الآداب الطبية في الاسلام ـ 162 ـ
منها على ما تندفع به ، فان امكن الاكتفاء بالنظر في المرآة ، لم يجز التعدي الى النظر المباشر ـ كما سيأتي في رواية النظر الى الخنثى ـ وان لم يكن الا بالنظر المباشر جاز بمقدار الضرورة ، زمانا ، وكيفية ، ولايجوز الرجوع الى الرجال مع وجود المماثل ... ولاجل هذه الضرورة طلب امير المؤمنين عليه السلام من داية الكوفة ان تنظر الى الجارية : أبكر هي ، أم ثيب
(1) ، وروى مثله عن النبي ( ص )
(2) الاّ ان يقال : ان ذلك انما يتم باللمس وهو لا يلازم النظر .
ثم هناك ما يدل على قبول شهادة النساء فيما لا يحل للرجال النظر اليه ، كالولادة والنكاح
(3) ، فراجع ابواب الشهادات في كتب الحديث والرواية ...
كما انه اذا امكن الاكتفاء بالنظر لم يجز التعدي الى اللمس المباشر ، مع عدم امكان كونه من وراء ثوب ونحوه ... الى غير ذلك مما تقدمت الاشارة اليه ...
ويدل على عدم جواز مداواة الرجل للمرأة مع امكان معالجة النساء لها ...
1 ـ ما عن علي بن جعفر ، انه سأل اخاه عن المرأة : يكون بها الجرح ، في فخذها ، او عضدها ، هل يصلح للرجل ان ينظر اليه ، ويعالجه ؟ قال لا
(4) .
2 ـ وعن علي بن جعفر عن اخيه عليه السلام ، قال : سألته عن المرأة : لها ان يحجمها رجل ؟ قال : لا
(5) ...
3 ـ بل لقد روى ان امير المؤمنين عليه السلام سئل عن الصبي : يحجم المرأة ؟ قال : اذا كان يحسن يصف ، فلا
(6) .
ولعل نظره عليه السلام الى كراهة ان يرى الصبي من المرأة المواضع الخفية
**************************************************************
(1) وان كان ليس في القصة تصريح بالنظر المباشر ، ولكن ذلك هو الظاهر منها ، فراجعها في : طب الإمام الصادق ص 18 / 19 والبحار ج 62 ص 167 / 168 وقال : ان ذلك قد رواه جم غفير من علمائنا كابن شاذان وعن غيرهم كالأردبيلي المالكي .
(2) عيون اخبار الرضا ج 2 ص 39 .
(3) راجع البحار ج 104 ص 321 ، باب شهادة النساء ، وغيره من الكتب ...
(4) قرب الاسناد ص 101 والوسائل ج 14 ص 173 ، والبحار ج 104 ص 34 .
(5) قرب الاسناد ص 101 ، والبحار ج 104 ص 33 / 34 .
(6) الوسائل ج 14 ص 172 والكافي ج 5 ص 534 .
الآداب الطبية في الاسلام ـ 163 ـ
اذا كان قد قارب البلوغ ، وصار يحسن يصف ... او انه ناظر الى الحجامة في موضع يمنع عنه حتى الصبي ...
4 ـ ويدل على ذلك الاخبار الدالة على الجواز في حال الاضطرار كما سنرى .
نعم لو اضطرت المرأة الى ان يتولى الرجل معالجتها جاز ذلك ، ولكن بمقدار ما ترتفع به الضرورة ، فقد روى :
1 ـ عن علي ( ع ) في المرأة يموت في بطنها الولد ، فيتخوف عليها ؟ قال : لا بأس ان يدخل الرجل يده فيقطعه ، ويخرجه ، اذا لم ترفق بها النساء
(1) ...
2 ـ عن الباقر عليه السلام : انه سئل عن المرأة تصيبها العلل في جسدها ، ايصلح ان يعالجها الرجل ؟ قال : اذا اضطرت الى ذلك فلا بأس
(2) .
وفي نص آخر : سألته عن المرأة المسلمة ، يصيبها البلاء في جسدها : اما كسر او جرح ، في مكان لا يصلح النظر اليه ، فيكون الرجل ارفق بعلاجه من النساء ، ايصلح له النظر اليها ؟ قال : اذا اضطرت اليه فليعالجها ان شاءت
(3) .
