الوقوف عليها في كل جوانبها التي تدعو إلى التعقل بها وهضمها بالصورة الصحيحة ، فلقد جاء في الحديث الشريف عن الإمام الصادق عليه السلام انه قال : ( لا يقبل الله عملاً إلا بمعرفة ولا معرفة إلا بعمل ، فمن عرف دلّته المعرفة على العمل ومن لم يعمل فلا معرفة له ... ) (1) .
  حيث دل هذا الحديث على أن العمل والمعرفة أحدهما ملازم للآخر وأن من الضروري على أن الذي يعمل لا بد له من المعرفة بحقيقة عمله وإلا فان الله تعالى لا يقبل عملاً إلا بمعرفة ، وعلى هذا الأساس تأخذ قضية المعرفة حيزاً كبيراً في جميع جوانب الشريعة الإسلامية سواء كان على مستوى الأصول أو على مستوى الفروع ، فعلى المستوى الأول الذي يتمثل في التوحيد والنبوة والإمامة والعدل والمعاد لا بد من المعرفة التي من شأنها أن تجعل الحقيقة التي سعى المؤمنون الأوائل في الوقوف عليها ثابتة والراسخة في قلوبهم تجعل الحقيقة التي سعي المؤمنين الأوائل في الوقوف عليها ثابتة والراسخة في قلوبهم لكي لا تميل بهم الأهواء شرقاً ولا غرباً ، والمعرفة التي نسعى الوقوف عليها في الجانب العقائدي المتمثل في قضيتنا التي نطرحها الآن هي المعرفة الخاصة بالصديقة الطاهرة فاطمة الزهراء عليها السلام لكي ندرك بعض الحقيقة الخاصة بها وإلا فالمعرفة الحقيقية لها لا يستطيع الوصول إلى طبيعتها ومعرفة كنهها إلا من كان في مستواها وهذا لا يكون إلا في الذي كان كفواً لها وهي كفو له ذلك هو أمير المؤمين علي بن أبي طالب عليه السلام أما نحن فمعرفتنا لها تكون أما بالحواس الخمس أو تكون معرفتنا من خلال معرفة الشيء بأشباهه ، أما الحواس الخمسة فان لا بد لها من من دليل يرشدها ويعرفها بالوجدان الأمر الذي يعرض عليها ، وهذا ما جاء في مناظرة الإمام الصادق عليه السلام للطبيب الهندي حيث قال له : ( أما إذ أبيت إلا الجهالة وزعمت أن الأشياء لا تدرك إلا بالحواس فإني أخبرك أنّه ليس للحواس دلالة على الأشياء ولا فيما معرفة إلا بالقلب ، فانه دليلها ومعرّفها الأشياء التي تدعى أن القلب لا يعرف إلاّ بها ) (2) .
  حيث يظهر من هذا الحديث أن المعرفة الذوقية الوجدانية تكون نابعة من القلب ،

---------------------------
(1) الكافي : 1 | 44 .
(2) البحار : 3 | 159 .

الاسرار الفاطمية _ 320 _

  لذا فإن معرفة فاطمة عليها السلام تحتاج إلى ذوق سليم ووجدان حكيم لكي تظهر لنا بعض أنوار هذه المعرفة ، هذا من تجهة ومن ناحية أخرى يمكن معرفة فاطمة من خلال دراسة حياتها دراسة تحليلية مقارنة للقديسات والمؤمنات على مر العصور وان كان القياس مع الفارق وكما هو مثبوت في محله فإن فاطمة لا تصل إلى مقامها أي إمرأة مهما كانت في المستوى الإيماني الذي تعلق بحياتها .
  وعلى كل حال فإن ما نطرحه في هذا البحث حول معرفة فاطمة إنما هو معرفة ظاهرية وعلى ما نمتلكه من وسائل المعرفة الظاهرية وإلا فنحن كما قال أمير المؤمنين في غرر الحكم : ( كيف يعرف غيره من جهل نفسه ) فأكثر الناس يجهلون حال انفسهم فكيف بغيرهم ولكن الميسور لا يسقط بالمعسور فمن هذا الباب لابد لنا ان نلج في هذا الأمر ونقف مع معفرفة فاطمة عليها السلام الحقيقية .

مستويات معرفة فاطمة عليها السلام
  هناك عدة مستويات نستطيع من خلالها معرفة أي شخصية تاريخية او اسلامية ولابد لنا من الالتفات اليها ونحن نسعى في طريق معرفة فاطمة ام ابيها فاطمة سلام الله عليها بل كل الأئمة عليهم السلام يتجلى هذا الأمر في معرفتهم المعرفة الحقيقية اما المستويات فهي :
  1 ـ المستوى الأوّل : المعرفة التأريخية لها عليها السلام .
  2 ـ المستوى الثاني : المعرفة المناقبية لها عليها السلام .
  3 ـ المستوى الثالث : المعرفة العلمية والفكرية لها عليها السلام .
  4 ـ المستوى الرابع : المعرفة النورانية لها عليها السلام .

الاسرار الفاطمية _ 321 _

  
محمد جمال الهاشمي

شعت فلا الشمس تحكيها ولا iiالقمر      زهراء  من نورها الأكوان iiتزدهر
بـنت الـخلود لها الأجيال iiخاشعة      أم الـزمان الـيها تـنتمي iiالعصر
روح الـحياة فلولا لطف عنصرها      لـم  تأتلف بيننا الارواح iiوالصور
سـمت  عن الأفق لاروح iiولاملك      وفـاقت  الارض لاجـن ولا بشر
مـجبولة مـن جـلال الله iiطينتها      يـرف لطفاً عليها الصون iiوالخفر
مـاعاب مـفخرها التأنيث ان iiبها      على  الرجال نساء الأرض iiتفتخر
خـصالها  الغرّ جلت ان تلوك iiبها      مـنا الـمقاول أو تـدنو لها iiالفكر
مـعنى النبوة سر الوحي قد iiنزلت      فـي بيت عصمتها الايات iiوالسور
حـوت خـلال رسول الله iiأجمعها      لـولا الـرسالة ساوى أصله الثمر
تـدرجت في مراقي الحقّ iiعارجة      لـمشرق  النور حيث السر iiمستتر
ثـم  انـثنت تـملأ الدنيا iiمعارفها      تـطوى القرون عياءا وهي iiتنتشر
قـل للذي راح يخفي فضلها iiحسداً      وجـه الـحقيقة عـنا كيف iiينستر
أتـقرن  الـنور بالظلماء من iiسفهٍ      مـا  أنت في القول إلاّ كاذب iiأشر
بـنت  الـنبي الـذي لولا iiهدايته      مـا  كـان لـلحق لاعين ولا iiأثر
هـي  الـتي ورثـت حقاً iiمفاخرة      والعطر  فيه الذي في الورد iiمدخر
فـي  عـيد ميلادها الاملاك حافلة      والـحور  في الجنة العليا لها سمر
تزوجت في السما بالمرتضى iiشرفا      والـشمس  يقرنها في الرتبة iiالقمر
عـلى  الـنبوة أضفت في مراتبها      فـضل  الـولاية لا تبقي ولا iiتذر
ام الأئـمة مـن طـوعها لرغبتهم      يـعلو الـقضاء بنا او ينزل iiالقدر
قف يا يراعيّ عن مدح البتول iiففي      مـديحها تـهتف الالـواح iiوالزبر
وارجـع  لنستخبر التاريخ عن iiنبأٍ      قـد  فـاجئتنا بـه الانباء iiوالسير
هـل اسقط القوم حقا حملها iiفهوت      تـئن  مـما بـها والضلع iiمنكسر
وهـل كـما قيل قادوا بعلها iiفعدت      وراه نـادبـة والـدمـع iiمـنهمر
ان كـان حـقا فان القوم قد iiمرقوا      عن دينهم وبشرع المصطفى كفروا

الاسرار الفاطمية _ 322 _

المستوى الأوّل : المعرفة التاريخية لها عليها السلام
  وذلك من جهة ولادتها وشهادتها زمانا ومكانا ومارافق ذلك من ملابسات واحداث مهمة وما عاصرته تغيرات في حياة الأمة سياسيا وفكريا واجتماعيا وما يرتبط بذلك من سلاطين الجور واتباع الظالمين وفقهاء الفسق والفجور وغدر لمنافقين والمتملقين واتباع اللقمة والراقصين على رنين الدراهم والدنانير وانصار الوفاء والاخلاص وما سارق ذلك من تفصيلات لها الاهمية في حياتهم عليهم السلام او في حياة اتباعهم واولياؤهم .

