ب ـ المحافظة على لبس الحذاء .
  ج ـ تخفيف الرداء .
  د ـ التقليل من العملية الجنسية .
  105 ـ وباسناده قال ( عليه السلام ) : كان رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) إذا اكل طعاما قال : اللهم بارك لنا فيه ، وارزقنا خيرا منه ، وإذا شرب لبنا قال : اللهم بارك فيه وارزقنا منه خيرا .
  وحفل هذا الحديث بدعاء النبي (ص) عند تناوله للطعام وعند شربه للبن ، وهو من الآداب الشرعية التي تربط الانسان دوما بخالقه العظيم .
  106 ـ وباسناده قال ( عليه السلام ) : كان رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) إذا شرب لبنا مضض فاه وقال : إن له دسما .
  لقد كره النبي ( صلى الله عليه وآله ) من أن يبقى في فمه الشريف أثرا من آثار الدسم الذي في الحليب وذلك لاضراره بالصحة .
  107 ـ وباسناده قال علي بن أبي طالب ( عليه السلام ) : أوتي النبي ( صلى الله عليه وآله ) بطعام فادخل إصبعه فإذا هو حار ، فقال ( صلى الله عليه وآله ) : دعوه حتى يبرد فإنه أعظم بركة ، فان الله تعالى لم يطعمنا الحار .
  لقد كره النبي ( صلى الله عليه وآله ) تناول الطعام الحار ، وذلك لأنه مضر ضررا شديدا بالصحة خصوصا على الأسنان والفم ، وغيرها من الأجهزة الهضمية .
  108 ـ وباسناده قال ( عليه السلام ) : قال رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) : عليكم باللحم فإنه ينبت اللحم ، ومن ترك اللحم أربعين يوما ساء خلقه .
  أما اللحم فهو من أنفع الأغذية للجسم ، وذلك لما يحويه من المواد الزلالية ، والأملاح المعدنية ، والكلس ، والبروتايين وغيرهما من المواد التي هي ضرورة لبناء الجسم واستقامته خصوصا إذا استعمل معه الخضروات فإنه يحقق للانسان تغذية كاملة .
  109 ـ وباسناده قال ( عليه السلام ) : قال رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) : عليكم بالعدس فإنه مبارك ، مقدس ، يرق القلب ويكثر الدمعة ، وانه قد

حياة الإمام علي بن موسى الرضا عليه السلام _ 260 _

  بارك فمه سبعون نبيا آخرهم عيسى بن مريم ( عليه السلام ) .
  أما العدس فهو من أغنى الأغذية بما يحوي من القيم الغذائية فهو معادل للحم من حيث الغذاء ، ويحتوي على الكالسيوم والحديد والفوسفور ، وفيتامين ( ب ) ونسبة البروتين ، تفوق بكثير سائر البقول ، فهو مبارك (1) ومن ثمراته رقة القلب ، وتكثير الدمع .
  110 ـ وباسناده قال ( عليه السلام ) : من بدأ بالملح اذهب الله عنه سبعين داء أولها الجذام .
  تختلف حاجة الانسان إلى الملح باختلاف المناطق التي يعيش فيها فسكان المناطق الاستوائية الحارة يحتاجون إلى الملح باعتبار ان ما يخرج من أجسامهم من العرق يطرح منها جانبا كبيرا مما يتناولونه من الطعام التي فيها ملح ، ولعل الحديث ناظر إليهم ، وأما في المناطق الباردة كسيبريا فان سكانها لا يحتاجون إلى الملح بل يمجونه .
  111 ـ وباسناده قال ( عليه السلام ) : قال رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) : ليس شئ أبغض إلى الله من بطن ملان .
  ان الامتلاء من الطعام والاكثار منه يعود بالاضرار الجسيمة على الانسان ، والتي منها أنه يصبح عرضة للإصابة بضغط الدم ، وتصلب الشرايين ، والسكر وغيرها ، فلهذا نهى النبي ( صلى الله عليه وآله ) عنه .
  112 ـ وباسناده قال ( عليه السلام ) : حدثني أبي علي بن أبي طالب ( عليه السلام ) قال أبو جحيفة : أتيت النبي ( صلى الله عليه وآله ) ، وأنا أتجشأ فقال لي : يا أبا جحيفة اكفف جشاك فإن أكثر الناس شبعا في الدنيا أطولهم جوعا يوم القيامة ، قال فما ملا أبو جحيفة بطنه من طعام حتى لقي الله تعالى .
  وفي هذا الحديث الشريف التحذير من الاكثار في الطعام الذي هو آفة مدمرة للجسم .
  113 ـ وباسناده قال ( عليه السلام ) : قال رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) : لا تسترضعوا الحمقاء ، ولا العمشاء فإن اللبن يتعدى .

---------------------------
(1) الغذاء لا الدواء ( ص 561 ) .

حياة الإمام علي بن موسى الرضا عليه السلام _ 261 _

  ان للبن تأثيرا على طباع الطفل ، فالطفل الذي يتغذى من امرأة حمقاء أو عمشاء فإنه يصاب بالحمق في مستقبل حياته وقد أكدت ذلك البحوث الطبية الحديثة ، وقد أوضحنا ذلك بصورة مفصلة في كتابنا نظام الأسرة في الاسلام .
  114 ـ وباسناده قال ( عليه السلام ) : قال رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) : ليس للصبي لبن خير من لبن أمه .
  إن الطفل الذي يتغذى بلبن أمه يكون بمنجى عن الإصابة بكثير من الأمراض ، ويكون في صحة جيدة لان لبن أمه مزود بجميع ما يحتاج إليه من الغذاء ، أما لبن غير أمه خصوصا في هذه العصور من تغذية الأطفال بالوسائل المعروفة فأنه يكون عرضة للإصابة بالأمراض الناجمة عن عدم تعقيم ( المحة ) وعدم اتفاق الحليب الصناعي مع بدن الطفل .
  115 ـ وباسناده قال ( عليه السلام ) : قال رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) : من يحسن النفقة فله حسنة .
  وفي هذا الحديث دعوة خلاقة إلى الاقتصاد الاسلامي الذي منه التوازن في الصرف والانفاق وعدم الاسراف والتقتير ، وهو يقي الانسان من الأزمات الاقتصادية الخانقة .
  116 ـ وباسناده قال ( عليه السلام ) : قال ( صلى الله عليه وآله ) : نعم الادام الخل ، ولم يفتقر أهل بيت عندهم الخل .
  ان الخل له فوائده الكثيرة ، فهو مصرف للطعام ، ومن أحسن الأشربة ، وفي العصور السابقة كان الخل هو الادام الشائع بين الناس .
  117 ـ وباسناده قال ( عليه السلام ) : قال رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) : كلوا التمر على الريق فإنه يقتل الديدان في البطن .
  إن التمر غني بالفيتامينات فهو يحتوي بنسبة عالية علي فيتامين ( آ ) وهو مما يساعد على نمو الأطفال ، ويطلق عليه الأطباء اسم ( عامل النمو ) ويحفظ رطوبة العين وبريقها ، وجحوظ الكرة العينية ، كما يعمل على تكوين الأرجوان الشبكي .
  كما أنه يعمل على تقوية الأعصاب السمعية إلى غير ذلك من الفوائد المهمة التي ذكرها الأطباء ، وقد اكد الاسلام على تناوله ، وذلك لما فيه من الفوائد العظيمة .
  118 ـ وباسناده قال ( عليه السلام ) : قال علي بن أبي طالب ( عليه السلام ) :

