من غير تضجر صدقة هنيئة ) (1) .
  وهذا يتأكد بالنسبة الى الممرض الذي ربما ينفد صبره احيانا ، بسبب المتاعب التي يتعرض لها في عمله .
  نعم ... وهذا هو ما تفرضه الاخلاق الانسانية الفاضلة ، والتعاليم الالهية الكريمة السامية ، وتضافرت عليه النصوص والاثار بالنسبة لغير المريض ايضا ، فكيف بالنسبة اليه :
  نعم ... وهكذا الحال بالنسبة الى غير ذلك من اخلاق اسلامية وانسانية ، يفترض في كل مسلم ان يتحلى بها ، ويعامل اخوانه المؤمنين على اساسها ...
  2 ـ ان لا يكون ثمة تمييز بين الغني والفقير ـ سواء في قبول المستشفى لهما ، ام في العناية والخدمات التي يفترض بالمستشفى والممرض ان يقدمها لكل منهما ، وقد تقدم ما يشير الى ذلك في الفصل السابق .
  3 ـ ان يكون الممرض نظيفا حسن المظهر ، بالاضافة الى الاهتمام البالغ بالنظافة سواء بالنسبة للمريض ، او المستشفى بصورة عامة ، ثم تصريفه لجميع الشؤون المطلوبة منه ، والتي يحتاج المستشفى الى تصريفها بالسرعة الممكنة ، والاتقان والجد اللازمين .
  4 ـ انه لابد للذين يشرفون على المريض من ان لا يديموا النظر اليه ، وان لا يسمعوه الاستعاذة من البلاء فان ذلك يجعله يلتفت الى نفسه ، وما حاق بها من بلاء ـ ولا سيما اذا كان مبتلى بعاهة ظاهرة ـ ويعتبر ان هذا النظر اليه انما هو ليتجلى للناظر ذلك النقص الذي يحب هو اخفاءه ، ولا بد وان يقايس هذا المبتلى بين النقص الذي يحيق به ، وبين كمال ذلك الناظر اليه ، وهنا لابد وان يتملكه حزن عميق ، وشعور قوي بالمرارة والكآبة ...
  وقد ( كان محمد بن علي لا يسمع المبتلى الاستعاذة من البلاء ) (2) والمراد

**************************************************************
(1) البحار ج 74 ص 388 وثواب الاعمال ص 168 .
(2) البيان والتبيين ج 3 ص 280 و 158 وعيون الاخبار ج 2 ص 208 .

  الآداب الطبية في الاسلام   ـ 152 ـ

  بمحمد بن علي الإمام الباقر عليه السلام .
  وروى عن ابي عبد الله الصادق عليه السلام : لاتنظروا الى اهل البلاء ، فان ذلك يحزنهم (1) .
  وفي نص آخر عن النبي ( ص ) : اقلوا النظر الى اهل البلاء ... او : لا تديموا النظر الخ ... (2) .
  وفي حديث آخر عنه ( ص ) : لا تديموا النظر الى المجذومين (3) .
  وواضح : ان هذا لا يختص بالمشرفين على شؤون المريض ، بل يعم كل ناظر اليه من غيرهم ايضا ... وان كان هؤلاء يتعرضون لهذا الامر اكثر من غيرهم ...
  5 ـ هذا ، ولابد من توفر عنصر حسن القيام على المرضى ، وحسن معاملتهم ، كما امر به علي عليه السلام مولاه قنبرا ، ثم الاهتمام بقضاء حوائجهم ، فلا يكلفون القيام اليها بأنفسهم ... وقد كان الامام الباقر عليه السلام اذا اعتل جعل في ثوب ، وحمل لحاجته ـ يعني الوضوء ـ وذلك انه كان يقول : ان المشي للمريض نكس ، كما تقدم .
  وبعد ... فان المبادرة الى قضاء حاجات المريض تستدعي حصول الرضا منه ، والدعاء له منه ، وسيأتي : ان دعاء المريض مستجاب ، كدعاء الملائكة ... هذا كله عدا عن ان ذلك يوفر له الراحة والطمأنينة النفسية ، الامر الذي يجعله اقوى على مواجهة المرض الذي يلم به ...كما هو معلوم ...
  واذا كان المريض من اهل بيته ، فانه يكون اعظم قربة واجرا عند الله تعالى ، فعن النبي ( ص ) : ( من قام على مريض يوما وليلة بعثه الله مع ابراهيم خليل الرحمان .

**************************************************************
(1) مشكاة الانوار ص 28 ، والبحار ج 75 ص 16 وطب الائمة ص 106 وقصار الجمل ج 1 ص 164 .
(2) طب الائمة ص 106 والبحار ج 75 ص 15 وج 62 ص 213 .
(3) الطب النبوي لابن قيم الجوزية ص 116 عن ابن ماجة وفي هامشه عن احمد والطيالسي ، والطبراني والبيهقي ، وابن جرير والتراتيب الادارية ج 2 ص 342 .

  الآداب الطبية في الاسلام   ـ 153 ـ

  فجاز على الصراط كالبرق اللامع ) (1) .
  وروى علي بن ابراهيم في تفسيره ، في قوله تعالى : انا نراك من المحسنين ، قال : كان يقوم على المريض (2) .
  وعن الصادق عليه السلام ، عن آبائه ، عن النبي ( ص ) : من سعى لمريض في حاجة ، قضاها ، او لم يقضها ، خرج من ذنوبه كيوم ولدته امه .
  فقال رجل من الانصار ، بأبي انت وامي يارسول الله ، فان كان المريض من اهل بيته ، او ليس ذلك اعظم اجرا اذا سعى في حاجة اهل بيته ؟ قال : نعم (3) .
  ومن الطبيعي : ان المريض يصير حساسا جدا ، نتيجة لاحساسه بالضعف ، وبحاجته الى الاخرين ، فيتأثر ، ويشعر بالمرارة لاقل شيء ... كما ان الناس الذي يقومون عليه ، انما يخدمونه وهم يرون فيه عبئا ثقيلا على كواهلهم ...
  واما اولئك الذين يكلفون بنظافته ، وابعاد القذارات عنه ، فان احساسهم بالتبرم والتضجر منه يزيد ، وشعورهم بالقرف والاشمئزاز من حالاته ينمو ويتعاظم ... هذا بالاضافة الى انفعالاتهم النفسية ، تجاه معاناته للالام والمصائب التي يرونها ، فمن يقوم على المريض يوما وليلة ، فانه لا بد وان يتحمل ويصبر ، ويكبت عواطفه ، ويتحمل المشقات الروحية والجسدية ، فيكون كابراهيم الخليل ، الذي كبت عواطفه وتحمل المحنة في ولده الذبيح .
 هذا ... وقد ورد نص بالخصوص بالنسبة للسعي في قضاء حاجة الضرير ، فعن النبي ( ص ) : من كفى ضريرا حاجة من حوائج الدنيا ، ومشى فيها حتى يقضى

**************************************************************
(1) عقاب الاعمال ص 341 والوسائل ج 11 ص 565 ومستدرك الوسائل ج 1 ص 86 عن اعلام الديلمي ، والبحار ج 81 ص 225 و ج 76 ص 368 .
(2) مستدرك الوسائل ج 2 ص 61 .
(3) امالي الصدوق ص 387 ومن لا يحضره الفقيه ج 4 ص 10 وعقاب الاعمال ص 341 والوسائل ج 2 ص 643 وج 11 ص 565 والبحار ج 81 ص 217 وج 76 ص 368 و 335 / 336 .