ولادة فاطمة عليها السلام
  أما ولادة الصديقة فكان في العشرين من جمادي الاخرة كما صرح به المفيد في مساره (1) ونقل عن حدائقه (2) ، وصرح به الشيخ في مصباحه (3) ، ورواه الطبري الامامي (4) عن الصادق عليه السلام ولم نقف على مخالف صريح ، وان سكت تكثير .
  واختلف في سنته فالكليني (5) قال : بعد النبوة بخمس سنين وكذلك المسعودي في الاثبات (6) وذهب المفيد والكتابين (7) إلى انه بعده باثنتين .

---------------------------
(1) مسار الشيعة : 21 .
(2) حدائق الرياض : نقلا عن الاقبال : 621 ، عن البحار : 43 | 8 ح 12 .
(3) مصباح المتهجد : 733 ، عن البحار : 43 | 9 ح 15 .
(4) دلائل الإمامة : 10 عن البحار : 43 | 9 ح 16 .
(5) الكافي : 1 | 457 ح 10 ، عن البحار : 43 | 9 ح 13 .
(6) اثبات الوصية : 154 ، وذهب المسعودي في ذكر تاريخ ولادة الإمام الحسن عليه السلام ونسبه له إلاّ ان هذا التاريخ لفاطمة عليها السلام علما بان ولادة الإمام الحسن المشهورة سنة 2 للهجرة .
(7) مسار الشيعة : 31 .

الاسرار الفاطمية _ 323 _

  وفي مصباح الشيخ (1) كان مولدها عليها السلام سنة اثنين من المبعث في بعض الروايات ، وفي رواية اول سنة والعامة تروي قبل المبعث بخمس . والصحيح الأوّل كما رواه ابن خشاب على نقل الكشف (2) عن شيوخه ، مرفوعاً عن الباقر عليه السلام ، والطبري إلامامي (3) مسندا عن الصادق ، والكليني (4) صحيحا عن الباقر عليه السلام وذهب العامة كمحمد بن اسحاق (5) ، وأبي نعيم (6) وأبي الفرج (7) .
  إلى انها كانت قبل النبوة حين تبني قريش الكعبة ، ورواه الاخير باسناده عن الصادق والتعويل عليه على رواية الخاصة ، ولايبعد انهم قالوا بكون مولدها قبل النبوة انكارا لما ورد ان النبي صلى الله عليه وآله وسلم كان يقول اشم من فاطمة رائحة الجنة لأنّ انعقادها كان من فاكهة الجنة ليلة المعراج (8) .
  عن أبي عبدالله جعفر بن محمد بن علي عليهم السلام ، عن أبيه ، عن جده قال : قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم : معاشر الناس ، أتدرون لما خلقت فاطمة ؟
  قالوا : الله ورسوله اعلم .
  قال : خلقت فاطمة حوراء انسية لا انسية ، وقال : خلقت من عرق جبرئيل ومن زغبه .
  قالوا : يا رسول الله ، استشكل ذلك علينا ، تقول : حوراء انسية لا انسية ، ثم تقول : من عرق جبرئيل عليه السلام ، فضمها إلى صدره فعرق جبرئيل ، وعرقت التفاحة ، فصار عرقهما شيئا واحدا ، ثم قال : السلام عليك يا رسول الله ورحمة الله وبركاته ، قلت : وعليك السلام يا جبرئيل فقال : ان الله اهدي اليك تفاحة من الجنة ، فأخذتها وقبلتها ووضعتها على عيني وضممتها إلى صدري .
  ثم قال يا محمد ، كلها ، قلت : يا حبيبي يا جبرئيل ، هدية ربي تؤكل ؟ قال : نعم ، قد امرت بأكلها ، فأفلقتها فرأيت منها نورا ساطعا ففزعت من ذلك النور ، قال : كل فان ذلك نور المنصورة قلت : يا جبرئيل ، ومن

---------------------------
(1) مصباح المتهجد : 733 ، عن البحار ، 43 | 9 ح 8 .
(2) كشف الغمة : 1 | 449 ، عن البحار : 43 | 7 ح 8 .
(3) دلائل الإمامة : 79 ح 18 .
(4) الكافي : 1 | 457 ح 10 .
(5) لم نعثر عليه في السيرة .
(6) حلية الأولياء .
(7) مقاتل الطالبين : 48 .
(8) تواريخ النبي والال : 25 .

الاسرار الفاطمية _ 324 _

  المنصور ؟ قال : جارية تخرج من صلبك واسمها في السماء منصورة ، وفي الأرض فاطمة ، فقلت : يا جبرئيل ولم سميت في السماء منصورة وفي الأرض فاطمة ؟ قال : سميت ( فاطمة ) في الأرض لانه فطمت شيعتها من النار ، وفطموا أعداؤها عن حبها ، وذلك قول الله في كتابه : ( ويؤمئذًٍ يفرح المؤمنون بنصر الله ) (1) بنصر فاطمة عليها السلام .
  بيان : الزغب : الشعيرات الصغرى على ريش الفرخ ، وكونها من زغب جبرئيل إما لكون التفاحة فيها وعرقت من بينها ، أو لانه التصق بها بعض ذلك الزغب فأكله النبي صلى الله عليه وآله وسلم (2) .
  وعن المفضل بن عمر قال : قلت لابي عبدالله جعفر بن محمد عليها السلام : كيف كانت ولادة فاطمة عليها السلام ؟ قال : نعم ، إن خديجة عليها رضوان الله لما تزوج بها رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم هجرتها نسوة مكة ، فكن لايدخلن عليها ولا يسلمن عليها ولا يتركن امرأة تدخل عليها ، فاستوحشت خديجة من ذلك ، فلما حملت بفاطمة عليها السلام صارت تحدثها في بطنها وتصبرها ، وكانت خديجة تكتم ذلك عن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم ، فدخل يوماً وسمع خديجة تحدث فاطمة ، فقال لها : يا خديجة ، من يحدثك ؟ قالت : الجنين الذي في بطني يحدثني ويؤنسني .
  فقال : لها : هذا جبرئيل يبشرني أنها أنثى وأنها النسمة الطاهرة الميمونة ، وأن الله تبارك وتعالى سيجعل نسلي منها ، وسيجعل من نسلها أئمة في الأمة يجعلهم خلفاء في أرضه بعد انقضاء وحيه فلم تزل خديجة رضي الله عنها على ذلك إلى ان حضرت ولادتها ، فوجهت إلى نساء قريش ونساء بني هاشم يجئن ويلين منها ماتلي النساء من النساء ، فأرسلن اليها : عصيتينا ولم تقبلي قولنا ، وتزوجت محمداً يتيم أبي طالب فقيراً لا مال له ، فلسنا نجيء ولانلي من أمرك شيئاً فاغتمت خديجة لذلك ، فبينا هي كذلك اذ دخل عليها أربع نسوة طوال كأنهن من من نساء بني هاشم ، ففزعت منهن ، فقالت لها احداهن : لا تحزني يا خديجة ، فإنا رسل ربك اليك ، ونحن أخواتك ، أنا سارة وهذه آسية بنت مزاحم وهي رفيقتك في الجنة ، وهذه مريم بنت

---------------------------
(1) الروم : 4 .
(2) ( البحار ) 43 | 18 .

الاسرار الفاطمية _ 325 _

  عمران ، وهذه صفراء (1) بنت شعيب ، بعثنا الله تعالى اليك لنلي من أمرك ماتلي النساء من النساء .
  فجلست واحدة عن يمينها ، والاخرى عن يسارها ، والثالثة من بين يديها ، والرابعة من خلفها ، فوضعت خديجة فاطمة عليها السلام طاهرة مطهرة ، فلما سقطت إلى الأرض أشرق منها نور حتى بيوتات مكة ، ولم يبق في شرق الأرض ولا غربها ، موضع إلا أشرق فيه حتى دخل بيوتات مكة ، ولم يبق في شرق الأرض ولا غربها موضع إلا أشرق فيه ذلك النور فتناولتها المرأة التي كانت بين يديها ، فغسلتها بماء الكوثر ، وأخرجت خرقتين بيضاوين أشد بياضاً من اللبن واطيب رائحة من المسك والعنبر ، فلفتها بواحدة ، وقنعتها بالاخر ، ثم استنطقتها فنطقت فاطمة عليها السلام بشهادة ( أن لا إله إلا الله ، وأن أبي رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم سيد الأنبياء وأن بعلي سيد الأوصياء ، وأن ولدي سيد الاسباط ) ، ثم سلمت عيلهن ، وسمت كل واحدة منهن باسمها ، وضحكن اليها ، وتباشرت الحور العين ، وبشر أهل الجنة بعضهم بعضاً بولادة فاطمة عليها السلام ، وحدث في السماء نور زاهر لم تره الملائكة قبل ذلك اليوم ، فلذلك سميت ( الزهراء ) عليها السلام ، وقالت : خذيها عليها السلام فرحة مستبشرة فألقمتها ثديها فشربت ، فدر عليها .
  وكانت عليها السلام تنمي في كل يوم كما ينمي الصبي في الشهر ، وفي شهر كما ينمي الصبي في سنةٍ صلى الله عليها وعلى أبيها وبعلها وبنيها (2) .
  وقيل : بينما النبي صلى الله عليه وآله وسلم جالس بالأبطح ومعه عمار ابن ياسر والمنذر بن الضحضاح وأبوبكر وعمر وعلي بن أبي طالب والعباس بن عبد المطلب وحمزة بن عبد المطلب ، إذ هبط عليه جبرئيل عليه السلام في صورته العظمى ، قد نشر أجنحته حتى أخذت من المشرق إلى المغرب ، فناداه : يا محمد الاعلى يقريء عليك السلام وهو يأمرك ان تعتزل عن خديخة أربعين صباحاً ، فشق ذلك على النبي صلى الله عليه وآله وسلم وكان لها محباً وبها وامقاً (3) .
  قال : فأقام النبي صلى الله عليه وآله وسلم أربعين يوماً يصوم النهار ويقوم الليل ، حتى إذا كان