حياة الإمام علي بن موسى الرضا عليه السلام _ 262 _

  جاء جبريل ( عليه السلام ) إلى النبي ( صلى الله عليه وآله ) وقال : عليكم بالتمر البرني فإنه خير تمركم ، يقرب من الله ويبعد من النار .
  ولعل السبب في الحث عليه ان فيه تنمية للفكر ، وصفاء للنفس ومن الطبيعي أن النفس إذا تجردت من الأوهام ، فإنها تتجه نحو خالقها العظيم ، وتعمل كل ما يقربها إليه زلفى ، ولهذه الجهة حث النبي (ص) على تناول التمر البرني الذي هو من خيرة التمور .
  119 ـ وباسناده قال أبي الحسين بن علي ( عليه السلام ) قال : كان أمير المؤمنين ( عليه السلام ) يأمرنا إذا اكلنا أن لا نشرب حتى نتمضمض ثلاثا .
  وحكى هذا الحديث الدعوة إلى تنظيف الأسنان قبل تناول الطعام ، وذلك لما له من أثر فعال في الصحة .
  120 ـ وباسناده قال ( عليه السلام ) : قال علي بن أبي طالب ( عليه السلام ) : كلوا الرمان بشحمه فإنه دباغ المعدة .
  أما الرمان فهو من الفواكه الغنية بالفيتامين ، فهو يحتوي على حامض الليمون ، والسكر ، وفيتامين ( ث ) ومن خصائص شحمه أنه يصلح الجهاز الهضمي .
  121 ـ وباسناده قال ( عليه السلام ) : قال رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) : كلوا العنب حبة ، فأنه أمرأ وأهنأ .
  أما العنب فهو من أغنى الفواكه ، وذلك بما يحتوي عليه من فيتامين ( آ ) و ( ب ) و ( ث ) وله دور فعال في بناء الجسم ، وتقوية أنسجته ، وهو طعام لذيذ سريع الهضم ، وهو يفيد في حالات سوء الهضم ، والحصاة الكبدية ، والحصاة البولية والتسمم ، ويفيد المصابين بفقر الدم ، ونقص الكلس ويقول الدكتور : ( كارلية ) إن من الضروري أعطاء العنب للمصابين بفقر الدم ، والذين خرجوا من عمليات جراحية إلى غير ذلك من الفوائد التي ذكرتها كتب الطب .
  122 ـ وباسناده قال ( عليه السلام ) : قال رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) : عليكم بالزبيب فإنه يكشف المرة ، ويذهب بالبلغم ، ويشد العصب ، ويحسن الخلق ، ويطيب النفس ، ويذهب الهم .
  أما الزبيب فهو العنب المجفف ، وهو يحتفظ بأكثر خواص العنب الطري وبما

حياة الإمام علي بن موسى الرضا عليه السلام _ 263 _

  فيه من الفيتامينات ، وقد تحدثنا عن فوائد العنب وخواصه ومن بينها ما ذكر في هذا الحديث الشريف .
  123 ـ وباسناده قال ( عليه السلام ) : قال رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) : إن يكن في شئ شفاء ففي شرطة الحجام أو شربة من عسل .
  ذكرنا في البحوث السابقة ما في الحجامة والعسل من الفوائد العظيمة والمنافع المهمة .
  124 ـ وباسناده ( عليه السلام ) قال : قال رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) : لا تردوا شربة من عسل من أتاكم بها .
  125 ـ وباسناده قال ( عليه السلام ) : قال رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) : الطيب يسر ، والعسل يسر ، والنظر إلى الخضرة يسر ، والركوب يسر (1) .
  ان هذه الأمور تبعث على الانشراح ، والسرور .
  126 ـ وباسناده قال ( عليه السلام ) : قال رسول الله (ص) : ادهنوا بالبنفسج فإنه بارد في الصيف ، حار في الشتاء .
  البنفسج هو من النباتات العطرة الجميلة ، وحوى الحديث على بعض الخصائص في دهنه التي برودته في الصيف وحرارته في الشتاء .

الباب السابع في بر الوالدين ، وصلة الأرحام
  127 ـ وباسناده قال ( عليه السلام ) : حدثني أبو جعفر ( عليه السلام ) قال : أدنى العقوق أف ، ولو علم الله شيئا أهون من أف لنهى عنه .
  وأوجب الاسلام احترام الأبوين ، وحرم الاعتداء عليهما ، ولو بكلمة ( أف ) قال تعالى : ( فَلاَ تَقُل لَّهُمَآ أُفٍّ ) ولو كان هناك كلمة أقل من أف لنهى عنها ـ كما يقول الامام ـ .
  128 ـ وباسناده ( عليه السلام ) قال : حدثني أبو جعفر ( عليه السلام ) قال :

---------------------------
(1) في نسخة شره .

حياة الإمام علي بن موسى الرضا عليه السلام _ 264 _

  حدثني أبو عبد الله ( عليه السلام ) : صلة الرحم ، وحسن الأخلاق زيادة في الايمان .
  ان حسن الأخلاق ، وصلة الأرحام دليلان على ايمان الانسان ، وصلته بالله تعالي .
  129 ـ وباسناده قال ( عليه السلام ) : قال رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) : من ضمن لي واحدة ضمنت له أربعا ، يصل رحمه ، فيحبه أهله ، ويوسع عليه في رزقه ، ويزاد في أجله ، ويدخله الله الجنة التي وعده .
  إن صلة الرحم من أفضل الأعمال التي ندب إليها الاسلام لأنها توجب ترابط المجتمع ووحدته وتضامنه .
  130 ـ وباسناده قال : حدثني محمد بن علي ( عليه السلام ) قال : صلة الأرحام ، وحسن الجوار زيادة في الأموال .
  ان من محاسن الأعمال التي حث عليها الاسلام البر بالأرحام والاحسان إلى الجار فان ذلك مما يوجب وحدة المسلمين وانتشار المحبة والمودة فيما بينهم .
  131 ـ وباسناده قال علي بن أبي طالب ( عليه السلام ) : سمعت رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) يقول : إني أخاف عليكم استخفافا بالدين ، وبيع الحكم ، وقطيعة الرحم ، وأن تتخذوا القرآن مزامير ، تقدمون أحدكم ، وليس بأفضلكم في الدين .
  ان هذه الأمور التي حذر منها النبي ( صلى الله عليه وآله ) توجب هلاك المجتمع وتدميره وانحرافه عن المثل العليا التي تبناها الاسلام .

الباب الثامن في التحذير من الغش والغيبة والنميمة
  132 ـ وباسناده قال ( عليه السلام ) : قال رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) : ليس منا من غش مسلما أو ضره ، أو ما كره .
  إنه ليس من الاسلام في شئ غش المسلم أو اضراره أو مما كرته لأنها توجب انتشار البغضاء وانعدام الثقة بين المسلمين .
  133 ـ وباسناده قال ( عليه السلام ) : قال رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) :

حياة الإمام علي بن موسى الرضا عليه السلام _ 265 _

  إياكم والظلم فإنه يخرب قلوبكم .
  وحارب الاسلام الظلم ، وتواترت الاخبار عن أئمة الهدى ( عليهم السلام ) في التحذير منه ، وان الله تعالى بالمرصاد للظالمين يخرب ديارهم وينتقم منهم كأشد ما يكون الانتقام .
  134 ـ وباسناده قال ( عليه السلام ) : حدثني أبي الحسين بن علي ( عليه السلام ) قال : خطبنا أمير المؤمنين صلوات الله عليه ، وقال : سيأتي على الناس زمان عضوض ، يعض الموسر على ما في يده ، ولم يؤمر بذلك ، قال الله تعالى : ( وَلاَ تَنسَوُاْ الْفَضْلَ بَيْنَكُمْ إِنَّ اللّهَ بِمَا تَعْمَلُونَ بَصِيرٌ ) وسيأتي على الناس زمان يقدم الأشرار ، ويستذل الأخيار ، ويبيع المضطرون ، وقد نهى رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) عن بيع الغرر ، وعن بيع التمر قبل ان يدرك . . .
  فاتقوا الله وأصلحوا ذات بينكم واحفظوني في أهلي ، وطليعة هذه الكلمات التي أدلى بها باب مدينة علم النبي (ص) من الملاحم ، وقد تحققت على مسرح الحياة في هذه العصور ، فقد عض الموسر على ما في يده ، ولم ينفق شيئا من أمواله في سبيل الله تعالى ، كما تقدم الأشرار والأنذال ، واستذل الصالحون والمتقون ، فانا لله وإنا إليه راجعون .
  135 ـ وباسناده قال ( عليه السلام ) : قال علي بن الحسين ( عليه السلام ) : من كف عن اعراض الناس أقال الله عثرته يوم القيامة .
  ان من احكام الاسلام ومن تعاليمه الكف عن اعراض الناس وعدم تناولها بسوء صيانة للاعراض ، وحفاظا على وحدة المسلمين .
  136 ـ وباسناده قال ( عليه السلام ) : قال علي بن الحسين ( عليه السلام ) : إياكم والغيبة فإنها أدام كلاب أهل النار .
  عرض الامام سيد المتقين علي بن الحسين ( عليه السلام ) إلى حرمة الغيبة وهي من أفحش المحرمات لأنها تؤدي إلى انتشار الرذيلة ، وشيوع الفحشاء بين المسلمين .
  137 ـ وباسناده قال ( عليه السلام ) : قال رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) : ان الله يبغض الرجل يدخل عليه الرجل في بيته فلا يقابله .
  من الآداب الاسلامية تكريم كل من يدخل بيت انسان وعدم الاعراض عنه ، وقضاء حاجته خصوصا الفقراء والمحوجين .

