وأكرهوا على الكفر فأعطوهم بعض ما أرادوا ليسلموا من شرهم .
  * (يَوْمَ تَأْتِي كُلُّ نَفْسٍ تُجَادِلُ عَنْ نَفْسِهَا وَتُوَفَّى كُلُّ نَفْسٍ مَا عَمِلَتْ وَهُمْ لا يُظْلَمُونَ * وَضَرَبَ اللَّهُ مَثَلاً قَرْيَةً كَانَتْ آمِنَةً مُطْمَئِنَّةً يَأْتِيهَا رِزْقُهَا رَغَداً مِنْ كُلِّ مَكَانٍ فَكَفَرَتْ بِأَنْعُمِ اللَّهِ فَأَذَاقَهَا اللَّهُ لِبَاسَ الْجُوعِ وَالْخَوْفِ بِمَا كَانُوا يَصْنَعُونَ * وَلَقَدْ جَاءَهُمْ رَسُولٌ مِنْهُمْ فَكَذَّبُوهُ فَأَخَذَهُمْ الْعَذَابُ وَهُمْ ظَالِمُونَ * فَكُلُوا مِمَّا رَزَقَكُمْ اللَّهُ حَلالاً طَيِّباً وَاشْكُرُوا نِعْمَةَ اللَّهِ إِنْ كُنْتُمْ إِيَّاهُ تَعْبُدُونَ * إِنَّمَا حَرَّمَ عَلَيْكُمْ الْمَيْتَةَ وَالدَّمَ وَلَحْمَ الْخِنْزِيرِ وَمَا أُهِلَّ لِغَيْرِ اللَّهِ بِهِ فَمَنْ اضْطُرَّ غَيْرَ بَاغٍ وَلا عَادٍ فَإِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ) * انتصب * (يوم تأتى) * ب‍ * (رحيم) * أو ب‍ ( اذكر ) ، والمعنى : يوم يأتي * (كل) * إنسان يجادل * (عن) * ذاته لا يهمه غيرها ، كل يقول : نفسي نفسي ، ومعنى المجادلة : الاحتجاج عنها والاعتذار لها ، كقولهم : * (هؤلاء أضلونا) * (1) ونحو ذلك .
  * (وضرب الله مثلا قرية) * أي : جعل القرية التي هذه صفتها مثلا لكل قوم أنعم الله عليهم فبطروا وكفروا النعمة وتولوا فأنزل الله بهم العذاب والنقمة * (مطمئنة) * أي : قارة ساكنة لايزعجها خوف أو ضيق * (رغدا) * أي : واسعا ، وسمي أثر * (الجوع والخوف) * لباسا لأن أثرهما يظهر على الإنسان كما يظهر اللباس ، وقيل : لأنه شملهم الجوع والخوف كما يشمل اللباس البدن ، فكأنه قال : فأذاقهم ما غشيهم وشملهم من الجوع والخوف (2) ، وقيل : هذه القرية هي مكة (3) عذبهم

-------------------
(1) الأعراف : 38 .
(2) قاله الزمخشري في الكشاف : ج 2 ص 639 .
(3) وهو قول ابن عباس ومجاهد وقتادة ، راجع التبيان : ج 6 ص 432 . (*)