---------------------------
(1) قيل انها صفوراء .
(2) ( البحار ) 16 | 80 .
(3) الوامق : المحب .

الاسرار الفاطمية _ 326 _

  في آخر أيامه تلك ، بعث إلى خديجة بعمار بن ياسر وقال : قل لها : يا خديجة لا تظني أن انقطاعي عنك ( هجرة ) ولاقلى ، ولكن ربي عزوجل أمرني بذلك لتنفذ امره ، فلا تظني يا خديجة الاّ خيراً ، فان الله عزوجل ليباهي بك كرام ملائكته كل يوم مراراً .
  فإذا جنك الليل فأجيفي الباب (1) وخذي مضجعك من فراشك فإني في منزل فاطمة بنت أسد .
  فجعلت خديجة تحزن في كل يوم مراراً لفقد رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم .
  فلما كان في كمال الاربعين هبط جبرئيل عليه السلام فقال : يا محمد ، العلي الاعلى يقرئك السلام وهو يأمرك ، ان تتأهب لتحيته وتحفته ، قال النبي صلى الله عليه وآله وسلم : يا جبرئيل ، وما تحفه ربّ العالمين ؟ وما تحيته ؟ قال : لاعلم لي .
  قال : فبينما النبي صلى الله عليه وآله وسلم كذلك اذ هبط ميكائيل ومعه طبق مغطى بمنديل سندس ـ او قال استبرق ـ فوضعه بين يدي البني صلى الله عليه وآله وسلم حسست بثقل فاطمة في بطني (2) .
  ولقد علق العلامة الهمداني على هذا الحديث بقوله : يستفاد من هذا الحديث الشريف امور مهمة وفوائد عظيمة هي دالة على سمو جلالة بضعة خير المرسلين ، وعلو منزلة زوجة افضل الوصيين وام الائمة الطاهرين ـ صلوات الله عليهم اجمعين .
  منها نزول جبرئيل عليه السلام على صورته الاصلية كنزوله في اول البعثة .
  ففي ( البحار ) ج 18 | ص 247 : ( ان محمدا صلى الله عليه وآله وسلم كان بحراء ، فطلع له جبرئيل عليه السلام من المشرق ، فسد الافق إلى المغرب ) .
  ومعلوم ان مجيئه عليه السلام على هذه الهيئة لأمر عظيم .
  ومنها اعتكافه صلى الله عليه وآله وسلم اربعين يوما في بيت فاطمة بنت اسد ـ رضي الله عنها ـ قائما ليلة ، صائما نهاره ، واعتزاله عن الناس وعن زوجته الكريمة خديجة الكبرى سلام الله عليها ، كما كان معتكفا ومعتزلا في اول البعثة بحراء ، نعم كان اعتكافه صلى الله عليه وآله وسلم يؤمئذ لاجل ان يكون مهيئا للنبوة والرسالة ، وفي هذا الموقف لكونه متأهبا للتحفة الالهية التي ستكون منشاً الإمامة والولاية ، بل هي عنصر شجرة النبوة كما جاء عن الباقر عليه السلام (3) .
  ومنه نزول ترك سنته في افطاره ، من ادخال كل من يرد للافطار ، واختصاصه صلى الله عليه وآله وسلم بذلك الطعام .
  ومنها ترك سنته في التطهر عند وروده

---------------------------
(1) أجفت الباب : رددته .
(2) البحار : 16 | 78 ـ 80 .
(3) انظر ( مجمع البحرين ) .

الاسرار الفاطمية _ 327 _

  المنزل للصلاة عند النوم ، ولا يخفى ان الترك انما يكون للأهم ، فتفطن .

تحقيق وتبيين
  الذي يستفاد من الأخبار والاحاديث التي وصلت الينا من طريق أهل البيت عليهم السلام إن فاطمة عليها السلام ولدت على فطرة الإسلام وبعد نزول الوحي على أبيها صلى الله عليه وآله وسلم خلافا لما في بعض كتب العامة ، فاليك بعض نصوصها :
  1 ـ قال علي بن الحسين عليهم السلام في حديث طويل : ولم يولد لرسول الله صلى الله عليه وآله وسلم من خديجة عليها السلام على فطرة الاسلام إلاّ فاطمة عليها السلام ، وقد كانت خديجة قبل الهجرة بسنة ، ومات أبو طالب بعد موت خديجة بسنة (1) ...
  2 ـ عن حبيب السجستاني قال : سمعت ابا جعفر عليه السلام يقول : ولدت فاطمة بنت محمد صلى الله عليه وآله وسلم بعد مبعوث رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم بخمس سنين ، وتوفيت ولها ثماني عشرة سنة وخمسة وسبعون يوما (2) .
  3 ـ عن أبي بصير ، عن أبي عبدالله عليه السلام قال : ولدت فاطمة في جمادي الآخرة اليوم العشرين منها سنة خمس وأربعين من مولد النبي صلى الله عليه وآله وسلم ، فأقامت بمكة ثمان سنين ، وبالمدينة عشر سنين وبعد وفاة ابيها خمساً وسبعين يوماً (3) .
  4 ـ قال ابن الخشاب في تاريخ مواليد ووفاة أهل البيت عليهم السلام نقله عن شيوخه يرفعه عن أبي جعفر محمد بن علي عليها السلام قال : ولدت فاطمة بعد ما أظهر الله نبوة نبيه صلى الله عليه وآله وسلم وانزل عليه الوحي بخمس سنين وقريش تبني البيت ، وتوفيت ولها ثمانية عشر سنة وخمسة وسبعون يوماً (4) .
  أقول : قوله ( وقريش تبني البيت ) لا تنطبق على نزول الوحي ، لأنّ بناء البيت منهم

---------------------------
(1) روضة الكافي : 340 ، الرقم 536 .
(2) البحار : 43 | 9 .
(3) ( البحار ) ج 43 ، ص 9 .
(4) ( كشف الغمة ) ج 1 ، ص 339 .

الاسرار الفاطمية _ 328 _

  كان قبل المبعث .
  ثم هذا الموقف أخبار تؤكد وتؤيد مضامين تلك الأخبار ، وهي روايات تدل على انه صلى الله عليه وآله وسلم اسري به إلى السماء وادخل الجنة فتناول من ثمار الجنة ، فلما رجع واقع خديجة عليها السلام فتكوت نطفة فاطمة الزهراء عليها السلام من تلك الثمار ، ومعلوم ان قضية الاسراء وقعت بعد البعثة بلا خلاف .

