روي عن علي بن يقطين (1) أنه قال : أمر أبو جعفر الدوانيقي يقطين أن --------------------------- (1) قال العلامة في القسم الأول من الخلاصة ص 91 علي بن يقطين بن موسى البغدادي ، سكن بغداد وهو كوفي الأصل روى عن أبي عبد الله ( عليه السلام ) حديثا واحدا ، وروى عن أبي الحسن موسى ( عليه السلام ) فأكثر ، وكان ثقة جليل القدر ـ الإحتجاج (الجزء الثاني) _ 160 _يحفر له بئرا بقصر العبادي ، فلم يزل يقطين في حفرها حتى مات أبو جعفر ولم يستنبط منها الماء ، وأخبر المهدي بذلك فقال له : احفر أبدا حتى يستنبط الماء ولو أنفقت عليها جميع ما في بيت المال .قال : فوجه يقطين أخاه أبا موسى في حفرها ، فلم يزل يحفر حتى ثقبوا ثقبا في أسفل الأرض فخرجت منه الريح ( قال ): فهالهم ذلك ، فأخبروا به أبا موسى . فقال : انزلوني ( قال ): فأنزل وكان رأس البئر أربعين ذراعا في أربعين ذراع ، فأجلس في شق محمل ودلي في البئر، فلما صار في قعرها نظر إلى هول ، وسمع دوي الريح في أسفل ذلك ، فأمرهم أن يوسعوا الخرق فجعلوه شبه الباب العظيم ، ثم دلي فيه رجلا في شق محمل فقال : ايتوني بخبر هذا ما هو ؟ ] ـ له منزلة عظيمة عند أبي الحسن ( عليه السلام ) عظيم المكان في هذه الطائفة روي أنه ( عليه السلام ) ضمن له الجنة وأن لا تمسه النار أبدا ، وكان وزيرا لهارون فاستأذن الإمام ( عليه السلام ) بترك العمل معه فلم يأذن له ، وقال له : عسى أن يجبر الله بك كسرا ، ويكسر بك نائرة المخالفين من أوليائه ، يا علي كفارة أعمالكم الاحسان إلى إخوانكم ، وروي أنه لما قدم أبو إبراهيم موسى بن جعفر ( عليهما السلام ) العراق ، قال علي بن يقطين : أما ترى حالي وما أنا فيه ؟ فقال ( عليه السلام ) يا علي إن لله تعالى أولياء مع أولياء الظلمة ليدفع بهم عن أوليائه وأنت منهم يا علي وروي أنه قال أبو الحسن ( عليه السلام ) لعلي ابن يقطين : إضمن لي خصلة أضمن لك ثلاثا فقال علي: جعلت فداك وما الخصلة التي اضمنها لك؟ وما الثلاث اللواتي تضمنهن لي ؟ فقال أبو الحسن ( عليه السلام ) : الثلاث اللواتي أضمنهن لك أن لا يصيبك حر الحديد أبدا ، بقتل ، ولا فاقة ، ولا سجن حبس فقال علي : فما الخصلة التي اضمنها لك؟ فقال يا علي وأما الخصلة التي تضمن لي أن لا يأتيك ولي أبدا إلا أكرمته فضمن له علي الخصلة وضمن له أبو الحسن الثلاث وروي أنه ( عليه السلام ) قال : إني استوهبت علي بن يقطين من ربي عز وجل البارحة فوهبه لي أن علي بن يقطين بذل ماله ومودته فكان لذلك منا مستوجبا . راجع رجال الكشي ص 367 والجزء الثاني من سفينة البحار ص 252. الإحتجاج (الجزء الثاني) _ 161 _قال : فنزلا في شق محمل فمكثا مليا ثم حركا الحبل فأصعدا ، فقال لهما :ما رأيتما ؟ قالا : أمرا عظيما ، رجالا ، ونساءا ، وبيوتا ، وآنية ، ومتاعا ، كله ممسوخ من حجارة فأما الرجال والنساء فعليهم ثيابهم ، فمن بين قاعد ومضطجع ومتكئ فلما مسسناهم إذا ثيابهم تتفشا شبه الهباء ، ومنازل قائمة ، قال : فكتب بذلك أبو موسى إلى المهدي ، فكتب المهدي إلى المدينة إلى موسى بن جعفر ، يسأله : أن يقدم عليه فقدم عليه ، فأخبره فبكى بكاءا شديدا ، وقال : يا أمير المؤمنين هؤلاء بقية قوم عاد ، غضب الله عليهم فساخت بهم منازلهم ، هؤلاء أصحاب الأحقاف. قال : فقال له المهدي : يا أبا الحسن وما الأحقاف ؟ قال : الرمل. وحدث ، أبو أحمد هاني بن محمد العبدي (1) قال : حدثني أبو محمد رفعه إلى موسى بن جعفر ( عليه السلام ) قال : لما أدخلت على الرشيد سلمت عليه فرد علي السلام ثم قال : يا موسى بن جعفر خليفتان يجئ إليهما الخراج ؟ فقلت : يا أمير المؤمنين أعيذك بالله أن تبوء بإثمي وإثمك ، فتقبل الباطل من أعدائنا علينا ، فقد علمت بأنه قد كذب علينا منذ قبض رسول الله ( صلى الله عليه وآله وسلم ) ، أما علم ذلك عندك ، فإن رأيت بقرابتك من رسول الله ( صلى الله عليه وآله وسلم ) أن تأذن لي أحدثك بحديث أخبرني به أبي عن آبائه عن جدي رسول الله ( صلى الله عليه وآله وسلم ) ؟ فقال : قد أذنت لك . فقلت : أخبرني أي عن آبائه عن جدي رسول الله ( صلى الله عليه وآله وسلم ) أنه قال : ( أن الرحم إذا مست الرحم تحركت واضطربت ) فناولني يدك جعلني الله فداك . قال : ادن مني! فدنوت منه ، فأخذ بيدي ثم جذبني إلى نفسه وعانقني طويلا ، ثم تركني وقال : ( اجلس يا موسى! فليس عليك بأس ، فنظرت إليه فإذا به قد دمعت عيناه ، فرجعت إلى نفسي ، فقال : صدقت وصدق جدك ( صلى الله عليه وآله وسلم ) ، لقد --------------------------- (1) في رجال المامقاني ج 3 ص 290 نقل الوحيد رواية الصدوق عنه مترضيا عليه وهو دليل على وثاقته . الإحتجاج (الجزء الثاني) _ 162 _تحرك دمي واضطربت عروقي ، حتى غلبت علي الرقة ، وفاضت عيناي ، وأنا أريد أن أسألك عن أشياء تتلجلج في صدري منذ حين لم أسأل عنها أحدا ، فإن أنت أجبتني عنها خليت عنك ولم أقبل قول أحد فيك ، وقد بلغني أنك لم تكذب قط فاصدقني فيما أسألك ما في قلبي .فقلت : ما كان علمه عندي فإني مخبرك به إن أنت أمنتني. قال : لك الأمان إن صدقتني وتركت التقية التي تعرفون بها معاشر بني فاطمة ، قلت ليسأل أمير المؤمنين عما يشاء . قال : اخبرني لم فضلتم علينا ونحن وأنتم من شجرة واحدة ، وبنو عبد المطلب ونحن وأنتم واحد ، أنا بنو عباس وأنتم ولد أبي طالب ، وهما عما رسول الله ( صلى الله عليه وآله وسلم ) وقرابتهما منه سواء ؟ فقلت : نحن أقرب . قال : وكيف ذاك ؟ قلت : لأن عبد الله وأبا طالب لأب وأم ، وأبوكم العباس ليس هو من أم عبد الله ولا من أم أبي طالب . قال : فلم ادعيتم أنكم ورثتم النبي ( صلى الله عليه وآله وسلم ) ، والعم يحجب ابن العم ، وقبض رسول الله ( صلى الله عليه وآله وسلم ) وقد توفي أبو طالب قبله والعباس عمه حي ؟ فقلت له : إن رأى أمير المؤمنين أن يعفني عن هذه المسألة ، ويسألني عن كل باب سواه يريده . فقال : لا ، أو تجيب . فقلت : فآمني . قال : آمنتك قبل الكلام . فقلت : إن في قول علي بن أبي طالب ( عليه السلام ) : أنه ليس مع ولد الصلب ذكرا كان أو أنثى لأحد سهم ، إلا الأبوين والزوج والزوجة ، ولم يثبت للعلم مع ولد الصلب ميراث ، ولم ينطق به الكتاب العزيز والسنة إلا أن تيما وعديا وبني أمية قالوا : ( العم والد ) رأيا منهم بلا حقيقة ، ولا أثر عن رسول الله ( صلى الله عليه وآله وسلم ) ، ومن الإحتجاج (الجزء الثاني) _ 163 _قال بقول علي من العلماء قضاياهم خلاف قضايا هؤلاء ، هذا نوح بن دراج يقول في هذه المسألة بقول علي وقد حكم به ، وقد ولاه أمير المؤمنين المصرين الكوفة والبصرة ، وقضى به ، فأنهي إلى أمير المؤمنين فأمر بإحضاره وإحضار من يقول بخلاف قوله ، منهم : سفيان الثوري ، وإبراهيم المازني ، والفضيل بن عياض ، فشهدوا أنه قول علي ( عليه السلام ) في هذه المسألة ، فقال لهم فيما بلغني بعض العلماء من أهل الحجاز : لم لا تفتون وقد قضى نوح بن دراج ؟