3 ـ ويقال : ان الشمردل قال للنبي ( ص ) : اني كنت اتطبب فما يحل لي ، فانني تأتيني الشابة ؟ قال : فصد العرق ، وتحسيم الطعنة ، ان اضطررت الخ
(4) ) .
واخيرا ... فقد قال ابن ادريس في السرائر : ( اذا اصاب المرأة علة في جسدها ، واضطرت الى مداواة الرجال لها ، كان جائزا ... وقال العلامة قدس سره في المنتهى : يجوز الاستيجار للختان ، وخفض الجواري الخ
(5) ) .
هذا ... ولكن قال في العروة الوثقى : ( يستثنى من عدم جواز النظر من الاجنبي
**************************************************************
(1) البحار ج 82 ص 12 وج 104 ص 36 ، وقرب الاسناد ص 64 وفروع الكافي ج 1 ص 155 ، والوسائل ج 2 ص 673 وفي هامشه عنهما وعن التهذيب ج 1 ص 98 .
(2) البحار ج 62 ص 74 عن الدعائم ...
(3) الوسائل ج 14 ص 172 والكافي ج 5 ص 534 .
(4) الاصابة ج 2 ص 156 .
(5) البحار ج 62 ص 65 .
الآداب الطبية في الاسلام ـ 164 ـ
والاجنبية مواضع : ( منها ) مقام المعالجة ، وما يتوقف عليه من معرفة نبض العروق ، والكسر ، والجرح ، والفصد ، والحجامة ، ونحو ذلك ، اذا لم يمكن بالمماثل ، بل يجوز المس واللمس حينئذ
(1) ) .
وقال : ( اذا توقف العلاج على النظر دون اللمس ، او اللمس دون النظر ، يجب الاقتصار على ما اضطر اليه ، فلا يجوز الاخر بجوازه
(2) ) .
وقال نائب الإمام السيد الخميني ، دام عزه وبقاه : ( يستثنى من حرمة النظر واللمس في الاجنبي والاجنبية مقام المعالجة ، اذ لم يمكن بالمماثل ، كمعرفة النبض ، اذ لم تمكن بآلة ، نحو الدرجة ، وغيرها .
والفصد ، والحجامة ، وجبر الكسر ، ونحو ذلك .
ومقام الضرورة ، كما اذا توقف استنقاذه من الغرق على النظر واللمس .
واذا اقتضت الضرورة ، او توقف العلاج على النظر دون اللمس ، او العكس اقتصر على مقدار الضرورة ، فلا يجوز الاخر ، ولا التعدي )
(3) .
واما النظر الى عورة غير المسلم وهم الذين لا يهتمون عادة بالتستر ، فيدخلون الحمامات بلا ازر ـ كما يفهم اجمالا او ان ذلك هو القدر المتيقن ـ فليس فيه اشكال شرعي ، كما نصت عليه الرواية المعتبرة
(4) .
النظر الى الخنثى :
وأما بالنسبة للنظر الى الخنثى فانه ينبغي الاجتناب عن النظر المباشر اليها لكل من الرجل والمرأة احتياطا للدين ... فلو امكن معالجتها بواسطة المرآة تعين ذلك .
واما بالنسبة الى النظر الى العورة ، مع عدم معرفة مماثلها ، ليصار اليه ،
**************************************************************
(1) العروة الوثقى ص 626 .
(2) العروة الوثقى ص 627 .
(3) تحرير الوسيلة ج 2 ص 243 .
(4) البحار ج 104 ص 42 وج 76 ص 80 والوسائل ج 1 ص 365 و 366 والفروع ج 6 ص 501 ومن لا يحضره الفقيه ج 1 ص 63 ومكارم الاخلاق ص 56 .
الآداب الطبية في الاسلام ـ 165 ـ
لاخفية المفسدة بالنسبة الى نظر غير المماثل ... فقد سأل يحيى بن اكثم الإمام الهادي عليه السلام ، عن قول علي ( ع ) : ( ان الخنثى يورث من المبال ) ، وقال : فمن ينظر ـ اذا بال ـ اليه ؟ ، مع انه عسى ان تكون امرأة وقد نظر اليها الرجال ، او عسى ان يكون رجلا وقد نظر اليه النساء ، وهذا لا يحل .
فأجاب عليه السلام : ان قول علي حق ، وينظر قوم عدول ، يأخذ كل واحد منهم مرآة ، وتقوم الخنثى خلفهم عريانة ، فينظرون في المرايا فيرون الشبح فيحكمون عليه
(1) .
