اتفق الجميع لا تمانع بينهم ، أن المعرفة من جهة الرؤية ضرورة ، فإذا جاز أن يرى الله بالعين وقعت المعرفة ضرورة ، ثم لم تخل تلك المعرفة من أن تكون ايمانا أو ليست بايمان ، فان كانت تلك المعرفة من جهة الرؤية ايمانا .
  فالمعرفة التي في دار الدنيا من جهة الاكتساب ليست بايمان لأنها ضده ، فلا يكون في الدنيا مؤمن لأنهم لم يروا الله عز ذكره ، وان لم تكن تلك المعرفة التي من جهة الرؤية ايمانا لم تخل هذه المعرفة التي من جهة الاكتساب أن تزول ، ولا تزول في المعاد ، فهذا دليل على أن الله عزوجل لا يرى بالعين ، إذ العين تؤدي إلى ما وصفنا . . . (1) .
  وأبطل الامام بهذه الحجة البالغة رؤية الخالق العظيم بالعين لا بالفكر والعقل ، فان الايمان به تعالى لو كان مرتبطا بها للزم أن يكون الايمان الناشئ من الأدلة الوجدانية على وجود الله ليس ايمانا ، وهو باطل ، وان كانت معرفة الله تعالى الناشئة من الرؤية ليست ايمانا ، فلازمه أن لا تكون المعرفة الناشئة من الأدلة موجبة للايمان وهو باطل أيضا ، إن الايمان بالخالق تعالى من الضروريات التي لا ينكرها الا من زاغ فكره ، وضل عقله ، والله تعالى أبرز حقيقة ظاهرة في هذا الوجود تدلل عليه مخلوقاته ابطال التفويض والجبر ، أما التفويض فهو يتصادم مع الدين الاسلامي ، وكذلك الجبر فإنه ليس من الاسلام في شئ .
  وقد سأل الحسن بن علي الوشاء الامام عن ذلك فقال له : الله فوض الامر إلى العباد ؟ . . .
  وسارع الامام في ابطال ذلك قائلا : الله أغر من ذلك . . .
  وانبرى الحسن قائلا : جبرهم على المعاصي ؟ . . .
  فرده الامام قائلا : الله أعدل ، وأحكم من ذلك . . .
  وأضاف الامام قائلا : قال الله : يا بن آدم ، أنا أولى بحسناتك منك ، وأنت أولى بسيئاتك مني ،

---------------------------
(1) أصول الكافي 1 / 96 ـ 97 .

حياة الإمام علي بن موسى الرضا عليه السلام _ 286 _

  عملت بالمعاصي بقوتي التي جعلتها فيك . . . (1) .
  ان الله تعالى منح عباده الإرادة الكاملة ، فهم بمحض ارادتهم يطيعون أو يعصون ، وليسوا مجبرين على شئ منهما .
  ومما أثر عن الإمام الرضا ( عليه السلام ) في ابطال الجبر والتفويض ما رواه سليمان بن جعفر الجعفري قال : ذكر عند الإمام الرضا ( عليه السلام ) الجبر والتفويض فقال : الا أعطيكم في هذا أصلا لا تختلفون فيه ولا يخاصمكم عليه أحد الا كسرتموه . . .
  فقال أصحابه : إن رأيت ذلك .
  فقال ( عليه السلام ) : إن الله تعالى لم يطع بإكراه ، ولم يعص بغلبة ، ولم يهمل العباد في ملكه ، وهو المالك لما ملكهم ، والقادر على ما أقدرهم عليه ، فإن إئتمر العباد بطاعته لم يكن الله عنها صادرا ، ولا منها مانعا ، وإن ائتمروا بمعصيته فشاء أن يحول بينهم وبين ذلك فعل ، وإن لم يحل ففعلوا ، فليس هو الذي أدخلهم فيه . . .
  وعقب هذا البرهان الحاسم قال ( عليه السلام ) لأصحابه : من يضبط حدود هذا الكلام فقد خاصم من خالفه . . . (2) .
  وأكد الامام هذا الامر في حديثه مع علي بن أسباط فقد سأله عن الاستطاعة ، فأجابه : يستطيع العبد بعد أربع خصال : أن يكون مخلى السرب ، صحيح الجسم ، سليم الجوارح ، له سبب وارد من الله . . .
  وانبرى على قائلا : جعلت فداك فسر لي هذا . . .
  وأوضح الإمام ( عليه السلام ) هذه الأمور بقوله : أن يكون العبد مخلى السرب ، صحيح الجسم ، سليم الجوارح يريد أن يزني فلا يجد امرأة ، ثم يجدها ، فأما أن يعصم نفسه فيمتنع ، كما امتنع يوسف ( عليه السلام ) أو يخلي بينه وبين ارادته فيزني فيسمى زانيا ، ولم يطع الله باكراه ، ولم

---------------------------
(1) أصول الكافي 1 / 157 .
(2) عيون أخبار الرضا 1 / 144 .

حياة الإمام علي بن موسى الرضا عليه السلام _ 287 _

  يعصه بغلبة . . . (1) .
  لقد عرض الإمام الرضا ( عليه السلام ) ، وبقية أئمة أهل الهدى ( عليهم السلام ) إلى بطلان الجبر والتفويض ، واثبتوا بصورة حاسمة لا تقبل الشك ان الامر بين الامرين ، لا جبر ولا تفويض . . .
  تفنيده لآراء القدرية :
  وفند الإمام الرضا ( عليه السلام ) آراء القدرية ، وأبطل شبههم في حديث له مع يونس بن عبد الرحمن قال ( عليه السلام ) : يا يونس لا تقل : بقول القدرية ، فان القدرية لم يقولوا بقول أهل الجنة ، ولا بقول أهل النار ولا بقول إبليس فان أهل الجنة قالوا : ( الْحَمْدُ لِلّهِ الَّذِي هَدَانَا لِهَذَا وَمَا كُنَّا لِنَهْتَدِيَ لَوْلا أَنْ هَدَانَا اللّهُ ) وقال أهل النار : ( رَبَّنَا غَلَبَتْ عَلَيْنَا شِقْوَتُنَا وَكُنَّا قَوْمًا ضَالِّينَ ) ، وقال إبليس : ( رَبِّ بِمَآ أَغْوَيْتَنِي . . . ) الآية .
  وأنكر يونس ان يقول بمقالتهم قائلا : والله ما أقول بقولهم : ولكني أقول : لا يكون إلا بما شاء الله وأراد وقدر وقضى . . .
  ورد ( عليه السلام ) قائلا : يا يونس ليس هكذا ، لا يكون إلا ما شاء الله ، وأراد ، وقدر وقضى ، يا يونس تعلم ما المشيئة ؟ . . .
  قال يونس : لا .
  وأوضح الامام له حقيقة المشيئة قائلا : هي الذكر الأول ، تعلم ما الإرادة ؟ . . .
  قال يونس : لا .
  وبين الامام له واقع الإرادة قائلا : هي العزيمة على ما يشاء ، تعلم ما القدر ؟ . . . قال يونس : لا .
  فقال ( عليه السلام ) :

---------------------------
(1) أصول الكافي 1 / 160 ـ 161 .

حياة الإمام علي بن موسى الرضا عليه السلام _ 288 _

  هي الهندسة ، ووضع الحدود من البقاء والفناء ، والقضاء هو الابرام ، وإقامة العين . . .
  وانحنى يونس اكبارا واجلالا للامام ، وقبل رأسه ، وقال له : فتحت لي شيئا كنت عنه في غفلة . . . (1) .
  الإمامة :
  ومن بين البحوث العقائدية التي خاضها الإمام الرضا ( عليه السلام ) هي الإمامة ، فقد عرض لها في كثير من مناظراته وبحوثه ، كان منها ما يلي :
  1 ـ أهمية الإمامة .
  الإمامة من أهم المراكز الحساسة في الاسلام لأنها تصون الأمة وتحميها من الاعتداء ، وتوفر لها الكرامة والحرية ، وتحقق لها جميع ما تصبو إليه .
  وقد أدلى الإمام ( عليه السلام ) بحديث شامل إلى عبد العزيز بن مسلم عرض فيه بصورة موضوعية عن أهمية الإمامة ، وانها من أهم الأهداف ، والمبادئ التي تبناها الاسلام ، فالرسول ( صلى الله عليه وآله ) قبل أن ينتقل إلى حظيرة القدس ، قد أقام القائد ، والمرجع لامته ، وهو الامام أمير المؤمنين ( عليه السلام ) ، رائد الحكمة في دنيا الاسلام ، استمعوا إلى حديث الإمام الرضا عن الإمامة .
  قال ( عليه السلام ) : يا عبد العزيز جهل القوم ، وخدعوا عن أديانهم ، إن الله تبارك وتعالى لم يقبض نبيه ( صلى الله عليه وآله ) حتى أكمل له الدين ، وأنزل عليه القرآن فيه تفصيل كل شئ ، بين فيه الحلال والحرام ، والحدود والاحكام ، وجميع ما يحتاج إليه كملا فقال عزوجل : ( مَّا فَرَّطْنَا فِي الكِتَابِ مِن شَيْءٍ . . . ) (2) .
  وأنزل في حجة الوداع وهي آخر عمره ( صلى الله عليه وآله ) ( الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمُ الإِسْلاَمَ دِينًا ) (3) وأمر الإمامة من تمام الدين ، ولم يمض ( صلى الله عليه وآله )

---------------------------
(1) أصول الكافي 1 / 157 .
(2) سورة الأنعام / آية 38 .
(3) سورة المائدة / آية 67 ، نزلت هذه الآية الكريمة في يوم عبد الغدير ، وهو اليوم الخالد الذي أقام فيه الرسول (ص) الامام أمير المؤمنين ( عليه السلام ) قائدا لامته من بعده ، وعيد الغدير جزء من رسالة الاسلام .

