الفهرس العام



متن الكتاب الملهوف على قتلى الطفوف
المسلك الأول فى الأمور المتقدمة على القتال



الملهوف على قتلى الطفوف _ 79 _

متن الكتاب الملهوف على قتلى الطفوف

الملهوف على قتلى الطفوف _ 81 _

بسم الله الرحمن الرحيم
  الحمد لله المتجلي لعباده من أفق الألباب ، المجلي عن مراده بمنطق (1) السنة والكتاب ، الذي نزه أولياءه عن دار الغرور ، وسما بهم إلى أنوار السرور .
  ولم يفعل ذلك محاباةً (2) لهم على الخلائق ، ولا إلجاءً لهم (3) إلى جميل الطرائق (4) .
  بل عرف منهم قبولاً للألطاف ، واستحقاقاً لمحاسن الأوصاف ، فلم يرض لهم التعلق بحبال الإهمال ، بل وفقهم للتخلق بكمال الأعمال .
  حتى عزفت (5) نفوسهم عمن سواه ، وعرفت أرواحهم شرف رضاه ، فصرفوا أعناق قلوبهم إلى ظله ، وعطفوا آمالهم نحو كرمه وفضله .
  فترى لديهم فرحة المصدق بدار بقائه ، وتنظر عليهم مسحة المشفق من أخطار لقائه .

---------------------------
(1) ر : بنطق .
(2) ع : بهم محاباةً .
والمحاباة : العطاء بلا من ولاجزاء .
(3) ر : ولا إلجاءهم .
(4) ر : الطريق .
(5) ع : فرغت .
وعزفت بمعنى : سلت .

الملهوف على قتلى الطفوف _ 82_

  ولا تزال أشواقهم متضاعفة إلى ما قرب من مراده ، وأريحيتهم (1) مترادفه نحو إصداره وإيراده ، وأسماعهم مصغية إلى استماع (2) أسراره ، وقلوبهم مستبشرة بحلاوة تذكاره .
  فحياهم منه بقدر ذلك التصديق ، وحباهم من لدنه حباء البر الشفيق .
  فما أصغر عندهم كل ما شغل عن جلاله ، وما أتركهم لكل ما باعد من وصاله ، حتى أنهم ليتمتعون بأنس ذلك الكرم والكمال ، ويكسوهم أبداً حلل المهابة والجلال .
  فإذا عرفوا أن حياتهم مانعة عن (3) متابعة مرامه ، وبقاءهم حائل بينهم وبين إكرامه ، خلعوا أثواب البقاء ، وقرعوا أبواب اللقاء ، وتلذذوا في طلب ذلك النجاح ، ببذل النفوس والأرواح، وعرضوها لخطر السيوف والرماح .
  وإلى ذلك التشريف الموصوف سمت نفوس أهل الطفوف ، حتى تنافسوا في التقدم إلى الحتوف ، وأصبحوا (4) نهب الرماح والسيوف .
  فما أحقهم بوصف السيد المرتضى علم الهدى(5) رضوان الله عليه ، وقد مدح

---------------------------
(1) ر : وأريحتهم .
والأريحي : الواسع الخلق النشيط إلى المعروف ، وهو أيضاً : السخي الذي يرتاح للندى ، وراح لذلك الأمر رواحاً وأريحية ورياحةً : أشرق له وفرح به وأخذته له خفة وأريحية ، لسان العرب 5|359 روح .
(2) ر : اسماع .
(3) ر : من .
(4) ع : وأضحوا .
(5) أبو القاسم علي بن الحسين بن موسى بن محمد بن موسى بن إبراهيم ابن الإمام الكاظم عليه السلام ، نقيب الطالبيين ، وأحد الأئمة في علم الكلام والأدب والشعر ، مولده ووفاته ببغداد ، روى عن جماعة كالشيخ

الملهوف على قتلى الطفوف _ 83 _

  من أشرنا إليه فقال :
لهم جسوم (1) على الرمضاء مهملة      وأنـفـس فــي جـوار الله يـقريها
كــأن  قـاصـدها بـالضر iiنـافعها      وأن  (2) قـاتلها بـالسيف iiمحييها
  ولولا امتثال أمر السنة والكتاب ، في لبس شعار الجزع والمصاب ، لأجل ما طمس من أعلام الهداية ، وأسس من أركان الغواية (3) ، وتأسفاً على ما فاتنا من تلك السعادة ، وتلهفاً على أمثال تلك الشهادة ، وإلا كنا قد لبسنا لتلك النعمة الكبرى أثواب المسرة والبشرى .
  وحيث أن في الجزع رضىً لسلطان المعاد ، وغرضاً لأبرار العباد ، فها نحن قد لبسنا سربال الجزوع ، وآنسنا بإرسال الدموع ، وقلنا للعيون : جودي بتواتر البكاء ، وللقلوب : جدي جد ثواكل النساء .
  فإن ودائع الرسول الرؤوف أضيعت (4) يوم الطفوف ، ورسوم وصيته بحرمه وأبنائه طمست بأيدي أمته وأعدائه .
  فيالله من تلك الفوادح المقرحة للقلوب ، والجوائح المصرحة (5) بالكروب ،

---------------------------

  المفيد والحسين بن علي بن بابويه ، وروى عنه جماعة كسلًار وأبي الصلاح الحلبي والخطيب البغدادي والقاضي ابن قدامة ، له عدة كتب ، منها : الشافي في الإمامة ، توفي سنة 433 هـ وقيل : 436 هـ .
  رياض العلماء 4|14 ، وفيات الأعيان 3|313 ، الكنى والألقاب 2|439 ، ميزان الإعتدال 2|223 ، لسان الميزان 4|223 ، جمهرة الأنساب : 56 ، الأعلام 4|278 .
(1) ع : نفوس ، بدلاً من : لهم جسوم .
(2) ر : أو أن .
(3) ر : الغراية .
(4) ع : أبيحت .
(5) ع : والجرائح المصرخة

الملهوف على قتلى الطفوف _ 84 _

  والمصائب المصغرة كل بلوى ، والنوائب المفرقة شمل التقوى ، والسهام التي أراقت دم الرسالة ، والأيدي التي ساقت سبي الجلالة ، والرزية التي نكست رؤوس الأبدال ، والبلية التي سلبت نفوس خير الآل، والشماتة التي ركست (1) أسود الرجال (2) ، والفجيعة (3) التي بلغ رزؤها إلى جبرائيل ، والفظيعة التي عظمت على الرب الجليل .
  وكيف لا يكون كذلك وقد أصبح لحم رسول الله مجرداً على الرمال ، ودمه الشريف مسفوكاً بسيوف الضلال ، ووجوه بناته مبذولة لعين السائق والشامت ، ومسلبهن بمنظر من الناطق والصامت ، وتلك الأبدان المعظمة عارية من الثياب ، والأجساد المكرمة جاثية على التراب ؟!!
مـصـائب بــددت شـمـل الـنـبي iiفـفـي      قـلـب  الـهدى أسـهم يـطفن (4) iiبـالتلف
ونـاعـيـات إذا مـــا مـــل ذو ولـــه      ســرت  عـلـيه بـنـار الــزن iiوالأسـف
  فياليت لفاطمة وأبيها عيناً تنظر إلى بناتها وبنيها : ما بين مسلوب ، وجريح ، ومسحوب ، وذبيح ، وبنات النبوة : مشققات الجيوب ، ومفجوعات بفقد المحبوب ، وناشرات للشعور ، وبارزات من الخدور ، ولاطمات للخدود ، وعادمات للجدود ، ومبديات للنياحة والعويل ، وفاقدات للمحامي والكفيل .
  فيا أهل البصائر من الأنام ، ويا ذوي النواظر والأفهام ، حدثوا نفوسكم

---------------------------

  والجوائح جمع جائحة ، وهي : الشدة والنازلة العظيمة التي تجتاح المال ، وتستعمل مجازاً لكل شدة .
(1) الركس : قلب الشيء ورده مقلوباً .
(2) من قوله : والشماتة ، إلى هنا ، لم يرد في ر .
(3) ر : والنجيعة .
(4) ر : ينطق .

الملهوف على قتلى الطفوف _ 85 _

  بمصائب هاتيك العترة ، ونوحوا بالله لتلك الوحدة والكثرة ، وساعدوهم بموالاة الوجد والعبرة ، وتأسفوا على فوات تلك النصرة .
  فإن نفوس أولئك الأقوام ودائع سلطان الأنام ، وثمرة فؤاد الرسول ، وقرة عين الزهراء البتول ، ومن كان يرشف بفمه الشريف ثناياهم ، ويفضل على أمته أمهم وأباهم .
إن  كنت في شك فسل عن iiحالهم      سـنن  الـرسول ومحكم التنزيل
فـهناك أعدل شاهدٍ لذوي iiالحجى      وبيان فضلهم على التفصيل (1)
ووصـيةٌ  سـبقت لأحـمد iiفيهم      جـاءت  إلـيه على يدي iiجبريل
  وكيف طابت النفوس (2) مع تداني الأزمان بمقابلة إحسان جدهم (3) بالكفران ، وتكدير عيشه بتعذيب ثمرة فؤاده ، وتصغير قدره بإراقة دماء أولاده ؟ !
  وأين موضع القبول لوصاياه بعترته وآله ؟ وما الجواب عند لقائه و سؤاله ؟ وقد هدم القوم ما بناه ! ونادى الاسلام واكرباه !
  فيالله من قلبٍ لا يتصدع لتذكار تلك الأمور ! ويا عجباه من غفلة أهل الدهور ! وما عذر أهل الاسلام والإيمان في إضاعة أقسام الاحزان !
  ألم يعلموا أن محمدأً موتورٌ وجيع ؟ وحبيبه مقهورٌ صريع ٌ؟ والملائكة يعزونه على جليل مصابه ؟ والأنبياء يشاركونه في أحزانه وأوصابه ؟
 فيا أهل الوفاء لخاتم الأنبياء ، علام لا تواسونه في البكاء ؟ !

---------------------------
(1) ع : الفصيل .
(2) ع : فكيف طابت للنفوس .
(3) ع : مقابلة احسان أبيهم .

الملهوف على قتلى الطفوف _ 86 _

  بالله عليك أيها المحب لولد الزهراء ، نح معها على المنبوذين بالعراء ، وجد ويحك بالدموع السجام ، وابك على ملوك الاسلام ، لعلك تحوز ثواب المواسي لهم في المصاب ، وتفوز بالسعادة يوم الحساب .
  فقد روي عن مولانا الباقر عليه السلام أنه قال : ( كان زين العابدين عليه السلام يقول : أيما مؤمن ذرفت (1) عيناه لقتل الحسين عليه السلام حتى تسيل على خده بوأه الله بها في الجنة غرفاً يسكنها أحقاباً (2) ، وأيما مؤمن ذرفت عيناه حتى تسيل على خده فيما مسنا من الأذى من عدونا في الدنيا بوأه الله منزل صدقٍ ، وأيما مؤمن مسه أذىً فينا صرف الله عن وجهه الأذى وآمنه من سخط النار يوم القيامة ) .
  وروى عن مولانا الصادق عليه السلام أنه قال : ( من ذكرنا عنده ففاضت عيناه ولو مثل جناح الذبابة غفر الله له ذنوبه ولو كانت مثل زبد البحر ) .
  وروي أيضاً عن آل الرسول عليهم السلام أنهم قالوا : ( من بكى وأبكى فينا مائة فله الجنة (3) ، ومن بكى وأبكى خمسين فله الجنة ، ومن بكى وأبكى ثلاثين فله الجنة ، ومن بكى وأبكى عشرين فله الجنة (4) ، ومن بكى وأبكى عشرة فله الجنة ، ومن بكى وأبكى واحداً فله الجنة ، ومن تباكى فله الجنة ) .
  قال علي بن موسى بن جعفر بن محمد بن طاووس الحسيني ـ جامع هذا الكتاب ـ :
  إن من أجل البواعث لنا على سلوك هذا الكتاب (5) أنني (6) لما

---------------------------
(1) أي : صبت دمعاً وسالت .
(2) جمع حقب بضمتين أي : زماناً كثيراً ، أحقاباً لا انقطاع لها ، كلما مضى حقب جاء بعده حقب آخر .
(3) ع : فينا مائة ضمنا له على الله الجنة ، والمثبت من ر . ب .
(4) قوله : ومن بكى وأبكى عشرين فله الجنة ، لم يرد في ع . ر ، وأثبتناه من ب .
(5) ر : الباب .
(6) ر : أني .

الملهوف على قتلى الطفوف _ 87 _

  جمعت كتاب : مصباح الزائر وجناح المسافر (1) ، ورأيته قد احتوى على أقطار محاسن الزيارات ومختار أعمال تلك الأوقات ، فحامله مستغنٍ عن نقل مصباح لذلك الوقت الشريف ، أو حمل مزارٍ كبير أو لطيفٍ .
  أحببت أيضاً أن يكون حامله مستغنياً عن نقل مقتلٍ في زيارة عاشوراء إلى مشهد (2) الحسين صلوات الله عليه .
  فوضعت هذا الكتاب ليضم إليه ، وقد جمعت ها هنا ما يصلح لضيق وقت الزوار ، وعدلت عن الإطناب والإكثار ، وفيه غنية لفتح أبواب الأشجان ، وبغية لنجح أرباب الإيمان ، فإننا (3) وضعنا في أجساد معناه روح ما يليق بمعناه .
  وقد ترجمته بكتاب : الملهوف على قتلى الطفوف (4) ، ووضعته على ثلاثة مسالك ، مستعيناً بالرؤوف المالك (5) .

---------------------------
(1) هو أول تصانيفه ، في عشرين فصلاً ، أوله في مقدمات السفر وآدابه ، والأخير في زيارة أولاد الأئمة والمؤمنين ، ونسخه شائعة .
(2) ر : زيارة مشهد .
(3) ر : فإنا .
(4) ع : اللهوف على قتلى الطفوف .
(5) قوله: مستعيناً بالرؤوف المالك ، لم يرد في ر .

الملهوف على قتلى الطفوف _ 89 _

المسلك الأول
فى الأمور المتقدمة على القتال (1)


---------------------------
(1) ر : المسلك الأول على سبيل الإجمال في الأمور المتقدمة على القتال .

