وأبرد ، ومنه الحديث : الكفن يكون برداً ... مجمع البحرين 3|13 . (2) الراوي ، لم يرد في ر . (3) في نسخة ع جاء بعد قوله اثنان وثلاثون رجلاً : وكذا كانت سجية الحسين عليه السلام في كثرة صلاته وكمال صفاته ، وذكر ابن عبد ربه في الجزء الرابع من كتاب العقد قال : قيل لعلي بن الحسين عليهما السلام : ما أقل ولد أبيك ؟ فقال : العجب كيف ولدت له ، كان يصلي في اليوم والليلة ألف ركعة ، فمتى كان يتفرغ للنساء . (4) قال ، لم يرد في ر . (5) ر : وأمر بحفية فيها مسك كبير وجعل عندها نورة . والمثبت من ب . ع . (6) ب . ع . خضير ، وفي حاشية ر : حضير خ ل . الملهوف على قتلى الطفوف _ 155 _الأنصاري (1) وقفا على باب الفسطاط ليطليا بعده ، فجعل برير يضاحك عبد الرحمن .فقال له عبدالرحمن : يا برير أتضحك ! ما هذه ساعة ضحك ولا باطل . فقال برير : لقد علم قومي أني ما أحببت الباطل كهلاً ولا شاباً ، وإنما أفعل ذلك استبشاراً بما نصير إليه ، فوالله ما هو إلا أن نلقى هؤلاء القوم بأسيافنا نعالجهم بها ساعة ، ثم نعانق الحور العين . قال الراوي (2) : وركب أصحاب عمر بن سعد ، فبعث الحسين عليه السلام برير بن حصين (3) فوعظهم فلم يسمعوا وذكرهم (4) فلم ينتفعوا . فركب الحسين عليه السلام ناقته ـ وقيل : فرسه ـ فاستنصتهم فأنصتوا ، فحمد الله وأثنى عليه وذكره بما هو أهله ، وصلى على محمد صلى الله عليه وآله وعلى الملائكة والأنبياء والرسل ، وأبلغ في المقال ، ثم قال : ( تباً لكم أيتها الجماعة وترحاً (5) حين استصرختمونا والهين فأصرخناكم موجفين ، سللتم علنا سيفاً لنا في ايمانكم ، وحششتم علينا ناراً اقتد حناها --------------------------- (1) ر : عبد الرحمن عبد ربه . والمثبت من ب . ع . وهو عبدالرحمن بن عبد ربه ـ رب ـ الأنصاري من بني سالم بن الخزرج ، كان أمير المؤمنين عليه السلام رباه وعلم القرآن ، أحد الذين كانوا يأخذون البيعة للحسين عليه السلام في الكوفة ، ويبدو أنه كان من إحدى الشخصيات البارزة . تاريخ الطبري 5|423 ، رجال الشيخ: 76 ـ 77 ، تسمية من قتل مع الحسين : 153 ، البحار 45|1 ، أنصار الحسين : 97 . (2) الراوي ، لم يرد في ر . (3) ع : خضير . حاشية ر : حضير . (4) ب : ومذكرهم . (5) ر : وبرحاً . الملهوف على قتلى الطفوف _ 156 _على عدونا وعدوكم، فأصبحتم أولياء (1) لأعدائكم على أوليائكم بغير عدلٍ أفشوه (2) فيكم ولا أملٍ أصبح لكم فيهم .فهلا ـ لكم الويلات ـ تركتمونا والسيف مشيمٌ والجأش ضامرٌ والرأي لما يستحصف ، ولكن أسرعتم إليها كطير الدبا ، وتداعيتم إليها كتهافت الفراش . فسحقاً لكم يا عبيد الأمة ، وشرار (3) الأحزاب ، ونبذة الكتاب ، ومحرفي الكلم ، وعصبة الآثام ، ونفثة (4) الشيطان ، ومطفئ السنن . أهؤلاء تعضدون ، وعنا تتخاذلون ؟! أجل والله غدرٌ فيكم قديم وشحت عليه (5) أصولكم ، وتأزرت عليه فروعكم ، فكنتم أخبث شجاً (6) للناظر وأكلة للغاصب . ألا وإن الدعي ابن الدعي قد ركز بين اثنتين : بين السلة ، والذلة ، وهيهات منا الذلة ، يأبى الله لنا ذلك ورسوله والمؤمنون وحجور طابت وحجور طهرت وأنوف حمية ونفوس أبية : من أن تؤثر طاعة اللئام على مصارع الكرام . ألا وإني زاحف بهذه الأسرة مع قلة العدد وخذلان الناصر ) . --------------------------- (1) ع : ألباً . (2) ر : أفشوا . (3) ع : وشذاذ . (4) في حاشية ر : وفئة خ . (5) ع : وشجت إليه . (6) ع : ثمر شجاً . الملهوف على قتلى الطفوف _ 157 _ثم أوصل (1) كلامه عليه السلام بأبيات فروة بن مسيك المرادي (2) :(
إني توكلت على الله ربي وربكم ، ما من دابة إلا هو آخذٌ بناصيتها ، إن ربي على صراط مستقيم . اللهم احبس عنهم قطر السماء وابعث عليهم سنين كسنين يوسف ، وسلط عليهم غلام ثقيف يسومهم كأساً (3) مصبرةٌ ، فإنهم كذبونا وخذلونا ، وأنت ربنا عليك توكلنا وإليك أنبنا واليك المصير ) . --------------------------- (1) ر : وصل . (2) فروة بن مسيك أو مسيكة بن الحارث بن سلمة الغطيفي المرادي ، أبو عمرو ، صحابي ، من الولاة ، له شعر ، وهو من اليمن ، كان موالياً لملوك كندة في الجاهلية ، رحل إلى مكة سنة تسع أو عشر وأسلم ، سكن الكوفة في أواخر أعوامه ، مات سنة 30 هـ . الطبقات 1|63 ، الإصابة ترجمة رقم 6983 ، رغبة الآمل 4|10 ، الأعلام 5|143 . (3) ر : كأس . الملهوف على قتلى الطفوف _ 158 _ثم نزل عليه السلام ودعا بفرس رسول الله صلى الله عليه وآله المرتجز ، فركبه وعبى أصحابه للقتال .فروي عن الباقر عليه السلام : ( أنهم كانوا خمسة وأربعين فارساً وماءة راجل ) . وروي غير ذلك . قال الراوي (1) : فتقدم عمر بن سعد ورمى نحو عسكر الحسين عليه السلام بسهم وقال : اشهدوا لي عند الأمير : أني أول من رمى ، وأقبلت السهام من القوم كأنها القطر . فقال عليه السلام لأصحابه : ( قوموا رحمكم الله إلى الموت ، إلى الموت الذي لابد منه ، فإن هذه السهام رسل القوم إليكم (2) ) . فاقتتلوا ساعة من النهار حملةً وحملةَ ، حتى قتل من أصحاب الحسين عليه السلام جماعة . قال (3) : فعندها ضرب الحسين عليه السلام يده (4) على لحيته وجعل يقول : ( اشتد غضب الله على اليهود إذ جعلوا له ولداً ، واشتد غضبه على النصارى إذ جعلوه ثالث ثلاثة ، واشتد غضبه على المجوس إذ عبدوا الشمس والقمر دونه ، واشتد غضبه على قوم اتفقت كلمتهم على قتل ابن بنت نبيهم . أما والله لا اجيبنهم إلى شيء مما يريدون حتى ألقى الله تعالى وأنا مخضب بدمي ) . وروي عن مولانا الصادق عليه السلام أنه قال : ( سمعت أبي يقول : لما التقى --------------------------- (1) قال الراوي ، لم يرد في ر . (2) إليكم ، لم يرد في ر ، وفي حاشية رجاء لفظ : المةت خ ، بدلاً من لفظ القوم . (3) قال ، لم يرد في ر . (4) ر : بيده . الملهوف على قتلى الطفوف _159_الحسين عليه السلام وعمر بن سعد لعنه الله وقامت الحرب على ساق ، أنزل الله النصر حتى رفرف على رأس الحسين عليه السلام ثم خير بين النصر على أعدائه وبين لقاء ربه (1) ، فاختار لقاء ربه (2) ) .