ويجوز أن يراد بالزكاة : العين على تقدير مضاف محذوف وهو الأداء، ويحمل البيت على هذا أيضا .
* (على أزوا جهم) * في موضع الحال ، أي : الأوالين على أزواجهم ، والمعنى :
أنهم * (لفروجهم حفظون) * في جميع الأحوال * (إلا) * في حال تزويجهم أو تسريهم ، ويجوز أن يتعلق * (على) * بمحذوف يدل عليه قوله تعالى : * (غير ملومين) * كأنه قال : يلامون إلا على أزواجهم ، أي : يلامون على كل مباشر إلا على ما أطلق لهم * (فإنهم غير ملومين) * عليه .
* (فمن ابتغى وراء ذلك) * أي : طلب سوى الأزواج والمملوكة * (فأولئك هم العادون) * الكاملون في العدوان المتناهون فيه .
وقرئ : ( لامانتهم )
(1) و * (لامنتهم) * ، و ( على صلاتهم )
(2) و * (على صلوا تهم) * على الواحد والجمع ، وسمي الشئ المؤتمن عليه والمعاهد عليه أمانة وعهدا ، ومثله : * (يأمركم أن تؤدوا الأمنت) *
(3) ، * (وتخونوا أمنتكم) *
(4) ، وإنما يؤدى المؤتمن عليه لا الأمانة نفسها ، وكذلك
الخيانة .
ويحتمل العموم في كل ما أتمنوا عليه وعهدوا من جهة الله ومن جهة المخلوقين ، والخصوص فيما حملوه من الأمانات للناس وعهودهم .
وكرر ذكر الصلاة لأن في الأول وصفهم بالخشوع فيها ، وفي الثاني وصفهم بالمحافظة عليها ، وهو أن يؤدوها في أوقاتها ويراعوا أركانها ، وكان أولئك الجامعون لهذه الصفات هم الأحقاء بأن يسموا وراثا دون من عداهم ، ثم بين
-------------------
(1) قرأه ابن كثير ، راجع التبيان : ج 7 ص 350 .
(2) وهي قراءة حمزة والكسائي ، راجع كتاب السبعة في القراءات لابن مجاهد : ص 444 .
(3) النساء : 58 .
(4) الأنفال : 27 . (*)
تفسير جوامع الجامع (الجزء الثاني)
_ 579 _
من أجزائه من عجائب فطرة وغرائب حكمة ما لا يكتنه بالوصف * (فتبارك الله) * تعالى واستحق التعظيم * (أحسن الخلقين) * أي : أحسن المقدرين تقديرا ، فترك ذكر المميز
لدلالة * (الخلقين) * عليه .
والطرائق : السماوات ، لأنه طورق بعضها فوق بعض ، وكل شئ فوقه مثله فهو طريقه ، أو : لأنها طرق الملائكة ومتقلباتهم ، أو : هي الأفلاك لأنها طرائق الكواكب وفيها مسائرها .
* (بقدر) * أي : بتقدير يصلون به إلى المنفعة ويسلمون من المضرة ، أو : بمقدار ما علمنا من مصالحهم وحاجاتهم به * (فأسكنه في الارض) * كقوله : * (فسلكه ينبيع في الارض) * (1) ، وكما قدرنا على إنزاله فنحن قادرون على رفعه وإزالته ، وقوله : * (على ذهاب) * يعني على وجه من وجوه الذهاب * (به) * .
وخص هذه الأنواع الثلاثة من جملة الأشجار لأنها أكرمها وأجمعها للمنافع ، ووصف النخيل والأعناب بأن ثمرهما جامع بين أمرين : إنه فاكهة يتفكه بها ، وطعام يؤكل رطبا ويابسا ، ولذلك أتي بالواو ، والزيتون بأن دهنه صالح للاستصباح والاصطباغ جميعا .
* (وشجرة) * عطف على * (جنت) * ، وقرئ : * (سينآء) * بكسر السين (2) وفتحها ، فمن كسرها فإنما يمنع الصرف للتعريف والعجمة أو للتأنيث لأنها بقعة ، لأن ( فعلاء ) بكسر الفاء لا يكون ألفه للتأنيث كألف ( صحراء ) و ( طور سيناء )، وطور سينين لا يخلو : إما أن يكون مضافا إلى بقعة اسمها : ( سيناء ) أو ( سينون ) ، وإما أن يكون اسما للجبل مركبا من مضاف ومضاف إليه ك ( امرئ القيس )
-------------------
(1) الزمر : 21 .
(2) قرأه ابن كثير ونافع وأبو عمرو ، راجع التذكرة في القراءات لابن غلبون : ج 2 ص 557 . (*)
تفسير جوامع الجامع (الجزء الثاني)
_ 580 _
* (بالدهن) * في موضع الحال ، أي : تنبت وفيها الدهن ، وقرئ : ( تنبت ) (1) ، وفيه وجهان : أحدهما : أن يكون ( أنبت ) بمعنى ( نبت ) كما في بيت زهير : رأيت ذوي الحاجات حول بيوتهم * قطينا لهم حتى إذا أنبت البقل (2) والآخر : أن يكون مفعوله محذوفا ، والمعنى : ينبت زيتونها ، وفيه الزيت .