الملهوف على قتلى الطفوف _ 91 _

  كان مولد الحسين عليه السلام لخمس ليالٍ خلون من شعبان سنة أربع من الهجرة .
  وقيل : اليوم (1) الثالث منه .
  وقيل : في أواخر شهر ربيع الأول سنة ثلاث من الهجرة .
  وروي غير ذلك .
 قالت (2) أم الفضل (3) زوجة العباس (4) رضوان الله عنهما : رأيت في منامي

---------------------------
(1) ر : يوم .
(2) جاء في نسخة ع :
ولما ولد هبط جبرئيل عليه السلام ومعه ألف ملك يهنون النبي صلى الله عليه وآله بولادته ، وجاءت به فاطمة عليها السلام إلى النبي صلى الله عليه وآله ، فسر به وسماه حسيناً .
قال ابن عباس في الطبقات : أنبأنا عبدالله بن بكر بن حبيب السهمي ، قال : أنبأنا حاتم بن صنعة ، قالت ...
(3) لبابة بنت الحارث الهلالية ، الشهيرة بأم الفضل ، زوجة العباس بن عبد المطلب ، ولدت من العباس سبعة ، أسلمت بمكة بعد إسلام خديجة ، وكان رسول الله ( ص ) يزورها ويقيل في بيتها ، توفيت نحو سنة 30 هـ .
الإصابة ترجمة رقم 942 و 1448 ، ذيل المذيل : 84 ، الجمع بين رجال الصحيحين : 612 ، الأعلام 5|239 .
(4) العباس عبدالمطلب بن هاشم بن عبد مناف ، أبو الفضل ، من أكابر قريش في الجاهلية والإسلام ، كان محسناً لقومه سديد الرأي ، كانت له سقاية الحاج وعمارة المسجد الحرام ، أسلم قبل الهجرة وكتم إسلامه ، عمي في آخر عمره ، توفي بالمدينة سنة 32 هـ .
صفة الصفوة 1|203 ، المحبر : 63 ، ذيل المذيل : 10 ، الأعلام 3|262 .

الملهوف على قتلى الطفوف _ 92 _

  قبل مولده كأن قطعةً من لحم رسول الله صلى الله عليه وآله قطعت فوضعت (1) في حجري ، فعبرت (2) ذلك على رسول الله صلى الله عليه وآله ، فقال ( خيراً رأيت (3) ، إن صدقت رؤياك فإن فاطمة ستلد غلاماً فأدفعه إليك لترضعيه ) .
  قالت : فجرى الأمر على ذلك .
  فجئت به يوماً ، فوضعته في حجره ، فبال (4) ، فقطرت من بوله قطرةٌ على ثوب النبي صلى الله عليه وآله ، فقرصته ، فبكى ، فقال النبي صلى الله عليه وآله (5) : ( مهلاً يا أم الفضل ، فهذا ثوبي يغسل ، وقد أوجعت ابني ) .
  قالت : فتركته في حجره ، وقمت لآتيه بماء ، فجئت ، فوجدته صلوات الله عليه وآله يبكي .
  فقلت : مم بكاؤك يا رسول الله ؟
  فقال : ( إن جبرئيل عليه السلام أتاني ، فأخبرني أن أمتي تقتل ولدي هذا ، لا أنالهم الله شفاعتي يوم القيامة ( 6) ) .
  قال رواة الحديث : فلما أتت على الحسين عليه السلام من مولده سنة كاملة ، هبط على رسول الله صلى الله عليه وآله اثنا عشر ملكاً : أحدهم على صورة الأسد ، والثاني على صورة الثور ، والثالث على صورة التنين (7) ، والرابع على صورة ولد آدم ،

---------------------------
(1) لفظ : فوضعت ، لم يرد في ر .
(2) ع : ففسرت .
(3) ع : يا أم الفضل رأيت خيراً .
(4) ع : فجئت به يوماً إليه فوضعته في حجره فبينما هو يقبله فبال .
(5) ع : كالمغضب .
(6) قوله : لا أنالهم الله شفاعتي يوم القيامة ، لم يرد في ر .
(7) التنين : ضربٌ من الحيات من أعظمها .

الملهوف على قتلى الطفوف _ 93 _

  والثمانية الباقون على صور شتى ، محمرة وجوههم باكية عيونهم (1) ، قد نشروا أجنحتهم ، وهم يقولون : يا محمد سينزل بولدك الحسين بن فاطمة ما نزل بهابيل من قابيل ، وسيعطى مثل أجر هابيل ، ويحمل على قاتله مثل وزر قابيل .
  ولم يبق في السموات ملك (2) إلا ونزل إلى النبي صلى الله عليه وآله ، كلٌ يقرؤه السلام ، ويعزيه في الحسين عليه السلام ، ويخبره بثواب ما يعطى ، ويعرض عليه تربته ، والنبي صلى الله عليه وآله يقول : ( اللهم اخذل من خذله ، واقتل من قتله ، ولا تمتعه بما طلبه ) .
  قال : فلما أتى على الحسين عليه السلام سنتان من مولده خرج النبي صلى الله عليه وآله في سفرٍ له (3) ، فوقف في بعض الطريق ، فاسترجع ودمعت عيناه .
  فسئل عن ذلك، فقال : ( هذا جبرئيل يخبرني عن أرضٍ بشط الفرات يقال لها كربلاء (4) ، يقتل بها ولدي الحسين بن فاطمة ) .
  فقيل له : من يقتله يا رسول الله ؟
  فقال : ( رجل اسمه يزيد ، وكأني أنظر إلى مصرعه ومدفنه ) .
  ثم رجع من سفره ذلك مغموماً ، فصعد المنبر فخطب (5) ووعظ ، والحسن والحسين عليهما السلام بين يديه .
  فلما فرغ من خطبته وضع يده اليمنى على رأس الحسن واليسرى على رأس

---------------------------
(1) باكية عيونهم ، لم يرد في ر .
(2) ع : ملك مقرب .
(3) له ، لم يرد في ر .
(4) كربلاء بالمد : الموضع الذي قتل فيه الحسين عليه السلام ، في طرف البرية عند الكوفة .
روي : أنه عليه السلام اشترى النواحي التي فيها قبره من أهل نينوى والغاضرية بستين ألف درهم ، وتصدق بها عليهم ، وشرط عليهم أن يرشدوا إلى قبره ويضيفوا من زاره ثلاثة أيام .
معجم البلدان 4|249 ، مجمع البحرين 5|641 ـ 642 .
(5) فخطب ، لم يرد في ر .

الملهوف على قتلى الطفوف _ 94 _

  الحسين ، ثم رفع رأسه إلى السماء وقال : ( اللهم إن محمداً عبدك ورسولك ، وهذان أطائب عترتي وخيار ذريتي وأرومتي (1) ومن أخلفهما في أمتي ، وقد أخبرني جبرئيل عليه السلام أن ولدي هذا مقتول مخذول ، اللهم فبارك له في قتله واجعله من سادات الشهداء ، اللهم ولا تبارك (2) في قاتله وخاذله ) .
  قال : فضج الناس في المسجد بالبكاء والنحيب (3) .
  فقال النبي صلى الله عليه وآله : ( أتبكون ولا تنصرونه ) .
  ثم رجع صلوات الله عليه وهو متغير اللون محمر الوجه ، فخطب خطبةً أخرى موجزة وعيناه تهملان دموعاً ، قال :
  ( أيها الناس إني قد خلفت فيكم الثقلين : كتاب الله، وعترتي أهل بيتي وأرومتي (4) ومزاج مائي وثمرتي ، وأنهما لن (5) يفترقا حتى يردا علي الحوض ، ألا وأني أنتظرهما ، وأني لا أسألكم في ذلك إلا ما أمرني ربي أن أسألكم (6) المودة في القربى ، وفانظروا ألا تلقوني غداً على الحوض وقد أبغضتم عترتي وظلمتموهم وقتلتموهم .
  ألا وإنه سترد علي يوم القيامة ثلاث رايات من هذه الأمة :
  راية (7) سوداء مظلمة قد فزعت لها الملائكة ، فتقف علي ، فأقول : من أنتم ؟

---------------------------
(1) الأرومة : الأصل .
(2) ر : اللهم لا تبارك .
(3) والنحيب ، لم يرد في ر .
(4) ر : وعترتي وأرومتي .
(5) ع : وثمرة فؤادي ومهجتي لن .
(6) ع : إلا ما أمرني ربي أمرني ربي أن اسألكم .
(7) ع : الأولى.

الملهوف على قتلى الطفوف _ 95 _

  فينسون ذكري ويقولون : نحن أهل التوحيد من العرب .
  فأقول لهم (1) : أنا أحمد نبي العرب والعجم .
  فيقولون : نحن من أمتك يا أحمد .
  فأقول لهم : كيف خلفتموني من بعدي في أهلي وعترتي وكتاب ربي ؟
  فيقولون : أما الكتاب فضيعناه ، وأما عترتك فحرصنا على أن نبيدهم عن جديد الأرض (2) .
  فأولي وجهي عنهم ، فيصدرون ظماءً عطاشاَ مسودة وجوههم .
  ثم ترد علي رايةٌ أخرى أشد سواداً من الأولى، فأقول لهم : كيف خلفتموني في الثقلين الأكبر والأصغر : كتاب ربي (3) ، وعترتي ؟
  فيقولون : أما الأكبر فخالفنا ، وأما الأصغر فخذلناهم ومزقناهم كل ممزق .
  فأقول : إليكم عني ، فيصدرون ظماءً عطاشاً مسودة وجوههم .
  ثم ترد علي راية أخرى تلمع نوراً (4) ، فأقول لهم : من أنتم ؟
  فيقولون : نحن أهل كلمة التوحيد والتقوى ، نحن أمة محمد صلى الله عليه وآله ، ونحن بقية أهل الحق ، حملنا كتاب ربنا فأحللنا حلاله وحرمنا حرامه ، وأحببنا ذرية نبينا محمد صلى الله عليه وآله ، فنصرناهم في كل ما نصرنا منه أنفسنا ، وقاتلنا معهم من ناواهم .
  فأقول لهم : أبشروا فأنا نبيكم محمد ، ولقد كنتم في دار الدنيا كما وصفتم ، ثم أسقيهم من حوضي ، فيصدرون مرويين مستبشرين ، ثم يدخلون الجنة

---------------------------
(1) لهم ، لم يرد في ر .
(2) ع : عن آخرهم عن جديد الأرض.
(3) ر : كتاب الله.
(4) ع : تلمع وجوهم نوراً .

الملهوف على قتلى الطفوف _ 96 _

  خالدين فيها أبد الآبدين ) (1) .
  قال : وكان الناس يتعاودون ذكر قتل الحسين عليه السلام ، ويستعظمونه ويرتقبون قدومه .
  فلما توفي معاوية بن أبي سفيان (2) ـ وذلك في رجب سنة (3) ستين من الهجرة ـ كتب يزيد بن معاوية (4) إلى الوليد بن عتبة (5) وكان أميراً بالمدينة

---------------------------
(1) من قوله : مستبشرين ، إلى هنا لم يرد في ر .
(2) معاوية بن أبي سفيان صخر بن حرب بن أمية بن عبد شمس بن عبد مناف ، مؤسس الدولة الأموية في الشام ، ولد بمكة وأسلم يوم فتحها ، ولي قيادة جيش تحت إمرة أخيه في خلافة أبي بكر ، وصار والياً على الأردن في خلافة عمر ، ثم ولاه دمشق ، وجاء عثمان فجمع له الديار الشامية كلها وجعل ولاة أمصارها تابعين له ، وبعد قتل عثمان وولاية علي عليه السلام وجه له لفوره بعزله ن وعلم معاوية قبل وصول البريد ، فنادى بثأر عثمان واتهم علياً بدمه ونشبت الحروب الطاحنة واستعمل معاوية الخديعة والمكر ، مات معاوية في دمشق سنة 60 هـ ، وعهد بالخلافة إلى ابنه يزيد .
تاريخ ابن الأثير 4|2 ، تاريخ الطبري 6|180 ، البدء والتاريخ 6|5 ، الأعلام 7|261 ـ 262 .
(3) ر : من سنة .
(4) يزيد بن معاوية ابن أبي سفيان الأموي ، ثاني ملوك الدولة الأموية في الشام ، ولد بالماطرون ونشأ في دمشق وولي الخلافة بعد وفاة أبيه سنة 60 هـ ، ولم يبايعه جماعة وعلى رأسهم الحسين عليه السلام لفسقه وفجوره ولهوه ولعبه ، خلع أهل المدينة طاعته سنة 63 هـ ، فأرسل إليهم مسلم بن عقبة وأمره أن يستبيحها ثلاثة أيام وأن يبايع أهلها على أنهم عبيد ليزيد ، ففعل بها مسلم الأفاعيل القبيحة ، وقتل فيها كثيراً من الصحابة والتابعين ، مات يزيد سنة 64 هـ .
تاريخ الطبري حوادث سنة 64 ، تاريخ الخميس 2|300 ، تاريخ ابن الأثير 4|49 ، جمهرة الأنساب : 103 ، الأعلام 8|189 .
(5) الوليد بن عتبة بن أبي سفيان ابن حرب الأموي ، أمير من رجالات بني أمية ، ولي المدينة سنة 57 هـ أيام معاوية ، ومات معاوية فكتب إليه يزيد أن يأخذ له البيعة ، عزله يزيد سنة 60 هـ واستقدمه إليه ، فكان من رجال مشورته بدمشق ، ثم أعاده سنة 61 هـ وثورة عبدالله بن الزبير في

الملهوف على قتلى الطفوف _ 97 _

  يأمره (1) بأخذ البيعة له على أهلها (2) وخاصةً على الحسين بن علي عليهما السلام (3) ، ويقول له : إن أبى عليك فاضرب عنقه وابعث إلي برأسه .
  فأحضر الوليد مروان بن الحكم (4) واستشاره في أمر الحسين عليه السلام .
  فقال : إنه لا يقبل ، ولو كنت مكانك لضربت (5) عنقه .
  فقال الوليد : ليتني لم أك شيئاً مذكوراً .
  ثم بعث إلى الحسين عليه السلام ، فجاءه في ثلاثين رجلاً من أهل بيته ومواليه ، فنعى الوليد إليه معاوية ، وعرض عليه البيعة ليزيد .
  فقال : ( أيها الأمير ، إن البيعة لا تكون سراً ، ولكن إذا دعوت الناس

---------------------------
أبانها بمكة ، وظل في المدينة إلى أن توفي بالطاعون سنة 64 هـ ، حج بالناس سنة 62 هـ .
مرآة الجنان 1|140 ، نسب قريش : 133 و 433 ، الأعلام 8|121 .
(1) ع : أمير المدينة يأمره ، ب : كتب يزيد إلى الوليد يأمره .
والمدينة : مدينة رسول الله، وهي يثرب ، مساحتها نصف مكة ، وهي في حرة سبخة الأرض، ولها نخيل كثيرة ومياه ، والمسجد في نحو وسطها ، وقبر النبي في شرقي المسجد ، وللمدينة اسماء كثيرة ، منها : طيبة ويثرب والمباركة .
معجم البلدان 5|82 .
(2) ع : على أهلها عامة ، ولفظ عامة لم يرد في ر . ب .
(3) ع . ب : عن الحسين عليه السلام .
(4) ابن الحكم ، لم يرد في ع . ب .
ومروان هو ابن الحكم بن أبي العاص بن أمية بن عبد شمس ابن عبد مناف ، أبو عبد الملك ، خليفة أموي ، أول من ملك من بني الحكم بن أبي العاص ، إليه ينسب بنو مروان ، ودولتهم المروانية ، ولد بمكة ونشأ بالطائف وسكن المدينة ، جعله عثمان من خاصته واتخذه كاتباً له ، وبعد قتل عثمان خرج مروان مع عائشة إلى البصرة ، وشهد صفين مع معاوية ، ولي المدينة سنة في ولاية معاوية ، أخرجه منها عبدالله بن الزبير فسكن الشام ومات سنة 65 بالطاعون ، وقيل : قتلته زوجته أم خالد .
أسد الغابة 4|348 ، تاريخ ابن الأثير 4|74 ، تاريخ الطبري 7|34 ، الأعلام 7|207 .
(5) ب : ضربت .