فقالوا : جسر وجبنا ، وقد أمضى أمير المؤمنين قضيته بقول قدماء العامة عن النبي ( صلى الله عليه وآله وسلم ) أنه قال : ( أقضاكم علي ) وكذلك عمر بن الخطاب قال : ( علي أقضانا ) وهو اسم جامع ، لأن جميع ما مدح به النبي ( صلى الله عليه وآله وسلم ) أصحابه من القرابة والفرائض والعلم داخل في القضاء . قال : زدني يا موسى ! قلت : المجالس بالأمانات وخاصة مجلسك . فقال : لا بأس به . فقلت : إن النبي لم يورث من لم يهاجر ، ولا أثبت له ولاية حتى يهاجر . فقال : ما حجتك فيه . قلت : قول الله تبارك وتعالى : (والذين آمنوا ولم يهاجروا ما لكم من ولايتهم من شئ حتى يهاجروا ) (1) وأن عمي العباس لم يهاجر . فقال لي : إني أسألك يا موسى هل أفتيت بذلك أحدا من أعدائنا ، أو أخبرت أحدا من الفقهاء في هذه المسألة بشئ ؟ فقلت : اللهم لا . وما سألني عنها إلا أمير المؤمنين . ثم قال لي : جوزتم للعامة والخاصة أن ينسبوكم إلى رسول الله ( صلى الله عليه وآله وسلم ) ، ويقولوا لكم : يا بني رسول الله، وأنتم بنو علي ، وإنما ينسب المرء إلى أبيه ، وفاطمة إنما هي وعاء ، والنبي جدكم من قبل أمكم . --------------------------- (1) الأنفال ـ 72 الإحتجاج (الجزء الثاني) _ 164 _فقلت : يا أمير المؤمنين لو أن النبي نشر فخطب إليك كريمتك، هل كنت تجيبه ؟قال : سبحان الله! ولم لا أجبه ، بل أفتخر على العرب والعجم وقريش بذلك ؟ فقلت له : لكنه لا يخطب إلي ولا أزوجه . فقال : ولم ؟ فقلت : لأنه ولدني ولم يلدك . فقال : أحسنت يا موسى ! ثم قال : كيف قلتم أنا ذرية النبي والنبي لم يعقب، وإنما العقب الذكر لا الأنثى ، وأنتم ولد الابنة ولا يكون ولدها عقبا له . فقلت : أسألك بحق القرابة والقبر ومن فيه ، إلا أعفيتني عن هذه المسألة . فقال : لا أو تخبرني بحجتكم فيه يا ولد علي ! وأنت يا موسى يعسوبهم ، وإمام زمانهم ، كذا أنهي إلي، ولست أعفيك في كل ما أسألك عنه ، حتى تأتيني فيه بحجة من كتاب الله، وأنتم تدعون معشر ولد علي أنه لا يسقط عنكم منه شئ ألف ولا واو إلا تأويله عندكم ، واحتججتم بقوله عز وجل : ( ما فرطنا في الكتاب من شئ ) (1) واستغنيتم عن رأي العلماء وقياسهم . فقلت : تأذن لي في الجواب ؟ قال : هات . فقلت : أعوذ بالله من الشيطان الرجيم بسم الله الرحمن الرحيم : ( ومن ذريته داود وسليمان وأيوب ويوسف وموسى وهارون وكذلك نجزي المحسنين * وزكريا ويحيى وعيسى وإلياس كل من الصالحين ) (2) من أبو عيسى يا أمير المؤمنين ؟ فقال : ليس لعيسى أب . فقلت : إنما ألحقناه بذراري الأنبياء ( عليهم السلام ) من طريق مريم ( عليها السلام ) وكذلك ألحقنا بذراري النبي ( صلى الله عليه وآله وسلم ) من قبل آمنا فاطمة ، أزيدك يا أمير المؤمنين ؟ قال : هات --------------------------- (1) الأنعام ـ 38 . (2) الأنعام ـ 84 و 85 الإحتجاج (الجزء الثاني) _ 165 _قلت : قول الله عز وجل : ( فمن حاجك فيه من بعد ما جائك من العلم فقل تعالوا ندع أبنائنا وأبنائكم ونسائنا ونسائكم وأنفسنا وأنفسكم ثم نبتهل فنجعل لعنة الله على الكاذبين ) (1) ولم يدع أحد أنه أدخله النبي ( صلى الله عليه وآله وسلم ) تحت الكساء عند مباهلة النصارى إلا علي بن أبي طالب ( عليه السلام ) وفاطمة ، والحسن والحسين أبنائنا الحسن والحسين ونسائنا فاطمة ، وأنفسنا علي بن أبي طالب ( عليه السلام ) ، على أن العلماء قد أجمعوا على أن جبرئيل قال يوم أحد : ( يا محمد إن هذه لهي المواساة من علي ) قال : ( لأنه مني وأنا منه ) .فقال جبرئيل : ( وأنا منكما يا رسول الله) (2) ثم قال : لا سيف إلا ذو الفقار ولا فتى إلا علي ، فكان كما مدح الله عز وجل به خليله ( عليه السلام ) إذ يقول : ( قالوا سمعنا فتى يذكرهم يقال له إبراهيم ) (3) إنا نفتخر بقول جبرئيل أنه منا فقال : أحسنت يا موسى ! إرفع إلينا حوائجك . فقلت له : إن أول حاجة لي أن تأذن لابن عمك أن يرجع إلى حرم جده وإلى عياله . فقال : ننظر إن شاء الله. وروي أن المأمون قال لقومه : أتدرون من علمني التشيع ؟ فقال القوم : لا والله ما نعلم ذلك . قال : علمنيه الرشيد ! قيل له : وكيف ذلك ، والرشيد يقتل أهل البيت ؟! قال : كان الرشيد يقتلهم على الملك ، لأن الملك عقيم ، ثم قال : إنه دخل موسى بن جعفر ( عليهما السلام ) على الرشيد يوما فقام إليه ، واستقبله وأجلسه في الصدر وقعد بين يديه ، وجرى بينهما أشياء ، ثم قال موسى بن جعفر ( عليه السلام ) لأبي : --------------------------- (1) آل عمران ـ 61 . (2) راجع هامش الجزء الأول من هذا الكتاب ص 167 . (3) الأنبياء ـ 60. الإحتجاج (الجزء الثاني) _ 166 _يا أمير المؤمنين إن الله عز وجل قد فرض على الولاة عهده : أن ينعشوا فقراء هذه الأمة ، ويقضوا عن الغارمين ، ويؤدوا عن المثقل ، ويكسوا العاري ، ويحسنوا إلى العاني ، وأنت أولى من يفعل ذلك .فقال : أفعل يا أبا الحسن. ثم قام فقام الرشيد لقيامه ، وقبل بين عينيه ووجهه ، ثم أقبل علي وعلى الأمين والمؤتمن فقال : يا عبد الله! ويا محمد ! ويا إبراهيم ! امشوا بين يدي ابن عمكم وسيدكم ، خذوا بركابه ، وسووا عليه ثيابه ، وشيعوه إلى منزله ، فأقبل إلي أبو الحسن موسى بن جعفر ( عليه السلام ) سرا بيني وبينه فبشرني بالخلافة ، وقال لي : ( إذا ملكت هذا الأمر فأحسن إلى ولدي ) . ثم انصرفنا وكنت أجرأ ولد أبي عليه ، فلما خلا المجلس قلت : يا أمير المؤمنين ومن هذا الرجل الذي أعظمته وأجللته ، وقمت من مجلسك إليه فاستقبلته ، وأقعدته في صدر المجلس ، وجلست دونه ، ثم أمرتنا بأخذ الركاب له ؟ قال : هذا إمام الناس ، وحجة الله على خلقه ، وخليفته على عباده . فقلت : يا أمير المؤمنين أو ليست هذه الصفات كلها لك وفيك ؟ فقال : أنا إمام الجماعة في الظاهر بالغلبة والقهر ، وموسى بن جعفر إمام حق ، والله يا بني أنه لأحق بمقام رسول الله مني ومن الخلق جميعا ، ووالله لو نازعتني في هذا الأمر لأخذت الذي فيه عيناك ، لأن الملك عقيم . فلما أراد الرحيل من المدينة إلى مكة أمر بصرة سوداء فيها مائتا دينار ، ثم أقبل على الفضل فقال له : إذهب إلى موسى بن جعفر وقل له : يقول لك أمير المؤمنين نحن في ضيقة وسيأتيك برنا بعد هذا الوقت . فقمت في وجهه فقلت : يا أمير المؤمنين! تعطي أبناء المهاجرين والأنصار وسائر قريش وبني هاشم ومن لا تعرف حسبه ونسبه : خمسة آلاف دينار إلى الإحتجاج (الجزء الثاني) _ 167 _ما دونها ، وتعطي موسى بن جعفر وقد عظمته وأجللته مائتي دينار ، وأخس عطية أعطيتها أحدا من الناس ؟فقال : اسكت لا أم لك! فإني لو أعطيته هذا ما ضمنته له ، ما كنت آمنه أن يضرب وجهي غدا بمائة ألف سيف من شيعته ومواليه ، وفقر هذا وأهل بيته أسلم لي ولكم من بسط أيديهم وإغنائهم . وقيل : ولما دخل هارون الرشيد المدينة ، توجه لزيارة النبي ( صلى الله عليه وآله وسلم ) ومعه الناس ، فقدم إلى قبر النبي ( صلى الله عليه وآله وسلم ) فقال ! السلام عليك يا رسول الله، السلام عليك يا بن العم ، مفتخرا بذلك على غيره . فتقدم أبو الحسن موسى بن جعفر إلى القبر فقال : السلام عليك يا رسول الله، السلام عليك يا أبة. فتغير وجه الرشيد وتبين الغيظ فيه . وروي : عن أبي الحسن موسى بن جعفر الكاظم ( عليه السلام ) أنه قال : لما سمعت هذا البيت ـ وهو لمروان بن أبي حفصة ـ :
دار في ذلك ليلتي ، فنمت تلك الليلة فسمعت هاتفا في منامي يقول :
