تقارير وإحصاءات

  نشرت مجلة ( مكولنر ) الأمريكية مقتطفات من تقرير عن الحمل والولادة والإجهاض في أمريكا ، وقد وجاء فيه :
  ( إن واحدة من من كل عشر سيدات أمريكيات تحمل قبل الزواج ، وإن حالات الحمل هذه ـ ما لم تؤد إلى زواج سريع ـ تنتهي إلى الإجهاض الصناعي بنسبة (89) في المائة ، وإلى الولادة غير الشرعية بنسبة (6) في المائة وإلى الإجهاض الطبيعي بنسبة (5) في المائة ) .
  وأضاف التقرير : ( أن من بين جمع النساء الأمريكيات ، اللأتي على قيد الحياة الآن ، وتقع أعمارهن في الفترة الصالحة لحمل . . من بين هؤلاء جميعاً واحدة كل سبع تعرضت ، أو ستتعرض لإجهاض صناعي قبل الزواج ، وإن معظم السيدات غير المتزوجات اللأتي يعرّضن للإجهاض ، يباشرن العلاقات الجنسية بعد ذلك ، ولا يتوقفن ، منهن عن ممارستها سوى (3) في المائة ، وإن (19) في المائة فقط من السيدات الأتي يحملن قبل الزواج يتزوجن أثناء الحمل ، ولكن نصف هذه الزيجات يمنى بالفشل ، وإنه كلما كانت المرأة متدينة كلما كانت أقل تعرضاً للحمل قبل الزواج ) .
  قرأت هذا الإحصاء الخطر المفزع ، في العدد السابع من السنة الثامنة من مجلة ( المسلم ) المصرية ، وقرأته كذلك في العدد الرابع من السنة العاشرة من مجلة ( رسالة الإسلام ) ، وقرأت في المصدر الأول .

العفاف بين السلب والإيجاب   ـ 78 ـ

  ( أذاعت وكالة رويتر هذه البرقية : حول طلبة جامعة جورجيا الأمريكية إقتحام عنابر النوم الخاصة بالطالبات للمرة الثانية ، وقد إعترض البوليس طريقهم ، فثاروا وقاموا مظاهرة ) .
  نعم ؛ وفي المجلة ذاتها ، وفي العدد نفسه ، نبأ ثالث لا أستحب ذكره لإنه أمض ألماً ، وأنكى جرحاً ! .
  وفي العدد السادس من سنتها المذكورة :
  ( تبين الإحصاءات الأمريكية الرسمية أن عدد الجرائم الخلقية اليومية لا تقل عن ( 7662 ) جريمة يومياً ـ طبعاً نتيجة للإختلاط ـ ) ، وهذه الكلمة هي تعليق المجلة على الإحصاء المذكور .
  وفي جريدة الشعب المصرية ، في عددها الصادر في 26 / 9 / 1958 م ، تحت عنوان ( نقطة بوليس في كل مدرسة في نيويورك ) ـ :
  ( زادت موجة الإنحلال في أمريكا بصورة مفزعة . . أصبحت المدارس والمعاهد مرتعاً خصيباً للشذوذ الجنسي ، تحول التلاميذ والتلميذات إلى مدمني خمر ، وسفاكي دماء ! ! ، المسدسات والمدى والسكاكين في جيوب الطلبة ، وعلب السجائر وأقراص منع الحمل في حقائب الطالبات .
  ولم يعد الأمر يحتمل السكوت ، ولذلك قامت إحدى الهيئات القضائية لبحث جرائم طلاب المدارس في ( نيويورك ) ، وأوصت بتعيين رجل بوليس في كل مدرسة بصورة مستديمة ، للحد من نشاط عصابات الطلبة المنتشرة في في المدارس .
  وقد أبدى بعض رجال القضاء مخاوفهم من إحتمال إنسياق رجل البوليس مع الطلاب والطالبات في صخبهم الذي لا يعترف بالحدود ) .