حياة الإمام علي بن موسى الرضا عليه السلام _ 266 _

الباب التاسع في فضل الغزو والجهاد
  138 ـ وباسناده قال علي بن الحسين صلوات الله عليه بينما أمير المؤمنين ( عليه السلام ) يخطب الناس ، ويحضهم على الجهاد إذ قام إليه شاب فقال : يا أمير المؤمنين اخبرني عن فضل الغزاة في سبيل الله ، فقال ( عليه السلام ) : كنت رديف رسول الله (ص) على ناقته العضباء ونحن مقفلون من غزوة ذات السلاسل ، فسألته عما سألتني عنه ، فقال : إن الغزاة إذا هموا بالغزو كتب الله لهم براءة من النار ، وإذا تجهزوا باهى الله بهم الملائكة الخ.
  والحديث طويل عرض فيه الرسول الأعظم ( صلى الله عليه وآله ) إلى فضل الغزو والجهاد في سبيل الله الذي هو باب من أبواب الجنة فتحه الله تعالى لخاصة أوليائه ـ على حد تعبير الامام أمير المؤمنين ( عليه السلام ) ـ .
  الباب العاشر .
في أحاديث متفرقة
  139 ـ وباسناده قال ( عليه السلام ) : قال رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) : يقول الله تعالى : يا بن آدم أما تنصفني ، أتحبب إليك بالنعم ، وتتمقت إلي بالمعاصي ، خيري إليك منزل ، وشرك إلي صاعد ، ولا يزال ملك كريم يأتيني عنك في كل يوم وليلة بعمل قبيح ، يا بن آدم لو سمعت وصفك من غيرك ، وأنت لا تدري من الموصوف لسارعت إلى مقته .
  وهذا الحديث الشريف من المواعظ التي تدعو الناس إلى فعل الخير ، وتحذرهم من فعل الشر .
  140 ـ وباسناده قال ( عليه السلام ) : قال رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) : يقول الله عزوجل : يا بن آدم لا يغرنك ذنب الناس عن ذنب نفسك ولا نعمة الناس عن نعمة الله عليك ، ولا تقنط الناس من رحمة الله عليهم ، وأنت ترجوها لنفسك ، وأهاب هذا الحديث بالانسان أن لا تغره ذنوب الناس عن ذنوب نفسه فإن

حياة الإمام علي بن موسى الرضا عليه السلام _ 267 _

  كل انسان مسؤول أمام الله عما يقترفه من ذنب ، كما لا تغره النعم التي أفاضها الله على عباده عن نعمه تعالى عليه ، فما أعظم نعمه على العبد فليس له أن يستصغرها حينما يرى نعم الله على عباده .
  141 ـ وباسناده قال ( عليه السلام ) : قال رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) : ثلاث أخافهن على أمتي بعدي : الضلالة بعد المعرفة ، ومضلات الفتن ، وشهوة البطن والفرج .
  ان هذه الفتن الثلاثة تصد الانسان عن الله تعالى ، وتلقيه في شر عظيم .
  142 ـ وباسناده قال ( عليه السلام ) : قال رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) : في تفسير قوله تعالى : ( يَوْمَ نَدْعُو كُلَّ أُنَاسٍ بِإِمَامِهِمْ ) قال : يدعى كل قوم بإمام زمانهم ، وكتاب ربهم ، وسنة نبيهم .
  عرض هذا الحديث الشريف إلى حشر الناس يوم القيامة وان كل قوم يحشرون مع امامهم وكتاب ربهم وسنة نبيهم فان كانوا ملتزمين بها وعاملين بأحكامها فقد فازوا ونجوا من عذاب الله وان خالفوها فقد باؤوا بالخسران المبين .
  143 ـ وباسناده قال ( عليه السلام ) : قال رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) : إن الله يحاسب كل خلق إلا من أشرك بالله ، فإنه لا يحاسب ، ويؤمر به إلى النار .
  144 ـ وباسناده قال ( عليه السلام ) : قال رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) : اختنوا أولادكم يوم السابع ، فإنه أطهر ، وأسرع نباتا للحم .
  من روائع التشريع الاسلامي دعوته إلى ختان الطفل في اليوم السابع من ولادته ، فإن الختان في هذه السن يكون سريع الشفاء بالنسبة لجرحه كما لا يعاني الطفل المزيد من الآلام أما إذا تجاوز تلك السن خصوصا إذا زاد عمره على سنتين أو ثلاث فإن الختان يكون صعبا ، ويعاني الطفل الكثير من الآلام.
  145 ـ وباسناده قال ( عليه السلام ) : قال رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) : المغبون لا محمود ، ولا مأجور .
  أما المغبون إذا كان جاهلا فإنه لا يستحق الحمد ولا الاجر لأنه قصر في معاملته ، وأما إذا كان عالما ، وقدم على الغنى فإنه يستحق اللوم والذم .
  146 ـ وباسناده قال ( عليه السلام ) : قال رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) :

حياة الإمام علي بن موسى الرضا عليه السلام _ 268 _

  اصنع المعروف إلى أهله ، والى من ليس بأهله ، فان تصب أهله فهو له أهل ، وان لم تصب أهله فأنت من أهله .
  وفي هذا الحديث دعوة خلاقة إلى صنع المعروف والاحسان لجميع الناس ، وهذا من محاسن التعاليم الاسلامية التي أقيمت على البر والاحسان .
  147 ـ وباسناده قال ( عليه السلام ) : قال رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) : رأس العقل بعد الدين ، التودد إلى الناس ، واصطناع الخير إلى كل بر وفاجر .
  ان التودد إلى الناس ، واصطناع المعروف معهم دليل على نضوج الفكر ، وسلامة العقل ، وبعد النظر .
  148 ـ وباسناده قال ( عليه السلام ) : قال رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) : إن أفواهكم طرق من طرق ربكم فنظموها .
  دعا هذا الحديث إلى تنظيف الأفواه ، وذلك باجتنابها عن قول الفحشاء والمنكر ، والتحلي بالصدق والآداب وغير ذلك مما يزينها .
  149 ـ وباسناده قال ( عليه السلام ) : قال رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) : من صام يوم الجمعة صبرا واحتسابا أعطي أجر عشرة أيام غر ، زهر ، لا تشابههن أيام الدنيا .
  وفي هذا الحديث ترغيب في صوم يوم الجمعة الذي هو من أجل أيام الأسبوع ، ففي صيامه الاجر الجزيل والثواب العظيم .
  150 ـ وباسناده قال ( عليه السلام ) : قال رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) : اختاروا الجنة على النار ، ولا تبطلوا أعمالكم فتقذفوا في النار ، منكسين خالدين فيها ابدا .
  دعا النبي ( صلى الله عليه وآله ) إلى الفوز بالفردوس الاعلى ، وذلك بالاخلاص في العمل ، وعدم ابطاله بالرياء وغيره التي توجب فساده ، كما حذر ( صلى الله عليه وآله ) من النار أعاذنا الله منها .
  151 ـ وباسناده قال ( عليه السلام ) : قال رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) : لا اعتكاف إلا بالصوم .
  أما الاعتكاف فقوامه الصوم ، وأن يكون في أحد مساجد الله ، والصوم فيه ثلاثة أيام ، وليس للمعتكف من سبيل إلى الخروج من الجامع إلا بعد ثلاثة أيام .

