علاقة الرجل بالمرأة في الإسلام

  ( وَمِنْ آيَاتِهِ أَنْ خَلَقَ لَكُم مِّنْ أَنفُسِكُمْ أَزْوَاجًا لِّتَسْكُنُوا إِلَيْهَا وَجَعَلَ بَيْنَكُم مَّوَدَّةً وَرَحْمَةً إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَاتٍ لِّقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ ) (1) .
  في هذه الآية الكريمة يذكر الله ـ سبحانه ـ بعض خصائص الزوجية في ظل الإسلام ، وبعض اللوازم التي لا تبارحها .
  سكن نفسي وطمأنينة ، ثم مودّة ورحمة .
  سكن نفسي . .
  وإذن ؛ ففي طبيعة كل من الزوجين حنين دائب ، وشوق ملحّ ، وإضطراب لن يقرّ ، ولن يهدأ إلا بالإنضمام إلى زوجه .
  وهذا بذاته ـ هو منطق الفطرة ، ليس فيه خفاء ، وليس عنه معدى .
  وإذن ، فهما شطران لا تنضر لهما الحياة ، ولا تسعد ، إلا بإنضمامهما وإنسجامهما .
  ومن أدب القرآن العالي : أنه نسب السكون إلى الرجال ـ خاصة ـ ، كأن القلق ، والذبذبة ، والشوق الملح إلى الزوج ، والفاقة الشديدة إلى السكن في ظله ، مما يختص بالرجال وحدهم . . .

**************************************************************
(1) ـ الروم : 21 .

العفاف بين السلب والإيجاب   ـ 54 ـ

  إن خفر المرأة ، وشدة حيائها ، يقتضيان أن تبعد عن هذه النسبة في الكلام المهذب البليغ .
  وبعد ، ففي التعبير القرآني تلميح إلى إيجابية المرأة ، وسلبية الرجل في هذا السبيل ! .
   ( وَمِنْ آيَاتِهِ أَنْ خَلَقَ لَكُم مِّنْ أَنفُسِكُمْ أَزْوَاجًا ) .
  ( مِّنْ أَنفُسِكُمْ ) ، ليس من معدن آخر ، وليس من مقوّمات أخرى ، ولا من طباع وغرائز أخرى . .
  ( مِّنْ أَنفُسِكُمْ ) ، تشعر بشعوركم ، وتحسّ بإحاسيسكم . .
  ( مِّنْ أَنفُسِكُمْ ) ، دون فارق من صفات الإنسانية وخصائصها ، عدا ما تتقوم به أنوثة الأنثى ، وذكورة الذكر ، ويميز إحداهما عن الأخرى .
  والآية الباهرة : أن تخلق من ذات معدن الرجل ، وبذات مقوماته الإنسانية ، وبنفس طباعه ، وغرائزه وركائزه ، إنسانة أنثى ، لها مقومات الأنوثة ، وإستعداداتها ، تناسب الإنسان الذكر ، وتسعد بسعادته ، ويجد كل واحد منهما الراحة والطمأنينة ، والإستقرار النفسي الدائم في ظل صاحبه .
  والمودّة والرحمة ثمرتان محتومتان للإنسجام في الطباع ، والإنسجام في الاخلاق .
  وهذا السكن النفسي الدائم ، وهذه المودة والرحمة هو المهاد الذي تنشأ فيه الأسرة ، ثم تنشأ وتترعرع ، وتنمو وتشب فيه الاطفال . . .

العفاف بين السلب والإيجاب   ـ 55 ـ

  من هذه الصدور العامرة بالرحمة تغتذي ، ومن هذه القلوب المفعمة بالحب تنهل وترتوي ، وفي هذه المحاضن الآهلة بالعطف والحنان تتربى ، ومن هذه النفوس المليئة بالطهر وبالطمأنينة النفسية تقتبس ، ومن هذه الطباع والخلال والأخلاق المهذبة ترث .
  هذه خصائص علاقة الزوجين في ظل الإسلام ، وهذا هو نتاجها المرتقب وثمرتها المرجوة في تنشئة الجيل .
  وإذن ، فصلة الزوجين في ظل الإسلام صلة وثيقة مقدسة ، لها ركائزها من الفطرة ، ولها روافدها من المودة والرحمة ، ولها قوامها من إنشاء الإسلام وصنعه ، ولها قوته ومتانتها من مدد العواطف النبيلة المهذبة وقوتها ، ومن نظرة الإسلام الدائمة ورعايته المتصلة ، ومن طبع الصلة ذاتها حين تكون لها هذه الوطائد والروافد . .
  وضروري للفتى والفتاة اللذين ينشآن في ظل الإسلام ، ويؤمنان برسالته ، ويخضعان لنظامه ، ويتمثلان تعاليمه ، أن يعدّان نفيسهما ، لهذه الصلة ، وأن ينظر كل منهما في أمر صاحبه قبل الدخول فيها ، فللنفوس رغبتها ، وللحياة ملابساتها ، ولمجتمعات أوضاعها وتقاليدها ، ولدين الإسلام مقاييسه وموازينه ، والحجاب في المرأة ، والعفاف في الفتى والفتاة ، من أبرز تلك الموازين ، ومن أغلى ما يحافظ عليه الإسلام في هذا الشأن .