الملهوف على قتلى الطفوف _ 98 _

  غداً فادعنا معهم ) .
  فقال مروان : لا تقبل أيها الأمير عذره ، ومتى لم يبايع فاضرب عنقه .
  فغضب الحسين عليه السلام ثم قال : ( ويلي عليك يابن الزرقاء ، أنت تأمر بضرب عنقي ، كذبت والله ولؤمت (1) ) .
  ثم أقبل على الوليد فقال : ( أيها الأمير إنا أهل بيت النبوة ومعدن الرسالة ومختلف الملائكة ، وبنا فتح الله وبنا ختم الله (2) ، ويزيد رجلٌ فاسق شارب الخمر (3) قاتل النفس المحرمة معلن بالفسق ليس له هذه المنزلة (4) ، ومثلي لا يبايع مثله (5) ، ولكن نصبح وتصبحون وننظر وتنظرون أينا أحق بالخلافة والبيعة ) .
  ثم خرج عليه السلام ، فقال مروان للوليد : عصيتني .
  فقال : ويحك يا مروان ، إنك أشرت علي بذهاب ديني ودنياي ، والله ما أحب أن ملك الدنيا بأسرها لي وأنني قتلت حسيناً ، والله ما أظن أحداً يلقى الله بدم الحسين إلا وهو خفيف الميزان ، لا ينظر الله إليه يوم القيامة ولا يزكيه وله عذابٌ أليمً .
 قال : وأصبح الحسين عليه السلام ، فخرج (6) من منزله يستمع الأخبار ، فلقاه مروان ، فقال : يا أبا عبدالله ، إني لك ناصحٌ فأطعني ترشد .

---------------------------
(1) ب : وأثمت .
(2) ر : وبنا فتح الله وبنا يختم .
(3) ر : خمر .
(4) قوله : ليس له هذه المنزلة ، لم يرد في ع . ب .
(5) ع : بمثله ، ر : لمثله ، والمثبت من ب .
(6) ب : فلما أصبح الحسين عليه السلام خرج .

الملهوف على قتلى الطفوف _ 99 _

  فقال الحسين عليه السلام : ( وما ذاك ، قل حتى أسمع ) .
  فقال مروان : إني آمرك ببيعة يزيد أمير المؤمنين ، فإنه خيرٌ لك في دينك ودنياك .
  فقال الحسين عليه السلام : ( إنا لله وإنا إليه راجعون ، وعلى الإسلام السلام ، إذ قد بليت الأمة براع مثل يزيد ، ولقد سمعت جدي رسول الله صلى الله عليه وآله يقول : الخلافة محرمة على آل أبي سفيان ) .
  وطال الحديث بينه وبين مروان حتى انصرف مروان (1) وهو غضبان (2) .

---------------------------
(1) مروان ، لم يرد في ر .
(2) جاء بعد هذا الموضع في نسخة ع كلام طويل لم يرد في نسخة ر . ب ، ويمكن أن يكون من حاشية المؤلف على الكتاب ، وعلى أي حال فنحن ننقل الكلام بنصه كما في نسخه ع :
  يقول علي بن موسى بن جعفر بن محمد بن طاووس مؤلف هذا الكتاب : والذي تحققناه أن الحسين عليه السلام كان عالماً بما انتهت حاله إليه ، وكان تكليفه ما اعتمد عليه .
  أخبرني جماعة ـ وقد ذكرت أسماءهم في كتاب غياث سلطان الورى لسكان الثرى ـ بإسنادهم إلى أبي جعفر محمد بن بابوية القمي فيما ذكر في أماليه ، باسناده إلى المفضل بن عمر ، عن الصادق عليه السلام ، عن أبيه ، عن جده عليهم السلام :
  أن الحسين بن علي بن أبي طالب عليه السلام دخل يوماً على الحسن عليه السلام ، فلما نظر إليه بكى ، فقال : ما يبكيك ؟ قال : أبكي لما يصنع بك ، فقال الحسن عليه السلام : إن الذي يؤتى إلي سم يدس إلي فأقتل به ، ولكن لا يوم كيومك يا أبا عبدالله ، يزدلف إليك ثلاثون الف رجلٍ يدعون أنهم من أمة جدنا محمد صلى الله عليه وآله ، وينتحلون الإسلام ، فيجتمعون على قتلك وسفك دمك وانتهاك حرمتك وسبي ذراريك ونسائك وانتهاب ثقلك ، فعندها يحل الله ببني أمية اللعنة وتمطر السماء دماً ورماداً ، ويبكي عليك كل شيء حتى الوحوش والحيتان في البحار .
  وحدثني جماعة منهم من اشرت إليه ، بإسنادهم إلى عمر النسابة رضوان الله عليه فيما ذكره في آخر كتاب الشافي في النسب ، بإسناده إلى جده محمد ابن عمر قال : سمعت أبي عمر بن علي بن أبي طالب عليه السلام يحدث أخوالي آل عقيل قال :

الملهوف على قتلى الطفوف _ 100 _



---------------------------
لما امتنع أخي الحسين عليه السلام عن البيعة ليزيد بالمدينة ، دخلت عليه فوجدته خالياً ، فقلت له : جعلت فداك يا أبا عبدالله حدثني أخوك أبو محمد الحسن ، عن أبيه عليهم السلام ، ثم سبقتني الدمعة وعلا شهيقي ، فضمني إليه وقال : حدثك أني مقتول ؟ فقلت : حوشيت يابن رسول الله، فقال : سألتك بحق أبيك بقتلي خبرك ؟ فقلت : نعم ، فلولا ناولت وبايعت .
  فقال : حدثني أبي : ان رسول الله صلى الله عليه وآله أخبره بقتله وقتلي ، وأن تربتي تكون بقرب تربته ، فتظن أنك علمت مالم أعلمه ، وإنه لا أعطي الدنية من نفسي أبداً ، ولتلقين فاطمة أباها شاكية مالقيت ذريتها من أمته ، ولا يدخل الجنة أحدٌ آذاها في ذريتها .
  أقول أنا : ولعل بعض من لا يعرف حقائق شرف السعادة بالشهادة يعتقد أن الله لا يتعبد بمثل هذه الحالة ، أما سمع في القرآن الصادق المقال أنه تعبد قوماً بقتل أنفسهم ، فقال تعالى : ( فَتُوبُواْ إِلَى بَارِئِكُمْ فَاقْتُلُواْ أَنفُسَكُمْ ذَلِكُمْ خَيْرٌ لَّكُمْ عِندَ بَارِئِكُمْ ) . ولعله يعتقد أن معنى قوله تعالى : ( وَلاَ تُلْقُواْ بِأَيْدِيكُمْ إِلَى التَّهْلُكَةِ ) أنه هو القتل ، وليس الأمر كذلك ، وإنما التعبد به من أبلغ درجات السعادة .
  ولقد ذكر صاحب المقتل المروي عن مولانا الصادق عليه السلام في تفسير هذه الآية ما يليق بالعقل :
  فروى عن أسلم قال : عزونا نهاوند ـ وقال غيرها ـ واصطفينا والعدو صفين لم أر أطول منهما ولا أعرض ، والروم قد ألصقوا ظهورهم بحائط مدينتهم ، فحمل رجلٌ منا على العدو ، فقال الناس : لا إله إلا الله ألقى نفسه إلى التهلكة ، فقال أبو أيوب الأنصاري : إنما تؤولون هذه الآية على أن حمل هذا الرجل يلتمس الشهادة ، وليس كذلك ، إنما نزلت هذه الآية فينا ، لأنا كنا قد اشتغلنا بنصرة رسول الله صلى الله عليه وآله وتركنا أهالينا وأموالنا أن نقيم فيها ونصلح ما فسد منها ، فقد ضاعت بتشاغلنا عنها ، فأنزل الله إنكالٌ لما وقع في نفوسنا من التخلف عن نصرة رسول الله صلى الله عليه وآله لإصلاح أموالنا : ( وَلاَ تُلْقُواْ بِأَيْدِيكُمْ إِلَى التَّهْلُكَةِ ) ، معناه : إن تخلفتم عن رسول الله صلى الله عليه وآله وأقمتم في بيوتكم ألقيتم بأيدكم إلى التهلكة وسخط الله عليكم فهلكتم ، وذلك رد علينا فيما قلنا وعزمنا عليه من الإقامة ، وتحريضٌ لنا على الغزو ، وما أنزلت هذه الآية في رجلٍ حمل العدو ويحرض أصحابه أن يفعلوا كفعله أو يطلب الشهادة بالجهاد في سبيل الله رجاء ثواب الآخرة
  أقول : وقد نبهناك على ذلك في خطبة هذا الكتاب ، وسيأتي ما يكشف عن هذه الأسباب .
  قال رواة حديث الحسين عليه السلام مع الوليد بن عتبة ومروان : ...

الملهوف على قتلى الطفوف _ 101 _

  فلما كان الغداة توجه الحسين عليه السلام إلى مكة (1) لثلاث مضين من شعبان سنة ستين .
  فأقام بها باقي شعبان وشهر رمضان وشوال وذي القعدة .
  قال (2) : وجاءه عبدالله بن العباس رضي الله عنه (3) وعبدالله بن الزبير (4) ، فأشارا عليه بالإمساك .
  فقال لهما : ( إن رسول الله صلى الله عليه وآله قد أمرني بأمرٍ ، وأنا ماضٍ فيه ) .
  قال : فخرج ابن عباس وهو يقول : واحسيناه !

---------------------------
(1) ولها أسماء أخر كثيرة ، منها : أم القرى ، والنساسة ، وأم رحم ، وهي بيت الله الحرام .
والمك : النقض والهلاك ، وسمي البلد الحرام مكة لأنها تنقض الذنوب وتنفيها ، أو تمك من قصدها بالظلم ، أي تهلكه .
معجم البلدان 5|181 ـ 188 ، مجمع البحرين 5|289 .
(2) قال ، لم يرد في ر .
(3) عبدالله بن العباس بن عبدالمطلب القرشي الهاشمي ، أبو العباس ، حبر الأمة ، صحابي جليل ، ولد بمكة ونشأ في بدء عصر النبوة ، لازم رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم وروى عنه ، وشهد مع علي عليه السلام الجمل وصفين ، كف بصره في آخر عمره ، فسكن الطائف وتوفي بها سنة 68 هـ .
  الإصابة ترجمة رقم 4772 ، صفة الصفوة 1|314 ، حلية الأولياء 1|314 ، نسب قريش : 26 ، المحبر : 98 ، الأعلام 4|95 .
(4) أبو بكر عبدالله بن الزبير بن العوام القرشي الأسدي ، بويع له بالخلافة سنة 64 هـ عقيب موت يزيد بن معاوية ، فحكم مصر والحجاز واليمن وخراسان والعراق واكثر الشام ، وجعل قاعدة ملكه المدينة ، وكانت له مع الأمويين وقائع هائلة ، سار لمحاربته الحجاج الثقفي في أيام عبدالملك بن مروان ، فانتقل إلى مكة وعسكر الحجاج في الطائف ، ونشبت بينهما حروب انتهت بمقتل ابن الزبير في مكة بعد أن خذله أصحابه وذلك سنة 73 هـ ، مدة خلافته 9 سنين .
  تاريخ ابن الأثير 4|135 ، تاريخ الطبري 7|202 ، فوات الوفيات 1|210 ، تاريخ الخميس 2|301 ، الأعلام 4|87 .

الملهوف على قتلى الطفوف _ 102 _

  ثم جاءه عبدالله بن عمر (1) ، فأشار عليه (2) بصلح أهل الضلال وحذره من القتل والقتال .
  فقال له : ( يا أبا عبدالرحمن أما علمت أن من هوان الدنيا على الله تعالى أن رأس يحيى بن زكريا أهدي إلى بغيٍّ من بغايا بني إسرائيل ، أما علمت (3) أن بني إسرائيل كانوا يقتلون ما بين طلوع الفجر إلى طلوع الشمس سبعين نبياً ثم يجلسون في أسواقهم يبيعون ويشترون كأن لم يصنعوا شيئاً ، فلم يعجل الله عليهم ، بل امهلهم وأخذهم بعد ذلك أخذ عزيز مقتدر (4) ، إتق الله (5) يا أبا عبدالرحمن ولا تدعن نصرتي ) .
  قال : وسمع أهل الكوفة (6) بوصول الحسين عليه السلام إلى مكة وامتناعه من البيعة ليزيد ، فاجتمعوا في منزل سليمان بن صرد الخزاعي (7) ، فلما تكاملوا قام فيهم

---------------------------
(1) عبدالله بن عمر بن الخطاب العدوي أبو عبدالرحمن ، كف بصره في آخر حياته ، وهو آخر من توفي بمكة من الصحابة ، مولده ووفاته بمكة ، سنة وفاته مختلف فيه .
الإصابة ترجمة رقم 4825 ، طبقات ابن سعد 4|105 ـ 138 ، تهذيب الأسماء 1|278 ، الأعلام 4|108 .
(2) ر . ع : إليه .
(3) ع . ب : أما تعلم.
(4) ع . ب : أخذ عزيزٍ ذي انتقام .
(5) لفظ : الله، لم يرد في ر .
(6) الكوفة بالضم : المصر المشهور بأرض بابل من سواد العراق ، قيل : سميت الكوفة لاستدارتها .
معجم البلدان 4|322 .
(7) أبو مطرف سليمان بن صرد بن الجون بن أبي الجون عبد العزى بن منقذ السلولي الخزاعي ، صحابي ، من الزعماء القادة ، شهد الجمل وصفين مع علي عليه السلام ، سكن الكوفة ، ترأس التوابين ، استشهد بعين الوردة ، قتله يزيد بن الحصين .
الإصابة ترجمة رقم 3450 ، تاريخ الاسلام 3|17 ، الأعلام 3|127 .