  الآداب الطبية في الاسلام   ـ 154 ـ

  الله له حاجته ، اعطاه الله براءة من النفاق ، وبراءة من النار ، وقضى له سبعين حاجة من حوائج الدنيا ، ولا يزال يخوض في رحمة الله حتى يرجع (1) .
  هذا كله ... عدا عن الروايات الكثيرة ، التي تحث على قضاء حاجات المؤمنين ومعونتهم ، وتعد بالاجر الجزيل ، والثواب الجميل على ذلك ...
  وبعد . . فان ذلك هو ما تقتضيه الرحمة الانسانية ، التي تنشأ عن رؤية عجز وضعف الاخرين .
  وقد اشار الصادق عليه السلام الى ذلك ـ كما روى عنه ـ فقال : لا تنظروا في عيوب الناس كالارباب ، وانظروا في عيوبهم ، كهيئة العبيد ، انما الناس رجلان ، مبتلى ، ومعافى ، فارحموا المبتلى ، واحمدوا الله على العافية (2) .
  كما ورد ان الله انما يقبل الصلاة ممن يتواضع لعظمته ... الى ان قال : ويكسو العاري ، ويرحم المصاب (3) ...
  بقي ان نشير اخيرا الى انه لا مانع من ان تمرض الحائض ، المريض (4) ... والذي ورد النهي عنه هو ان تحضره حال احتضاره لا اكثر .
  6 ـ وبكلمة جامعة ، لابد ان يكون المحيط في المستشفيات والمستوصفات انسانيا ، واسلاميا اليها بكل ما لهذه الكلمة من معنى ... وعلى ذلك ... فلا بد من الاهتمام بالمحافظة على قواعد الشرع ، والتوجيهات الواردة عن المعصومين

**************************************************************
(1) امالي الصدوق رحمه الله تعالى ص 386 / 387 ومن لا يحضره الفقيه ج 4 ص 9 ، وعقاب الاعمال ص 340 ، والوسائل ج 2 ص 643 ، والبحار ج 74 ص 388 ، وج 76 ص 335 و 336 .
(2) تحف العقول ص 225 ، والبحار ج 78 ص 284 وراجع ج 81 ص 173 عن دعوات الراوندي .
(3) تحف العقول ص 226 ، والبحار ج 78 ص 285 عنه .
(4) الكافي ج 3 ص 138 ، والبحار ج 81 ص 230 ، والوسائل ج 2 ص 595 و 671 وفي هامشه عن التهذيب ج 1 ص 121 وقرب الاسناد ص 129 .

  الآداب الطبية في الاسلام   ـ 155 ـ

  ـ وقد تقدم بعضها ـ بدقة وامانة في مختلف المظاهر والمجالات .

تمريض ومعالجة الرجل للمرأة والعكس :
  ويواجهنا هنا سؤال ، وهو : هل للرجل ان يتولى علاج ، وتمريض المرأة ؟ وهل للمرأة ذلك بالنسبة للرجل ام لا ، واذا كان ذلك جائزاً ، فالى اي مدى ؟
  وفي مقام الاجابة على هذا السؤال نقول :
  اننا اذا راجعنا احاديث جواز النظر لكل من الرجل والمرأة الى الاخر ، مع الاية الكريمة الامرة بغض البصر من قبل كل منهما عن الاخر .
  فاننا نخرج بنتيجة : ان اختلاط الرجال بالنساء وعكسه ، فضلا عن المعالجة والتمريض بالنظر او باللمس امر مرجوح ومرغوب عنه شرعا ، ولكن لابد لنا هنا من التكلم في ناحيتين :
  الاولى : في مداواة المرأة للرجل ، ونشير الى :
  1 ـ اننا نجد في التاريخ : انهم يذكرون : ان عددا النساء كن يداوين المرضى والجرحى ، كما سنرى ان شاء الله .
  2 ـ عن علي بن جعفر ، عن اخيه عليه السلام قال : سألته عن الرجل يكون بأصل فخذه ، او اليته الجرح ، هل يصلح للمرأة ان تنظر اليه ، او تداويه ؟ قال : اذا لم يكن عورة فلا بأس (1) .
  والمراد هنا : العورة بالمعنى الاخص ، لا ما كان عورة بالنسبة الى الجنس الاخر ، كما هو ظاهر .

**************************************************************
(1) قرب الاسناد ص 101 / 102 والبحار ج 104 ص 34 عنه ، والوسائل ج 14 ص 173 .

  الآداب الطبية في الاسلام   ـ 156 ـ

  3 ـ قد تقدمت الرواية عن علي ابن ابي حمزة ، قال : قلت لابي الحسن عليه السلام : المرأة تقعد عند رأس المريض ـ وهي حائض ـ في حد الموت ؟ قال : لا بأس ان تمرضه ، فاذا خافوا عليه ، وقرب ذلك ، فلتنح عنه وعن قربه ، فان الملائكة تتأذى بذلك (1) .
  وهذه الرواية هي العمدة ، ولا يضر وجود علي ابن ابي حمزة في سندها ، لاننا نطمئن الى ان الشيعة ما كانوا يروون عنه الا ايام استقامته ، اما بعد انحرافه ووقفه ، فقد كان الواقفة عند الشيعة منبوذين مبعدين كالكلاب الممطورة على حد بعض التعابير .
  وقد بحثنا هذا الموضوع في كتاب ولاية الفقيه في صحيحة عمر بن حنظلة ، فليراجع .
  واحتمال ... انصراف هاتين الروايتين الى تمريض ومداواة النساء والمحارم للرجل ... لايمكن قبوله ، لعدم الشاهد على انصراف كهذا ... ولا سيما في رواية علي بن جعفر .
  نعم يمكن ان يقال : انه لابد من حملها على صورة الضرورة ، وانه هو المنصرف منها ، كما سيأتي في روايات معالجة الرجل للمرأة ، على اعتبار : ان الحكم الاولى المشترك بين الرجل والمرأة ، والثابت بالايات والروايات ، مطلق ، ولم يفرق بين تطبيب الرجل للمرأة وعكسه ...
  ويمكن ان يؤيد هذا الانصراف بأنه لو كان هناك طبيبان احدهما امرأة وامامهما رجل مريض ، فلو تولت المرأة معالجته فان الناس ينتقدون ذلك ، ويستنكرونه ويستغربونه .
  ويمكن ان يؤيد ذلك ايضا بالرواية الاتية في النظر الى الخنثى ، حيث وافق الامام عليه السلام فيها على عدم جواز نظر المرأة للرجل وعكسه ، وحكم بلزوم النظر في المرآة ...