قال الراوي : ثم صاح الحسين عليه السلام : ( أما من مغيثٍ يغيثنا لوجه الله، أما من ذاب يذب عن حرم رسول الله) . قال : فإذا الحر بن يزيد الرياحي قد أقبل على عمر بن سعد ، فقال له : أمقاتل أنت هذا الرجل ؟ فقال : إي والله قتالاً أيسره أن تطير الرؤوس وتطيح الأيدي . قال : فمضى (3) الحر ووقف موقفاً من أصحابه وأخذه مثل الإفكل . فقال له المهاجر بن أوس (4) : والله إن أمرك لمريب ، ولو قيل : من أشجع أهل الكوفة لما عدوتك ، فما هذا الذي أراه منك ؟ فقال : إني والله أخير نفسي بين الجنة والنار ، فوالله لا أختار على الجنة شيئاً ولو قطعت وأحرقت . --------------------------- (1) ب : الله تعالى . (2) ب : الله تعالى . وجاء بعد هذا في ع : رواها أبو طاهر محمد بن الحسين النرسي في كتاب معالم الدين ، ولم ترد هذه العبارة في ر ، ب . (3) ر : فمر . (4) لم يذكروه . وفي كتاب تسمية من قتل مع الامام الحسين : 155 ، ذكر من جملة شهداء الاصحاب المهاجر ابن أوس من بجيلة . ولا أعلم هل المهاجر بن اوس اثنان ؟ أم واحد كان في عسكر ابن سعد ثم التحق بمعسكر الامام الحسين واستشهد معه ؟ الملهوف على قتلى الطفوف _160_ثم ضرب فرسه قاصداً إلى الحسين عليه السلام ويده على رأسه وهو يقول :اللهم إني تبت إليك فتب علي ، فقد أرعبت قلوب أوليائك وأولاد بنت نبيك . وقال للحسين : جعلت فداك أنا صاحبك الذي حبسك عن الرجوع وجعجع بك ، والله ما ظننت أن القوم يبلغون بك ما أرى ، وأنا تائب إلى الله، فهل ترى لي من توبة ؟ فقال الحسين عليه السلام : ( نعم يتوب الله عليك فانزل ) . فقال : أنا لك فارساً خيرٌ مني راجلاً ، وإلى النزول يؤول آخر أمري . ثم قال : فإذا كنت أول من خرج عليك ، فأذن لي أن أكون أول قتيل بين يديك ، لعلي أكون ممن يصافح جدك محمداً غداً في القيامة . قال جامع الكتاب : إنما أراد أول قتيل من الآن، لأن جماعة قتلوا قبله كما ورد . فأذن له ، فجعل يقاتل أحسن قتال حتى قتل جماعة من شجعان وأبطال ، ثم استشهد ، فحمل إلى الحسين عليه السلام ، فجعل يمسح التراب عن وجهه ويقول : ( أنت الحر كما سمتك أمك ، حر في الدنيا وحر الآخرة ) . قال الراوي (1) : وخرج برير بن خضير (2) ، وكان زاهداً عابداً ، فخرج إليه يزيد بن معقل (3) واتفقا على المباهلة إلى الله: في أن يقتل المحق منهما المبطل ، فتلاقيا ، فقتله برير ، ولم يزل يقاتل حتى قتل رضوان الله عليه . --------------------------- (1) الراوي ، لم يرد في ر . (2) ر : حضير . (3) ع : يزيد بن المغفل . لم يذكروه ، وهو خبيث ملعون . الملهوف على قتلى الطفوف _161_قال : وخرج وهب بن حباب الكلبي (1) ، فأحسن في الجلاد وبالغ في الجهاد ، وكان معه زوجته ووالدته ، فرجع إليهما وقال : يا أماه، أرضيت أم لا ؟فقالت : لا ، ما رضيت حتى تقتل بين يدي الحسين عليه السلام . وقالت امرأته : بالله عليك لا تفجعني في نفسك . فقالت له أمه : يا بني اعزب عن قولها وارجع فقاتل بين يدي ابن بنت نبيك تنل شفاعة جده يوم القيامة . فرجع ، ولم يزل يقاتل حتى قطعت يداه ، فأخذت امرأته عموداً ، فأقبلت نحوه وهي تقول : فداك أبي وأمي قاتل دون الطيبين حرم رسول الله صلى الله عليه وآله ، فأقبل ليردها إلى النساء ، فأخذت بثوبه ، وقالت : لن أعود دون أن أموت معك . فقال الحسين عليه السلام : ( جزيتم من أهل بيتٍ خيراً ، ارجعي إلى النساء يرحمك الله) ، فانصرفت إليهن . ولم يزل الكلبي يقاتل حتى قتل ، رضوان الله عليه . ثم خرج مسلم بن عوسجة ، فبالغ في قتال الأعداء ، وصبر على أهوال البلاء ، حتى سقط إلى الأرض وبه رمق ، فمشى إليه الحسين عليه السلام ومعه حبيب بن مظاهر . فقال له الحسين عليه السلام : ( رحمك الله يا مسلم ، فمنهم من قضى نحبه ومنهم من ينتظر وما بدلو تبديلاً ) . ودنا منه حبيب ، فقال : عز والله علي مصرعك يا مسلم أبشر بالجنة . --------------------------- (1) ع : جناح . في ضياء العينين : 25 : وهب بن عبدالله بن حباب الكلبي ، امه قمرى ، وذكر الكثير من أخباره في واقعة الطف ، أخذها من كتاب الملهوف وغيره من كتب المقاتل . الملهوف على قتلى الطفوف _ 162 _فقال له بصوت ضعيف (1): بشرك الله بخيرٍ .ثم قال له حبيب : لولا أنني أعلم أني في الأثر لأحببت أن توصي إلي بكل ما أهمك . فقال له مسلم : فإني أوصيك بهذا ـ وأشار بيده إلى الحسين عليه السلام ـ فقاتل دونه حتى تموت . فقال له حبيب : لأنعمنك عيناً . ثم مات رضوان الله عليه . فخرج عمرو بن قرظة الأنصاري (2)، فاستأذن الحسين عليه السلام ، فأذن له ، فقاتل قتال المشتاقين إلى الجزاء وبالغ في خدمة سلطان السماء حتى قتل جمعاً كثيراً من حزب ابن زياد ، وجمع بين سداد وجهاد ، وكان لا يأتي إلى الحسين عليه السلام سهمٌ إلا اتقاه بيده ولا سيف إلا تلقاه بمهجته ، فلم يكن يصل إلى الحسين عليه السلام سوء ، حتى أثخن بالجراح . فالتفت إلى الحسين عليه السلام وقال : يابن رسول الله أوفيت ؟ قال : ( نعم ، أنت أمامي في الجنة ، فاقرأ رسول الله صلى الله عليه وآله عني السلام وأعلمه أني في الأثر ) . --------------------------- (1) ع : فقال له مسلم قولاً ضعيفاً . (2) ر . ع : عمرو بن قرطة ، والمثبت من ب . وهو عمرو بن قرظة الأنصاري ، ذكر في أكثر الموارد ، وفي الزيارة : عمر بن كعب الأنصاري ، وفي نسختها الأخرى : عمران ، أرسله الحسين مفاوضاً إلى عمر بن سعد . تاريخ الطبري 5|413 ، المناقب 4|105 ، البحار 45|71 و 22 ، مقتل الحسين 2|22 ، أنصار الحسين : 104 ، تسمية من قتل مع الحسين : 153 . الملهوف على قتلى الطفوف _ 163 _فقاتل حتى قتل رضوان الله عليه (1) .