العفاف بين السلب والإيجاب   ـ 79 ـ

  وقد وقرأت في كتاب ( الحجاب ) ، للأستاذ أبى الأعلى المودودي ( ص 125 ) :
  ( جاء في تقرير طبيب من مدينة ( بالتي مور ) : أنه قد رفع إلى المحاكم في تلك المدينة أكثر من ألف مرافعة في سنة واحدة ، كلها في إرتكاب الفاحشة مع صبايا دون الثانية عشر من العمر ) .
  وفي كتاب ( الحجاب ) ، صفحة : (128) :
  ( ومما يخمنه القاضي ( لندسي ) الأمريكي : أن خمسة و أربعين في المائة من فتيات المدارس يدنسن أعراضهن قبل خروجهن منها ، وترتفع هذه النسبة كثيراً في مراحل التعليم التالية ، فيكتب ـ يعني القاضي ( لندسي ) : ـ أن طالباً في مدرسة ثانوية تكون عواطفه دون عواطف الطالبة شدةً وإلتهاباً ، فالصبية هي التي تقدم أبداً وتأمر ، وما يعفل الصبي إلا أن يتبع ويأتمر ) .
  وفي المصدر ذاته ( ص : 132 ) :
  ( ويقول كاتب إصلاحي شهير : إن ثلث الطبقة المتزوجة في نيويورك لا يلتزمون الوفاء في تبعاتهم الزوجية ، مما يتعلق بإخلاقهم وأجسادهم ، ولا تختلف حال نيويورك في هذا الباب عن المدن الأخرى . . . ) .
  وفي الصفحة : ( 133 ) من الكتاب نفسه .
  ( ويعلم من دائرة المعارف البريطانية أنه يعالج في المستشفيات الرسمية هناك ( القطر الأمريكي ) مائتا ألف مريض بالزهري ، ومائة وستون ألف مصاب بالسيلان البني في كل سنة ـ بالمعدل ـ ، وقد إختص بهذه الأمراض الجنسية ـ وحدها ـ ستمائة وخمسون مستشفى ، على أنه يفوق هذه المستشفيات الرسمية نتائج الأطباء غير الرسميين ، الذين يراجعهم 61 في المائة من مرض الزهري ، و 89 في المائة من مرض السيلان ) (1) .

**************************************************************
(1) ـ نقل هذا النص عن ( ص : 45 ) من الجزء الثالث والعشرين من دائرة المعارف البريطانية .

العفاف بين السلب والإيجاب   ـ 80 ـ

  وفي الصفحة ( 101 ) من ( كتاب علم النفس الجنسي ) ، تأليف الأستاذ ( أوسفلد شفارتس ) ـ العالم النمساوي الشهير ـ ، وتعريب شعبان بركات ، عن مقال نشرته مجلة ( لانست ) :
  ( يبلغ عدد النساء اللواتي حملن بين عامي ( 1938 ـ 1943 ) من علاقة عدا علاقة الزواج ( 80000 ) إمرأة ، بمعدل الثلث في أول حمل .
  ويمكننا أن نقول : أن لإمرأة من كل عشر نساء علاقة جنسية خارج الزواج ، ولقد كانت في عام ( 1938 ) ( 40 في المائة ) من الفتيات اللواتي تزوجن قبل سن العشرين حاملات ، و ( 30 في المائة ) من اللواتي تزوجن في سن الواحد والعشرين ، ولا تمثل هذه الأرقام التي تتعلق بسنتين من سنوات قبل الحرب إلا عدد العلاقات القائمة فعلياً ، ولا شك أنه كان بإمكان التربية الجنسية الصحيحة أن تحول دون ولادة عدد ضخم من الـ ( 480000 ) طفل الذين ولدوا بالرغم من من إرادة آبائهم ) .
  وفي جريدة الشعب المصرية ، في عددها الصادر في 29 / 6 / 1958 .
  ( وقت الغروب في شارع ( سبورتج ) في لندن ، ترى الفتى والفتاة يسيران جناباً إلى جنب ، وقد تشابكت الأيدي . . . ولكن ( مارلين ) فتاة الحسناء التي لم يبلغ من عمرها خمسة عشر عاماً ، وهي طالبة بمدرسة ( لاسان ) الثانوية ، شوهدت مع تشارلز الذي لم يبلغ من عمره سبعة عشر عاماً في وضع فاضح . . . أقتيد الفتى والفتاة إلى مركز البوليس ، ثم إلى محكمة الاحداث .

العفاف بين السلب والإيجاب   ـ 81 ـ

قالت الفتاة : إنها لم تفعل شيئاً غريباً ، ولكنها فقط أرادت أن تقضي وقتاً ممتعاً ، وهي لم تأت بجديد ، لقد سبق لها وزميلاتها في المدرسة المختلطة أن مررن بمثل هذه المغامرات ، فهي بالنسبة لهن شيء عادي ، وقد سبق لها عدة إتصالات جنسية مع زملائها الطلبة ، وغير زملائها ، في أماكن مختلفة . . .
  ولم يتعجب القاضي لإعترافات الفتاة ، وذلك أنها لم تكن الحادثة الاولى من نوعها ، بل أنه ينظر في عشرات الجرائم من هذا النوع يومياً .
  وقال القاضي : ان هذه ظاهرة خطيرة ، تهدد كيان المجتمع الإنجليزي .
  وقال القاضي : لقد إنتشر الإنحلال والإجرام بين أوساط الطلبة والطالبات .
  وقدم القاضي تقريراً إلى المسؤولين ، لكي يكونوها حذرين من نتائج هذه الجرائم ، وطالبهم بالعلاج السريع ، كما قدم تقريراً للمدرسة ، وأخبرها فيه : أن معظم الطالبات في المدرسة قد فقدن أعزّ ما تملك الفتاة ) .
  وقرأت في كتاب محمد الغزالي ( نظرات في القرآن ) في ( ص : 193 ) فما بعدها ( مأساة الأخلاق في السويد )(1) .
أهذا ما يريده دعاة التبرج للشرق المسلم ؟
   . . . قرأت هذه الأنباء المزعجة المحزنة ، المهدد للكيان البشري ، وقرأت أضعافها في مصادر اخرى ، وفي امكنة أخرى من بعض هذه المصادر ، ولعل القارىء إطلع على عدد وافر منها .

