القسم الرابع : نتائج النزاع :
  ولعل المراد بأن الله يطعمهم ويسقيهم : انه تعالى يلطف بهم ، ويكيف اجسادهم بحيث تقل حاجتها الى الطعام والشراب ، الذي ربما لا يستطيع الجسد ان يتكيف معه ، بملاحظة مضاعفات المرض التي تلم به ... وليس ذلك على الله تعالى ببعيد .

لا يكلف المريض المشي :
  وقد روى عن ابي عبد الله عليه السلام : ان ( المشي للمريض نكس ) (1) .
  ولعل ذلك بملاحظة : ان الطاقة التي يفترض ان يصرفها البدن في التغلب على المرض ... يصرفها في تكلف المشي ، ان لم يصرف تكلفه هذا ازيد من المعتاد ، بملاحظة الحالة الخاصة التي يعاني منها ... ومعنى ذلك : ان ينتكس المريض ، ويعطى الفرصة للمرض ليتغلب عليه ، ويفتك فيه من جديد .

حمل الادوية في السفر :
  والذي يلاحظ الروايات الواردة في مجال الطب العام يجد انها لم تهمل ايا من الحالات التي يتعرض لها الانسان عادة ، ومن جملتها حالة السفر ، حيث امرت الرواية باستصحاب الادوية التي ربما يحتاج اليه للعوارض التي تترافق مع السفر عادة ، والتي تنتج عن المتغيرات التي يتعرض لها الانسان في مواجهة المناخات والاجواء المختلفة ، او عن استخدامه لوسائل النقل المختلفة ، هذا عدا عن ان بعض الامراض لربما تظهر في بعض البلاد دون بعض .
  نعم ... ولاجل هذا نجد لقمان ينصح ولده ـ اذا اراد السفر ـ فيقول : ( تزود معك الادوية فتنتفع بها انت ومن معك (2) ) .

**************************************************************
(1) راجع : الوسائل ج 2 ص 632 وروضة الكافي ص 291 ، والبحار ج 62 ص 266 عنه ، وطب الصادق ص 76 ... وسفينة البحار ج 2 ص 78 .
(2) المحاسن للبرقي ص 360 والبحار ج 76 ص 275 و 273 و 270 عنه وعن دعوات الراوندي ومكارم الاخلاق ص 254 والوسائل ج 8 ص 311 والكافي ج 8 ص 303 ومن لا يحضره الفقيه ج 2 ص 185 .

  الآداب الطبية في الاسلام   ـ 127 ـ

العلاج بما يخاف ضرره :
  وبعد كل ما تقدم ... فانه اذا كان الطبيب يرى ان الدواء الفلاني يفيد في دفع المرض واستئصاله لكنه يعلم ان له مضاعفات سيئة على المريض فان كانت هذه المضاعفات مما لا يتسامح العرف ولا الشرع بالاقدام عليها لم يجز له ذلك ، والاّ جاز . وكذا الحال بالنسبة للمريض نفسه ، فانه يجوز له تناول الدواء وان كان يحتمل ضرره احتمالا لا يعتد به العرف والعقلاء ... ويشير الى هذا ما عن الدعائم ، عن جعفر بن محمد عليه السلام : انه رخص في الكي فيما لا يتخوف فيه الهلاك ولا يكون فيه تشويه (1) ) .
  وعن يونس بن يعقوب قال : سألت ابا عبد الله عليه السلام عن الرجل يشرب الدوء وربما قتل ، وربما سلم ، وما يسلم منه اكثر ، قال : فقال : انزل الله الدواء ، وانزل الشفاء ، وما خلق الله داء الا وجعل له دواء ، فاشرب وسم الله تعالى (2) .
  وعن يونس بن يعقوب ، قال : قلت لابي عبد الله عليه السلام : الرجل يشرب الدواء ، ويقطع العرق ، وربما انتفع به ، وربما قتله ، قال يقطع ويشرب (3) .
  وفي هذا المعنى روايات اخرى ايضا (4) .

حفظ الاسرار الطبية :
  سيأتي في بحث عيادة المريض : البحث في انه هل ينبغي للمريض كتمان مرضه ام لا ؟ والذي نريد : ان نشير اليه هنا هو كتمان الطبيب للاسرار الطبية ، ولابد

**************************************************************
(1) البحار ج 62 ص 74 .
(2) الوسائل ج 17 ص 178 / 179 وطب الائمة ص 63 .
(3) الوسائل ج 17 ص 177 ـ 178 وروضة الكافي ص 194 .
(4) الوسائل ج 17 ص 176 ـ 179 وفي هامشه مصادر اخرى .

  الآداب الطبية في الاسلام   ـ 128 ـ

من التكلم في ذلك من ناحيتين :
  الاولى : انه لابد وان يحفظ الطبيب سر المريض فلا يبوح به لاحد ... وقد ورد في الشريعة المطهرة الحث على كتمان سر المؤمن ، ووعد الله ان يجعل من يكتم سر اخيه المؤمن يستظل بظل عرش الله يوم القيامة ، يوم لاظل الا ظله (1) .
  وعن عبدالله بن سنان قال : قلت له : عورة المؤمن على المؤمن حرام ؟ قال نعم ، قلت : سفلته ؟ قال : ليس حيث يذهب ، انما هو اذاعة سره (2).
  كما انه اذا اطمأن المريض الى ان سره محفوظ ... فان يصير اكثر شجاعة على البوح للطبيب بكثير من الامور التي قد يكون لها اكبر الاثر ، او الاثر الكبير في معرفة حقيقة الداء ، الامر الذي يسهل على الطبيب وصف المناسب والناجع من الدواء ... كما انه يمكن ان تصدر من المريض الكثير من الامور التي يحب ان لا يعلمها منه احد وهذا امر طبيعي وواضح ...
  نعم ... وقد امر الشارع المريض بان لا يكتم الطبيب مرضه ، لان كتمانه اياه يجعل الطبيب غير قادر على فهم حقيقة ما يعاني منه مريضه من جهة ...
  هذا ان لم يكن ذلك سببا في ان يفهم غير ما هو الواقع ، فيصف له ليس فقط ما لا يجدي ، بل وما قد يضر بحالته ويكون له مضاعفات خطيرة جداً عليه من جهة اخرى ...
  وورد ان عليا ( ع ) اشار الى الجهة الاولى بقوله : من كتم مكنون دائه عجز طبيبه عن شفائه (3) ، وعنه ( ع ) : لاشفاء لمن كتم طبيبه داءه (4) .
  واشار الى الجهة الثانية فقال ( ع ) فيما روى عنه : من كتم الاطباء مرضه

**************************************************************
(1) قصار الجمل ج 2 ص 179 عن الوسائل كتاب النكاح باب 12 حديث 3 .
(2) اصول الكافي ج 2 ص 267 ط المكتبة الاسلامية والمحاسن ص 104 والوسائل ج 8 ص 608 وج 2 ص 368 وراجع هامشها .
(3) غرر الحكم ج 2 ص 667 .
(4) غرر الحكم ج 2 ص 833 .