حياة الإمام علي بن موسى الرضا عليه السلام _ 289 _

  حتى بين لامته ، معالم دينهم ، وأوضح لهم سبيلهم ، وتركهم على قصد الحق ، وأقام لهم عليا إماما ، وما ترك شيئا تحتاج إليه الأمة إلا بينه ، فمن زعم أن الله عزوجل لم يكمل دينه قد ؟ رد كتاب الله عزوجل ومن رد كتاب الله تعالى فهو كافر . . .
  وحكى هذا المقطع الأهمية البالغة للإمامة عند النبي ( صلى الله عليه وآله ) فهي من أهم العناصر في رسالته الخالدة فبها كمال الدين واتمام النعمة وقد اختار ( صلى الله عليه وآله ) لهذا المنصب الخطير أخاه وباب مدينة علمه الامام أمير المؤمنين سلام الله عليه ، فقد أقامه خليفة من بعده ، وأمر المسلمين بمبايعته في غدير خم ، وقد أوضح ( صلى الله عليه وآله ) بذلك السبيل لامته ، ولم يترك الامر فوضى من بعده . . .
  ولنستمع إلى بند آخر من حديثه ( عليه السلام ) يقول : هل يعرفون قدر الإمامة ، ومحلها من الأمة فيجوز فيها اختيارهم ؟ إن الإمامة أجل قدرا ، وأعظم شانا ، وأعلى مكانا ، وأمنع جانبا ، وأبعد غورا من أن يبلغها الناس ، بعقولهم أو ينالوها بآرائهم ، أو يقيموا إماما باختيارهم إن الإمامة خص الله بها إبراهيم الخليل ( عليه السلام ) بعد النبوة ، والخلة مرتبة ثالثة ، وفضيلة شرفه بها ، وأشاد بها ذكره ، فقال عزوجل : ( إِنِّي جَاعِلُكَ لِلنَّاسِ إِمَامًا ) (1) .
  فقال الخليل : سرورا بها : ( وَمِن ذُرِّيَّتِي ) قال الله عزوجل : ( لاَ يَنَالُ عَهْدِي الظَّالِمِينَ ) فأبطلت هذه الآية امامة كل ظالم إلى يوم القيامة ، وصارت في الصفوة ، ثم أكرمه الله عزوجل بان جعلها في ذريته أهل الصفوة والطهارة فقال عزوجل : ( وَوَهَبْنَا لَهُ إِسْحَقَ وَيَعْقُوبَ نَافِلَةً وَكُلًّا جَعَلْنَا صَالِحِينَ * وَجَعَلْنَاهُمْ أَئِمَّةً يَهْدُونَ بِأَمْرِنَا وَأَوْحَيْنَا إِلَيْهِمْ فِعْلَ الْخَيْرَاتِ وَإِقَامَ الصَّلَاةِ وَإِيتَاء الزَّكَاةِ وَكَانُوا لَنَا عَابِدِينَ )(2) .
  فلم يزل في ذريته يرثها بعض عن بعض قرنا فقرنا حتى ورثها النبي ( صلى الله عليه وآله ) فقال الله عزوجل : ( إِنَّ أَوْلَى النَّاسِ بِإِبْرَاهِيمَ لَلَّذِينَ اتَّبَعُوهُ وَهَذَا النَّبِيُّ وَالَّذِينَ آمَنُواْ وَاللّهُ وَلِيُّ الْمُؤْمِنِينَ ) (3) فكانت له خاصة ، فقلدها ( صلى الله عليه وآله ) عليا بأمر الله عزوجل على رسم ما فرضها الله عزوجل * فصارت في ذريته الأصفياء الذين آتاهم الله العلم والايمان بقوله عزوجل : ( قَالَ الَّذِينَ أُوتُواْ الْعِلْمَ

---------------------------
(1) سورة البقرة / آية 121 .
(2) سورة الأنبياء / آية 72 و 73 .
(3) سورة آل عمران / آية 67 .

حياة الإمام علي بن موسى الرضا عليه السلام _ 290 _

  والايمان لقد لبثتم في كتاب الله إلى يوم البعث ) (1) فهي في ولد علي خاصة إلى يوم القيامة إذ لا نبي بعد محمد ( صلى الله عليه وآله ) فمن أين يختار هؤلاء الجهال ؟ .
  عرض الإمام ( عليه السلام ) في هذا المقطع إلى استحالة الاختيار والانتخاب للإمامة وانها غير خاضعة لإرادة الجماهير الذين لا علم لهم بواقع الأمور وحقيقة الأشياء ، وانما أمرها بيد الله تعالى فهو الذي يختار لقيادة عباده ممن تتوفر فيه الصفات الرفيعة من التقوى والحريجة في الدين ، والعلم بما تحتاج إليه الأمة في جميع مجالاتها ليضمن لها حياة كريمة لا ظل فيها للقهر والظلم والغبن ، والفقر .
  الإمامة كالنبوة في أن أمرها بيد الله تعالى ، وقد منحها لافضل عباده وهو إبراهيم الخليل ( عليه السلام ) وانتقلت من بعده إلى أفاضل ذريته كإسحاق ويعقوب ثم انتقلت إلى سيد الأنبياء الرسول الأعظم ( صلى الله عليه وآله ) ، فقلدها من بعده إلى باب مدينة علمه ، وأفضل أمته الامام أمير المؤمنين ( عليه السلام ) ثم من بعده إلى الأئمة الطاهرين من ذريته الذين هم صفوة خلق الله تعالى .
  ولننتقل إلى فصل آخر من كلام الإمام ( عليه السلام ) يقول : إن الإمامة هي منزلة الأنبياء ، وارث الأوصياء ، إن الإمامة خلافة الله عزوجل ، وخلافة الرسول ، ومقام أمير المؤمنين ، وميراث الحسن والحسين ( عليهم السلام ) إن الإمامة زمام الدين ، ونظام المسلمين ، وصلاح الدنيا ، وعز المؤمنين .
  ان الإمامة أس الاسلام النامي ، وفرعه السامي ، بالامام تمام الصلاة ، والزكاة ، والصيام والحج والجهاد ، وتوفير الفئ ، والصدقات ، وامضاء الحدود والاحكام ، ومنع الثغور والأطراف .
  الامام يحل حلال الله ، ويحرم حرام الله ، ويقيم حدود الله ، ويذب عن دين الله ، ويدعو إلى سبيل ربه بالحكمة والموعظة الحسنة ، والحجة البالغة. الامام البدر المنير ، والسراج الزاهر ، والنور الساطع ، والنجم الهادي في غياهب الدجى ، والبيد القفار ، ولجج البحار ، والامام على البقاع (2) الحار لمن اصطلى به والدليل في المهالك ، من فارقه هالك .

---------------------------
(1) سورة الروم / آية 56 .
(2) البقاع : هو التل المشرف .