**************************************************************
(1) ـ ينقل المؤلف في هذا الكتاب مقالاً بعنوان ( مأساة الأخلاق في السويد ) ، نشرته مجلة التايم الأمريكية لمراسلها في السويد ( جودفاد براون ) .

العفاف بين السلب والإيجاب   ـ 82 ـ

   . . . تلوت هذه الأنباء ، ثم وقفت اتساءل :
  أهذا هوما يبتغيه لنا دعاة التبرج والإختلاط من اصحابنا ؟ ! .
  أو لهذه النتائج المؤسفة يدعون ويحبذون ، ويفرطون في دعوتهم ، ويفرطون في تحبيذهم ؟ ! .
  أما لنا في هذه التجارب ـ التي مر بها سوانا عبرة ـ ؟ ! .
  أو ليس فيها ما يحملنا على ان نتأمل في الأمر قبل أن ننطلق ؟ ! .
  ثم تساءلت ، وسألت من معي :
  لماذا كل هذه الإحصاءات الدقيقة ، وكل هذه التقارير المتنوعة ، وكل هذا الإهتمام البالغ ، من الحكومات الرسمية في بلاد الغرب ، وفي بلاد امريكا ، ومن المعاهد المؤسسة هناك لضبط هذه النواحي ، ومن المحاكم المعدة للحد من هذه الجرائم ؟ .
  بل ولماذا يدعونها جرائم ومشاكل ، ويرومون لها حدوداً ، ويطلبون لها حلولاً ، ويؤسسون لذلك المؤسسات ، ويقيمون له المحاكم ؟ ! .
   . . . لماذا يقع كل هذا في بلاد الغرب ، وفي بلاد أمريكا ، إذا كانت القيم والمعنويات تعد من الامور التافهة ، في تلك البلاد ـ كما يقول دعاة التحرر عندنا ـ ؟ ! .
   . . . ثم لماذا تحدث هذه الجرائم الخلقية هناك ، ويكون صدورها بهذه الكثرة وهذا الإنتشار ، إذا كان الإختلاط يوجب التصرف النظيف ـ كما يزعم دعاة الإختلاط ـ ؟ ! .
  لعل أصحابنا رقود وهم يدعون إلى هذه الفضائح ! .
  ولعل فتياتنا غافلات عما يراد بهن ، وهن يصغين إلى هذا الدعاء ! . . .
  ولعل بعضهن مخدوعات وهن يهتفن بذلك مع الهاتفين ، ويرجفن مع الراجفين ! .
  رحماك اللهم رحماك ، ماذا يريدون بالمرأة المسكينة ؟ ! .
  إنهم يخادعونها عن أكرم خلة فيها ، وأعز شيء عليها ! .
  إنهم يخادعونها عن حيائها ، وعن دينها ، وعن . . . عفافها .

العفاف بين السلب والإيجاب   ـ 83 ـ

مـا موقـف ديـن الله ؟

  وقدة شديدة لا تخمد ، ولا تعرف بذاتها الإعتدال .
  في الفتى وفي الفتاة معاً ، دون فارق إلا في شدة الحياء .
  وعقل مراهقة لم ينضج ـ بعد ـ ولم يشتد أزره ولم يصقل حداً ، ولم يفد تجربة .
  يلتقيان ، ويختلطان ، ويسيران على إنفراد ـ وأحب الأحوال إليهما الإنفراد ـ ، ويتبادلان النظر ، ويتشامّان العَرف ، ويتجاذبان الحديث ، وعند كل منهما ما ينشده الآخر .
  والحيـاء ؟ .
  وما قدر ما يبقى الحياء ؟ . . . إن اللقاء العاشر ، أو العشرين ، كفيل بإن يعفي آخر أثر من آثاره ، فما مصيرهما ؟ .
  إما الإستجابة ، فالإنطلاق والتردّي ، وأول ضحية من ضحاياها : ( العفاف ) . . .
  وإما الكبت ، فالعقد والعصاب ، ومن ضحاياها ، الفتى ، وأما الفتاة فهي ضحية على أية حال .
  ودين الله ؟ . . . ما موقفه من ذلك ؟ ، وما هو صانع لهما ، وما وهو الزعيم الجدير بإصلاحهما ؟ .