**************************************************************
(1) قد تقدمت المصادر لهذه الرواية آخر الحديث على عنوان : الممرض في المستشفى .

  الآداب الطبية في الاسلام   ـ 157 ـ

  الا ان الانصراف المذكور غير سليم عن المناقشة ، فان التمثيل بالطبيبين الذين احدهما امرأة لايدل على ذلك ، اذ من القريب جداً : ان يكون ذلك قد انغرس في اذهان الناس بسبب فتاوى العلماء على مر العصور ، من دون ان يتصل بزمان المعصوم ، فلا يكون ذلك كاشفا عن رأي الشارع ...
  واما بالنسبة الى الخنثى ، فان الرواية المذكورة ناظرة الى صورة النظر الى العورة منها ، وكلامنا انما هو في النظر الى ما سوى العورة ... كما ان تلك الرواية لم ترد في بيان التكليف في مقام المعالجة او التمريض ، وانما في مقام بيان الطريقة التي يتم بها التعرف على حقيقة الخنثى لاجل الارث ...
  وعدا عن ذلك ... فاننا يمكن ان ندعي أن السيرة كانت قائمة في زمن النبي ( ص ) وبعده على تولي النساء معالجة وتمريض الرجال ...
  فقد كان لرفيدة خيمة في المسجد تعالج فيها المرضى ، وتداوى الجرحى ، ولما جرح سعد بن معاذ امر النبي صلى الله عليه وآله ان يجعل في خيمتها حتى يعوده ، وكان ( ص ) يعوده في الصباح والمساء (1) ... كما انها كانت تداوى جرحى المسلمين يوم بني قريظة (2) .
  وقيل : ان كعيبة بنت سعيد الاسلمية كانت تكون لها خيمة في المسجد لمداواة المرضى والجرحى ، وكان سعد بن معاذ عندها تداوى جرحه حتى مات وهي

**************************************************************
(1) سيرة ابن هشام ج 3 ص 250 ، والاصابة ج 4 ص 302 و 303 عن ابن اسحاق ، وعن البخاري في الادب المفرد ، وفي التاريخ بسند صحيح ، واورده المستغفري من طريق البخاري ، وابو موسى من طريق المستغفري والتراتيب الادارية ج 2 ص 113 وج 1 ص 462 و 453 / 454 عمن تقدم ، والاستيعاب بهامش الاصابة ج 4 ص 311 ، والمفصل في تاريخ العرب قبل الاسلام ج 8 ص 387 عن الاصابة .
(2) المفصل في تاريخ العرب قبل الاسلام ج 8 ص 387 عن نهاية الارب ج 17 ص 191 .

  الآداب الطبية في الاسلام   ـ 158 ـ

  اخت رفيدة (1) ولعل خيمتهما واحدة .
  وكانت كل من : ليلى الغفارية ، وام كبشة القضاعية ، وأم سلمة ، ومعاذة الغفارية ، وام سليم ، وربيع بنت معوذ ، وام زياد الاشجعية في ست نسوة ، وام ايمن ، وام سنان الاسلمية ، وام عطية الانصارية (2) كن كلهن يخرجن معه ( ص ) في الغزوات لمداواة الجرحى ، ومعالجة المرضى ... بل ان ام عطية قد خرجت معه ( ص ) في سبع غزوات من اجل ذلك (3) وامرأة اخرى خرجت معه في ست غزوات من اجل ذلك ايضا (4) .
  وعن انس ، قال : كان رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم يغز وبأم سليم ونسوة معها من الانصار ، يسقين الماء ، ويداوين الجرحى (5) .
  وعن ربيع بنت معوذ : كنا مع النبي ( ص ) نسقى ونداوى الجرحى ، ونرد القتلى (6) ، وعن حشرج ابن زياد الاشجعي ، عن جدته ام ابيه ، انها قالت : انها خرجت في

**************************************************************
(1) الاصابة ج 4 ص 396 ، والتراتيب الادارية ج 2 ص 113 وج 1 ص 454 .
(2) راجع فيما تقدم ، كلا او بعضا : التراتيب الادارية ج 2 ص 113 ـ 116 ومسند احمد ج 5 ص 271 و 84 وج 6 ص 407 وفي ج 6 ص 358 عن امرأة غفارية انها خرجت معه ( ص ) لذلك ، وقاموس الرجال ج 11 ص 33 و 48 ، وسنن البيهقي ج 9 ص 30 ، والاصابة ج 4 ص 402 و 301 و 433 و 487 و 454 وفيها عن ابي داود والنسائي ، وابن ابي عاصم ، والاستيعاب بهامش الاصابة ج 4 ص 311 و 472 و 404 ، واسد الغابة ج 5 ص 543 و 451 ، وطبقات ابن سعد ج 8 ترجمة ام سنان الاسلمية ، وصحيح البخاري ج 2 ص 97 ط سنة 1309 وسنن الدارمي ج 2 ص 210 ، وسائر المصادر التي في الهوامش التالية ، وفي تراجم المذكورات في كتب الرجال ...
(3) صحيح مسلم ج 5 ص 199 ومسند احمد ج 5 ص 84 .
(4) المسند للحميدي ج 1 ص 175 والبخاري ج 1 ص 115 ط سنة 1309 وفي موضع آخر ، ومسند احمد ج 5 ص 84 .
(5) المنتقى لابن تيمية ج 2 ص 768 عن مستدرك الحاكم ، واحمد ، ومسلم ، وسنن البيهقي ج 9 ص 30 .
(6) صحيح البخاري ، هامش فتح الباري 6 ص 60 وفتح الباري ج 10 ص 115 ، واسد الغابة ج 5 ص 451 ، والاصابة ج 4 ص 301 .