الملهوف على قتلى الطفوف _ 103 _

  خطيباً ، وقال في آخر خطبته :
  يا معشر الشيعة ، إنكم قد علمتم بأن معاوية قد هلك وصار إلى ربه وقدم على عمله ، وقد قعد في موضعه ابنه يزيد ، وهذا الحسين بن علي عليهما السلام قد خالفه وصار إلى مكة هارباً من طواغيت آل أبي سفيان ، وأنتم شيعته وشيعة أبيه من قبله ، وقد احتاج إلى نصرتكم اليوم ، فإن كنتم تعلمون أنكم ناصروه ومجاهدوا عدوه فاكتبوا إليه ، وإن خفتم الوهن والفشل فلا تغروا الرجل من نفسه .
  قال : فكتبوا إليه :
بسم الله الرحمن الرحيم
  إلى الحسين بن علي أمير المؤمنين عليهما السلام ، من سليمان بن صرد الخزاعي والمسيب بن نجبة (1) ورفاعة بن شداد (2) وحبيب بن مظاهر (3) وعبدالله بن

---------------------------
(1) ر : نجية .
وهو المسيب بن نجبة بن ربيعة بن رياح الفزاري ، تابعي ، كان رأس قومه ، شهد القادسية وفتوح العراق ، كان مع علي عليه السلام في مشاهده ، سكن الكوفة ، ثار مع التوابين في طلب دم الحسين عليه السلام ، استشهد مع سليمان بن الصرد بالعراق سنة 65 هـ ، وكان شجاعاً بطلاً متعبداً ناسكاً .
الكامل في التاريخ 4|68 ـ 71 ، الإصابة ترجمة رقم 8424 ، الأعلام 7|225 ـ 226 .
(2) رفاعة بن شداد البجلي ، قارئ ، من الشجعان المقدمين ، من أهل الكوفة ، من شيعة علي عليه السلام ، قتل سنة 66 هـ .
الكامل في التاريخ حوادث سنة 66 هـ ، الأعلام 3|29 .
(3) حبيب بن مظاهر ـ أو مظهر أو مطهر ـ بن رئاب بن الأشتر بن حجوان الأسدي الكندي ثم الفقعسي ، تابعي ، من القواد الشجعان ، نزل الكوفة ، صحب علي عليه السلام في حروبه كلها ، وكان من شرطة الخميس ، ثم كان على ميسرة الحسين يوم كربلاء وعمره خمس وسبعون سنة ، بذل محاولة لاستقدام أنصار من بني أسد وحال الجيش الأموي دون وصولهم إلى معسكر الحسين عليه السلام ، كان معظماً عند الحسين ، وكان شخصية بارزة في مجتمع الكوفة ، ولما استشهد قال الحسين عليه السلام : احتسب .

الملهوف على قتلى الطفوف _ 104 _

  وائل (1) وسائر شيعته من المؤمنين .
  سلام الله عليك ، أما بعد ، فالحمد لله الذي قصم عدوك وعدو أبيك من قبل ، الجبار العنيد الغشوم الظلموم الذي ابتز (2) هذه الأمة أمرها ، وغصبها فيأها ، وتأمر عليها بغير رضىً منها ، ثم قتل خيارها واستبقى شرارها ، وجعل مال الله دولة بين جبابرتها وعتاتها ، فبعداً له كما بعدت ثمود .
  ثم أنه ليس علينا إمامٌ غيرك ، فأقبل لعل الله يجمعنا بك على الحق ، والنعمان ابن بشير (3) في قصر الامارة ، ولسنا نجتمع معه في جمعة ولا جماعة ، ولا نخرج معه إلى عيد ، ولو بلغنا أنك قد أقبلت أخرجناه حتى يلحق بالشام (4)

---------------------------
نفسي وحماة أصحابي ، قتله بديل بن صريم الغفقاني .
تاريخ الطبري 5|325 ـ 440 ، رجال الشيخ : 72 ، تسمية من قتل مع الحسين : 152 ، لسان الميزان 2|173 ، الكامل في التاريخ حوادث سنة 61 هـ ، الأعلام 2|166 ، أنصار الحسين : 81 ـ 82 .
(1) كذا في ع ، وفي ر : وابل .
  والظاهر أن الصحيح اسمه : عبدالله بن وال التميمي ، كما جاء اسمه في أصحاب أمير المؤمنين في رجال الشيخ : 55 ، وجاء اسمه بعد اسم قنبر مندمجاً معه ، وهو اشتباه ، وفي مخطوطة رجال الشيخ جاء اسمه قبل اسم قنبر بعدة أسماء ، وورد اسمه في شرح النهج 3|132 ، وعدة أماكن أخرى .
(2) أي : اغتصب .
(3) النعمان بن بشير بن سعد بن ثعلبة الخزرجي الأنصاري أبو عبدالله أمير شاعر ، من أهل المدينة ، وجهته نائلة ـ زوجة عثمان ـ بقميص عثمان إلى معاوية ، فنزل الشام وشهد صفين مع معاوية ، وولي القضاء بدمشق ، وولي بعده اليمن لمعاوية ، ثم استعمله على الكوفة ، وعزل عنها وصارت له ولاية حمص ، واستمر فيها إلى أن مات يزيد ، فبايع النعمان لابن الزبير ، وتمرد أهل حمص ، فخرج هارباً ، فأتبعه خالد بن خلي الكلاعي فقتله سنة 65 هـ .
  جمهرة الأنساب : 345 ، أسد الغابة 5|22 ، الإصابة ترجمة رقم 8730 ، الأعلام 8|36 .
(4) بالهمزة ، ويجوز أن لا يهمز ، فيكون جمع شامة ، سميت بذلك لكثرة قراها وتداني بعضها من بعض .

الملهوف على قتلى الطفوف _ 105 _

  والسلام عليك ورحمة الله وبركاته يابن رسول الله وعلى أبيك من قبل ، ولا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم .
  ثم سرحوا الكتاب ، ولبثوا يومين آخرين وأنفذوا جماعة معهم نحو ماءة وخمسين صحيفة من الرجل والإثنين والثلاثة والأربعة (1) ، يسألونه القدوم عليهم .
  وهو مع ذلك يتأنى فلا يجيبهم .
  فورد عليه في يوم واحدٍ ستمائة كتاب ، وتواترت الكتب حتى اجتمع عنده منها في نوب (2) متفرقة إثنى عشر ألف كتاب .
  ثم قدم عليه هاني بن هاني السبيعي (3) وسعيد بن عبدالله الحنفي (4) بهذا

---------------------------
فشبهت بالشامات ، حدها من الفرات إلى العريش المتاخم للديار المصرية ، وعرضها من جبلي طي من نحو القبلة إلى بحر الروم ، وبها من أمهات المدن حلب ومنبج وحماة وحمص ودمشق والبيت المقدس والمعرة وفي الساحل أنطاكية وطرابلس ...
معجم البلدان 3|311 ـ 315 .
(1) والأربعة ، لم يرد في ر .
(2) أي : فرص متفرقة .
(3) هانئ بن هانئ الهمداني الكوفي ، روى عن أمير المؤمنين علي بن أبي طالب ، وعنه أبو إسحاق السبيعي .
تهذيب التهذيب 11|22 ـ 23 .
ولم ينعته كل من ترجمه بالسبيعي ، والسبيعي بطن من بطون همدان .
(4) ر : النخعي ، وكذا فيما يأتي .
ذكر في أكثر المصادر وفي الزيارة باسم سعد ، وهو من بني حنيفة بن لجيم من بكر بن وائل ، وهو أحد الرسل الذين حملوا رسائل الكوفيين إلى الحسين عليه السلام ، من أعظم الثوار تحمساً .
تاريخ الطبري 5|419 و 353 ، مقتل الحسين للخوارزمي 1|195 و 2|20 ، المناقب 4|103 ، البحار 45|21 و 26 و 70 ، تسمية من قتل مع الحسين : 154 ، أنصار الحسين : 90 ـ 91 .

الملهوف على قتلى الطفوف _ 106 _

  الكتاب ، وهو آخر ما ورد عليه عليه السلام من أهل الكوفة ، وفيه :
بسم الله الرحمن الرحيم
  إلى الحسين بن علي أمير المؤمنين عليهما السلام .
  من شيعته وشيعة أبيه أمير المؤمنين عليه السلام .
  أما بعد ، فان الناس ينتظرونك ، لا رأي لهم غيرك ، فالعجل العجل يابن رسول الله، فقد أخضر الجناب (1) ، وأينعت الثمار ، وأعشبت الأرض، وأورقت الأشجار ، فاقدم علينا إذا شئت ، فإنما تقدم على جندٍ مجندة لك ، والسلام عليك ورحمة الله وبركاته وعلى أبيك من قبلك .
  فقال الحسين عليه السلام لهاني بن هاني السبيعي وسعيد بن عبدالله الحنفي :
  ( خبراني من اجتمع على هذا الكتاب الذي ورد علي معكما ؟ ) .
  فقالا : يابن رسول الله شبث بن ربعي (2) ، وحجار بن أبجر (3) ، ويزيد بن

---------------------------
(1) ع : اخضرت الجنات .
والجناب : الفناء ، وما قرب من محلة القوم .
(2) ر : ربيعي .
شبث بن ربعي التميمي اليربوعي أبو عبد القدوس ، شيخ مضر وأهل الكوفة في أيامه ، أدرك عصر النبوة ، ولحق بسجاح المتنبئة ، ثم عاد إلى الاسلام ، ثار على عثمان ، قاتل الحسين عليه السلام بعد أن كتب إليه يدعوه إلى المجيء ، مات بالكوفة نحو سنة 70 هـ .
وقيل : إنه لما قبض على شبث قال له إبراهيم : أصدقني ما عملت يوم الطف ؟ قال : ضربت وجهه الشريف بالسيف !! فقال له : ويلك يا ملعون ما خفت من الله تعالى ولا من جده رسول الله، ثم جعل يشرح أفخاذه حتى مات .
الإصابة ترجمة رقم 3950 ، تهذيب التهذيب 4|303 ، ميزان الاعتدال 1|440 ، الأعلام 3|154 .
(3) حجار ـ ككتان وككتاب ـ بن أبجر الكوفي ، يقال فيه : يروي عن أمير المؤمنين ، روى عنه السماك .

الملهوف على قتلى الطفوف _ 107 _

  الحارث ، ويزيد بن رويم (1)(2) ، وعروة بن قيس (3) ، وعمرو بن الحجاج (4) ، ومحمد بن عمير بن عطارد (5) .
  قال (6) : فعندها قام الحسين عليه السلام ، فصلى (7) ركعتين بين الركن والمقام ، وسأل الله الخيرة في ذلك .
  ( ثم دعا بمسلم بن عقيل (8) وأطلعه على الحال ، وكتب معه جواب كتبهم

---------------------------
ابن حرب .
الرجال في تاج العروس 2|25 .
(1) كذا في النسخ ، والظاهر وقوع خلل في العبارة ، والصحيح : ويزيد بن الحارث بن رويم، لا : ويزيد ابن الحارث ويزيد بن رويم .
(2) هو : يزيد بن الحارث بن رويم الشيباني ، أدرك عصر النبوة ، وأسلم على يد أمير المؤمنين علي بن أبي طالب عليه السلام ، وشهد اليمامة ، ونزل البصرة ، قتل في الري سنة 68 هـ .
وفي بعض المصادر : يزيد بن رويم الشيباني ، وهذه النسبة إلى جده ، والمصادر متفقة على أنه يزيد بن الحارث بن رويم .
الكامل 4|111 ، الإصابة ترجمة رقم 9398 ، تهذيب التهذيب 8|163 ، جمهرة الأنساب : 305 ، الأعلام 8|180 ـ 181 .
(3) ظاهراً الصحيح : عزرة بن قيس ، راجع : تاريخ الطبري 5|353 ، أنساب الأشراف 3|158 .
(4) ر : عمر .
وفي إرشاد المفيد : 38 : عمرو بن الحجاج الزبيدي .
(5) محمد بن عمير بن عطارد بن حاجب بن زرارة التميمي الدارمي ، من أهل الكوفة ، له مع الحجاج وغيره من أمرائها أخبار ، كان أحد أمراء الجند في صفين مع علي عليه السلام ، توفي نحو سنة 85 هـ .
المحبر : 154 و 338 و 339 ، لسان الميزان 5|330 ، الأعلام 6|319 .
(6) قال ، ليس في ر .
(7) ر : وصلى .
(8) ع : ثم طلب مسلم .
ومسلم هو ابن عقيل بن أبي طالب بن عبدالمطلب بن هاشم ، تابعي من ذوي الرأي والعلم .

الملهوف على قتلى الطفوف _ 108 _

  يعدهم بالوصول إليهم ويقول لهم ما معناه : ( قد نفذت إليكم ابن عمي مسلم ابن عقيل ليعرفني ما أنتم عليه من الرأي (1) ) .
  فسار مسلم بالكتاب حتى دخل إلى الكوفة ، فلما وقفوا على كتابه كثر استبشارهم بإتيانه إليهم ، ثم أنزلوه في دار المختار بن أبي عبيدة الثقفي (2) ، وصارت الشيعة تختلف إليه .
  فلما اجتمع إليه منهم جماعة قرأ عليهم كتاب الحسين عليه السلام وهم يبكون (3) ، حتى بايعه منهم ثمانية عشر ألفاً .