حياة الإمام علي بن موسى الرضا عليه السلام _ 291 _

  الامام السحاب الماطر ، والغيث الهاطل ، والشمس المضيئة ، والأرض البسيطة ، والعين الغزيرة ، والغدير والروضة ، الامام الأمين ، الرفيق ، والوالد الرقيق والأخ الشفيق ، ومفزع العباد في الداهية ، الامام امين الله في أرضه ، وحجته على عباده ، وخليفته في بلاده ، الداعي إلى الله ، والذاب عن حرم الله ؟ ؟ .
  الامام المطهر من الذنوب ، المبرأ من العيوب ، مخصوص بالعلم مرسوم بالحلم ، نظام دين ، وعز المسلمين ، وغيظ المنافقين وبوار الكافرين .
  الامام واحد دهره ؟؟ ، لا يدانيه أحد ، ولا يعادله عالم ولا يوجد منه بدل ، ولا له مثل ، ولا نظير ، مخصوص بالفعل كله ، من غير طلب منه ، له ، ولا اكتساب ، بل اختصاص من المفضل الوهاب ، فمن ذا الذي يبلغ معرفة الامام ويمكنه اختياره ؟ هيهات ، هيهات ، ضلت العقول وتاهت الحلوم ، وحارت الألباب ، وخسرت العيون وتصاغرت العظماء ، وتحيرت الحكماء ، وتقاصرت الحلماء وحصرت الخطباء ، وجهلت الألباء ، وكلت الشعراء ، وعجزت الأدباء .
  وعييت البلغاء عن وصف شأن من شأنه ، أو فضيلة من فضائله فأقرت بالعجز والتقصير وكيف يوصف له أو ينعت بكنهه أو يفهم شئ من أمره أو يوجد من يقام مقامه ويغنى غناه كيف وانى وهو بحيث النجم من أيدي المتناولين ووصف الواصفين فأين الاختيار من هذا ؟ وأين العقول عن هذا ؟ وأين يوجد مثل هذا ؟ أظنوا أن يوجد ذلك ؟ في غير آل الرسول ( صلى الله عليه وآله ) كذبتهم والله أنفسهم ، وفتنهم الباطل ، فارتقوا مرتقى صعبا ، دحضا نزل عنه إلى الحضيض أقدامهم . . .
  حفل هذا المقطع من كلام الإمام ( عليه السلام ) بأهمية الامام ، وانه ظل الله في الأرض ، وعليه تدور جميع مصالح الأمة ، وما تنشده من أهداف ، كما ترتبط به إقامة الحدود ، وصيانة الثغور ، وتحليل الحلال ، وتحريم الحرام ، وتطبيق احكام الله تعالى على واقع الحياة العامة التي يعيشها المسلمون ومن المؤكد ان هذه الأهداف الأصيلة والمبادئ العليا ، لا يمكن بأي حال من الأحوال أن يحققها على مسرح الحياة إلا أئمة الهدى ( عليهم السلام ) الذين أقصتهم أئمة الظلم والجور عن مراكزهم التي منحها الله لهم ، فعانت الأمة من جراء ذلك جميع ألوان الظلم والجور ، ويواصل الإمام ( عليه السلام ) حديثه بالإشادة بأئمة أهل البيت ( عليهم السلام ) ، ومناهضة أئمة الجور ، وينعى على الذين أقاموهم يقول

حياة الإمام علي بن موسى الرضا عليه السلام _ 292 _

  ( عليه السلام ) : راموا اقامه الامام بعقول جائرة بائرة ناقصة وآراء مضلة ، فلم يزدادوا إلا بعدا قاتلهم الله اني يؤفكون ، لقد راموا صعبا ، وقالوا : افكا وضلوا ضلالا بعيدا ، ووقعوا في لحيرة ، إذ تركوا عن بصيرة ، وزين لهم الشيطان أعمالهم فصدهم عن السبيل وما كانوا مستبصرين ، ورغبوا عن اختيار الله ، واختيار رسوله إلى اختيارهم ، والقرآن يناديهم ( وَرَبُّكَ يَخْلُقُ مَا يَشَاء وَيَخْتَارُ مَا كَانَ لَهُمُ الْخِيَرَةُ سُبْحَانَ اللَّهِ وَتَعَالَى عَمَّا يُشْرِكُونَ ) (1) .
  وقال الله عزوجل : ( وما كان لمؤمن ولا مؤمنة إذا قضى الله ورسوله أمرا أن يكون لهم الخيرة من أمرهم ) (2) .
  وقال عزوجل : ( مَا لَكُمْ كَيْفَ تَحْكُمُونَ * أَمْ لَكُمْ كِتَابٌ فِيهِ تَدْرُسُونَ * إِنَّ لَكُمْ فِيهِ لَمَا يَتَخَيَّرُونَ * أَمْ لَكُمْ أَيْمَانٌ عَلَيْنَا بَالِغَةٌ إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ إِنَّ لَكُمْ لَمَا تَحْكُمُونَ * سَلْهُم أَيُّهُم بِذَلِكَ زَعِيمٌ * أَمْ لَهُمْ شُرَكَاء فَلْيَأْتُوا بِشُرَكَائِهِمْ إِن كَانُوا صَادِقِينَ ) (3) .
  وقال عزوجل : ( أَفَلَا يَتَدَبَّرُونَ الْقُرْآنَ أَمْ عَلَى قُلُوبٍ أَقْفَالُهَا ) (4) أم طبع الله على قلوبهم فهم لا يفقهون ، أم ( قالوا سمعنا ولا يسمعون ان شر الدواب عند الله الصم البكم الذين لا يعقلون ، ولو علم الله فيهم خيرا لأسمعهم ولو أسمعهم لتولوا وهم معرضون ) (5) ( وقالوا سمعنا وعصينا ) (6) بل هو ( فضل الله يؤتيه من يشاء والله ذو الفضل العظيم ) (7) .
  فكيف لهم باختيار الامام ؟ ! والامام عالم لا يجهل ، راع لا ينكل معدن القدس والطهارة والنسك والزهادة ، والعلم والعبادة ، مخصوص بدعوة الرسول ( صلى الله عليه وآله ) وهو نسل المطهرة البتول ( عليها السلام ) لا مغمز فيه في نسب ، ولا يدانيه ذو حسب ، فالنسب من قريش ، والذروة من هاشم ، والعترة من آل الرسول ( صلى الله عليه وآله ) والرضا من الله ، شرف الاشراف والفرع من عبد مناف * نامي العلم ،

---------------------------
(1) سورة القصص / آية 68 .
(2) سورة الأحزاب / آية 36 .
(3) سورة القلم / آية 36 ـ 41 .
(4) سورة محمد / آية 24 .
(5) سورة الأنفال / آية 21 ـ 23 .
(6) سورة البقرة آية 93 .
(7) سورة الحديد / آية 21 .

حياة الإمام علي بن موسى الرضا عليه السلام _ 293 _

  كامل الحلم ، مضطلع بالإمامة عالم بالسياسة ، مفروض الطاعة ، قائم بأمر الله عزوجل ناصح لعباد الله ، حافظ لدين الله.
  ان الأنبياء والأئمة صلوات الله عليهم يوفقهم الله ويؤتيهم من مخزون علمه وحكمه ما لا يؤتيه غيرهم فيكون علمهم فوق كل علم أهل زمانهم ، في قوله تعالى : ( أَفَمَن يَهْدِي إِلَى الْحَقِّ أَحَقُّ أَن يُتَّبَعَ أَمَّن لاَّ يَهِدِّيَ إِلاَّ أَن يُهْدَى فَمَا لَكُمْ كَيْفَ تَحْكُمُونَ ) (1) .
  وقوله عزوجل : ( وَمَن يُؤْتَ الْحِكْمَةَ فَقَدْ أُوتِيَ خَيْرًا كَثِيرًا ) (2) .
  وقوله عزوجل في طالوت : ( إِنَّ اللّهَ اصْطَفَاهُ عَلَيْكُمْ وَزَادَهُ بَسْطَةً فِي الْعِلْمِ وَالْجِسْمِ وَاللّهُ يُؤْتِي مُلْكَهُ مَن يَشَاء وَاللّهُ وَاسِعٌ عَلِيمٌ ) (3) .
  وقال عزوجل لنبيه : ( وَكَانَ فَضْلُ اللّهِ عَلَيْكَ عَظِيمًا ) .
  وقال عزوجل في الأئمة من أهل بيته وعثرته وذريته : ( أَمْ يَحْسُدُونَ النَّاسَ عَلَى مَا آتَاهُمُ اللّهُ مِن فَضْلِهِ فَقَدْ آتَيْنَآ آلَ إِبْرَاهِيمَ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ وَآتَيْنَاهُم مُّلْكًا عَظِيمًا * فَمِنْهُم مَّنْ آمَنَ بِهِ وَمِنْهُم مَّن صَدَّ عَنْهُ وَكَفَى بِجَهَنَّمَ سَعِيرًا ) (4) .
  ان العبد إذا اختاره الله عزوجل لأمور عباده شرح الله صدره لذلك ، وأودع قلبه ينابيع الحكمة ، وألهمه العلم الهاما ، فلم يع بعده بجواب ، ولا يحيد عنه الصواب ، وهو معصوم مؤيد ، موفق مسدد قد أمن الخطايا والزلل والعثار يخصه الله بذلك ليكون حجته على عباده ، وشاهد على خلقه ( وذلك فضل الله يؤتيه من يشاء والله ذو الفضل العظيم ) فهل يقدرون على مثل هذا ؟ فيختاروه أو يكون مختارهم بهذه الصفة ؟ فيقدموه ؟
  فعدوا وبيت الله الحق ، ونبذوا كتاب الله وراء ظهورهم ، كأنهم لا يعلمون ، وفي كتاب الله الهدى والشفاء ، فنبذوه واتبعوا أهواءهم فذمهم الله ومقتهم ، وأتعسهم ، فقال عزوجل : ( وَمَنْ أَضَلُّ مِمَّنِ اتَّبَعَ هَوَاهُ بِغَيْرِ هُدًى مِّنَ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ لَا يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ ) (5) وقال عزوجل : ( فَتَعْسًا لَّهُمْ وَأَضَلَّ أَعْمَالَهُمْ ) (6) .
  وقال عزوجل : ( كَبُرَ مَقْتًا عِندَ اللَّهِ وَعِندَ الَّذِينَ آمَنُوا كَذَلِكَ يَطْبَعُ اللَّهُ عَلَى كُلِّ قَلْبِ مُتَكَبِّرٍ جَبَّارٍ ) (7) (8) .