  الآداب الطبية في الاسلام   ـ 159 ـ

  خيبر مع خمس نسوة اخريات لاجل مداواة الجرحى وغير ذلك ، فاسهم لهن ( ص ) تمرا (1) .
  وعن ام سلمة ، قالت : كان رسول الله ( ص ) يغزو بنا نسوة من الانصار نسقى ونداوى الجرحى (2) .
  وعن الزهري : كانت النساء تشهدن مع النبي ( ص ) المشاهد ، ويسقين الماء ويداوين الجرحى (3) ومثل ذلك عن مالك في العتيبة (4) .
  وسئل ابراهيم عن جهاد المرأة ، فقال : كن يشهدن مع رسول الله ( ص ) ، فيداوين الجرحى ، ويسقين المقاتلة (5) .
  وكتب ابن عباس في جواب نجدة الحروري : كتبت اليّ تسألني : هل كان رسول الله ( ص ) يغزو بالنساء ؟ وقد كان يغزو بهن ، فيداوين الجرحى (6) .
  وعن يوم عماس يقول المسعودي وغيره : ( واقبل المسلمون على قتلاهم ، فأحرزوهم ، وجعلوهم وراء ظهورهم ، وكان النساء والصبيان يدفنون الشهيد ،

**************************************************************
(1) راجع : مسند احمد ج 5 ص 271 ، والتراتيب الادارية ج 2 ص 115 عن ابي داود ، وفيه : حنين ، بدل خيبر وهما تكتبان في القديم على نحو واحد ، وبلا نقط ، وهو سبب الاشتباه .
(2) التراتيب الادارية ج 2 ص 115 عن السيرة الشامية ، عن الطبراني .
(3) التراتيب الادارية ج 2 ص 115 عن عبد الرزاق .
(4) التراتيب الادارية ج 2 ص 116 .
(5) مصنف عبد الرزاق ج 5 ص 298 وفي هامشه عن الشيخين بمعناه عن انس ومسلم عن ابن عباس والمنتقى ج 2 ص 768 ، وسنن ابن ماجة ج 2 ص 952 .
(6) الام للشافعي ج 4 ص 88 ، وصحيح مسلم ج 5 ص 197 ، وسنن البيهقي ج 9 ص 30 ، ومسند احمد ج 1 ص 224 : و 308 والمنتقى ج 2 ص 768 عن احمد ومسلم ، وابن ماجة ، والترمذي ج 4 ص 126 .

  الآداب الطبية في الاسلام   ـ 160 ـ

  ويحلمون الرثيث الى النساء ، ويعالجونهم من كلومهم الخ ... ) (1) .
  فكل ذلك يكون مؤيدا لجريان السيرة على تمريض النساء للرجال ، كما دل عليه خبر علي ابن ابي حمزة ، وعلي بن جعفر ، هذا ولكننا نجد في مقابل ذلك :
  1 ـ ما رواه الطبراني من ان امرأة من عذرة استأذنت النبي ( ص ) ، ان تخرج في جيش كذا وكذا ، فلم يأذن لها ، فقالت : يا رسول الله ، انه ليس اريد ان اقاتل ، وانما اريد ان اداوي الجرحى والمرضى ، او اسقى المرضى ؟ ! قال : لولا ان تكون سنة ، ويقال : فلانة خرجت لاذنت لك ، ولكن اجلسي (2) .
  وروى بهذا المضمون له ( ص ) مع ام كبشة القضاعية (3) ...
  2 ـ كما انه ( ص ) لم يأذن لام ورقة الانصارية بالغزو معه ، لمداواة الجرحى ، وتمريض المرضى (4) .
  ولكن الحقيقة هي : ان هذا لا يضر في دلالة كل ما سبق ، بل هو مؤيد له ، لانه قد علل منعه لها في الاولى بأنه : لايحب ان يكون ذلك سنة ، فهو لا يحب ان تجرى العادة على اخراجهن في الغزو كذلك ، ولولا ذلك لاذن لهن .

**************************************************************
(1) مروج الذهب ج 2 ص 317 ، وراجع : الفتوحات الاسلامية لدحلان ج 1 ص 114 وتاريخ الطبري ج 3 ص 58 والكامل لابن الاثير ج 2 ص 477 والعبر لابن خلدون ج 2 قسم 2 ص 97 و 98 .
(2) مجمع الزوائد ج 5 ص 323 وقال : رواه الطبراني في الكبير والاوسط ، ورجالهما رجال الصحيح ، وحياة الصحابة ج 1 ص 618 عن المجمع ...
(3) الاصابة ج 4 ص 487 والتراتيب الادارية ج 2 ص 115 .
(4) الاصابة ج 4 ص 505 والاستيعاب بهامشها نفس الجلد والصفحة ، والتراتيب الادارية ج 1 ص 47 عن طبقات ابن سعد ، وعن السيوطي في الجمع ، وعزاه لابن راهويه ، وابي نعيم في الحليية ، والبيهقي ، قال : وروى ابو داود بعضه ، ومسند احمد ج 6 ص 405 وسنن ابي داود كتاب الصلاة ص 61 .

  الآداب الطبية في الاسلام   ـ 161 ـ

  وأما بالنسبة لأم ورقة ، فانه لم يظهر لنا الوجه في منعها ، ولعله لخصوصية ترتبط بها ، لا لأجل ان ذلك غير جائز للنساء مطلقاً .
  وهكذا ... يتضح : انه يمكن دعوى : ان السيرة كانت جارية في زمن الرسول على تمريض النساء للرجال ...
  الا ان يقال : ان السيرة هذه لم تثبت الا من طرق غير الشيعة ، فلا حجية فيها وهو كما ترى .
  او يدعى اعراض المشهور عن خبري ابن أبي حمزة ، وعلي بن جعفر ، وهو موجب ـ عند البعض ـ لضعف سندهما ، ومن ثم عدم الاقدام على الإفتاء بمضمونهما ... او حملهما على صورة الضرورة ، وحمل ما تقدم نقله كله على هذه الصورة ايضا (1) .
  ولعل لأجل هذا نجد : اهل الفتوى لا يفرّقون ـ عموما ـ بين الرجل والمرأة في هذه المسألة كما سيأتي ... كما ان الحمل على صورة الضرورة او غيرها وملاحظة ما يرمي اليه الشارع في تحديداته للعلاقات بين الرجل والمرأة يستدعي الاقتصار على العجائز منهن ، كما هو واضح .
  الثانية : مداواة وتمريض الرجل للمرأة :
  وقد تقدم : ان جسد المرأة كله عورة بالنسبة الى الرجل ، وان كان النظر الى بعض المواضع ـ كالعورة ـ اشد قبحا ومفسدة من النظر الى البعض الاخر ، كالذراع مثلا ...
  ومن هنا ، فان معالجة المرأة تنحصر في النساء امثالها ، فيجوز للمرأة ان تعالج المرأة ، لكن يحرم عليها النظر الى الفرج ، الا في مقام الضرورة ، فيقتصر

**************************************************************
(1) فقد حمل البعض الروايات المتقدمة عن الصحابيات على ذلك راجع ، التراتيب الادارية ج 2 ص 116 عن ابن زكرى والقرطبي .