--------------------------- (1) يريد بالطليق : العباس بن عبد المطلب عم الرسول ، حيث أسر يوم بدر أسره أبو يسر كعب بن عمرو الأنصاري ، وكان رجلا صغير الجثة، وكان العباس رجلا عظيما قويا ، فقال النبي ( صلى الله عليه وآله وسلم ) لأبي اليسر كيف أسرته ؟ قال : أعانني رجل ما رأيته قبل ذلك ولا بعده فقال ( صلى الله عليه وآله وسلم ) : لقد أعانك عليه ملك كريم ولما أمسى القوم والأسارى محبوسون في الوثاق ، وفيهم العباس ، بات رسول الله ( صلى الله عليه وآله وسلم ) تلك الليلة ساهرا ، فقال له بعض أصحابه : ما يسهرك يا رسول الله ( صلى الله عليه وآله وسلم ) ؟ => الإحتجاج (الجزء الثاني) _ 168 _
وسأل محمد بن الحسن أبا الحسن موسى ( عليه السلام ) ـ بمحضر من الرشيد وهم بمكة ـ فقال له : أيجوز للمحرم إن يظلل عليه محمله ؟ فقال له موسى ( عليه السلام ) : لا يجوز له ذلك مع الاختيار . فقال له محمد بن الحسن : أفيجوز أن يمشي تحت الظلال مختارا . فقال له : نعم . فتضاحك محمد بن الحسن من ذلك. فقال له أبو الحسن موسى ( عليه السلام ) : أتعجب من سنة النبي وتستهزئ بها ؟ إن رسول الله ( صلى الله عليه وآله وسلم ) كشف ظلاله في إحرامه ، ومشى تحت الظلال وهو محرم ، إن أحكام الله تعالى يا محمد لا تقاس ، فمن قاس بعضها على بعض فقد ضل عن السبيل . فسكت محمد بن الحسن لا يرجع جوابا . وقد جرى لأبي يوسف مع أبي الحسن موسى صلوات الله عليه بمحضر المهدي ما يقرب من ذلك ، وهو : أن موسى ( عليه السلام ) سأل أبا يوسف عن مسألة ليس فيها عنده شئ ، فقال لأبي الحسن موسى ( عليه السلام ) : إني أريد أن أسألك عن شئ . قال : هات . فقال : ما تقول في التظليل للمحرم ؟ قال : لا يصلح . قال : فيضرب الخباء في الأرض فيدخل فيه ؟ قال : نعم . --------------------------- <= قال : سمعت أنين العباس فقام رجل من القوم فأرخى من وثاقه شيئا ، فقال رسول الله ( صلى الله عليه وآله وسلم ) ما بالي لا أسمع أنين العباس ؟ فقال رجل من القوم : أرخيت من وثاقه شيئا قال : افعل ذلك بالأسارى كلهم راجع تاريخ الطبري ج 2 ص 288 والدرجات الرفيعة للسيد علي خان المدني ص 80 الإحتجاج (الجزء الثاني) _ 169 _قال : فما فرق بين هذا وذلك .قال أبو الحسن موسى ( عليه السلام ) : ما تقول في (الطامث) تقضي الصلاة ؟ قال : لا . قال: تقضي الصوم ؟ قال : نعم . قال : ولم ؟ قال : إن هذا كذا جاء . قال أبو الحسن ( عليه السلام ) : وكذلك هذا . قال : المهدي لأبي يوسف : ما أراك صنعت شيئا ! قال : يا أمير المؤمنين رماني بحجة وعن أبي محمد الحسن العسكري ( عليه السلام ) قال : قال رجل من خواص الشيعة لموسى بن جعفر ( عليه السلام ) ـ وهو يرتعد بعد ما خلا به ـ : يا بن رسول الله ( صلى الله عليه وآله وسلم ) ما أخوفني أن يكون فلان بن فلان ينافقك في إظهاره اعتقاد وصيتك وإمامتك . فقال موسى ( عليه السلام ) : وكيف ذاك ؟ قال : لأني حضرت معه اليوم في مجلس فلان وكان معه رجل من كبار أهل بغداد ، فقال له صاحب المجلس : أنت تزعم : أن صاحبك موسى بن جعفر إمام دون هذا الخليفة القاعد على سريره ؟ قال له صاحبك هذا : ما أقول هذا ، بل أزعم : أن موسى بن جعفر غير إمام ، وإن لم أكن أعتقد أنه غير إمام فعلي وعلى من لم يعتقد ذلك لعنة الله والملائكة والناس أجمعين . فقال له صاحب المجلس : جزاك الله خيرا ، ولعن من وشى بك إلي فقال له موسى بن جعفر ( عليه السلام ) : ليس كما ظننت ، ولكن صاحبك أفقه الإحتجاج (الجزء الثاني) _ 170 _منك ، إنما قال : موسى غير إمام، أي أن الذي هو غير إمام فموسى غيره ، فهو إذا إمام ، فإنما أثبت بقوله هذا إمامتي ونفى إمامة غيري (1) يا عبد الله متى يزول عنك هذا الذي ظننته بأخيك هذا من النفاق ؟ تب إلى الله، ففهم الرجل ما قاله واغتم ، ثم قال :يا بن رسول الله ما لي مال فأرضيه به ، ولكن قد وهبت له شطر عملي كله ، من تعبدي وصلاتي عليكم أهل البيت ، ومن لعنتي لأعدائكم . قال موسى ( عليه السلام ): الآن خرجت من النار . وروي أيضا عنه ( عليه السلام ) : أنه قال : فقيه واحد ينقذ يتيما من أيتامنا المنقطعين عن مشاهدتنا بتعليم ما هو محتاج إليه ، أشد على إبليس من ألف عابد ، لأن العابد همه ذات نفسه فقط ، وهذا همه مع ذات نفسه ذات عباد الله وإمائه ، لينقذهم من يد إبليس ومردته ، ولذلك هو أفضل عند الله من ألف عابد ، وألف ألف عابد . وروي أنه ( عليه السلام ) كان حسن الصوت ، وحسن القرائة ، وقال يوما من الأيام : أن علي بن الحسين ( عليه السلام ) كان يقرء القرآن فربما مر به المار فصعق من حسن صوته ، وأن الإمام لو أظهر من ذلك شيئا لما احتمله الناس ، قيل له : ألم يكن رسول الله ( صلى الله عليه وآله وسلم ) يصلي بالناس ويرفع صوته بالقرآن ؟ فقال : إن رسول الله ( صلى الله عليه وآله وسلم ) كان يحمل من خلفه ما يطيقون . دخل عليه رجل فقال له : يا بن رسول الله ما الدليل على حدوث العالم ؟ --------------------------- (1) توضيح ذلك : أنه أراد : أنا أزعم : أن إمامك هذا القاعد على سريره هو إمام ضلال ، وموسى بن جعفر ( عليه السلام ) هو إمام من غير هذا النوع . الإحتجاج (الجزء الثاني) _ 171 _فقال : إنك لم تكن ثم كنت ، وقد علمت أنك لم تكون نفسك ، ولا كونك من هو مثلك .وعن محمد بن عبد الله الخراساني (1) خادم الرضا ( عليه السلام ) قال : دخل رجل من الزنادقة على الرضا ( عليه السلام ) وعنده جماعة . فقال له أبو الحسن : أرأيت إن كان القول قولكم ـ وليس هو كما تقولون ـ ألسنا وإياكم شرعا سواء ، ولا يضرنا ما صلينا وصمنا وزكينا وأقررنا ؟ فسكت ، فقال أبو الحسن : وإن لم يكن القول قولنا ، وهو كما نقول ، ألستم قد هلكتم ونجونا . قال الزنديق : رحمك الله فأوجدني كيف هو ، وأين هو ؟ قال : ويلك! إن الذي ذهبت إليه غلط ، وهو أين الأين ، وكان ولا أين ، وهو كيف الكيف ، وكان ولا كيف ، ولا يعرف بكيفوفية ، ولا بأينونية ، ولا يدرك بحاسة ، ولا يقاس بشئ . قال الرجل : فإذن إنه لا شئ ، إذ لم يدرك بحاسة من الحواس. فقال أبو الحسن : ويلك ! لما عجزت حواسك عن إدراكه أنكرت ربوبيته ونحن إذا عجزت حواسنا عن إدراكه أيقنا أنه ربنا ، وأنه شئ بخلاف الأشياء . قال الرجل : فأخبرني متى كان ؟ قال أبو الحسن ( عليه السلام ) : أخبرني متى لم يكن ، فأخبرك متى كان ؟! قال الرجل : فما الدليل عليه ؟ قال أبو الحسن : أني لما نظرت إلى جسدي فلم يمكني فيه زيادة ولا نقصان في العرض والطول ، ودفع المكاره عنه ، وجر المنفعة إليه ، علمت أن لهذا البنيان بانيا فأقررت به، مع ما أرى من دوران الفلك بقدرته ، وإنشاء السحاب ، وتصريف الرياح ، ومجرى الشمس والقمر والنجوم ، وغير ذلك من الآيات العجيبات --------------------------- (1) محمد بن عبد الله الخراساني خادم لرضا ( عليه السلام ) : مجهول الحال لم يذكر في كتب الرجال. الإحتجاج (الجزء الثاني) _ 172 _المتقنات ، علمت أن لهذا مقدرا ومنشئا .قال الرجل : فلم لا تدركه حاسة البصر ؟ قال : للفرق بينه وبين خلقه الذين تدركهم حاسة الأبصار ، منهم ومن غيرهم ، ثم هو أجل من أن يدركه بصر ، أو يحيط به وهم ، أو يضبطه عقل . قال : فحده لي ! قال : لا حد له . قال : ولم ؟ قال : لأن كل محدود متناه ، وإذا احتمل التحديد احتمل الزيادة، وإذا احتمل الزيادة احتمل النقصان ، فهو غير محدود ، ولا متزايد ولا متناقص ، ولا متجزي ، ولا متوهم . قال الرجل: فأخبرني عن قولكم : أنه لطيف ، وسميع ، وبصير ، وعليم وحكيم ، أيكون السميع إلا بالأذن ، والبصير إلا بالعين ، واللطيف إلا بعمل اليدين والحكيم إلا بالصنعة ؟ فقال أبو الحسن ( عليه السلام ) : إن اللطيف منا على حد إيجاد الصنعة ، أو ما رأيت أن الرجل اتخذ شيئا فيلطف في اتخاذه؟ فيقال : ما ألطف فلانا ، فكيف لا يقال للخالق الجليل : ( لطيف ) إذ خلق خلقا لطيفا وجليلا ، وركب في الحيوان منه أرواحها ، وخلق كل جنس مباينا من جنسه في الصورة، ولا يشبه بعضه بعضا ، فكل به لطف من الخالق اللطيف الخبير في تركيب صورته . ثم نظر إلى الأشجار وحملها أطايبها، المأكولة منها وغير المأكولة ، فقلنا عند ذلك أن خالقنا ( لطيف ) لا كلطف خلقه في صنعتهم ، وقلنا أنه ( سميع ) لأنه لا يخفى عليه أصوات خلقه ، ما بين العرش إلى الثرى ، من الذرة إلى ما أكبر منها ، في برها وبحرها ، ولا يشتبه عليه لغاتها ، فقلنا عند ذلك أنه سميع لا بأذن ، وقلنا : أنه ( بصير ) لا ببصر ، لأنه يرى أثر الذرة السحماء في الليلة الظلماء على الصخرة السوداء ، ويرى دبيب النمل في الليلة الدجية ، ويرى مضارها ومنافعها ، أثر و الإحتجاج (الجزء الثاني) _ 173 _سفادها ، وفراخها ونسلها ، فقلنا عند ذلك : أنه ( بصير ) لا كبصر خلقه قال : فما برح حتى أسلم ، وفيه كلام غير هذا .وروي عنه ( عليه السلام ) في خبر آخر : أنه قال : إنما يسمى الله تعالى ( بالعالم ) لغير علم حادث ، علم به الأشياء ، واستعان به على حفظ ما يستقبل من أمره ، والرؤية فيما يخلق ، وإنما سمي العالم من الخلق : ( عالما ) لعلم حادث ، إذ كان قبله جاهلا ، وربما فارقهم العلم بالأشياء فصار إلى الجهل وإنما سمي الله: ( عالما ) لأنه لا يجهل شيئا ، فقد جمع الخالق والمخلوق اسم العالم ، واختلف المعنى، وهو الله تعالى ( قائم ) . وأما القائم فليس على معنى انتصاب وقيام على ساق في كبد ، كما قامت الأشياء ، ولكنه أخبر أنه قائم يخبر أنه ( حافظ ) كقولك : ( فلان القائم بأمرنا ) وهو عز وجل القائم على كل نفس بما كسبت ، والقائم أيضا في كلام الناس : ( الباقي ) والقائم أيضا : ( الكافي ) كقولك للرجل : ( قم بأمر كذا ) أي : اكفه . والقائم منا قائم على ساق ، فقد جمعنا الاسم ولم يجمعنا المعنى . وأما ( الخبير ) فالذي لا يعزب عنه شئ ولا يفوته ، وليس بالتجربة والاعتبار بالأشياء فتفيده التجربة والاعتبار علما لولاهما لما علم ، لأن من كان كذلك كان جاهلا ، والله تعالى لم يزل خبيرا بما يخلق ، والخبير من الناس المستخبر ، فقد جمعنا الاسم واختلف المعنى . وأما ( الظاهر ) فليس من أنه علا الأشياء بركوب فوقها ، وقعود عليها ، وتسنم لذراها ، ولكن ذلك لقهره وغلبته الأشياء وقدرته عليها كقول الرجل : ظهرت على أعدائي ، وأظهرني الله على خصمي ، إذا أخبر على الفلج والظفر ، فهكذا ظهور الله على الأشياء . ووجه آخر : أنه الظاهر لمن أراده لا يخفى عليه ، لمكان الدليل والبرهان على وجوده في كل ما دبره وصنعه مما يرى ، فأي ظاهر أظهر وأوضح أمرا من الله تبارك وتعالى ، فإنك لا تعدم صنعته حيثما توجهت ، وفيك من آثاره الإحتجاج (الجزء الثاني) _ 174 _ما يغنيك ، والظاهر منا البارز بنفسه المعلوم بحده ، فقد جمعنا الاسم ولم يجمعنا المعنى .وأما ( الباطن ) : فليس على معنى الاستبطان للأشياء بأن يغور فيها ، ولكن ذلك منه على استبطانه للأشياء علما وحفظا وتدبيرا ، كقول القائل : بطنته بمعنى : ( خبرته ) وعلمت مكنون سره ، والباطن منا الغاير في الشئ المستتر فيه ، فقد جمعنا الاسم واختلف المعنى. قال : وهكذا جميع الأسماء وإن كنا لم نسمها كلها . وكان المأمون لما أراد أن يستخلف الرضا ، جمع بني هاشم فقال : إني أريد أن استعمل الرضا ( عليه السلام ) على هذا الأمر من بعدي . فحسده بنو هاشم وقالوا : أتولي رجلا جاهلا ، ليس له بصر بتدبير الخلافة ؟ فابعث إليه يأتنا فترى من جهله ما تستدل به ! فبعث إليه فأتاه فقال له بنو هاشم : يا أبا الحسن إصعد المنبر وانصب لنا علما نعبد الله عليه ، فصعد المنبر فقعد مليا لا يتكلم مطرقا ثم انتفض انتفاضة فاستوى قائما وحمد الله تعالى وأثنى عليه ، وصلى على نبيه وأهل بيته ، ثم قال : أول عبادة الله معرفته ، وأصل معرفة الله توحيده ، ونظام توحيده نفي الصفات عنه ، (1) بشهادة العقول أن كل صفة وموصوف مخلوق ، وشهادة كل مخلوق أن له خالقا ليس بصفة ولا موصوف ، وشهادة كل صفة وموصوف بالاقتران ، وشهادة الاقتران بالحدث ، وشهادة الحدث بالامتناع من الأزل الممتنع من الحدث ، (2) فليس الله عرف من عرف ذاته بالتشبيه ، ولا إياه وحد من --------------------------- (1) ( أول عبادة الله) أي : أشرفها وأقدمها رتبة ( معرفته ) تعالى لأن الطاعة والعبادة تأتي بعد المعرفة فهي متأخرة رتبة عنها ولا تقبل عبادة بدون المعرفة فهي دونها في الشرف أيضا ( وأصل معرفة الله توحيده ) أي تنزيهه عن التركيب والشركة ( ونظام التوحيد ) أي تمامه وكماله ( نفي الصفات الزائدة عنه ) فلا يتم التوحيد إلا بالقول بأن صفاته تعالى عين ذاته (2) ثم إنه ( عليه السلام ) شرع بإقامة الدليل على نفي الصفات الزائدة على الذات => الإحتجاج (الجزء الثاني) _ 175 _اكتنهه ، ولا حقيقته أصاب من مثله ، ولا به صدق من نهاه ، ولا صمد صمده من أشار إليه ، ولا إياه عنى من شبهه ، ولا له تذلل من بعضه ، ولا إياه أراد من توهمه (1) كل معروف بنفسه مصنوع ، وكل قائم في سواه معلول ، (2) بصنع الله يستدل عليه ، وبالعقول يعتقد معرفته ، وبالفطرة تثبت حجته ، (3) خلقة الله الخلق حجاب--------------------------- : = فقال : ( لشهادة العقول أن كل صفة وموصوف مخلوق ) وذلك أن الصفة لا قوام لها إلا بالموصوف فهي محتاجة إليه لا تنفك عنه ، وبها كمال الموصوف فهو محتاج إليها . والحاجة دليل الإمكان ( وشهادة كل مخلوق أن له خالقا ) غنيا بذاته ( ليس بصفة ) حتى يفتقر إلى الموصوف ليقوم به ذاته ( ولا موصوف ) حتى يحتاج إلى الصفة لكي يكمل بها ذاته ( وشهادة كل صفة وموصوف بالاقتران ) لما عرفت من حاجة بعضها إلى الآخر وشهادة الاقتران بالحدث ... الخ توضيح ذلك : هو أن الصفة والموصوف أما أن يكونا قديمين ، أو يكون أحدهما قديما والآخر حادثا أو يكونا حادثين . ولا رابع لهذا الحصر الثلاثي. والأول باطل لما يلزم منه القول بتعدد القدماء وقد ثبت بطلانه. والثاني يبطله الاقتران والحاجة والافتقار لما ألمحنا إليه آنفا وحينئذ يثبت القول الثالث وهو المطلوب. (1) (فليس الله) الواجب الوجود الواحد الأحد ( عرف من عرف بالتشبيه ذاته ) بل عرف ممكنا من مخلوقاته ( ولا إياه وحد من اكتنهه ) أي جعل له كنها ( ولا حقيقته أصاب من مثله ) أي جعل لا : لا وصورة سواء كانت ذهنية أو خارجية ( ولا به صدق من نهاه ) أي جعل له حدا ونهاية ( ولا صمد صمده ) أي قصد نحوه ( من أشار إليه ) سواء بالإشارة الحسية أو الذهنية ( ولا إياه عنى من شبهه ) وإنما عنى ممكنا من الممكنات ، ومخلوقا من جملة المخلوقات ( ولا له تذلل ) أي تعبد ( من بعضه ) أي جعل له أبعاضا وجزأه فهو إنما عبد جسما مخلوقا مركبا له أجزاء وأبعاض ( ولا إياه أراد من توهمه ) أي : تصور له صورة ذهنية . (2) ( كل معروف بنفسه ) أي : بكنه حقيقته ( مصنوع ) لما يلزمه من التركيب ( وكل قائم في سواه ) لا يكون علة لاحتياجه إلى الغير فهو ( معلول ) . (3) ( بصنع الله) وحكيم تدبيره ( يستدل عليه ) ( وبالعقول تعتقد معرفته ) => |