حياة الإمام علي بن موسى الرضا عليه السلام _ 269 _

  152 ـ وباسناده قال ( عليه السلام ) : قال رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) : لو رأى العبد أجله ، وسرعته لأبغض الامل ، وطلبة الدنيا .
  ان الانسان لو فكر وتأمل في مصيره إلى القبر ، وسرعة الخروج من هذه الدنيا لأبغض الامل وكره الدنيا .
  153 ـ وباسناده قال : حدثني علي بن أبي طالب ( عليه السلام ) : من عرض نفسه للتهمة والدخول فيما يوجب هدر كرامته ، فقد سلط على نفسه سوء الظن به ، وهو الذي جر له ذلك .
  154 ـ وباسناده قال علي بن أبي طالب ( عليه السلام ) : لا دين لمن دان لمخلوق في معصية الخالق .
  ان كل من يدين لمخلوق في معصية خالقه فهو عار من الدين لا تربطه مع الله تعالى صلة .
  155 ـ وباسناده قال ( عليه السلام ) : حدثني الحسين بن علي ( عليه السلام ) : إن اعمال هذه الأمة ما من صباح إلا تعرض على الله عزوجل .
  ان اعمال المسلمين في كل يوم تعرض على الله تعالى سواء أكانت حسنات أم سيئات ، فهنيئا لمن عمل صالحا ، واتقى ربه .
  156 ـ وباسناده قال ( عليه السلام ) : حدثني أبي علي بن أبي طالب ( عليه السلام ) في قوله تعالى : ( لولا أن رأى برهان ربه ) قال : قامت امرأة العزيز على صنم فسترته فقالت : إنه يرانا ، فقال لها يوسف : ما هذا ؟ قالت : استحي من الصنم أن يراني فقال لها يوسف : أتستحي ممن لا يسمع ولا يبصر ولا ينفع ولا يضر ولا تستحي ممن خلق الأشياء ، وعلم بها فذلك قوله تعالى : بُرْهَانَ رَبِّهِ . . .
  157 ـ وباسناده قال ( عليه السلام ) : كان علي بن أبي طالب ( عليه السلام ) إذا رأى المريض قد برئ قال : يهنيك الطهور من الذنوب .
  وتضافرت الاخبار عن أئمة الهدى ( عليهم السلام ) ان المرض مطهر للشخص من الذنوب التي اقترفها ، وانه يزيد في حسنات الشخص .
  158 ـ وباسناده قال : حدثني أبي علي بن أبي طالب ( عليه السلام ) قال : أخذنا ثلاثة من ثلاثة : الصبر من أيوب ، والشكر من نوح ، والحسد من بني

حياة الإمام علي بن موسى الرضا عليه السلام _ 270 _

  يعقوب .
  159 ـ وباسناده قال ( عليه السلام ) : سئل محمد بن علي بن الحسين ( عليهم السلام ) لم أوتم النبي ( صلى الله عليه وآله ) من أبويه ؟ قال ( عليه السلام ) : لئلا يوجد عليه حق لمخلوق .
  وعلل يتم الرسول ( صلى الله عليه وآله ) بهذا التعليل في كثير من الاخبار ، وثمة تعليل آخر هو ان هذا اليتيم قد استطاع أن يغير مجرى تأريخ العالم ، وينقذ الانسان من خرافات الجاهلية ، وعاداتها ، ويقيم في الأرض دولة قد رفعت مشعل التوحيد ، وأنارت آفاق الدنيا بما أقامته من معالم الحق ، والعدل .
  وبهذا ينتهي بنا الحديث عن مسند الإمام الرضا ( عليه السلام ) وصحيفته ، وقد أسقطنا منها طائفة من الاخبار لأنها فيما نحسب مدسوسة في هذه الصحيفة ، وليست من اخبار أهل البيت ( عليهم السلام ) ، ولعل هذا السبب أوجب توقف بعض العلماء في نسبة هذا الكتاب إلى الإمام ( عليه السلام ) وعدم اعتمادهم عليه كحجة في الاستدلال به على بعض الأحكام الشرعية. الفقه الرضوي .
  ونسب للإمام الرضا ( عليه السلام ) كتاب الفقه الرضوي ولم يكن معروفا في الأوساط العلمية الامامية الأولى ، وانما ظهر متأخرا في زمان الفاضل المجلسي يقول رحمه الله : كتاب فقه الرضا ( عليه السلام ) اخبرني به السيد الفاضل المحدث القاضي أمير حسين طاب ثراه بعدما ورد أصفهان قال :
  قد اتفق في بعض سني مجاورتي بيت الله الحرام ، ان أتاني جماعة من أهل قم حاجين ، وكان معهم كتاب قديم يوافق تأريخه عصر الرضا صلوات الله عليه ، وسمعت الوالد رحمه الله انه قال :
  سمعت السيد يقول : كان عليه خطه صلوات الله عليه ، وكان عليه إجازات جماعة كثيرة من الفضلاء ، وقال السيد : حصل لي العلم بتلك القرائن انه تأليف الإمام ( عليه السلام ) فأخذت الكتاب وكتبته ، وصححته ، فأخذ والدي قدس الله روحه هذا الكتاب من السيد ، واستنسخه ، وصححه ، وأكثر عباراته مواقف لما يذكره الصدوق رحمه الله في كتاب من لا يحضره الفقيه من غير سند ، وما يذكره والده في رسالته إليه ، وكثير من الاحكام التي ذكرها أصحابنا ولا يعلم مستندها مذكورة فيه (1) .

---------------------------
(1) البحار 1 / 11 .

حياة الإمام علي بن موسى الرضا عليه السلام _ 271 _

  وقد أقر به ، واعتمد عليه جمهور من اعلام الفقه الإمامي كالفاضل الكاشاني ، وصاحب الرياض ، والمحدث البحراني وغيرهم ، وانكره فريق آخر من كبار العلماء والمحققين ، ولا يزال مثار الجدل بين الاعلام ، والمتأمل في الكتاب ، تواجهه بعض المؤخذات التي تبعد نسبته للإمام ( عليه السلام ) وهي :
  أولا ـ ان هذا الكتاب لو كان للامام لما كان مغمورا عدة قرون لم يطلع عليه أحد من قدامي فقهاء الامامية ، وأصحاب الحديث مع اهتمامهم البالغ بجميع ما أثر عن أئمة الهدى ( عليهم السلام ) ، فلم يشر إليه أحد منهم بكلمة .
  ثانيا ـ ان الشيخ الصدوق رحمه الله الذي دون جميع الآثار الواردة من الإمام الرضا ( عليه السلام ) في كتابه ( عيون أخبار الرضا ) فإنه لم يشر إليه في هذا الكتاب ولا في جميع مؤلفاته .
  ثالثا ـ ان فيه بعض الاخبار المخالفة لعقيدة التشيع كالغلو الذي حاربه الأئمة الطاهرون ، وبنوا على كفر من يذهب إليه ، فقد جاء في هذا الكتاب في باب استقبال القبلة في الصلاة واجعل واحدا من الأئمة نصب عينيك وهذا غلو فاحش فإن المصلي عليه أن يتجه بقلبه وعواطفه ومشاعره أمام الله خالق الكون وواهب الحياة .
  هذه بعض المؤاخذات التي تواجه هذا الكتاب ، وهي تبعد نسبته للإمام ( عليه السلام ) ، وقد نشر هذا الكتاب المؤتمر العالمي للإمام الرضا ( عليه السلام ) في مشهد المقدسة ، وقامت بتحقيقه مؤسسة آل البيت ( عليهم السلام ) لإحياء التراث في قم زادها الله شرفا وقد قدمه سماحة المحقق الكبير الشيخ جواد الشهرستاني ، وعرض إلى ما قاله المثبتون لهذا الكتاب والنافون له من الأدلة .