ثم برز جون مولى أبي ذر (2) ، وكان عبداً أسوداً . فقال له الحسين عليه السلام : ( أنت في إذنٍ مني ، فإنما تبعتنا طلباً للعافية ، فلا تبتل بطريقنا (3) ) . فقال : يا بن رسول الله أنا في الرخاء ألحس قصاعكم وفي الشدة أخذلكم ، والله إن ريحي لمنتن وإن حسبي للئيم ولوني لأسود ، فتنفس علي بالجنة (4) ، فيطيب ريحي ويشرف حسبي ويبيض وجهي ، لا والله لا أفارقكم حتى يختلط هذا الدم الأسود مع دمائكم . ثم قاتل حتى قتل ، رضوان الله عليه . قال الراوي (5) : ثم برز عمرو بن خالد الصيداوي (6) ، فقال للحسين : --------------------------- (1) في نسخة ب جاء بعد قوله رضوان الله عليه : وفي المناقب كان يقول :
وجون من الموالي ، أسود اللون ، شيخ كبير السن ، هو ابن حوي ، وذكر في بعض المصادر اسمه : جوين أبي مالك . تسمية من قتل مع الحسين : 152 ، رجال الشيخ : 72 ، المناقب 4|103 ، المقتل 1|237 و2|1 9 ، تاريخ الطبري 5|420 ، البحار 45|82 ، أنصار الحسين : 72 . (3) ر : بطريقتنا . (4) ر : الجنة . (5) الراوي ، لم يرد في ر . (6) ر : عمر بن خالد الصيداوي . وعمرو بن خالد الصيداوي من صيدا ، ذكر في أكثر المصادر ، وفي الرجبية ، عمرو بن خلف ، الملهوف على قتلى الطفوف _ 164 _يا أبا عبدالله ، جعلت فداك قد هممت أن ألحق بأصحابي ، وكرهت أن أتخلف فأراك وحيداً فريداً بين أهلك قتيلاً .فقال له الحسين عليه السلام : ( تقدم فإنا لا حقون بك عن ساعة ) . فتقدم فقاتل حتى قتل رضوان الله عليه . قال الراوي (1) : وجاء حنظلة بن سعد الشبامي (2) ، فوقف بين يدي الحسين عليه السلام يقيه السهام والسيوف والرماح بوجهه ونحره . وأخذ ينادي : يا قوم إني أخاف عليكم مثل يوم الأحزاب مثل دأب قوم نوح وعاد وثمود والذين من بعدهم ، وما الله يريد ظلماً للعباد ، ويا قوم إني أخاف عليكم مثل يوم التناد ، يوم تولون مدبرين مالكم من الله من عاصم ، يا --------------------------- ويحتمل أنه تصحيف خالد ، وبنو الصيدا بطن من أسد من العدنانية ، وذهب بعض العلماء إلى اتحاده مع عمرو بن خالد الأزدي، ذاهباً إلى أن الأزدي مصحف عن الأسدي ، والمرجح التعدد ، وإن كان احتمال الإتحاد وارداً. تسمية من قتل مع الحسين : 155 ، تاريخ الطبري 5|446 ، المقتل 2|24 ، البحار 45|72 و 23 ، أنصار الحسين : 102 . (1) الراوي ، لم يرد في ر . ب . (2) كذا في ب . وفي ر : حنظلة بن سعد الثامي . وفي ع : حنظلة بن أسعد الشامي . والشبامي : شبام بطن من همدان من القحطانية ، كوفي، ذكر في أكثر المصادر مع اختلاف في ضبط اسمه ، واحتمل بعض العلماء اتحاده مع حنظلة بن أسعد الشبامي ، واستدل بأن ابن شهر آشوب لم يذكر حنظلة المتفق عليه وهو الشبامي ، والمرجح أن سعداً غيرحنظلة ، لأن غير ابن شهر آشوب ذكر سعداً وأنه تميمي من عرب الشمال ، وحنظلة وأنه شبامي من عرب الجنوب ، واحتمل آخر اتحاده مع حنظلة ابن عمر الشيباني ، وهذا الاحتمال بعيد أيضاً . رجال الشيخ : 73 ، المقتل 2|24 ، تاريخ الطبري 5|443 ، تسمية من قتل مع الحسين : 156 ، قاموس الرجال 4|318 ، معجم رجال الحديث 6|306 ـ 307 ، انصار الحسين : 86 و 89 ـ 90 و 116 ـ 117 . الملهوف على قتلى الطفوف _ 165 _قوم لا تقتلوا حسيناً فيسحتكم الله بعذابٍ وقد خاب من افترى .ثم التفت إلى الحسين عليه السلام وقال : أفلا نروح إلى ربنا ونلحق بأصحابنا ؟ فقال له : ( بل (1) رح إلى ما هو خيرٌ لك من الدنيا وما فيها وإلى ملكٍ لا يبلى ) . فتقدم ، فقاتل قتال الأبطال ، وصبر على احتمال الأهوال ، حتى قتل ، رضوان الله عليه . قال : وحضرت صلاة الظهر ، فأمر الحسين عليه السلام زهير بن القين وسعيد بن عبدالله الحنفي أن يتقدما أمامه بنصف من تخلف معه ، ثم صلى بهم صلاة الخوف . فوصل إلى الحسين عليه السلام سهمٌ ، فتقدم سعيد بن عبدالله الحنفي ، ووقف يقيه بنفسه ما زال ، ولا تخطى حتى سقط إلى الأرض وهو يقول : اللهم العنهم لعن عادٍ وثمود ، اللهم أبلغ نبيك عني السلام ، وأبلغه ما لقيت من ألم الجراح ، فإني أردت ثوابك في نصر ذرية نبيك ، ثم قضى نحبه رضوان الله عليه ، فوجد به ثلاثة عشر سهمأً سوى ما به من ضرب السيوف وطعن الرماح . قال الراوي (2) : وتقدم سويد بن عمر بن أبي المطاع (3) ، وكان شريفاً كثير الصلاة ، فقاتل قتال الأسد الباسل ، وبالغ في الصبر على الخطب النازل ، حتى --------------------------- (1) ع : ونلحق بإخواننا بلى . (2) الراوي ، لم يرد في ر . (3) هو سويد بن عمرو بن أبي المطاع الخثعمي ، ذكر في عدة مصادر ، كان شريفاً كثير الصلاة ، وهو أحد آخر رجلين بقيا مع الحسين وقتل بعد مقتل الحسين عليه السلام ، فكان آخر قتيل ، قتله هاني بن ثبيت الحضرمي ، والخثعمي : خثعم بن أنمار بن أراش ، من القحطانية . رجال الشيخ : 74 ، المناقب 4|102 وفيه : عمرو بن أبي المطاع الجعفي ، البحار 45|24 ، تسمية من قتل مع الحسين : 154 وفيه : سويد بن عمرو بن المطاع ، أنصار الحسين : 91 ـ 92 . الملهوف على قتلى الطفوف _ 166 _سقط بين القتلى وقد أثخن بالجراح ، ولم يزل كذلك وليس به حراك حتى سمعهم يقولون : قتل الحسين ، فتحامل وأخرج من خفه سكيناً ، وجعل يقاتلهم بها حتى قتل ، رضوان الله عليه .قال: وجعل أصحاب الحسين عليه السلام يقاتلون (1) بين يديه ، وكانوا كما قيل :
