الفهرس العام

احتجاج الرضا ( عليه السلام ) على أهل الكتاب والمجوس ورئيس الصابئين وغيرهم .




  بينه وبينهم ، (1) ومفارقته إياهم مباينة بينه وبينهم ، وابتداؤه إياهم دليل على أن لا ابتداء له ، لعجز كل مبتدأ عن ابتداء غيره ، وأدوه إياهم دليل على أن لا أداة له ، لشهادة الأدوات بفاقة المأدين ، فأسماؤه تعبير ، وأفعاله تفهيم وذاته حقيقة ، وكنهه تفريق بينه وبين خلقه ، وغيوره تحديد لما سواه ، فقد جهل الله من استوصفه ، وقد تعداه من استمثله ، وقد أخطاه من اكتنهه، (2) ومن قال : ( كيف ) فقد شبهه ، ومن قال : ( لم ) فقد علله، ومن قال : ( متى ) فقد وقته ، ومن قال : ( فيم ) فقد ضمنه ، ومن قال : ( إلى م ) فقد نهاه ، ومن قال :
  ( حتى م ) فقد غياه ومن غياه فقد غاياه ، ومن غاياه فقد جزاه، ومن جزاه فقد وصفه ، ومن وصفه فقد الحد فيه ، ولا يتغير الله بتغير المخلوق ، كما لا يتحدد بتحديد المحدود ، أحد لا بتأويل عدد ، ظاهر لا بتأويل المباشرة ، متجلي لا باستهلال رؤية ، باطن لا بمزايلة ، مباين لا بمسافة ، قريب لا بمداناة ، لطيف لا بتجسم ، موجود لا بعد عدم ، فاعل لا باضطرار ، مقدر لا بجول فكرة ، مدبر لا بحركة مريد لا بهمامة ، شاء لا بهمة ، مدرك لا بمجسة ، سميع لا بآلة ، بصير لا بأداة

---------------------------
<=
(وبالفطرة) التي هي بمعنى الابتداع أفي الله شك فاطر السماوات والأرض (تثبت حجته) ـ ولعل في قوله ( عليه السلام ) بالفطرة إشارة إلى قول النبي ( صلى الله عليه وآله وسلم ) : (كل مولود يولد على الفطرة إلا أن أبواه يهودانه أو ينصرانه أو يمجسانه ، فالعقول لو تركت على فطرتها وأصل خلقتها لآمنت به
(1) ( خلقة الله الخلق حجاب ) حاجز ( بينه ) في كمله وغناه ووجوبه الذاتي ( وبينهم ) في حاجتهم إليه ونقصهم وإمكانهم الذاتي ( ومفارقته إياهم ) في الصفات دليل على ( مباينة بينه وبينهم) في الذات ، وفي بعض النسخ ( ومباينته إياهم مفارقته أينيتهم ) أي : أن مفارقته الأينية التي هي من لوازم الأجسام دلت على مباينته إياهم في الذات .
أو أن مباينته إياهم في الذات دلت على مفارقته لهم فيما اختصوا به من الأينية فلا يقال له : ( أين هو ) لأن ذاته تباين ذواتهم فلا يلازمها ما يلزم المكنات .
(2) مر مثل هذه الفقرات للإمام أمير المؤمنين ( عليه السلام ) في الجزء الأول من هذا الكتاب ص 294 فليراجع .

الإحتجاج (الجزء الثاني) _ 177 _

  لا تصحبه الأوقات ، ولا تضمنه الأماكن ، ولا تأخذه السنات ، ولا تحده الصفات ، ولا تقيده الأدوات، سبق الأوقات كونه ، والعدم وجوده ، والابتداء أزله ، بتشعيره المشاعر عرف أن لا مشعر له ، وبتجهيره الجواهر عرف أن لا جوهر له ، وبمضادته بين الأشياء عرف أن لا ضد له ، وبمقارنته بن الأمور عرف أن لا قرين له ، ضاد النور بالظلمة ، والجلاية بالبهمة ، والجسو بالبلل ، والصرد بالحرور ، مؤلف بين متعادياتها ، مفرق بين متدانياتها ، دالة بتفريقها على مفرقها ، وبتأليفها على مؤلفها ذلك قوله عز وجل : ( ومن كل شئ خلقنا زوجين لعلكم تذكرون ) ( ففرق ) بين قبل وبعد ، ليعلم أن لا قبل له ولا بعد ، شاهدة بغرائزها أن لا غريزة لمغرزها دالة بتفاوتها أن لا تفاوت لمفاوتها ، مخبرة بتوقيتها أن لا وقت لموقتها ، حجب بعضها عن بعض ليعلم أن لا حجاب بينه وبينها غيرها ، له معنى الربوبية إذ لا مربوب ، وحقيقة الإلهية إذ لا مألوه ، ومعنى العالم ولا معلوم ، ومعنى الخالق ولا مخلوق ، وتأويل السمع ولا مسموع ، ليس منذ خلق استحق معنى اسم الخالق ولا باحداثه البرايا استفاد معنى البارئية ، كيف ولا يغيبه : ( مذ ) ولا تدنيه :
  ( قد ) ولا يحجبه : ( لعل ) ولا يوقته : ( متى ) ولا يشتمله : ( حين ) ولا يقارنه :
  (مع) إنما تحد الأدوات أنفسها، وتشير الآلة إلى نظائرها ، وفي الأشياء توجد فعالها ، منعتها (منذ) القدمة، وحمتها ( قد ) الأزلية ، وجنبتها لولا ( التكملة ) افترقت فدلت على مفرقها ، وتباينت فأعزت على مباينها ، بها تجلى صانعها للعقول وبها احتجب عن الرؤية ، وإليها تحاكم الأوهام ، وفيها أثبت غيره ، ومنها أنبط الدليل ، وبها عرف الاقرار ، وبالعقول يعتقد التصديق بالله ، وبالإقرار يكمل الإيمان به ، لا ديانة إلا بعد معرفته ، ولا معرفة إلا بالإخلاص ، ولا إخلاص مع التشبيه ، ولا نفي مع إثبات الصفة للتثنية ، وكل ما في الخلق لا يوجد في خالقه وكل ما يمكن فيه يمتنع في صانعه ولا يجري عليه الحركة ولا السكون ، وكيف يجري عليه ما هو أجراه ، أو يعود فيه ما هو ابتداه ، إذا لتفاوتت ذاته ، ولتجزى كنهه ، ولامتنع من الأزل معناه ، ولما كان للباري معنى غير المبروء ، ولو وجد له

الإحتجاج (الجزء الثاني) _ 178 _

  وراء وجد له أمام، ولالتمس التمام إذ لزمه النقصان ، وكيف يستحق الأزل من لا يمتنع من الحدث ، أم كيف ينشئ الأشياء من لا يمتنع من الانشاء ، إذا لقامت عليه آية المصنوع ، ولتحول دليلا بعد ما كان مدلولا عليه ، ليس في محال القول حجة ، ولا في المسألة عنه جواب ، ولا في معناه لله تعظيم ، ولا في إبانته عن الحق ضيم إلا بامتناع الأزلي أن يثنى ، ولما بدئ له أن يبدئ لا إله إلا الله العلي العظيم ، كذب العادلون بالله وضلوا ضلالا بعيدا ، وخسروا خسرانا مبينا ، وصلى الله على محمد وآله الطاهرين .
  وروي عن الحسن بن محمد النوفلي (1) : أنه كان يقول : قدم سليمان المروزي متكلم خراسان على المأمون فأكرمه ووصله ، ثم قال له : إن ابن عمي علي بن موسى الرضا قدم علي من الحجاز ـ يحب الكلام ـ وأصحابه ، فعليك أن تصير إلينا يوم التروية لمناظرته .
  فقال سليمان : يا أمير المؤمنين أني أكره أن أسأل مثله في مجلسك في جماعة من بني هاشم ، فينتقص عند القوم إذا كلمني ولا يجوز الاستقصاء عليه .
  قال المأمون : إنما وجهت إليك لمعرفتي بقوتك ، وليس مرادي إلا أن تقطعه عن حجة واحدة فقط .
  فقال سليمان : حسبك يا أمير المؤمنين ! إجمع بيني وبينه ، وخلني وإياه .
  فوجه المأمون إلى الرضا ( عليه السلام ) ، فقال له : إنه قدم علينا رجل من أهل المرو ، وهو واحد خراسان من أصحاب الكلام ، فإن خف عليك أن تتجشم المصير إلينا فعلت.
  فنهض ( عليه السلام ) للوضوء ثم حضر مجلس المأمون ، وجرى بينه وبين سليمان المروزي كلام في البداء بمعنى الظهور ، لتغير المصلحة ، واستشهد ( عليه السلام ) بآي كثيرة

---------------------------
(1) قال العلامة الحلي رحمه الله في القسم الثاني من الخلاصة ص 213 : ( الحسن ابن محمد بن سهل النوفلي ضعيف ) .