  الآداب الطبية في الاسلام   ـ 162 ـ

  منها على ما تندفع به ، فان امكن الاكتفاء بالنظر في المرآة ، لم يجز التعدي الى النظر المباشر ـ كما سيأتي في رواية النظر الى الخنثى ـ وان لم يكن الا بالنظر المباشر جاز بمقدار الضرورة ، زمانا ، وكيفية ، ولايجوز الرجوع الى الرجال مع وجود المماثل ... ولاجل هذه الضرورة طلب امير المؤمنين عليه السلام من داية الكوفة ان تنظر الى الجارية : أبكر هي ، أم ثيب (1) ، وروى مثله عن النبي ( ص ) (2) الاّ ان يقال : ان ذلك انما يتم باللمس وهو لا يلازم النظر .
  ثم هناك ما يدل على قبول شهادة النساء فيما لا يحل للرجال النظر اليه ، كالولادة والنكاح (3) ، فراجع ابواب الشهادات في كتب الحديث والرواية ...
  كما انه اذا امكن الاكتفاء بالنظر لم يجز التعدي الى اللمس المباشر ، مع عدم امكان كونه من وراء ثوب ونحوه ... الى غير ذلك مما تقدمت الاشارة اليه ...
  ويدل على عدم جواز مداواة الرجل للمرأة مع امكان معالجة النساء لها ...
  1 ـ ما عن علي بن جعفر ، انه سأل اخاه عن المرأة : يكون بها الجرح ، في فخذها ، او عضدها ، هل يصلح للرجل ان ينظر اليه ، ويعالجه ؟ قال لا (4) .
  2 ـ وعن علي بن جعفر عن اخيه عليه السلام ، قال : سألته عن المرأة : لها ان يحجمها رجل ؟ قال : لا (5) ...
  3 ـ بل لقد روى ان امير المؤمنين عليه السلام سئل عن الصبي : يحجم المرأة ؟ قال : اذا كان يحسن يصف ، فلا (6) .
  ولعل نظره عليه السلام الى كراهة ان يرى الصبي من المرأة المواضع الخفية

**************************************************************
(1) وان كان ليس في القصة تصريح بالنظر المباشر ، ولكن ذلك هو الظاهر منها ، فراجعها في : طب الإمام الصادق ص 18 / 19 والبحار ج 62 ص 167 / 168 وقال : ان ذلك قد رواه جم غفير من علمائنا كابن شاذان وعن غيرهم كالأردبيلي المالكي .
(2) عيون اخبار الرضا ج 2 ص 39 .
(3) راجع البحار ج 104 ص 321 ، باب شهادة النساء ، وغيره من الكتب ...
(4) قرب الاسناد ص 101 والوسائل ج 14 ص 173 ، والبحار ج 104 ص 34 .
(5) قرب الاسناد ص 101 ، والبحار ج 104 ص 33 / 34 .
(6) الوسائل ج 14 ص 172 والكافي ج 5 ص 534 .

  الآداب الطبية في الاسلام   ـ 163 ـ

  اذا كان قد قارب البلوغ ، وصار يحسن يصف ... او انه ناظر الى الحجامة في موضع يمنع عنه حتى الصبي ...
  4 ـ ويدل على ذلك الاخبار الدالة على الجواز في حال الاضطرار كما سنرى .
  نعم لو اضطرت المرأة الى ان يتولى الرجل معالجتها جاز ذلك ، ولكن بمقدار ما ترتفع به الضرورة ، فقد روى :
  1 ـ عن علي ( ع ) في المرأة يموت في بطنها الولد ، فيتخوف عليها ؟ قال : لا بأس ان يدخل الرجل يده فيقطعه ، ويخرجه ، اذا لم ترفق بها النساء (1) ...
  2 ـ عن الباقر عليه السلام : انه سئل عن المرأة تصيبها العلل في جسدها ، ايصلح ان يعالجها الرجل ؟ قال : اذا اضطرت الى ذلك فلا بأس (2) .
  وفي نص آخر : سألته عن المرأة المسلمة ، يصيبها البلاء في جسدها : اما كسر او جرح ، في مكان لا يصلح النظر اليه ، فيكون الرجل ارفق بعلاجه من النساء ، ايصلح له النظر اليها ؟ قال : اذا اضطرت اليه فليعالجها ان شاءت (3) .
  3 ـ ويقال : ان الشمردل قال للنبي ( ص ) : اني كنت اتطبب فما يحل لي ، فانني تأتيني الشابة ؟ قال : فصد العرق ، وتحسيم الطعنة ، ان اضطررت الخ (4) ) .
  واخيرا ... فقد قال ابن ادريس في السرائر : ( اذا اصاب المرأة علة في جسدها ، واضطرت الى مداواة الرجال لها ، كان جائزا ... وقال العلامة قدس سره في المنتهى : يجوز الاستيجار للختان ، وخفض الجواري الخ (5) ) .
  هذا ... ولكن قال في العروة الوثقى : ( يستثنى من عدم جواز النظر من الاجنبي

**************************************************************
(1) البحار ج 82 ص 12 وج 104 ص 36 ، وقرب الاسناد ص 64 وفروع الكافي ج 1 ص 155 ، والوسائل ج 2 ص 673 وفي هامشه عنهما وعن التهذيب ج 1 ص 98 .
(2) البحار ج 62 ص 74 عن الدعائم ...
(3) الوسائل ج 14 ص 172 والكافي ج 5 ص 534 .
(4) الاصابة ج 2 ص 156 .
(5) البحار ج 62 ص 65 .