ثم نظر إليه نظرة آيسٍ منه ، وأرخى عليه السلام عينيه وبكى . ثم قال : ( اللهم اشهد ، فقد برز إليهم غلامٌ أشبه الناس خلقاً وخلقاً ومنطقاً برسولك صلى الله عليه وآله ، وكنا إذا اشتقنا إلى نبيك نظرنا إليه ) . فصاح وقال : ( يابن سعد قطع الله رحمك كما قطعت رحمي (2) ) . فتقدم عليه السلام نحو القوم ، فقاتل قتالاً شديداً وقتل جمعاً كثيراً . ثم رجع إلى أبيه وقال : يا أبه ، العطش قد قتلني ، وثقل الحديد قد أجهدني ، فهل إلى شربة ماء من سبيل ؟ فبكى الحسين عليه السلام وقال : ( واغوثاه يا بني ، من أين آتي بالماء قاتل قليلاً ، فما أسرع ما تلقى جدك محمداً عليه السلام ، فيسقيك بكأسه الأوفى شربةً لا تظلمأ بعدها (3) ) . --------------------------- (1) ع : يسارعون إلى القتل . (2) من قوله : وكنا إذا اشتقنا ... إلى هنا ، لم يرد في ر ، وورد في ع . (3) ع : بعدها أبداً . الملهوف على قتلى الطفوف _ 167 _فرجع عليه السلام إلى موقف النزال ، وقاتل أعظم القتال ، فرماه منقذ بن مرة العبدي (1) بسهمٍ فصرعه ، فنادى: يا أبتاه عليك مني (2) السلام ، هذا جدي يقرؤك السلام ويقول لك : عجل القدوم علينا ، ثم شهق شهقة فمات .فجاء الحسين عليه السلام (3) حتى وقف عليه ، ووضع خده على خده (4) وقال : ( قتل الله قوماً قتلوك ، ما أجرأهم على الله وعلى انتهاك حرمة رسول الله صلى الله عليه وآله ، على الدنيا بعدك العفاء ) . قال الراوي (5) : وخرجت زينب ابنت علي تنادي : يا حبيباه يا بن أخاه ، وجاءت فأكبت عليه . فجاء الحسين عليه السلام فأخذها وردها إلى النساء . ثم جعل أهل بيته يخرج منهم الرجل بعد الرجل ، حتى قتل القوم منهم جماعة ، فصاح الحسين عليه السلام في تلك الحال : صبراً يا بني عمومتي ، صبراً يا أهل بيتي صبراً ، فوالله لا رأيتم هواناً بعد هذا اليوم أبداً . قال الراوي (6) : وخرج غلام (7) كأن وجهه شقة قمر ، فجعل يقاتل ، --------------------------- (1) كذا في النسخ ، ولكن في تاريخ الطبري 6|625 و الكامل 4|30 و الأخبار الطوال : 254 و مقاتل الطالبيين : 84 ورد اسمه هكذا : مره بن منقذ بن النعمان العبدي ثم الليثي . لم يذكروه ، وهو خبيث ملعون . (2) مني ، لم يرد في ر . (3) الحسين ، لم يرد في ر . (4) ووضع خده على خده ، لم يرد في ر . (5) الراوي ، لم يرد في ر . (6) الراوي ، لم يرد في ر . (7) هو القاسم بن الحسن بن علي بن أبي طالب ، أخو أبي بكر بن الحسن لأبيه وأمه المقتول قبله . مقاتل الطالبيين : 50 . الملهوف على قتلى الطفوف _ 168 _فضربه ابن فضيل الأزدي (1) على رأسه ، ففلقه ، فوقع الغلام لوجهه وصاح : يا عماه .فجلى الحسين عليه السلام كما يجلي الصقر ، وشد شدة ليثٍ أغضب ، فضرب ابن فضيل بالسيف ، فاتقاها بساعده فأطنها من لدن المرفق ، فصاح صيحة سمعه أهل العسكر ، فحمل أهل الكوفة ليستنقذوه ، فوطأته الخيل حتى هلك . قال : وانجلت الغبرة ، فرأيت الحسين عليه السلام قائماً على رأس الغلام وهو يفحص برجله ، والحسين عليه اللسلام يقول : ( بعداً لقومٍ قتلوك ، ومن خصمهم يوم القيامة فيك جدك (2) ) . ثم قال : ( عز والله على عمك أن تدعوه فلا يجيبك ، أو يجيبك فلا ينفعك صوته ، هذا يوم والله (3) كثر واتره وقل ناصره ) . ثم حمل الغلام على صدره حتى ألقاه بين القتلى من أهل بيته . قال : ولما رأى الحسين عليه السلام مصارع فتيانه وأحبته ، عزم على لقاء القوم بمهجته ، ونادى : ( هل من ذاب يذب عن حرم رسول الله ؟ هل من موحدٍ يخاف الله فينا ؟ هل من مغيثٍ يرجو الله بإغاثتنا ؟ هل من معينٍ يرجو ما عند الله في إعانتنا ؟ ) . فارتفعت أصوات النساء بالعويل ، فتقدم إلى باب الخيمة وقال لزينب : ( ناوليني ولدي الصغير (4) حتى أودعه ) ، فأخذه وأومأ إليه ليقبله ، فرماه --------------------------- (1) في مقاتل الطالبيين : 88 ذكر اسمه : عمرو بن سعيد بن نفيل الأزدي. (2) ع : جدك وأبوك . (3) ر : فلا ينفعك صوت والله. (4) هو عبدالله بن الحسين بن علي بن أبي طالب ، وأمه الرباب بنت امرئ القيس بن عدي بن أوس ، الملهوف على قتلى الطفوف _ 169 _حرملة بن الكاهل (1) بسهم ، فوقع في نحره فذبحه ، فقال لزينب : ( خذيه ) .ثم تلقى الدم بكفيه حتى امتلأتا ، ورمى بالدم نحو السماء وقال : ( هون علي ما نزل بي ، إنه بعين الله) . قال الباقر عليه السلام : ( فلم يسقط من ذلك الدم قطرة إلى الأرض) . وروي من طرق أخرى ، وهي أقرب إلى العقل ، لأن الحال ما كان وقت توديع للصبي ، لاشتغالهم بالحرب والقتل ، وإنما زينب أخته عليها السلام أخرجت الصبي وقالت : يا أخي ، هذا ولدك له ثلاثة أيام ما ذاق الماء ، فاطلب له شربة ماء . فأخذه على يده وقال : ( يا قوم قد قتلتم شيعتي وأهل بيتي ، وقد بقي هذا الطفل يتلظى عطشاً ، فاسقوه شربةً من الماء ) . فبينما هو يخاطبهم إذ رماه رجل منهم بسهم فذبحه . فدعا عليهم بنحو ما صنع بهم المختار وغيره (2) . --------------------------- وفي اسم قاتله اختلاف ، فقيل : حرملة ، وقيل عقبة بن بشر . مقاتل الطالبيين : 89 ـ 90 . (1) لم يذكروه ، وهو خبيث ملعون . ولما قبض على حرملة ورآه المختار ، بكى المختار وقال : يا ويلك أما كفاك ما فعلت حتى قتلت طفلاً صغيراً وذبحته ، يا عدو الله، أما علمت أنه ولد النبي ، فأمر به فجعلوه مرمى ، فرمي بالنشاب حتى مات . وقيل : إنه لما نظر المختار إلى حرملة قال : الحمد الله الذي مكنني منك يا عدو الله، ثم أحضر الجزار فقال له : اقطع يديه ورجليه ، فقطعها ، ثم قال : علي بالنار ، فاحضرت بين يديه ، فأخذ قضيباً من حديد وجعله في النار حتى احمر ثم ابيضٌ ، فوضعه على رقبته ، فصارت رقبته تجوش من النار وهو يستغيث حتى قطعت رقبته . حكاية المختار : 55 و 59 . (2) من قوله : وروي من طرق أخرى ... إلى هنا ، لم يرد في ع . الملهوف على قتلى الطفوف _ 170 _قال الراوي (1) : واشتد العطش بالحسين عليه السلام ، فركب المسناة يريد الفرات ، والعباس أخوه بين يديه ، فاعترضتهما خيل ابن سعد ، فرمى رجل من بني دارم الحسين عليه السلام بسهمٍ فأثبته في حنكه الشريف ، فانتزع صلوات الله عليه السهم وبسط يده تحت حنكه حتى امتلأت راحتاه من الدم (2) ، ثم رمى به وقال : ( اللهم إني أشكوه إليك ما يفعل بابن بنت نبيك ) .ثم اقتطعوا العباس عنه ، وأحاطوا به من كل جانب ومكان ، حتى قتلوه قدس الله روحه (3) ، فبكى الحسين عليه السلام بكاءً شديداً ، وفي ذلك يقول الشاعر :