تشريح الموتى :
لقد منع الاسلام من الاعتداء على جسد الميت المسلم ، بقطع رأسه ، او كسر عظمه ، او شق بطنه الى غير ذلك من انحاء الاعتداء ، وقرر الدية والارش في ذلك ، واعتبر ، ان حرمته ميتاً كحرمته حيا ، بل اعظم
كما في بعض الروايات
(2) .
وهذا يعنى : انه لايجوز ممارسة ما يسمى اليوم بالتشريح للميت ، سواء اكان لاجل التعلم ، او لاي سبب آخر ، الا اذا دعت الضرورة الى ذلك ، فانها حينئذ تقدر بقدرها .
**************************************************************
(1) راجع : البحار ج 104 ص 358 / 359 ، وج 61 ص 254 ، وتحف العقول والسؤال في ص 356 والجواب في ص 359 ، وقضاء امير المؤمنين عليه السلام ص 157 / 158 ومناقب آل ابي طالب ج 2 ص 376 .
(2) راجع فيما تقدم : التهذيب للشيخ ج 10ص 271 حتى 274 وج 1 ص 419 ، والاستبصار ج 4 ص 275 ـ 298 والمحاسن للبرقي ص 305 ، والعلل للصدوق ص 543 باب 330 والكافي ج 7 ص 348 و 349 ونقل عن ج 1 ص 302 ومن لا يحضره الفقيه ج 4 ص 117 و 118 ، وراجع : الوسائل ج 2 ص 875 وج 19 ص 247 ـ 251 والمسالك اواخر الجزء الثاني ، اواخر كتاب الديات ، والبحار ج 81 ص 328 عن قرب الاسناد ص 170 ط نجف ص 130 ط حجر وغير ذلك .
الآداب الطبية في الاسلام ـ 166 ـ
ويمكن ان يقال :
ان الروايات يمكن ان تكون ناظرة الى التشريح ، او قطع العضو عدوانا وتشفيا ، فلا تشمل التشريح لغرض عقلائي ، كالتعلم مثلا .
ولكنه كلام لايمكن قبوله : وذلك لامرين : احدهما : ان بعض النصوص قد قررت الكفارة على من جرح ميتا خطأ ، مع انه لاعدوان فيه
(1) ( فتأمل ) ... الثاني : ان التعليل بأن حرمته ميتاً كحرمته حياً ، لم يفصل فيه بين صورة التعليم وبين غيرها ... فكما لايجوز ذلك لاجل التعليم في حياته ، فكذا لايجوز ذلك في حال موته ...
وأما الاستدلال على حرمة التشريح بأحاديث النهي عن المثلة ، فهو لا يصح ، وذلك لان النهي عنها يمكن ان يكون من اجل ان الغرض منها هو التشفي ، وليس هذا امرأً عقلائياً .
بخلاف التشريح ، فانه يتعلق به غرض عقلائي مطلوب ومرغوب فيه كالتعلم ونحوه ... هذا بالاضافة الى ان تجويز المثلة يستتبع ان يقدم العدو على مثل ذلك بالنسبة الى الشهداء من المسلمين ، فيكون سببا لهتك حرمتهم ، وهو امر مرغوب عنه شرعا ، مع عدم ترتب فائدة معقولة على ما كان سبباً او داعياً له كما قلنا ...
بقى ان نشير الى انه قد ورد في بعض النصوص : ان حرمة ( المؤمن ) او ( المسلم ) ميتاً كحرمته حياً ،
(2) اما باقيها ، فعبرت بــ ( الميت ) و ( رجل ميت ) ونحو
**************************************************************
(1) المسالك آخر كتاب الديات والتهذيب ج 10 ص 274 والاستبصار ج 4 ص 299 والكافي ج 7 ص 349 ومن لايحضره الفقيه ج 4 ص 117 والعلل للصدوق ص 543 والمحاسن ص 306 والجواهر ج 43 ص 384 / 385 ومباني تكملة المنهاج ج 2 ص 423 .
(2) التهذيب ج 10 ص 272 وج 1 ص 419 ، والاستبصار ج 4 ص 297 ، والوسائل ج 19 ص 251 وفي هامشه عنهما وعن الكافي ج 1 ص 302 .