---------------------------
(1) سورة البقرة / آية 269 .
(2) سورة البقرة / آية 247 .
(3) سورة النساء / آية 113 .
(4) سورة النساء / آية 54 و 55 .
(5)سورة القصص / آية 50 .
(6) سورة محمد / آية 8 .
(7) سورة المؤمن / آية 35 .
(8) عيون أخبار الرضا 1 / 216 ـ 222 ، أصول الكافي 1 / 199 .

حياة الإمام علي بن موسى الرضا عليه السلام _ 294 _

  وانتهى هذا الحديث الشريف الذي هو من أوثق الأدلة ، وأشملها على ضرورة الإمامة ، وأنها من أهم المراكز الحساسة في الاسلام ، وليست خاضعة لاختيار الأمة وانتخابها ، وانما أمرها بيد الخالق العظيم ، فهو الذي يعين ، وينتخب أفضل عباده ، وأتقاهم لهذا المنصب الخطير ليقيم بين الناس العدل الخالص ، والحق المحض ، ويسوسهم بسياسة الرسول الأعظم ( صلى الله عليه وآله ) .

علامات الامام :
  وأدلى الإمام ( عليه السلام ) بحديث عن علامات الامام ، وصفاته جاء فيه : للامام علامات :
  يكون أعلم الناس ، وأحكم الناس ، وأتقى الناس ، وأحلم الناس ، وأشجع الناس ، وأسخى الناس ، وأعبد الناس . . . (1) .
  ويجب ان تتوفر في الامام هذه الصفات حتى يصلح لقيادة الأمة ورفع مستواها اجتماعيا واقتصاديا .
  الأئمة خلفاء الله :
  روى أبو مسعود الجعفري قال : سمعت الامام أبا الحسن الرضا ( عليه السلام ) يقول : الأئمة خلفاء الله عزوجل في أرضه (2) والشئ الذي لا ريب فيه أن أئمة أهل البيت ( عليهم السلام ) هم خلفاء الله تعالى في ارضه وحججه على عباده ، وامنائه في بلاده ، فهم قادة هذه الأمة ، والأدلاء على مرضاة الله تعالى وطاعته .

---------------------------
(1) عيون أخبار الرضا 1 / 213 .
(2) أصول الكافي 1 / 193 .

حياة الإمام علي بن موسى الرضا عليه السلام _ 295 _

  في رحاب القرآن الكريم .

حياة الإمام علي بن موسى الرضا عليه السلام _ 296 _

  كان الإمام الرضا ( عليه السلام ) حليف القرآن الكريم يتلوه باستمرار ، ويتأمل آياته بامعان ، وكان يجد في تلاوته له متعة لا تعادلها أية متعة في الحياة .
  ويقول الرواة : ان جميع كلامه تأثر تأثيرا مباشرا بالقرآن فكان جوابه ، وتمثله انتزاعات منه (1) وبلغ من شغفه وولعه بالقرآن انه كان يختمه في كل ثلاثة أيام ، ويقول : لو أردت أن أختمه في أقرب من ثلاثة أيام لفعلت ، ولكني ما مررت بآية قط إلا فكرت فيها وفي أي شئ نزلت ، وفي أي وقت ؟ فلذلك صرت أختم في كل ثلاثة أيام (2) .
  ومعنى ذلك أنه كان في أغلب أوقاته مشغولا بتلاوة القرآن الكريم ، والامعان في تفسيره ، وأسباب نزول آياته ، ويقول المؤرخون : إنه كان يكثر بالليل في فراشه من تلاوة القرآن فإذا مر بآية فيها ذكر الجنة أو النار بكى ، وسأل الله الجنة ، وتعوذ به من النار (3) .
  وقبل أن نعرض لنماذج من تفسيره لبعض الآيات نلمح لبعض الجهات التي ترتبط بالموضوع ، تعقيبه على بعض الأمور .
  كان الإمام ( عليه السلام ) إذا قرأ بعض سور القرآن الكريم عقب عليها ببعض الكلمات ، ومن بينها هذه السور :
  1 ـ سورة التوحيد .
  وكان إذا فرغ من تلاوة سورة التوحيد عقب عليها بقوله : كذلك الله ربنا يقول ذلك ثلاثا .
  2 ـ سورة الجحد ، وإذا فرغ من قراءة سورة الجحد قال ثلاثا ربي الله وديني الاسلام .
  3 ـ سورة التين : وبعد الفراغ من قراءتها يقول : بلى وأنا على ذلك من الشاهدين .
  4 ـ سورة القيامة : وإذا قرأ سورة القيامة قال : سبحانك اللهم . . .

---------------------------
(1) عيون أخبار الرضا 2 / 180 .
(2) عيون أخبار الرضا 2 / 180 ، البحار 12 / 23 .
(3) عيون أخبار الرضا 2 / 180 .

حياة الإمام علي بن موسى الرضا عليه السلام _ 297 _

  5 ـ سورة الفاتحة : وبعد فراغه من قراءة سورة الفاتحة يقول : الحمد لله رب العالمين . . .
  6 ـ سورة سبح اسم ربك : وإذا تلى هذه السورة قال : سبحان ربي الاعلى (1) .
  البسملة : تطرق الإمام ( عليه السلام ) إلى بعض شؤون البسملة في جملة من أحاديثه ، كان منها ما يلي :
  1 ـ أهمية البسملة :
  إن للبسملة أهمية خاصة عند أئمة أهل البيت ( عليهم السلام ) فقد روي عن الامام أبي جعفر ( عليه السلام ) أنها أول كل كتاب نزل من السماء بسم الله الرحمن الرحيم وروي عن الإمام الرضا ( عليه السلام ) : انها أقرب إلى اسم الله الأعظم من ناظر العين إلى سوادها (2) .
  2 ـ البسملة جزء من السورة :
  وأعلن الإمام ( عليه السلام ) أن البسملة جزء من سورة القرآن الكريم ، فقد روي أنه قيل للإمام أمير المؤمنين ( عليه السلام ) : أخبرنا عن بسم الله الرحمن الله الرحيم أهي من فاتحة الكتاب ؟
  فقال : نعم كان رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) يقرأها ويعدها آية منها ، ويقول : فاتحة الكتاب هي السبع المثاني (3) .
  3 ـ الجهر بالبسملة في الصلاة :
  وكان الإمام الرضا ( عليه السلام ) يجهر بالبسملة في جميع صلواته بالليل والنهار (4) وشجب من يخفت بها .
  فقال : ما بالهم قاتلهم الله عمدوا إلى أعظم آية في كتاب الله فزعموا أنها بدعة إذا أظهروها (5) .
  نماذج من تفسيره للقرآن : وأهتم الإمام الرضا ( عليه السلام ) اهتماما بالغا في تفسير القرآن الكريم فأولاه

---------------------------
(1) عيون أخبار الرضا 2 / 183 .
(2) مواهب الرحمن في تفسير القرآن 1 / 21 .
(3) مواهب الرحمن في تفسير القرآن 1 / 20 .
(4) عيون أخبار الرضا 2 / 180 .
(5) مواهب الرحمن في تفسير القرآن 1 / 20 .