تفسير جوامع الجامع (الجزء الثاني) _ 352 _
  الله بالجوع سبع سنين حتى أكلوا القد والعلهز ـ وهو الوبر يختلط بالدم ـ والقراد (1) ، وكانوا مع ذلك خائفين من النبي (صلى الله عليه وآله) وأصحابه يغيرون على قوافلهم ، وذلك حين دعا عليهم فقال : ( اللهم اشدد وطأتك على مضر واجعل عليهم سنين كسني يوسف (عليه السلام) ) (2) .
  * (وهم ظلمون) * في موضع الحال .
  ثم خاطب المؤمنين بقوله : * (فكلوا) * أي : كلوا * (مما) * أعطاكم * (الله) * من الغنائم وأحلها لكم ، وما بعده مفسر في سورة البقرة .
  * (وَلا تَقُولُوا لِمَا تَصِفُ أَلْسِنَتُكُمْ الْكَذِبَ هَذَا حَلالٌ وَهَذَا حَرَامٌ لِتَفْتَرُوا عَلَى اللَّهِ الْكَذِبَ إِنَّ الَّذِينَ يَفْتَرُونَ عَلَى اللَّهِ الْكَذِبَ لا يُفْلِحُونَ * مَتَاعٌ قَلِيلٌ وَلَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ * وَعَلَى الَّذِينَ هَادُوا حَرَّمْنَا مَا قَصَصْنَا عَلَيْكَ مِنْ قَبْلُ وَمَا ظَلَمْنَاهُمْ وَلَكِنْ كَانُوا أَنفُسَهُمْ يَظْلِمُونَ * ثُمَّ إِنَّ رَبَّكَ لِلَّذِينَ عَمِلُوا السُّوءَ بِجَهَالَةٍ ثُمَّ تَابُوا مِنْ بَعْدِ ذَلِكَ وَأَصْلَحُوا إِنَّ رَبَّكَ مِنْ بَعْدِهَا لَغَفُورٌ رَحِيمٌ) * يجوز أن تكون ( ما ) موصولة ، وينتصب * (الكذب) * ب‍ * (لا تقولوا) * ، والمعنى : ولا تقولوا الكذب * (لما) * تصفه * (ألسنتكم) * من البهائم بالحل والحرمة في قولكم : * (ما في بطون هذه الانعم خالصة لذكورنا ومحرم على أزوا جنا) * (3) ، واللام مثلها في قولك : ولا تقولوا لما أحل الله: هو حرام ، وقوله : * (هذا حلل وهذا حرام) * بدل من * (الكذب) * .
  ويجوز أن تكون ( ما ) مصدرية ، وينتصب * (الكذب) * ب‍ * (تصف) * ، والمعنى : ولا تقولوا : هذا حلال وهذا حرام لوصف

-------------------
(1) القراد: هو ما يتعلق بالبعير ونحوه ، وهو كالقمل للانسان ، (مجمع البحرين : مادة قرد) .
(2) المصنف لابن أبي شيبة : ج 2 ص 317 ، مشكل الآثار للطحاوي : ج 1 ص 236 .
(3) الأنعام : 139 . (*)

تفسير جوامع الجامع (الجزء الثاني) _ 353 _
  ألسنتكم الكذب ، أي : لا تحرموا ولا تحللوا لأجل قول كذب نطقت به ألسنتكم لا لأجل حجة * (لتفتروا على الله) * في إضافة التحريم والتحليل إليه ، واللام في * (لتفتروا) * من التعليل الذي لا يتضمن معنى الغرض .
  * (متع قليل) * خبر مبتدأ محذوف ، أي : منفعتهم فيما هم عليه من أفعال الجاهلية منفعة قليلة وعقابها عظيم .
  * (ما قصصنا عليك) * يعني في سورة الأنعام .
  * (بجهلة) * في موضع الحال ، أي : * (عملوا السوء) * جاهلين غير متدبرين للعاقبة * (من بعدها) * أي : من بعد التوبة والجهالة .
  * (إِنَّ إِبْرَاهِيمَ كَانَ أُمَّةً قَانِتاً لِلَّهِ حَنِيفاً وَلَمْ يَكُنْ مِنَ الْمُشْرِكِينَ * شَاكِراً لأَنْعُمِهِ اجْتَبَاهُ وَهَدَاهُ إِلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ * وَآتَيْنَاهُ فِي الدُّنْيَا حَسَنَةً وَإِنَّهُ فِي الآخِرَةِ لَمِنْ الصَّالِحِينَ * ثُمَّ أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ أَنْ اتَّبِعْ مِلَّةَ إِبْرَاهِيمَ حَنِيفاً وَمَا كَانَ مِنْ الْمُشْرِكِينَ * إِنَّمَا جُعِلَ السَّبْتُ عَلَى الَّذِينَ اخْتَلَفُوا فِيهِ وَإِنَّ رَبَّكَ لَيَحْكُمُ بَيْنَهُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ فِيمَا كَانُوا فِيهِ يَخْتَلِفُونَ) * (كان أمة) * أي : كان وحده أمة من الأمم لكماله في صفات الخير ، وعن مجاهد : كان مؤمنا وحده منفردا في دهره بالتوحيد والناس كفار (1) ، وعن قتادة : كان إمام هدى قدوة يؤتم به (2) * (قانتا) * مطيعا * (لله) * دائما على عبادته * (حنيفا) * مستقيما في الطاعة ، مائلا إلى الإسلام غير زائل عنه * (ولم يك من المشركين) * تكذيب لكفار قريش في زعمهم أنهم على ملة إبراهيم .
  * (شاكرا لانعمه) * يعني : لأنعم الله تعالى معترفا بها ، روي : أنه كان لايتغذي

-------------------
(1) حكاه عنه البغوي في تفسيره : ج 3 ص 89 .
(2) حكاه عنه ابن كثير في تفسيره : ج 2 ص 571 . (*)