العفاف بين السلب والإيجاب   ـ 56 ـ

مهمة المرأة بين الطبيعة والإسلام

في الطبيعة
  لا يتم تكوين إبن آدم حتى تتحد خليتان ، وتتفاعل مادتان : [ خلية الذكروة ، وخلية الأنوثة ] ، وحتى تستقر الخلية الموحدة المركبة منهما في قرارها المكين الأمين شهوراً ، وحتى تبذل ـ في تنشأتها وتطورها وصيانتها ـ جهوداً كثيرة متنوعة . . جهود حيوية ، وجهود مادية ، وجهود معنوية .
  حتى تنال من الأغذية ما يؤهلها للتطور ، ومن المواد الكمياوية ما يصونها عن التعفن ، ويحفضها من التلف ، وحتى تتناصر على تقليبها قوى ، وتتعاقد على إمدادها وحراساتها طاقات .
  وللأنثى ـ وحدها ـ كل هذه الجهود ، ومنها ـ وحدها ـ كل هذا البذل ، ما عدا خلية واحدة ، تحمل دون ثقل ، وتوضع دون إزعاج .
  ولن يسعد هذا الجنين حتى تشقى هي بولادته ، ولن يعيش حتى تجهد هي بتغذيته ، ولن يدبّ حتى تسهر هي على تربيته ، ولن يترعرع حتى تحدب على تدليله ، ولن يستقيم أوده ، ولن يشتد عوده ، ولن تنشط مواهبه ، ولن تتزن طباعه ، حتى ينهل من اخلاقها ، ويرتوي من حنانها ، ويفيد من عرفانها ، وحتى يكتسب منها بالميراث ، ويكتسب منها بالرضاع ، ويكتسب بالحدب ، ويكتسب بالتلقين ، ويكتسب بالأشارة ، ويكتسب بالإيحاء ، ويكتسب بالإقتداء .

العفاف بين السلب والإيجاب   ـ 57 ـ

  فالمراة نصف المجتمع في التعداد .
  والمرأة ثلاث أرباع المجتمع في الإنتاج .
  والمرأة كل المجتمع في التقويم والتوجيه .
  ومعنى كل هذا الذي قدمناه : ان الطبيعة قد حمّلت الأنثى ـ وحدها ـ خدمة بقاء النوع ، ولم تحمل على الرجل من هذه الوظيفة شيئاً ولم تكلفه بجهد .
  هذه وظيفة المرأة التي جعلها الله لها في الحياة ، وهذه هي مهمة المرأة التي أعدها لها التكوين . .
   . . في مشاعرها الرقيقة السريعة الإنفعال ، وفي عاطفتها المتوثبة المرهفة الإحساس وفي مزاجها العصبي البالغ التحمل ، وفي طبيعتها الغيرية التي تسعد بإشقاء نفسها لإسعاد غيرها ، وفي بناء جسمها ، وتركيب أعضائها ، وإعداد أجهزتها وتكوين غددها وأعصابها ، وفي ( تكوين الانسجة ذاتها ، وتلقيح الجسم كله بمواد كيمياوية محددة يفرزها المبيض ) ـ كما يقول الدكتور ( ألكسيس كاريل ) في كتابه : ( الإنسان . . ذلك المجهول ) ، ( ص 114 ) .
  وبعد ، فهل هذه ـ وحدها ـ هي الجهود التي تنفقها المرأة ي هذا السبيل . . في سبيل بقاء النوع ، وتسلسل الحياة ؟ .
  هل هذه وحدها هي الجهود التي تنفقها المرأة ، والتي تترك في جسدها بالغ الضعف عن إحتمال سائر الإعباء ؟ .
  والجهود البدنية والنفسية التي تؤديها في فترات الحيض ، وفي مدة الحمل ، وفي زمان الرضاع ؟ .

العفاف بين السلب والإيجاب   ـ 58 ـ

  والأعراض الشديدة التي تنتابها بل ولا تكاد تفارقها في هذه الأوقات ؟ .
  وقد احصى العلماء والأطباء المختصون من هذه الاعراض المؤثرة الشيء الكثير ، وأقوالهم وإحصاءاتهم في ذلك مشهورة منشورة .

وفي الإسلام
  هذه هي وظيفة المرأة التي جعلها الله لها في الحياة ، وهذه الجهود التي تنفقها في هذا السبيل .
  والإسلام يقدر لها منزلتها الكريمة ، ويشكر لها جهدها المضاعف ، ويجعل لها المقام الذي أحلتها الطبيعة ، ويشرع لها من الحقوق والواجبات والأحكام ما يوائم مركزها ، وما يواكب حياتها .
  وفي كتاب ( من اشعة القرآن ) أحاديث مبسطة في ذلك ، فليراجعها من يطلب المزيد وقد تقدم في بعض فصول هذا الكتاب ما يزيد الأمر جلاءً ووضوحاً ، وقد قلت هناك ، وأقول هنا مجدداً ، ومؤكداً :
  ( إن الإسلام لم يمنع المرأة حقاً من حقوق الحياة ، ولم يمنعها حقاً من حقوق الإنسانية ، ولم يمنع المرأة المسلمة حقاً من حقوق الإسلام ، ويأفك من ينسب غير ذلك إلى الإسلام ، ويجترم في حق الدين العظيم ، وفي حق المرأة ، ويرتكب إثماً كبيراً ) .
  بلى ، قد تقصر بالمرأة طبيعتها الأنثوية في بعض المجالات ، أو في بعض الحالات ، ولا منتدح لدين الله من أن يلاحظ الأمر الواقع ، لإنه إنما يبني تشريعه على واقع الأمور ، ومحال على الشريعة الجادة أن تحمل على الضعيف ذات العبء الذي تحمله على القوي الأَيّد ، ومحال على الشريعة الجادة أن تكلف أحداً ما تقتضيه طبيعة سواه .