الإحتجاج (الجزء الثاني) _ 179 _

  من القرآن على صحة ذلك ، مثل قول الله: ( يبدئ الخلق ثم يعيده ) (1) و ( يزيد في الخلق ما يشاء ) (2) و ( يمحو الله ما يشاء ويثبت ) (3) و ( ما يعمر من معمر ولا ينقص من عمره ) (4) و ( آخرون مرجون لأمر الله) (5) وأمثال ذلك .
  فقال سليمان : يا أمير المؤمنين لا أنكر بعد يومي هذا البداء ، ولا أكذب به إن شاء الله (6).
  فقال المأمون : يا سليمان اسأل أبا الحسن عما بدا لك وعليك بحسن

---------------------------
(1) الروم ـ 11 .
(2) فاطر ـ 1 .
(3) الرعد ـ 41 .
(4) فاطر ـ 11 .
(5) التوبة ـ 107 .
(6) عقيدتنا نحن الإمامية في البداء تتلخص فيما يلي :
لقد ثبت من الأخبار الواردة عن أئمة أهل البيت سلام الله عليهم أن الله سبحانه وتعالى خلق لوحين أثبت فيهما ما يحدث من الكائنات :
الأول ـ اللوح المحفوظ :
وهو اللوح المطابق لعلمه تعالى لا يحدث فيه أي تبدل أو تغيير .
للثاني ـ لوح المحو والإثبات :
وهو الذي يتغير ويتبدل ما فيه حسب ما تقتضيه الحكمة الإلهية قبل وقوعه وتحققه في الخارج .
وهذا اللوح ـ أعني ـ لوح المحو والإثبات تتطلع عليه الرسل والأنبياء والأوصياء والملائكة ، وقد روي عن الإمام الصادق ( عليه السلام ) أنه قال : أن لله علمين : علم مكنون مخزون لا يعلمه إلا هو من ذلك يكون البداء، وعلم علمه ملائكته وأنبياءه ورسله فنحن نعلمه .
ومعنى البداء : ظهور الشئ بعد خفائه ، وهو في عقيدة الإمامية : ظهور الشئ من الله لمن يشاء من خلقه بعد إخفائه عنهم فقولنا : ( بدا لله ) معناه بدا لله شأن أو حكم وليس معناه ظهر له ما خفى عليه تعالى الله عن ذلك علوا كبيرا ، ورد عن الإمام الصادق ( عليه السلام ) أنه قال : أن الله لم يبد له من جهل ، وقال ( عليه السلام ) : ما بدا لله في شئ إلا كان في علمه قبل أن يبدو له .

الإحتجاج (الجزء الثاني) _ 180 _

  الاستماع والإنصاف !
  قال سليمان : يا سيدي ما تقول فيمن جعل الإرادة اسما وصفة ، مثل حي وسميع وبصير وقدير ؟
  قال الرضا ( عليه السلام ) : إنما قلتم حدثت الأشياء واختلفت لأنه شاء وأراد ، ولم تقولوا :
  ( حدثت واختلفت ) لأنه سميع بصير ، فهذا دليل على أنها ليست مثل سميع وبصير ولا قدير .
  قال سليمان : فإنه لم يزل مريدا ؟
  قال : يا سليمان فإرادته غيره ؟
  قال : نعم .
  قال : قد أثبت معه شيئا لم يزل !
  قال سليمان : ما أثبت ؟
  قال الرضا ( عليه السلام ) : أهي محدثة ؟
  قال سليمان: لا ، ما هي محدثة ! فأعاد عليه المسألة فقال : هي محدثة يا سليمان ؟ فإن الشئ إذا لم يكن أزليا كان محدثا ، وإذا لم يكن محدثا كان أزليا .
  قال سليمان: إرادته منه كما أن سمعه وبصره وعلمه منه .
  قال الرضا ( عليه السلام ) : فإرادته نفسه ؟
  قال : لا .
  قال : فليس المريد مثل السميع والبصير.
  قال سليمان : إنما إرادته كما سمع نفسه ، وأبصر نفسه وعلم نفسه .
  قال الرضا ( عليه السلام ) : ما معنى أراد نفسه ، أراد أن يكون شيئا ، أو أراد أن يكون حيا ، أو سميعا ، أو بصيرا أو قديرا ؟
  قال : نعم .
  قال الرضا ( عليه السلام ) : أفبإرادته كان ذلك ؟
  قال سليمان : نعم .

الإحتجاج (الجزء الثاني) _ 181 _

  قال الرضا ( عليه السلام ) : فليس لقولك أراد أن يكون حيا سميعا بصيرا معنى ، إذ لم يكن ذلك بإرادته .
  قال سليمان : بلى قد كان ذلك بإرادته ، فضحك المأمون ومن حوله ، وضحك الرضا ( عليه السلام ) ، ثم قال لهم : ارفقوا بمتكلم خراسان !
  فقال يا سليمان : فقد حال عندكم عن حالة وتغير عنها، وهذا مما لا يوصف الله عز وجل به ، فانقطع .
  ثم قال الرضا ( عليه السلام ) : يا سليمان أسألك عن مسألة ؟
  قال : سل جعلت فداك !
  قال : أخبرني عنك وعن أصحابك تكلمون الناس بما تفقهون وتعرفون ، أو بما لا تفقهون وتعرفون ؟
  فقال : بل بما نفقهه ونعلم .
  قال الرضا ( عليه السلام ): فالذي يعلم الناس أن المريد غير الإرادة، وأن المريد قبل الإرادة، وأن الفاعل قبل المفعول ، وهذا يبطل قولكم : أن الإرادة والمريد شئ واحد .
  قال : جعلت فداك! ليس ذلك منه على ما يعرف الناس ، ولا على ما يفقهون .
  قال : فأراكم ادعيتم على ذلك بلا معرفة ، وقلتم : الإرادة كالسمع والبصر إذا كان ذلك عندكم على ما لا يعرف ولا يعقل ، فلم يحر جوابا.
  ثم قال الرضا ( عليه السلام ) : هل يعلم الله تعالى جميع ما في الجنة والنار ؟
  قال سليمان : نعم .
  قال : فيكون ما علم الله عز وجل أنه يكون من ذلك ؟
  قال : نعم .
  قال : فإذا كان حتى لا يبقى منه شئ إلا كان أيزيدهم أو يطويه عنهم ؟
  قال سليمان : بل يزيدهم .
  قال : فأراه في قولك قد زادهم ما لم يكن في علمه أنه يكون .