---------------------------
والشجاعة ، أمه أم ولد اشتراها عقيل من الشام ، وجه به الإمام الحسين إلى الكوفة ليأخذ له البيعة على أهلها ، فخرج من مكة في منتصف شهر رمضان سنة 60 هـ ، ودخل الكوفة في اليوم السادس من شهر شوال ، وهو أول من استشهد من أصحاب الحسين عليه السلام .
مقاتل الطالبيين : 80 ، الطبقات الكبرى 4|29 ، تسمية من قتل مع الحسين : 151 ، الكامل في التاريخ 4|8 ـ 15 ، الأخبار الطوال : 233 ، تاريخ الكوفة : 59 ، الأعلام 7|222 ، أنصار الحسين : 124 ، ضياء العينين : 13 ـ 29 .
(1) ع : من رأي جميل .
(2) الثقفي ، لم يرد في ر .
والمختار هو أبن أبي عبيدة ابن مسعود الثقفي أبو إسحاق ، من زعماء الثائرين على بني أمية ، من أهل الطائف ، انتقل إلى المدينة مع أبيه ، وبقي المختار في المدينة منقطعاً إلى بني هاشم ، تزوج عبدالله ابن عمر بن الخطاب أخت المختار صفية ، وكان المختار مع علي عليه السلام بالعراق ، وسكن البصرة بعد علي عليه السلام ، قبض عليه عبيدالله بن زياد في البصرة وحبسه ونفاه بشفاعة ابن عمر إلى الطائف ، ذهب إلى الكوفة بعد موت يزيد لأخذ الثأر من قتلة الحسين ، واستولى على الكوفة والموصل وتتبع قتلة الحسين عليه السلام ، قتله مصعب بن الزبير بعد حرب بينهما سنة 67 هـ .
الإصابة ترجمة رقم 8547 ، الفرق بين الفرق : 31 ـ 37 ، الكامل في التاريخ 4|82 ـ 108 ، تاريخ الطبري 7|146 ، الأعلام 7|192 .
(3) من قوله : فلما اجتمع ، إلى هنا لم يرد في ر .

الملهوف على قتلى الطفوف _ 109 _

  وكتب عبدالله بن مسلم الباهلي (1) وعمارة بن الوليد (2) وعمر بن سعد (3) إلى يزيد يخبرونه بأمر مسلم بن عقيل ويشيرون عليه (4) بصرف النعمان بن بشير وولاية غيره .
  فكتب يزيد إلى عبيدالله بن زياد (5) ـ وكان والياً على البصرة (6) ـ بأنه قد ولاه الكوفة وضمها إليه ، ويعرفه أمر مسلم بن عقيل وأمر الحسين عليه السلام ، ويشدد عليه في تحصيل مسلم وقتله ، فتأهب عبيدالله للمسير إلى الكوفة .

---------------------------
(1) لم يذكروه .
(2) ع : بن وليد .
لم يذكروه .
(3) عمر بن سعد بن أبي وقاص الزهري المدني ، سيره عبيدالله بن زياد على أربعة آلاف لقتال الديلم ، وكتب له عهده على الري ، ثم لما علم ابن زياد بمسير الحسين عليه السلام من مكة متجهاً إلى الكوفة كتب إلى عمر بن سعد أن يعود بمن معه ، فعاد ، فولاه قتال الحسين عليه السلام ، فاستعفاه ، فهدده وذكره ولاية الري ، فأطاع ، بعث المختار من قتل عمر بن سعد حين قيامه فقتل .
الطبقات 5|125 ، الكامل في التاريخ 4|21 ، الأعلام 5|47 .
(4) ر : بأمر مسلم بن عقيل ويشيرونه ، ع : بأمر مسلم ويشيرون عليه .
(5) عبيدالله بن زياد بن أبيه ، ولد بالبصرة ، وكان مع والده لما مات بالعراق ، قصد الشام فولاه عمه معاوية خراسان سنة 53 هـ وبقي فيها سنتين ، ونقله معاوية إلى البصرة أميراً عليها سنة 55 ، وأقره يزيد على امارته سنة 60 هـ ، وكانت فاجعة الطف في أيامه وعلى يده ، وبعد هلاك يزيد بايع أهل البصرة لعبيد الله، ثم لم يلبثوا أن وثبوا عليه ، فهرب متخبئاً إلى الشام ، ثم عاد يريد العراق ، فلحق به إبراهيم الأشتر فاقتتلا وتفرق أصحاب عبيدالله فقتله ابن الاشتر في خازر من أرض الموصل ، ويدعى عبدالله بابن مرجانة ، وهي أمه كانت معروفة بالفسق والفجور .
تاريخ الطبري 6|166 و 7|18 و 144 ، الأعلام 4|193 .
(6) البصرة بلدة إسلامية بنيت في خلافة عمر في السنة 18 من الهجرة ، سميت بذلك لأن البصرة الحجارة الرخوة ، وهي كذلك، فسميت بها ، والبصرتان : البصرة والكوفة .
مجمع البحرين 3|225 ـ 226 .

الملهوف على قتلى الطفوف _ 110 _

  وكان الحسين عليه السلام قد كتب إلى جماعة من أشراف البصرة كتاباً مع مولى له اسمه سليمان ويكنى أبا رزين (1) يدعوهم فيه إلى نصرته ولزوم طاعته ، منهم يزيد بن مسعود النهشلي (2) والمنذر بن الجارود العبدي (3) .
  فجمع يزيد بن مسعود بني تميم وبني حنظلة وبني سعد (4) ، فلما حضروا قال : يا بني تميم كيف ترون موضعي منكم وحسبي فيكم ؟
  فقالوا : بخٍّ بخٍّ ، أنت والله فقرة الظهر ورأس الفخر (5) ، حللت في الشرف وسطاً ، وتقدمت فيه فرطاً .
  قال : فإني قد جمعتكم لأمرٍ أريد أن أشاوركم فيه وأستعين بكم عليه .
  فقالوا : والله إنما نمنحك (6) النصيحة ونجهد (7) لك الرأي ، فقل نسمع (8) .

---------------------------
(1) كان مولى للحسين ، أرسله إلى أهل البصرة ، وسلمه أحد من أرسل إليهم من زعماء البصرة إلى عبدالله فقتله ، وذكر بعض المؤرخين أنه استشهد مع الحسين عليه السلام ، والظاهر أنه وقع خلط بين هذا وبين سليمان آخر استشهد مع الحسين عليه السلام .
تاريخ الطبري 5|357 ـ 358 ، مقتل الخوارزمي 1|199 ، بحار الأنوار 44|337 ـ 340 ، أنصار الحسين : 74 ، ضياء العينين : 39 ـ 40 .
(2) لم يذكروه .
(3) المنذر بن الجارود بن عمرو بن خنيس العبدي ، ولد في عقد النبي وشهد الجمل مع علي عليه السلام ، وولاه علي إمرة اصطخر ، ثم بلغه عنه ما ساءه فكتب إليه كتاباً وعزله ، ولاه عبيدالله بن زياد ثغر الهند سنة 61 هـ ، فمات فيها آخر سنة 61 هـ .
الإصابة ترجمة رقم 8336 ، جمهرة الأنساب : 279 ، الأغاني 11|117 ، الأعلام 7|292 .
(4) ر : سعيد .
(5) ر : الفجر .
(6) ب : فقالوا انما والله نمنحك ، ع : إنا والله نمنحك .
(7) ب : ونحمد .
(8) ب : فقل حتى نسمع .

الملهوف على قتلى الطفوف _ 111 _

  فقال : إن معاوية قد (1) مات ، فأهون به والله هالكاً ومفقوداً ، ألا وإنه قد انكسر باب الجور والإثم، وتضعضعت أركان الظلم ، وقد كان أحدث بيعةً عقد بها أمراً وظن أنه قد أحكمه ، وهيهات والذي أراد ، اجتهد والله ففشل ، وشاور فخذل ، وقد قام ابنه (2) يزيد ـ شارب الخمور ورأس الفجور ـ يدعي الخلافة على المسلمين ويتأمر عليهم بغير رضىً منهم (3) ، مع قصر حلمٍ وقلة علمٍ ، لا يعرف من الحق موطئ قدمه ، فأقسم بالله قسماً مبروراً لجهاده على الدين أفضل من جهاد المشركين .
  وهذا الحسين بن علي ابن بنت رسول الله صلى الله عليه وآله (4) ، ذو الشرف الأصيل والرأي الأثيل ، له فضلٌ لا يوصف وعلمٌ لا ينزف ، وهو (5) أولى بهذا الأمر ، لسابقته وسنه وقدمه (6) وقرابته ، يعطف على الصغير ويحنو على الكبير ، فأكرم به راعي رعية وإمام قوم ، وجبت لله به الحجة (7) وبلغت به الموعظة .
  فلا تعشوا عن نور الحق ولا تسكعوا في وهدة الباطل (8) ، فقد كان صخر

---------------------------
(1) قد ، لم ترد في ب . ع .
(2) ابنه ، لم يرد في ر . ب .
(3) بغير رضى منهم ، لم يرد في ر . ب .
(4) ر ، ب : ابن رسول الله.
(5) ر : له فضل لا يوصف وهو .
(6) ب : وقدمته .
(7) ر : وجبت لله الحجة ، ب : وحيت لله به الحجة ، ع : وحببت لله به الحجة ، والمثبت ملفق من هذه النسخ .
(8) ر : فلا تعشوا عن نور الحق ولا تكسعوا في الباطل ، ب : ولا تعشوا ...، ع : وهد الباطل... والتسكع : التمادي في الباطل .

الملهوف على قتلى الطفوف _ 112 _

  ابن قيس (1) قد (2) انخذل بكم يوم الجمل ، فاغسلوها بخروجكم إلى ابن رسول الله صلى الله عليه وآله ونصرته ، والله لا يقصر أحدٌ عن نصرته إلا أورثه الله الذل في ولده والقلة في عشيرته .
  وها أنا قد لبست للحرب لامتها وأدرعت لها بدرعها ، من لم يقتل يمت ومن يهرب لم يفت ، فأحسنوا رحمكم الله رد الجواب .
  فتكلمت بنو حنظلة ، فقالوا : يا أبا خالد نحن نبل كنانتك وفارس عشيرتك ، إن رميت بنا أصبت ، وإن غزوت بنا فتحت ، لا تخوض والله غمرةً إلا خضناها ، ولا تلقى والله شدة إلا لقيناها ، ننصرك بأسيافنا ونقيك بأبداننا (3) ، فانهض لما شئت .
  وتكلمت بنو سعد بن زيد (4) ، فقالوا : يا أبا خالد إن أبغض الأشياء إلينا خلافك والخروج عن رأيك ، وقد كان صخر بن قيس أمرنا بترك القتال فحمدنا أمرنا وبقي عزنا فينا ، فأمهلنا نراجع المشورة ونأتك برأينا (5) .
  وتكلمت بنو عامر بن تميم فقالوا : يا أبا خالد نحن بنو أبيك وحلفاؤك (6) ، لا نرضى إن غضبت ولانقطن إن ضعنت ، والأمر إليك ، فادعنا نجبك ومرنا نطعك ، والأمر إليك إذا شئت .

---------------------------
(1) يعرف بالأحنف لقب له لحنف كان في رجله ، واختلفوا في اسمه ، فقيل : صخر ، وقيل : الضحاك ، ولد في البصرة ، وأدرك النبي ولم يره ، اعتزل يوم الجمل ، توفي في الكوفة .
الطبقات 7|66 ، جمهرة الأنساب : 206 ، تاريخ الاسلام 3|129 ، الأعلام 1|276 ـ 277 .
(2) قد ، لم يرد في ب . ع .
(3) ب : ونقيك بأبداننا إذا شئت ، ع : إذا شئت فافعل .
(4) ع : يزيد .
(5) ر : نراجع المشهورة ونأتك برأينا ، ب : نراجع المشورة ويأتيك رأينا .
(6) ر : وخلفاؤك .

الملهوف على قتلى الطفوف _ 113 _

  فقال : والله يا بني سعد لئن فعلتموها لا يرفع الله عنكم السيف أبداً ، ولا يزال سيفكم فيكم .
  ثم كتب الى الحسين عليه السلام .
بسم الله الرحمن الرحيم
  أما بعد ، فقد وصل إلي كتابك ، وفهمت ما ندبتني إليه ودعوتني له من الأخذ بحظي من طاعتك والفوز بنصيبي من نصرتك ، وأن الله لم يخل الأرض من عاملٍ عليها بخير ودليل على سبيل النجاة ، وأنتم حجة الله على خلقه ووديعته (1) في أرضه ، تفرعتم من زيتونة أحمدية هو أصلها وأنتم فرعها ، فأقدم سعدت بأسعد طائر ن فقد ذللت لك أعناق بني تميم وتركتهم أشد تتابعأً لك من الإبل الظلماء يوم خمسها لورود الماء ، وقد ذللت لك رقاب بني سعد وغسلت لك درن صدورها بماء سحابة مزن حتى استهل برقها فلمع .
  فلما قرأ الحسين عليه السلام الكتاب قال : ( آمنك (2) الله يوم الخوف وأعزك وأرواك يوم العطش الأكبر ) .
  فلما تجهز المشار إليه للخروج إلى الحسين عليه السلام بلغه قتله قبل أن يسير ، فجزع من انقطاعه عنه .
  وأما المنذر بن الجارود ، فإنه جاء بالكتاب والرسول إلى عبيدالله بن زياد ، لأن المنذر خاف أن يكون الكتاب دسيساً من عبيدالله بن زياد ، وكانت بحرية بنت المنذر (3) زوجة لعبيدالله (4) ، فأخذ عبيدالله الرسول فصلبه ، ثم صعد

---------------------------
(1) ر : ووديعة .
(2) ع : قال : مالك آمنك .
(3) ر : بحيرة ابنت المنذر .
لم يذكروها .
(4) ب : تحت عبيدالله بن زياد .