  الآداب الطبية في الاسلام   ـ 129 ـ

  خان بدنه (1) .
  ولقد جاء في القسم المنسوب الى ابقراط : ( ... واما الاشياء التي اعانيها في اوقات علاج المرضى ، واسمعها في غير أوقات علاجهم في تصرف الناس في الاشياء ، التي لا ينطق بها خارجا ، فامسك عنها ، وارى ان امثالها لاينطق به ... ) (2) .
  وجاء في الوصية المنسوبة لابقراط ايضا ان الطبيب : ( ينبغي ان يكون مشاركا للعليل مشفقا عليه ، حافظا للاسرار ، لان كثيرا من المرضى يوقفونا على امراض بهم لا يحبون ان يقف عليها غيرهم ) (3) .
  وقال علي بن العباس : ( يجب على الطبيب ان يحفظ اسرار المريض ، ولا يفشيها ، لا لاقاربه ولا لغيرهم ممن يتصل به ، لان كثيرا من المرضى يكتمون ما بهم عن اقرب الناس اليهم ، حتى والديهم ، ويبوحون به للطبيب كاوجاع الرحم والبواسير ... فعلى الطبيب ان يحافظ على سر المريض اكثر من المريض نفسه (4) ) ...
  الثانية : كتمان اسرار الطب عمن يمكن ان يسيء استعمالها ... وقد روى عن الصادق عليه السلام أن : ( لكل شيء زكاة ، وزكاة العلم ان يعلمه اهله ) (5) وفي معناه غيره .
  وعن علي ( ع ) : ( شكر العالم على علمه ان يبذله لمن يستحقه ) (6) .

**************************************************************
(1) غرر الحكم ج 2 ص 663 .
(2) عيون الانباء ص 45 .
(3) عيون الانباء ص 46 / 47 .
(4) تاريخ طب در ايران ج 2 ص 457 عن كتاب كامل الصناعة الطبية الملكي .
(5) البحار ج 2 ص 25 وقصار الجمل ج 2 ص 56 وراجع اصول الكافي ج 1 باب سؤال العلم وتذاكره .
(6) البحار ج 2 ص 81 عن كنز الكراجكي وقصار الجمل ج 2 ص 60 .

  الآداب الطبية في الاسلام   ـ 130 ـ

  وفي البحار ج 2 روايات متعددة يستفاد منها هذا المعنى .
  وواضح ان من يسيىء استعمال العلم ليس ممن يستحق العلم ، ولا هو من اهله ولعل من اظهر مصاديق هؤلاء العدو الغاشم ، فلا بد من الاحتياط منه وعدم اطلاعه لا على الادوية ولا على اسرارها ... فعن علي ( ع ) : ثلاثة لا يستحى من الختم عليها : المال لنفي التهمة ، والجوهر لنفاسته ، والدواء للاحتياط من العدو (1) .
  واما بالنسبة لغير العدو فقد قال علي بن العباس : ان على الطبيب ان ( لا يجوز لهم الدواء الخطر ، ولا يصفه لهم ، ولايدل المريض على ادوية كهذه ، ولا يتكلم عنها امامه ، ولا يجوز لهم الادوية المسقطة للجنين ، ولا يدل عليها احدا (2) ) .
  وما ذلك الا لان الطب لم يكن الا لخدمة الانسانية ، والتخفيف من آلامها ، فاذا اسيىء استعماله ، وكان مضرا بالانسان وبالانسانية ، فان الانسانية تكون في غنى عنه ، وليست بحاجة اليه .
  وقد جاء في القسم المنسوب الى ابقراط : ( واما الاشياء التي تضر بهم ، وتدنى منهم بالجور عليهم فأمنع منها بحسب رأيي ، ولا اعطى اذا طلب مني دواء قتالا ، ولا اشير ايضا بمثل هذه المشورة . وكذلك ايضا لا ارى ان ادنى من النسوة فرزجة تسقط الجنين (3) ) .

تحري الدقة في اجراء الفحصوصات :
  وبعد ... فان على الطبيب ان يتحرى الدقة التامة في مجال اجرائه الفحوصات للمريض ، فان ذلك بالاضافة الى انه من مقتضيات الامانة ... فانه مما تفرضه المشاعر الانسانية النبيلة بالنسبة لهذا الانسان الذي سلم امره اليه ، وعلق الكثير من آماله عليه ... وقد اشار امير المؤمنين علي ( ع ) الى ذلك حينما قال ـ فيما روى عنه ـ : ( لاتقاس عين في يوم غيم ) (4) ، وقد تقدم ما فيه اشارة الى ذلك ايضا .

**************************************************************
(1) شرح النهج للمعتزلي ج 2 ص 289 .
(2) تاريخ طب در ايران ج 2 ص 457 عن كتاب : كامل الصناعة الطبية الملكي .
(3) عيون الانباء ص 45 ، والفرزجة : شيء يتداوى به النساء ...
(4) الوسائل ج 19 ص 280 والتهذيب ج 10 ص 268 والفقيه ج 4 ص 101 .

  الآداب الطبية في الاسلام   ـ 131 ـ

من مواصفات الطبيب الحاذق :
  واخيرا ... فقد ذكر البعض بعض المواصفات التي يفترض بالطبيب الحاذق ان يراعيها ويهتم بها ... وقد تقدم بعض ما يشير الى نقاط منها ... وبقى ان نشير منها الى ما يلي :
  1 ـ ان يعرف نوع المرض .
  2 ـ ان يعرف سببه .
  3 ـ معرفة المزاج الطبيعي للبدن .
  4 ـ معرفة المزاج الحادث على غير المجرى الطبيعي .
  5 ـ سن المريض .
  6 ـ عادات المريض .
  7 ـ ملاحظة حالة الجو الحاضرة وما ينسجم معها .
  8 ـ ملاحظة كونه في اي فصل من فصول السنة .
  9 ـ النظر في امكان المعالجة لتلك العلة ، او تخفيفها ، ام لا يمكن .
  10 ـ ملاحظة بلد المريض وتربته .
  11 ـ النظر في امكان المعالجة بغير الدواء ، كالحمية والغذاء والهواء ، ثم بالادوية البسيطة ، ثم المركب ... وهكذا ...
  12 ـ النظر في الدواء المضاد لتلك العلة ، ثم الموازنة بين قوته وقوة ذلك المرض ، بالاضافة الى قوة المريض نفسه .
  13 ـ ان يربط المريض بالله ، واعتباره القادر على شفائه ، وتوجيهه نحو تصفية النفس ، والاخلاص له تعالى ... (1) .
  انتهى ما اردناه من كلامه ، مع تصرف ، وزيادة ، وحذف ... وبعضه يمكن استخلاصه مما تقدم ومن غيره من روايات اهل البيت عليهم السلام ، او يدخل في قواعد عامة صدرت عنهم صلوات الله وسلامه عليهم اجمعين ...