الإحتجاج (الجزء الثاني) _ 182 _

  قال : جعلت فداك! فالمزيد لا غاية له .
  قال : فليس يحيط علمه عندكم بما يكون فيها إذا لم يعرف غاية ذلك ، وإذا لم يحط علمه بما يكون فيهما لم يعلم ما يكون فيهما قبل أن يكون ، تعالى الله عن ذلك علوا كبيرا .
  قال سليمان : إنما قلت لا يعلمه لأنه لا غاية لهذا لأن الله عز وجل وصفهما بالخلود، وكرهنا أن نجعل لهما انقطاعا .
  قال الرضا ( عليه السلام ) : ليس علمه بذلك بموجب لانقطاعه عنهم، لأنه قد يعلم ذلك ثم يزيدهم ، ثم لا يقطعه عنهم، ولذلك قال عز وجل في كتابه : ( كلما نضجت جلودهم بدلناهم جلودا غيرها ليذوقوا العذاب ) (1) وقال لأهل الجنة:
  ( عطاء غير مجذوذ ) (2) وقال عز وجل : ( وفاكهة كثيرة لا مقطوعة ولا ممنوعة ) (3) فهو عز وجل يعلم ذلك ولا يقطع عنهم الزيادة ، أرأيت ما أكل أهل الجنة وما شربوا أليس يخلف مكانه ؟
  قال : بلى .
  قال : أفيكون يقطع ذلك عنهم وقد أخلف مكانه ؟
  قال سليمان : لا .
  قال : فكذلك كلما يكون فيها إذا أخلف مكانه فليس بمقطوع عنهم .
  قال سليمان : بلى . يقطعه عنهم ولا يزيدهم .
  قال الرضا ( عليه السلام ) : إذا يبيد ما فيها ، وهذا يا سليمان إبطال الخلود ، وخلاف الكتاب ، لأن الله عز وجل يقول : ( لهم ما يشاؤن فيها ولدينا مزيد ) (4) ويقول عز وجل : ( عطاء غير مجذوذ ) (5) ويقول عز وجل : ( وما هم عنها بمخرجين ) (6)

---------------------------
(1) النساء ـ 55 .
(2) هود ـ 109 .
(3) الواقعة ـ 33
(4) ق ـ 35 .
(5) هود ـ 109 .
(6) الحجر ـ 48 .

الإحتجاج (الجزء الثاني) _ 183 _

  وبقول عز وجل : ( خالدين فيها ) (1) ويقول عز وجل : ( وفاكهة كثيرة لا مقطوعة ولا ممنوعة ) (2) فلم يحر جوابا ، ثم قال الرضا ( عليه السلام ) :
  ألا تخبرني عن الإرادة فعل أم هي غير فعل ؟
  قال : بل هي فعل .
  قال : فهي محدثة لأن الفعل كله محدث !
  قال : ليست بفعل .
  قال : فمعه غيره لم يزل ؟
  قال سليمان : إن الإرادة هي الأشياء.
  قال : يا سليمان هذا الذي عبتموه على ضرار وأصحابه من قولهم : ( أن كل ما خلق الله عز وجل في سماء أو أرض أو بحر أو بر من : كلب أو خنزير أو قرد أو إنسان أو دابة إرادة الله، وأن إرادة الله تحيى وتموت ، وتذهب ، وتأكل وتشرب ، وتنكح ، وتلد وتظلم ، وتفعل الفواحش ، وتكفر ، وتشرك ، فتبرأ منها وتعاديها وهذا حدها .
  قال سليمان : إنها كالسمع والبصر والعلم قال الرضا ( عليه السلام ) : قد رجعت إلى هذا ثانية! فأخبرني عن السمع والعلم أمصنوع ؟
  قال سليمان ، لا .
  قال الرضا ( عليه السلام ): فكيف نفيتموه ؟ فمرة قلتم لم يرد، ومرة قلتم أراد، وليس بمفعول له .
  قال سليمان : إنما ذلك كقولنا مرة علم ومرة لم يعلم .
  قال الرضا ( عليه السلام ) : ليس ذلك سواء لأن نفي المعلوم ليس ينفي العلم ، ونفي المراد نفي الإرادة أن تكون ، لأن الشئ إذا لم يرد لم تكن إرادة ، وقد يكون العلم ثابتا وإن لم يكن المعلوم ، بمنزلة البصر فقد يكون الإنسان بصيرا وإن لم يكن المبصر ، ويكون العلم ثابتا وإن لم يكن المعلوم .
  فلا يزال سليمان يردد المسألة وينقطع فيها ويستأنف ، وينكر ما كان أقر

---------------------------
(1) البقرة ـ 162 .
(2) الواقعة ـ 33 .

الإحتجاج (الجزء الثاني) _ 184 _

  به ، ويقر بما أنكر ، وينتقل من شئ إلى شئ ، والرضا صلوات الله عليه ينقض عليه ذلك ، حتى طال الكلام بينهما ، وظهر لكل أحد انقطاعه مرات كثيرة ، تركنا إيراد ذلك مخافة التطويل ، فآل الأمر إلى أن قال سليمان :
  إن الإرادة هي القدرة .
  قال الرضا ( عليه السلام ) : وهو عز وجل يقدر على ما لا يريد أبد الأبدين من ذلك لأنه قال تبارك وتعالى : ( ولئن شئنا لنذهبن بالذي أوحينا إليك ) (1) فلو كانت الإرادة هي القدرة كان قد أراد أن يذهب به لقدرته.
  فانقطع سليمان وترك الكلام عند هذا الانقطاع ، ثم تفرق القوم .
  وعن صفوان بن يحيى (2) قال : سألني أبو قرة المحدث صاحب شبرمة أن أدخله

---------------------------
(1)) الإسراء ـ 86 .
(2) صفوان بن يحيى : أبو محمد البجلي مولى بني بجيلة بياع السابري كوفي قال الشيخ الطوسي ( ره ) : أنه أوثق أهل زمانه عند أصحاب الحديث وغيرهم .
وكان يصلي كل يوم خمسين ومائة ركعة ، ويصوم في السنة ثلاثة أشهر ، ويخرج زكاة ماله في السنة ثلاث مرات ، وذلك أنه اشترك هو وعبد الله بن جندب وعلي بن النعمان في بيت الله الحرام وتعاقدوا جميعا : أن من مات منهم يصلي من بقى صلاته ويصوم عنه ويزكي عنه ما دام حيا ، فمات صاحباه وبقي صفوان بعدهما ، وكان يفي لهما بذلك فيصلي عنهما ويحج عنهما ويصوم عنهما ويزكي عنهما ، وكل شئ من البر والإحسان يفعله لنفسه كذلك يفعله عن صاحبيه ، وكان وكيل الرضا ( عليه السلام ) .
وقال أبو عمرو الكشي : أجمع أصحابنا على تصحيح ما يصح عن صفوان بن يحيى بياع السابري والإقرار له بالفقه في آخرين يأتي ذكرهم في مواضعهم إن شاء الله تعالى .
وروي عن محمد بن قولويه عن أحمد بن محمد عن الحسين بن سعيد عن معمر بن خلاد قال : قال أبو الحسن ( عليه السلام ) : ما ذئبان ضاربان في غنم قد غاب عنها رعاؤها بأضر في دين المسلم من حب الرياسة ، ثم قال ( عليه السلام ) ولكن صفوان لا يحب الرياسة.
وكان له عند لرضا ( عليه السلام ) منزلة شريفة ، وتوكل للرضا ( عليه السلام ) وأبي جعفر ( عليه السلام ) ، وسلم مذهبه من الوقف ، وكانت له منزلة من الزهد والعبادة .
القسم الأول من خلاصة العلامة ص 88 .

الإحتجاج (الجزء الثاني) _ 185 _

  على أبي الحسن الرضا ( عليه السلام ) ، فاستأذنه فأذن له ، فدخل فسأله عن أشياء من الحلال والحرام ، والفرائض والأحكام ، حتى بلغ سؤاله إلى التوحيد فقال له :
  أخبرني جعلني الله فداك عن كلام الله لموسى ؟
  فقال : الله أعلم بأي لسان كلمه بالسريانية أم بالعبرانية .
  فأخذ أبو قرة بلسانه فقال : إنما أسألك عن هذا اللسان !
  فقال أبو الحسن : سبحان الله عما تقول ، ومعاذ الله أن يشبه خلقه ، أو يتكلم بمثل ما هم به متكلمون ، ولكنه تبارك وتعالى ليس كمثله شئ ، ولا كمثله قائل ولا فاعل .
  قال : كيف ذلك ؟
  قال : كلام الخالق لمخلوق ليس ككلام المخلوق لمخلوق ، ولا يلفظ بشق فم ولسان، ولكن يقول له : ( كن ) فكان بمشيته ، ما خاطب به موسى ( عليه السلام ) من الأمر والنهي من غير تردد في نفس .
  فقال أبو قرة : فما تقول في الكتب ؟
  فقال أبو الحسن ( عليه السلام ) : التوراة والإنجيل والزبور والفرقان ، وكل كتاب أنزل كان كلام الله، أنزله للعالمين نورا وهدى ، وهي كلها محدثة ، وهي غير الله، حيث يقول : ( ويحدث لهم ذكرا ) (1) وقال : ( ما يأتيهم من ذكر من ربهم إلا استمعوه وهم يلعبون ) (2) والله أحدث الكتب كلها الذي أنزلها .
  فقال أبو قرة : فهل تفنى ؟
  فقال أبو الحسن : أجمع المسلمون على أن ما سوى الله فان ، وما سوى الله فعل الله، والتوراة والإنجيل والزبور والفرقان فعل الله، ألم تسمع الناس يقولون :
  ( رب القرآن ) وأن القرآن يقول يوم القيامة: ( يا رب هذا فلان ـ وهو أعرف به منه ـ قد أظمأت نهاره ، وأسهرت ليله ، فشفعني فيه ) وكذلك التوراة والإنجيل والزبور ، وهي كلها محدثة ، مربوبة ، أحدثها من ليس كمثله شئ ، هدى لقوم

---------------------------
(1) طه ـ 113 .
(2) البقرة ـ 21 .