شهادة الصديقة فاطمة عليها السلام
إلام الـتواني صـاحب الـطلعة الغرا      امـا  آن مـن أعداك ان تطلب الوترا
فـديناك لـم أغضيت عمّا جرى iiعلى      بني المصطفى منها وقد صدع الصخرا
أتـغضي وتـنسى امـك الطهر فاطما      غـداة عـليها الـقوم قد هجموا iiجهرا
أتـغضي وشـبوا النار في باب iiدارها      وقد  اوسعوا في عصرهم ضلعها كسرا
أتـغضي  ومنها أسقطوا الطهر iiمحسنا      وقـادوا  عـلي المرتضى بعلها iiقسرا
أتـغضي  وسـوط الـعبد وشح iiمتنها      ومن  لطمة الطاغي غدت عينها iiحمرا
أتـغضي وقـد مـاتت ومـلؤ iiفوادها      شـجىً وعـلي بـعد شيعّها سرا (1) ii
  اما كيفية شهادتها بنعل عليها السلام فلقد روي عن الإمام الصادق عليه السلام سبب وفاتها عليها السلام : أن قنفذ مولى عمر لكزها بنعل السيف بأمره فأسقطت محسناً ، ومرضت من ذلك مرضاً شديداً (2) ، وكان علي عليه السلام يمرضها بنفسه ، وتعينه على ذلك السماء بنت عميس ، وفي يوم دخلت نسوة من المهاجرين والانصار على فاطمة بنت رسول الله يعدنها فقلن : السلام عليك يا بنت رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم كيف أصبحت ؟ فقالت : أصبحت والله عائفة لديناكن قالية لرجالكم ، لفظتهم بعد اذ مججتهم وسئمتهم بعد ان سبرتهم ، فقبحاً لافون الرأي وخطل القول وخور القناة ، ولبئس ما قدمت لهم انفسهم ان سخط الله عليهم وفي العذاب هم خالدون لا جرم الله لقد قلدتهم ربقتها وشننت عليهم عارها فجدعا ورغما للقوم الظالمين .

---------------------------
(1) القصيدة للمرحوم الخطيب السيد خضر القزويني ، ديوان شعراء الحسين عليه السلام : ص 230 .
(2) دلائل الإمامة 45 ، البحار 43 ص 170 .

الاسرار الفاطمية _ 329 _

  ويحهم أنى زحزحوها عن ابي الحسن ، مانقموا والله منه إلاّ نكير سيفه ونكال وقعه ، وتنمره في ذات الله ، وتالله لو تكافوا عليه عن زمام نبذه إليه رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم لأتميله ، ثم لسار بهم سيرة سجحا فانه قواعد الرسالة ورواسي النبوة ، ومهبط الروح الامين ، والطبيب بأمر الدين والدنيا والاخرة إلاّ ذلك هو الخسران المبين ، والله لا يلتكم خشاشة ، ولا يتعتع راكبه ، ولا وردهم منهلا رويا فضفاضا تطفح ضفته ، ولا صدرهم بطانا قد خثر بهم الري ، غير متحل بطائل إلاّ تغمر الناهل وردع سورة سغب ، ولو فتحت عليهم بركات من السماء والأرض وسيأخذهم الله بما كانوا يكسبون ، فهلم فاسمع ، فما عشت اراك الدهر عجبا ، وان تعجب بعد الحادث ، فما بالهم باي سند استندوا ، ام بأي عروة تمسكوا ، لبئس العشير ، وبئس للظالمين بدلا ، استبدلوا الذنابى بالقوادم ، والحرون بالقاحم ، والعجز بالكاهل ، فتعسا لقوم يحسبون انهم يحسنون صنعا ، ألا انهم هم المفسدون ولكن لا يشعرون ، أفمن يهدي إلى الحق احق ان يتبع ام من لا يهدي إلاّ ان يهدي لكم كيف تحكمون ، لقحت قنطرة فنظرة ريثما تنتج ، ثم احتبلوا طلاع القعب دما عبيطا ، وذعافا ممضا ، هنالك يخسر المبطلون ، ويعرف التالون غب ما أسس الاولون ، ثم طيبوا بعد ذلك بانفسكم لفتنها ، ثم اطمأنوا للفتنة جأشا وابشروا بسيف صارم ، وهرج دائم شامل ، واستبداد من الظالمين ، يدع فيئكم زهيداً ، وجمعكم حصيدا ، فيا حسرة لهم ، ولقد عميت عليهم الانباء أنلزمكموها وانتم كارهون (1) .

الهموم المتراكمة
  ليس المرض لوحده سبب الام الزهراء ، عليها السلام ووجدها وحزنها ، وانما كانت الهموم تجتاحها من كل حدب وصوب ، فحينما كانت تمد جسدها النحيل المكدور على جلد الكبش وتتكىء على وسادة الليف ، تنساب الخواطر إلى رأسها الشريف ، وتهجم عليها الهواجس ، وكأنّ لسان حالها الشريف : آه ... تركوا وصية ابي ... وغصبوا الخلافة

---------------------------
(1) الاحتجاج للطبرسي : 1 | 147 ، البحار : 43 | 161 ، شرح ابن ابي الحديد : 16 | 233 ، بلاغات النساء : 19 .

الاسرار الفاطمية _ 330 _

  من زوجي ؟! ولن تنتهي آثارها إلى يوم القيامة ... فبئس عاقبة الخلافة التي توسلت بالحيلة والجور ... بماذا سار المسلمون وانتشرت كلمة الاسلام ؟! بوحدة الكلمة ! والاتحاد بين فصائل المجتمع وصلوا إلى العظمة والرقي ...
  آه ... اذهبوا ريحهم ... واوقعوا الخلاف بينهم ، وبدلوا قوة الاسلام الواحدة وطاقة المسلمين المهيبة إلى قوى وطاقات متناثرة ، وجروا العالم الاسلامي إلى العجز والضعف والفرقة والذالة ... آه ... انا فاطمة ـ عزيزة رسول الله ـ ارقد الآن على فراش المرض ؟! لم يخف انيني من ضربات هذه الأمة المبرحة ... وأقف على اعتاب الموت ؟ ... أين وصايا أبي رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم ؟ .
  ... رباه ... أعلي الشجاع القوي أراه ـ اليوم ـ مضطراً إلى السكوت عن حقه المشروع لحفظ مصلحة الاسلام العليا ؟ ...
  اقتربت ساعتي ... وحان أجلي ... وها أنذا أودع الحياة في ربيع عمري وأيام شبابي ... وسأنجو من الهموم والغصص ... ولكن ... ماذا عن أيتامي الذين سيبقون بعدي ؟ ... أولادي ... الحسن ... الحسين ... زينب ... أم كلثوم ...
  آه ... ياللمصائب التي تصب عليهم ـ أيتامي الأعزاء على قلبي ـ ، فاني سمعت ابي يقول ـ مراراً ـ : يموت ولدك الحسن مسموماً ، والحسين مقتولاً بالسيف شهيداً عطشاناً ... وهذه علامات ذلك وامارته تلوح لي وأراها بعيني ... كان صلى الله عليه وآله وسلم يأخذ صغيري الحسين ـ مرة ـ ويقبل نحره ويبكي لمصيبة ، ويأخذ الحسن ـ اخرى ـ ويلصق صدره بصدره ويقبله في فمه ، ويذكر مصائب زينب ، وأم كلثوم فيبكي ... نعم ... كانت تمر هذه الخواطر في ذهن فاطمة عليها السلام وتؤلمها ، فتشحب يوما بعد يوم ، وتنحل ساعة بعد ساعة ، وقد ورد في الاثر ان فاطمة لما حضرتها الوفاة بكت ، فقال لها أمير المؤمنين : يا سيدتي ما يبكيك ؟ قالت : أبكي لما تلقى بعدي ، فقال لها : لا تبكي ، فوالله ان ذلك لصغير عندي في ذات الله (1) .

---------------------------
(1) البحار : 43 | 218 .

الاسرار الفاطمية _ 331 _

العيادة المبغوضة
  كان الصحابة رجالاً ونساءً يعودون فاطمة عليها السلام بين الحين والحين ، إلاّ عمر وأبا بكر لم يعوداها لأنها قاطعتهم ورفضتهم ولم تأذن لهم بعيادتها ، وحينما ثقل عليها المرض وقاربتها الوفاة لم يجدا بداً من عبادتها لئلا تموت بنت النبي صلى الله عليه وآله وسلم ، وهي ساخطة عليهما ، وتبقى وصمة العار تلاحق الخليفة وجهازه الحاكم إلى يوم القيامة .
  فجاء لعيادتها تحت ضغط الرأي العام ، فسألا عنها ، وقالا لأمير المؤمنين عليه السلام : قد كان بيننا وبينها ما قد علمت فان رأيت ان تأذن لنا لنعتذر اليها من ذنبنا .
  قال : ذلك اليكما ، فقاما فجلسا الباب .
  ودخل علي عليه السلام على فاطمة عليها السلام فقال لها : أيتها الحرة ، فلان وفلان بالباب ، يريدان ان يسلما عليك فما تريدين ؟ قالت : البيت بيتك ، والحرة زوجتك ، افعل ما تشاء !
  فقال : شدي قناعك ، فشدت قناعها ، وحولت وجهها إلى الحائط .
  فدخلا وسلما وقالا : ارضي عنا رضي الله عنك ، فقالت : مادعا إلى هذا ؟ فقالا : اعترفنا بالإساءة ورجونا ان تعفي عنا .
  فقالت : ان كنتما صادقين فأخبراني عم أسألكم عنه ، فإني لا أسألكما عن أمر إلاّ وانا عارفة ، بانكما تعلمانه ، فان صدقتماني علمت انكما صادقان في مجيئكما . قالا : سلي عما بدالك .
  قالت : نشدتكما بالله ، هل سمعتما رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم يقول : ( فاطمة بضعة مني من آذاها فقد آذاني ) ؟ قالا : نعم .
  فرفعت يدها إلى السماء ، فقالت : اللهم انهما قد أذاني ، فأنا اشكوهما اليك وإلى رسولك ، لا والله لا أرضى عنكما أبداً حتى ألقى أبي رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم ، وأخبره بما صنعتما فيكون هو الحاكم فيكما .
  قال : فعند ذلك دعا أبو بكر بالويل والثبور ، فقال عمر : تجزع يا خليفة رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم من قول امرأة (1) .