العفاف بين السلب والإيجاب   ـ 84 ـ

  افيتركهما سدى . . . هكذا ، دون أن يزودهما بطاقة ، أو ينظر أمرهما بحزم ، حتى إذا أحس بداءة المأساة ، أغدق عليهما بالوصايا الممحذّرة : أن لا ينطلقا ، وأن لا ينزلقا ؟ ! .
  إن هذا النوع من العلاج سقيم عقيم ، يضخّ المأساة ، ويضاعف آثارها ، ويضم إلى شعبها الكثيرة شعوراً بالخطيئة ، وإستقذاراً للنفس ، وتبّرماً بالحياة .
  وبعد ؛ فما جدوى وصية تتآزر قوى النفس على خلافها ؟ ! .
  والشباب هو الاساس المكين للرجولة الناضجة ، وللأنوثة الصالحة المثالية ، فلا بد وأن ينظر في امره بجد وحزم ، ولا بد وأن يعمل لصلاحه بنشاط وإهتمام بالغ .
  ما موقف دين الله من ذلك ؟ ، وما هو صانع لهما ، وللمجتمع من ورائهما ؟ ، والإسلام يوقن ـ حق اليقين ـ ، ويثبت ذلك لمن يشاء : إن مأساتها هذه مأساة المجتمع كله ، لا تقف تباعتها وآثارها ، عند حدودها .
  أفليس من الحق ان يأخذ بالحيطة للأمر ، وأن يعالحج المعضلة في المنبع قبل المصب ؟ .
  أليس من الحكمة أن يأمر الفتاة بإن تدني عليها من جلبابها لتعرف فلا تؤذى ، ولا تمس كرامتها بسوء ، ولا تمد إلى عفافها يمين ولا يسار ؟ .

العفاف بين السلب والإيجاب   ـ 85 ـ

   . . . وأن يزود الفتى والفتاة بطاقة كبيرة من العقيدة ، وحصانة منيعة من الإيمان ، ثم يأمرهما بغضّ البصر عما لا يحلّ ، وبحفظ الفرج عما لا يجوز ، ويحدد لهما سبلاً نظيفة لسد هذه الضرورة ، ويضع لهما منهجاَ سوياً لتهذيب الغريزة ؟ .
  أليس هذا هو الطريق المجدي في العلاج ؟ .
  الطريق الذي يبتعد بالفتاة وبالفتى عن الكبت ، ويؤمنهما من الإنزلاق ؟ ، ويضمن لهما ـ وللمجتمع من وراؤهما ـ الحياة الهانئة ، والمعيشة الراضية .
  ومن مميزات دين الإسلام : أنه يستبطن النفس ، ويتغلغل في اعماقها ، ليقتلع الداء من جذوره ، ويستخلص الحكم من من منابعه الأصيلة في كل طبع ، الثابتة لكل إنسان ، حتى إذا إنتزع حقائقه من هذه الأصول ، وأقامها على هذه الأسس ، لم تختلف في بيئة ـ أبداً ـ ، ولم تتغير في زمان .
  وهذه خاصة الإسلام ، التي تحدى بها قوانين الدنيا كافة ، فلم تستطع أن تقف امامه على قدم ، ولم تملك إلا أن تلوى أعناقها له بالخضوع .

العفاف بين السلب والإيجاب   ـ 86 ـ

النشـاط الحيـوي في الإنسـان

  والإنسان ـ على ما يقول العلم التجريبي الحديث ، ـ مجموعة ضخمة من الأجهزة والأنسجة ، والطباع والقوى ، والغرائز والمشاعر ، والأحاسيس والأشواق ، والعواطف والإنفعالات ، وغير ذلك مما يطول به العد ، ويدهش له الفكر .
  وهو ـ لهذه المجموعة الضخمة من العوامل مظهر لحركة حيوية دائبة ونشاط عملي مستمر بحيث لن تقر له ـ ما دامت الحياة فيه ـ حركة ولا يفتر له نشاط حتى في اوقات نومه وفي ساعات هدوئه وإستجمامه .
  إنه يبدوا للرائي ـ في تلك الساعات ـ ساكن الجسم ، هادىء الحركة ، ولكن خلايا جسمه ، ودقائق عناصره ، ونشاط اجهزته ، وإفرازات غدده في حركة دائبة ، وفي جد متواصل .
  فأجهزة تكوين الخلايا في جسمه تنشىء وتجدد ، وقوى البناء في انسجته تؤلف وتبني ، وأجهزة النشاط الحيوي فيه تستهلك ، وتفني ، وقوى التطهير فيه تدفع الخلايا المحترقة ، وتبعد المواد الضارة .
  وقد اثبت العلم ان أي عمل يقوم به الإنسان ـ ولو كان عملاً صغيراً طفيفاً ـ يستوجب إستهلاك عدد كبير من الخلايا المتنوعة ، وإن عودة الجسم إلى حالته الطبيعية الأولى ، تتوقف على أن يتجدد له مثل ما أستهلك في عمله من الخلايا .