حياة الإمام علي بن موسى الرضا عليه السلام _ 298 _

  المزيد من العناية في محاضراته وبحوثه التي ألقاها على الفقهاء والعلماء وسائر طلابه ، وقد نقلها الرواة والمفسرون للقرآن ، وهذا بعضها :
  1 ـ قوله تعالى : ( خَتَمَ اللّهُ عَلَى قُلُوبِهمْ وَعَلَى سَمْعِهِمْ وَعَلَى أَبْصَارِهِمْ غِشَاوَةٌ وَلَهُمْ عَذَابٌ عظِيمٌ ) (1) .
  قال ( عليه السلام ) في تفسير هذه الآية : الختم هو الطبع على قلوب الكفار عقوبة على كفرهم . . . (2) .
  2 ـ قوله تعالى : ( مَثَلُهُمْ كَمَثَلِ الَّذِي اسْتَوْقَدَ نَاراً فَلَمَّا أَضَاءتْ مَا حَوْلَهُ ذَهَبَ اللّهُ بِنُورِهِمْ وَتَرَكَهُمْ فِي ظُلُمَاتٍ لاَّ يُبْصِرُونَ ) (3) .
  قال ( عليه السلام ) في تفسير قوله تعالى : ( وَتَرَكَهُمْ فِي ظُلُمَاتٍ لاَّ يُبْصِرُونَ ) إن الله لا يوصف بالترك كما يوصف خلقه ، ولكنه متى علم أنهم لا يرجعون عن الكفر والضلالة ، فمنعهم المعاونة واللطف ، وخلى بينهم وبين اختيارهم(4) .
  3 ـ قوله تعالى : ( وَلاَ تَقْرَبَا هَذِهِ الشَّجَرَةَ فَتَكُونَا مِنَ الْظَّالِمِينَ ) (5) سأل عبد السلام بن صالح الهروي الإمام الرضا ( عليه السلام ) فقال له : يا بن رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) أخبرني عن الشجرة التي أكل منها آدم وحواء ما كانت ؟ فقد اختلف الناس فيها فمنهم من يروي أنها الحنطة ، ومنهم من يروي أنها العنب ومنهم من يروي أنها شجرة الحسد ؟
  فقال ( عليه السلام ) : كل ذلك حق ، فقال عبد السلام : ما معنى هذه الوجوه على اختلافها ؟ فقال ( عليه السلام ) : يا بن الصلت إن شجرة الجنة تحمل أنواعا ، وكانت شجرة الحنطة ، وفيها عنب ، وليست كشجرة الدنيا (6) .
  وعلق الامام السبزواري على هذه الرواية بقوله : لا ريب في أن تلك الجنة ، ولو كانت من الدنيا لها خصوصية ليست تلك الخصوصية في جميع جنات الدنيا ، ومن جهة قلة التزاحم والتنافي في تلك الجنة أو عدمهما فصح أن تحمل شجرة منها أنواعا .

---------------------------
(1) سورة البقرة / آية 7 .
(2) مواهب الرحمن 1 / 85 .
(3) سورة البقرة / آية 20 .
(4) مواهب الرحمن 1 / 106 .
(5) سورة البقرة / آية 35 .
(6) عيون أخبار الرضا .

حياة الإمام علي بن موسى الرضا عليه السلام _ 299 _

  4 ـ قوله تعالى : ( وَإِذْ قُلْتُمْ يَا مُوسَى لَن نُّؤْمِنَ لَكَ حَتَّى نَرَى اللَّهَ جَهْرَةً . . . ) (1) .
  قال ( عليه السلام ) في تفسير الآية الكريمة : أنهم ـ أي الذين قالوا لموسى هذا القول ـ السبعون الذين اختارهم موسى ( عليه السلام ) وصاروا معه إلى الجبل ، فقالوا : أنك قد رأيت الله فأرناه كما رأيته ، فقال لهم : إني لم أره ، فقالوا له : لن نؤمن لك حتى نرى الله جهرة (2) .
  5 ـ قوله تعالى : ( وَإِذْ قَالَ مُوسَى لِقَوْمِهِ إِنَّ اللّهَ يَأْمُرُكُمْ أَنْ تَذْبَحُواْ بَقَرَةً قَالُواْ أَتَتَّخِذُنَا هُزُواً قَالَ أَعُوذُ بِاللّهِ أَنْ أَكُونَ مِنَ الْجَاهِلِينَ * قَالُواْ ادْعُ لَنَا رَبَّكَ يُبَيِّن لّنَا مَا هِيَ قَالَ إِنَّهُ يَقُولُ إِنَّهَا بَقَرَةٌ لاَّ فَارِضٌ وَلاَ بِكْرٌ عَوَانٌ بَيْنَ ذَلِكَ فَافْعَلُواْ مَا تُؤْمَرونَ * قَالُواْ ادْعُ لَنَا رَبَّكَ يُبَيِّن لَّنَا مَا لَوْنُهَا قَالَ إِنَّهُ يَقُولُ إِنّهَا بَقَرَةٌ صَفْرَاء فَاقِعٌ لَّوْنُهَا تَسُرُّ النَّاظِرِينَ * قَالُواْ ادْعُ لَنَا رَبَّكَ يُبَيِّن لَّنَا مَا هِيَ إِنَّ البَقَرَ تَشَابَهَ عَلَيْنَا وَإِنَّآ إِن شَاء اللَّهُ لَمُهْتَدُونَ * قَالَ إِنَّهُ يَقُولُ إِنَّهَا بَقَرَةٌ لاَّ ذَلُولٌ تُثِيرُ الأَرْضَ وَلاَ تَسْقِي الْحَرْثَ مُسَلَّمَةٌ لاَّ شِيَةَ فِيهَا قَالُواْ الآنَ جِئْتَ بِالْحَقِّ فَذَبَحُوهَا وَمَا كَادُواْ يَفْعَلُونَ ) (3) .
  وأدلى الإمام ( عليه السلام ) بتفسير هذه الآيات ، فقد روى أحمد بن أبي نصر البزنطي ، قال : سمعت أبا الحسن الرضا يقول : ان رجلا من بني إسرائيل قتل قرابة له ، ثم أخذه وطرحه على طريق أفضل سبط من أسباط بني إسرائيل ثم جاء يطلب بدمه ، فقالوا لموسى ( عليه السلام ) إن سبط آل فلان قتلوا فلانا ، فأخبرنا من قتله ؟ قال : ايتوني ببقرة ( قالوا أتتخذنا هزوا قال أعوذ بالله أن أكون من الجاهلين ) ولو أنهم عمدوا إلى بقرة أجزأتهم .
  ولكن شددوا فشدد الله عليهم ( قالوا ادع لنا ربك يبين لنا ما هي قال إنه يقول إنها بقرة لا فارض ولا بكر عوان ) يعني لا صغيرة ولا كبيرة ( عوان بين ذلك ) ولو أنهم عمدوا إلى أي بقرة أجزأتهم ولكن شددوا فشدد الله عليهم ( قالوا ادع لنا ربك يبين لنا ما لونها قال إنه يقول إنها بقرة صفراء فاقع لونها تسر الناظرين ) ولو أنهم عمدوا إلى بقرة أجزأتهم ولكن شددوا فشدد الله عليهم

---------------------------
(1) مواهب الرحمن 1 / 188 .
(2) سورة البقرة / آية 55 .
(3) مواهب الرحمن 1 / 255 .

حياة الإمام علي بن موسى الرضا عليه السلام _ 300 _

  ( قالوا ادع لنا ربك يبين لنا ما هي ان البقر تشابه علينا وإنا إن شاء الله لمهتدون قال إنه يقول إنها بقرة لا ذلول تثير الأرض ولا تسقي الحرث مسلمة لاشية فيها قالوا لان جئت بالحق ) فطلبوها فوجدوها عند فتى من بني إسرائيل ، فقال : لا أبيع إلا بملء مسك ذهبا فجاؤوا إلى موسى ( عليه السلام ) ، وقالوا له ذلك ، فقال اشتروها فاشتروها ، وجاؤوا بها فأمر بذبحها ثم أمر ان يضربوا الميت بذنبها ، فلما فعلوا ذلك حيي المقتول ، وقال : يا رسول الله ان ابن عمي قتلني دون من يدعي عليه قتلي .
  فعلموا بذلك قاتله فقال لرسول الله موسى بعض أصحابه : إن هذه البقرة لها نبأ ، فقال موسى : ما هو ؟ قالوا إن فتى من بني إسرائيل كان بارا بأبيه ، وانه اشترى بيعا ، فجاؤوا إلى أبيه والأقاليد ( مقاليد ) تحت رأسه فكره أن يوقظه فترك ذلك البيع ، فاستيقظ أبوه ، فأخبره ، فقال له : أحسنت هذه البقرة فهي لك عوضا لما فاتك ، قال : فقال له رسول الله موسى : انظر إلى البر ما بلغ أهله (1) .
  6 ـ قوله تعالى : ( وَمَا أُنزِلَ عَلَى الْمَلَكَيْنِ بِبَابِلَ هَارُوتَ وَمَارُوتَ وَمَا يُعَلِّمَانِ مِنْ أَحَدٍ حَتَّى يَقُولاَ إِنَّمَا نَحْنُ فِتْنَةٌ . . . ) الآية (2) .
  قال ( عليه السلام ) في تفسير هذه الآية : واما هاروت وماروت فكانا ملكين علما الناس السحر ليتحرزوا به عن سحر السحرة ، ويبطلوا كيدهم وما علما أحدا من ذلك شيئا إلا قالا له : إنما نحن فتنة فلا تكفر ، فكفر قوم باستعمالهم لما أمروا بالاحتراز عنه ، وجعلوا يفرقون بما يعلمونه بين المرء وزوجه ، قال الله تعالى : ( مَا هُم بِضَآرِّينَ بِهِ مِنْ أَحَدٍ إِلاَّ بِإِذْنِ اللّهِ ) (3) .
  7 ـ قوله تعالى : ( فَإِنْ أُحْصِرْتُمْ فَمَا اسْتَيْسَرَ مِنَ الْهَدْيِ . . . ) (4) .
  قال ( عليه السلام ) في تفسير هذه الآية : يعني شاة ، وضع على أدنى القوم قوة ليسع القوي ، والضعيف (5) .
  8 ـ قوله تعالى : ( وَإِذَا تَوَلَّى سَعَى فِي الأَرْضِ لِيُفْسِدَ فِيِهَا وَيُهْلِكَ الْحَرْثَ وَالنَّسْلَ ) (6) .