--------------------------- (1) الراوي ، لم يرد في ر . (2) ر : راحته دماً . (3) جاء بعد قوله قدس الله روحه في نسخة ب : وكان المتولي لقتله زيدبن ورقاء الحنفي وحكيم بن الطفيل السنبسي . (4) الراوي ، لم يرد في ر . (5) ر : مكسورا . (6) ب : وصحبه . الملهوف على قتلى الطفوف _ 171 _بسيفه فتنكشف عنه انكشاف المعزى إذا شد فيها الذئب ، ولقد كان يحمل فيهم ، وقد تكملوا ثلاثين ألفاً ، فينهزمون بين يديه كأنهم الجراد المنتشر ، ثم يرجع إلى مركزه (1) وهو يقول : ( لا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم ) .قال الراوي (2) : ولم يزل عليه السلام يقاتلهم حتى حالوا بينه وبين رحله . فصاح بهم : ( ويحكم (3) يا شيعة آل أبي سفيان ، إن لم يكن لكم دين وكنتم لاتخافون المعاد فكونوا أحراراً في دنياكم هذه (4) وارجعوا إلى أحسابكم إن كنتم عرباً كما تزعمون ) . قال : فناداه (5) شمر : ما تقول يابن فاطمة ؟ قال : ( أقول : أنا الذي أقاتلكم (6) وتقاتلوني والنساء ليس عليهن جناح ، فامنعوا أعتاتكم وجهالكم وطغاتكم (7) من التعرض لحرمي ما دمت حياً ) . فقال شمر : لك ذلك يا بن فاطمة . وقصدوه بالحرب ، فجعل يحمل عليهم ويحملون عليه ، وهو مع ذلك (8) --------------------------- (1) ر : معسكره . (2) الراوي ، لم يرد في ر . (3) ر . ع : فصاح عليه السلام ويلكم . (4) هذه ، لم يرد في ب . (5) ب : إذ كنتم أعراباً فناداه . (6) كذا في ب . وفي ر : قال إني أقاتلكم . (7) وجهالكم وطغاتكم ، لم يرد في ب . (8) ب : فقال شمر : لك هذا ، ثم صاح شمر : إليكم عن حرم الرجل فاقصدوه في نفسه فلعمري لهو كفؤ كريم ، قال فقصده القول وهو في ذلك . الملهوف على قتلى الطفوف _ 172 _يطلب شربة من ماء (1) فلا يجد ، حتى أصابه اثنتان وسبعون جراحة .فوقف يستريح ساعة وقد ضعف عن القتال ، فبينما هو واقف اذ أتاه حجر ، فوقع على جبهته ، فأخذ الثوب ليمسح الدم عن جبهته ، فأتاه سهم مسموم له ثلاث شعب ، فوقع على قلبه ، فقال عليه السلام : ( بسم الله وبالله وعلى ملة رسول الله صلى الله عليه وآله ) . ثم رفع رأسه إلى السماء وقال: ( اللهم إنك (2) تعلم أنهم يقتلون رجلاً ليس على وجه الأرض ابن بنت نبي (3) غيره ) . ثم أخذ السهم ، فأخرجه من وراء ظهره (4) ، فانبعث الدم كأنه ميزاب ، فضعف عن القتال (5) ووقف ، فكلما (6) أتاه رجل انصرف عنه ، كراهية أن يلقى الله بدمه . حتى جاءه رجل من كندة يقال له مالك بن النسر (7) لعنه الله، فشتم الحسين وضربه على رأسه الشريف بالسيف ، فقطع البرنس ووصل السيف إلى رأسه وامتلأ البرنس دماً . قال الراوي (8) : فاستدعى الحسين عليه السلام بخرقة ، فشد بها رأسه ، واستدعى بقلنسوة فلبسها واعتم عليها . --------------------------- (1) ب : فكلما حمل بفرسه على الفرات حملوا عليه بأجمعهم ، حتى أحلوه عنه . (2) ع : الهي أنت . (3) ر : نبيك . (4) ظهره ، ولم يرد في ر . (5) عن القتال ، لم يرد في ر . (6) ر : وكلما . (7) لم يذكروه ، وهو خبيث ملعون . (8) الراوي ، لم يرد في ر . الملهوف على قتلى الطفوف _ 173 _فلبثوا هنيئة ، ثم عادوا إليه وأحاطوا به ، فخرج عبد الله بن الحسن بن علي (1) ـ وهوغلام لم يراهق ـ من عند النساء ، فشهد حتى وقف إلى جنب الحسين عليه السلام ، فلحقته زينب ابنت علي لتحبسه (2) ، فأبى وامتنع امتناعاً شديداً وقال :والله (3) لا أفارق عمي . فأهوى بحر بن كعب (4) ـ وقيل : حرملة بن الكاهل ـ إلى الحسين بالسيف . فقال له الغلام : ويلك يا بن الخبيثة أتتقل عمي . فضربه بالسيف ، فاتقاها الغلام بيده ، فاطنها إلى الجلد ، فإذا هي معلقة . فنادى الغلام : يا عماه (5) . فأخذه الحسين عليه السلام فضمه إليه وقال : ( يا بن أخي ، إصبر على ما نزل بك واحتسب في ذلك الخير ، فإن الله يلحقك بآبائك الصالحين ) . قال : فرماه حرملة بن الكاهل لعنه الله بسهم ، فذبحه وهو في حجر عمه الحسين عليه السلام . ثم أن شمربن ذي الجوشن لعنه الله حمل على فسطاط الحسين عليه السلام فطعنه --------------------------- (1) عبد الله بن الحسن بن علي بن أبي طالب ، وأمه بنت السليل بن عبد الله أخي عبد الله بن جرير البجلي ، وقيل : أمه أم ولد ، وقيل : الرباب بنت امرئ القيس ، كان عمره حين قتل إحدى عشرة سنة . تسمية من قتل مع الحسين : 150 ، مقاتل الطالبيين : 89 ، رجال الشيخ : 76 ، أنصار الحسين : 132 . (2) ب : فقال الحسين عليه السلام : احبسيه يا أختي . (3) ب . ع : لا والله. (4) ب : أبجر بن كعب . لم يذكروه ، وهو خبيث ملعون . ويأتي أنه أخذ سراويل الإمام الحسين عليه السلام . (5) ب . ع : يا أماه . الملهوف على قتلى الطفوف _ 174 _بالرمح ، ثم قال : علي بالنار أحرقه على من فيه .