**************************************************************
(1) الطب النبوي لابن القيم ص 112 ـ 114 .

  الآداب الطبية في الاسلام   ـ 132 ـ

معالجة غير المسلم للمسلمين :
  ولم يمنع الاسلام من مداواة اليهودي والنصراني للمسلم ، فقد روى عن ابي جعفر عليه السلام ، قال : سألته عن الرجل يداويه النصراني واليهودي ، ويتخذ له الادوية ، فقال : لا بأس بذلك ، انما الشفاء بيد الله (1) .
  وعن عبد الرحمان بن الحجاج قال : قلت لموسى بن جعفر ( ع ) : اني احتجت الى طبيب نصراني ، اسلم عليه ، وادعو له ، قال : نعم ، انه لا ينفعه دعاؤك (2) .
  وقد داوى رجل يهودي بعض الناس على عهد النبي ( ص ) ، واخرج من بطنه رجراجاً ، كما تقدم (3) كما ان الحارث بن كلدة قد عالج بعض الصحابة بأمر من النبي ـ كما يقولون ـ مع انهم يقولون : انه لا يصح ان الحارث قد اسلم ، فراجع كتب تراجم الصحابة ، والمصادر المتقدمة في الفصل الاول من الكتاب .
  وقال الشهيد في الدروس : يجوز المعالجة بالطبيب الكتابي ، وقدح العين عند نزول الماء (4) .
  وذلك يدل بوضوح على ان الاسلام يهتم بالكفاءات اينما وجدت ، ولان ذلك لا يؤثر على عقيدة الانسان المسلم ، ولا في سلوكه ، بل هو يساهم في اعادة السلامة والمعافاة له ... الامر الذي يمكنه من العودة الى مجال الحياة والنشاط فيها ، وخدمة نفسه ومجتمعه على مختلف الاصعدة .
  الا اذا كان ذلك يوجب مودة لليهود والنصارى ، ومحبة لهم ، تكون سببا في الانحراف عن الجادة المستقيمة ، والوقوع في مهاوي الجهل والحيرة والضياع ...

**************************************************************
(1) الوسائل ج 17 ص 181 ، والبحار ج 62 ص 73 و 65 والفصول المهمة ص 439 وقصار الجمل ج 1 ص 209 .
(2) الفصول المهمة ص 440 ، والوسائل ج 8 ص 457 وقال في هامشه : ( الاصول ص 615 : اخرجه عنه ... وعن كتب اخرى في كتب اخرى في ج 2 في 1 / 46 من الدعاء ) انتهى، وقرب الاسناد ص 129 والبحار ج 75 ص 389 .
(3) تقدمت المصادر لذلك .
(4) البحار 62 ص 65 و 288 .

  الآداب الطبية في الاسلام   ـ 133 ـ

الفصل الرابع : التمريض و المستشفى :

  الآداب الطبية في الاسلام   ـ 135 ـ

  بداية :
  وبعد ... فقد حان الوقت لاعطاء لمحة سريعة عن المواصفات التي ينبغي توفرها في المستشفى من وجهة نظر اسلامية .
  ثم الاشارة الى علاقة الممرض بالطبيب وبالمريض ...
  وبعد ذلك محاولة التعرف على رأي الاسلام الصريح في تمريض وتطبيب الرجل للمرأة وعكسه ، وكذلك في تشريح الموتى ، مع مراعاة الاختصار مهما امكن ... فان كل ذلك مما تمس اليه الحاجة بالفعل ... فـ : الى ما يلي من صفحات ...

  الآداب الطبية في الاسلام   ـ 136 ـ

المستشفيات النموذجية :
  وبعد ... فانه اذا كانت خدمة المريض ، والقيام بشؤونه يوجبان الاجر الجميل ، والثواب الجزيل ، حيث كان قريبا من الله ، مستجاب الدعاء ... فلا بد وان يكون في محيط يتناسب مع حالته المتميزة هذه ...
  ومن الجهة الاخرى ... فانه اذا كان المرض يجعل لدى المريض قابلية التفاعل ببعض التلوثات ، والاجواء الموبوءة ، الامر الذي يحمل معه احتمالات مضاعفات غير مرغوب فيها في هذا المجال ... فان من المحتم ـ والحالة هذه ـ ان يكون المريض في محيط يتوفر فيه عنصر الوقاية الصحية ... والابتعاد عن كل مامن شأنه ان يؤثر عكسيا ، بشكل مباشر ، او غير مباشر على المستوى الصحي له ...
  واذا كان بحث الوقاية الصحية يعتبر من الموضوعات الاسلامية المتنوعة ، والمتعددة الابعاد ، وليست الاحاطة بها بالامر السهل اليسير ، وتحتاج الى دراسة معمقة ، وشاملة ... فاننا لا يسعنا في هذه العجالة الا ان نكتفي هنا بالاشارة الى بعض النقاط التي ترتبط بالحالة العامة في المستشفيات ، وشؤونها واوضاعها المختلفة ، وبعض مواصفاتها ، بشكل موجز ومحدود ... فنقول : ...

مواصفات المستشفى الاسلامي :
  لقد ورد عن النبي الاعظم صلى الله عليه وآله وسلم ذكر لكثير من المواصفات

  الآداب الطبية في الاسلام   ـ 137 ـ

  المطلوب توفرها في محل السكنى والمنازل ... ونستطيع ان نفهم من التأمل في الحكمة في اعتبارها ومطلوبيتها : ان توفرها في المستشفى الذي يعالج فيه المرضى اكثر ضرورة والحاحا ... كما سنرى ...
  ويمكن ان نجمل هذه المواصفات التي يمكن استخلاصها من الروايات على النحو التالي :
  الف : ما يرتبط بموقع المستشفى ...
  1 ـ ان تكون بقعته حسنة اللون جيدة الموضع (1) ...
  2 ـ ان يكون الهواء طبيا (2) ...
  3 ـ ان يكون ثمة ماء غزير عذب ، بحيث يقع النظر عليه (3) ...
  4 ـ ان يكون في بقعة ، تربتها لينة رخوة (4) في مقابل الصلبة .