---------------------------
(1) تفسير العياشي .
(2) سورة البقرة / آية 102 .
(3) مواهب الرحمن 2 / 355 .
(4) سورة البقرة / آية 196 .
(5) مواهب الرحمن .
(6) سورة البقرة / آية 205 .

حياة الإمام علي بن موسى الرضا عليه السلام _ 301 _

  هذه الآية الكريمة نزلت في الأخنس بن شريك حليف بني زهرة اقبل إلى النبي ( صلى الله عليه وآله ) في المدينة ، وقال : جئت أريد الاسلام ويعلم الله أني لصادق فأعجب النبي ( صلى الله عليه وآله ) منه ، ثم انه خرج من عند النبي ( صلى الله عليه وآله ) فمر بزرع لقوم من المسلمين وحمر فاحرق الزرع وعقر الحمر (1) .
  وقد فسر الإمام الرضا ( عليه السلام ) النسل بالذرية والحرث بالزرع (2) .
  9 ـ قوله تعالى : ( هل ينظرون إلا أن يأتيهم الله في ظلل من الغمام والملائكة وقضي الامر ، والى الله ترجع الأمور ) (3) .
  سأل ابن فضال الإمام الرضا ( عليه السلام ) عن تفسير هذه الآية فأجابه : هل ينظرون إلا أن يأتيهم الله بالملائكة في ظلل من الغمام وهكذا نزلت ، وعن قول الله عزوجل : ( وَجَاء رَبُّكَ وَالْمَلَكُ صَفًّا صَفًّا ) فقال ( عليه السلام ) : إن الله لا يوصف بالمجئ والذهاب تعالى عن الانتقال ، وانما يعني بذلك وجاء امر ربك والملك صفا صفا (4) .
  وعلق السيد السبزواري على تفسير الامام بقوله : ما ورد في الحديث حسن جدا للآية الشريفة كما هو شأنه ( عليه السلام ) في بيان الآيات المتشابهات ، والمراد بقوله ( عليه السلام ) : هكذا نزلت هو النزول البياني والتفسيري على قلب رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) (5) .
  10 ـ قوله تعالى : ( وَإِذْ قَالَ إِبْرَاهِيمُ رَبِّ أَرِنِي كَيْفَ تُحْيِي الْمَوْتَى قَالَ أَوَلَمْ تُؤْمِن قَالَ بَلَى وَلَكِن لِّيَطْمَئِنَّ قَلْبِي . . . ) (6) .
  سأل صفوان بن يحيى الإمام الرضا ( عليه السلام ) عن هذه الآية ، وقال له : أكان في قلب إبراهيم شك ؟ فقال ( عليه السلام ) : لا كان على يقين ولكنه أراد من الله الزيادة في يقينه (7) .
  11 ـ قوله تعالى : ( إِنَّ اللّهَ اصْطَفَى آدَمَ وَنُوحًا وَآلَ إِبْرَاهِيمَ وَآلَ عِمْرَانَ عَلَى الْعَالَمِينَ * ذُرِّيَّةً

---------------------------
(1) الدر المنثور .
(2) تفسير العياشي .
(3) سورة البقرة / آية 210 .
(4) مواهب الرحمن 3 / 270 .
(5) مواهب الرحمن 4 / 270 .
(6) سورة البقرة / آية 260 .
(7) تفسير القمي .

حياة الإمام علي بن موسى الرضا عليه السلام _ 302 _

  بَعْضُهَا مِن بَعْضٍ ) (1) .
  استدل الإمام الرضا ( عليه السلام ) بهذه الآية الكريمة حينما سأله المأمون هل فضل الله العترة على سائر الأمة ؟ فقال ( عليه السلام ) : إن الله عزوجل أبان فضل العترة على سائر الناس في محكم كتابه .
  فقال المأمون : وأين ذلك من كتاب الله ؟ فقال ( عليه السلام ) : في قوله عزوجل : ( ان الله اصطفى آدم ونوحا وآل إبراهيم ، وآل عمران على العالمين ذرية بعضها من بعض ) إن العترة داخلون في آل إبراهيم لان رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) من ولد إبراهيم وهو دعوة إبراهيم ، وعترته منه (2) وكلام الإمام ( عليه السلام ) ليس من التفسير ، وانما هو من الاستدلال بظاهر الآية على ما ذكره .
  12 ـ قوله تعالى : ( قَالَ اللّهُ يَا عِيسَى إِنِّي مُتَوَفِّيكَ وَرَافِعُكَ إِلَيَّ ) (3) .
  قال ( عليه السلام ) في تفسير الآية : ( انه ما شبه أمر أحد من أنبياء الله ، وحججه على الناس إلا أمر عيسى وحده ، لأنه رفع من الأرض حيا ، وقبض روحه بين السماء والأرض ثم رفع إلى السماء ، ورد عليه روحه ، وذلك قوله عزوجل : ( إذ قال الله يا عيسى إني متوفيك ورافعك إلي ومطهرك ) وقال الله حكاية عن عيسى يوم القيامة : ( وكنت شهيدا عليهم ما دمت فيهم فلما توفيتني كنت أنت الرقيب عليهم ، وأنت على كل شئ شهيدا ) (4) .
  وعلق السيد السبزواري على هذا الحديث بقوله : الحديث يدل على توفي عيسى ( عليه السلام ) وموته قبل رفعه إلى السماء وبهذا يمكن أن يجمع بين جميع الأقوال لفرض صراحة الحديث بأنه مات ما بين السماء والأرض ثم ارجع الله روحه إليه ، ورفعه (5) .
  13 ـ قوله تعالى : ( هُمْ دَرَجَاتٌ عِندَ اللّهِ واللّهُ بَصِيرٌ بِمَا يَعْمَلُونَ ) (6) .
  فسر الإمام الرضا ( عليه السلام ) الدرجات والتفاوت بين المتقين يوم القيامة فقال

---------------------------
(1) سورة آل عمران / آية 33 ـ 34 .
(2) مواهب الرحمن 5 / 328 .
(3) سورة آل عمران / آية 55 .
(4) عيون أخبار الرضا .
(5) مواهب الرحمن .
(6) سورة آل عمران / آية 163 .

حياة الإمام علي بن موسى الرضا عليه السلام _ 303 _

  ( عليه السلام ) : الدرجة ما بين السماء والأرض (1) ان الدرجات بين الأخيار والصالحين تختلف اختلافا كثيرا ، فدرجة الأنبياء غير درجة المتقين ، وهكذا بالنسبة إلى المتقين .
  14 ـ قوله تعالى : ( لَتُبْلَوُنَّ فِي أَمْوَالِكُمْ وَأَنفُسِكُمْ . . . ) (2) .
  قال ( عليه السلام ) : في تفسير هذه الآية ، لتبلون في أموالكم باخراج الزكاة ، وفي أنفسكم بالتوطين على الصبر (3) .
  15 ـ قوله تعالى : ( يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ اصْبِرُواْ وَصَابِرُواْ ) (4) .
قال ( عليه السلام ) : إذا كان يوم القيامة ينادي مناد أين الصابرون ؟ فيقوم فئام (5) من الناس ، فقال له بعض أصحابه : جعلت فداك ، ما الصابرون ؟ قال ( عليه السلام ) : على أداء الفرائض ، والمتصبرون على اجتناب المحارم (6) .
  16 ـ قوله تعالى : ( فَانكِحُواْ مَا طَابَ لَكُم مِّنَ النِّسَاء مَثْنَى وَثُلاَثَ وَرُبَاعَ . . . ) (7) .
  دلت الآية الكريمة على جواز زواج الرجل بأربع نساء من دون أن يسمح للمرأة بذلك ، وقد تحدث الإمام ( عليه السلام ) عن بعض الحكم والمصالح في هذا التشريع قال ( عليه السلام ) : علة تزويج الرجل بأربع نسوة ، وتحريم أن تزوج المرأة أكثر من واحد لان الرجل إذا تزوج أربع نسوة كان الولد منسوبا إليه ، والمرأة لو كان لها زوجان أو أكثر من ذلك لم يعرف الولد لمن هو ؟ إذ هم مشتركون في نكاحها وفي ذلك فساد الأنساب والمواريث والمعارف (8) .
  17 ـ قوله تعالى : ( يريد الله ليبني لكم ، ويهديكم سنن الذين من قبلكم . . . ) (9) .