فقال له الحسين عليه السلام : ( يابن ذي الجوشن ، أنت الداعي بالنار لتحرق على أهلي ، أحرقك الله بالنار ) . وجاء شبث فوبخه ، فاستحى وانصرف . قال الراوي (1) : وقال الحسين عليه السلام : (إاتوني بثوب (2) لا يرغب فيه أجعله تحت ثيابي ، لئلا أجرد منه ) . فأتي بتبان ، فقال : ( لا ، ذاك لباس من ضربت عليه الذلة ) . فأخذ ثوبا خلقاً ، فخرقه وجعله تحت ثيابه ، فلما قتل جردوه منه عليه السلام . ثم استدعى عليه السلام بسراويل من حبرة ، ففرزها ولبسها ، وإنما فرزها لئلا يسلبها ، فلما قتل سلبها بحر بن كعب لعنه الله وترك الحسين عليه السلام مجرداً (3) ، فكانت يدا بحر بعد ذلك تيبسان (4) في الصيف كأنهما عودان يابسان وتترطبان في الشتاء فتنضحان قيحاً ودماً ، إلى أن أهلكه الله تعالى . قال : ولما أثخن الحسين عليه السلام بالجراح ، وبقي (5) كالقنفذ ، طعنه صالح بن وهب المزني (6) لعنه الله على خاصرته طعنة ، فسقط الحسين عليه السلام عن فرسه إلى الأرض على خده الأيمن ، ثم قام صلوات الله عليه (7) . --------------------------- (1) الراوي ، من . (2) ب : ابعثوا إلي ثوباً . ع : ابغوا لي ثوباً . (3) ب : سلبها أبجر بن كعب وتركه مجرداً . (4) ر : يدا بحر تيبسان . ب : يد أبجر بعد ذلك ييبسان . (5) ر : فبقى . (6) في مستدركات علم الرجال 4 | 248 : صالح بن وهب المزني ، خبيث ملعون . (7) ع : ... على خده الأيمن وهو يقول : بسم الله وبالله وعلى ملة رسول الله ثم قام صلوات الله عليه . الملهوف على قتلى الطفوف _ 175 _قال الراوي (1) : وخرجت زينب من باب االفسطاط (2) وهي تنادي : وا أخاه ، وا سيداه ، وا أهل بيتاه ، ليت السماء انطبقت على الأرض، وليت الجبال تدكدكت على السهل .قال : وصاح شمر باصحابه : ما تنتظرون بالرجل . قال : فحملوا عليه من كل جانب . فضربه زرعة بن شريك (3) لعنه الله على كتفه اليسرى ، فضرب الحسين عليه السلام زرعة فصرعه . وضربه آخر على عاتقه المقدس بالسيف ضربة كبا عليه السلام بها على وجهه (4) ، وكان قد أعيى ، فجعل عليه السلام ينوء ويكبو . فطعنه سنان بن أنس النخعي (5) لعنه الله في ترقوته ، ثم انتزع الرمح فطعنه في بواني (6) صدره . ثم رماه سنان أيضاً بسهم ، فوقع السهم في نحره ، فسقط عليه السلام ، وجلس قاعداً ، --------------------------- (1) الراوي ، من ع . (2) ب : من الفسطاط . (3) بن شريك ، لم يرد في ر . في مستدركات علم الرجال 3 | 426 : زرعة بن شريك التميمي ، لم يذكروه ، وهو ملعون خبيث . (4) ب . ع : لوجهه . (5) في مستدركات علم الرجال 4 | 161 : سنان بن أنس ، قاتل مولانا الحسين صلوات الله عليه ، قيل : قتله ابن زياد حين قال : قتلت خير الناس أماً وأباً ، والمشهور أنه قتله المختار . وفي كتاب حكاية المختار : 45 أن ابراهيم قال لسنان عندما قبض عليه : يا ويلك أصدقني ما فعلت يوم الطف ؟ قال : ما فعلت شيئاً غير أني أخذت تكة الحسين من سرواله !!! فبكى إبراهيم عند ذلك ، فجعل يشرح لحم أفخاذه ويشويها علىنصف نضاجها ويطعمه إياه ، وكلما امتنع من الأكل ينخزه بالخنجر ، فلما أشرف على الموت ذبحه وأحرق جثته . (6) ر : نواني ، والمثبت من ب . ع . الملهوف على قتلى الطفوف _ 176 _فنزع السهم من نحره ، وقرن كفيه جميعاً (1) ، وكلما امتلأتا من دمائه خضب بها رأسه ولحيته وهو يقول : ( هكذا ألقى الله مخضباً بدمي مغصوباً على حقي ) .فقال عمر بن سعد لعنه الله لرجل عن يمينه : إنزل ويحك إلى الحسين فأرحه . فبدر إليه خولي بن يزيد الأصبحي (2) ليحتز رأسه ، فأرعد . فنزل إليه سنان بن أنس النخعي لعنه الله فضربه بالسيف في حلقه الشريف وهو يقول : والله إني لأحتز (3) رأسك وأعلم أنك ابن رسول الله وخير الناس أباً وأماً !!! ثم احتز رأسه الشريف صلى الله عليه وآله (4) . وفي ذلك يقول الشاعر :
وروى أبوطاهر محمد بن الحسين البرسي في كتابه معالم الدين (6) ، عن الصادق عليه السلام قال : ( لما كان من أمر الحسين ما كان ، ضجت الملائكة وقالوا : يا ربنا (7) هذا الحسين صفيك وابن صفيك وابن بنت نبيك . --------------------------- (1) جميعاً ، لم يرد في ر . (2) في مستدركات علم الرجال 3 | 344 : خولي بن يزيد الأصبحي ، من قتلة أبي عبد الله عليه السلام ، قتله المختار . (3) ب . ع : لا جتز . (4) ب : رأسه المقدس المعظم صلى الله عليه وآله وسلم وكرم . (5) ر : وغلا . (6) قال الشيخ الطهراني في الذريعة 21 | 198 : معالم الدين ، للشيخ المتقدم أبي طاهر محمد بن الحسن القرسي ( البرسي ) ، يروي عنه السيد في اللهوف ... ويروي عنه في الإقبال ... (7) ع : ضجت الملائكة إلى الله بالبكاء وقالت يا رب . الملهوف على قتلى الطفوف _ 177 _قال : فأقام الله ظل القائم عليه السلام وقال : بهذا أنتقم لهذا ) .قال الراوي : وارتفعت (1) في السماء في ذلك الوقت غبرة شديدة سوداء مظلمة فيها ريح حمراء لا يرى فيها عين ولا أثر ، حتى ظن القوم أن العذاب قد جاءهم ، فلبثوا كذلك ساعة ، ثم انجلت عنهم . وروى هلال بن نافع قال : إني لواقف مع أصحاب عمر بن سعد إذ صرخ صارخ : أبشر أيها الأمير ، فهذا شمر قد قتل الحسين عليه السلام . قال : فخرجت بين الصفين ، فوقفت عليه ، فإنه ليجود بنفسه ، فوالله ما رأيت قتيلاً مضمخاً بدمه أحسن منه ولا أنور وجهاً ، ولقد شغلني نور وجهه وجمال هيأته عن الفكر في قتله . فاستسقى في تلك الحال ماءً ، فسمعت رجلاً يقول له : والله لا تذوق الماء حتى ترد الحامية فتشرب من حميمها !!! فقال له الحسين عليه السلام : ( لا ، بل (2) أرد على جدي رسول الله صلى الله عليه وآله وأسكن معه في داره في مقعد صدق عند مليك مقتدر ، وأشرب من ماء غير آسن ، وأشكو إليه ما ارتكبتم مني وفعلتم بي ) . قال : فغضبوا بأجمعهم ، حتى كأن الله لم يجعل في قلب أحد منهم من الرحمة شيئاً ، فاحتزوا رأسه وإنه ليكلمهم ، فعجبت من قلة رحمتهم وقلت : والله لا أجامعكم على أمر أبداً . قال : ثم أقبلوا على سلب الحسين عليه السلام ، فأخذ قميصه إسحاق بن حوبة --------------------------- (1) ب : فلما قتل صلوات الله عليه ، وأرتفت . ولفظ : الراوي ، لم يرد في ر . ب . (2) ع : فتشرب من حميمها ، فسمعته يقول : يا ويلك أنا لا أرد الحامية ولا أشرب من حميمها بل . الملهوف على قتلى الطفوف _ 178 _الحضرمي (1) لعنه الله، فلبسه فصار أبرص وامتعط شعره .