الإحتجاج (الجزء الثاني) _ 186 _

  عقلون ، فمن زعم أنهن لم يزلن معه فقد أظهر : أن الله ليس بأول قديم ، ولا واحد ، وأن الكلام لم يزل معه ، وليس له بدء ، وليس بآله .
  قال أبو قرة : وإنا روينا: أن الكتب كلها تجئ يوم القيامة والناس في صعيد واحد ، صفوف قيام لرب العالمين ينظرون حتى ترجع فيه ، لأنها منه وهي جزء منه ، فإليه تصير .
  قال أبو الحسن ( عليه السلام ) : فهكذا قالت النصارى في المسيح أنه روحه ، جزء منه ويرجع فيه ، وكذلك قالت المجوس : في النار والشمس أنهما جزء منه ترجع فيه ، تعالى ربنا أن يكون متجزيا ، أو مختلفا ، وإنما يختلف ويأتلف المتجزي ، لأن كل متجزي متوهم ، والكثرة والقلة مخلوقة دالة على خالق خلقها .
  فقال أبو قرة : فإنا روينا : أن الله قسم الرؤية والكلام بين نبيين ، فقسم لموسى ( عليه السلام ) الكلام ، ولمحمد ( صلى الله عليه وآله وسلم ) الرؤية .
  فقال أبو الحسن ( عليه السلام ) : فمن المبلغ عن الله إلى الثقلين الجن والإنس : أنه لا تدركه الأبصار ، ولا يحيطون به علما ، وليس كمثله شئ ، أليس محمد ( صلى الله عليه وآله وسلم ) ؟
  قال : بلى .
  قال أبو الحسن : فكيف يجئ رجل إلى الخلق جميعا فيخبرهم : أنه جاء من عند الله، وأنه يدعوهم إلى الله بأمر الله، ويقول : أنه لا تدركه الأبصار ، ولا يحيطون به علما ، وليس كمثله شئ ، ثم يقول : أنا رأيته بعيني ، وأحطت به علما ، وهو على صورة البشر ، أما تستحيون ؟! ما قدرت الزنادقة أن ترميه بهذا : أن يكون أتى عن الله بأمر ثم يأتي بخلافه من وجه آخر .
  فقال أبو قرة : إنه يقول : ( ولقد رآه نزلة أخرى ) (1) .
  فقال أبو الحسن ( عليه السلام ) : إن بعد هذه الآية ما يدل على ما رأى حيث قال :
  ( ما كذب الفؤاد ما رأى ) (2) يقول : ما كذب فؤاد محمد ( صلى الله عليه وآله وسلم ) ما رأت عيناه ثم أخبر بما رأت عيناه فقال : ( لقد رأى من آيات ربه الكبرى ) (3) فآيات الله

---------------------------
( 1 ـ 2 ـ 3 ) النجم ـ 13 ، 11 ، 18 .

الإحتجاج (الجزء الثاني) _ 187 _

  غير الله، وقال : ( ولا يحيطون به علما ) (1) فإذا رأته الأبصار فقد أحاط به العلم ووقعت المعرفة .
  فقال أبو قرة : فتكذب بالرواية ؟
  فقال أبو الحسن ( عليه السلام ) : إذا كانت الرواية مخالفة للقرآن كذبتها ، وما أجمع المسلمون عليه أنه لا يحاط به علما ، ولا تدركه الأبصار ، وليس كمثله شئ .
  وسأله عن قول الله: (سبحان الذي أسرى بعبده ليلا من المسجد الحرام إلى المسجد الأقصى ) (2) فقال أبو الحسن ( عليه السلام ) : قد أخبر الله تعالى : أنه أسرى به، ثم أخبر : أنه لم أسري به ، فقال : (لنريه من آياتنا) (3) فآيات الله غير الله، فقد أعذر، وبين لم فعل به ذلك ، وما رآه وقال : ( فبأي حديث بعد الله وآياته تؤمنون ) (4) فأخبر أنه غير الله.
  فقال أبو قرة : أين الله ؟
  فقال أبو الحسن ( عليه السلام ) : الأين مكان ، وهذه مسألة شاهد عن غايب ، فالله تعالى ليس بغائب ، ولا يقدمه قادم ، وهو بكل مكان ، موجود ، مدبر صانع ، حافظ ، ممسك السماوات والأرض.
  فقال أبو قرة : أليس هو فوق السماء دون ما سواها ؟
  فقال أبو الحسن ( عليه السلام ) : هو الله في السماوات وفي الأرض، وهو الذي في السماء إله وفي الأرض إله ، وهو الذي يصوركم في الأرحام كيف يشاء ، وهو معكم أينما كنتم ، وهو الذي استوى إلى السماء وهي دخان ، وهو الذي استوى إلى السماء فسواهن سبع سماوات ، وهو الذي استوى على العرش ، قد كان ولا خلق وهو كما كان إذ لا خلق ، لم ينتقل مع المنتقلين .
  فقال أبو قرة : فما بالكم إذ دعوتم رفعتم أيديكم إلى السماء ؟
  فقال أبو الحسن ( عليه السلام ) : إن الله استعبد خلقه بضروب من العبادة ، ولله مفازع

---------------------------
(1) طه ـ 11
(2) الإسراء ـ 1
(3) الإسراء ـ 1
(4) الجاثية ـ 5

الإحتجاج (الجزء الثاني) _ 188 _

  يفزعون إليه ، ومستعبد ، فاستعبد عباده بالقول ، والعلم ، والعمل ، والتوجه ، ونحو ذلك ، استعبدهم بتوجيه الصلاة إلى الكعبة ، ووجه إليها الحج والعمرة ، واستعبد خلقه عند الدعاء والطلب والتضرع ، ببسط الأيدي ورفعها إلى السماء لحال الاستكانة وعلامة العبودية والتذلل له .
  قال أبو قرة : فمن أقرب إلى الله الملائكة أو أهل الأرض ؟
  قال أبو الحسن ( عليه السلام ) : إن كنت تقول بالشبر والذراع ، فإن الأشياء كلها باب واحد هي فعله لا يشتغل ببعضها عن بعض ، يدبر أعلى الخلق من حيث يدبر أسفله ، ويدبر أوله من حيث يدبر آخره ، من غير عناء ، ولا كلفة ، ولا مؤنة ، ولا مشاورة ، ولا نصب ، وإن كنت تقول من أقرب إليه في الوسيلة ، فأطوعهم له وأنتم تروون أن أقرب ما يكون العبد إلى الله وهو ساجد ، ورويتم أن أربعة أملاك التقوا أحدهم من أعلى الخلق ، واحدهم من أسفل الخلق ، واحدهم من شرق الخلق ، وأحدهم من غرب الخلق فسأل بعضهم بعضا فكلهم قال : ( من عند الله) أرسلني بكذا وكذا ، ففي هذا دليل على أن ذلك في المنزلة دون التشبيه والتمثيل .
  فقال أبو قرة : أتقر أن الله محمول ؟
  فقال أبو الحسن : كل محمول مفعول ، ومضاف إلى غيره محتاج ، فالمحمول اسم نقص في اللفظ ، والحامل فاعل وهو فاعل وهو في اللفظ ممدوح ، وكذلك قول القائل :
  فوق ، وتحت ، وأعلى ، وأسفل ، وقد قال الله تعالى : ( ولله الأسماء الحسنى فادعوه بها ) (1) ولم يقل في شئ من كتبه أنه محمول ، بل هو الحامل في البر والبحر ، والممسك للسماوات والأرض، والمحمول ما سوى الله، ولم نسمع أحدا آمن بالله وعظمه قط قال في دعائه : ( يا محمول ) .
  قال أبو قرة : أفتكذب بالرواية : أن الله إذا غضب يعرف غضبه الملائكة الذين يحملون العرش ، يجدون ثقله في كواهلهم فيخرون سجدا ، فإذا ذهب الغضب خف فرجعوا إلى مواقفهم ؟