**************************************************************
(1) راجع : مكارم الاخلاق ص 125 / 126 و 253 والبحار ج 76 ص 265 عن المزار الكبير وص 154 ومن لا يحضره الفقيه ج 2 ص 195 والوسائل ج 8 ص 324 والكافي ج 8 ص 349 والمحاسن ص 375 .
(2) راجع : تحف العقول ص 237 والبحار ج 78 ص 234 .
(3) راجع تحف العقول ص 237 و 306 والبحار ج 78 ص 234 و ج 62 ص 144 وج 78 ص 320 وج 10 ص 368 والمحاسن ص 622 والخصال ج 1 ص 92 والوسائل ج 3 ص 589 وج 14 ص 38 وقصار الجمل ج 2 ص 287 و 328 .
(4) تحف العقول ص 237 والبحار ج 78 ص 234 وج 76 ص 265 عنه وعن المزار الكبير ومكارم الاخلاق ص 253 ومن لا يحضره الفقيه ج 2 ص 195 والوسائل ج 8 ص 324 والكافي ج 8 ص 349 والمحاسن ص 375 .

  الآداب الطبية في الاسلام   ـ 138 ـ

  5 ـ ان يكون كثير العشب والاشجار ، بحيث لا يقع النظر فيه الا على الخضرة (1) ...
  6 ـ ان لا يكون في منخفض من الارض ، كواد ، ونحوه (2) .
  7 ـ ان يكون في المدينة (3) .
  8 ـ ان يكون بعيدا عن اماكن الضوضاء والضجة ، كالشوارع المزدحمة ونحوها (4) .
  9 ـ جودة المنظر الطبيعي العام الذي يشرف عليه (5) .
  10 ـ هذا ... بالاضافة الى لزوم كون المحيط نقيا وسالما ، فلا يكون في مرعى وبي ، ولا في مشرب دوي ، اي فيه داء ، كما عن امير المؤمنين عليه السلام (6) .

**************************************************************
(1) الكافي ج 8 ص 349 ، والمحاسن للبرقي ص 375 و 14 و 622 وعيون اخبار الرضا ج 2 ص 40 ، ومن لا يحضره الفقيه ج 2 ص 195 والوسائل ج 8 ص 324 وج 3 ص 589 وج 14 ص 38 وقصار الجمل ج 2 ص 287 ومكارم الاخلاق ص 253 ، وتحف العقول ص 306 والخصال ج 1 ص 92 وج 2 ص 58 ، والبحار ج 76 ص 265 و 141 و 322 وج 62 ص 44 ، وج 78 ص 320 عن المزار الكبير وغيره .
(2) من لا يحضره الفقيه ج 2 ص 193 ومكارم الاخلاق ص 267 و 265 والبحار ج 76 ص 265 عن المزار الكبير والوسائل ج 8 ص 316 و 317 عن المحاسن للبرقي ص 364 وقصار الجمل ج 1 ص 316 .
(3) البحار ج 76 ص 277 عن دعوات الراوندي .
(4) سيأتي بعض ما يدل على ذلك ...
(5) فقد روى عن علي عليه السلام قوله : واعوذ بك من ... وسوء المنظر في الاهل والمال ، راجع نهج البلاغة بشرح عبده ج 1 ص 92 ، ومستدرك الوسائل ج 2 ص 26 و 27 وراجع : البحار ج 76 ص 293 و 236 و 237 و 242 وفي هامشه عن امان الاخطار ص 30 وغيره .
(6) البحار ج 66 ص 412 عن النهاية ...

  الآداب الطبية في الاسلام   ـ 139 ـ

  باء : ما يرتبط بهندسة البناء بصورة عامة ... ونشير الى :
  1 ـ ان يكون البناء حسنا (1) .
  2 ـ ان تكون الهندسة جيدة ، بحيث تقل العيوب فيه بصورة عامة (2) .
  3 ـ ان تكون الغرف واسعة ، وكذلك الدار ـ الساحة ـ (3) .
  4 ـ ان لا يكون ثمة تماثيل وصور لذوات الارواح ، حتى ولو في السقوف (4) .
  5 ـ ان يكون مريحا وهنيئا (5) .
  6 ـ ان يكون منظر كل شيء فيه مريح ومقبول (6) ، لان ذلك .

**************************************************************
(1) البحار ج 76 ص 141 و 176 وج 79 ص 300 وراجع امالي الطوسي ج 1 ص 281 .
(2) الخصال ج 1 ص 100 ومعاني الاخبار ص 149 والبحار ج 76 ص 150 وفي هامشه عن امالي الصدوق ص 145 .
(3) الكافي ج 6 ص 526 و 525 ومكارم الاخلاق ص 125 و 126 و 438 والمحاسن ص 610 و 611 ، وشرح النهج للمعتزلي ج 20 ص 341 و 276 وقرب الاسناد ص 37 ومعاني الاخبار ص 149 ، والخصال ج 1 ص 100 و 126 و 159 ومستدرك الوسائل ج 2 ص 50 والوسائل ج 3 ص 557 ـ 560 وج 14 ص 24 والبحار ج 76 ص 154 و 288 و 148 حتى ص 155 ، وج 79 ص 303 و 289 وج 77 ص 46 و 53 عن نوادر الراوندي وعن امالي الصدوق ص 45 وفقه الرضا ص 48 ، واولين دانشكاه ج 2 ص 186 والتراتيب الادارية ج 1 ص 282 و 291 وقصار الجمل ج 1 ص 194 و 238 .
(4) البحار ج 76 ص 159 والمحاسن ص 612 حتى ص 621 والكافي ج 6 ص 526 ـ 528 والوسائل ج 3 ص 560 ـ 563 ومصابيح السنة ج 2 ص 93 و 94 .
(5) راجع المصادر التي قبل الحاشية الاخيرة ...
(6) راجع كثيرا من المصادر التي سبقت لتعوذه عليه السلام حين سفره من سوء المنظر في الاهل والمال ... والمصنف ج 11 ص 433 وج 5 ص 154 و 155 و 159 وفي هوامشه عن مصادر كثيرة جدا ونهج البلاغة ج 1 ص 92 .