* (وَإِنَّ لَكُمْ فِي الأَنْعَامِ لَعِبْرَةً نُسقِيكُمْ مِمَّا فِي بُطُونِهَا وَلَكُمْ فِيهَا مَنَافِعُ كَثِيرَةٌ وَمِنْهَا تَأْكُلُونَ * وَعَلَيْهَا وَعَلَى الْفُلْكِ تُحْمَلُونَ * وَلَقَدْ أَرْسَلْنَا نُوحاً إِلَى قَوْمِهِ فَقَالَ يَا قَوْمِ اعْبُدُوا اللَّهَ مَا لَكُمْ مِنْ إِلَهٍ غَيْرُهُ أَفَلا تَتَّقُونَ * فَقَالَ الْمَلأ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ قَوْمِهِ مَا هَذَا إِلاَّ بَشَرٌ مِثْلُكُمْ يُرِيدُ أَنْ يَتَفَضَّلَ عَلَيْكُمْ وَلَوْ شَاءَ اللَّهُ لأَنزَلَ مَلائِكَةً مَا سَمِعْنَا بِهَذَا فِي آبَائِنَا الأَوَّلِينَ * إِنْ هُوَ إِلاَّ رَجُلٌ بِهِ جِنَّةٌ فَتَرَبَّصُوا بِهِ حَتَّى حِينٍ) * القصد ب * (الانعم) * إلى الإبل لأنها مقرونة بالفلك التي هي السفن ، وهي سفن البر ، أي : * (ولكم فيها منفع) * من الركوب والحمل وغير ذلك ، وفيها منفعة زائدة وهي الأكل الذي هو انتفاع بذواتها .
* (غيره) * بالرفع على المحل وبالجر على اللفظ (3) ، والجملة استئناف يجري مجرى التعليل للأمر بالعبادة .
* (يريد أن يتفضل عليكم) * أي : يطلب الفضل عليكم والرئاسة ، ونحوه : * (وتكون لكما الكبرياء في الارض) * (4) ، * (بهذا) * أي : ما سمعنا بهذا (5) الكلام ، أو : بمثل هذا الذي يدعي أنه رسول الله وهو * (بشر) * .
والجنة : الجنون أو الجن
-------------------
(1) وهي قراءة ابن كثير وأبي عمرو ورويس : راجع المصدر السابق : ص 558 .
(2) انظر ديوان زهير : ص 62 ، وفيه ( قطينا بها ) .
(3) في نسخة : ( الموضع ) .
(4) يونس : 78 .
(5) في نسخة : ( بمثل هذا ) . (*)
تفسير جوامع الجامع (الجزء الثاني)
_581 _
أي : به جن يخيلونه * (حتى حين) * أي : اصبروا عليه إلى زمان ، فإن أفاق من جنونه وإلا فاقتلوه .
* (قَالَ رَبِّ انصُرْنِي بِمَا كَذَّبُونِ * فَأَوْحَيْنَا إِلَيْهِ أَنْ اصْنَعْ الْفُلْكَ بِأَعْيُنِنَا وَوَحْيِنَا فَإِذَا جَاءَ أَمْرُنَا وَفَارَ التَّنُّورُ فَاسْلُكْ فِيهَا مِنْ كُلٍّ زَوْجَيْنِ اثْنَيْنِ وَأَهْلَكَ إِلاَّ مَنْ سَبَقَ عَلَيْهِ الْقَوْلُ مِنْهُمْ وَلا تُخَاطِبْنِي فِي الَّذِينَ ظَلَمُوا إِنَّهُمْ مُغْرَقُونَ * فَإِذَا اسْتَوَيْتَ أَنْتَ وَمَنْ مَعَكَ عَلَى الْفُلْكِ فَقُلْ الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي نَجَّانَا مِنْ الْقَوْمِ الظَّالِمِينَ * وَقُلْ رَبِّ أَنزِلْنِي مُنْزَلاً مُبَارَكاً وَأَنْتَ خَيْرُ الْمُنزِلِينَ * إِنَّ فِي ذَلِكَ لآيَاتٍ وَإِنْ كُنَّا لَمُبْتَلِينَ) * أي: * (انصرني) * بإهلاكهم بسبب تكذيبهم إياي ، و * (انصرني) * بدل ( ما كذبوني ) ، كما يقال : هذا بذاك ، أي : مكان ذاك ، والمعنى : أبدلني من غم تكذيبهم النصرة عليهم ، وانصرني بإنجاز ما وعدتهم من العذاب ، وهو ما كذبوه فيه حين قال لهم : * (إنى أخاف عليكم عذاب يوم عظيم) * (1) .
* (بأعيننا) * أي : بحفظنا وكلاءتنا ، كان معه من الله حفظة يكلؤونه بعيونهم لئلا يتعرض له ، ومنه قولهم : عليه من الله عين كالئة * (ووحينا) * أي : بأمرنا وتعليمنا إياك كيف تصنع .
روي : أنه قيل لنوح (عليه السلام) : إذا رأيت الماء يفور من التنور فاركب أنت ومن معك في السفينة ، فلما نبع الماء من التنور أخبرته امرأته فركب (2) .
وقيل : التنور : وجه الأرض (3) ، وقد مر ذكره وبيانه (4) ، وسلك فيه : دخله ،
-------------------
(1) الأعراف : 59 ، الشعراء : 135 ، الأحقاف : 21 .
(2) رواه الزمخشري في الكشاف : ج 3 ص 183 .
(3) قاله ابن عباس ، على ما حكاه عنه في الكشاف : ج 3 ص 184 .
(4) تقدم في ص 166 ضمن تفسير الآية : 40 من هود . (*)
تفسير جوامع الجامع (الجزء الثاني)
_582_