---------------------------
(1) الأعراف ـ 179

الإحتجاج (الجزء الثاني) _ 189 _

  فقال أبو الحسن ( عليه السلام ): أخبرني عن الله تبارك وتعالى منذ لعن إبليس إلى يومك هذا والى يوم القيامة فهو غضبان على إبليس وأوليائه أو عنهم راض ؟
  فقال : نعم ، هو غضبان عليه .
  قال : فمتى رضي فخف وهو في صفتك لم يزل غضبانا عليه وعلى أتباعه ؟
  ثم قال : ويحك كيف تجترئ أن تصف ربك بالتغير من حال إلى حال ، وأنه يجري عليه ما يجري على المخلوقين ؟! سبحانه لم يزل مع الزائلين ولم يتغير مع المتغيرين.
  قال صفوان : فتحير أبو قرة ولم يحر جوابا حتى قام وخرج .
  عن عبد السلام بن صالح الهروي (1) قال : قلت لعلي بن موسى الرضا ( عليه السلام ) :
  يا بن رسول الله ما تقول في الحديث الذي يرويه أهل الحديث : أن المؤمنين يزورون ربهم من منازلهم في الجنة ؟

---------------------------
(1) قال الشيخ الطوسي في أصحاب الرضا ( عليه السلام ) من رجاله ص 380 :
عبد السلام بن صالح الهروي أبو الصلت عامي وص 396 منه أبو الصلت الخراساني الهروي عامي روى عنه بكر بن صالح ، وقال العلامة في القسم الأول من الخلاصة ص 117 : عبد السلام بن صالح أبو الصلت الهروي روى عن الرضا ( عليه السلام ) ثقة صحيح الحديث ، وقال الشيخ عباس القمي في ج 1 من الكنى والألقاب ص 96 :
( عبد السلام بن صالح الهروي روى عن الرضا ( عليه السلام ) ثقة صحيح الحديث قاله جش والعلامة ، له كتاب : ( وفاة الرضا ( عليه السلام ) ) وكان ( ره ) كما يشعر به بعض الكلمات مخابطا للعامة وراويا لأخبارهم فلذلك التبس أمره على بعض المشايخ فذكر أنه عامي .
قال الأستاذ الأكبر في التعليقة بعد نقل كلام الشهيد الثاني في تشيعه لا يخفى أن الأمر كذلك فإن الأخبار الصادرة عنه في العيون والأمالي وغيرهما الناصة على تشيعه بل وكونه من خواص الشيعة أكثر من أن تحصى وعلماء العامة ذكروا أنه شيعي قال الذهبي في ميزان الاعتدال : عبد السلام بن صالح أبو الصلت الهروي رجل صالح إلا أنه شيعي ونقل عن الجعفي أنه رافضي خبيث وقال الدارقطني أنه رافضي متهم وقال ابن الجوزي أنه خادم الرضا شيعي مع صلاحه وعن الأنساب للسمعاني قال أبو حاتم : هو رأس مذهب
=>

الإحتجاج (الجزء الثاني) _ 190 _

  فقال ( عليه السلام ) : يا أبا الصلت إن الله تبارك وتعالى فضل نبيه محمدا ( صلى الله عليه وآله وسلم ) على جميع خلقه ، من النبيين والملائكة ، وجعل طاعته طاعته ، ومبايعته مبايعته ، وزيارته في الدنيا والآخرة زيارته ، فقال عز وجل : ( من يطع الرسول فقط أطاع الله) (1) وقال : ( إن الذين يبايعونك إنما يبايعون الله يد الله فوق أيديهم ) (2) وقال النبي ( صلى الله عليه وآله وسلم ): (من زارني في حياتي أو بعد موتي فقد زار الله) ودرجة النبي ( صلى الله عليه وآله وسلم ) في الجنة أرفع الدرجات ، فمن زاره في درجته في الجنة من منزلة فقد زار الله تبارك وتعالي .
  قال : قلت : يا بن رسول الله فما معنى الخبر الذي رووه : أن ثواب لا إله إلا الله النظر إلى وجه الله ؟
  فقال ( عليه السلام ) : يا أبا الصلت فمن وصف الله بوجه كالوجوه فقد كفر ، ولكن وجه الله أنبياءه ورسله وحججه عليهم صلوات الله، هم الذين بهم يتوجه إلى الله عز وجل وإلى دينه ومعرفته ، فقال الله عز وجل : (كل من عليها فان ، ويبقى وجه ربك ذي الجلال والإكرام) (3) وقال الله عز وجل : ( كل شئ هالك إلا وجهه ) (4) فالنظر إلى أنبياء الله ورسله وحججه عليهم السلام في درجاتهم ثواب عظيم للمؤمنين ، وقد قال النبي ( صلى الله عليه وآله وسلم ) : ( من أبغض أهل بيتي وعترتي لم يرني ولم أره يوم القيامة ) (5) وقال ( صلى الله عليه وآله وسلم ) : ( أن فيكم من لا يراني بعد أن يفارقني ) (6) يا أبا الصلت إن الله تبارك وتعالى لا يوصف بمكان ، ولا يدرك بالأبصار والأوهام .

---------------------------
<=
الرافضة ، إلى أن قال : أقول : الروايات الدالة على تشيعه كثيرة وقد أشرت إلى نبذ منها في كساب سفينة البحار وروى الشيخ الطوسي (ره) عنه في الشكر ما ينبغي ، أن يكتب بالتبر ) توفي سنة 236 هـ
(1) النساء ـ 79
(2) الفتح ـ 10
(3) الرحمن ـ 27
(4) القصص ـ 88
(5) راجع ذخائر العقبى ص 2 وينابيع المودة ج 1 ص 305
(6) راجع نفس المصدر السابق .

لإحتجاج (الجزء الثاني) _ 191 _

  قال : فقلت له : يا بن رسول الله فأخبرني عن الجنة والنار : أهما اليوم مخلوقان ؟
  قال : نعم ، وأن رسول الله ( صلى الله عليه وآله وسلم ) قد دخل الجنة ورأى النار لما عرج به إلى السماء .
  قال : فقلت له : إن قوما يقولون : أنهما اليوم مقدرتان غير مخلوقتين ؟
  فقال : ما أولئك منا ولا نحن منهم ، من أنكر خلق الجنة والنار فقد كذب النبي ( صلى الله عليه وآله وسلم ) وكذبنا ، وليس من ولايتنا على شئ ، ويخلد في نار جهنم ، قال الله عز وجل : ( هذه جهنم التي يكذب بها المجرمون يطوفون بينها وبين حميم آن ) (1) وقال النبي ( صلى الله عليه وآله وسلم ) : ( لما عرج بي إلى السماء أخذ بيدي جبرئيل ( عليه السلام ) فأدخلني الجنة فناولني من رطبها فأكلته ، فتحول ذلك نطفة في صلبي ، فلما هبطت إلى الأرض واقعت خديجة فحملت بفاطمة ( عليها السلام ) ، ففاطمة حوراء إنسية ، فكلما اشتقت إلى رائحة الجنة شممت رائحة ابنتي فاطمة ) (2).
  وقال الرضا ( عليه السلام ) : في قول الله عز وجل : ( وجوه يومئذ ناضرة إلى ربها ناظرة ) (3) قال : يعني ـ مشرقة ـ تنظر ثواب ربها.
  وقال ( عليه السلام ) : أن النبي ( صلى الله عليه وآله وسلم ) قال : ( قال الله جل جلاله : ما آمن بي من