حياة الإمام علي بن موسى الرضا عليه السلام _ 273 _

  بحوث عقائدية وخاض الإمام الرضا ( عليه السلام ) في بحوثه ومحاضراته الكثير من المسائل العقائدية ونفى ما يحوم حولها من الشبه والأوهام التي آثرها الحاقدون على الاسلام والجاهلون بأحكامه ، وقد عرضنا إلى قسم كبير منها في مناظراته مع علماء الفرق والأديان ، والتي نالت اعجاب العلماء ، وايمانهم بالقدرات العلمية الهائلة التي يملكها الامام ، وقد عجت بها أروقة السياسة وأندية أهل العلم . . .
  ونعرض إلى جانب آخر من تلك البحوث التي لم تكن في إطار المناظرات وهي :
  1 ـ قضايا التوحيد .
  وأثيرت كثير من التساؤلات حول قضايا التوحيد أجاب عنها الإمام ( عليه السلام ) ، وفند ما الصق بها من شكوك وأوهام وكان من بينها ما يلي :
  أ ـ استحالة المعرفة الكاملة بذات الله.
  ان من المستحيل أن يوصف الله تعالى بصفة تلم بحقيقة ذاته المقدسة وقد انبرى أبو هاشم الجعفري ، وهو من اعلام عصره في فضله وعلمه وتقواه فقال للإمام الرضا ( عليه السلام ) : هل يوصف الله ؟ وقد أراد بذلك الوقوف والإحاطة بمعرفة الله فاجابه الإمام ( عليه السلام ) : أما تقرأ القرآن ؟ .
  بلى . . .
  وأحال الامام عليه الجواب على كتاب الله تعالى .
  فقال : أما تقرأ قوله تعالى : ( لاَّ تُدْرِكُهُ الأَبْصَارُ وَهُوَ يُدْرِكُ الأَبْصَارَ ) .

حياة الإمام علي بن موسى الرضا عليه السلام _ 274 _

  وأسرع أبو هاشم قائلا : ما هي . . .
  وأجاب أبو هاشم عما يعرفه عن الابصار قائلا : ابصار العيون . . .
  فأنكر الإمام ( عليه السلام ) ذلك قائلا : إن أوهام القلوب أكبر من بصار العيون ، فهو لا تدركه الأوهام ، وهو يدرك الأوهام . . . (1) .
  إن نظرة العقل أوسع ، وأكثر شمولا من رؤية البصر ، وان العقل بجميع مدركاته وتصوراته أيضا محدود ، ولا يمكن أن يحيط علما بمعرفة ذات الله تعالى .
  ب ـ استحالة رؤية الله :
  من المستحيل رؤية الله تعالى ، وقد شاع في بعض أوساط ذلك العصر ان النبي محمدا ( صلى الله عليه وآله ) ، قد رآه وقد خف كل من إبراهيم بن محمد الخزاز ، ومحمد بن الحسين إلى الإمام الرضا ( عليه السلام ) يسألانه عن ذلك وقالا له : إن محمدا رأى ربه في صورة الشاب الموفق في سن أبناء ثلاثين سنة ؟ . . .
  وأسندا هذه المقالة إلى جماعة من اعلام الشيعة ، وانهم قالوا : انه تعالى أجوف إلى السرة ، والبقية صمد ، ولا شبهة ان ذلك مدسوس عليهم ولا علاقة لهم بهذه المنكرات واضطراب الامام حينما سمع هذه الأباطيل ، وخر ساجدا ؟؟ لله تعالى ، وجعل يخاطبه بتذلل وخشوع : سبحانك ما عرفوك ، ولا وحدوك ، فمن أجل ذلك وصفوك ، سبحانك لو عرفوك لوصفوك بما وصفت به نفسك ، سبحانك كيف طاوعتهم أنفسهم ان يشبهوك بغيرك ، اللهم لا أصفك إلا بما وصفت به نفسك ، ولا أشبهك بخلقك ، أنت أهل لكل خير ، فلا تجعلني من القوم الظالمين . . .
  ثم التفت ( عليه السلام ) إليهم فقال : ما توهمتم من شئ ، فتوهموا الله غيره . . .

---------------------------
(1) أصول الكافي 1 / 99 .

حياة الإمام علي بن موسى الرضا عليه السلام _ 275 _

  يعني أن كل ما يتوهمه الانسان ، ويتصوره بالنسبة إلى ذات الله تعالى ، فليتصور بأن الله تعالى غير الذي تصوره ثم التفت إلى محمد بن الحسين فقال له : نحن آل محمد النمط الأوسط الذي لا يدركنا الغالي ولا يسبقنا التالي ، يا محمد ان رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) حين نظر إلى عظمة ربه كان (ص) في هيئة الشاب الموفق وسن أبناء ثلاثين سنة ؟ !! يا محمد عظم ربي عزوجل أن يكون في صفة المخلوقين ، وانبرى محمد بن الحسين قائلا : من كانت رجلاه في خضرة ؟ .
  فأجابه الامام : ذاك محمد كان إذا نظر إلى ربه بقلبه جعله في نور مثل نور الحجب ، حتى يستبين له ما في الحجب ، ان نور الله منه أخضر ومنه أحمر ، ومنه أبيض ، ومنه غير ذلك ، يا محمد ما شهد له الكتاب والسنة فنحن القائلون به (1) .
  ج ـ نفي الشبه عن الله :
  ونفى الإمام ( عليه السلام ) جميع ألوان الشبه ، والصور عن الله تعالى ، وذلك في حديث جرى بينه وبين الفتح بن يزيد الجرجاني ، وهو في طريقه إلى خراسان ، فقد قال الإمام ( عليه السلام ) له : يا فتح من أرضى الخالق لم يبال بسخط المخلوق ، ومن أسخط الخالق فقمين أن يسلط عليه سخط المخلوقين .
  وان الخالق لا يوصف إلا بما وصف به نفسه ، وأنى يوصف الذي تعجز الحواس أن تدركه ، والأوهام أن تناله ، والخطوات أن تحده ، والابصار عن الإحاطة به. جل عما وصفه الواصفون ، وتعالى عما ينعته الناعتون ، نأى في قربه ، وقرب في نأيه فهو في بعده قريب ، وفي قربه بعيد ، كيف الكيف ، فلا يقال له : كيف ، وأين الأين فلا يقال له أين ، إذ هو مبدع الكيفوفية ، والأينونية. يا فتح كل جسم مغذي بغذاء إلا الخالق الرازق ، فإنه جسم الأجسام ، وهو ليس بجسم ، ولا صورة ، لم يتجزأ ، ولم يتناه ولم يتزايد ، ولم يتناقص ، مبرأ ؟ ؟ من ذات

---------------------------
(1) أصول الكافي ( 1 / 101 ـ 102 ) .