العفاف بين السلب والإيجاب   ـ 59 ـ

الإختلاط والتصريف النظيف

  ومن دعاة التبرج والإختلاط من يتخذ الهزل حجة على ما يريد ، يزعم هذا الفريق من الدعاة : أن الإختلاط بين الجنسين ( الذكور والإناث ) ، ورفع الحجاب والحواجز بينهما ، يوجب لهما التصريف النظيف ! ، وإن الذكر والأنثى ـ معاً ـ يأمنان بذلك من الإنزلاق ! ! .
  هذه إحدى حججهم لما يقولون ، أفتستطيع تكذيبها ؟ ! .
  أحضر أمام جائع منهوم مائدة شهية المآكل ، متنوعة الألوان ، ودعه يتمتع برؤيتها ساعة ، أو اكثر من ساعة ، لتستيقن صدق هذه الحجة التي يقيمون .
  دعه يتملّى بالنظر إلى صحافها واحدة واحدة ، ويستنشيء روائحها عرفاً عرفاً ، ويقتصّى ألوانها لوناً لوناً ، ويعدّ فواكهها فاكهة فاكهة ، ويعيد النظر ، ويستأنف التعديد والإستقصاء .
  دعه يمتّع بصره وحواسه ، ـ كذلك ـ ساعة ، أو ساعتين ، ثم سله ألا يزال جائعاً ـ بعد ـ ؟ ، ألم يملاء عينيه بالنظر ، وانفه بالعطر ، وذهنه بالتعداد وبالتصور ، ونفسه بالمتعة ، فكيف تبقى جوعته بحالها ؟ .
  أن متعة العين بالنظر الشهي ، ومتعة السمع بالحديث الملذ ، ومتعة الحواس الأخرى بالمدركات الجميلة المحببة ، لن تسد نهمة ، الجنس ، ولا جوعة المعدة ـ يا أساتذة ـ ، ومن يدّعي غير هذا فإنما يكذّب نفسه ، وتكذبه البداهة من كل عقل .

العفاف بين السلب والإيجاب   ـ 60 ـ

  وأنا اعلم أن المتعة الجنسية متعددة الطرق ، متنوعة الأساليب ، وإن الإجتماع بالأنثى ، ونظرة الغزل إليها ، والإنصات الممتع إلى حديثها ، بعض هذه الطرق التي تنطلق بها الغريزة . .
   . . إعلم أن ذلك جيداً ، ولكنني أعلم جيداً كذلك ، ويعلم القراء معي أن الهدف الأقصى للغريزة إذا لم يتحقق ، فكل هدف دونه عندها هباء .
  ونعلم ـ أخيراً ـ أن هذه الأهداف الصغيرة محرّضات ومغريات ، فكلما تكرر الإجتماع ، وتنوع الغزل ، تمردت الغريزة ، وعظم خطبها ، وإزداد سعارها ، وطلبت المدد ، وطلبت المزيد .
  وإذن فمتى يكون التصريف النظيف ؟ .
  ومتى يتحقق الأمن من الإنزلاق ؟ .
  لعل هؤلاء يتوهّمون أنها شحة من الطاقة ، محدودة القدر ، محدودة المدد ، فإذا صرفت بالحديث وبالغزل ّ قلّ ضغطها ، وتقاصر إلحاحها ، وتناهى أمرها ، غير ان الواقع شيء وراء هذا الذي يتوهمون .
  إن الغريزة تلح دون فترة ن وإن الغدد الجنسية تفرز دون إنقطاع ، ولا سكون لها إلا بالإستجابة الكاملة ، وإذا سكنت فإلى عودة قريبة .
  نعم ، وإلى نشاط أكبر ، وإلى دعوى أقوى ، فقد مرنت الغريزة ، ومرنت الأعصاب ومرنت الإرادة ، وقوي الدافع ، وضعف الوازع .
  هذا هو الواقع الذي لا يجهلون .

التصريف النظيف لدى الغربيين
  وهذه الكلمة قالها الغربيون ـ أول مرة ـ وهم يريدون من التصريف النظيف ، أن تعبّر الغريزة الجنسية عن ذاتها تعبيراً صريحاً كاملاً ، دون موارية ، ودون كبت ، ودون خفاء .