---------------------------
(1) تفسير العياشي .
(2) سورة آل عمران / آية 186 .
(3) مواهب الرحمن 6 / 162 .
(4) سورة آل عمران / آية 200 .
(5) الفئام : الجماعة من الناس .
(6) تفسير القمي .
(7) سورة النساء / آية 2 .
(8) مواهب الرحمن 7 / 279 .
(9) سورة النساء / آية 26 .

حياة الإمام علي بن موسى الرضا عليه السلام _ 304 _

  سئل الإمام الرضا ( عليه السلام ) عن إرادة العباد ، وإرادة الله تعالى ، فقال : إن الإرادة من العباد الضمير ، وما يبدو بعد ذلك من الفعل ، واما من الله عزوجل فالإرادة للفعل احداثه انما يقول : كن فيكون بلا تعب وكيف (1) .
  18 ـ قوله تعالى : ( الرِّجَالُ قَوَّامُونَ عَلَى النِّسَاء بِمَا فَضَّلَ اللّهُ بَعْضَهُمْ عَلَى بَعْضٍ وَبِمَا أَنفَقُواْ مِنْ أَمْوَالِهِمْ . . . ) (2) .
  استشهد الامام بهذه الآية الكريمة في جوابه لمحمد بن سنان حينما سأله عن العلة في اعطاء المرأة نصف ما يعطى الرجل من الميراث فقال ( عليه السلام ) :
  علة اعطاء النساء نصف ما يعطى الرجال من الميراث لأن المرأة إذا تزوجت أخذت ، والرجل يعطي فلذلك وفر على الرجال .
  وعلة أخرى في اعطاء الذكر نصف ما تعطى الأنثى لان الأنثى من عيال الذكر إذا احتاجت ، وعليه أن يعولها وليس على المرأة ان تعول الرجل ، ولا تؤخذ بنفقته إذا احتاج ، فوفر على الرجال لذلك ، وذلك قول الله عزوجل : ( الرجال قوامون على النساء بما فضل الله بعضهم على بعض وبما انفقوا من أموالهم ، فالصالحات قانتات حافظات للغيب بما حفظ الله ) (3) .
  19 ـ قوله تعالى : ( إِنَّ اللّهَ يَأْمُرُكُمْ أَن تُؤدُّواْ الأَمَانَاتِ إِلَى أَهْلِهَا ) (4) .
  سأل بريد العجلي الإمام الرضا ( عليه السلام ) عن تفسير هذه الآية فقال ( عليه السلام ) : هم الأئمة من آل محمد (ص) ان يؤدوا الأمانة إلى من بعده ، ولا يخص بها غيره ، ولا يزويها عنه (5) .
  ودلت هذه الرواية على أن أمر الإمامة بيد الله تعالى ، وانه تعالى يهبها لافضل عباده ، وأتقاهم ، وان الإمامة أمانة عند الامام فعند ارتحاله إلى حظيرة القدس لا بد أن يعهد بها إلى من هو المنصوص عليه من قبل النبي (ص) وليس له أن يقلدها لأي شخص كان .

---------------------------
(1) مواهب الرحمن 8 / 140 .
(2) سورة النساء / آية 34 .
(3) مواهب الرحمن 8 / 195 .
(4) سورة النساء / آية 58 .
(5) مواهب الرحمن 8 / 367 .

حياة الإمام علي بن موسى الرضا عليه السلام _ 305 _

  20 ـ قوله تعالى : ( وَاتَّخَذَ اللّهُ إِبْرَاهِيمَ خَلِيلاً . . . ) (1) .
  قال ( عليه السلام ) : سمعت أبي يحدث عن أبيه ( عليه السلام ) أنه قال : إنما اتخذ الله إبراهيم خليلا لأنه لم يرد أحدا ، ولم يسأل أحدا قط غير الله عزوجل (2) .
  21 ـ قوله تعالى : ( وَقَدْ نَزَّلَ عَلَيْكُمْ فِي الْكِتَابِ أَنْ إِذَا سَمِعْتُمْ آيَاتِ اللّهِ يُكَفَرُ بِهَا وَيُسْتَهْزَأُ بِهَا فَلاَ تَقْعُدُواْ مَعَهُمْ حَتَّى يَخُوضُواْ فِي حَدِيثٍ غَيْرِهِ ) (3) .
  قال ( عليه السلام ) : في تفسير الآية الكريمة إذا سمعت الرجل يجحد الحق ، ويكذب به ، ويقع في أهله فقم من عنده ولا تقاعده (4) .
  22 ـ قوله تعالى : ( وَلَن يَجْعَلَ اللّهُ لِلْكَافِرِينَ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ سَبِيلاً ) (5) .
  قال ( عليه السلام ) : في تفسير الآية لن يجعل الله للكافر على المؤمنين حجة ، ولقد أخبر الله تعالى عن كفار قتلوا نبيهم بغير الحق ، ومع قتلهم إياهم لم يجعل الله لهم على أنبيائه سبيلا (6) .
  22 ـ قوله تعالى : ( يُخَادِعُونَ اللّهَ وَهُوَ خَادِعُهُمْ . . . ) (7) .
  قال ( عليه السلام ) في تفسير الآية الكريمة الله تبارك وتعالى لا يخادع ولكنه يجازيهم جزاء الخديعة (8) .
  23 ـ قوله تعالى : ( إِنَّمَا جَزَاء الَّذِينَ يُحَارِبُونَ اللّهَ وَرَسُولَهُ وَيَسْعَوْنَ فِي الأَرْضِ فَسَادًا أَن يُقَتَّلُواْ أَوْ يُصَلَّبُواْ أَوْ تُقَطَّعَ أَيْدِيهِمْ وَأَرْجُلُهُم مِّنْ خِلافٍ أَوْ يُنفَوْاْ مِنَ الأَرْضِ . . . (9) .

---------------------------
(1) سورة النساء / آية 124 .
(2) الميزان 5 / 96 .
(3) سورة النساء / آية 140 .
(4) الميزان 5 / 120 .
(5) سورة النساء / آية 141 .
(6) الميزان 5 / آية 120 .
(7) سورة النساء / آية 142 .
(8) الميزان .
(9) سورة المائدة / آية 33 .

حياة الإمام علي بن موسى الرضا عليه السلام _ 306 _

  سئل الإمام الرضا ( عليه السلام ) عن تفسير الآية الكريمة ، وقيل له : ما الذي إذا فعله استوجب واحدة من هذه الأربع ؟
  فقال ( عليه السلام ) ، إذا حارب الله ورسوله ، وسعى في الأرض فسادا فقتل قتل به وان قتل وأخذ المال قتل وصلب ، وإن أخذ المال ولم يقتل قطعت يده ورجله من خلاف ، وإن شهر السيف فحارب الله ورسوله وسعى في الأرض فسادا ولم يقتل ولم يأخذ المال نفي من الأرض.
  قلت كيف ينفى من الأرض وما حد نفيه ؟
  قال ( عليه السلام ) : ينفى من المصر الذي فعل فيه ما فعل إلى مصر غيره ، ويكتب إلى أهل ذلك المصر أنه منفي فلا تجالسوه ، ولا تبايعوه ، ولا تناكحوه ، ولا تؤاكلوه ولا تشاربوه ، فيفعل ذلك به سنة ، فان خرج من ذلك المصر إلى غيره كتب إليهم بمثل ذلك حتى تتم السنة .
  قلت : فان توجه إلى أرض الشرك ليدخلها ؟
  قال ( عليه السلام ) : إن توجه إلى ارض الشرك ليدخلها قوتل أهلها (1) .
  24 ـ قوله تعالى : ( يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ لاَ تَسْأَلُواْ عَنْ أَشْيَاء إِن تُبْدَ لَكُمْ تَسُؤْكُمْ ) (2) .
  استشهد الإمام ( عليه السلام ) بهذه الآية الكريمة في جوابه عن مسائل أحمد بن محمد ، قال ( عليه السلام ) : أولم تنهوا عن كثرة المسائل فأبيتم أن تنتهوا ، إياكم وذلك ، فإنما هلك من كان قبلكم بكثرة سؤالهم ، قال الله تبارك وتعالى : ( يا أيها الذين آمنوا تسألوا عن أشياء ان تبد لكم تسؤكم ). (3) .
  25 ـ قوله وتعالى : ( قُلْ إِنَّمَا هُوَ إِلَهٌ وَاحِدٌ وَإِنَّنِي بَرِيءٌ مِّمَّا تُشْرِكُونَ ) (4) .
  قال ( عليه السلام ) : للناس في التوحيد ثلاثة مذاهب : نفي وتشبيه واثبات بغير تشبيه فمذهب النفي لا يجوز ومذهب التشبيه لا يجوز لان الله تبارك وتعالى لا يشبهه شئ ، والسبيل في الطريقة الثالثة إثبات بلا تشبيه .