حياة الإمام علي بن موسى الرضا عليه السلام _ 276 _

  ما ركب في ذات من جسمه (1) وهو اللطيف الخبير ، السميع البصير ، الواحد الأحد الصمد لم يلد ولم يولد ، ولم يكن له كفوا أحد ، منشئ الأشياء ، ومجسم الأجسام ، ومصور الصور ، لو كان كما يقول المشبهة لم يعرف الخالق من المخلوق ، ولا الرازق من المرزوق ، ولا المنشئ من المنشأ لكنه المنشئ ، فرق بين جسمه وصوره ، وشيئه وبينه إذ كان يشبهه شئ .
  وانبرى الفتح قائلا : الله واحد ، والانسان واحد فليس قد تشابهت الواحدانية ؟ وفند الامام هذه الشبهة قائلا : أحلت ـ أي أتيت بالمحال ـ ثبتك الله إنما التشبيه في المعاني فاما الأسماء فهي واحدة (2) وهي دالة على المسمى وذلك أن الانسان وإن قيل واحد فإنه يخبر أنه جثة واحدة وليس باثنين والانسان نفسه ليس بواحد لان أعضاءه مختلفة غير واحدة وهو اجزاء مجزأ ليس سواء ، دمه غير لحمه ولحمه غير دمه وعصبه غير عروقه وشعره غير بشره وسواده غير بياضه ، وكذلك سائر جميع الخلق ، فالانسان واحد في الاسم لا واحد في المعنى. والله جل جلاله واحد ، لا واحد غيره ، ولا اختلاف فيه ولا تفاوت ، ولا زيادة ولا نقصان ، فأما الانسان المخلوق المصنوع المؤلف من اجزاء مختلفة وجواهر شتى غير أنه بالاجتماع شئ واحد .
  إن اطلاق الواحد على الله تعالى يغاير اطلاق الواحد على الانسان ، فإن الانسان مؤلف من أجزاء مختلفة ومتباينة كالقلب والرئتين والعينين والكليتين وغيرهما من الخلايا والأعضاء ، وباجتماعها أطلق عليها الواحد أما بالنسبة إلى الخالق العظيم تعالى فإنه لم يكن مركبا ولا مؤلفا من عدة اجزاء مجتمعة كي يطلق عليه لفظ الواحد .
  وقال الفتح : فسر لي اللطيف ، فإني اعلم أن لطفه خلاف لطف غيره للفصل . . . وأجابه الإمام ( عليه السلام )

---------------------------
(1) أي انه تعالى منزه من ذوات الأشياء والاجزاء التي ركبها وجعلها في ذات من أوجده جسما .
(2) المراد ان التشبيه الذي ينفى عنه تعالى انما هو في الحقائق لا في الأسماء والألفاظ فإنه يقع فيه وتعالى وفي غيره ، فيصح اطلاق الواحد على الانسان وعلى الله تعالى .

حياة الإمام علي بن موسى الرضا عليه السلام _ 277 _

  يا فتح انما قلت : اللطيف للخلق اللطيف ، ولعلمه بالشئ اللطيف ، الا ترى إلى أثر صنعه ـ أي صنع الخالق العظيم ـ في النبات اللطيف وغير اللطيف ، وفي الخلق اللطيف من أجسام الحيوان من الجرجس والبعوض وما هو أصغر منهما مما لا يكاد تستبينه العيون ، بل لا يكاد يستبان لصغره الذكر من الأنثى ، والمولود من القديم .
  فلما رأينا صغر ذلك في لطفه ، واهتدائه للفساد ، والهرب من الموت ، والجمع لما يصلحه بما في لجج البحار ، وما في لحاء الأشجار والمفاوز والقفار ، وافهام بعضها عن بعض منطقها ، وما تفهم به أولادها عنها ، ونقلها الغذاء إليها ، ثم تأليف ألوانها ، حمرة مع صفرة ، وبياض مع حمرة ، علمنا أن خالق هذا الخلق لطيف ، وان كل صانع شئ فمن شئ صنع ، والله الخالق اللطيف الجليل خلق وصنع لا من شئ . . .
  وحكى هذا المقطع الآثار المدهشة لبدائع خلق الله تعالى وذلك في خلقه لأجسام الحيوانات الصغار من الجرجس والبعوض وما هو أصغر منهما مما لا يتميز فيها الذكر من الأنثى فقد وهبها الله تعالى الادراك فاهتدت إلى السفاد لبقائها واستمرارها على الأرض.
  كما وهبها الادراك للفرار من الاخطار التي تواجهها فسبحان ، الخالق اللطيف ، ومضافا لذلك ما تتمتع به من الألوان الزاهية الجالبة للنظر ، واتخاذها لحاء الأشجار والمفاوز والقفار مقرا وبيوتا لها ، إلى غير ذلك من ألطاف الله التي تحيط بها ، فسبحان الخالق العظيم ما أعظم ألطافه على جميع الكائنات الحية .
  وانبرى الفتح قائلا : جعلت فداك ، وغير الخالق الجليل خالق ؟ فاجابه الإمام ( عليه السلام ) : ان الله تبارك وتعالى يقول : ( تبارك الله أحسن الخالقين ) فقد أخبر ان في عباده خالقين منهم عيسى ابن مريم خلق من الطين كهيئة الطير بإذن الله فصار طائرا بإذن الله ، والسامري خلق لهم عجلا جسدا له خوار . . .
  واعترض الفتح على الامام قائلا : إن عيسى خلق من الطين طيرا دليلا على نبوته ، والسامري خلق عجلا جسدا

---------------------------
(1) سورة المؤمنون / آية 14 .

حياة الإمام علي بن موسى الرضا عليه السلام _ 278 _

  انقض نبوة موسى ( عليه السلام ) ، وشاء الله أن يكون ذلك كذلك ؟ إن هذا لهو العجب ! ! .
  وأجابه الامام ببالغ الحجة قائلا : يا فتح إن الله إرادتين ومشيئتين : إرادة حتم وإرادة عزم ، ينهى وهو يشاء ، ويأمر وهو لا يشاء ، أوما رأيت أنه نهى آدم وزوجته عن أن يأكلا من الشجرة ، وهو يشاء ذلك ، ولو لم يشأ لم يأكلا ، ولو أكلا لغلبت مشيئتهما مشيئة الله وأمر إبراهيم بذبح ابنه إسماعيل ، وشاء أن لا يذبحه ، ولو لم يشأ ان لا يذبحه لغلبت مشيئة إبراهيم مشيئة الله عزوجل . . .
  وفند الإمام ( عليه السلام ) شبهة الفتح ، وذلك بتقسيمه إرادة الله تعالى إلى قسمين : إرادة عزم ، وهي الإرادة التشريعية التي يسميها علماء الكلام ، وهي عبارة عن أوامر الله تعالى ونواهيه لعباده التي فيها توازنهم وصلاحهم في سلوكهم في هذه الحياة ، ولا يستحيل فيها تخلف المراد عن الإرادة ، فقد يطيع العبد وقد يعصي .
  القسم الثاني .   من الإرادة.
  وهي الإرادة الحتمية التي يسميها المتكلمون بالإرادة التكوينية ويستحيل في هذه الإرادة أن يتخلف عنها المراد فإنه تعالى إذا قال للشئ كن فيكون ، وقصة آدم وإبراهيم ( عليهما السلام ) انما هي من النوع الأول من الإرادة . . .
  وقد بهر الفتح بكلام الامام وراح يقول : فرجت عني فرج الله عنك غير أنك قلت : السميع البصير هل هو سميع بالاذن بصير بالعين ؟
  فأجابه الامام : إنه ـ اي الله ـ يسمع بما يبصر ويرى بما يسمع بصير لا بعين مثل عين المخلوقين وسميع لا بمثل سمع السامعين لكن لما لم يخف عليه خافية من أثر الذرة السوداء على الصخرة الصماء في الليلة الظلماء تحت الثرى والبحار قلنا : بصير لا بمثل عين المخلوقين ، ولما لم يشتبه عليه ضروب اللغات ، ولم يشغله سمع عن سمع قلنا : سميع لا مثل سمع السامعين . . .
  وأزاح الإمام ( عليه السلام ) الشبهة عن الفتح ، وأوضح له ان بصر الله تعالى وسمعه ليسا على غرار سمع الانسان وبصره ، وطفق الفتح يقول للامام :