  الآداب الطبية في الاسلام   ـ 140 ـ

  يبعث البهجة والارتياح في النفس .
  7 ـ ان يكون فيه مسجد (1) ، وان تكون بقعة المسجد سهلة الموطىء ، طيبة الموقع (2) .
  8 ـ ان يكون فيه حمام ـ شرط ان يكون في اكناف الدار (3) .
  9 ـ ان يكون فيه بيت خلاء بشرط :
  الف : ان يكون في استر موضع من البناء (4) .
  باء : ان لا يكون في مقابل الشمس والقمر ، بحيث يستقبلهما المتخلى بفرجه (5) .
  جيم : ان لا يكون الى جهة القبلة (6) .
  10 ـ ان تتسع الغرف لأكثر من سرير واحد (7) .

**************************************************************
(1) المحاسن ص 612 والبحار ج 76 ص 161 و 162 والتراتيب الادارية ج 1 ص 87 عن سنن ابي داود .
(2) المصنف لعبد الرزاق ج 1 ص 509 / 510 عن علي عليه السلام وبهامشه عن ابن ابي شيبة 1 / 147 مخطوط .
(3) الكافي ج 6 ص 529 والوسائل ج 3 ص 566 والمحاسن ص 609 والبحار ج 76 ص 151 ومكارم الاخلاق ص 128 .
(4) توحيد المفضل ، المطبوع مع امالي الامام الصادق ج 1 ص 205 والبحار ج 3 ص 76 وج 80 ص 194 .
(5) البحار ج 80 ص 169 عن امالي الصدوق ص 253 و 254 .
(6) المصادر لهذا كثيرة ... فراجع اي كتاب حديثي شئت .
(7) حيث قد ورد النهي عن نوم الانسان وحده ... فراجع : مشكاة الانوار ص 319 والكافي ج 6 ص 533 و 534 ، والمحاسن ص 398 والوسائل ج 1 ص 232 وج 3 ص 581 ـ 584 وج 16 ص 528 ومكارم الاخلاق ص 437 و 436 والبحار ج 74 ص 21 وج 76 ص 338 و 187 ص 51 و 46 وج 80 ص 170 و 182 و 173 والخصال ج 1ص 125 و 93 ، ط سنة 1389 ونقل عن ج 2 ص 102 في طبعة اخرى وقصار الجمل ج 1 ص 83 و 19 وج 2 ص 120 وفقه الرضا ص 48 عن الفقيه ج 2 ص 336 .

  الآداب الطبية في الاسلام   ـ 141 ـ

  11 ـ ان لا يتم الاستعمال للمبنى ولغرفه ، الا بعد تجصيصه ، وبعد وضع الابواب والستائر للغرف (1) .
  ولا يكون فيه آثار الخراب ، راجع : اولين دانشكاه ج 2 ص 186 .
  12 ـ ان لا يزيد ارتفاع سقف الغرف ـ بل البناء مطلقا ـ على ثمانية اذرع (2) ، ولا يكون عدة طبقات ايضا .
  13 ـ ان لا تكون الشرف والميازيب ظاهرة الى الطريق ، فقد ورد انه : ( اذا قام القائم عليه السلام : ... ووسع الطريق الاعظم ، وكسر كل جناح خارج في الطريق ، وابطل الكنف والميازيب الى الطرقات ) (3) .
  كما ان عليا عليه السلام ـ كما روى ـ كان يأمر بالمثاعب والكنف تقطع عن طريق المسلمين (4) .
  والمثعب : الميزاب ، او مسيل الحوض ، والكنف ، جمع الكنيف ، وهو السقيفة او الظلة تكون فوق باب الدار .
  جيم : ما يرتبط بأوضاع المستشفى الداخلية ، ونشير الى :
  1 ـ ان تكون الغرف حسنة الترتيب ، من حيث وضع الوسائل المحتاج اليها فيها (5) .
  2 ـ نظافة كل ما يستعمله المريض من فراش ، ولحاف وثياب يلبسها

**************************************************************
(1) الكافي ج 6 ص 533 والوسائل ج 3 ص 577 والبحار ج 79 ص 303 / 304 وج 76 ص 157 وفي هامشه عن قرب الاسناد ص 90 وعن فقه الرضا ص 48 .
(2) المحاسن ص 608 ـ 510 ومكارم الاخلاق ص 126 و 127 والكافي في ج 6 ص 529 والوسائل ج 3 ص 565 ـ 567 .
(3) الارشاد للشيخ المفيد ص 412 والوسائل ج 17 ص 347 واولين دانشكاه وآخرين بيامبر ج 2 ص 193 والبحار ج 52 ص 333 و 339 والغيبة للشيخ الطوسي ص 283 .
(4) المصنف لعبد الرزاق ج 10 ص 72 .
(5) راجع مكارم الاخلاق ص 126 .

  الآداب الطبية في الاسلام   ـ 142 ـ

  ونحو ذلك (1) .
  3 ـ كنس الغرف وتنظيفها ، سواء من الوسخ ، او من حوك العنكبوت (2) .
  4 ـ ان لا تبيت القمامة والتراب في الغرف خلف الباب مثلا ، بل لا بد ان تخرج نهارا (3) .
  5 ـ تنظيف افنية المستشفى ، وكل ما يتصل به من ساحات ومرافق ، بل لقد اعتبر عدم نظافة الافنية من التشبه باليهود (4) .
  6 ـ ان لا يكون في السقوف صور ، ولا يوضع في الغرف اي نوع من انواع التماثيل لذوات الارواح ، وقد تقدم ...

**************************************************************
(1) قرب الاسناد ص 34 وامالي الطوسي ج 1 ص 281 ، وكنز الكراجكي ص 283 والوسائل ج 1 ص 417 وفي هامشه عن الفروع ج 2 ص 15 والبحار ج 76 ص 22 و 84 و 85 و 141 و 176 وج 78 ص 93 و ج 79 ص 300 و 297 وفي هامشه عن الخصال ج 2 ص 156 و 160 وغيره .
(2) الوسائل ج 3 ص 571 و 574 ، 575 ، والكافي ج 6 ص 531 و 532 ومرآة الكمال للمامقاني ص 41 ، والمحاسن للبرقي ص 624 والبحار ج 76 ص 314 و 315 و 316 و 175 و 177 وج 66 ص 176 وفي هوامشه عن : قرب الاسناد ص 35 وعن الخصال ج 2 ص 93 وعن جامع الاخبار ، وعن دعوات الراوندي والتراتيب الادارية ج 1 ص 87 .
(3) الكافي ج 6 ص 531 والمحاسن ص 624 والوسائل ج 3 ص 571 و 572 والبحار ج 76 ص 177 و 175 وعن امالي الصدوق ص 254 ، وراجع المصنف لعبد الرزاق ج 11 ص 32 .
(4) امالي الطوسي ج 1 ص 281 ومكارم الاخلاق ص 126 و 127 والكافي ج 6 ص 531 والوسائل ج 3 ص 571 ، والمحاسن ص 624 وطب الصادق ص 76 عن الاثنى عشرية ، ورسالة آداب المتعلمين للمحقق الطوسي ، بهامش جامع المقدمات ص 198 والبحار ج 66 ص 404 وج 79 ص 300 و 303 و 304 وج 76 ص 141 و 176 و 315 و 316 و 318 وفي هامشه عن فقه الرضا ص 48 وعن دعوات الراوندي ، وعن الخصال ج 1 ص 28 و 54 وج 2 ص 93 وعن جامع الاخبار وغيرها ، واولين دانشكاه ج 2 ص 187 و 197 و 195 والطب النبوي لابن القيم ص 216 عن مسند البزار ، وراجع النهاية ج 4 ص 147 .