الآداب الطبية في الاسلام ـ 167 ـ
ذلك ... ولم تذكر : انه مؤمن او مسلم ... فيحمل المطلق منها على المقيد ... كما انه يمكن دعوى انصراف سائر الروايات الى خصوص الميت من المسلمين ، لانه هو محل ابتلائهم ، وهو الذي يعنيهم السؤال عنه ...
وعليه فلا يشمل جثة من لم يكن مسلما حتى ولو كان ذميا ... وما ورد من وجوب الدية في الذمي ، او الارش في اعضائه ... فانما هو حق جعل له من اجل حفظ حياته ، وعدم حصول فوضى في المجتمع ، نتيجة للاعتداء عليهم ، كما تشير اليه موثقة سماعة ، التي تثبت الدية في قتل الذمي
(1) .
أما بعد موته ، فلا فرق بين جثته وبن غيرها من غير المسلمين ...
الاّ ان يتمسك بعموم التعليل ، ليشمل كل من كان له حرمة في حالة الحياة ، حتى الذمي مع عدم التفات الى ما ذكرناه ، من ان ذلك حق له ، لا اكثر ، ولا اقل ، ولعل ذلك هو الداعي لصاحب القواعد لان يعتبر ان ( فيه عشر دية الحر الذمي )
(2) ...
ولكن ما ذكرناه هو الاظهر والاقرب ...
أما بالنسبة للكافر المحارب للاسلام وللمسلمين ، والمعاهد ، فلا حرمة له حياً ، فلا تكون له حرمة بعد موته ، فلا مانع من تشريحه لاي غرض كان ، ولا دية ، ولا اثم فيه ...
**************************************************************
(1) الوسائل ج 19 ص 163 وفي هامشه عن التهذيب ج 10 ص 188 والاستبصار ج 2 ص 270 .
(2) الجواهر ج 43 ص 389 وفي هامشه عن : ايضا الفوائد في شرح القواعد ج 4 ص 729 وفيه : ( الذمي الحي ) مكان : ( الحر الذمي ) .
الآداب الطبية في الاسلام ـ 169 ـ
الفصل الخامس : المريض وعواده :
الآداب الطبية في الاسلام ـ 171 ـ
في اجواء عيادة المريض :
وبعد ... فاننا لانرى حاجة الى التذكير بما لعيادة المريض من فضل عند الله تعالى ... وبما لها من آثار نفسية على المريض ، وعلى كل من يلوذ به ، بل وعلى العائد نفسه ...
وبديهي : ان هذه الآثار ستنعكس ـ ايجابيا ـ في المستقبل على واقع التعامل فيما بينهم ، وعلى صميمية العلاقات وصفائها ...
ويمكن استجلاء بعض هذه الاثار من دراسة الواقع الذي يعاني منه المريض ، وذووه معه ، وانعكاسات ذلك الواقع عليهم ايجابا او سلبا .
وبملاحظة هذه المعاناة وانعكاساتها نعرف : انه لابد وان يكون الانفعال والتأثير في اجواء العيادة متناسيا ومنسجما معها الى حد بعيد ...
ونحن لانريد ان نفيض في الحديث في هذا المجال ، وانما نكتفي بهذه الاشارة ، ونترك المجال للقارىء الكريم فيما لو احب التعمق والاستقصاء ...
اما نحن فنسارع الى الدخول في التحديد للمواصفات التي لابد وان يلاحظها كل من المريض ، وزائريه ... ونلاحظ مدى الدقة في تنظيم العلاقة بين المريض وبينهم . حيث تعرضت الروايات لمختلف الخصوصيات في هذا المجال ، وقد
الآداب الطبية في الاسلام ـ 172 ـ
تقدم ان من اطعم المريض شهوته اطعمه الله من ثمار الجنة وتقدم النهي عن ازعاجه ، والنهي عن اضجاره ، وغير ذلك مما لا مجال لإعادته ... والذي نريد ان ننبه عليه هنا نستطيع ان نجمله في ضمن النقاط التالية ...
اعلام المريض اخوانه بمرضه :
لقد ورد في بعض الروايات المعتبرة عن ابي عبد الله عليه السلام : انه ينبغي للمريض ان يؤذن اخوانه بمرضه ، فيعودونه ، فيؤجر فيهم ، ويؤجرون فيه ...