---------------------------
(1) الرحمن ـ 43
(2) في ينابيع المودة ص 197 عن عايشة قالت : قلت : يا رسول الله ما لك إذا جعلت لسانك في فيها كأنك تريد أن تلعقها عسلا ؟ قال : لما أسري بي إلى السماء أدخلني جبرائيل الجنة فناولني تفاحة فأكلتها ، فصارت نطفة في ظهري ، فلما نزلت من السماء واقعت خديجة ففاطمة من تلك النطفة فكلما اشتقت إلى تلك التفاحة قبلتها ثم قال : أخرجه أبو سعد في شرف النبوة وفيه أيضا عن ابن عباس كان النبي ( صلى الله عليه وآله وسلم ) وسلم يكثر القبلة لفاطمة ، فقالت له : إنك تكثر تقبيل فاطمة ؟ : فقال :
إن جبرائيل أدخلني الجنة ليلة أسري بي إلى السماء فأطعمني من جميع ثمارها ، فصارت ماء في صلبي ، فحملت خديجة بفاطمة ، فإذا اشتقت إلى تلك الثمار ، قبلت فاطمة فأصبت من تقبيلها رائحة جميع تلك الثمار التي أكلتها ثم قال : أخرجه أبو الفضل بن خيرون .
(3) القيامة ـ 23

لإحتجاج (الجزء الثاني) _ 192 _

  فسر برأيه كلامي ، وما عرفني من شبهني بخلقي ، وما على ديني من استعمل القياس في ديني ) وقال : ( من رد متشابه القرآن إلى محكمه هدي إلى صراط مستقيم ) ثم قال : إن في أخبارنا متشابها كمتشابه القرآن، ومحكما كمحكم القرآن ، فردوا متشابهها إلى محكمها ، ولا تتبعوا متشابهها دون محكمها فتضلوا .
  وقال : من شبه الله بخلقه فهو مشرك ، ومن نسب إليه ما نهى عنه فهو كافر .
  وعن الحسين بن خالد (1) قال : سمعت الرضا ( عليه السلام ) يقول : لم يزل الله عز وجل عليما ، قادرا ، حيا ، قديما ، سميعا ، بصيرا .
  فقلت : يا بن رسول الله إن قوما يقولون : لم يزل عالما بعلم ، وقادرا بقدرة وحيا بحياة ، وقديما بقدم ، وسميعا بسمع ، وبصيرا ببصر .
  فقال ( عليه السلام ) : من قال ذلك ودان به فقد اتخذ مع الله آلهة أخرى ، وليس من ولايتنا على شئ ثم قال ( عليه السلام ) : لم يزل الله عز وجل عليما ، قادرا ، حيا ، قديما سميعا ، بصيرا ـ لذاته ـ تعالى عما يقول المشركون والمشبهون علوا كبيرا .
  وعن الحسين بن خالد قال : قلت للرضا ( عليه السلام ) : يا بن رسول الله إن قوما يقولون : أن رسول الله ( صلى الله عليه وآله وسلم ) قال : ( إن الله خلق آدم على صورته ) .
  فقال : قاتلهم الله! لقد حذفوا أول الحديث، إن رسول الله مر برجلين يتسابان ، فسمع أحدهما يقول لصاحبه : ( قبح الله وجهك ووجه من يشبهك ) فقال له ( صلى الله عليه وآله وسلم ) : ( يا عبد الله لا تقل هذا لأخيك! فإن الله عز وجل خلق آدم على صورته ) .
  وعن إبراهيم بن أبي محمود (2) قال : قلت للرضا ( عليه السلام ) : يا بن رسول الله

---------------------------
(1) من أصحاب الكاظم والرضا ( عليهما السلام ) ذكره الشيخ في رجاله صفحة 347 و 373 .
(2) إبراهيم بن أبي محمود : ذكره الشيخ في أصحاب الكاظم ( عليه السلام ) ص 343 وقال : له مسائل وفي أصحاب الرضا ( عليه السلام ) ص 367 فقال : خراساني ثقة مولى ، وقال العلامة في الخلاصة ص 3 : روى عن الرضا ( عليه السلام ) ثقة أعتمد على روايته .

لإحتجاج (الجزء الثاني) _ 193 _

  ما تقول في الحديث الذي يرويه الناس عن رسول الله ( صلى الله عليه وآله وسلم ) : أن الله تبارك وتعالى ينزل كل ليلة إلى السماء الدنيا ؟
  فقال ( عليه السلام ) : لعن الله المحرفين الكلم عن مواضعه ، والله ما قال ( صلى الله عليه وآله وسلم ) كذلك إنما قال ( صلى الله عليه وآله وسلم ) : ( أن الله تبارك وتعالى ينزل ملكا إلى السماء كل ليلة في الثلث الأخير ، وليلة الجمعة في أول الليل ، فيأمره فينادي أهل من سائل فاعطيه ؟ هل من تائب فأتوب عليه ؟ هل من مستغفر فاغفر له ؟ يا طالب الخير فأقبل ، يا طالب الشر أقصر ، فلا يزال ينادي بهذا حتى يطلع الفجر ، فإذا طلع الفجر عاد إلى محله من ملكوت السماء ) حدثني بذلك أبي عن جدي عن آبائه عن رسول الله ( صلى الله عليه وآله وسلم ) .
  وعن محمد بن سنان قال : سألت أبا الحسن الرضا ( عليه السلام ) : هل كان الله عارفا بنفسه قبل أن يخلق الخلق ؟
  قال : نعم .
  قلت : يراها ويسمعها ؟
  قال : ما كان محتاجا إلى ذلك لأنه لم يكن يسألها ولا يطلب منها شيئا ، هو نفسه ، ونفسه هو ، قدرته نافذة ، فليس بمحتاج إلى أن يسمي نفسه ، ولكنه اختار أسماء لغيره يدعوه بها ، لأنه إذا لم يدع باسمه لم يعرف ، فأول ما اختار نفسه ( العلي العظيم ) أعلا الأشياء كلها ، فمعناه : ( الله) واسمه : ( العلي العظيم ) هو أول أسمائه لأنه علا كل شئ .
  وقال ( عليه السلام ) في قوله : ( يوم يكشف عن ساق ) (1) فساق حجاب من نور يكشف فيقع المؤمنون سجدا ، وتدمج أصلاب المنافقين، فلا يستطيعون السجود .
  وسئل عن قوله عز وجل : ( كلا إنهم عن ربهم يومئذ لمحجوبون ) (2) فقال : إن الله تبارك وتعالى لا يوصف بمكان يحل فيه فيحجب عن عباده ، ولكنه يعني : عن ثواب ربهم محجوبون .
  وسئل عن قوله عز وجل : ( وجاء ربك والملك صفا صفا ) (3) فقال : إن

---------------------------
(1) القلم ـ 42 .
(2) المطففين ـ 15 .
(3) الفجر ـ 22 .

لإحتجاج (الجزء الثاني) _ 194 _

  الله لا يوصف بالمجئ والذهاب والانتقال ، إنما يعني بذلك : وجاء أمر ربك .
  وسئل عن قوله : ( هل ينظرون إلا أن يأتيهم الله في ضلل من الغمام والملائكة ) (1) قال : معناه : هل ينظرون إلا أن يأتيهم الله بالملائكة في ظلل من الغمام وهكذا نزلت .
  وسئل عن قوله عز وجل : ( سخر الله منهم ) (2) وعن قوله : ( الله يستهزئ بهم ) (3) وعن قوله : ( ومكروا ومكر الله والله خير الماكرين ) (4) وعن قوله :
  ( يخادعون الله وخادعهم ) (5) .
  فقال : إن الله لا يسخر ، ولا يستهزئ ، ولا يمكر ، ولا يخادع ، ولكنه عز وجل يجازيهم جزاء السخرية ، وجزاء الاستهزاء ، وجزاء المكر ، وجزاء الخديعة تعالى الله عما يقولون الظالمون علوا كبيرا .
  وسئل عن قوله عز وجل : ( نسوا الله فنسيهم ) (6) فقال : إن الله تبارك وتعالى لا يسهو ، ولا ينسى ، إنما يسهو وينسى المخلوق المحدث ، ألا تسمعه عز وجل يقول : ( وما كان ربك نسيا ) (7) وإنما يجازي من نسيه ، ونسي لقاء يومه ، بأن ينسيهم أنفسهم ، كما قال : ( نسوا الله فأنساهم أنفسهم ) (8) وقال : ( فاليوم ننساهم كما نسوا لقاء يومهم هذا ) (9) أي نتركهم كما تركوا الاستعداد للقاء يومهم هذا ، أي نجازيهم على ذلك.
  وسئل عن قول الله عز وجل : ( فمن يرد الله أن يهديه يشرح صدره للإسلام ومن يرد أن يضله يجعل صدره ضيقا حرجا كأنما يصعد في السماء ) (10) قال : ومن يرد الله أن يهديه بإيمانه في الدنيا إلى جنة ودار كرامة في الآخرة ،

---------------------------
(1) البقرة ـ 210 .
(2) التوبة ـ 8
(3) البقرة ـ 15 .
(4) آل عمران ـ 54 .
(5) النساء ـ 141 .
(6) التوبة ـ 68 .
(7) مريم ـ 64 .
(8) الحشر ـ 19 .
(9) الأعراف ـ 50 .
(10) الأنعام ـ 125 .