الملهوف على قتلى الطفوف _ 114 _

  المنبر فخطب وتوعد أهل البصرة على الخلاف وإثارة الإرجاف .
  ثم بات تلك الليلة ، فلما أصبح استناب (1) عليهم أخاه عثمان بن زياد (2) ، وأسرع هو إلى قصد الكوفة .
  فلما قاربها نزل حتى أمسى ، ثم دخلها ليلاً ، فظن أهلها أنه الحسين عليه السلام ، فتباشروا بقدومه ودنوا منه ، فلما عرفوا أنه ابن زياد تفرقوا عنه ، فدخل قصر الامارة وبات ليلته إلى الغداة ، ثم خرج وصعد المنبر وخطبهم وتوعدهم على معصية السلطان ووعدهم مع الطاعة بالإحسان .
  فلما سمع مسلم بن عقيل بذلك خاف على نفسه من الاشتهار ، فخرج من دار المختار وقصد دار هاني بن عروة (3) ، فآواه وكثر اختلاف الشيعة إليه ، وكان عبدالله بن زياد قد وضع المراصد عليه .
  فما علم أنه في دار هاني دعا محمد بن الأشعث (4) وأسماء بن خارجة (5)

---------------------------
(1) ر : استأمر .
(2) لم أعثر على من ترجم له .
(3) هاني بن عروة الغطيفي المرادي ، من مذحج ، أحد سادات الكوفة وأشرافها ، أدرك النبي وصحبه ، ومن أصحاب وخواص أمير المؤمنين ، شارك في حروب الجمل وصفين والنهروان ، من أركان حركة حجر بن عدي الكندي ضد زياد بن أبيه ، قتله عبيدالله بن زياد في اليوم الثامن من ذي الحجة سنة 60 هـ وبعث برأسه مع رأس مسلم إلى يزيد .
تسمية من قتل مع الحسين : 156 ، الكامل 4|10 ـ 15 ، المحبر : 480 ، النقائض : 246 ، التاج 3|359 ، رغبة الآمل 2|86 ، جمهرة الأنساب : 382 ، الأعلام 8|68 ، أنصار الحسين : 124 ـ 125 ، ضياء العينين : 30 ـ 38 .
(4) محمد بن الأشعث بن قيس الكندي ، أبو القاسم ، من أصحاب مصعب بن الزبير ، قتل سنة 67 هـ .
الإصابة ترجمة رقم 8504 ، الأعلام 6|39 .
(5) أسماء بن خارجة بن حصين الفزاري ، تابعي ، من رجال الطبقة الأولى من أهل الكوفة ، توفي سنة 66 هـ .
فوات الوفيات 1|11 ، تاريخ الاسلام 2|372 ، النجوم الزهراة 1|179 ، الأعلام 1|305 .

الملهوف على قتلى الطفوف _ 115 _

  وعمرو بن الحجاج وقال : ما يمنع هاني بن عروة من إتياننا ؟
  فقالوا : ماندري ، وقد قيل : إنه يشتكي .
  فقال : قد بلغني ذلك وبلغني أنه قد برء وأنه يجلس على باب داره ، ولو أعلم أنه شاك لعدته ، فالقوه ومروه أن لايدع ما يجب عليه من حقنا ، فإني لا أحب أن يفسد عندي (1) مثله ، لأنه من أشراف العرب .
  فأتوه حتى وقفوا عليه عشية على بابه ، فقالوا : ما يمنعك من لقاء الأمير ، فإنه قد ذكرك وقال : لو أعلم أنه شاكٍ لعدته .
  فقال لهم : الشكوى تمنعني .
  فقالوا له : إنه قد بلغه إنك تجلس على باب دارك كل عشية ، وقد استبطاك ، والإبطاء والجفاء لايحتمله السلطان من مثلك ، لأنك سيدٌ في قومك ، ونحن نقسم عليك إلا ما ركبت معنا إليه . فدعا بثيا به فلبسها وفرسه فركبها ، حتى إذا دنا من القصر كأن نفسه قد أحست ببعض الذي كان ، فقال لحسان بن أسماء بن خارجة (2) : يابن أخي إني والله من هذا الرجل لخائف ، فما ترى ؟ فقال : والله يا عم ما أتخوف عليك شيئاً ، فلا تجعل على نفسك سبيلاً ، ولم يك حسان يعلم في أي شيء بعث عبيدالله بن زياد ، فجاء هاني والقوم معه حتى دخلوا جميعاً على عبيدالله ، فلما رأى هانياً قال : أتتك بخائن (3) رجلاه ، ثم التفت إلى شريح القاضي (4) ـ وكان جالساً عنده ـ وأشار إلى هاني وأنشد بيت

---------------------------
(1) ر : علي .
(2) لم يذكروه .
(3) كذا في النسخ ، والظاهر أن الصحيح : حائن ، وهو الذي حان حينه وهلاكه ، راجع مجمع الأمثال للميداني .
(4) شريح بن الحارث بن قيس بن الجهم الكندي ، أبو أمية ، توفي سنة 78 هـ ، أصله من اليمن ، ولي.

الملهوف على قتلى الطفوف _ 116 _

  بن معدي كرب الزبيدي (1) :
أريـد حـياته ويريد iiقتلي      عذيرك من خليلك من مراد
  فقال له هاني : وما ذاك أيها الأمير ؟
  فقال له : إيهاً يا هاني ، ما هذه الأمور التي تربص في دارك لأمير المؤمنين وعامة المسلمين ؟ جئت بمسلم بن عقيل فأدخلته دارك وجمعت له السلاح والرجال في الدور حولك وظننت أن ذلك يخفى علي .
  فقال : ما فعلت .
  فقال ابن زياد : بلى قد فعلت .
  فقال : ما فعلت أصلح الله الأمير .
  فقال ابن زياد : علي بمعقل (2) مولاي ـ وكان معقل عينه على أخبارهم ، وقد عرف كثيراً من أسرارهم ـ فجاء معقل حتى وقف بين يديه .
  فلما رآه هاني عرف أنه كان عيناً عليه ، فقال : أصلح الله الأمير والله ما بعثت إلى مسلم ولا دعوته ، ولكن جاءني مستجيراً ، فاستحييت من رده ، ودخلني

---------------------------
قضاء الكوفة في زمن عمر وعثمان وعلي ومعاوية ، واستعفى في أيام الحجاج فأعفاه سنة 77 هـ .
الطبقات 6|90 ـ 100 ، وفيات الأعيان 1|224 ، حلية الأولياء 4|132 ، الأعلام 3|161 .
(1) ر : وأنشد بيت معدي كرب الزبيدي .
وعمرو بن معدي كرب بن ربيعة بن عبدالله الزبيدي ، فارس اليمن وصاحب الغارات المذكورة ، وفد على المدينة سنة 9 هـ في عشرة من بني زبيد فأسلم وأسلموا ، يكنى أبا ثور ، توفي على مقربة من الري سنة 21 هـ ، وقيل : قتل عطشاً يوم القادسية .
الاصابة ترجمة رقم 5972 ، الطبقات 5|383 ، خزانة الأدب 1|425 ـ 426 ، الأعلام 5|86 .
(2) لم يذكروه ، وهو ملعون خبيث .

الملهوف على قتلى الطفوف _ 117 _

  من ذلك ذمام فآويته ، فأما إذ قد عمت فخل سبيلي حتى أرجع إليه وآمره بالخروج من داري إلى حيث شاء من الأرض، لأخرج بذلك من ذمامه وجواره .
  فقال له ابن زياد : والله لا تفارقني أبداً حتى تأتيني به .
  فقال : والله لا آتيك به أبداً ، آتيك بضيفي حتى تقتله !
  فقال : والله لتأتيني به .
  قال : والله لا آتيك به .
  فلما كثر الكلام بينهما ، قام مسلم بن عمرو الباهلي (1) فقال : أصلح الله الأمير أخلني وإياه حتى أكلمه ، فقام فخلى به ناحية ـ وهما بحيث يراهما ابن زياد ويسمع كلامهما ـ إذ رفعا أصواتهما .
  فقال له مسلم : يا هاني أنشدك الله أن لا تقتل نفسك وتدخل البلاء على عشيرتك ، فوالله إني لأنفس بك عن القتل ، إن هذا الرجل ابن عم القوم وليسوا بقاتليه ولا ضاريه ، فادفعه إليه ، فإنه ليس عليك بذلك مخزاة ولا منقصة ، وإنما تدفعه إلى السلطان .
  فقال هاني : والله إن علي في ذلك الخزي والعار ، أنا أدفع جاري وضيفي ورسول ابن رسول الله إلى عدوه وأنا صحيح الساعدين وكثير الأعوان ! والله لو لم أكن إلا رجلاً واحداً ليس لي ناصر لم أدفعه حتى أموت دونه .
  فأخذ يناشده ، وهو يقول : والله لا أدفعه .
  فسمع ابن زياد ذلك ، فقال : أدنوه مني ، فأدني منه ، فقال : والله لتأتيني به أو لأضربن عنقك .

---------------------------
(1) ر : مسلم بن عمر ، وفي بعض النسخ : مسلم بن عمير الباهلي .
لم يذكروه .

الملهوف على قتلى الطفوف _ 118 _

  فقال هاني : إذن والله تكثر البارقة حول دارك .
  فقال ابن زياد : والهفاه عليك ، أبا البارقة تخوفني ـ وهاني يظن أن عشيرته يسمعونه ـ ثم قال : أدنوه مني ، فأدني منه ، فاستعرض وجهه بالقضيب ، فلم يزل يضرب أنفه وجبينه وخده حتى كسر أنفه وسيل الدماء على ثيابه ونثر لحم خده وجيبنه على لحيته وانكسر القضيب .
  فضرب هاني يده إلى قائم سيف شرطي ، فجذبه ذلك الرجل ، فصاح (1) ابن زياد : خذوه فجروه حتى ألقوه في بيتٍ من بيوت القصر واغلقوا (2) عليه بابه ، وقال : اجعلوا عليه حرساً ، ففعل ذلك به .
  فقام أسماء بن خارجة إلى عبيدالله بن زياد ـ وقيل : إن القائم حسان بن أسماء ـ فقال : أرسل غدرٍ سائر اليوم (3) ، أيها الأمير أمرتنا أن نجيئك بالرجل ، حتى إذا (4) جئناك به هشمت وجهه وسيلت دماءه على لحيته وزعمت أنك تقتله .
  فغضب ابن زياد من كلامه وقال : وأنت ها هنا ! وأمر به فضرب حتى ترك وقيد وحبس (5) في ناحية من القصر .
  فقال : إنا لله وإنا إليه راجعون ، إلى نفسي أنعاك يا هاني .
  قال الراوي (6) : وبلغ عمرو (7) بن الحجاج أن هانياً قد قتل ـ وكانت رويحة

---------------------------
(1) ر : فقال .
(2) ر : وأغلق .
(3) ع : القوم .
(4) إذا ، لم يرد في ر .
(5) ر : وأجلس .
(6) الراوي ، لم يرد في ر .
(7) ر : عمر .

الملهوف على قتلى الطفوف _ 119 _

  ابنة عمرو (1) هذا تحت هاني بن عروة ـ فأقبل عمرو في مذحج كافة حتى أحاط بالقصر ونادى : أنا عمرو بن الحجاج وهذه فرسان مذحج ووجوهها (2) لم تخلع طاعة ولم تفارق جماعة ، وقد بلغنا أن صاحبنا هانياً قد قتل ، فعلم عبيدالله باجتماعهم وكلامهم ، فأمر شريحاً القاضي أن يدخل على هاني فيشاهده ويخبر قومه بسلامته من القتل ، ففعل ذلك وأخبرهم ، فرضوا بقوله وانصرفوا ، قال (3) : وبلغ الخبر إلى مسلم بن عقيل ، فخرج بمن بايعه إلى حرب عبيدالله ، فتحصن منه بقصر الامارة ، واقتتل أصحابه وأصحاب مسلم .
  وجعل أصحاب عبيدالله الذين معه في القصر يتشرفون منه (4) ويحذرون أصحاب مسلم ويتوعدونهم بجنود الشام ، فلم يزالوا كذلك حتى جاء الليل . فجعل أصحاب مسلم يتفرقون عنه ، ويقول بعضهم لبعض : ما نصنع بتعجيل الفتنة ، وينبغي أن نقعد في منازلنا وندع هؤلاء القوم حتى يصلح الله ذات بينهم .
  فلم يبق معه سوى عشرة أنفس ، ودخل مسلم المسجد ليصلي المغرب ، فتفرق العشرة عنه .
  فلما رأى ذلك خرج وحيداً في سكك الكوفة ، حتى وقف على باب امرأة يقال لها طوعة (5) ، فطلب منها ماءً فسقته ، ثم استجارها فأجارته ، فعلم به

---------------------------
(1) لم أهتد إلى من ترجم لها .
(2) ر : ووجوهنا .
(3) قال ، لم يرد في ر .
(4) منه، لم يرد في ر .
(5) كانت أم ولد للأشعث بن قيس الكندي ، وقد كان لها ابن من غيره يقال له بلال بن أسيد ، أعتقها .

الملهوف على قتلى الطفوف _ 120 _

  ولدها ، فوشى الخبر إلى عبيدالله بن زياد ، فأحضر محمد بن الأشعث وضم إليه جماعة وأنفذه لإحضار مسلم ، فلما بلغو دار المرأة وسمع مسلم وقع حوافر الخيل ، لبس درعه وركب فرسه وجعل يحارب أصحاب عبيدالله .
  ولما قتل مسلم منهم جماعة نادى إليه (1) محمد بن الأشعث : يا مسلم لك الأمان .
  فقال له مسلم : وأي أمان للغدرة الفجرة ، ثم أقبل يقاتلهم ويرتجز بأبيات حمران بن مالك الخثعمي (2) يوم القرن حيث يقول :
أقـسمت لا أقـتل إلا iiحراً      وإن رأيت الموت شيئاً نكرا
أكـره  أن أخـدع أو iiأغرا      أو  أخـلط البارد سخناً مرا
كل  امرىءٍ يوماً يالقي iiشرا      أضـربكم  ولا أخاف iiضرا
  فقالوا له : إنك لا تخدع (3) ولا تغر ، فلم يلتفت إلى ذلك ، وتكاثروا عليه بعد أن أثخن بالجراح ، فطعنه رجل من خلفه ، فخر إلى الأرض، فأخذ أسيراً .
  فلما أدخل على عبيدالله بن زياد لم يسلم عليه ، فقال له الحرسي : سلم على الأمير .

---------------------------
الأسيد الحضرمي .
الكامل في التاريخ 4|31 ، وراجع اعلام النساء المؤمنات : 363 ـ 364 وما ذكر فيه من مصادر ترجمتها .
(1) ر : حتى قتل منهم جماعة فناداه .
(2) لم أعثر على من ترجم له .
(3) ب : فنادى إليه إنك لا تكذب ولا تغر .