قال : فقيل له : نعم ، فهم يؤجرون فيه بممشاهم اليه ، فكيف يؤجر هو فيهم ، فقال : باكتسابه لهم الحسنات فيؤجر فيهم ، فيكتب له بذلك عشر حسنات ، ويرفع له عشر درجات ، ويمحى بها عنه عشر سيئات
(1) .
اذنه لعواده بالدخول عليه :
كما وانه ينبغي ان يأذن للناس بالدخول عليه ، من اجل ان يروا ما هو فيه فيخصّونه بدعواتهم ، فانه ليس من احد الا وله دعوة مستجابة ... والمراد بالناس على ماجاء في بعض النصوص هم الشيعة ...
(2) .
هذا ... ولابد من الاشارة الى ان الدعوات الخالصة لاتكون الا عن رضا ومحبة ، وذلك يستدعى ان تكون السمعة والروابط فيما بينهم على درجة من الحسن ، والصفاء ، والسلامة .. كما ان ربط الاخرين بالمريض ، وتحسيسهم بمشاكله ، واحساسهم بضعفه يجعلهم اكثر ارتباطا به ، ويجعل احساسهم بالضعف امام الله اعظم ... ثم يكون الاعتبار بما يرون غيرهم قد ابتلى به ، مع عدم ضمانة
**************************************************************
(1) الكافي ج 3 ص 117 ، والسرائر ص 482 ، والبحار ج 81 ص 218 عنه ، والوسائل ج 2 ص 632 ومكارم الاخلاق ص 235 .
(2) طب الائمة ص 16 ، والكافي ج 3 ص 117 ، والوسائل ج 2 ص 633 ، والبحار ج 81 ص 218 .
الآداب الطبية في الاسلام ـ 173 ـ
واقعية لهم تكفل عدم تعرضهم لابتلاء مشابه ـ يكون هذا الاعتبار ـ اكثر عمقا ، وابعد اثرا ...
استحباب عيادة المريض :
لاريب في ان عيادة المريض محبوبة ومطلوبة لله تعالى ، ومستحبة شرعا ، وقد ورد : ان من عاد مريضا شيعه سبعون الف ملك ، يستغفرون له حتى يرجع الى منزله
(1) .
والاخبار في هذا المجال كثيرة ، لامجال لاستقصائها ، فمن ارادها فليراجعها في مظانها من كتب الحديث ، كالوسائل ج 2 ، والبحار ، وغير ذلك .
حد القصد الى عيادة المريض :
ولربما يمكن ان يقال : ان قول النبي صلى الله عليه وآله لعلي عليه السلام : ( سر ميلا عد مريضا )
(2) يستفاد منه عدم مطلوبية ذلك فيما فوق ميل ...
ولكننا بدورنا لا نوافق على هذه الاستفادة ، ونرى : ان من القريب جداً ، ان يكون المراد السير على الاقدام ونحوه ، فهو كناية عن مطلوبية تحمل المشقة في هذا السبيل ، ولو بأن يسير الانسان ميلا ، وليس في مقام تحديد المسافة التي تستحب منها العيادة ، واذن ... فحيث تتوفر الوسائل لعيادة المريض ولو بأن يسير اميالا بالسيارة مثلا ، فان ذلك يكون مطلوبا ومحبوبا ، بل يزيد محبوبية كلما زادت المشقة في ذلك ...
**************************************************************
(1) الوسائل ج 2 ص 634 ، وفروع الكافي ج 1 ص 120 .
(2) البحار ج 77 ص 52 وج 74 ص 83 عن نوادر الراوندي ص 5 وفقه الرضا ص 48 ومكارم الاخلاق ص 437 ، ومستدرك الوسائل ج 2 ص 22 .
الآداب الطبية في الاسلام ـ 174 ـ
لا عيادة على النساء :
وأما بالنسبة لخروج النساء الى عيادة المريض ، فانه غير مطلوب منهن ، ولا امرن به ، فقد ورد انه : ليس على النساء عيادة
(1) ... ولعل ذلك يرجع الى ان الشارع يرغب في تقليل اختلاط الرجال بالنساء ، حفظا للمجتمع من كثير من المتاعب ، التي ربما تنشأ عن أمر كهذا ...
ومن اجل ذلك نجد الزهراء عليها السلام ترجح للمرأة : ان لا ترى الرجل ، ولا الرجل يراها ، كأسلوب انجح في مقاومة كل مظاهر الانحراف ، ولو بعدم المساهمة في ايجاد محيط يساعد عليه ...