---------------------------
(1) البحار : 43 | 198 .

الاسرار الفاطمية _ 332 _

وصية فاطمة عليها السلام
  مرضت فاطمة عليها السلام مرضاً شديداً ، ومكثت اربعين ليلة في مرضها ، فلما نعيت اليها نفسها قالت لعلي عليه السلام : يابن عم ، انه قد نعيت الي نفسي ، وانني لا أرى مابي إلاّ انني لاحقه بأبي ساعة بعد ساعة ، وانا أوصيك بأشياء في قلبي .
  قال لها علي عليه السلام : أوصي بما أحببت يابنت رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم فجلس عند رأسها وأخرج من كان في البيت ، ثم قالت : يابن عم ، ما عهدتني كاذبة ، ولا خائنة ، ولا خالفتك منذ عاشرتني .
  فقال عليه السلام : معاذ الله ، أنت أعلم الله وأبر واتقى وأكرم وأشد خوفاً من الله ، من أن أوبخك بمخالفة ، وقد عز علي مفارقتك وفقدك إلا انه أمر لابد منه ، والله جددت علي مصيبة رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم ، وقد عظمت وفاتك وفقدك ، بإنا لله وانا إليه راجعون من مصيبة ما أفجعها وآلمها وأمضها وأحزنها ، هذه الله مصيبة لاعزاء لها ، ورزية لا خلف لها ، ثم بكيا جميعاً ساعة (1) .
  لخّصت فاطمة عليها السلام في هذا الحوار حياتها الزوجية في هذه العبارات ، فذكرت الامير عليه السلام باخلاصها وطهارتها واطاعتها لزوجها .
  وشكر لها الإمام وفاءها ، وأثنى على طهارتها وقدسيتها ومعاناتها وتقواها ، وأبدى لها حبة ووده وتعلقه بها ، وهاجت بهما الذكريات وحاشت الخواطر وتذكرا حياتهما السعيدة التي غمرتها الغبطة والدفء ، والوقوف جنباً إلى جنب في مواجهة الاحداث والمشاكل وتذليل الصعاب ، فانهمرت لذلك عيناهما بالدموع ، لعلها تطفيء نار القلب التي تقضي على الجسد .
  وبعد ان بكيا ساعة أخذ علي عليه السلام رأسها وضمها إلى صدره ثم قال : أوصيني بم شئت ، فانك تجديني فيها أمضي كما امرتيني به ، واختار أمرك على أمري .
  ثم قالت : جزاك الله عني خير الجزاء ، وأوصته بوصاياها ، وهي :
  1 ـ يابن عم ، أوصيك ان تتزوج بعدي بابنة أختي امامة ، فانها تكون لولدي مثلي ،

---------------------------
(1) البحار : 43 | 191 .

الاسرار الفاطمية _ 333 _

  فإنّ الرجال لابد لهم من النساء (1) .
  2 ـ ان أنت تزوجت إمرأة فاجعل لها يوماً وليلة واجعل لاولادي يوماً وليلة ، يا أبا الحسن لا تصح في وجوههم فيصبحا يتيمين غريبين (2) .
  3 ـ أوصيك يابن عم ، ان تتخذ لي نعشا ، فقد رأيت الملائكة صوروا صورته ، فقال لها : صفيه لي ... فوصفته ، فاتخذه لها (3) .
  4 ـ أوصت لأزواج النبي لكل واحدة منهن اثنتى عشرة أوقية (4) .
  5 ـ ولنساء بني هاشم مثل ذلك .
  6 ـ وأوصت لأمامة بنت أبي العاص بشيء (5) .
  وكانت لها وصية مكتوبة جاء فيها : ( هذا ما أوصت فاطمة بنت رسول الله بحوائطها السبع ، ذي الحسنى والساقية ، والدلال ، والغراف ، والرقمة ، والهيثم ، ومال أم ابراهيم ، إلى علي بن أبي طالب ، ومن بعده فإلى الحسن ، فإلى الحسين ، ومن بعد الحسين فإلى الاكبر فالاكبر من ولده ، شهد الله على ذلك وكفى به شهيداً ، وشهد المقداد ابن الاسود ، والزبير بن العوام ، وكتب علي بن أبي طالب (6) .
  وروى ابن عباس وصية مكتوبة اخرى لها عليها السلام جاء فيها : ( بسم الله الرحمن الرحيم ، هذا ما أوصت به فاطمة بنت رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم أوصت وهي تشهد ان لا اله إلا الله وان محمدا عبده ورسوله ، وان الجنة حق ، والنار حق ، وان الساعة آتية لا ريب فيها ، وان الله يبعث من في القبور ، يا علي : أنا فاطمة بنت محمد ، زوجني الله منك لا كون لك في الدنيا والآخرة ، انت اولى بي من غيري ، حنطني وغسلني وكفني بالليل وصل علي وادفني بالليل ولا تعلم أحدا ، واستودعك الله وأقرأ على ولدي السلام إلى يوم القيامة ) (7) .

---------------------------
(1) مناقب ابن شهر اشوب : 3 | 362 .
2) البحار : 43 | 178 .
(3) البحار : 43 | 192 .
(4) المصدر السابق .
(5) دلائل الإمامة : 42 .
(6) دلائل الإمامة : 42 .
(7) البحار : 43 | 214 .

الاسرار الفاطمية _ 334 _

لحظات عمرها الأخيرة
  ثقل عليها المرض ، والإمام لا يفارقها ، وأسماء تمرضها ، والحسن والحسين وزينب وام كلثوم عندها ، وهي تفيق مرة ويغشى عليها اخرى من شدة المرض ، وتجيل بصرها في أولادها .. يقول الإمام على عليه السلام : انها لما حضرتها الوفاة فتحت عينيها وقالت : السلام عليك يا جبرئيل ، السلام عليك يا رسول الله ، اللهم احشرني مع رسولك ، اللهم اسكني جنتك وفي جوارك .
  ثم قالت : هؤلاء ملائكة ربي ، جبريل ورسول الله حاضرون عندي ، وأبي يقول : القدوم الينا (1) يقول علي عليه السلام : فلما كان الليلة التي أراد الله ان يكرمها ويقبضها إليه اخذت تقول : وعليكم السلام . يابن عم ،هذا جبريل أتاني مسلماً ، وقال : السلام يقرئك السلام يا حبيبة حبيب الله وثمرة فؤاده ـ اليوم تلحقين بالرفيق الاعلى وجنة المأوى ثم انصرف عني .
  ثم اخذت تقول : وعليكم السلام ، وتقول : يابن عم ، هذا ميكائيل يقول كقول صاحبه . ثم اخذت ثالثاً تقول : وعليك السلام ، ثم فتحت عينيها شديداً وقالت : يابن عم هذا والله الحق ، عزرائيل نشر جناحه في المشرق والمغرب ، وقد وصفه لي أبي وهذه صفته .
  ثم قالت : يا قابض الارواح عجل بي ولا تعذبني ، ثم قالت : اليك ربي لا إلى النار ، ثم غمضت عينيها ، ومدت يديها ورجليها ، وكأنها لم تكن حية قط .
أبكني  ان بكيت ياخير iiهادي      وأسبل  الدمع فهو يوم iiالفراق
ياقرين البتول اوصيك بالنسل      فـقد  أصبحنا حليف iiاشتياق
أبكني  وابك لليتامى iiولاتنسى      قـتيل الـعدى بطف iiالعراق
فـارقوا  فـأصبحوا iiحيارى      يـخلف الله فـهو يوم الفراق
  وروي عن اسماء ان فاطمة لما حضرتها الوفاة قالت لاسماء : ان جبرئيل أتى

---------------------------
(1) دلائل الإمامة : 44 .