وروي : أنه وجد في قميصه عليه السلام مائة وبضع عشرة ما بين رمية وضربه وطعنه . قال الصادق عليه السلام : ( وجد بالحسين عليه السلام ثلاث وثلاثون طعنة وأربع وثلاثون ضربة ) . وأخذ سراويله بحر بن كعب التيمي لعنه الله، وروي : أنه صار زمناً مقعداً من رجليه . وأخذ عمامته اخنس بن مرثد بن علقمة الحضرمي (2) لعنه الله، وقيل : جابر ابن يزيد الأودي (3) لعنه الله، فاعتم بها فصار معتوهاً . وأخذ نعليه الأسود بن خالد (4) . وأخذ خاتمه بجدل بن سليم الكلبي (5) لعنه الله، فقطع إصبعه عليه السلام مع الخاتم ، وهذا أخذه المختار فقطع يديه ورجليه وتركه يتشحط في دمه حتى هلك . وأخذ قطيفة له عليه السلام كانت من خز قيس بن الأشعث (6) لعنه الله. --------------------------- < (1) ع : حوية . ويأتي أنه أحد العشرة الذين داسوا بخيولهم ظهر الحسين عليه السلام ، وهو ابن زنا . (2) وفي بعض النسخ : اخنس بن مرتد . ويأتي أنه أحد العشرة الذين داسوا الحسين عليه السلام بحوافر خيلهم ، حتى رضوا ظهره وصدره ، وهو من أولاد الزنا . (3) في مستدركات علم الرجال 2 | 105 : جابر بن يزيد الأودي، لم يذكروه ، وهو مذموم ملعون ... (4) ذكر في ترجمة الامام الحسين من كتاب الطبقات : 187 باسم الأسود بن خالد الأودي. وهو خبيث ملعون . (5) ر : نجدل . في مستدركات علم الرجال 2 | 5 : بجدل بن سليم الكلبي ، خبيث ملعون ، قتله المختار . (6) في ترجمة الإمام الحسين من كتاب الطبقات : 187 : وأخذ قطيفته قيس بن الأشعث بن قيس الملهوف على قتلى الطفوف _ 179 _أخذ درعه البتراء عمر بن سعد لعنه الله، فلما قتل عمر بن سعد وهبها المختار لأبي عمرة (1) قاتله .وأخذ سيفه جميع بن الخلق الاودي (2) ، وقيل: رجل من بني تميم يقال له الأسود بن حنظلة (3) لعنه الله. وفي رواية ابن سعد (4) أنه أخذ سيفه الفلافس النهشلي (5) ، وزاد محمد بن زكريا (6) : أنه وقع بعد ذلك إلى بنت حبيب بن بديل (7) . وهذا السيف المنهوب ليس بذي الفقار : فإن ذلك كان مذخوراً ومصونا مع --------------------------- الكندي ، فكان يقال له : قيس قطيفة . لم يذكروه ، وهو خبيث ملعون . (1) لم يذكروه . (2) ب : الأزدي. وفي ترجمة الإمام الحسين من كتاب الطبقات : 187 : وأخذ سيفاً آخر جميع بن الخلق الأودي. لم يذكروه ، وهو خبيث ملعون . (3) لم يذكروه وهو خبيث ملعون . (4) ر : ابن سعيد . ع : ابن أبي سعد . والمثبت من ب ، وهو الصحيح ، لأن المراد به محمد بن سعد بن منيع البصري ، المتوفى سنة 230 هـ ، صاحب كتاب الطبقات الكبرى الذي طبع ناقصاً ، ومن أماكن نقصه ترجمة الإمام الحسين ، وطبعت ترجمة الامام الحسين من كتاب الطبقات في مجلة تراثنا العدد 10 بتحقيق العلامة السيد عبد العزيز الطباطبائي . وما نقله هنا عن ابن سعد تجده في تراثنا 10 | 187 . (5) ر : القلاقس . ب : القلافس . والمثبت من ع ، وترجمة الامام الحسين من كتاب الطبقات : 187 . (6) أبو عبد الله محمد بن زكريا بن دينار الغلابي ، كان وجهاً من وجوه أصحابنا بالبصرة ، توفي سنة 298 هـ ، له كتاب مقتل الحسين عليه السلام . رجال النجاشي : 346 ـ 347 ، الفهرست للنديم : 121 ، تنقيح المقال 3 | 117 . (7) لم أهتد إلى من ذكر بنت حبيب بن بديل ، وحبيب بن بديل هو من رواة حديث الولاية . راجع : الغدير 1 | 25 ، أسد الغابة 1 | 441 . الملهوف على قتلى الطفوف _ 180 _أمثاله من ذخائر النبوة والإمامة ، وقد نقل الرواة تصديق ما قلناه وصورة ما حكيناه .قال الراوي (1) : وجاءت جارية من ناحية خيم الحسين عليه السلام . فقال لها رجل : يا أمة الله إن سيدك قتل . قالت الجارية : فاسرعت الى سيداتي وأنا اصيح ، فقمن في وجهي وصحن . قال : وتسابق القوم على نهب بيوت آل الرسول وقرة عين الزهراء البتول ، حتى جعلوا ينتزعون ملحفة المرأة عن ظهرها ، وخرج بنات رسول الله صلى الله عليه وآله وحريمه يتساعدن على البكاء ويندبن لفراق الحماة (2) والأحباء . فروى حميد بن مسلم قال : رأيت امرأة من بني بكر (3) بن وائل كانت مع زوجها في أصحاب عمر بن سعد ، فلما رأت القوم قد اقتحموا على نساء الحسين عليه السلام في فسطاطهن وهم يسلبونهن ، أخذت سيفاً وأقبلت نحو الفسطاط وقالت : يا آل بكر بن وائل أتسلب بنات رسول الله ؟ !! لا حكم إلا لله ، يالثارات رسول الله، فأخذها زوجها فردها إلى رحله . قال الراوي : ثم أخرجوا النساء من الخيمة وأشعلوا فيها النار ، فخرجن حواسر مسلبات حافيات باكيات يمشين سبايا في أسر الذلة . وقلن : بحق الله إلا ما مررتم بنا على مصرع الحسين ، فلما نظر النسوة إلى القتلى صحن وضربن وجوههن . قال : فوالله لا أنسى زينب ابنت علي وهي تندب الحسين عليه السلام وتنادي بصوت --------------------------- (1) الراوي ، من ع . (2) ر : الأكماة . (3) ب : من بكر . الملهوف على قتلى الطفوف _ 181 _حزين وقلب كئيب : وا محمداه ، صلى عليك مليك السماء ، هذا حسين بالعراء ، مرمل بالدماء ، مقطع الأعضاء ، وا ثكلاه ، وبناتك سبايا ، إلى الله المشتكى وإلى محمد المصطفى وإلى علي المرتضى وإلى فاطمة الزهراء وإلى حمزة سيد الشهداء .