الملهوف على قتلى الطفوف _ 121 _

  فقال له : اسكت يا ويحك والله (1) ما هو لي بأمير .
  فقال ابن زياد : لا عليك سلمت أم لم تسلم ، فإنك مقتول .
  فقال له مسلم: إن قتلتني فلقد قتل من هو شرٌّ منك من هو خيرٌ مني ، وبعد فإنك لا تدع سوء القتلة وقبح المثلة وخبث السريرة ولؤم الغلبة ، لا أحد أولى بها منك (2) .
  فقال له ابن زياد : يا عاق يا شاق ، خرجت على إمامك وشققت عصى المسلمين ، وألقحت الفتنة بينهم .
  فقال له مسلم : كذبت يابن زياد ، إنما شق عصى المسلمين معاوية وابنه يزيد ، وأما الفتنة فإنما ألقحها أنت وأبوك زياد بن عبيد عبد بني علاج من ثقيف (3) ، وأنا أرجوا أن يرزقني الله الشهادة على يدي أشر البرية (4) .
  فقال ابن زياد : منتك نفسك أمراً ، حال الله دونه ولم يرك له أهلاً وجعله لأهله .
  فقال مسلم : ومن أهله يابن مرجانة ؟
  فقال : أهله يزيد بن معاوية !
  فقال مسلم : الحمد الله، رضينا بالله حكماً بيننا وبينكم .

---------------------------
(1) ياويحك والله، لم يرد في ر .
(2) وبعد فإنك ... أولى بها منك ، لم يرد في ب .
(3) قال السيد الخوئي : زياد بن عبيد ... هذا هو زياد بن أبيه ، وأمه سيمة المعروفة ، وقصة إلحاقه بأبي سفيان مشهورة ، ونغله عبيدالله قاتل الحسين عليه السلام .
وليت شعري كيف عد العلامة وابن داود هذا اللعين ابن اللعين ابا اللعين في القسم الأول من كتابيهما ، وكأنهما لم يلتفتا إلى أن زياد بن عبيد هو زياد المعروف بأمه ، والله العالم .
معجم رجال الحديث 7|309.
(4) ب ، ع : شر بريته .

الملهوف على قتلى الطفوف _ 122 _

  فقال ابن زياد : أتظن أن لك من الأمر شيئاً .
  فقال مسلم : والله ما هو الظن ، ولكنه اليقين .
  فقال ابن زياد : أخبرني يا مسلم لم أتيت هذا البلد وأمرهم ملتئمٌ فشتت أمرهم (1) بينهم وفرقت كلمتهم ؟
  فقال له مسلم : ما لهذا أتيت ، ولكنكم أظهرتم المنكر ودفنتم المعروف وتأمرتم على الناس بغير رضىً منهم وحملتموهم على غير ما أمركم به الله، وعملتم فيهم بأعمال كسرى وقيصر ، فأتيناهم لنأمر فيهم بالمعروف وننهى عن المنكر وندعوهم إلى حكم الكتاب والسنة ، وكنا أهل ذلك كما أمر رسول الله صلى الله عليه وآله .
  فجعل ابن زياد لعنه الله يشتمه ويشتم علياً والحسن والحسين عليهم السلام !
  فقال له مسلم : أنت وأبوك أحق بالشتم ، فاقض ما أنت قاض يا عدو الله.
  فأمر ابن زياد بكير بن حمران (2) أن يصعد به إلى أعلا القصر فيقتله ، فصعد به ـ وهو يسبح الله تعالى ويستغفره ويصلي على نبيه صلى الله عليه وآله وسلم ـ فضرب عنقه ، ونزل وهو مذعور .
  فقال له ابن زياد : ما شأنك ؟
  فقال: أيها الأمير رأيت ساعة قتله رجلاً أسوداً شنيء (3) الوجه حذاي عاضاً على إصبعه ـ أو قال شفتيه ـ ففزعت فزعاً لم أفزعه قط .
  فقال ابن زياد : لعلك دهشت .
  ثم أمر بهاني بن عروة ، فأخرج ليقتل ، فجعل يقول : وامذحجاه وأين مني

---------------------------
(1) أمرهم ، لم يرد في ر .
(2) في كتاب مستدركات علم الرجال 2 | 50 : بكر بن حمران الأحمري ، خبيث ملعون ، قاتل مسلم ابن عقيل .
(3) ب ، ع : سيء .

الملهوف على قتلى الطفوف _ 123 _

  مذحج ! واعشيرتاه وأين مني عشيرتي !
  فقالوا له : يا هاني مد عنقك .
  فقال : والله ما أنا بها سخي ، وما كنت لأعينكم على نفسي .
  فضربه غلام لعبيد الله بن زياد يقال له رشيد (1) فقتله .
  وفي قتل مسلم وهاني يقول عبدالله بن زبير الأسدي (2) ، ويقال : إنه للفرزدق (3) :
فإن كنت لا تدرين ما الموت فانظري      إلـى  هـاني في السوق وابن iiعقيل
إلـى بـطل قـد هشم السيف iiوجهه      وآخـر يـهوى مـن جـدار iiقـتيل
أصـابهما جـور الـبغى iiفـأصبحا      أحاديث  من يسعى (4) بكل سبيل
تـرى جـسداً قـد غير الموت iiلونه      ونـضح  دم قـد سـال كـل iiمسيل
فـتىً  كـان أحـيى مـن فتاة iiحييةً      واقـطع  مـن ذي شـفرتين iiصقيل
أيـركـب أسـمـا الـهماليج آمـناً      وقــد  طـلـبته مـذحج iiبـذحول
تـطـوف  حـواليه مـراد iiوكـلهم      عـلى  أهـبة مـن سـائل iiومسول

---------------------------
(1) لم يذكروه ، وهو خبيث ملعون .
(2) عبدالله بن الزبير بن الأعشى واسمه قيس بن بجرة بن قيس بن منقذ بن طريف بن عمرو بن قعين الأسدي .
أدب الطف 1|146 .
(3) ع : ويقال إنها للفرزدق وقال بعضهم إنها لسليمان الحنفي .
والفرزدق هو : همام بن غالب بن صعصعة التميمي الدارمي ، أبو فراس ، شاعر من النبلاء من أهل البصرة ، عظيم الأثر في اللغة ، كان شريفاً في قومه ، وكان أبوه من الأجواد الأشراف ، وكذلك جده ، توفي في بادية البصرة سنة 110 هـ وقد قارب المائة من عمره .
خزانة الأدب 1|105 ـ 108 ، جمهرة أشعار العرب : 163 ، الأعلام 8|93 .
(4) ع : يسري .

الملهوف على قتلى الطفوف _ 124_

فـإن أنـتم لـم تـثأروا iiبأخيكم      فكونوا بغيا أرضيت بقليل (1)
  قال الراوي (2) : وكتب عبيدالله بن زياد بخبر مسلم وهاني إلى يزيد بن معاوية .
  فأعاد عليه الجواب يشكره فيه على فعاله وسطوته ، ويعرفه أن قد بلغه توجه الحسين عليه السلام إلى جهته ، ويأمره عند ذلك بالمؤاخذة والإنتقام والحبس على الظنون والأوهام .
  وكان قد توجه الحسين عليه السلام من مكة يوم الثلاثاء (3) لثلاث مضين من ذي الحجة ، وقيل : لثمان مضين من ذي الحجة (4) سنة ستين من الهجرة ، قبل أن يعلم بقتل مسلم ، لأنه عليه السلام خرج من مكة في اليوم الذي قتل فيه مسلم رضوان الله عليه .
  وروى أبو جعفر محمد بن جرير الطبري الإمامي (5) في كتاب دلائل الإمامة (6) قال : حدثنا أبو محمد سفيان بن وكيع (7) ، عن أبيه

---------------------------
(1) ع : أرغمت ببعول .
(2) الراوي ، لم يرد في ع .
(3) يوم الثلاثاء ، لم يرد في ب .
(4) وقيل لثمان مضين من ذي الحجة ، لم يرد في ب . وفي ع : وقيل يوم الأربعاء لثمان مضين من ذي الحجة .
(5) قال الشيخ الطهراني في الذريعة 8|241 : أبو جعفر محمد بن جرير بن رستم الطبري الآملي المازندراني ، المتأخر عن محمد بن جرير الطبري الكبير ، والمعاصر للشيخ الطوسي المتوفى سنة 460 هـ والنجاشي المتوفى سنة 450 هـ ، والشاهد على ذلك أمور : ...
(6) دلائل الإمامة أو دلائل الأئمة ألفه بعد 411 هـ ، قال الشيخ الطهراني : وأول من نقل عن هذا الكتاب هو السيد علي بن طاووس ...، وقد ذكرنا أن مكتبة ابن طاووس كانت تشتمل في عام 605 هـ على 1500 مجلد ، ومنها نسخة تامة من هذا الكتاب ، حيث ينقل من أوائله وأواسطه وأواخره متفرقة في تصانيفه ، وكان قد ذكر فيها اسم المؤلف ، ولم تصل هذه النسخة إلى المتأخرين عنه إلا ناقصاً .
ذريعة 8|244 .
(7) في مستدركات علم الرجال 4|95 : سفيان بن وكيع ، أبو محمد ، لم يذكروه ، روى محمد بن الفرات .

الملهوف على قتلى الطفوف _ 125 _

  وكيع (1) ، عن الأعمش (2) قال : قال لي أبو محمد الواقدي (3) وزرارة ابن خلج (4) : لقينا الحسين بن علي عليهما السلام قبل أن يخرج (5) الى العراق (6) بثلاثة ، فأخبرناه بضعف الناس بالكوفة ، وأن قلوبهم معه وسيوفهم عليه .

---------------------------
الدهان عنه عن أبيه عن الأعمش ، وروى محمد بن جرير الطبري عنه عن أبيه عن الأعمش ، وروى عنه في دلائل الطبري كثيراً في أبواب المعجزات .
(1) وكيع بن الجراح بن مليح الرؤاسي ، أبو سفيان ، حافظ للحديث ، كان محدث العراق في عصره ، ولد بالكوفة ، توفي بفيد راجعاً من الحج سنة 197 هـ ، وقيل : 199 هـ ، وقيل : غير ذلك .
تذكرة الحفاظ 1|282 ، حلية الأولياء 8|368 ، ميزان الإعتدال 3|270 ، تاريخ بغداد 13|466 ، الأعلام 8|117 .
(2) سليمان بن مهران الأسدي بالولاء ، تابعي ، أصله من بلاد الري ، ومنشؤه ووفاته بالكوفة ، يروي نحو 1300 حديثاً ، توفي سنة 148 هـ .
الطبقات 6|238 ، الوفيات 1|213 ، تاريخ بغداد 9|3 ، الأعلام 3|135 .
(3) ر : الوافدي .
لم يذكروه .
(4) ب : زرارة بن صالح .
وذكر في مستدركات علم الرجال 3|425 زرارة بن خلج وزرارة بن صالح وعدهما شخصين وقال عن ابن خلج : لم يذكروه ، وهو من أصحاب الحسين عليه السلام ، رأى معجزته وإخباره إياه بشهادته وشهادة أصحابه . وقال عن ابن صالح : تشرف بلقاء الحسين قبل خروجه إلى العراق بثلاثة أيام ، وروى عنه .
والظاهر أنهما اسمان لشخص واحد ، والله العالم .
(5) ب : خروجه .
(6) العراقان : الكوفة والبصرة ، ويسمى العراق السواد ، لسواده بالزروع والنخيل والأشجار ، وحد السواد : من حديثة بالموصل طولاً إلى عبادان ، ومن العذيب بالقادسية إلى حلوان عرضاً ، وأما العراق في العرف فطوله يقصر عن طول السواد .
معجم البلدان 3|272 ، 4|93 ـ 95 .

الملهوف على قتلى الطفوف _ 126 _

  فأومأ بيده نحو السماء ، ففتحت أبواب السماء ، فنزلت الملائكة عدداً لا يحصيهم الا عز وجل .
  فقال عليه السلام : ( لولا تقارب الأشياء وحضور الأجل لقاتلتهم بهؤلاء ، ولكني أعلم يقيناً أن هناك مصرعي وهناك مصارع أصحابي ، لا ينحو منهم إلا ولدي علي ) .
  وروي أنه عليه السلام لما عزم على الخروج إلى العراق قام خطيباً ، فقال : ( الحمد لله ما شاء الله ولا قوة (1) إلا بالله وصلى الله على رسوله وسلم ، خط الموت على ولد آدم مخط القلادة على جيد الفتاة ، وما أولهني إلى اشتياق أسلافي (2) اشتياق يعقوب إلى يوسف ، وخير لي مصرعٌ أنا لاقيه ، كأني بأوصالي تقطعها ذئاب (3) الفلوات بين النواويس (4) وكربلاء ، فيملأن مني أكراشاً جوفا (5) وأجربةً سغبا ، لا محيص عن يوم خط بالقلم ، رضى الله رضانا أهل البيت ، نصبر على بلائه ويوفينا اجور الصابرين ، لن تشذ عن رسول الله صلى الله عليه وآله لحمته ، بل هي مجموعة له في حضيرة القدس ، تقر بهم عينه وينجز بهم وعده ، من كان باذلاً فينا مهجته وموطناً على لقاء الله نفسه فليرحل معنا ، فإني راحل مصبحاً إن شاء

---------------------------
(1) ب : الحمد لله وما شاء الله ولا حول ولا قوة .
(2) ب . ع : وما أولهني إلى أسلافي اشتياق .
(3) ر : تنقطعها ذباب . ب : يتقطعها عسلان . ع : تقطعها عسلان .
(4) كانت مقبرة عامة للنصارى قبل الفتح الإسلامي ، وتقع في أراضي ناحية الحسينية قرب نينوى .
تراث كربلاء : 19 .
(5) ب : أكرشاً جوافاً . ع : اكرشاً جوفاً .