الاسرار الفاطمية _ 335 _

  النبي صلى الله عليه وآله وسلم ـ لما حضرته الوفاة ـ بكافور من الجنة فقسمه أثلاثاً ، ثلثاً لنفسه ، وثلثا لعلي ، وثلثا لي ، وكان اربعين درهما ، فقالت يا أسماء اتيني ببقية حنوط والدي من موضع كذا وكذا وضعيه عند رأسي ، فوضعته ثم قالت يا أسماء أتيني ببقية حنوط والدي من موضع كذا وكذا وضعيه عند رأسي ، فوضعته ثم قالت لاسماء حين توضأت وضوءها للصلاة ، هاتي طيبي الذي أتطيب به ، وهاتي ثيابي التي أصلي فيها ، فتوضأت ثم تسجت بثوبها ، ثم قالت : انتظريني هنيئة وادعيني ، فان اجبتك وإلاّ فاعلمي اني قدمت على ابي فأرسلني إلى علي .
  فانتظرت هنيئة ثم نادتها ، فم تجبها ، فكشف الثوب عن وجهها فاذا بها قد فارقت الدنيا ، فوقعت عليها تقبلها ، فبينا هي كذلك اذ دخل الحسن والحسين فقالا لها : يا أسماء ما ينيم امنا في هذا الساعة ، قالت : يا ابني رسول الله ، ليست امكما نائمة ، قد فارقت الدنيا ، فوقع عليها الحسن يقبلها مرة ويقول : يا اماه كلميني قبل ان تفارق روحي بدني ، وأقبل الحسين يقبل رجلها ويقول : انا ابنك الحسين كلميني قبل ان يتصدع قلبي فأموت ، قالت لهما اسماء : يا ابني رسول الله ، انطلقا إلى أبيكما علي فاخبراه بموت امكما ، فخرجا حتى اذا كانا قرب المسجد رفعا أصواتهما بالبكاء فقالا : قد ماتت أمنا فاطمة عليها السلام فوقع علي عليه السلام على وجهه يقول : بمن العزاء يا بنت محمد ، كنت بك أتعزى فبمن العزاء من بعدك ؟ (1) .

التشييع والدفن
  ارتفعت أصوات البكاء من بيت علي عليه السلام فصاح أهل المدينة صيحة واحدة ، واجتمعت نساء بني هاشم في دارها ، فصرخن صرخة واحدة كادت المدينة تتزعزع لها ، وأقبل الناس مثل عرف الفرس إلى علي عليه السلام ، وهو جالس ، والحسن والحسين بين يديه يبكيان ، وخرجت ام كلثوم ، وهي تقول : يا أبتاه يا رسول الله ، الآن فقدناك حقا لا لقاء بعده ابدا .
  واجتمع الناس فجلسوا وهم يضجون ، وينتظرون خارج الجنازة

---------------------------
(1) البحار : 43 | 186 .

الاسرار الفاطمية _ 336 _

  ليصلوا عليها ، وخرج أبو ذر ، وقال : انصرفوا فان ابنة رسول الله قد اخر اخرابها في العشية (1) .
  وأقبل أبوبكر وعمر يعزيان عليا عليه السلام ، ويقولان له : يا أبا الحسن لا تسبقنا بالصلاة على ابنة رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم (2) .
  ولكن عليا غسلها وكفنها هو واسماء في تلك الليلة ثم نادى : يا ام كلثوم ، يا زينب يا حسن ، يا حسين ، هلموا تزودوا من امكم فهذا الفراق واللقاء والجنة ، وبعد قليل نحاههم امير الؤمنين عليه السلام (3) عنها .
  ثم صلى علي على الجنازة ، وشيعها والحسن والحسين وعقيل وسلمان وأبوذر والمقداد وعمار وبريدة والعباس وابنة الفضل (4) .
  فلما هدأت الاصوات ونامت العيون ومضى شطر من الليل أخرجها امير المؤمنين عليه السلام ودفنها سرا وأهال عليها التراب ، والمشيعون من حوله يترقبون لئلا يعرف القوم ، ويمنعهم المنافقون ، فدفنوها وعفوا تراب قبرها .

وقوف الإمام عليه السلام على قبرها
  انتهت مراسم الدفن بسرعة خوفاً من انكشاف امرهم وهجوم القوم عليهم ، فلما نفض الإمام يده من تراب القبر هاج به الحزن فقد بضعة الرسول التي تذكر به وزوجته الودود التي عاشت معه الصفا والطهارة والتضحية ، وتحملت من اجله الاهوال والصعاب فواغوثاه ... من هظمها ... من آلامها ... من تصدع قلبها ... وأغوثاه من كسر ضلعها ... واسوداد عضدها ... واسقاط جنينها ... ولكن .
لكل اجتماع من خليلين فرقة      وكل الذي دون الممات iiقليل
وان  افتقادي فاطم بعد iiاحمد      دليل  على ان لا يدوم iiخليل
  فأرسل دموعه على خديه ، وحول وجهه إلى قبر رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم فقال : السلام عليك يا رسول الله ، السلام عليك من ابنتك وحبيبتك وقرة عينك وزائرتك ، والبائنة

---------------------------
(1) البحار : 43 | 192 .
(2) البحار : 43 | 199 .
(3) البحار : ج 43 | ص 179 .
(4) البحار : 43 | 183 .

الاسرار الفاطمية _ 337 _

  في الثرى ببقعتك ، المختار الله لها سرعة اللحاق بك ، قل ـ يا رسول الله عن صفيتك صبري وضعف عن سيدة النساء تجلدي ، إلاّ ان في التأسي لي بسنتك ، والحزن الذي حل بي لفراقك ، موضع التعزي ، ولقد وسدتك في ملحودة قبرك ، بعد ان فاضت نفسك على صدري ، وغمضتك بيدي وتوليت امرك بنفسي ، نعم ، وفي كتاب الله انعم القبول ، انا الله وانا إليه راجعون ، قد استرجعت الوديعة ، واخذت الرهينة ، واختلست الزهراء ، فما اقبح الخضراء والغبراء ، يا رسول الله . اما حزني فسرمد ، واما ليلي فمسهد ، لا يبرح الحزن من قلبي او يختار الله لي دارك التي انت مقيم ، كمد مقيح ، وهم مهيج ، سرعان ما فرق الله ( بيننا ) ، وإلى الله أشكو ، وستنبئك ابنتك بتظافر امتك علي ، وعلى هضمها حقها ، فاستخبرها الحال ، فكم من عليل معتلج بصدرها ، لم تجد إلى بثه سبيلا ، وستقول ، ويحكم الله وهو خير الحاكمين ، سلام عليك يا رسول الله ، سلام مودع لاسئم ولا قال ، فان انصرف فلا عن ملالة وان اقم فلا عن سوء ظني بما وعد الله الصابرين ، الصبر أيمن واجمل ، ولو لا غلبة المستولين علينا ، لجعلت الرزية ، فبعين الله تدفن ابنتك سرا ، ويهتضم حقها قهرا ، ويمنع ارثها جهرا ، ولم يطل العهد ، ولم يخلق منك الذكر ، فالى الله ـ يا رسول الله ـ المشتكى وفيك اجمل العزاء ، فصلوات الله عليها ورحمة الله وبركاته (1) .
  وروي ان عليا عليها السلام سوى قبرها مع الأرض مستويا ، وقيل : سوى حواليها قبورا مرورة سبعة حتى لا يعرف احد قبرها ، وروي انه رش اربعين قبرا حتى لا يبين قبرها من غيره من القبور خوفا من الاعداء (2) .
  فلما اصبح الناس اقبل عمر وأبو بكر والناس يريدون الصلاة على فاطمة عليها السلام ، فقال المقداد : قد دفنا فاطمة عليها السلام البارحة .
  فالتفت عمر إلى ابي بكر فقال : الم اقل لك ، انهم سيفعلون ؟
  قال العباس : انها اوصت ان لاتصليا عليها .
  فقال عمر : لا تتركون ـ بني هاشم ـ حسدكم القديم لنا أبدا ، ان هذه الضغائن التي في

---------------------------
(1) البحار : 43 | 211 ، 193 .
(2) البحار : 43 | 183 .

الاسرار الفاطمية _ 338 _

  صدوركم لن تذهب ، والله لقد هممت ان انبشها فاصلي عليها ، فقال علي عليه السلام : والله لو رمت ذاك لارجحت اليك يمينك ، لئن سللت سيفي لا أغمدته دون ازهاق روحك ، فانكسر عمر وسكت وعلم ان علياً اذا حلف صدق (1) .