لإحتجاج (الجزء الثاني) _ 195 _

  يشرح صدره للتسليم لله والثقة به ، والسكون إلى ما وعده من ثوابه، حتى يطمئن إليه، ومن يرد أن يضله عن جنته ودار كرامته في الآخرة ـ لكفره به وعصيانه له في الدنيا ـ يجعل صدره ضيقا حرجا ، حتى يشك في كفره ويضطرب في اعتقاد قلبه حتى يصير كأنما يصعد في السماء ، كذلك يجعل الله الرجس على الذين لا يؤمنون .
  أبو الصلت الهروي قال : سأل المأمون الرضا ( عليه السلام ) عن قول الله عز وجل :
  ( وهو الذي خلق السماوات والأرض في سنة أيام ، وكان عرشه على الماء ليبلوكم أيكم أحسن عملا ) ؟ (1) .
  فقال : إن الله تبارك وتعالى خلق العرش والماء ليظهر بذلك قدرته للملائكة فتعلم أنه على كل شئ قدير ثم رفع العرش بقدرته ، ونقله فجعله فوق السماوات السبع ، ثم خلق السماوات والأرض في ستة أيام ، وهو مستول على عرشه ، وكان قادرا على أن يخلقها في طرفة عين ، ولكنه عز وجل خلقها في ستة أيام ليظهر للملائكة ما يخلفه منها شيئا بعد شئ ، فنستدل (بحدوث ما يحدث) على الله تعالى مرة بعد مرة ، ولم يخلق العرش لحاجة به إليه ، لأنه غني عن العرش ، وعن جميع ما خلق ، لا يوصف بالكون على العرش ، لأنه ليس بجسم تعالى الله عن صفة خلقه علوا كبيرا .
  وأما قوله : ( ليبلوكم أيكم أحسن عملا ) فإنه عز وجل خلق خلقه ليبلوهم بتكليف طاعته وعبادته ، لا على سبيل الامتحان والتجربة ، لأنه لم يزل عليما بكل شئ .
  فقال المأمون : فرجت عني يا أبا الحسن فرج الله عنك .
  ثم قال له : يا بن رسول الله فما معنى قول الله عز وجل : ( ولو شاء ربك لآمن من في الأرض كلهم جميعا أفأنت تكره الناس حتى يكونوا مؤمنين ) (2) وما ( ما كان لنفس أن تموت إلا بإذن الله) (3) .

---------------------------
(1) هود ـ 7
(2) يونس ـ 99 .
(3) يونس ـ 100 .

لإحتجاج (الجزء الثاني) _ 196 _

  فقال الرضا ( عليه السلام ) : حدثني أبي موسى بن جعفر ، عن أبيه جعفر بن محمد ، عن أبيه محمد بن علي ، عن أبيه علي بن الحسين ، عن أبيه الحسين بن علي ، عن أبيه علي بن أبي طالب ( عليهم السلام ) قال : إن المسلمين قالوا لرسول الله ( صلى الله عليه وآله وسلم ) : لو أكرهت يا رسول الله من قدرت عليه من الناس على الإسلام لكثر عددنا وقوتنا على عدونا !
  فقال رسول الله ( صلى الله عليه وآله وسلم ) : ( ما كنت لألقى الله عز وجل ببدعة لم يحدث إلي فيها شيئا وما أنا من المتكلفين ) فأنزل الله تعالى عليه : يا محمد ولو شاء ربك لآمن من في الأرض كلهم جميعا ، على سبيل الالجاء والاضطرار في الدنيا ، كما يؤمن عند المعاينة ورؤية البأس في الآخرة ، ولو فعلت ذلك بهم لم يستحقوا مني ثوابا ولا مدحا ، ولكني أريد منهم أن يؤمنوا مختارين غير مضطرين ، ليستحقوا مني الزلفى والكرامة ، ودوام الخلود في جنة الخلد ، أفأنت تكره الناس حتى يكونوا مؤمنين .
  وأما قوله عز وجل : ( وما كان لنفس أن تؤمن إلا بإذن الله) (1) فليس ذلك على سبيل تحريم الإيمان عليها ، ولكن على معنى أنها ما كانت لتؤمن إلا بإذن الله، وإذنه أمره لها بالإيمان بما كانت مكلفة متعبدة بها ، وإلجاؤه إياها إلى الإيمان عند زوال التكلف والتعبد عنها .
  فقال المأمون : فرجت عني فرج الله عنك فأخبرني عن قول الله عز وجل :
  ( الذين كانت أعينهم في غطاء عن ذكري وكانوا لا يستطيعون سمعا ) (2) .
  فقال : إن غطاء العين لا يمنع من الذكر، والذكر لا يرى بالعين ، ولكن الله عز وجل شبه الكافرين بولاية علي بن أبي طالب ( عليه السلام ) بالعميان ، لأنهم كانوا يستثقلون قول النبي ( صلى الله عليه وآله وسلم ) فيه ، ولا يستطيعون له سمعا .
  فقال المأمون : فرجت عني فرج الله عنك .
  وعن عبد العظيم بن عبد الله الحسني رضي الله عنه (3) عن إبراهيم بن

---------------------------
(1) آل عمران ـ 145 .
(2) الكهف ـ 102 .
(3) أبو القاسم عبد العظيم بن عبد الله بن علي بن الحسن بن زيد بن الحسن بن علي بن أبي طالب ( عليه السلام ) زاهد عابد ذو ورع ودين ، معروف بالأمانة وصدق اللهجة
=>

لإحتجاج (الجزء الثاني) _ 197 _

  أبي محمود (1) قال : سألت أبا الحسن الرضا ( عليه السلام ) عن قول الله عز وجل : ( وتركهم في ظلمات لا يبصرون ) (2) فقال : إن الله تبارك وتعالى لا يوصف بالترك كما يوصف خلقه ، ولكنه متى علم أنهم لا يرجعون عن الكفر والضلال منعهم المعاونة واللطف ، وخلى بينهم وبين اختيارهم .
  قال : وسألته عن قول الله عز وجل : ( ختم الله على قلوبهم وعلى سمعهم ) (3) .
  قال: الختم هو : ( الطبع ) على قلوب الكفار عقوبة على كفرهم ، كما قال عز وجل: (بل طبع الله عليها بكفرهم فلا يؤمنون إلا قليلا ) (4) .
  قال : وسألته عن الله عز وجل هل يجبر عباده على المعاصي ؟
  قال : لا ، بل يخيرهم ، ويمهلم حتى يتوبوا .
  قلت : فهل يكلف عباده ما لا يطيقون ؟
  فقال : كيف يفعل ذلك وهو يقول : ( وما ربك بظلام للعبيد ) (5) .
  ثم قال : حدثني أبي موسى بن جعفر ، عن أبيه جعفر بن محمد ،( عليهم السلام ) عن أبيه محمد بن علي ، عن أبيه علي بن الحسين ، عن أبيه الحسين بن علي ، عن أبيه علي بن أبي طالب( عليهم السلام ) ، أنه قال : من زعم أن الله يجبر عباده على المعاصي ويكلفهم ما لا يطيقون فلا تأكلوا ذبيحته ، ولا تقبلوا شهادته ، ولا تصلوا وراءه ، ولا تعطوه من الزكاة شيئا .