  الآداب الطبية في الاسلام   ـ 164 ـ

  والاجنبية مواضع : ( منها ) مقام المعالجة ، وما يتوقف عليه من معرفة نبض العروق ، والكسر ، والجرح ، والفصد ، والحجامة ، ونحو ذلك ، اذا لم يمكن بالمماثل ، بل يجوز المس واللمس حينئذ (1) ) .
  وقال : ( اذا توقف العلاج على النظر دون اللمس ، او اللمس دون النظر ، يجب الاقتصار على ما اضطر اليه ، فلا يجوز الاخر بجوازه (2) ) .
  وقال نائب الإمام السيد الخميني ، دام عزه وبقاه : ( يستثنى من حرمة النظر واللمس في الاجنبي والاجنبية مقام المعالجة ، اذ لم يمكن بالمماثل ، كمعرفة النبض ، اذ لم تمكن بآلة ، نحو الدرجة ، وغيرها .
  والفصد ، والحجامة ، وجبر الكسر ، ونحو ذلك .
  ومقام الضرورة ، كما اذا توقف استنقاذه من الغرق على النظر واللمس .
  واذا اقتضت الضرورة ، او توقف العلاج على النظر دون اللمس ، او العكس اقتصر على مقدار الضرورة ، فلا يجوز الاخر ، ولا التعدي ) (3) .
  واما النظر الى عورة غير المسلم وهم الذين لا يهتمون عادة بالتستر ، فيدخلون الحمامات بلا ازر ـ كما يفهم اجمالا او ان ذلك هو القدر المتيقن ـ فليس فيه اشكال شرعي ، كما نصت عليه الرواية المعتبرة (4) .

النظر الى الخنثى :
  وأما بالنسبة للنظر الى الخنثى فانه ينبغي الاجتناب عن النظر المباشر اليها لكل من الرجل والمرأة احتياطا للدين ... فلو امكن معالجتها بواسطة المرآة تعين ذلك .
  واما بالنسبة الى النظر الى العورة ، مع عدم معرفة مماثلها ، ليصار اليه ،

**************************************************************
(1) العروة الوثقى ص 626 .
(2) العروة الوثقى ص 627 .
(3) تحرير الوسيلة ج 2 ص 243 .
(4) البحار ج 104 ص 42 وج 76 ص 80 والوسائل ج 1 ص 365 و 366 والفروع ج 6 ص 501 ومن لا يحضره الفقيه ج 1 ص 63 ومكارم الاخلاق ص 56 .

  الآداب الطبية في الاسلام   ـ 165 ـ

  لاخفية المفسدة بالنسبة الى نظر غير المماثل ... فقد سأل يحيى بن اكثم الإمام الهادي عليه السلام ، عن قول علي ( ع ) : ( ان الخنثى يورث من المبال ) ، وقال : فمن ينظر ـ اذا بال ـ اليه ؟ ، مع انه عسى ان تكون امرأة وقد نظر اليها الرجال ، او عسى ان يكون رجلا وقد نظر اليه النساء ، وهذا لا يحل .
  فأجاب عليه السلام : ان قول علي حق ، وينظر قوم عدول ، يأخذ كل واحد منهم مرآة ، وتقوم الخنثى خلفهم عريانة ، فينظرون في المرايا فيرون الشبح فيحكمون عليه (1) .

تشريح الموتى :
  لقد منع الاسلام من الاعتداء على جسد الميت المسلم ، بقطع رأسه ، او كسر عظمه ، او شق بطنه الى غير ذلك من انحاء الاعتداء ، وقرر الدية والارش في ذلك ، واعتبر ، ان حرمته ميتاً كحرمته حيا ، بل اعظم كما في بعض الروايات (2) .
  وهذا يعنى : انه لايجوز ممارسة ما يسمى اليوم بالتشريح للميت ، سواء اكان لاجل التعلم ، او لاي سبب آخر ، الا اذا دعت الضرورة الى ذلك ، فانها حينئذ تقدر بقدرها .

**************************************************************
(1) راجع : البحار ج 104 ص 358 / 359 ، وج 61 ص 254 ، وتحف العقول والسؤال في ص 356 والجواب في ص 359 ، وقضاء امير المؤمنين عليه السلام ص 157 / 158 ومناقب آل ابي طالب ج 2 ص 376 .
(2) راجع فيما تقدم : التهذيب للشيخ ج 10ص 271 حتى 274 وج 1 ص 419 ، والاستبصار ج 4 ص 275 ـ 298 والمحاسن للبرقي ص 305 ، والعلل للصدوق ص 543 باب 330 والكافي ج 7 ص 348 و 349 ونقل عن ج 1 ص 302 ومن لا يحضره الفقيه ج 4 ص 117 و 118 ، وراجع : الوسائل ج 2 ص 875 وج 19 ص 247 ـ 251 والمسالك اواخر الجزء الثاني ، اواخر كتاب الديات ، والبحار ج 81 ص 328 عن قرب الاسناد ص 170 ط نجف ص 130 ط حجر وغير ذلك .

  الآداب الطبية في الاسلام   ـ 166 ـ

  ويمكن ان يقال :
  ان الروايات يمكن ان تكون ناظرة الى التشريح ، او قطع العضو عدوانا وتشفيا ، فلا تشمل التشريح لغرض عقلائي ، كالتعلم مثلا .
  ولكنه كلام لايمكن قبوله : وذلك لامرين : احدهما : ان بعض النصوص قد قررت الكفارة على من جرح ميتا خطأ ، مع انه لاعدوان فيه (1) ( فتأمل ) ... الثاني : ان التعليل بأن حرمته ميتاً كحرمته حياً ، لم يفصل فيه بين صورة التعليم وبين غيرها ... فكما لايجوز ذلك لاجل التعليم في حياته ، فكذا لايجوز ذلك في حال موته ...
  وأما الاستدلال على حرمة التشريح بأحاديث النهي عن المثلة ، فهو لا يصح ، وذلك لان النهي عنها يمكن ان يكون من اجل ان الغرض منها هو التشفي ، وليس هذا امرأً عقلائياً .
  بخلاف التشريح ، فانه يتعلق به غرض عقلائي مطلوب ومرغوب فيه كالتعلم ونحوه ... هذا بالاضافة الى ان تجويز المثلة يستتبع ان يقدم العدو على مثل ذلك بالنسبة الى الشهداء من المسلمين ، فيكون سببا لهتك حرمتهم ، وهو امر مرغوب عنه شرعا ، مع عدم ترتب فائدة معقولة على ما كان سبباً او داعياً له كما قلنا ...
  بقى ان نشير الى انه قد ورد في بعض النصوص : ان حرمة ( المؤمن ) او ( المسلم ) ميتاً كحرمته حياً ، (2) اما باقيها ، فعبرت بــ ( الميت ) و ( رجل ميت ) ونحو

**************************************************************
(1) المسالك آخر كتاب الديات والتهذيب ج 10 ص 274 والاستبصار ج 4 ص 299 والكافي ج 7 ص 349 ومن لايحضره الفقيه ج 4 ص 117 والعلل للصدوق ص 543 والمحاسن ص 306 والجواهر ج 43 ص 384 / 385 ومباني تكملة المنهاج ج 2 ص 423 .
(2) التهذيب ج 10 ص 272 وج 1 ص 419 ، والاستبصار ج 4 ص 297 ، والوسائل ج 19 ص 251 وفي هامشه عنهما وعن الكافي ج 1 ص 302 .