حياة الإمام علي بن موسى الرضا عليه السلام _ 279 _

  جعلت فداك بقيت مسألة ؟ .
  هاتها . . .
  قلت : يعلم القديم ، الشئ ، الذي لم يكن أن لو كان كيف كان يكون ؟ . . . فقال ( عليه السلام ) : اما سمعت الله يقول : ( لَوْ كَانَ فِيهِمَا آلِهَةٌ إِلَّا اللَّهُ لَفَسَدَتَا ) (1) وقوله : ( وَلَعَلَا بَعْضُهُمْ عَلَى بَعْضٍ ) (2) وقال : يحكي قول أهل النار : ( أَخْرِجْنَا نَعْمَلْ صَالِحًا غَيْرَ الَّذِي كُنَّا نَعْمَلُ ) (3) وقال : ( وَلَوْ رُدُّواْ لَعَادُواْ لِمَا نُهُواْ عَنْهُ ) (4) فقد علم الشئ الذي لم يكن أن لو كان كيف كان يكون . . .
  وبهر الفتح بعلم الإمام ( عليه السلام ) واحاطته بهذه المسائل الكلامية المعقدة ، وقد حاول أن يقبل يد الامام ورجله ، فلم يمكنه من ذلك فقبل رأسه الشريف ، وخرج وهو جذلان مسرور لان الامام أزال عنه ما يختلج في نفسه من الشكوك والأهام (5) .
  وقد أحاط الإمام ( عليه السلام ) في حديثه مع الفتح بكثير من قضايا التوحيد ، وأوضح الغوامض من مسائله .
  حقيقة التوحيد :
  وأدلى الإمام ( عليه السلام ) ببعض الأحاديث عن حقيقة التوحيد كان منها ما يلي :
  1 ـ مسألة محمد بن يزيد عن التوحيد فأملى عليه ما يلي :
  الحمد لله فاطر الأشياء انشاء ومبتدعها ابتداء بقدرته وحكمته لا من شئ فيبطل الاختراع ، ولا لعلة فلا يصح الابتداع ، خلق ما شاء كيف شاء متوحدا بذلك الاظهار حكمته ، وحقيقة ربوبيته لا تضبطه العقول ، ولا تبلغه الأوهام ، ولا تدركه الابصار ، ولا يحيط به مقدار ، عجزت دونه العبارة وكلت دونه الابصار ،

---------------------------
(1) سورة الأنبياء / آية 22 .
(2) سورة المؤمنون / آية 91 .
(3) سورة فاطر / آية 37 .
(4) سورة الأنعام / آية 28 .
(5) التوحيد ( ص 60 ـ 65 ) .

حياة الإمام علي بن موسى الرضا عليه السلام _ 280 _

  وضل فيه تصاريف الصفات احتجب بغير حجاب محجوب ، واستتر بغير ستر مستور عرف بغير رؤية ، ووصف بغير صورة ، ونعت بغير جسم لا إله إلا الله الكبير المتعال . . .
  وحكى هذا الحديث الشريف القدرة البالغة للخالق العظيم الذي فطر الأشياء ، وأنشأها لا من شئ ، ولا من مثال سبقها فسبحانه ما أعظمه لا تدركه الابصار ولا تحيط به الأوهام ، ولا تحيط بكنه عظمته الألفاظ .
  2 ـ وتشرف بمقابلة الإمام ( عليه السلام ) محمد بن عيسى بن عبيد فسأله الامام : ما تقول : إذا قيل لك اخبرني عن الله عزوجل شئ هو أم لا ؟ . . .
  فأجابه محمد جواب العالم الخبير قائلا : قد أثبت الله عزوجل نفسه شيئا حيث يقول : ( قُلْ أَيُّ شَيْءٍ أَكْبَرُ شَهَادةً قُلِ اللّهِ شَهِيدٌ بِيْنِي وَبَيْنَكُمْ ) (1) فأقول : انه شئ لا كالأشياء إذ في نفي الشيئية عنه ابطاله ونفيه .
  واستحسن الامام جوابه فقال له : صدقت وأصبت ، وأضاف الامام قائلا : للناس في التوحيد ثلاثة مذاهب : نفي وتشبيه ، واثبات بغير تشبيه فمذهب النفي لا يجوز ، ومذهب التشبيه لا يجوز ، لان الله تبارك وتعالى لا يشبهه شئ ، والسبيل هي الطريقة الثالثة اثبات بلا تشبيه . . . (2) .
  قدرة الله :
  سأل محمد بن عرفة الإمام ( عليه السلام ) السؤال التالي : خلق الله الأشياء بالقدرة أم بغير القدرة ؟ . . . (3) .
  فأجابه الامام : لا يجوز أن يكون خلق الأشياء بالقدرة لأنك إذا قلت : خلق الأشياء بالقدرة فكأنك جعلت القدرة شيئا غيره ، وجعلتها آلة له بها خلق الأشياء ، وهذا شرك ، وإذا

---------------------------
(1) سورة الأنعام / آية 19 .
(2) التوحيد ( ص 107 ) .
(3) التوحيد ( ص 130 ) .

حياة الإمام علي بن موسى الرضا عليه السلام _ 281 _

  قلت : خلق الأشياء بقدرة ، فإنما تصفه أنه جعلها باقتدار عليها وقدرة ولكن ليس هو بضعيف ، ولا عاجز ، ولا يحتاج إلى غيره .
  ومعنى كلام الإمام ( عليه السلام ) ان الله تعالى قادر ، وهذه الصفة عين ذاته ، ولم يخلق الأشياء بقدرة خارجة عن ذاته ، فان جميع صفاته الكريمة عين ذاته حسب ما دلل عليه في علم الكلام .
  وقد اكد الإمام ( عليه السلام ) ذلك في كلامه سبحان من خلق الخلق بقدرته ، وأتقن ما خلق بحكمته ، ووضع كل شئ منه موضعه بعلمه ، سبحان من يعلم خائنة الأعين ، وما تخفي الصدور ، وليس كمثله شئ وهو السميع البصير (1) .
  قدم الخالق العظيم وصفاته :
  من البحوث المهمة التي أدلى بها الإمام ( عليه السلام ) هي قدم الخالق العظيم وصفاته ، قال ( عليه السلام ) لبعض أصحابه :
  اعلم علمك الله الخير ان الله تبارك وتعالى قديم والقدم صفته التي دلت العاقل على أنه لا شئ قبله ولا شئ معه في ديموميته فقد بان لنا باقرار العامة معجزة الصفة انه لا شئ قبل الله ولا شئ مع الله في بقائه وبطل قول من زعم أنه كان قبله أو كان معه شئ وذلك أنه لو كان معه شئ في بقائه لم يجز أن يكون خالقا له لأنه لم يزل معه ، فكيف يكون خالقا لمن لم يزل معه ، ولو كان قبله شئ كان الأول ذلك الشئ لا هذا ، وكان الأول أولى بأن يكون خالقا للأول .
  ثم وصف نفسه تبارك وتعالى بأسماء دعا الخلق إذ خلقهم وتعبدهم ، وابتلاهم إلى أن يدعوه بها ، فسمي نفسه سميعا بصيرا ، قادرا : قائما ، ناطقا ، ظاهرا ، باطنا ، لطيفا خبيرا قويا ، عزيزا ، حكيما ، عليما ، وما أشبه هذه الأسماء فلما رأى ذلك من أسمائه القالون المكذبون ، وقد سمعونا نحدث عن الله ، انه لا شئ مثله ، ولا شئ من الخلق في حاله .
  قالوا : أخبرونا إذا زعمتم انه لا مثل لله ، ولا شبه له ، كيف شاركتموه في أسمائه الحسنى فتسميتم بجميعها ، فان في ذلك دليلا على أنكم مثله في حالاته كلها أو في بعضها دون بعض إذ جمعتم الأسماء الطيبة ؟

---------------------------
(1) التوحيد ( ص 137 ) .