الملهوف على قتلى الطفوف _ 127 _

   الله (1) ) .
  ورويت بالإسناد عن محمد بن داود القمي (2) ، بالاسناد عن أبي عبدالله عليه السلام قال : جاء محمد بن الحنفية (3) إلى الحسين عليه السلام في الليلة التي أراد الحسين الخروج في صبيحتها عن مكة .
  فقال له : يا أخي ، إن أهل الكوفة من قد عرفت غدرهم بأبيك وأخيك ، وقد خفت أن يكون حالك كحال من مضى ، فإن رأيت أن تقيم فإنك أعز من بالحرم

---------------------------
(1) من قوله : وروي أنه عليه السلام ... إلى هنا ، مقدم على قوله : وروى أبو جعفر محمد بن جرير الطبري ... في نسخة ع .
وجاء في نسخة ع بعد قوله : مصبحاً إن شاء الله.
وروى معمر بن المثنى في مقتل الحسين عليه السلام ، فقال ما هذا لفظه : فلما كان يوم التروية قدم عمر ابن سعد بن أبي وقاص إلى مكة في جندٍ كثيف ، قد أمره يزيد أن يناجز الحسين القتال إن هو ناجزه أو يقاتله إن قدر عليه ، فخرج الحسين عليه السلام يوم التروية .
ولم ترد هذه العبارة في نسخة ر . ب ، فأوردناها في الهامش لاحتمال كونها من تعليقات المصنف على الكتاب ، وأدرجت بعده في متن الكتاب .
(2) ع : ورويت من كتاب أصل لأحمد بن الحسين بن عمر بن بريدة الثقة ، وعلى الأصل أنه كان لمحمد ابن داود القمي .
ب : أحمد بن داود القمي .
هو محمد بن أحمد بن داود بن علي شيخ الطائفة أبو الحسن القمي ، توفي سنة 368 هـ ، صاحب كتاب المزار ، من أجلاء مشايخ المفيد ، ويروي عنه أيضاً الحسين بن عبيدالله بن الغضائري .
الطبقات القرن الرابع : 236 .
(3) أبو القاسم محمد الأكبر بن علي بن أبي طالب ، والحنفية لقب أمه خولة بنت جعفر ، كان كثير العلم والورع شديد القوة ، وحديث منازعته في الإمامة مع علي بن الحسين عليه السلام وإذعانه بإمامته بعد شهادة الحجر لعلي بن الحسين عليه السلام بالإمامة مشهور ، بل في بعضها : وقوعه على قدمي الإمام السجاد عليه السلام ، توفي سنة 80 هـ ، وقيل : 81 هـ .
تنقيح المقال 3|115 ، وفيات الأعيام 5|91 ، الطبقات 5|91 .

الملهوف على قتلى الطفوف _ 128 _

  وأمنعه .
  فقال : ( يا أخي قد خفت أن يغتالني يزيد بن معاوية بالحرم ، فأكون الذي يستباح به حرمة هذا البيت ) .
  فقال له ابن الحنفية : فان خفت ذلك فصر إلى اليمن (1) أو بعض نواحي البر ، فإنك أمنع الناس به ، ولا يقدر عليك أحد .
 فقال : ( أنظر فيما قلت ) .
  فلما كان السحر ارتحل الحسين عليه السلام ، فبلغ ذلك ابن الحنفية ، فأتاه ، فأخذ زمام ناقته وقد ركبها فقال : ياأخي ألم تعدني النظر فيما سألتك ؟
  فقال : ( بلى ) .
  قال : فما حداك على الخروج عاجلا ؟
  فقال : ( أتاني رسول الله صلى الله عليه وآله بعدما فارقتك ، فقال : يا حسين ، أخرج ، فإن الله قد شاء أن يراك قتيلاً ) .
  فقال محمد بن الحنفية : إنا لله وإنا إليه راجعون ، فما معنى حملك هؤلاء النساء معك وأنت تخرج على مثل هذا الحال ؟
  قال : فقال له : ( قد قال لي : إن (2) الله قد شاء أن يراهن سبايا ) ، وسلم عليه ومضى (3) .

---------------------------
(1) بالتحريك ، وهي بين عمان إلى نجران ثم يلتوي على بحر العرب إلى عدن .
معجم البلدان 5|447 .
(2) ب : قال فقال إن .
(3) من قوله : ورويت بالإسناد عن محمد بن داود ... إلى هنا لم يرد في نسخة ر ، وورد في نسخة ب . ع .
وجاء في نسخة ع بعد قوله : وسلم عليه ومضى :

الملهوف على قتلى الطفوف _ 129 _


---------------------------
وذكر محمد بن يعقوب الكليني في كتاب الرسائل ، عن محمد بن يحيى ، عن محمد بن الحسين ، عن أيوب بن نوح ، عن صفوان ، عن مروان بن إسماعيل ، عن حمزة بن حمران ، عن أبي عبدالله عليه السلام قال : ذكرنا خروج الحسين عليه السلام وتخلف ابن الحنفية عنه ، فقال أبو عبدالله عليه السلام : يا حمزة إني سأحدثك بحديث لا تسأل عنه بعد مجلسنا هذا :
إن الحسين عليه السلام لما فصل متوجهاً ، أمر بقرطاس وكتب :
بسم الله الرحمن الرحيم
من الحسين بن علي إلى بني هاشم ، أما بعد ، فإنه من لحق بي منكم استشهد ، ومن تخلف عني لم يبلغ الفتح ، والسلام .
وذكر المفيد محمد بن محمد بن النعمان رضى الله عنه في كتاب مولد النبي صلى الله عليه وآله ومولد الأوصياء صلوات الله عليهم ، بأسناده إلى أبي عبدالله جعفر بن محمد الصادق عليه السلام قال : لما سار أبو عبدالله الحسين بن علي صلوات الله عليهما من مكة ليدخل المدينة ، لقيه أفواج من الملائكة المسومين والمردفين في أيديهم الحراب على نجب من نجب الجنة ، فسلموا عليه وقالوا : يا حجة الله على خلقه بعد جده وأبيه وأخيه ، إن الله عز وجل أمد جدك رسول الله صلى الله عليه وآله بنا في مواطن كثيرة ، وأن الله أمدك بنا .
فقال لهم : الموعد حفرتي وبقعتي التي أستشهد فيها ، وهي كربلاء ، فإذا وردتها فأتوني .
فقالوا : يا حجة الله، إن الله أمرنا أن نسمع لك ونطيع ، فهل تخشى من عدو يلقاك فنكون معك ؟
فقال : لا سبيل لهم علي ولا يلقوني بكريهة أو أصل إلى بقعتي .
وأتته أفواج من مؤمني الجن ، فقالوا له : يا مولانا ، نحن شيعتك وأنصارك فمرنا بما تشاء ، فلو أمرتنا بقتل كل عدو لك وأنت بمكانك لكفيناك ذلك .
فجزاهم خيراً وقال لهم : أما قرءتم كتاب الله المنزل على جدي رسول الله صلى الله عليه وآله في قوله {قُل لَّوْ كُنتُمْ فِي بُيُوتِكُمْ لَبَرَزَ الَّذِينَ كُتِبَ عَلَيْهِمُ الْقَتْلُ إِلَى مَضَاجِعِهِمْ} ، فإذا أقمت في مكاني فبم يمتحن هذا الخلق المتعوس ، وبماذا يختبرون ، ومن ذا يكون ساكن حفرتي وقد اختارها الله تعالى لي يوم دحا الأرض، وجعلها معقلاً لشيعتنا ومحبينا ، تقبل أعمالهم وصلواتهم ، ويجاب دعاؤهم ، وتسكن شيعتنا ، فتكون لهم أماناً في الدنيا والآخرة ؟ ولكن تحضرون يوم السبت ، وهو يوم عاشوراء ـ في غير هذه الرواية يوم الجمعة ـ الذي في آخره أقتل ، ولا يبقى بعدي مطلوب من أهلي ونسبي وإخواني وأهل بيتي ، ويسار رأسي إلى يزيد بن معاوية لعنهما الله.

الملهوف على قتلى الطفوف _ 130 _

  ثم سار الحسين عليه السلام حتى مر بالتنعيم (1) ، فلقي هناك عيراً تحمل هدية قد بعث بها بحير بن ريسان الحميري (2) عامل اليمن إلى يزيد بن معاوية فأخذ عليه السلام الهدية ، لأن (3) حكم أمور المسلمين إليه .
  ثم قال لأصحاب الجمال : ( من أحب أن (4) ينطلق معنا إلى العراق وفيناه كراه وأحسنا صحبته ، ومن أحب أن يفارقنا أعطيناه كراه (5) بقدر ما قطع من الطريق ) .
  فمضى معه قوم وامتنع آخرون .

---------------------------
فقالت الجن : نحن والله يا حبيب الله وابن حبيبه لولا أن أمرك طاعة وأنه لا يجوز لنا مخالفتك لخالفناك وقتلنا جميع أعداءك قبل أن يصلوا إليك .
فقال لهم عليه السلام : ونحن والله أقدر عليهم منكم ، ولكن ليهلك من هلك عن بينة ويحيى من حي عن بينة . انتهى بنصه من نسخة ع .
ولم يرد هذا في نسخة ر ، ب ، وإنما أوردناه في الهامش لاحتمال كونه من حواشي المصنف على الكتاب ، وأدخل بعده في المتن .
(1) بالفتح ثم السكون وكسر العين وياء ساكنة وميم : موضع بمكة في الحل ، وهو بين مكة وسرف ، على فرسخين من مكة ، وقيل : على أربعة ، وسمي بذلك لأن جبلاً عن يمينه يقال له نعيم وآخر عن شماله يقال له ناعم والوادي نعمان ، وبالتنعيم مساجد حول مسجد عائشة وسقايا على طريق المدينة منه يحرم المكيون بالعمرة .
معجم البلدان 2|49 .
(2) الحميري ، لم يرد في ر .
لم أهتد إلى ترجمته .
(3) ب : وكان عامله على اليمن وعليها الورس والحلل ، فأخذها عليه السلام لأن حكم .
(4) ب : وقال لأصحاب الإبل : من أحب منكم أن .
(5) ب : أن يفارقنا من مكاننا هذا أعطيناه من الكرى .

الملهوف على قتلى الطفوف _ 131 _

  ثم سار عليه السلام حتى بلغ ذات عرق (1) ، فلقى بشر بن غالب (2) وارداً من العراق ، فسأله عن أهلها .
  فقال : خلفت القلوب معك والسيوف مع بني أمية .
  فقال عليه السلام : ( صدق أخو بني أسد ، إن الله يفعل ما يشاء ويحكم ما يريد ) .
  قال الراوي (3) : ثم سار عليه السلام حتى أتى الثعلبية (4) وقت الظهيرة ، فوضع رأسه ، فرقد ثم استيقظ ، فقال : ( قد رأيت هاتفاً يقول : أنتم تسيرون والمنايا تسير (5) بكم إلى الجنة ) .
  فقال له ابنه علي : يا أبة أفلسنا على الحق ؟
  فقال : ( بلى يا بني والذي اليه مرجع العباد ) .

---------------------------
(1) ذات عرق مهل أهل العراق ، وهو الحد بين نجد وتهامة ، وقيل : عرق جبل بطريق مكة ومنه ذات عرق ، وقال الأصمعي : ما ارتفع من بطن الرمة فهو نجد إلى ثنايا ذات عرق ، وعرق هو الجبل المشرف على ذات عرق .
معجم البلدان 4|107 ـ 108 .
(2) في مستدركات علم الرجال 2|33 : بشر بن غالب الأسدي الكوفي ، من أصحاب الحسين والسجاد ، قاله الشيخ في رجاله ، والبرقي عده من أصحاب أمير المؤمنين والحسنين والسجاد ، وأخوه بشير ، رويا عن الحسين دعاءه المعروف يوم عرفة بعرفات ...
وله روايات عن الحسين ذكرت في عدة الداعي ، ويروي عنه عبدالله بن شريك .
(3) الراوي ، لم يرد في ر . ب .
(4) ر : التغلبية .
والثعلبية بفتح أوله من منازل طريق مكة من الكوفة بعد الشقوق وقبل الخزيمية ، وهي ثلثا الطريق ، وأسفل منها ماء يقال له الضويجعة على ميل منها مشرف ، وإنما سميت بالثعلبية لإقامة ثعلبة ابن عمرو بها ، وقيل : سميت بن دودان بن اسد وهو أول من حفرها ونزلها .
معجم البلدان 2|78 .
(5) ب . ع : أنتم تسرعون والمنايا تسرع .

الملهوف على قتلى الطفوف _132_

  فقال له : يا أبة إذن لا نبالي بالموت .
  فقال له الحسين عليه السلام : ( فجزاك الله يابني خير ما جزا ولداً عن والده (1) ) .
  ثم بات عليه السلام في الموضع ، فلما أصبح ، فإذا هو برجلٍ من أهل الكوفة يكنى أبا هرة الأزدي (2) ، فلما أتاه سلم عليه .
  ثم قال : يابن رسول الله ما الذي أخرجك من حرم الله وحرم جدك رسول الله صلى الله عليه وآله ؟
  فقال الحسين عليه السلام : ( ويحك يا أبا هرة ، إن بني أمية أخذوا مالي فصبرت ، وشتموا عرضي فصبرت ، وطلبوا دمي فهربت ، وأيم الله لتقتلني الفئة الباغية وليلبسنهم الله ذلاً شاملاً وسيفاً قاطعاً ، وليسلطن الله عليهم من يذلهم ، حتى يكونوا أذل من قوم سبأ إذ ملكتهم امرأة منهم فحكمت في أموالهم ودمائهم حتى أذلتهم ) .
  ثم سار عليه السلام ، وحدث جماعة من بني (3) فزارة وبجيلة قالوا : كنا مع زهير بن القين (4) لما أقبلنا من مكة ، فكنا نساير الحسين عليه السلام ، وما شيء أكره إلينا من مسايرته ، لأن معه نسوانه ، فكان إذا أراد النزول اعتزلناه ، فنزلنا ناحية .

---------------------------
(1) ب : جزاك الله يا بني خير ما جزا ولداً عن والدٍ .
(2) لم أعثر على من ترجم له .
(3) بني ، لم يرد في ر .
(4) زهير بن القين البجلي ، وبجيلة هم بنو أنمار بن أراش بن كهلان من القحطانية ، شخصية بارزة في المجتمع الكوفي ، ويبدو أنه كان كبير السن عند لحوقه بالحسين عليه السلام ، ذكر في الزيارة بتكريم خاص ، انضم إلى الحسين عليه السلام في الطريق من مكة إلى العراق بعد أن كان كارهاً للقائه ، خطب في جيش ابن زياد قبيل المعركة ، جعله الحسين عليه السلام على ميمنة أصحابه .
تاريخ الطبري 5|396 ـ 397 و 6|42 و 422 ، رجال الشيخ : 73 ، أنصار الحسين : 88 .