العفاف بين السلب والإيجاب   ـ 87 ـ

  ومن المقرر الثابت كذلك ، والذي لا يرتاب فيه العلماء التجريبيون : أن الإنسان متى أغرق في ناحية خاصة من نواحي نشاطه ، بحيث تجاوز حد الإعتدال فيها ، فلا بد وان يبدو النقص عليه ، وفي ناحية او نواحي أخرى منه .
  ذلك أن أجهزة تكوين الخلايا في الإنسان إنما تنشىء منها بقدر . . .
  بقدر ضرورة الإنسان ، وبقدر ما يستدعيه بقاؤه وأستواؤه .
  فإذا إستهلكت ناحية منه اكثر مما تستوجب ، فلا محيد من أن هذه الزيادة فيها على حساب نواحيه الأخرى ، ولا محيد من ان يظهر النقص على هذه النواحي .
  ومن المقرر ـ الذي لا يرتابون في ثبوته أيضاً ـ ان الإفراط في الناحية الجنسية له تاثير مباشر كبير في عرقلة النشاط العقلي على الخصوص ، وقد قالوا :
  ( إن العقل يحتاج إلى وجود غدد جنسية حسنة النمو ، وكبت مؤقت للشهوة الجنسية ، حتى يستطيع ان يبلغ منتهى قوته . . . )(1) .
  كل هذا ثابت ، وقد قرره العلم ، ولم يبق فيه مجال لريبة ، ولا موضع لجدل ، فكان من حق الإسلام أن ينظم نشاط هذه الغريزة ، وأن يحدد من جماحها ، حفظاً للتوازن في الإنسان ، ومعادلة ما بين طاقاته وضروراته .
  وكان من حق الإسلام ان يتدخل في امر الغريزة ، إنقاذاً للقوة العقلية من الضعف ، وصوناً للنشاط العقلي من التردي والإنهيار .

**************************************************************
(1) ـ إنظر ص : 174 من كتاب ( الإنسان ذلك المجهول ) ، تأليف : الدكتور ( الكسيس كاريل ) العالم الفرنسي المعروف ، وتعريب : شفيق أسعد فريد .

العفاف بين السلب والإيجاب   ـ 88 ـ

  كان من حقه أن يضع لهذه الغريزة الجامحة نظاماً كاملاً عادلاًَ ، يقيها من الكبت ، ويصونها من الإنطلاق ، ويحفظها عن التأرجح ، ليفي للمرء بجميع ضروراته ، ويوازن بين جميع غرائزه ، وليتجه به متوازن القوى ، مستقيم الطباع ، معتدل الأخلاق والأعمال والملكات . . .
   . . ليتجه به كذلك ـ وحدة متزنة مستقيمة ـ إلى كماله الأعلى ، في داره الأولى ، وفي حياته الأخرى ، ومن أحق من دين الله بهذه النظرة العامة المستوعبة ، وبهذا التشريع القيم الحكيم ؟ .
  وضروري لدين الحياة أن يقوم بهذا الإصلاح للإنسان ، فيؤسس أحكامه على العدل ، ويضبط حركاته وسكناته على التوازن ، وينشىء غرائزه ، وجميع قواه ومشاعره على الإستقامة ، فلا يؤتي ناحية من نواحيه الكثيرة أزيد مما تستحق ، ولا ينقصها شيئاً مما تستوجب ، ولا يدعها هملاً ، تتخبط في أمرها كما تبتغي الأهواء .
  ضروري لدين الله ـ الذي شرعه للأبد ـ أن يقوم بهذا الإصلاح الشامل ، ولا بد وأن تكون هذه ركائزه ، وهذه مميزاته .
  هكذا يجب ان تكون صفة دين الله . .
  نعم ، وهكذا كان ، وهكذا شمل وعمم . .
   فليس الرجل أكثر إختصاصاً به من المرأة ، ولا الشيخ أحق به من الشاب ، ولا الفرد أولى برعايته من الأمة .
  إنه ضرورى ماسة للإنسان ، تقتضيها كل جهاته ، وكل أحواله ، وكل روابطه وعلائقه ، فلا بد منه ، ولا بد من شمول نظرته ، وشمول إصلاحه .
  والعدل التام في جميع انحاء الإنسان ، وبين جميع آحاده ، والموازنة الدقيقة بين ما يجب له من شيء وما يجب عليه من حق . . .

العفاف بين السلب والإيجاب   ـ 89 ـ

  هذا العدل المتكامل ، هو الغاية العظمى التي وضع الله من أجلها الدين ، ورسم خطوطه ، وشرّع مناهجه :
  ( وَتَمَّتْ كَلِمَتُ رَبِّكَ صِدْقًا وَعَدْلاً لاَّ مُبَدِّلِ لِكَلِمَاتِهِ وَهُوَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ . . ) (1) .
  نعم ، وتلك هي التربية الحكيمة ، التي أرادها الله رب العالمين ، وذلك هو قانون الله ، واضع قوانين هذا الكون ، وراسم أنظمة هذه الحياة ، وتلك هي سنته الثابتة في كل شيء مما خلق ، وفي كل قانون مما جعل ، ( وَلَن تَجِدَ لِسُنَّةِ اللَّهِ تَبْدِيلًا ) (2) .
  وقد يفر فارّ من الدين ، وقد يتنكر متنكر لهداياته وتعاليمه ، وقد يرتاب مرتاب في أمره .
   ومبعث هذا التنكر ، وهذه الريبة ، جهل مطبق بمعنى الدين ، وضآلة علم بحقائقه ، وغفلة سادرة عن مصالح يبتغيها الدين له ، ومفاسد كبيرة يقيه الدين إياها .
  نعم ، مبعث ذلك جهل وضآلة علم ، وركوب رأس ، وعبادة اهواء ، وإلا فماذا غير ذلك ؟ .
  ولو أن العاقل الحصيف فكر قليلاً في شؤون نفسه ، وشؤون مجتمعه ، ولو أنه إرتفع قليلاً في تفكيره عن المادة وملابساتها ، وبُعد ـ بنظرته ـ عما بين يديه من شواغل وصوارف . .
  . . أقول : لو أنه صنع ذلك ، ففكر ، ووازن ، وأنصف في تفكيره وموازنته لعَلم ـ حق العلم ـ أن الدين ـ والإسلام من بين الأديان على الخصوص ـ هو النظام الوحيد الذي يُصلح له جميع ذلك ، ولن يصلحه أبداً أي نظام سواه .
  وللموضوع مؤلفات أخرى تعنى بتوضيحه وشرحه .