العفاف بين السلب والإيجاب   ـ 61 ـ

  وقد صرح بهذا أحد الأساتذة في الجامعات الغربية ، لتلميذ من أهل الشرق ، سأله عن الإختلاط العجيب الذي وجده في الجامعة ، ( وكان التلميذ ( الدكتور ) شرقياً متزمتاً ـ على ما يقول ـ ) فقال له ذلك الأستاذ :
  ( إننا إذا منعنا طلابنا وطالباتنا عن الإختلاط المكشوف ، لجؤوا إلى الإختلاط المستور بعيداً عنا ، في جو ملؤه الريبة والإغراء ) .
  ( أننا إذ نعترف بما في الطبيعة من قوى ، ونهيء لها ما ينفس عنها ، في جو من البراءة والطمأنينة ، نكون بذلك قد وقينا الإنسان من مزالق الشطط ، ومغريات الخفاء ) .
  هذا هو ما أراده الغربيون من معنى التصريف النظيف .
   . . التصريف الصحيح ، الذي لا حذر فيه ولا خفاء ، ولا كبت ، وإذا لم يكن بد من السفور ، وإذا لم وجود للإله وللدين للأخلاق ، كأن ما يقولونه منطقياً لا معدى عنه .

ولدى الشرقيين
  أما الشرقيون فأخذوا الكلمة وأبدلوا معناها ، فقالوا ـ وحديثهم مع الشرقيين ، ومع المسلمين ـ : الإختلاط يوجب التصريف النظيف ، ويؤمن الذكر والأنثى من الإنزلاق .
  والشرقيون ، والمسلمون ، يفهمون من النظافة معنى الطهر والنزاهة ، ويعرفون من الإنزلاق التعدي على الحق المشروع . .

العفاف بين السلب والإيجاب   ـ 62 ـ

   . . أخذوا الكلمة وأرادوا منها هذا المعنى ، فوقعوا ، في التناقض من حيث لا يشعرون .

القيم والتقاليد
  إن القيم لدى صنف من الناس حصيلة ما تعارف عليه المجتمع في دور من حياته ، أو في ادوار منها ، مما شاع فيه من عادات ، أو فشا فيه من صفات ، ولذلك فالقيم ـ عندهم ـ مجموعة من التقاليد الإجتماعية ، وبدهي أن التقاليد الإجتماعية لا شمول لها ، ولا دوام .
  فإذا تغيرت مجاري الحياة ، واهم مجاري الحياة ـ بالطبع ـ هي أساليب الشهوة ـ في عرف هؤلاء السادة ـ . . إذا تغيرت هذه ، وجب أن تتغير القيم ، وأن يستبدل ـ مكانها ـ ما هو أكثر مواءمة ، وأشد إنطباقاً .
  وهذا رأي ، ادنى ما فيه : أنه خلط شائن بين القيم والتقاليد .
  القيم صفات مهذبة ، تقررها موازين الإخلاق ، ثم ترتفع بشأنها ، حتى تكاد تكسبها صبغة اليقين ، فهي ـ من أجل ذلك ـ أمور ثابتة لا تتغير ، او هي كالثابتة في بطء الزوال .
  وموازين الخلق وإن إختلفت فيها آراء علماء الأخلاق ، إلا أنها لا تتخالف ما بينها ـ في النتائج ـ مخالفة النقيض للنقيض ، أو الضد للضد ، وخصوصاً في الصفات الرفيعة ، التي اوشكت أن ترتفع إلى ذروة اليقين .
  أما التقاليد فإنها أعمال ، او مظاهر ، أو صفات ، تفشو في المجتمع ، وتتغلغل بين افراده ، حتى تنال صبغة العموم ، وحتى يعود المحيط الإجتماعي حارساً لها ، ورقيباً على تنفيذها .

العفاف بين السلب والإيجاب   ـ 63 ـ

  ومنشأ التقاليد ، قد يكون وهماً سخيفاً من الأوهام ، وقد يكون رأياً سديداً من الأراء ، كما قد يكون قيمة رفيعة من القيم ، أو ديناً من الأديان ، أو مزيجاً من حق وباطل ، ومن رشد وغي .
  وعلى اية حال ، فليس الكذب ـ مثلاً ـ في عداد القيم ، ولن يطمح أحد أن يجعله منها ـ في يوم من الأيام ـ ، وإن شاع في المجتمع ، وإرتفع عنه الحرج ، وكثر التندر به ، والإصرار عليه ، بل وإن فشت بين افراد المجتمع قولة ذلك الكاذب : الإلتزام بالصدق في القول ينشأ من ضعف النفس في الإنسان .
  وليس الإنطلاق مع الشهوات من القيم كذلك ولن يدخل في عدادها البتة وإن تغلغل في المجتمع ، وضربت جذوره ، وتوفرت سبله ، وإن حاول دعاة الإنطلاق أن يستخدموا له الفكر ، وان يستبيحوه بإسم العلم .
  وليست الميوعة ، ولا التفكك الخلقي من القيم أبداً ، وإن تغنى به مائعون ، وصفق لها متفكّكون ، وإن ذكروا التحضر والتحرر في أسانيده ، وزوقوا العبارات في تأييده .
  أما أن الإختلاط بين الجنسين يوجب لهما التصرف النظيف ، وأن الذكر والأنثى يأمنان ـ بذلك ـ عن الإنزلاق . .
  أما هذه الدعوة ؛ فبرهان الصدق عليها ما نقلناه للقارىء ـ قبل ـ صفحات ـ عن مآسي الإختلاط في الغرب والدنيا الجديدة ! ، وما سننقله له ـ فيما يأتي ـ من إحصاءات وإعترافات ! ، وكل أولئك حقائق واقعة ثابتة ، دوّنها كتاب وعلماء غربيون مشهورون ، لا يرسلون القول جزافاً ، ولا يحكمون بغير علم ، وقد كتبوا ذلك للتأريخ ، وكتبوه للإحصاء ، وكتبوه للنقد ، وإبتغاء العلاج .