  الآداب الطبية في الاسلام   ـ 143 ـ

  7 ـ ان تكون الثياب المستعملة في المستشفى لينة ، لانها تسمن البدن ، ويفرح بها الجسم (1) .
  8 ـ ان لا يكون في المستشفى روائح كريهة (2) .
  9 ـ ان تكون الاسرة بحيث يكون المريض مستقبل القبلة ، نائما كان او مستيقظا (3) .
  10 ـ ان يكون لكل مريض منديل يختص به (4) .
  11 ـ ان لا يكون في الغرفة نار مشبوبة ؟ حين نوم المريض (5) .

اضواء على بعض ما تقدم :
  ان المحافظة على المريض ، وضمان عدم تعرضه لاية نكسة من اي نوع

**************************************************************
(1) البحار ج 79 ص 299 وج 76 ص 141 وج 72 ص 190 و 62 ص 261 و 295 وفي هوامشه عن : فقه الرضا ص 46 وعن الخصال ج 1 ص 74 وج 2 ص 39 وعن طب المستغفري .
(2) قرب الاسناد ص 13 وامالي الطوسي ج 1 ص 281 ، والخصال ج 2 ص 620 والبحار ج 76 ص 84 و 119 و 176 و 141 وج 79 ص 300 عن امان الاخطار وغيره ، والوسائل ج 1 ص 434 ، والكافي ج 56 ص 492 وفيه : رواجبكم ، بدل روائحكم ، والرواجب هي : اصول الاصابع .
(3) مشكاة الانوار ص 204 ومستدرك الوسائل ج 2 ص 76 عنه وعن لب اللباب ، وعن كتاب الغايات والبحار ج 75 ص 469 وج 77 ص 130 وتحف العقول ص 20 وقصار الجمل ص 106 ج 1 .
(4) فقد كان لامير المؤمنين عليه السلام خرقة يمسح بها وجهه اذا توضأ ، ثم يعلقها على وتد ، ولا يمسها غيره ، راجع : المحاسن ص 429 والبحار ج 80 ص 330 .
(5) مكارم الاخلاق ص 128 والوسائل ج 3 ص 577 والمصنف ج 11 ص 46 وفي هامشه قال : اخرجه الشيخان والترمذي 3 : 85 .

  الآداب الطبية في الاسلام   ـ 144 ـ

  كانت ، ثم تهيئة الاجواء الملائمة والمناسبة للاتجاه بالمريض نحو الصحة والسلامة ... لايمكن ان يكون سهلا وميسورا كما ربما يبدو لاول وهلة ، بل هو امر صعب يحتاج الى معاناة ، والى جد وعمل ومثابرة ... ونحن في مجال اعطاء لمحة عامة عن بعض المواصفات التي تقدمت ، والتي ينبغي توفرها في المستشفيات من وجهة نظر اسلامية ... نشير الى النقاط التالية :
  1 ـ انه لا بد وان يكون المستشفى في الموضع الذي تشتد فيه حاجة الناس اليه ، ويمكن ان نفهم هذا ورجحان تكثير المستشفيات او الاستعاضة عنها بالمستوصفات العامة في الاماكن المختلفة ، من الرواية المتقدمة في آخر الفصل السابق ، والتي يأمر فيها لقمان ابنه ، بحمل الادوية معه في السفر ، حتى اذا احتاج احد المسافرين اليها ... فانها تكون في متناول يده ، الامر الذي يعكس مدى اهتمام الاسلام بصحة الناس وسلامتهم البدنية ...
  كما اننا يمكن ان نستفيد من ذلك : ان الاسلام يريد تعميم الطب ، وتيسير الوصول اليه والحصول عليه لكل احد ، في كل وقت ، ودون مشقة ...
  ولا بد وان نفهم من ذلك ايضا : ان الشارع يهتم في ان لا يكون في المستشفيات اية تعقيدات ادارية تعيق المراجعين عن الوصول الى الطبيب والى الدواء بالسرعة الممكنة ...
  2 ـ كما ان بعض ما تقدم وما سيأتي يجعلنا نبادر الى القول : بأن المستشفيات لابد وان تخلو من كل ما يوجب سخط الله سبحانه وتعالى ، والحرمان من رحمته وغفرانه ، لان المريض يعيش الحالة التي هي رحمة الهية ، وكرامة ربانية ، ومن موجبات زكاة النفس ، والطهارة من الذنوب ، كما صرحت به الروايات الكثيرة التي لا مجال لنقلها هنا ... هذا من الناحية السلبية .
  ومن الناحية الايجابية فانه لا بد وان تتوفر في هذه المستشفيات حالة روحية

  الآداب الطبية في الاسلام   ـ 145 ـ

  تنسجم مع ما اخبر عنه المعصومون بالنسبة لدرجات القرب ، والرحمة والغفران للمريض ، ولكل من يقوم بخدمته ، او يسعى لعيادته ، كما سنشير اليه ان شاء الله تعالى ...
  3 ـ وبعد هذا ... فلا بد من توفير عنصر الهدوء في المستشفيات ، فلا ضجة ، ولا ضوضاء فيها ... الامر الذي يستدعي اضجار المريض ، وازعاجه وتبرمه ، وهو من احوج الناس الى الراحة والطمأنينة ، هذا بالاضافة الى وجوب توفر عنصر الرحمة له ، واللطف به ، فلا يصح اثارة عواطفه ولا اغضابه ...
  وقد ورد عن ابي عبد الله الصادق عليه السلام قوله : ( ثلاثة دعوتهم مستجابة : الحاج ، والغازي ، والمريض ... فلا تغيظوه ، ولا تضجروه ) .
  او ( ولا تزجروه ) (1) وقد ورد في القرآن الكريم الامر بغض الصوت على لسان لقمان في نصائحه لابنه : .
  ( واغضض من صوتك ، ان انكر الاصوات لصوت الحمير ) (2) .
  وقد نعى القرآن ايضا على الذين يرفعون اصواتهم فوق صوت النبي ( ص ) ... ويستفاد هذا المعنى ـ اي حسن غض الصوت ـ من آيات اخرى كذلك ...
  يقول الدكتور باك نجاد رحمه الله تعالى : ( لقد اثبتت التجارب على الحيوان ان الضجيج يزيد من حساسيتها تجاه الميكروب ، ويوجب مرض الكلى ، وقرحة المعدة ، بل يوجب الموت العاجل سواء بالنسبة للانسان ، او بالنسبة لغيره ) (3) .
  ويقول : ( قد ثبت لدى العلماء : ان السبب في ازدياد تناول الاقراص المهدئة للاعصاب هو الضجيج الناشىء عن الكثافة السكانية ، وبالخصوص ... فان وجود العمارات