حياة الإمام علي بن موسى الرضا عليه السلام _ 282 _

  قيل لهم : ان الله تبارك وتعالى الزم العباد أسماء من أسمائه على اختلاف المعاني ، وذلك كما يجمع الاسم الواحد معنيين مختلفين ، والدليل على ذلك قول الناس الجائز عندهم الشائع ، وهو الذي خاطب الله به الخلق فكلمهم بما يعقلون ليكون عليهم حجة في تضييع ما ضيعوا ، فقد يقال للرجل : كلب ، وحمار وثور ، وسكرة ، وعلقمة ، وأسد ، كل ذلك علي خلافه وحالاته لم تقع الأسامي على معانيها التي كانت بنيت عليها لان الانسان ليس بأسد ، ولا كلب ، فافهم ذلك رحمك الله.
  وانما سمي الله تعالى بالعلم (1) بغير علم حادث علم به الأشياء ، استعان به على حفظ ما يستقبل من أمره والروية فيما يخلق من خلقه ، ويفسد ما مضى مما افنى من خلقه ، مما لو لم يحضره ، ويغيبه كان جاهلا ضعيفا كما انا لو رأينا علماء الخلق انما سموا بالعلم لعلم حادث (2) إذ كانوا فيه جهلة ، وربما فارقهم العلم بالأشياء فعادوا إلى الجهل ، وانما سمي الله عالما لأنه لا يجهل شيئا ، فقد جمع الخالق والمخلوق اسم العالم ، واختلف المعنى على ما رأيت .
  وسمي ربنا سميعا لا بخرق فيه يسمع الصوت ، ولا يبصر به كما أن خرقنا الذي به نسمع لا نقوى به على البصر ، ولكنه أخبر انه لا يخفى عليه شئ من الأصوات ، ليس على حد ما سمينا نحن ، فقد جمعنا الاسم بالسمع ، واختلف المعنى وهكذا البصر لا بخرق منه أبصر ، كما انا نبصر بخرق منا لا ننتفع به في غيره ، وهكذا البصر لا بخرق منه أبصر ، كما انا نبصر بخرق منا لا ننتفع به في غيره ، ولكن الله بصير لا يحتمل (3) شخصا ، منظورا إليه ، فقد جمعنا الاسم واختلف المعنى وهو قائم ليس على معنى انتصاب وقيام على ساق في كبد كما قامت الأشياء ولكن قائم (4) يخبر أنه حافظ كقول الرجل : القائم بأمرنا فلان .
  والله هو القائم على كل نفس بما كسبت ، والقائم أيضا كلام الناس : الباقي ، والقائم أيضا يخبر عن الكفاية ، كقولك للرجل قم بأمر بني فلان أي أكفهم ، والقائم منا قائم على ساق ، فقد جمعنا الاسم ، ولم يجمعنا المعنى وأما اللطيف فليس على قلة وقصافة وصغر ، ولكن ذلك على النفاذ في الأشياء ، والامتناع من أن يدرك كقولك للرجل : لطف عني هذا الامر ،

---------------------------
(1) في نسخة بالعالم وهو الأصح .
(2) في التوحيد سموا بالعالم لعلم حادث إذ كانوا قبله جهلة .
(3) في التوحيد لا يجهل شخصا .
(4) في التوحيد ولكن أخبر أنه قائم يخبر أنه حافظ .

حياة الإمام علي بن موسى الرضا عليه السلام _ 283 _

  ولطف فلان في مذهبه ، وقوله : يخبرك أنه غمض فيه العقل ، وفات الطلب ، وعاد متعمقا ، متلطفا لا يدركه الوهم ، فكذلك لطف الله تبارك وتعالى عن أن يدرك بحد أو يحد بوصف ، واللطافة منا الصغر والقلة ، فقد جمعنا الاسم واختلف المعنى .
  وأما الخبير فالذي لا يعزب عنه شئ ، ولا يفوته ، ليس للتجربة ، ولا للاعتبار بالأشياء ، فعند التجربة والاعتبار علمان ولولاهما ما علم لان من كان كذلك كان جاهلا ، والله لم يزل خبيرا بما يخلق الخبير من الناس المستخبر عن جهل المتعلم ، فقد جمعنا الاسم ، واختلف المعنى وأما الظاهر فليس من أجل أنه علا الأشياء بركوب فوقها ، وقعود عليها وتسنم لذراها ، ولكن ذلك لقهره ولغلبته الأشياء وقدرته عليها كقول الرجل :
  ظهرت على أعدائي ، وأظهرني الله على خصمي ، يخبر عن الفلج والغلبة فهكذا ظهور على الأشياء ، ووجه آخر انه الظاهر لمن أراده ، ولا يخفى عليه شئ وانه مدبر لكل ما برأ ، فأي ظاهر أظهر وأوضح من الله تبارك وتعالى لأنك لا تعدم صنعته حيثما توجهت ، وفيك من آثاره ما يغنيك ، والظاهر منا البارز بنفسه ، والمعلوم بحده فقد جمعنا الاسم ولم يجمعنا المعنى .
  وأما الباطن فليس على معنى الاستبطان للأشياء بأن يغور فيها ولكن ذلك منه على استبطانه للأشياء علما وحفظا وتدبيرا كقول القائل : أبطنته : يعني خبرته ، وعلمت مكتوم سره ، والباطن منا الغايب في الشئ المستتر وقد جمعنا الاسم واختلف المعنى واما القاهر فليس على معنى علاج ونصب واحتيال ، ومدارة ومكر كما يقهر العباد بعضهم بعضا ، والمقهور منهم يعود قاهرا والقاهر يعود مقهورا ، ولكن ذلك من الله تبارك وتعالى على أن جميع ما خلق ملبس به الذل لفاعله ، وقلة الامتناع لما أراد به ، لم يخرج منه طرفة عين ، أن يقول له : ( كن فيكون ) والقاهر منا على ما ذكرت ووصفت ، فقد جمعنا الاسم واختلف المعنى ، وهكذا جميع الأسماء ، وإن كنا لم نستجمعها كلها فقد يكتفي الاعتبار بما ألقينا إليك ، والله عونك وعوننا في ارشادنا وتوفيقنا . . . (1) .
  وحفلت هذه الرسالة بالاستدلال على قدم الخالق العظيم المبدع والمكون

---------------------------
(1) أصول الكافي 1 / 120 ـ 123 .

حياة الإمام علي بن موسى الرضا عليه السلام _ 284 _

  للأشياء على اختلاف أنواعها ، كما حفلت بذكر بعض أسماء الله تعالى ، وانها وإن أطلقت على الانسان إلا ان المعنى مختلف ، فاطلاقها على الله غير اطلاقها على الانسان المفتقر إلى الله تعالى في جميع شؤونه وأحواله ومن الجدير بالذكر ان هذه الرسالة وصفها الكليني بأنها مرسلة ، وليست بمسندة .
  نزاهة الخالق عن المكان :
  وتنزه الخالق العظيم عن المكان والزمان اللذين هما من لوازم الموجودات التي تستند في وجودها إلى الله تعالى .
  وقد خف رجل من وراء نهر بلخ نحو الإمام الرضا ( عليه السلام ) فقال له : إني أسألك عن مسألة فان أجبتني فيها بما عندي قلت بإمامتك . . .
  سل عما شئت . . .
  وعرض مسألته على الامام قائلا : أخبرني عن ربك متى كان ؟ وكيف كان اعتماده ؟ . . .
  واجابه الامام ببالغ الحجة قائلا : ان الله تبارك وتعالى أين الأين بلا أين ، وكيف الكيف بلا كيف ، وكان اعتماده على قدرته . . .
  ان الله تعالى هو الذي أوجد المكان والزمان فهما من مخلوقاته فكيف يتصف بهما ؟
  وبهر الرجل من جواب الامام وسارع فقبل رأسه وقال : أشهد أن لا إله إلا الله ، وأن محمدا رسول الله وان عليا وصي رسول الله ، والقيم بعده بما أقام به رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) ، وانكم الأئمة الصادقون ، وانك الخلف من بعدهم (1) .
  لقد كان الامام من مصادر الهداية والنور في الأرض فأشاع في عصره الايمان بالله ، وأقام الحجة على الخلق .
  امتناع رؤية الله :
  وكتب محمد بن عبيد إلى الإمام الرضا ( عليه السلام ) يسأله عن الرؤية ـ أي رؤية الله تعالى ـ وما ترويه العامة والخاصة في ذلك ، وسأل الامام أن يشرح له ذلك فكتب الامام إليه الرسالة التالية :

---------------------------
(1) أصول الكافي 1 / 88 .