العفاف بين السلب والإيجاب   ـ 64 ـ

الحجاب والإنحراف الجنسي

  ويقولون : حجاب المرأة ، وحجرها عن الرجل ، تنشأ منه عادة الإنحراف الجنسي في الرجل والمرأة ـ معاً ـ .
   فقد دلت القرائن على أن المجتمع الذي يشتد فيه حجاب المرأة ، يكثر فيه ـ في نفس الوقت ـ الإنحراف الجنسي ، من لواط ، وسحاق ، وما أشبه ) .
  ويدللون على قولهم هذا ، بإن الرجل ميال ـ بطبعيته ـ نحو المرأة ، والمراة ميالة نحو الرجل ، فإذا منعنا هذه الطبيعة من الوصول إلى هدفها بالطريق المستقيم ، لجأت إضطراراً إلى السعي نحوه في طريق منحرف .
  أنظر . . أنظر ثم أحكم ـ إن شئت ـ غير متهم :
  أهذه دعوة إلى السفور فحسب . . إلى السفور المحتشم ـ الذي يزعمون ـ ، أم إلى الإنطلاق الكامل في الغريزة الجنسية ، وإلى رفع كل قيد لها ، وكل حجاب عنها ؟ ! .
  وهو أحتجاج على حجاب المرأة ، أم لوجوب بذلها للرجل في كل منحى ، وفي كل أتجاه ؟ ! .
  إن لجوء الطبيعة إلى الطريق المنحرف ـ إضطراراً ـ إنما يكون ، إذا أوصد الباب مطلقاً دون الطريق المستقيم ، وإذا أوصد الباب مطلقاً في وجه الرجل فلم يستطع أن يصل المرأة أبداً بطريق معين مشروع ، وأوصد الباب كذلك في وجه المرأة ، فلم تستطع أن تصل إلى الرجل بوجه ، ولا سبيل .

العفاف بين السلب والإيجاب   ـ 65 ـ

  إن الطبيعة القوية المتدفعة فيهما تروم التنفيس ، والتيار إذا سدت دونه المجاري طغى على المرتفعات .
  أما إذا إعترفت الشريعة لهما بهذه الضرورة ، وقررت لهما الحق في الإستجابة لها ، بل وأوجبت ذلك عليهما في بعض الأحوال ، وعينت لهما الوجه الذي يقضيان به هذا الحق ، وحدت السبيل الذي يستجيبان فيه لهذه الطبيعة ، فما وجه الشذوذ الجنسي بعد ذلك ؟ ! ، وما سبب الإضطرار إلى الطريق المنحرف ؟ ! .
  ما وجه ذلك ؟ ، وما سببه ؟ ، غير ان يراد لهما الإنطلاق الكامل في الشهوة ، ورفع كل قيد عنها ، وكل حجاب ؟ ! .
   وأحاديث الشهوة المنطلقة لا ينتظر أن يؤيدها علم ، ولا ان يعترف بها عقل ، ولا أن يقرّها دين .
   ومنطق الحجة ـ التي يذكرها هذا القائل ـ : أنه لا بد من الإنطلاق إلى حدّ في طبيعة الإنسان ، فإذا لم يتهيأ لها ذلك بالطريق المستقيم ، لجأت إضطراراً إلى الإنحراف له ، وإلا فما وجه الإنحراف إذا حددت للجنسين سبل شرعية خاصة للتصريف النظيف ؟ ، وما وجه الإضطرار إلى أن تلقي المرأة حجابها ، وتختلط إختلاطاً كاملاً بالرجال ؟ .
  وواضح أن هذا المنطق المشوّه لا يعترف به علم ، وإن ذكر هذا القائل أن ذلك طبيعة إجتماعية ، وكأنه يؤمي إلى أنه من مقررات علم الإجتماع .

العفاف بين السلب والإيجاب   ـ 66 ـ

  قد يقرر علم الإجتماع ، وقد يقرر علم النفس ، أن منع أي غريزة في الإنسان ، وأي طبيعة أصيلة فيه ، عن الوصول إلى هدفها بالطريق المستقيم يلجئها إلى السعي نحوه بطريق منحرف ، ولكنه لن يقول مطلقاً : إن الإنحراف طبيعة إجتماعية ، لا بد ظهورها في كل بلد تحجب فيه النساء عن الرجال ، على أن يراد هذا النوع من الحجاب الذي يقرره الإسلام .
  أما إذا تطرفت بعض المجتمعات ، وتجاوزت الحد الذي وضعه الإسلام في هذا الشأن ، فمنعت المرأة أن تقترب من الرجل مطلقاً ، ومنعت الرجل أن يقترب من المرأة كذلك ، وكتبت على اهلها الرهبانية العامة ، فلا زواج ، ولا إقتران ، أو شددت أمر النكاح بغلاء المهور ـ مثلاً ـ ، حتى عزّ على الكثرة الغالبة من الناس ، فلا بد من ظهور هذه النتائج ، وأمثالها من الموبقات .
  وعلى اي حال فالدليل المقدم لا يقوم حجة لمنع الحجاب .