  الآداب الطبية في الاسلام   ـ 167 ـ

  ذلك ... ولم تذكر : انه مؤمن او مسلم ... فيحمل المطلق منها على المقيد ... كما انه يمكن دعوى انصراف سائر الروايات الى خصوص الميت من المسلمين ، لانه هو محل ابتلائهم ، وهو الذي يعنيهم السؤال عنه ... وعليه فلا يشمل جثة من لم يكن مسلما حتى ولو كان ذميا ... وما ورد من وجوب الدية في الذمي ، او الارش في اعضائه ... فانما هو حق جعل له من اجل حفظ حياته ، وعدم حصول فوضى في المجتمع ، نتيجة للاعتداء عليهم ، كما تشير اليه موثقة سماعة ، التي تثبت الدية في قتل الذمي (1) .
  أما بعد موته ، فلا فرق بين جثته وبن غيرها من غير المسلمين ...
  الاّ ان يتمسك بعموم التعليل ، ليشمل كل من كان له حرمة في حالة الحياة ، حتى الذمي مع عدم التفات الى ما ذكرناه ، من ان ذلك حق له ، لا اكثر ، ولا اقل ، ولعل ذلك هو الداعي لصاحب القواعد لان يعتبر ان ( فيه عشر دية الحر الذمي ) (2) ...
  ولكن ما ذكرناه هو الاظهر والاقرب ... أما بالنسبة للكافر المحارب للاسلام وللمسلمين ، والمعاهد ، فلا حرمة له حياً ، فلا تكون له حرمة بعد موته ، فلا مانع من تشريحه لاي غرض كان ، ولا دية ، ولا اثم فيه ...

**************************************************************
(1) الوسائل ج 19 ص 163 وفي هامشه عن التهذيب ج 10 ص 188 والاستبصار ج 2 ص 270 .
(2) الجواهر ج 43 ص 389 وفي هامشه عن : ايضا الفوائد في شرح القواعد ج 4 ص 729 وفيه : ( الذمي الحي ) مكان : ( الحر الذمي ) .

  الآداب الطبية في الاسلام   ـ 169 ـ

الفصل الخامس : المريض وعواده :

  الآداب الطبية في الاسلام   ـ 171 ـ

في اجواء عيادة المريض :
  وبعد ... فاننا لانرى حاجة الى التذكير بما لعيادة المريض من فضل عند الله تعالى ... وبما لها من آثار نفسية على المريض ، وعلى كل من يلوذ به ، بل وعلى العائد نفسه ...
  وبديهي : ان هذه الآثار ستنعكس ـ ايجابيا ـ في المستقبل على واقع التعامل فيما بينهم ، وعلى صميمية العلاقات وصفائها ...
  ويمكن استجلاء بعض هذه الاثار من دراسة الواقع الذي يعاني منه المريض ، وذووه معه ، وانعكاسات ذلك الواقع عليهم ايجابا او سلبا .
  وبملاحظة هذه المعاناة وانعكاساتها نعرف : انه لابد وان يكون الانفعال والتأثير في اجواء العيادة متناسيا ومنسجما معها الى حد بعيد ...
  ونحن لانريد ان نفيض في الحديث في هذا المجال ، وانما نكتفي بهذه الاشارة ، ونترك المجال للقارىء الكريم فيما لو احب التعمق والاستقصاء ...
  اما نحن فنسارع الى الدخول في التحديد للمواصفات التي لابد وان يلاحظها كل من المريض ، وزائريه ... ونلاحظ مدى الدقة في تنظيم العلاقة بين المريض وبينهم . حيث تعرضت الروايات لمختلف الخصوصيات في هذا المجال ، وقد

  الآداب الطبية في الاسلام   ـ 172 ـ

  تقدم ان من اطعم المريض شهوته اطعمه الله من ثمار الجنة وتقدم النهي عن ازعاجه ، والنهي عن اضجاره ، وغير ذلك مما لا مجال لإعادته ... والذي نريد ان ننبه عليه هنا نستطيع ان نجمله في ضمن النقاط التالية ...

اعلام المريض اخوانه بمرضه :
  لقد ورد في بعض الروايات المعتبرة عن ابي عبد الله عليه السلام : انه ينبغي للمريض ان يؤذن اخوانه بمرضه ، فيعودونه ، فيؤجر فيهم ، ويؤجرون فيه ...
  قال : فقيل له : نعم ، فهم يؤجرون فيه بممشاهم اليه ، فكيف يؤجر هو فيهم ، فقال : باكتسابه لهم الحسنات فيؤجر فيهم ، فيكتب له بذلك عشر حسنات ، ويرفع له عشر درجات ، ويمحى بها عنه عشر سيئات (1) .

اذنه لعواده بالدخول عليه :
  كما وانه ينبغي ان يأذن للناس بالدخول عليه ، من اجل ان يروا ما هو فيه فيخصّونه بدعواتهم ، فانه ليس من احد الا وله دعوة مستجابة ... والمراد بالناس على ماجاء في بعض النصوص هم الشيعة ... (2) .
  هذا ... ولابد من الاشارة الى ان الدعوات الخالصة لاتكون الا عن رضا ومحبة ، وذلك يستدعى ان تكون السمعة والروابط فيما بينهم على درجة من الحسن ، والصفاء ، والسلامة .. كما ان ربط الاخرين بالمريض ، وتحسيسهم بمشاكله ، واحساسهم بضعفه يجعلهم اكثر ارتباطا به ، ويجعل احساسهم بالضعف امام الله اعظم ... ثم يكون الاعتبار بما يرون غيرهم قد ابتلى به ، مع عدم ضمانة

**************************************************************
(1) الكافي ج 3 ص 117 ، والسرائر ص 482 ، والبحار ج 81 ص 218 عنه ، والوسائل ج 2 ص 632 ومكارم الاخلاق ص 235 .
(2) طب الائمة ص 16 ، والكافي ج 3 ص 117 ، والوسائل ج 2 ص 633 ، والبحار ج 81 ص 218 .

  الآداب الطبية في الاسلام   ـ 173 ـ

  واقعية لهم تكفل عدم تعرضهم لابتلاء مشابه ـ يكون هذا الاعتبار ـ اكثر عمقا ، وابعد اثرا ...

استحباب عيادة المريض :
  لاريب في ان عيادة المريض محبوبة ومطلوبة لله تعالى ، ومستحبة شرعا ، وقد ورد : ان من عاد مريضا شيعه سبعون الف ملك ، يستغفرون له حتى يرجع الى منزله (1) .
  والاخبار في هذا المجال كثيرة ، لامجال لاستقصائها ، فمن ارادها فليراجعها في مظانها من كتب الحديث ، كالوسائل ج 2 ، والبحار ، وغير ذلك .