**************************************************************
(1) ـ الأنعام :115 .
(2) ـ الفتح : 23 .

العفاف بين السلب والإيجاب   ـ 90 ـ

ظاهرة الحياء

  وظاهرة الحياء ؟ ! .
   . . الخاصة التي طبع عليها إبن آدم ، وإنساق نحوها بجبلّته وكان لها الأثر البالغ العميق في بناء أخلاقه ، وفي تكييف سيرته ، وتلوين سلوكه ، وكانت إحدى خصائصه التي إمتاز بها على سائر أنواع الحيوان . .
  هذه الخاصة الفطرية ، التي زود بها الإنسان ، وكان نصيب الأنثى منها أوفر ، وأقوى من نصيب الذكر ، أليست من ركائز الإنسان ، ودعائم سلوكه التي يجب أن تلاحظ في بناء التشريع ، وأن تعين ، لها الحدود الصحيحة في تخطيط الأخلاق ، وأن تحدد آثارها المحمودة والمذمومة في مجال السلوك ؟ .
  ليكن الحياء غريزة من غرائز الإنسان ـ كما يقول بعضهم ـ ، أو إنفعالاً نفسياً من إنفعالاته ، ـ كما يرى آخرون ـ ، أو اي شيء آخر يتعلق بنفس الإنسان ، فإنه ـ على أي حال ـ شعور فطري أصيل ، وله آثاره العميقة ، ولا بد من ملاحظته ، والعناية بإمره ، ولا بد من تعيين ، حدوده ـ ولا مساغ لإهماله .
  أما أن الحياء ظاهرة فطرية أصيلة ، فهذا امر بمنتهى الجلاء ، ولم يتردد ، فيه حتى إنسان الغابات ، أبعد الناس أجمعين عن المدنيات ، وعن التأثر بها . .

العفاف بين السلب والإيجاب   ـ 91 ـ

  لم يتردد حتى هذا الإنسان الوحشي في معرفة الحياء ، وفي معرفة الإستجابة له ، ولو إلى حدُّ ما ، وإن إختلفت الأشياء والمظاهر التي تجلب له الحياء ، وإختلفت كذلك المواضع والمقادير التي يسترها من بدنه ، والحركات والأعمال التي يستخفي بها من حركاته وأعماله ، والحركات والمظاهر لتي يعبر بها عن حيائه .
  ولو كان الحياء مما يختص به النساء وحدهن ، لأمكن لدعاة التبرج ـ من أجل ذلك ـ ، أن ينكروا أنه فطرة ، ولقالوا : إنه من التحكّمات التي فرضها الرجال على النساء ، وألزومها طبيعتهن على ممر العصور ، ولكن الفطرة قد جعلت للرجال منه قسطاً وافراً ، وإن يك قسط المرأة أوفر ، وأقوى تأثيراً ـ كما قلنا فيما تقدم ـ .
  وطبيعة العمل الذي اعد له الرجل ، والمهمة التي أسندت إليه في الحياة ، هي التي إقتضت له أن يكون نصيبه من هذه الظاهرة أقل من نصيب المرأة .
  ولقد غلا بعضهم كذلك ، فأنكر ان الحياة غريزة . . أنكر أنه فطرة ، أو من إملاء الفطرة ، وقال : إنه شعور مكتسب ، عرفه الإنسان لّما إعتاد التستر باللباس ، وإنه إنما إعتاد التستر لإسباب أخرى ، ليس الحجاب واحداً منها .
  نعم ؛ وتأثروا هذه القولة ، وساروا وراءها شوطاً آخر أبعد من ذلك ، فقالوا : إن اللباس من محركات غريزة الشهوة في الإنسان . .
  قال هذا بعض الكتاب من الغربيين ، ولم يبعد عن الصواب ، فإن اللباس بعض أنواع الزينة ، وأثره في الإغراء ، وتحريك الغريزة محسوس ملموس .