العفاف بين السلب والإيجاب   ـ 67 ـ

الإختلاط يرفع الكبت

  ويقولون أن الإختلاط بين الجنسين ، ورفع الحواجز والموانع بينهما ، يرفع عنهما الكبت والعقد النفسية الكثيرة التي تحدث بسببه .
  والإختلاط الذي يذكرونه ، وينعتونه ، بهذه النعوت ، قد يعنون به ما يلازم الإنطلاق وراء الشهوات ، دون قيد ولا مانع .
  وهو ـ بهذا المعنى ـ مما يزيل الكبت بلا ريب ، وأي مبتغى للغريزة أكثر من أن تلفي مطاليبها موفرة في كل مكان ، ميسرة في كل سبيل ، دون حرج ولا حذر ؟ ، وما وجه الكبت إذا تهيأ لها جميع ذلك ؟ .
  ولكن لنتساءل جادين : ما شأن المجتمع الذي تشيع فيه هذه الموبقات في بناء المعالي ؟ ، وما منزلته بين المجتمعات التي تتسابق إلى المجد ؟ ولنترك مسألة الإسلام عن رأيه فيه ، فإن رأي الإسلام في أمثال هذا المجتمع مشهور معلوم .
  وقد يريدون الإختلاط الذي يستمسك المختلطون فيه بأهداب العفّة ـ إذا صح هذا الفرض ، وأمكن لهم تجريد الإختلاط عن نتائجه الطبيعية المحتومة ـ . .
  أقول : قد يريدون من الإختلاط : أن يجتمع الفتى بالفتاة يتبادلان النظر والحديث ، ويتزاملان في الدرس والعمل ويترافقان في الشارع والمنتزه ، ثم لا يتجوزان هذه الحدود ، ولا ينحرفان بهذه الغايات .

العفاف بين السلب والإيجاب   ـ 68 ـ

  والمسألة التي يجب التفكير فيها ـ إذا صح مثل هذا الفرض ـ ، ثم يجب الجواب عنها ، أنه : كيف يكون هذا الإختلاط مانعاً للكبت ؟ ؟ .
  إن الغريزة صريحة في إبتغاء هدفها ، دون خفاء ودون إلتواء ، وإذا إلتوت فهي إنما تنشد ـ بإلتواءها ـ سبيلاً جديداً يفضي بها إلى غايتها الأصيلة ، ومتى منعت من هدفها الأقصى ، ومتى حيل بينها وبين التعبير الصريح عنه ، ومتى إكتملت سائر المؤثرات الأخرى ـ التي يشترطها علماء النفس ـ كان الكبت الذي يحذرونه ، وكانت العقد النفسية التي تتبعه ، والأعراض الشديدة التي تحدث بسببه .
  والإختلاط ـ حتى في حدوده ـ تلك ـ لن يخلو من دعوة وتحريض ، ولن يخلو من فتنة وإثارة ، ما دامت غريزة إبن آدم هي غريزته .
  أما التصرف النظيف فقد علمنا مبلغه من الصحة .
  وبعد فلنقل ـ كما يقولون ـ : الإختلاط بين الجنسين يرفع عنهما الكبت ، فما يعني هذا القول ؟ ، وما ينتج ؟ .
  هل يعني أن الحجاب يورث الكبت ، لنقول بمنعه من هذا الطريق ؟ ، الكبت ؟ . .
  ومتى حرم الإسلام على الغريزة أن تعبر عن ذاتها ليحدث هذا الكبت ؟ .

العفاف بين السلب والإيجاب   ـ 69 ـ

  ومتى حتم على نفس الإنسان أن لا تشعر بهذا الشعور ، وأن تستقذره في باطنها ، ليرتد ذلك عقدة نفسية في منطقة ( الا شعور ) ؟ .
  أليس هذا هو الشرط الأساس لحدوث الكبت ـ كما يقول العلماء النفسانيون ـ ؟ .
  وما صنعه الإسلام إنما هو تعيين السبيل الذي يجوز أن تنطلق فيه الغريزة ، وتحديد الوجه الذي يصح أن تصرف فيه الطاقة .
   . . أنما هو التنظيم لإعمال الغريزة ، والتحديد لحركاتها ، وتمرين النفس على ضبط أهوائها ، وفرض سيطرتها وسلطانها .
  والفارق كبير جداً بين كبت الغريزة ، ومنعها من حقها الفطري المشروع ، وبين تعيين السبيل لإنطلاقها ، وتحديد المنهج لإعمالها .