وا محمداه ، وهذا حسين بالعراء ، تسفي عليه ريح الصباء ، قتيل أولاد البغايا . واحزناه ، واكرباه عليك يا أبا عبد الله اليوم مات جدي رسول الله صلى الله عليه وآله . يا أصحاب محمد ، هؤلاء ذرية المصطفى يساقون سوق السبايا . وفي بعض الروايات : وا محمداه ، بناتك سبايا (1) ، وذريتك مقتلة تسفي عليهم ريح الصباء ، وهذا حسين محزوز الرأس من القفا ، مسلوب العمامة والردا . بأبي من أضحى عسكره في يوم الإثنين نهبا ، بأبي من فسطاطه مقطع العرى ، بأبي من لا غائب فيرتجى ، ولا جريح فيداوى ، بأبي من نفسي له الفداء ، بأبي المهموم حتى قضى ، بأبي العطشان حتى مضى ، بأبي من يقطر شيبه بالدماء (2) ، بأبي من جده رسول اله السماء ، بأبي من هو سبط نبي الهدى ، بأبي محمد المصطفى ، بأبي علي المرتضى ، بأبي خديجة الكبرى ، بأبي فاطمة الزهراء سيدة النساء ، بأبي من ردت عليه الشمس حتى صلى . قال الراوي (3) : فأبكت والله كل عدو وصديق . ثم أنه سكينة (4) اعتنقت جسد الحسين عليه السلام ، فاجتمع عدة من الأعراب حتى جروها عنه . --------------------------- (1) ر : السبايا . (2) ب . ع : شيبته تقطر بالدماء . وفي ع جاء بعد هذا : بأبي من جده محمد المصطفى . (3) الراوي ، من ع . (4) سكينة بن الحسين بن علي بن أبي طالب عليه السلام ، كريمة نبيلة ، كانت سيدة نساء عصرها ، توفيت سنة 117 هـ ، نسب إليها بعض المؤرخين أموراً نقطع بكذبها وافترائها عليها ، ليس هذا محل ذكرها . الطبقات 8 | 348 ، الدر المنثور : 244 ، وفيات الأعيان 1 | 211 ، الأعلام 3 | 106 . الملهوف على قتلى الطفوف _ 182 _قال الراوي (1) : ثم نادى عمر بن سعد في أصحابه (2) : من ينتدب للحسين فيوطئ الخيل ظهره (3) ؟فانتدب منهم عشرة ، وهم : إسحاق بن حوبة الذي سلب الحسين عليه السلام قميصه ، وأخنس بن مرثد ، وحكيم بن طفيل السبيعي (4) ، وعمر بن صبيح الصيداوي (5) ، ورجاء بن منقذ العبدي (6) ، وسالم بن خيثمة الجعفي (7) ، وصالح بن وهب الجعفي (8) ، وواحظ بن غانم (9) ، وهاني بن ثبيت الحضرمي (10) ، وأسيد بن مالك (11) لعنهم الله فداسوا الحسين عليه السلام بحوافر --------------------------- (1) الراوي ، من ع . (2) ر : ثم أن عمر بن سعد قال . (3) ع : ظهره وصدره . (4) ب . ع : السنبسي ، والمثبت من ر . وهو : حكيم بن طفيل الطائي ، من المقدمين في العصر الأموي ، ولما امتلك المختار الكوفة ونادى بقتل قتلة الحسين ، قبض عليه ، وقتله رمياً بالسهام حتى صار كأنه القنفذ . الكامل في التاريخ 4 | 94 ، الأعلام 2 | 269 . (5) لم يذكروه ، وهو خبيث ملعون . (6) في مستدركات علم الرجال 3 | 395 : رجاء بن المنقذ العبدي ، لم يذكروه ، خبيث . (7) ع : خيثمة . في مستدركات علم الرجال 4 | 7 : سالم بن خيثمة الجعفي ، لم يذكروه ، خبيث ملعون . (8) في مستدركات علم الرجال 4 | 248 : صالح بن وهب المزني ، خبيث ملعون . (9) ب . ع : ناعم . لم يذكروه ، وهو خبيث ملعون . (10) ع : وهاني بين شبث . لم يذكروه ، وهو خبيث ملعون . (11) لم يذكروه ، وهو خبيث ملعون . الملهوف على قتلى الطفوف _ 183 _خيلهم حتى رضوا ظهره وصدره (1) .قال الراوي : وجاء هؤلاء العشرة حتى وقفوا على ابن زياد لعنه الله، فقال أسيد بن مالك أحد العشرة .
قالوا : نحن الذين وطئنا بخيولنا ظهر الحسين حتى طحنا حناجر صدره . قال : فأمر لهم بجائزة يسيرة . قال أبو عمر (2) الزاهد : فنطرنا في هؤلاء العشرة ، فوجدناهم جميعاً أولاد زنا . وهؤلاء أخذهم المختار ، فشد أيديهم وأرجلهم بسكك الحديد ، وأوطأ الخيل ظهورهم حتى هلكوا . وروى ابن رباح (3) قال : لقيت رجلاً مكفوفاً قد شهد قتل الحسين عليه السلام . فسئل عن ذهاب بصره ؟ فقال : كنت شهدت قتله عاشر عشرة ، غير أني لم أطعن ولم أضرب ولم أرم ، --------------------------- (1) ذهب الكثير من علمائنا إلى أنهم عزموا على رض ظهر الحسين وصدره ، ولكن لم يمكنهم الله من ذلك ، ووردت بهذا المطلب عدة روايات ، والله العالم . (2) ب : أبو عمرو . هو محمد بن عبد الواحد بن أبي هاشم المطرز الباوردي ، المعروف بغلام ثعلب ، أحد أئمة اللغة ، صحب ثعلباً النحوي ، وكان من المكثرين في التصنيف ، توفي في بغداد سنة 345 هـ . وفيات الأعيان 1 | 500 ، تاريخ بغداد 2 | 356 ، الأعلام 6 | 254 . (3) هو عطاء بن أبي رباح ، تابعي ، كان عبداً أسوداً ، ولد باليمن ونشأ بمكة ، فكان مفتي أهلها ، توفي فيها سنة 114 هـ . تذكرة الحفاظ 1 | 92 ، صفة الصفوة 2 | 119 ، الأعلام 4 | 135 . الملهوف على قتلى الطفوف _184_فلما قتل رجعت إلى منزلي وصليت العشاء الآخرة ونمت .فأتاني آت في منامي ، فقال : أجب رسول الله صلى الله عليه وآله . فقلت : مالي وله . فأخذ بتلابيبي وجرني إليه ، فإذا النبي صلى الله عليه وآله جالس في صحراء ، حاسر عن ذراعية ، آخذ بحربة ، وملك قائم بين يديه وفي يده سيف من نار يقتل أصحابي التسعة ، فلما ضرب ضربة التهبت أنفسهم ناراً . فدنوت منه وجثوت بين يديه وقلت : السلام عليك يا رسول الله، فلم يرد علي ، ومكث طويلاً . ثم رفع رأسه وقال : يا عدو الله أنتهكت حرمتي وقتلت عترتي ولم ترع حقي وفعلت ما فعلت . فقلت : يا رسول الله، والله ما ضربت بسيف ولا طعنت برمح ولا رميت بسهم . فقال : صدقت ، ولكن كثرت السواد ، أدن مني ، فدنوت منه ، فاذا طشت مملو دماً ، فقال لي : هذا دم ولدي الحسين عليه السلام ، فكحلني من ذلك الدم ، فانتبهت حتى الساعة لا أبصر شيئاً . وروي عنه الصادق عليه السلام ، يرفعه إلى النبي صلى الله عليه وآله أنه قال : ( إذا كان يوم القيامة نصب لفاطمة عليها السلام قبة من نور ، ويقبل الحسين عليه السلام ورأسه في يده ، فإذا رأته شهقت شهقة لا يبقى في الجمع ملك مقرب ولا نبي مرسل إلا بكى لها ، فيمثله الله عز وجل لها في أحسن صورة ، وهو يخاصم قتلته بلا رأس ، فيجمع الله لي قتلته والمجهزين عليه ومن شرك في دمه ، فأقتلهم حتى آتي على آخرهم ، ثم ينشرون فيقتلهم أمير المؤمنين عليه السلام ، ثم ينشرون فيقتلهم الحسن عليه السلام ، ثم |