العفاف بين السلب والإيجاب   ـ 92 ـ

  وسمع كلمتهم هذه بعض كتابنا نحن ، فراق لهم أن ينقلوها ـ بحروفها ـ إلى الحجاب ! .
   . . إلى الجلباب الذي ترتديه المسلمة المؤمنة فيسترها عن النظر المحرم .
  إلى الضمان القانوني الذي وضعه الإسلام للعفة ! .
  قال هؤلاء ـ بدورهم ـ : أن الحجاب من محركات الشهوة ومحرضاتها ، وهو يغري الرجال بالمرأة المحجبة ، ويولعهم بإتّباع خطواتها . . أفرأيت أعجب من هذا التفكير ؟ ! .
  وتلك هي النتائج الطبيعية ـ والمنتظرة ـ لحيوانية الإنسان ، التي قال بها الغرب ، ولنكران الخلق ، ( ونكران ) الدين ، اللذين دان بهما فلاسفته ، وهتف بهما كتّابه .
  ولكن ما بال الآخرين ، الذين لا يحاولون قطع صلتهم بالإسلام ، ويزعمون بإنهم مؤمنون برسالته ، خاضعون لتعاليمه . . ما بالهم يركبون الأهواء ، ويأتون بالغرائب ؟ ! .

العفاف بين السلب والإيجاب   ـ 93 ـ

من آيات الحجاب

  ( قُل لِّلْمُؤْمِنِينَ يَغُضُّوا مِنْ أَبْصَارِهِمْ وَيَحْفَظُوا فُرُوجَهُمْ ذَلِكَ أَزْكَى لَهُمْ إِنَّ اللَّهَ خَبِيرٌ بِمَا يَصْنَعُونَ ) .
  ( وَقُل لِّلْمُؤْمِنَاتِ يَغْضُضْنَ مِنْ أَبْصَارِهِنَّ وَيَحْفَظْنَ فُرُوجَهُنَّ وَلَا يُبْدِينَ زِينَتَهُنَّ إِلَّا مَا ظَهَرَ مِنْهَا وَلْيَضْرِبْنَ بِخُمُرِهِنَّ عَلَى جُيُوبِهِنَّ . . ) .
  (وَلَا يُبْدِينَ زِينَتَهُنَّ إِلَّا لِبُعُولَتِهِنَّ أَوْ آبَائِهِنَّ أَوْ آبَاء بُعُولَتِهِنَّ أَوْ أَبْنَائِهِنَّ أَوْ أَبْنَاء بُعُولَتِهِنَّ أَوْ إِخْوَانِهِنَّ أَوْ بَنِي إِخْوَانِهِنَّ أَوْ بَنِي أَخَوَاتِهِنَّ أَوْ نِسَائِهِنَّ أَوْ مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُهُنَّ أَوِ التَّابِعِينَ غَيْرِ أُوْلِي الْإِرْبَةِ مِنَ الرِّجَالِ أَوِ الطِّفْلِ الَّذِينَ لَمْ يَظْهَرُوا عَلَى عَوْرَاتِ النِّسَاء . . )
  (وَلَا يَضْرِبْنَ بِأَرْجُلِهِنَّ لِيُعْلَمَ مَا يُخْفِينَ مِن زِينَتِهِنَّ وَتُوبُوا إِلَى اللَّهِ جَمِيعًا أَيُّهَا الْمُؤْمِنُونَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُون ) (1) .
  هذا هو النص القرآني الصريح في وجوب الحجاب ، وهذا أمر الله الذي لن يتردد مسلم أو مسلمة في وجوب الخضوع له ووجوب الإستمساك به .
  وهذا هو ضمان الله للمؤمنين بإن ذلك أزكى لنفوسهم ، وأطهر لمجتمعهم ، وأنقى لعلاقاتهم . .

**************************************************************
(1) ـ النور : 30 ـ 31 .

العفاف بين السلب والإيجاب   ـ 94 ـ

  ضمان الله لهم بذلك ، فلا يختلف في وقت ، ولا يتغير في حال .
  بلى ، وهذه بعض أوصاف المجتمع الراقي العادل ، الذي أراده الله ( سبحانه ) للبشرية يوم أهلها للخلافة في أرضه ، وأختصها بالكرامة من بين مخلوقاته ، فشرع لها الدين ، وميزها بالعقل ، وحباها بالمعرفة وكرمها بالعلم .
  هذه بعض أوصاف المجتمع الذي أراده الله للبشرية منذ يومها الأقدم ، وقبل يومها ذلك .
  المجتمع الذي تؤسس قواعده على العدل ، وتعقد روابطه على الأخوة ، وترتكز على المساواة الكاملة الشاملة في الحقوق .
  والمجتمع الذي يطمح كل ما فيه إلى الكمال ، ويتناصر كل من فيه على أقامة الحق ، ويتواصى كل أهله بأعمال البر .
  والمجتمع الذي لم تسمع في اجوائه نأمة لظلم ، ولا صدى لإستغاثة ، ولا شكوى لمحروم .
  والمجتمع الذي يشغل كل أهله بالجد عن الهزل ، وبالحقائق عن الاوهام ، وبمعالي الأمور عن سفاسفها ؟ ! .
   . . المجتمع الأسلامي الزكي الطهور ، الذي لا تلتقي فيه خائنات الأعين ، ولا تتعدى فيه بواعث الفتنة ، ولا تنزى فيه كوامن الشهوة .
  وما هذا النص القرآني ، والنصوص الإسلامية الأخرى التي تقترب منه في المعنى ، وتتحد معه في المغزى ، إلا إحتياطات واقية تحرس من المجتمع حدوده ، وتصون له سلامته ، وتضمن له طهارته .
  إن الإسلام يربأ بالمسلم والمسلمة أن تكون العلاقة بينهما علاقة حيوان بحيوانه ، ويأنف لهما أن تهبط بهما الجوعة الجنسية إلى دركها والأسفل والإرذل ، ويسمو بهما أن تعلق هذه الخاطرة بروعهما .