العفاف بين السلب والإيجاب   ـ 70 ـ

مضاعفة الأيدي العاملة

  ويقولون : رفع الحجاب عن المرأة ، وخروجها مع الرجل إلى ساحات العمل ، يوجب مضاعفة الأيدي العاملة ، والأذهان المنتجة ، وذلك يوجب مضاعفة اسباب المعيشة ومعطيات الثروة ، ويتضاعف ـ من أجل ذلك ـ الرصيد الإقتصادي في المجتمع ، ويتهيأ للأمة من موجبات العمران والتقدم في ميادين الحضارة ، ويتسنى لها من أسباب القوة والتمدن ضعف ما كان يتيسر لها قبل رفع الحجاب ، وقبل إشراك المرأة مع الرجل في ميادين العمل .
  أما الحجاب فإنه يعطل نصف الامة عن العمل والإنتاج ، ويئد نصف مواهبها .
  وهذه الحجة مقتطعة عن النظرة المادية التي اسلفنا الحديث عنها في فصل تسلسل (10) .
   . . عن النظرة المادية في الكون التي دان لها الغرب ، وإندفع معها في كل سلوكه ومعتقداته ، ونظمه وأعماله وصلاته .
  وقد تبينّا ـ هناك ـ مواضع الضعف فيها ، فليراجع القارىء إلى ذلك البحث ـ إذا شاء ـ .
  وهذه الحجة مبتنية ـ كذلك ـ على المساواة التامة بين الرجل والمرأة في كل مجال ، وقد تقدم البحث عن هذه الفكرة في فصل تسلسل (9) ، ولا موجب للتكرار .

العفاف بين السلب والإيجاب   ـ 71 ـ

  وبعد ، فالإنسان ـ في نظر الفطرة ، وفي نظر العقل ، وفي نظر الإسلام دين الفطرة والعقل ـ متعدد الجوانب ، مكتثّر النواحي ، والإقتصاد إحدى النواحي الخطيرة التي يتوقف عليها بقاؤه ، ويتكيف ويتطور ـ بتأثيرها ـ إجتماعه .
  ولكن في الإنسان جوانب أخرى لا يسوغ أن تغفل ، وتأثيرها في الحياة ، وتأثيرها في بناء المجتمع ، وفي تكييفه وتطويره لا يقلّ عن تأثير الإقتصاد .
  والعفة والإتزان في الغريزة الجنسية ، والإعتدال في مطاليبها ، وتحديد طرق الإستجابة لها ، من أهم هذه النواحي المؤثرة في الحياة ، وفي بناء المجتمع وتطويره ، فلا بد من النظر فيها ، ولا بد من إيتاءها ما تستحقه من العناية والتقدير ، ولا بدّ من وضع الضمانات القانونية لصيانتها في المجتمع ، وتثبيتها بين طبقاته ، وفي نفوس أفراده ، والحجاب من أوثق ما تضمن به هذه الفضيلة وتصان به حدودهها .
  ومشاطرة المرأة للرجل في بناء الكيان الإجتماعي للأمة ، وفي مضاعفة الأيدي والطاقات والأذهان العاملة ، وفي توفير أسباب المعيشة الرضية ، وفي تهيئة موجبات العمران والتقدم في ميادين الحضارة ، وتوفير اسباب القوة والتمدن . .
  أقول : ومشاطرة المرأة للرجل في كل أولئك لا تتوقف على رفع الحجاب ، ولا على الإختلاط بالرجل ، ولا على إخراجها إلى ساحات العمل .

العفاف بين السلب والإيجاب   ـ 72 ـ

  وقد أعدتها القدرة الخالقة المدبّرة للشطر التي تختص به من الاعباء وأعدت له مواهبها ـ وقد فصّلت هذا فيما تقدم ـ ، وعلى المجتمع وعلى الحكومة التي ترأس الأمة ، أن تكمل إعداد المرأة لذلك ، بالثقافة الصحيحة ، وبالعلم المجدي ، لتقوم بوظيفتها أفضل قيام ، وتستثمر مواهبها خير إستثمار .
  وعلى أي حال ، فإن الحجاب ـ الذي فرضه الإسلام ـ ، لم يعطل نصف الأمة عن الإنتاج ـ كما قالوا ـ ، ولم يئد نصف مواهبها فقد وجه الإسلام هذا النصف من الأمة وجهته الطبيعية الصحيحة ، ولكن ماذا يصنع الإسلام لإتباعه إذا هم لم يحسنوا إستثمار هذا التوجيه ، ولم يفيدوا من هذا الإعداد ؟ .
  وإذا رغبت المرأة في أن تعمل ، وإذا أحبت أن تساند زوجها في حقل الإقتصاد ، وتشاركه في إحتمال أعباء المعيشة ، فأي مانع لها ذلك ، مالم تصادم بعملها ذلك حقاً من حقوق الناس ، ولم تتعد حداً من حدود الله ، ولم تخالف حكماً من أحكامه ؟ .

العفاف بين السلب والإيجاب   ـ 73 ـ

حجاب المرأة إتّهام لها

  ويقولون : معنى فرض الحجاب على المرأة ، إنها متهمة في سيرتها بما يخدش يشين ، وإن سلوكها مما تحوم حوله الظنون ، ومن أجل هذه التهمة حبست في هذا المضيق ، وفرضت عليها هذه الحدود :
  نعم ، هذا بعض ما يقولون ! .
  أفرأيت كيف يكون الإنحراف عن القصد ؟ ! .
  إنها اساليب يراد منها إثارة الحفائظ ، وهي بعض ذرائعهم إلى ما يريدون .
  لا . . إن الإسلام لا يتهم المرأة ، ولا يتهم الرجل بما هما بريئان منه ، ورسول الإسلام أنزه الناس جميعاً عن هذه الخلال ، وكتاب الإسلام أرفع الكتب كافة عنها ، ودين الإسلام أشد الأديان ، وأعظم القوانين حرصاً على تنزيه مجتمعه عن التهم ، وتجنيب أتباعه مواردها .
  ولكنه لا يتجاهل الواقع ، ولا يتغافل عنه ، ويعمل العمل الذي يتطلبه ، ويصف العلاج الذي يقتضيه .