حد القصد الى عيادة المريض :
  ولربما يمكن ان يقال : ان قول النبي صلى الله عليه وآله لعلي عليه السلام : ( سر ميلا عد مريضا ) (2) يستفاد منه عدم مطلوبية ذلك فيما فوق ميل ...
  ولكننا بدورنا لا نوافق على هذه الاستفادة ، ونرى : ان من القريب جداً ، ان يكون المراد السير على الاقدام ونحوه ، فهو كناية عن مطلوبية تحمل المشقة في هذا السبيل ، ولو بأن يسير الانسان ميلا ، وليس في مقام تحديد المسافة التي تستحب منها العيادة ، واذن ... فحيث تتوفر الوسائل لعيادة المريض ولو بأن يسير اميالا بالسيارة مثلا ، فان ذلك يكون مطلوبا ومحبوبا ، بل يزيد محبوبية كلما زادت المشقة في ذلك ...

**************************************************************
(1) الوسائل ج 2 ص 634 ، وفروع الكافي ج 1 ص 120 .
(2) البحار ج 77 ص 52 وج 74 ص 83 عن نوادر الراوندي ص 5 وفقه الرضا ص 48 ومكارم الاخلاق ص 437 ، ومستدرك الوسائل ج 2 ص 22 .

  الآداب الطبية في الاسلام   ـ 174 ـ

لا عيادة على النساء :
  وأما بالنسبة لخروج النساء الى عيادة المريض ، فانه غير مطلوب منهن ، ولا امرن به ، فقد ورد انه : ليس على النساء عيادة (1) ... ولعل ذلك يرجع الى ان الشارع يرغب في تقليل اختلاط الرجال بالنساء ، حفظا للمجتمع من كثير من المتاعب ، التي ربما تنشأ عن أمر كهذا ...
  ومن اجل ذلك نجد الزهراء عليها السلام ترجح للمرأة : ان لا ترى الرجل ، ولا الرجل يراها ، كأسلوب انجح في مقاومة كل مظاهر الانحراف ، ولو بعدم المساهمة في ايجاد محيط يساعد عليه ...
  فهو لا يريد ان يقطع اليد التي تسرق ، وانما يريد ان يهيىء الظروف التي تمنع حتى من التفكير بالسرقة ، التي تؤدي الى قطعها ...

العيادة كل ثلاثة ايام :
  وقد لا حظنا : ان الروايات الواردة عن المعصومين عليهم السلام لم تصر على تكثير العيادة للمريض ، فلم تجعل العيادة له في كل يوم ، بل هي توصي بأن تكون في كل ثلاثة ايام مرة : بل عن الصادق عليه السلام : لا تكون العيادة في اقل من ثلاثة ايام ، فاذا وجبت فيوم ، ويوم لا ، فاذا طالت العلة ترك المريض وعياله (2) .

**************************************************************
(1) مستدرك الوسائل ج 1 ص 96 / 97 والخصال ج 2 ص 585 والبحار ج 81 ص 224 و 215 و 228 و ج 82 ص 79 وج 77 ص 54 وفي هامشه عن الخصال ج 1 ص 218 و 97 وج 2 ص 145 وعن مكارم الاخلاق ص 500 وعن دعوات الراوندي ، وعن الدعائم .
(2) الكافي ج 3 ص 117 والوسائل ج 2 ص 638 وسفينة البحار ج 2 ص 285 ومستدرك الوسائل ج 1 ص 84 والبحار ج 81 ص 226 وفي هامشه عن مكارم الاخلاق ص 414 ، وقد احتمل البعض : ان المراد : ان العيادة لا تكون في مرض لا يستمر ثلاثة ايام ... ولكن هذا الاحتمال في غير محله ، ولا سيما بملاحظة ذيل الرواية ، وبملاحظة رواية ، اغبوا في العيادة واربعوا ، فانها ظاهرة فيما ذكرناه .

  الآداب الطبية في الاسلام   ـ 175 ـ

  وفي نص آخر عن النبي ( ص ) : اغبوا في العيادة واربعوا الا ان يكون مغلوبا (1) .
  فالمراد من هذه الرواية هو : انه اذا كان المريض غير مغلوب ، فتأخروا في عيادته ... أما اذا كان مغلوبا فانه يعاد يوما ، ويوما لا ، حسبما ورد في الرواية الاولى ... ويؤيده ما ورد في ذيلها ايضا .
  لكن العلامة المجلسي رحمه الله يرى : ان المراد : انه اذا كان مغلوبا فينبغي ان يترك المريض وعياله ، كما في الرواية الاولى .
  والمراد بأغبوا : العيادة له يوما وتركه يوما (2) .
  ونحن نستبعد ما ذكره ، فانه اذا كان مغلوبا ، فان العيادة تتأكد ، كما هو مقتضى الطبع والذوق والسليقة ... وأما اذا طالت العلة ، فانه امرا آخر : ويناسب ان يترك المريض وعياله ، ليمكن لهم مباشرة خدمته ، وتحمل مشقاتها ، فلا يزيد في احراجهم ، كما ان المريض نفسه لا يرى نفسه عبئا على غيره ، ولا يضطر لان يتطلب من عياله ما ربما لا يكون لديهم ميل الى تحمله وانجازه له ...
  والعيادة تكون كل ثلاثة ايام مرة ، وهو ما يظهر من الرواية الاولى بقرينة ذيلها وبقرينة الرواية الثانية ايضا ، والتي تفيد : ان الاحسن ان لا تكون متوالية ، بل الارجح ان يغب ( اي يباعد ) في العيادة ، فتكون في اليوم الرابع بعد الثلاثة ايام ...
  هذا ... ولكن المجلسي رحمه الله قد فهم من الرواية الاولى : ( ان المراد به : انه لا ينبغي ان يعاد المريض في اول ما يمرض الى ثلاثة ايام ، فان برىء قبل مضيها ، والاّ فيوما تعود ، ويوما لا تعود .
  ويحتمل ان يكون ان اقل العيادة : ان يراه ثلاثة ايام متواليات ، وبعد ذلك غبا ، او ان اقل العيادة ان يراه في كل

**************************************************************
(1) امالي الطوسي ج 2 ص 253 ومستدرك الوسائل ج 1 ص 84 وسفينة البحار ج 2 ص 285 والبحار ج 81 ص 222 عن الاول ، وعن الجوهري ، والنهاية .
(2) البحار ج 81 ص 223 .