العفاف بين السلب والإيجاب   ـ 95 ـ

  والمرأة نصف المجتمع البشري ـ على ادنى التقادير ـ ، والويل والحرَب على للمجتمع ، إذا كانت الصلة ما بين نصفيه ، هذه الصلة المنحطة المخزية ، والويل والحرَب للمجتمع ، إذا سيطرت الشهوة على آحاده ، وتغلغلت في أبعاده ، فزاغت بالناس عما يجب ، وقادتهم إلى ما لا يحسن ، والويل والحرَب للمجتمع ، إذا إنفلتت فيه أزمة الأعصاب ، ووهنت فيه قوة الإرادة ، وإضطربت كفة التوازن .
  النظرة الخائنة الجائعة أول إنبعاث للشهوة ، وأول موقظة للفتنة ، وهي الرائد الذي يجوس الديار ، ويمهد السبيل ، فلا معدى للإسلام ، من ان يأخذ الحيطة لها إذا كان جاداً في بلوغ غايته . .
   . . لا معدل له عن ذلك ، لإنه الطريق الوحيد إليها ، محال عليه أن يوصد باب الفتنة ، وهو لا يحسب لهذه النظرات حسابها .
  وهكذا صنع . . . وهكذا قال :
  ( قُل لِّلْمُؤْمِنِينَ يَغُضُّوا مِنْ أَبْصَارِهِم . . . وَقُل لِّلْمُؤْمِنَاتِ يَغْضُضْنَ مِنْ أَبْصَارِهِنَّ ) .
  يأمر الرجال والنساء من المؤمنين بسد هذه الذريعة ، وإغلاق هذه النافذة ، ويبدأ بإقوى الجنسين إندفاعاً ، وأسرعهما إنفعالاً ، وأصرحهما تعبيراً .
  إن خفر المرأة ، وفرط حيائها ، يصونها من أن تكون هي المبتدئة في هذا المجال ، وإن الرجل إذا غض بصره ، وملك أمره ، وأبدى إتزانه ، فقد إنهار أكبر الدواعي لتبرج المرأة ، فإنها لن تتبرج ، ولن تبدي زينتها ، ولن تعرض فتنتها وإغرائها ، إلا لتلفت نظرة الرجل ، وتنتزع إعجابه .

العفاف بين السلب والإيجاب   ـ 96 ـ

  ينذر الرجال ـ أولاً ـ بإن يغضوا أبصارهم عن النظر المحرم ، ثم يعطف على النساء ـ كذلك ـ بإنذار مستأنف جديد ، ولو أنه جمع الفريقين معاً بقول واحد لأوفى على الغاية ـ شأنه في غالب الأحكام التي تشترك فيها النساء والرجال ـ ، غير أن الأمر ها هنا أمر صيانة وحفاظ ، وتطهير لعلاقات مهمة قوية ، تنعقد بين القلوب ، وترتسم ظلالها على الأعمال ، وتبقى آثارها في الإجيال ، ـ فهو لذلك ـ مفتقر إلى مزيد من الصراحة ، وإلى مزيد من التأكيد   . . إلى صراحة تبعد بالحديث عن التأويل ، وإلى تأكيد يمتنع به الأمر عن التساهل . .
  ينذر الفريقين على إنفراد ، وينذرهما على إجتماع . . يسوق لهما ضروب التحذير ، وضروب التبشير .
  هذا هو الإحتياط الأول الذي إتخذه التشريع الإسلامي للأمر .
  ثم لنفرض أن رجال المؤمنين ونساءهم إمتثلوا جميعاً هذا الأمر ، فغض الرجال المؤمنون من أبصارهم ، وغضت النساء المؤمنات من ابصارهن ، فهل يفي هذا ـ وحده ـ بسد الذرائع جميعاً ؟ .
  بسد الذرائع التي ينتهي بالمرء والمرأة إلى هذه المباءة ؟ .
  والنظرات الطائشة التي تلقى دون قصد على ما يثير ؟ . .
  وعمل هذه النظرات غير المقصودة في التمهيد لما يعقبها من نظر ، والتمكين لما يتبعها من خطر ؟ . .
  إن هذا باب لا يوصده التشريع الاول ، ولإبداء الزينة ، وعرض المفاتن عمل كبير في إغتصاب النظرة ، وتنبيه الغريزة ، وتحريك الفتنة ، وطباع إبن آدم تفتنّ في التردي كما تفتن في الإعتلاء ، وتعنى بطرائق الإغواء كما تعنى بطرائق الهداية .