**************************************************************
(1) اصول الكافي ط المكتبة الاسلامية ج 2 ص 369 ، والبحار ج 81 ص 225 عن عدة الداعي ، والوسائل ج 2 ص 637 وج 4 ص 1162 عن اصول الكافي .
(2) لقمان 19 .
(3) اولين دانشكاه وآخرين بيامبر ج 15 ص 162 .

  الآداب الطبية في الاسلام   ـ 146 ـ

  الشاهقة ، وناطحات السحاب له اثر حتمي في تحطيم الاعصاب ) (1) .
  ويقول الدكتور هال : ( يبدو ان السكنى في الطبقات العليا من البنايات لها مدخلية فيما يعانيه الساكن من غم ويأس .
  اما الذين يعيشون في غرف لا منافذ لها ، ولا يتصلون بالفضاء الخارجي الا قليلا ، فانهم يرتكبون خطأ اكبر (2) ) .
  وذلك يوضح عدم صحة كون المستشفى مؤلفا من طبقات عديدة ... فان ذلك يضر بحالة المريض ، كما يضر من نواح اخرى لا مجال لها ... وقد نهى الائمة عليهم السلام عن رفع البناء ... فعن الصادق ( ع ) انه قال : اذا بنى الرجل فوق ثمانية اذرع نودى : يا افسق الفاسقين اين تريد ، وبمعناه غيره (3) .
  كما ان ذلك يوضح ضرورة بعد المستشفى عن الاماكن ، والشوارع المزدحمة بالناس وبالسيارات ، حيث العجيج والضجيج ، ويؤكد على لزوم كونه في مكان مطمئن وهادىء ... كما انه لايمكن السماح بأي نوع من انواع الضجيج في داخل المستشفى ، ولا سيما في اوقات نوم المرضى ، فان النوم راحة الجسد (4) ... فلا بد من تمكين الجسد من التمتع بهذا القسط من الراحة .
  4 ـ لا بد وان تكون غرف المستشفى بحيث تتسع لاكثر من سرير واحد ، وذلك لورود النهي الاكيد عن نوم الانسان منفردا ... ولا بد وان يتأكد ذلك النهي بالنسبة الى المريض الذي يتعرض لحالات طارئة ، بسبب مضاعفات المرض غير المتوقعة في احيان كثيرة ... الامر الذي يحتم وجود آخرين معه من المرضى انفسهم ، حيث لا يمكن السماح للاصحاء بالتواجد معه في كثير من الاحيان ...

**************************************************************
(1) المصدر السابق ج 2 ص 184 .
(2) المصدر السابق ج 2 ص 182 .
(3) المحاسن للبرقي ص 608 والوسائل ج 3 ص 566 و 565 .
(4) طب الصادق ص 77 عن امالي الصدوق .

  الآداب الطبية في الاسلام   ـ 147 ـ

  كما ان الراحة النفسية للمريض تحتم سعة غرفته ، وسعة الساحة التي يشرف عليها ، هذا عدا عن ان الحث على عيادة المريض يفرض ان تكون الغرف بحيث تتسع لاستقبال زائريه ، من دون ان يضر ذلك بحالته ، او يؤدي الى اضجاره وازعاجه بأي نحو كان ... كما لابد للمريض من ان يشرف على فضاء ارحب ، وتكون الساحة الخارجية للمستشفى قادرة على تأمين ذلك بالاضافة الى قدرتها على تأمين الاحتياجات الطبيعية لمؤسسة كهذه ... والروايات تهتم كثيرا بالتأكيد على لزوم السعة في المنزل ، وفي الساحة ...
  5 ـ لا بد من رسم اوقات للعيادة ، بحيث تكون في كل ثلاثة ايام مرة ، مع مراعاة عدم اطالة فترتها ـ وسنشير الى الروايات المرتبطة بذلك في الفصل الاتي ان شاء الله .
  6 ـ وبعد ... فقد ورد في الروايات التأكيد الشديد على النظافة ، واعتبرت من الايمان ... وان الله يكره من عباده القاذورة ... وقد ورد : ان غسل الثياب يذهب بالهم والحزن (1) وعن علي عليه السلام : من نظف ثوبه قل همه (2) .
  ومعلوم : ان هذا الامر ـ يعني الهم ـ سيىء الاثر والعاقبة على المريض ... اذ ان الهم نصف الهرم ، كما عن علي عليه السلام (3) ... وعن النبي ( ص ) : من كثر همه سقم بدنه (4) ... وعن الكاظم ( ع ) : كثرة الهم يورث الهرم (5) .
  نعم ... وقد اثبتت البحوث العلمية صحة هذا الامر ، فان الهم يرهق الاعصاب

**************************************************************
(1) البحار ج 76 ص 84 و 22 وفي هامشه عن الخصال ج 2 ص 156 و 160 .
(2) كنز الفوائد للكراجكي ص 283 ، والبحار ج 78 ص 93 عنه .
(3) كنز الفوائد للكراجكي ص 287 والخصال ج 2 ص 620 والبحار ج 78 ص 93 عن الاول .
(4) امالي الطوسي ج 2 ص 125 والبحار ج 77 ص 126 .
(5) تحف العقول ص 301 والبحار ج 78 ص 326 عنه .