تاريخ وفاتها عليها السلام
  لاشك ان وفاتها عليها السلام كانت في السنة الحادية عشر من الهجرة ـ ظاهراً ـ لأنّ النبي صلى الله عليه وآله وسلم حج حجة الوداع في السنة العاشرة وتوفي في اوائل السنة الحادية عشر ، واتفق المؤرخون والكتاب على ان فاطمة عاشت بعد ابيها اقل من سنة ، الا انهم اختلفوا في يوم وشهر وفاتها اختلافاً شديداً ، فروى المعروف بالدلائل (2) عن أبي بصير ، عن الصادق عليه السلام قبضت في جمادي الاخرة ، يوم الثلاثاء لثلاث خلون منه سنة إحدى عشر من الهجرة ، وبه صرح المفيد في المسار (3) ، وفي المصباح (4) ، ونسبه الاقبال (5) إلى جماعة ، فقال : روينا عن جماعة من أصحابنا ذكرناهم في كتاب التعريف للمولد الشريف ، ان وفاة فاطمة عليها السلام كانت يوم ثالث جمادي الآخرة ، وعن ابن همام ، قال : روى لعشر بقين منه .
  وعن الكشف (6) قيل : لثلاث ليال من شهر رمضان .
  ونقل عن العاصمي (7) باسناده عن محمد بن عمر .
  ونقل المصباح (8) ، عن ابن عياش انه في اليوم الحادي والعشرين من رجب ، وبعضهم لم يعين يومه ، لكن قالوا بعيشها بعد النبي صلى الله عليه وآله وسلم بمدة واختلفوا .

---------------------------
(1) البحار : 43 | 199 .
(2) دلائل الإمامة : 46 ، عن البحار : 43 | 171 ح 11 .
(3) مسار الشيعة : 31 .
(4) مصباح المتهجد : 733 ، عنه البحار ، 43 | 215 ح 46 .
(5) الاقبال : 633 ، عنه البحار : 43 | 196 ح 26 .
(6) كشف الغمة : 1 | 503 عنه البحار : 43 | 189 .
(7) ونقل البحار عن العاصمي : 43 | 213 ح 44 .
(8) مصباح المتهجد : 748 ، عنه البحار : 43 | 215 ح 47 .

الاسرار الفاطمية _ 339 _

  قال أبو الفرج (1) فالمكثر يقول : ثمانية اشهر ، والمقلل ، اربعين يوماً ، إلاّ ان الثابت في ذلك ماروي عن ابي جعفر محمد بن علي عليها السلام انها توفيت بعده بثلاثة أشهر ، حدثني بذلك الحسن بن علي ، عن الحارث ، عن ابن سعيد ، عن الواقدي ، عن عمرو بن دينار ، عنه عليه السلام .
  قلت : نقل الثلاثة اشهر ، الكشف (2) عن كتاب الذرية للدولابي عن رجاله ، وعن ابن شهاب الزهري ستة اشهر ، وقال ابن قتيبة (3) : مائة يوم بعده .
  وقال الكشف (4) ، عن الباقر عليه السلام : خمس وتسعين ليلة .
  وروى الاحتجاج (5) عن كتاب سليم : اربعين يوماً .
  وقال الكليني (6) : خمس وسبعون يوما .
  ورواه ابن الخشاب (7) ، عن شيوخه ، عن الباقر عليه السلام . وبه قال في عيوم المعجزات (8) ، ورواه الكليني (9) صحيحاً في خبرين عن الصادق عليها السلام .
  سند أحدهما : أحمد بن محمد بن يحيى ، عن أحمد بن محمد ، عن أبي محبوب ، عن ابن رباب ، عن أبي عبيدة ، عنه عليها السلام .
  والآخر : العدّة (10) ، عن أحمد بن محمد ، عن الحسين بن سعيد ، عن النضر ، عن هشام بن سالم ، عنه عليها السلام .
  وفي خبر (11) حسن وصحيح سنده علي بن إبراهيم ، عن أبيه ، عن ابن أبي عمير ، عن هشام بن سالم ، عنه عليه السلام .
  ويمكن تأويل خمسة وسبعين في الثلاثة بكونه محرف خسمة وتسعين ، حتى ينطبق

---------------------------
(1) مقاتل الطالبيين : 49 ، عنه البحار : 43 | 215 .
(2) كشف الغمة : 1 | 502 ، عنه البحار : 43 | 188 ح 19 .
(3) المعارف لابن قتيبة : 142 .
(4) كشف الغمة : 1 | 503 .
(5) الاحتجاج : عن كتاب سليم بن قيس الهلالي : 212 ، عنه البحار : 43 | 199 ضمن ح 29 .
(6) الكافي : 458 | 1 .
(7) كشف الغمّة : 1 | 449 ، عن ابن الخشّاب .
(8) عينم المعجزات : 55 ، عه البحار : 43 | 212 ح 41 .
(9) الكافي : 1 | 241 ح 5 ، عنه البحار : 43 | 194 ح 22 .
(10) الكافي : 4 | 561 ح 4 ، عنه البحار ، 43 | 195 ح 24 .
(11) الكافي : 3 | 228 ح 3 ، عنه البحار : 43 | 195 ذح 24 .

الاسرار الفاطمية _ 340 _

  على الخبر الدالّ على كونه في ثالث جمادي الآخره ، مع كون وفاة النبي صلى الله عليه وآله وسلم في الثامن والعشرين من صفر ، وينطبق على خبر ثلاثة أشهر مجمله على التسامح في الكمية الزائدة .
  ويشهد له ما قاله الكشف (1) عن الباقر عليه السلام خمس وتسعين إن صحت النسخة لكن وقوع التحريف في أخبار ثلاثة مشكل ، مع عدم ثبوت كون وفاته صلى الله عليه وآله وسلم في الثامن والعشرين من صفر ، بل عرفت قول كثير بكونه الثاني عشر من ربيع الأوّل من أنذ الخبر الخامس من أربعين أبي نعيم في أخبار المهدي الذي نقله الكشف (2) ، قال عليّ عليه السلام : لم تبقى فاطمة بعده إلا خمسة وسبعين يوماً ، حتى ألحقها الله به صلى الله عليه وآل وسلم .
  لكنّ الكلام في ثبوت عدد صفر (3) ، وإلاّ فالتحريف للتشابه الخطّي ولو في أكثر غير بعيد (4) .

---------------------------
(1) كشف الغمّة : 1 | 503 .
(2) كشف الغمة : 1 | 503 .
(3) كلام المؤلف ( ره ) هنا في ثبوت وفاة النبي صلى الله عليه وآله وسلم من صفر من كونه الثامن والعشرين وعدم ثبوته ، وعلى قول أنه الثاني عشر من ربيع الأول والمقصود هنا وقع التحريف والتصحيف للتشابه وفي أكثر من هذا من الأقوال وهو غير بعيد من التحريف .
(4) تواريخ النبي والآل : 55 ـ 57 .

الاسرار الفاطمية _ 341 _

المستوى الثاني : المعرفة المناقبية لها عليها السلام
  وذلك بالإطلاع على ماجزاها وكراماتها المحيرة للعقول والأفكار سواء في حياتها ، أو بعد شهادتها عليها السلام وما انبأت به من غيب وأسرار تعجز أكثر العقول البشرية عن الإحاطة بها والإلمام بحقائق دقائقها ، وما كانت عليه من أخلاق عالية وشرف رفيع ، وسمو أدب وكرامة نفس وسخاء طبع لامثله سخاء وعبادة لا نظير لها ، وعلى هذا الأساس سيكون كلامنا في هذا المقام في أمرين وهما :
  1 ـ معاجزها في حياتها عليها السلام :
  2 ـ أخلاقها عليها السلام .