فهو لا يريد ان يقطع اليد التي تسرق ، وانما يريد ان يهيىء الظروف التي تمنع حتى من التفكير بالسرقة ، التي تؤدي الى قطعها ...
العيادة كل ثلاثة ايام :
وقد لا حظنا : ان الروايات الواردة عن المعصومين عليهم السلام لم تصر على تكثير العيادة للمريض ، فلم تجعل العيادة له في كل يوم ، بل هي توصي بأن تكون في كل ثلاثة ايام مرة : بل عن الصادق عليه السلام : لا تكون العيادة في اقل من ثلاثة ايام ، فاذا وجبت فيوم ، ويوم لا ، فاذا طالت العلة ترك المريض وعياله
(2) .
**************************************************************
(1) مستدرك الوسائل ج 1 ص 96 / 97 والخصال ج 2 ص 585 والبحار ج 81 ص 224 و 215 و 228 و ج 82 ص 79 وج 77 ص 54 وفي هامشه عن الخصال ج 1 ص 218 و 97 وج 2 ص 145 وعن مكارم الاخلاق ص 500 وعن دعوات الراوندي ، وعن الدعائم .
(2) الكافي ج 3 ص 117 والوسائل ج 2 ص 638 وسفينة البحار ج 2 ص 285 ومستدرك الوسائل ج 1 ص 84 والبحار ج 81 ص 226 وفي هامشه عن مكارم الاخلاق ص 414 ،
وقد احتمل البعض : ان المراد : ان العيادة لا تكون في مرض لا يستمر ثلاثة ايام ... ولكن هذا الاحتمال في غير محله ، ولا سيما بملاحظة ذيل الرواية ، وبملاحظة رواية ، اغبوا في العيادة واربعوا ، فانها ظاهرة فيما ذكرناه .
الآداب الطبية في الاسلام ـ 175 ـ
وفي نص آخر عن النبي ( ص ) : اغبوا في العيادة واربعوا الا ان يكون مغلوبا
(1) .
فالمراد من هذه الرواية هو : انه اذا كان المريض غير مغلوب ، فتأخروا في عيادته ... أما اذا كان مغلوبا فانه يعاد يوما ، ويوما لا ، حسبما ورد في الرواية الاولى ... ويؤيده ما ورد في ذيلها ايضا .
لكن العلامة المجلسي رحمه الله يرى : ان المراد : انه اذا كان مغلوبا فينبغي ان يترك المريض وعياله ، كما في الرواية الاولى .
والمراد بأغبوا : العيادة له يوما وتركه يوما
(2) .
ونحن نستبعد ما ذكره ، فانه اذا كان مغلوبا ، فان العيادة تتأكد ، كما هو مقتضى الطبع والذوق والسليقة ... وأما اذا طالت العلة ، فانه امرا آخر : ويناسب ان يترك المريض وعياله ، ليمكن لهم مباشرة خدمته ، وتحمل مشقاتها ، فلا يزيد في احراجهم ، كما ان المريض نفسه لا يرى نفسه عبئا على غيره ، ولا يضطر لان يتطلب من عياله ما ربما لا يكون لديهم ميل الى تحمله وانجازه له ...
والعيادة تكون كل ثلاثة ايام مرة ، وهو ما يظهر من الرواية الاولى بقرينة ذيلها وبقرينة الرواية الثانية ايضا ، والتي تفيد : ان الاحسن ان لا تكون متوالية ، بل الارجح ان يغب ( اي يباعد ) في العيادة ، فتكون في اليوم الرابع بعد الثلاثة ايام ...
هذا ... ولكن المجلسي رحمه الله قد فهم من الرواية الاولى : ( ان المراد به : انه لا ينبغي ان يعاد المريض في اول ما يمرض الى ثلاثة ايام ، فان برىء قبل مضيها ، والاّ فيوما تعود ، ويوما لا تعود .
ويحتمل ان يكون ان اقل العيادة : ان يراه ثلاثة ايام متواليات ، وبعد ذلك غبا ، او ان اقل العيادة ان يراه في كل
**************************************************************
(1) امالي الطوسي ج 2 ص 253 ومستدرك الوسائل ج 1 ص 84 وسفينة البحار ج 2 ص 285 والبحار ج 81 ص 222 عن الاول ، وعن الجوهري ، والنهاية .
(2) البحار ج 81 ص 223 .