العفاف بين السلب والإيجاب   ـ 74 ـ

  والضمانات والوثائق ، والوسائل التي وضعتها القوانين لحفظ حقوق الناس ودمائهم وأموالهم الأخرى التي يتعارف عليها الناس فيما بينهم لهذه الغايات ، ضمانات ووثائق ووسائل عادلة ومشروعة ، وقد درجت عليها القوانين ، ودرج عليها الناس والحكام ، وأيقنوا ، بعدالتها ومشروعيتها ، ولم يدخل في تفسيرها أنهم ـ بهذه الضمانات ـ يخونون الناس ، ويتهمونهم بإنهم جناة وسرّاق ، ولم يدر في وهم أحد من الناس أن ينقدها بهذا النقد .
   . . إنما هي إحتياطات ، يقصد منها ـ بالنظرة القريبة ـ قطع الطمع فيما لو صح وجود طامع ، وسد الذريعة فيما لو فرض وجود متذرع ، ويراد منها ـ بالنظرة البعيدة ـ تنشئة المجتمع على خلق الأمانة ، وطبعها في نفوس أفراده ، وتمرينهم عليها في معاملاتهم وأعمالهم ، وهذه بذاتها هي النظرة التي وجهها الإسلام إلى العفة ، وإلى الحجاب .

العفاف بين السلب والإيجاب   ـ 75 ـ

رفع الحجاب من متطلبات الأمم الراقية

   ويقولون أيضاً : رفع الحجاب عن المرأة ، وإشراكها مع الرجل في مهمات الأمور ، وفي مختلف الميادين ، وإعدادها لذلك بالتعليم العالي ، والثقافة الكاملة الراقية ، كل هذه قد أصبحت من متطلبات الأمم التي تطمع أن تساير ركب الحياة الصاعد ، ولا يمكن أن تقف دونها شرعة الإسلام السمحة السهلة المرنة ، التي تماشي الحياة ، وتواكب الأزمان .
  ونحن قد نظرنا ـ فيما تقدم من الأبحاث ـ في هذه الأمور التي قالوا عنها : إنها من مقتضيات التقدم ، ومن متطلبات الأمم التي تطمع ان تساير الركب الصاعد . .
  نظرنا فيها النظرة الجادة المستقصية ، وإستفتينا الفطرة ، وإستفتينا العقل ، وإستفتينا طبيعة المراة وأقوال علماء الأجنة ، وعلماء الأحياء ، وعلماء وظائف الاعضاء ، فرأينا المرأة قد أعدت ـ بتركيب جسدها ، وبتركيب خلاياها ، وبجميع ركائزها ـ لوظائف خاصة معينة من وظائف النوع ، ليست الوظائف الأخرى ، التي يقوم بها الرجل بإوفر منها بالجهد ، ولا بإكثر منها في التضحية ، ولا بإسمى منها في المنزلة ، ولا بإجدى منها للإنسانية ، ولا بإعود منها على الحضارة والتقدم والعمران ، ولا بإكثر منها إلى التعليم العالي ، والتثقيف الرفيع .

العفاف بين السلب والإيجاب   ـ 76 ـ

  وعلمنا أن نظرة العدل تقتضي مراعاة هذا التوجيه الطبيعي في الجنسين ، فيخصص كل واحد منهما بالوظائف التي اعد لها بتكوينه ، ويزود بالثقافة العالية ، التي تمكنه من البروز فيها والأرتقاء بها وتستغل مواهبه وطاقاته في الأعمال التي تتصل بتلك الوظائف الخاصة .
  وعلمنا أن هذا هو النهج القويم للإرتقاء بالحياة ، والمسلك المأمون المضمون ، الذي يجب أن يسلكه الركب الصاعد .
  هكذا نظرنا ، وهكذا أوصلتنا النظرة في الإستنتاج ، فماذا غير ذلك ؟ .
   . . غير ذلك أن تقلب الموازين ، وتكذب الفطرة ، ويكذب العقل ، وتكذب الطبيعة ، وتكذب حقائق العلم ومقرراته ، وتحمل الأنثى ما لم تعد لحمله ، ثم يقال : هذه متطلبات ركب الحياة ، ويراد من شريعة الإسلام أن يقر هذا الوضع ، وتنحدر مع الركب المنحدر ، لإنهم يسمونه الركب الصاعد ! ! .
  ومرونة الإسلام ليست موضوعاً للشك ، ومواكبة شريعته للحياة والأزمان ليست محلاً للريبة ، ولكن ليس من معاني كلمة المرونة ـ التي يصح لنا ان نصف بها الإسلام ـ أن يقر الفاسد على فساده .