تفسير جوامع الجامع (الجزء الثاني) _354 _
  إلا مع ضيف (1) (2) .
   * (حسنة) * عن قتادة : هي تنويه (3) الله باسمه وذكره حتى أنه ليس من أهل دين إلا وهم يتولونه (4) ، وقيل : هي النبوة (5) ، وقيل : هي قول المصلي منا : كما صليت على إبراهيم وآل إبراهيم (6) * (لمن الصلحين) * أي : من أهل الجنة ، وناهيك بهذا ترغيبا في الصلاح .
  * (ثم أوحينا إليك) * وفي * (ثم) * هذه تعظيم لمنزلة رسول الله (صلى الله عليه وآله) ، وإعلام بأن أفضل ما أوتي خليل الله من الكرامة اتباع نبينا محمد (صلى الله عليه وآله) ملته من قبل أنها دلت على تباعد هذا النعت في المرتبة من بين سائر النعوت التي أثنى الله عليه بها .
  المعنى : * (إنما جعل) * وبال * (السبت) * وهو المسخ * (على الذين اختلفوا فيه) * فأحلوا الصيد فيه تارة وحرموا أخرى ، وكان الواجب عليهم أن يحرموه على كلمة واحدة ويتفقوا فيه .
  * (ادْعُ إِلَى سَبِيلِ رَبِّكَ بِالْحِكْمَةِ وَالْمَوْعِظَةِ الْحَسَنَةِ وَجَادِلْهُمْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ إِنَّ رَبَّكَ هُوَ أَعْلَمُ بِمَنْ ضَلَّ عَنْ سَبِيلِهِ وَهُوَ أَعْلَمُ بِالْمُهْتَدِينَ * وَإِنْ عَاقَبْتُمْ فَعَاقِبُوا بِمِثْلِ مَا عُوقِبْتُمْ بِهِ وَلَئِنْ صَبَرْتُمْ لَهُوَ خَيْرٌ لِلصَّابِرِينَ * وَاصْبِرْ وَمَا صَبْرُكَ إِلاَّ بِاللَّهِ وَلا تَحْزَنْ عَلَيْهِمْ وَلا تَكُ فِي ضَيْقٍ مِمَّا يَمْكُرُونَ * إِنَّ اللَّهَ مَعَ الَّذِينَ اتَّقَوْا وَالَّذِينَ هُمْ مُحْسِنُونَ) * (ادع إلى) * دين * (ربك) * الذي هو طريق إلى مرضاته * (بالحكمة) * بالمقالة

-------------------
(1) في نسخة زيادة : * (اجتبيه) * اختصه واصطفاه للنبوة * (وهدبه إلى صرا ط مستقيم) * الى ملة الاسلام .
(2) انظر تفسير الرازي : ج 20 ص 135 .
(3) نوهته تنويها : إذا رفعته ، ونوهت باسمه : إذا رفعت ذكره ، (الصحاح : مادة نوه) .
(4) حكاه عنه الماوردي في تفسيره : ج 3 ص 219 .
(5) قاله الحسن البصري في تفسيره : ج 2 ص 77 .
(6) قاله مقاتل بن حيان ، راجع تفسير البغوي : ج 3 ص 89 . (*)

تفسير جوامع الجامع (الجزء الثاني) _355_
  المحكمة الصحيحة وهي الدليل الموضح للحق ، وقيل : بالقرآن (1) * (والموعظة الحسنة) * وهي التي لا يخفي عليهم أنك تناصحهم بها وتنفعهم فيها * (وجد لهم بالتى هي أحسن) * أي : بالطريقة التي هي أحسن طرق المجادلة من الرفق واللين من غير فظاظة وعنف ليكونوا أقرب إلى الإجابة .
  * (وإن عاقبتم) * وإن أردتم معاقبة غيركم على وجه المجازاة فعاقبوه * (ب‍) * قدر * (ما عوقبتم به) * ولا تزيدوا عليه ، وسمي الفعل الأول باسم الثاني للمزاوجة .
  كان المشركون قد مثلوا بقتلى أحد وبحمزة بن عبد المطلب (رحمه الله) ، أخذت هند كبده فجعلت تلوكه (2) ، وجدعوا أنفه وأذنه ، فقال المسلمون : لئن أمكننا الله منهم لنمثلن بالأحياء فضلا عن الأموات ، فنزلت .
  * (لهو خير) * الضمير يرجع إلى ( الصبر ) وهو مصدر * (صبرتم) * ، ويراد ب‍ * (الصبرين) * المخاطبون ، والمعنى : ولئن صبرتم لصبركم خير لكم ، فوضع ( الصابرون ) موضع الضمير ثناء من الله عليهم بأنهم صابرون ، ويجوز أن يراد جنس الصابرين ، أي : الصبر خير للصابرين .
  * (واصبر) * أنت يا محمد فيما تلقاه من الأذي * (وما صبرك إلا ب‍) * توفيق * (الله) * وتثبيته * (ولا تحزن عليهم) * أي : على المشركين في إعراضهم عنك ، أو على قتلى أحد فإن الله تعالى نقلهم إلى كرامته ، وقرئ : * (في ضيق) * بفتح الضاد وكسرها (3) ، أي : لا يضيقن صدرك من مكرهم .
  * (مع الذين اتقوا) * أي : هو ولي الذين اتقوا الشرك والكبائر * (و) * ولي * (الذين هم محسنون) * في أعمالهم .