---------------------------
(1) الميزان 5 / 331 .
(2) سورة المائدة / آية 101 .
(3) تفسير العياشي .
(4) سورة الأنعام / آية 19 .

حياة الإمام علي بن موسى الرضا عليه السلام _ 307 _

  وأوضح السيد الطباطبائي هذه المذاهب الثلاثة قال : المراد بمذهب النفي نفي معاني الصفات عنه تعالى كما ذهبت إليه المعتزلة ، وفي معناه ارجاع الصفات الثبوتية إلى نفي ما يقابلها كالقول بأن معنى القادر انه ليس بعاجز ، ومعنى العالم انه ليس بجاهل إلا ان يرجع إلى ما ذكره ( عليه السلام ) من المذهب الثالث .
  والمراد بمذهب التشبيه أن يشبهه تعالى بغيره ـ وليس كمثله شئ ـ أي أن يثبت له من الصفة معناه المحدود الذي فينا المتميز من غيره من الصفات بأن يكون قدرته كقدرتنا وعلمه كعلمنا وهكذا ، ولو كان ماله من الصفة كصفتنا احتاج كاحتياجنا فلم يكن واجبا تعالى عن ذلك .
  والمراد بمذهب الاثبات من غير تشبيه ان يثبت له من الصفة أصل معناه ، وتنفى عنه خصوصيته التي قارنته في الممكنات المخلوقة أي تثبت الصفة وينفى الحد (1) .
  26 ـ قوله تعالى : ( مَّا فَرَّطْنَا فِي الكِتَابِ مِن شَيْءٍ ) (2) .
  استشهد الإمام ( عليه السلام ) بالآية الكريمة في حديثه التالي ، قال ( عليه السلام ) : ان الله عزوجل لم يقبض نبينا حتى أكمل له الدين ، وأنزل عليه القرآن فيه تبيان كل شئ يبين فيه الحلال والحرام والحدود والاحكام ، وجميع ما يحتاج إليه الناس كملا ، وقال عزوجل : ( مَّا فَرَّطْنَا فِي الكِتَابِ مِن شَيْءٍ ) (3) .
  27 ـ قوله تعالى : ( فَلَمَّا جَنَّ عَلَيْهِ اللَّيْلُ رَأَى كَوْكَبًا قَالَ هَذَا رَبِّي ) (4) .
  سأل المأمون الإمام الرضا ( عليه السلام ) عن عصمة الأنبياء ، فأجابه أنهم معصومون ، واعترض عليه المأمون بهذه الآية انه كيف يقول : للكوكب هذا ربي ، وهذا مما ينافي العصمة فأجابه الإمام ( عليه السلام ) بما يلي :

---------------------------
(1) الميزان 7 / 41 .
(2) سورة الأنعام / آية 38 .
(3) الميزان 7 / 106 .
(4) سورة الأنعام / آية 76 .

حياة الإمام علي بن موسى الرضا عليه السلام _ 308 _

  إن إبراهيم وقع إلى ثلاثة أصناف : صنف يعبد الزهرة ، وصنف يعبد القمر ، وصنف يعبد الشمس ، وذلك حين خرج من السرب الذي أخفي فيه .
  فلما جن عليه الليل رأى الزهرة ، قال : هذا ربي ، على الانكار والاستخبار ، فلما أفل الكوكب قال : لا أحب الآفلين ، لان الأفول من صفات المحدث لا من صفات القديم .
  فلما رأى القمر بازغا قال : هذا ربي ، على الانكار والاستخبار ، فلما أفل قال : لئن لم يهدني ربي لأكونن من القوم الضالين .
  فلما أصبح رأى الشمس بازغة قال : هذا ربي هذا أكبر من الزهرة والقمر : فلما أفلت قال للأصناف الثلاثة من عبدة الزهرة والقمر ، والشمس .
  يا قوم إني برئ مما تشركون إني وجهت وجهي للذي فطر السماوات والأرض حنيفا ، وما أنا من المشركين. وانما أراد إبراهيم بما قال : أن يبني لهم بطلان دينهم ويثبت عندهم ان العبادة لا تحق لما كان بصفة الزهرة والقمر والشمس ، وانما تحق العبادة لخالقها ، وخالق السماوات والأرض ، وكان ما احتج به على قومه ما ألهمه الله عزوجل وآتاه ، كما قال عزوجل ، تلك حجتنا آتيناها إبراهيم على قومه . . .
  ولم يملك المأمون اعجابه بهذا الجواب الحاسم ، فقال للامام : لله درك يا بن رسول الله (1) .
  28 ـ قوله تعالى : ( فَمَن يُرِدِ اللّهُ أَن يَهْدِيَهُ يَشْرَحْ صَدْرَهُ لِلإِسْلاَمِ . . . ) (2) .
سأل سليمان النيشابوري الإمام الرضا ( عليه السلام ) عن تفسير هذه الآية الكريمة فقال : فمن يرد الله ان يهديه بايمانه في الدنيا ، والى جنته ، ودار كرامته ، في الآخرة ، يشرح صدره للتسليم لله ، والثقة به والسكون إلى ما وعد من ثوابه حتى يطمئن إليه ، ومن يرد أن يضله عن جنته ودار كرامته في الآخرة لكفره به وعصيانه له في الدنيا يجعل صدره ضيقا حرجا حتى يصير كأنما يصعد في السماء كذلك يجعل الله الرجس على الذين لا يؤمنون (3) .

---------------------------
(1) الميزان 7 / 205 .
(2) سورة الأنعام / آية 125 .
(3) الميزان 7 / 348 .

حياة الإمام علي بن موسى الرضا عليه السلام _309 _

  29 ـ قوله تعالى : ( قُلْ مَنْ حَرَّمَ زِينَةَ اللّهِ الَّتِيَ أَخْرَجَ لِعِبَادِهِ وَالْطَّيِّبَاتِ مِنَ الرِّزْقِ . . . ) (1) .
  استشهد الإمام ( عليه السلام ) بهذه الآية الكريمة في حديثه التالي : روى أحمد بن محمد بن أبي نصر قال : قال لي الإمام الرضا : ما تقول في اللباس الخشن ؟ فقلت : بلغني أن الحسن كان يلبس ، وأن جعفر بن محمد كان يأخذ الثوب الجديد .
  فيأمر به فيغمس في الماء ، فقال ( عليه السلام ) : البس وجمل فإن علي بن الحسين كان يلبس الجبة الخز بخمس مائة درهم والمطرف الخز بخمسين دينارا ، فيشتو فيه ، فإذا خرج الشتاء ، باعه وتصدق بثمنه ، وتلا هذه الآية : ( قل من حرم زينة الله التي أخرج لعباده ، والطيبات من الرزق ) (2) .
  30 ـ قوله تعالى : ( وَاتْلُ عَلَيْهِمْ نَبَأَ الَّذِيَ آتَيْنَاهُ آيَاتِنَا فَانسَلَخَ مِنْهَا فَأَتْبَعَهُ الشَّيْطَانُ فَكَانَ مِنَ الْغَاوِينَ ) (3) .
  قال ( عليه السلام ) في تفسير هذه الآية : إنه أعطي بلعم بن باعور الاسم الأعظم ، وكان يدعو به فيستجاب له ، فمال إلى فرعون ، فلما أمر فرعون في طلب موسى وأصحابه قال فرعون لبلعم : ادع الله على موسى وأصحابه ليحبسه علينا فركب حمارته فاقبل يضربها فأنطقها الله عزوجل ، فقالت : ويلك على ماذا تضربني ؟ أتريد أن أجئ معك لتدعو على نبي الله وقوم مؤمنين ؟
  ولم يزل يضربها حتى قتلها فانسلخ من لسانه وهو قوله : ( فانسلخ منها فأتبعه الشيطان فكان من الغاوين ، ولو شئنا لرفعناه بها ولكنه أخلد إلى الأرض واتبع هواه فمثله كمثل الكلب إن تحمل عليه يلهث أو تتركه يلهث ) وهو مثل ضربه الله (4) .
  31 ـ قوله تعالى : ( يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ إِذَا لَقِيتُمُ الَّذِينَ كَفَرُواْ زَحْفاً فَلاَ تُوَلُّوهُمُ الأَدْبَارَ ) (5) .
  قال ( عليه السلام ) في تفسير هذه الآية المباركة حرم الله الفرار من الزحف لما

---------------------------
(1) سورة الأعراف / آية 32 .
(2) قرب الاسناد .
(3) سورة الأعراف / آية 175 .
(4) تفسير القمي .
(5) سورة الأنفال / آية 15 .