---------------------------
<=
عالم بأمور الدين كثير الحديث والرواية ، يروي عن الإمامين الجواد والعسكري (عليهما السلام) ، ولهما إليه لرسائل ، ويروي عن جماعة من أصحاب موسى بن جعفر وعلي بن موسى ( عليه السلام ) له كتاب يسميه كتاب : ( يوم وليلة ) وله كتاب : ( خطب أمير المؤمنين ( عليه السلام ) ) وقد كتب الصاحب بن عباد رسالة مختصرة في أحوال عبد العظيم أوردها صاحب المستدرك في خاتمة المستدرك راجع الجزء الثاني من سفينة البحار ص 120 ، وخلاصة العلامة ص 130 .
(1) مرت ترجمته في ص 92 .
(2) البقرة 17 .
(3) البقرة ـ 7 .
(4) النساء ـ 154 .
(5) حم السجدة ـ 46

لإحتجاج (الجزء الثاني) _ 198 _

  وعن يزيد بن عمير بن معاوية الشامي (1) قال : دخلت على علي بن موسى الرضا بمرو ، فقلت له : يا بن رسول الله روي لنا عن الصادق جعفر بن محمد ( عليه السلام ) أنه قال : ( لا جبر ولا تفويض ، بل أمر بين الأمرين ) ما معناه :
  فقال : من زعم : أن الله يفعل أفعالنا ثم يعذبنا عليها ، فقد قال : ( بالجبر ) ومن زعم : أن الله فوض أمر الخلق والرزق إلى حججه( عليهم السلام ) فقد قال : ( بالتفويض ) والقائل بالجبر كافر ، والقائل بالتفويض مشرك .
  فقلت : يا بن رسول الله فما أمر بين الأمرين ؟
  فقال : وجود السبيل إلى إتيان ما أمروا به، وترك ما نهوا عنه .
  قلت : وهل لله مشية وإرادة في ذلك ؟
  فقال : أما الطاعات ، فإرادة الله ومشيته فيها الأمر بها ، والرضا لها ، والمعاونة عليها ، وإرادته ومشيته في المعاصي ، النهي عنها ، والسخط لها والخذلان عليها .
  قلت : فلله عز وجل فيها القضاء ؟
  قال : نعم ، ما من فعل يفعله العباد من خير أو شر إلا ولله فيه قضاء .
  قلت : ما معنى هذا القضاء ؟
  قال : الحكم عليهم بما يستحقونه من الثواب والعقاب في الدنيا والآخرة .
  وروي أنه ذكر عنده الجبر والتفويض فقال : إن الله لم يطع بإكراه ، ولم يعص بغلبة ، ولم يهمل العباد في ملكه ، هو المالك لما ملكهم ، والقادر على ما أقدرهم عليه ، فإن إئتمر العباد بطاعة لم يكن الله عنها صادا ، ولا منها مانعا ، وإن إئتمروا بمعصية فشاء أن يحول بينهم وبين ذلك فعل ، وإن لم يحل وفعلوه فليس هو الذي أدخلهم فيه ثم قال ( عليه السلام ) : من يضبط حدود هذا الكلام فقد خصم من خالفه .
  وعن الحسين بن خالد عن أبي الحسن الرضا ( عليه السلام ) قال : قلت له : يا بن رسول الله أن الناس ينسبوننا إلى القول بالتشبيه والجبر ، لما روي من الأخبار في ذلك عن آبائك ( عليهم السلام ) .

---------------------------
(1) مجهول الحال لم أعثر له على ترجمة .

لإحتجاج (الجزء الثاني) _ 199 _

  فقال : يا بن خالد أخبرني عن الأخبار التي رويت عن آبائي الأئمة في الجبر والتشبيه أكثر ، أم الأخبار التي رويت من النبي ( صلى الله عليه وآله وسلم ) في ذلك ؟
  فقلت: بل ما رويت عن النبي ( صلى الله عليه وآله وسلم ) أكثر .
  قال : فليقولوا : أن رسول الله ( صلى الله عليه وآله وسلم ) كان يقول بالتشبيه والجبر .
  فقلت له : إنهم يقولون : أن رسول الله ( صلى الله عليه وآله وسلم ) لم يقل شيئا من ذلك وإنما روي عليه .
  قال : فليقولوا في آبائي الأئمة( عليهم السلام ) : أنهم لم يقولوا من ذلك شيئا وإنما روي عليهم ، ثم قال : من قال بالتشبيه والجبر فهو كافر مشرك ، ونحن براء منه في الدنيا والآخرة ، يا بن خالد إنما وضع الأخبار عنا في التشبيه والجبر ( الغلاة ) الذين صغروا عظمة الله، فمن أحبهم فقد أبغضنا ، ومن أبغضهم فقد أحبنا ، ومن والاهم فقد عادانا ، ومن عاداهم فقد والانا ، ومن وصلهم فقد قطعنا ، ومن قطعهم فقد وصلنا ، ومن جفاهم فقد برنا ، ومن برهم فقد جفانا ، ومن أكرمهم فقد أهاننا ، ومن أهانهم فقد أكرمنا ، ومن قبلهم فقد ردنا، ومن ردهم فقد قبلنا ومن أحسن إليهم فقد أساء إلينا ، ومن أساء إليهم فقد أحسن إلينا ، ومن صدقهم فقد كذبنا ، ومن كذبهم فقد صدقنا ، ومن أعطاهم فقد حرمنا ، ومن حرمهم فقد أعطانا . يا بن خالد من كان من شيعتنا فلا يتخذن منهم وليا ولا نصيرا .
  روي عن الحسن بن محمد النوفلي أنه قال : لما قدم علي بن موسى الرضا صلوات الله عليه على المأمون ، أمر الفضل بن سهل أن يجمع له أصحاب المقالات ، مثل :
  الجاثليق ، ورأس الجالوت ، ورؤساء الصابئين ، والهربذ الأكبر ، وأصحاب زردشت ونسطاس الرومي ، والمتكلمين ، ليسمع كلامه وكلامهم ، فجمعهم الفضل بن سهل ،

لإحتجاج (الجزء الثاني) _ 200 _

  ثم أعلم المأمون باجتماعهم فقال :
  أدخلهم علي ففعل ، فرحب بهم المأمون ثم قال لهم :
  إنما جمعتكم لخير ، وأحببت أن تناظروا ابن عمي هذا المدني القادم علي ، فإذا كان بكرة فاغدوا علي ولا يتخلف منكم أحد.
  فقالوا : السمع والطاعة يا أمير المؤمنين ، نحن مبكرون إن شاء الله.
  قال الحسن بن محمد النوفلي : فبينا نحن في حديث لنا عند أبي الحسن الرضا ( عليه السلام ) إذ دخل علينا ياسر الخادم ـ وكان يتولى أمر أبي الحسن ـ ( عليه السلام ) ـ فقال : يا سيدي أن أمير المؤمنين يقرؤك السلام ويقول : فداك أخوك ، أنه اجتمع إلينا أصحاب المقالات ، وأهل الأديان ، والمتكلمون من جميع أهل الملل فرأيك في البكور علينا إن أحببت كلامهم ، وإن كرهت ذلك فلا تتجشم ، وإن أحببت أن نصير إليك خف ذلك علينا .
  فقال أبو الحسن ( عليه السلام ) : أبلغه السلام وقل : قد علمت ما أردت ، وأنا صائر إليك بكرة إن شاء الله.
  قال الحسن بن محمد النوفلي : فلما مضى ياسر التفت إلينا ثم قال لي : يا نوفلي أنت عراقي ورقة العراقي غير غليظة ، فما عندك في جمع ابن عمي علينا أهل الشرك وأصحاب المقالات ؟
  فقلت : جعلت فداك يريد الامتحان ، ويحب أن يعرف ما عندك ، ولقد بنى على أساس غير وثيق البنيان ، وبئس والله ما بنى .
  فقال لي : وما بناؤه في هذا الباب ؟
  قلت : إن أصحاب الكلام والبدع خلاف العلماء ، وذلك : أن العالم لا ينكر غير المنكر ، وأصحاب المقالات والمتكلمون وأهل الشرك أصحاب إنكار ومباهتة إن احتججت عليهم بأن الله واحد قالوا : صحح وحدانيته ، وإن قلت : أن محمدا ( صلى الله عليه وآله وسلم ) رسول ، قالوا : ثبت رسالته ، ثم يباهتون الرجل ـ وهو مبطل عليهم بحجته ـ ويغالطونه حتى يترك قوله ، فاحذرهم جعلت فداك !