  الآداب الطبية في الاسلام   ـ 148 ـ

  ويترك اثرا كبيرا على نشاط الجسم وحيويته ، واستمرار ذلك يؤدي الى السقم والمرض ... وتفصيل ذلك موكول الى اهل الاختصاص في محله .
  واما بالنسبة لنظافة الغرفة ، وجميع ما فيها من وسائل ، وعدم ابقاء القمامة فيها ليلا ... وكذلك نظافة الساحات والافنية والمرافق ، فقد ورد التأكيد عليها كثيرا في كلامهم عليهم الصلاة والسلام بالنسبة الى بيت السكنى ، وواضح ان تأكد ذلك بالنسبة للمستشفيات والمستوصفات اكثر وضوحا ، مادام ان ذلك يمس سلامة المريض النفسية ، هذا عدا عما له من آثار جسدية ايضا بملاحظة : ان التساهل والاهمال في هذا الامر لربما يكون له مضاعفات لا تحمد عقباها بالنسبة للمرضى الذين يفترض الاهتمام بمعالجتهم ، وبابعاد كل ما يمكن ان يحمل ميكروباً عنهم ، لا بزيادة مشاكلهم ، ومتاعبهم وآلامهم ...
  7 ـ وبعد هذا ... فانه اذا كانت النار المتوقدة في الغرفة تساهم في تقليل كمية الاوكسجين فيها ، فان من الطبيعي ان يترك ذلك اثرا على تنفس المريض ، حيث تقل كمية الاوكسجين التي تصل الى الجسم ، ويمكن ان يترك ذلك اثرا سيئا على الحالة الصحية العامة للمريض ، ويحدث له مشاكل ومضاعفات جديدة ، كان في غنى عنها ، ولعل هذا هو بعض السر في نهيهم عليهم السلام عن النوم في الغرفة التي فيها نار مشبوبة .
  8 ـ واما بالنسبة لكون المكان كثير العشب والشجر (1) ... فان الامر فيه

**************************************************************
(1) ان اهتمام الاسلام بالشجر والخضرة واضح جدا حتى لقد حرم على الحجاج قطع شجر الحرم ، وجعل عليهم الكفارة في ذلك ... كما ان النبي ( ص ) كان يوصى المقاتلين بأن لا يقطعوا شجرا ، ولا يتلفوا زرعا ... وفي وصية علي عليه السلام لولده : ( وان لا يبيع من اولاد نخيل هذه القرى ودية ، حتى تشكل ارضها غراسا ) قال الرضى : ( والمراد : ان الارض يكثر فيها غراس النخل ، حتى يراها الناظر على غير تلك الصفة التي عرفها ... فيشكل عليه امرها ، ويحسبها غيرها ... ) راجع نهج البلاغة بشرح محمد عبده ج 3 ص 26 ، وقال تعالى : ( لقد

  الآداب الطبية في الاسلام   ـ 149 ـ

  واضح ... فعدا عن ان النظر الى الخضرة من شأنه ان يبعث البهجة والارتياح في النفس ، ويجلو البصر ... فان هذه الاشجار والاعشاب بالذات هي التي تجعل الهواء طريا وصافيا ، بالاضافة الى انها تغنيه بمادة الاوكسجين التي تفرزها ، والتي هي بمثابة الغذاء للجسم ، وتصل اليه عن طريق التنفس وعن طريق خلايا الجسم الظاهرة ، التي اهتم الاسلام بالمحافظة على قدرتها على القيام بوظيفتها عن طريق الامر بالنظافة والغسل ، وغير ذلك من امور ضرورية لذلك ...
  9 ـ اما وضع الاسرة في المستشفى ، بحيث يكون المريض مستقبلا للقبلة في مجلسه وفي حال نومه ... فانه هام ايضا ... حيث ان ذلك يمكن الجسم ـ بسبب ملاحظة بعض التوازنات بالنسبة للدورة الدموية وللجاذبية وغيرها ـ من ان يحتفظ بذرات الحديد المتواجدة فيه في حالة متوازنة ، وقد شرح ذلك المرحوم الشهيد الدكتور باك نجاد في كتابه اولين دانشكاه وآخرين بيامبر ، فراجع ... وحسبنا ما ذكرناه هنا ... فان استقصاء الكلام في تلك الخصوصيات يحتاج الى وقت طويل وتأليف مستقل ، وغرضنا هنا هو الاشارة الى بعض ذلك ، لا كله ... وللتوسع مجال آخر ...

علاقة الطبيب بالممرض :
  واما عن العلاقة بين الممرض والطبيب ، فيجب ان تحكمها الروح الاسلامية والانسانية ...

   كان لسبأ في مسكنهم آية جنتان عن يمين وشمال ، كلوا من رزق ربكم ، واشكروا له ، بلدة طيبة ورب غفور ) سبأ 15 .
  وهذا كثير جدا ... وهو يعطي حقيقة القيمة التي يعطيها الاسلام للشجرة حتى ليهتم بتعويد الناس على المحافظة على الشجر والزرع ولو عن طريق وضع العقاب على المخالفة في ذلك ، وحتى في حال الحرب مع العدو .

  الآداب الطبية في الاسلام   ـ 150 ـ

  وعلى الطبيب ان لا يرهق الممرض ، ويجعله يتضايق نفسيا ، لان ذلك يمكن ان يؤثر على معاملته واخلاقياته مع المريض ، وبالتالي على مستوى خدمته له ونوعيتها .
  كما ان على الممرض ان يحترم الطبيب ، ويسارع الى تلبية طلباته ... لانها انما تكون من اجل المريض وفي سبيله ، وليست طلبات شخصية له ...
  واذا كان كل من الطبيب والممرض يسعيان الى هدف واحد ، وهو انقاذ المريض ، والتخفيف من آلامه ، ثم الحصول عن طريق ذلك على رضا الله سبحانه ... فلماذا لا يتعاونان على الوصول الى ذلك الهدف ، الذي يرضى الله ، والضمير ، والوجدان الانساني ؟ ! .

الممرض في المستشفى :
  وبعد كل ما تقدم ... فان العلاقة بين الممرض والمريض تصبح واضحة ، وكذا السلوك العام للممرض في مختلف احواله ومواقفه ... فان كل ذلك يجب ان يكون اسلاميا بكل ما لهذه الكلمة من معنى ، وما ذلك الا لان المريض ـ كما قدمنا ـ قريب من الله ، ومن رحمته وغفرانه ، وهو مستجاب الدعوة ، وليس مرضه الا كرامة ربانية ، ورحمة الهية .
  واننا بملاحظة ما تقدم وغيره نستطيع ان نشير الى النقاط التالية :
  1 ـ ان على الممرض ان لا يزعج المريض ولا يغيظه ، بل يحافظ على مشاعره ، ويهتم براحته النفسية بكل ما اوتي من قوة وحول ... ولا يحق له ان يزجره او ينتهزه بأي وجه ...
كما ان عليه ان لا يضجره كذلك ... وذلك عملا بقول الصادق عليه السلام : ( فلا تزعجوه ولا تضجروه ) ، او ( ولا تزجروه ) ... وعنه عليه السلام : ( اسماع الاصم