-------------------
(1) قاله الكلبي ، راجع تفسير الماوردي : ج 3 ص 220 .
(2) لكت الشئ في فمي ألوكه : إذا علكته ، أي : مضغته ، (الصحاح : مادة لوك) .
(3) وبالكسر قرأه ابن كثير والمسيبي . راجع التذكرة في القراءات لابن غلبون : ج 2 ص 494 . (*)

تفسير جوامع الجامع (الجزء الثاني) _ 357 _
سورة بني إسرائيل مكية (1)
  وهي مائة وإحدى عشرة آية كوفي ، عشر في غيرهم ، عد الكوفي * (للاذقان سجدا) * .
   في حديث أبي : ( من قرأ سورة بني إسرائيل فرق قلبه عند ذكر الوالدين أعطي في الجنة قنطارين من الأجر ) (3) .
  الصادق (عليه السلام) : ( من قرأها في كل ليلة جمعة لم يمت حتى يدرك القائم (عليه السلام) ، ويكون من أصحابه ) (4) .

-------------------
(1) قال الشيخ الطوسي في التبيان : ج 6 ص 443 ما لفظه : هي مكية في قول مجاهد وقتادة ، وهي مائة واحدى عشرة آية في الكوفي ، ومائة وعشر آيات في البصري والمدني ، وقال الماوردي البصري في تفسيره : ج 3 ص 223 : مكية في قول الحسن وعكرمة وعطاء وجابر ، وقال ابن عباس وقتادة : إلا ثماني آيات من قوله تعالى : * (وإن كادوا ليفتنونك) * الى قوله : * (سلطنا نصيرا) * ، وقال الزمخشري في الكشاف : ج 2 ص 646 : مكية إلا الآيات 26 و 32 و 33 و 57 ، ومن آية 73 الى غاية آية 80 فمدنية ، وآياتها 111 ، نزلت بعد القصص ، وقال الثعالبي في جواهره : ج 2 ص 248 : هذه السورة مكية إلا ثلاث آيات ، قال ابن مسعود في بني اسرائيل والكهف : إنهما من العتاق الأول، وهن من تلادي ، يريد : انهن من قديم كسبه .
(2) الآية : 107 .
(3) رواه الزمخشري في الكشاف : ج 2 ص 701 مرسلا ، وفيه ( قنطار ) بدل ( قنطارين ) .
(4) ثواب الأعمال للصدوق : ص 133 . (*)

تفسير جوامع الجامع (الجزء الثاني) _ 358_
بسم الله الرحمن الرحيم

  * (سُبْحَانَ الَّذِي أَسْرَى بِعَبْدِهِ لَيْلاً مِنْ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ إِلَى الْمَسْجِدِ الأَقْصَى الَّذِي بَارَكْنَا حَوْلَهُ لِنُرِيَهُ مِنْ آيَاتِنَا إِنَّه هُوَ السَّمِيعُ الْبَصِيرُ * وَآتَيْنَا مُوسَى الْكِتَابَ وَجَعَلْنَاهُ هُدًى لِبَنِي إِسْرَائِيلَ أَلاَّ تَتَّخِذُوا مِنْ دُونِي وَكِيلاً * ذُرِّيَّةَ مَنْ حَمَلْنَا مَعَ نُوحٍ إِنَّهُ كَانَ عَبْداً شَكُوراً) * * (سبحن) * علم للتسبيح، وانتصابه بفعل مضمر ترك إظهاره ، والتقدير : أسبح الله سبحان (1) ، ثم نزل ( سبحان ) منزلة الفعل فسد مسده ، ودل على التنزيه البليغ من جميع القبائح (2) ، و * (أسرى) * وسرى بمعنى ، ونكر قوله : * (ليلا) * لتقليل مدة الإسراء ، وأنه أسري (3) في ليلة من جملة الليالي من مكة إلى الشام مسيرة أربعين ليلة ، وقد عرج به إلى السماء من بيت المقدس في تلك الليلة وبلغ البيت المعمور وبلغ سدرة المنتهى ، وقيل : إنه كان قبل الهجرة بسنة (4) ، و * (المسجد الاقصى) * : بيت المقدس ، لأنه لم يكن حينئذ وراءه مسجد * (بركنا حوله) * يريد بركات الدين والدنيا ، لأنه متعبد الأنبياء ومهبط الوحي ، وهو محفوف بالأنهار الجارية والأشجار المثمرة * (لنريه من ءايتنآ) * العجيبة التي منها إسراؤه في ليلة واحدة من مكة إلى هناك ، والعروج به إلى السماء ، ورؤية الأنبياء ، والبلوغ إلى البيت المعمور وسدرة المنتهى .