معاجزها في حياتها عليها السلام
  * روي أنّ سلمان قال : كانت فاطمة عليها السلام جالسة قدّامها رحى تطحن بها الشعير ، وعلى عمود الرحى دم سائل ، والحسين في ناحية الدار ( يتضوّر من الجوع ) .
  فقلت : يا بنت رسول الله ، دبرت كفّاك ، وهذه فضّة ، فقالت : أوصاني رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم أن تكون الخدمة لها يوماً ، فكان أمس يوم خدمتها .
  قال سلمان : قلت إنّي مولى عناقة ، إمّا أنا أطحن الشعير أو اسكّت الحسين لك ؟
  فقالت : أنا بتسكيته أرفق ، وأنت تطحن الشعير .
  فطحنت شيئاً من الشعير ، فإذا أنا بالإقامة ، فمضيت وصلّيت مع رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم ، فلمّا فرغت قلت لعليّ ما رأيت ، فبكى وخرج ، ثمّ عاد فتبسّم .
  فسأله عن ذلك رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم قال : دخلت على فاطمة وهي مستلقية لقفاها ،

الاسرار الفاطمية _ 342 _

  والحسين نائم على صدرها ، وقدّامها رحى تدور من غير يد .
  فتبسّم رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم وقال : يا عليّ ، أما علمت أنّ الله ملائكة سيّاره في الأرض يخدمون محمداً وآل محمد إلى أن تقوم الساعة (1) .
  * وروي عن اسامة بن زيد ، قال : افتقد رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم ذات يوم عليّاً ، فقال : اطلبوا إليّ أخي في الدنيا والآخرة ، اطلبوا الي فاصل الخطوب اطلبوا إليّ المحكّم في الجنة في اليوم المشهود ، اطلبوا الي حامل لوائي في المقام المحمود .
  قال اسامة : فلمّا سمعت من رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم ذلك ، بادرت إلى باب عليّ ، فناداني رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم من خلفي : يا اسامة ، عجّل عليّ بخبره وذلك بين الظهر والعصر .
  فدخلت فوجدت عليّاً كالثوب الملقى لاطياً بالأرض ، ساجداً يناجي الله تعالى ، وهو يقول : سبحان الله الدائم ، فكّاك المغارم ، رزّاق البهائم ، ليس له في ديموتمه إبتداء ، ولا زوال ولا انقضاء .
  فكرهت أن أقطع عليه ما هو فيه حتى يرفع رأسه ، وسمعت أزيز الرحى فقصدت نحوها لأسلّم على فاطمة عليها السلام واخبرها بقول رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم في بعلها ، فوجدتها راقدة على شقّها الأيمن ، مخمرة وجهها بجلبابها ـ وكان من وبر الإبل ـ وإذا الرحى تدور بدقيقها ، وإذا كفّ يطحن عليها برفق ، وكفّ اخرى تلهي الرحى ، لها نور لا أقدر أن أملي عيني منها ، ولا أرى إلا اليدين بغير أبدان ، فامتلأت فرحاً بما رأيت من كرامة الله لفاطمة عليها السلام .
  فرجعت إلى رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم وتباشير الفرح في وجهي بادية ، وهو في نفر من أصحابه ، قلت : يا رسول الله ! انطلقت أدعو عليّاً ، فوجدته كذا وكذا ، وانطلقت نحو فاطمة عليها السلام فوجدتها راقدة على شقّها الأيمن ، ورأيت كذا وكذا !
  فقال : يا اسامة ! أتدري من الطاحن ، ومن الملهي لفاطمة ؟
  إنّ الله قد غفر لبعلها بسجدته سبعين مغفرة ، واحدة منها لذنوبه ما تقدّم منها وما

---------------------------
(1) الخرائج والجرائح : 530 | ح 6 .

الاسرار الفاطمية _ 343 _

  تأخّر ، وتسعة وستّين مذخورة لمحبّيه ، يغفر الله بها بها ذنوبهم يوم القيامة .
  وإن الله تعالى رحم ضعف فاطمة لطول قنوتها بالليل ، ومكابدتها للرحى والخدمة في النهار ، فأمر الله تعالى وليدين من الولدان المخلّدين أن يهبطا في أسرعت من الطرف ، وإنّ أحدهما ليطحن ، والآخر ليلهي رحاها .
  وإنّما أرسلتك لترى وتخبر بنعمة الله علينا ، فحدّث يا اسامة !
  لو تبديا لك لذهب عقلك من حسنهما ، وإنما سألتني خادماً فمنعتها ، فأخدمها الله بذلك سبعين ألف ألف وليدة في الجنّة ، الذين رأيت منهنّ .
  وإنّا من أهل بيت اختار الله لنا الآخرة الباقية على الدنيا الفانية (1) .
  * وعن حماد بن سلمة ، عن حميد الطويل ، عن أنس قال : سألني الحجاج بن يوسف عن حديث عائشة ، وحديث القدر التي رأت في بيت فاطمة بنت رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم وهي تحركها بيدها ، قلت : نعم أصلح الله الأمير دخلت عائشة على فاطمة عليها السلام وهي تعمل للحسن والحسين عليهما السلام حريرة بدقيق ولبن وشحم ، في قدر ، والقدر على النار يغلي ( وفاطمة صلوات الله عليها ) تحرّك ما في القدر بإصبعها ، والقدر على النار يبقبق (2) .
  فخرجت عائشة فزعة مذعورة ، حتى دخلت على أبيها ، فقالت : يا أبه ، إني رأيت من فاطمة الزهراء أمراً عجيباً ( عجبا ) ، رأيتها وهي تعمل في القدر ، والقدر على النار يغلي ، وهي تحرّك ما في القدر بيدها ! فقال لها : يا بنيّة ! اكتمي ، فإنّ هذا أمر عظيم .
  فبلغ رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم ، فصعد المنبر ، وحمد الله وأثنى عليه ، ثمّ قال : إنّ الناس يستعظمون ويستكثرون ما رأوا من القدر والنار ، والذي بعثني بالرسالة ، واصطفاني بالنبوّة ، لقد حرّم الله تعالى النار على لحم فاطمة ، ودمها ، وشعرها ، وعصبها ، ( وعظمها ) وفطم من النار ذريّتها وشيعتها ، إنّ من نسل فاطمة من تطيعه النار ، والشمس ، والقمر ، والنجوم ، والجبال ، وتضرب الجنّ بين يديه بالسيف ، وتوافي إليه الأنبياء بعهودها ، وتسلّم إليه الأرض كنوزها ، تنزّل عليه من السماء بركات ما فيها

---------------------------
(1) الثاقب في المناقب : 291 ح 249 .
(2) البقبقة : حكاية صوت القدر في غليانه ( تاج العروس : 6 | 297 ) .

الاسرار الفاطمية _ 344 _

  الويل لمن شك في فضل فاطمة .
  ( لعن الله من يبغضها ) لعن الله من يبغض بعلها ، ولم يرض بإمامة ولدها .
  إنّ لفاطمة يوم القيامة موقفاً ، ولشيعتها موقفاً .
  وإنّ فاطمة تدعى فتكسى ، وتشفع فتشفّع ، على رغم كلّ راغم (1) .
  * روي عن جابر بن عبدالله قال : إنّ رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم أقام أيّاماً ولم يطعم طعاماً حتّى شقّ ذلك عليه ، فطاف في ديار أزواجه فلم يصب عند إحداهنّ شيئاً ، فأتى فاطمة فقال : يا بنيّة ! هل عندك شيء آكله ، فإنّي جائع ؟
  قالت : لا ـ والله ـ بنفسي وأمّي . فلمّا خرج عنها ، بعثت جارية لها رغيفين وبضعة لحم ، فأخذته ووضعته في جفنة وغطّت عليها ، وقال : لأوثرنّ بها بهذا رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم ، فرجع إليها فقالت : قد أتانا الله بشيء فخبّأته لك ، فقال : هلمّي يا بنيّة ، فكشفت الجفنة ، هي مملوءة خبزاً ولحماً ، فلمّا نظرت إليه بهتت وعرفت أنّه من عند الله ، فحمدت الله ، وصلّت على نبيّه أبيها ، وقدّمته إليه فلمّا رآه حمد الله ، وقال : من أين لك هذا ؟
  قالت : هو من عند الله ، ( إنّ الله يزرق من يشاء بغير حساب ) (2) .
  فبعث رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم إلى علي ، فدعاء وأحضره ، وأكل رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم وعلي وفاطمة والحسن والحسين ، وجميع أزواج النبّي حتى شبعوا .
  قالت فاطمة عليها السلام : وبقيت الجفنة كما هي ، فأوسعت منها على جميع جيراني ، جعل الله فيها بركة وخيراً كثيراً (3) .
  * وعن أبي الفرج محمد بن المكّي ، عن المظفر بن أحمد بن عبد الواحد ، عن محمد بن علي الحلواني ، عن كريمة بنت أحمد بن محمد الروندي : وأخبرني أيضاً به عالياً قاضي القضاة محمد بن الحسين البغدادي ، عن الحسين ابن

---------------------------
(1) العوالم : 1 | 198 .
(2) آل عمران : 37 .
(3) الخرائج والجرائح : 528 ح 3 ، عنه البحار ، 43 | 27 ح 30 . ورواه في الثاقب في المناقب : 295 بإسناده عن زينب ، والعرائس : 57 ، ومقتل الحسين : 1 | 57 ، وفرائد السمطين : 2 | 51 ، وابن كثير في البداية والنهاية : 6 | 111 وفي تفسيره : 2 | 222 ، والدرّ المنثور : 2 | 20 ، وروح المعاني : 3 | 124 ، عن بعضها الإحقاق : 3 | 538 ، و 10 | 314 .