-------------------
(1) في بعض النسخ : سبحانا .
(2) روي عن طلحة بن عبيد الله انه قال : سألت رسول الله (صلى الله عليه وآله) عن معنى ( سبحان الله ) فقال : ( تنزيها لله من كل سوء ) ، ذكرها النحاس في إعرابه : ج 2 ص 413 .
(3) في بعض النسخ زيادة : ( به ) .
(4) قاله مقاتل ، راجع تفسير البغوي : ج 3 ص 92 . (*)

تفسير جوامع الجامع (الجزء الثاني) _ 359 _
  وروي : أنه لما رجع وحدث بذلك قريشا كذبوه ، وفيهم من سافر إلى بيت المقدس فاستنعتوه مسجد بيت المقدس ، فجلي له فطفق ينظر إليه وينعته لهم حتى وصف جملته ، ثم قالوا له : أخبرنا عن عيرنا ، فأخبرهم بعدد جمالها وأحمالها ، وقال : يقدمها جمل أورق (1) ، ويطلع عليكم عند طلوع الشمس ، فخرجوا يشتدون نحو الثنية (2) فقال قائل منهم : هذه والله الشمس قد طلعت ، وقال آخر : هذه والله الإبل قد أقبلت يقدمها جمل أورق كما قال محمد (صلى الله عليه وآله) ، ثم لم يؤمنوا وقالوا : هذا سحر (3) .
  قرئ : ( ألا يتخذوا ) بالياء (4) على : لئلا يتخذوا ، وبالتاء على : أي لا تتخذوا ، كقولك : كتبت إليه أن افعل كذا * (وكيلا) * أي : معتمدا تكلون إليه أموركم .
   * (ذرية من حملنا مع نوح) * نصب على الاختصاص ، وقيل : على النداء (5) في قراءة من قرأ : ( لا تتخذوا ) بالتاء على النهي ، والمعنى : قلنا لهم : لا تتخذوا من دوني وكيلا يا ذرية من حملنا مع نوح ، أو : لا تتخذوا ذرية من حملنا مع نوح وكيلا ، فيكون * (وكيلا) * موحد اللفظ مجموع المعنى ، كرفيق في قوله : * (وحسن أولئك رفيقا) * (6) ، أي : لا تجعلوهم أربابا ، ومن ذرية من حمل مع نوح عزير وعيسى ، ذكرهم سبحانه نعمته في إنجاء آبائهم من الغرق بحملهم في السفينة * (إنه) * أي : إن نوحا * (كان عبدا شكورا) * كثير الشكر .
  روي عن الباقر والصادق (عليهما السلام) : ( أنه كان إذا أصبح وأمسى قال : اللهم

-------------------
(1) الأورق من الإبل : الذي في لونه بياض الى سواد ، (الصحاح : مادة ورق) .
(2) الثنية : طريق العقبة (الصحاح : مادة ثنى) .
(3) رواه الشيخ الطوسي في تبيانه : ج 6 ص 446 .
(4) وهي قراءة أبي عمرو بن العلاء وحده ، راجع التذكرة في القراءات لابن غلبون : ج 2 ص 497 .
(5) وهو قول الزجاج في معانيه : ج 3 ص 226 .
(6) النساء : 69 . (*)

تفسير جوامع الجامع (الجزء الثاني) _ 360_
  إني أشهدك أن ما أصبح أو أمسى بي من نعمة في دين أو دنيا فمنك وحدك لا شريك لك ، لك الحمد ولك الشكر بها علي حتى ترضى وبعد الرضا ، فهذا كان شكره ( (1) .
  * (وَقَضَيْنَا إِلَى بَنِي إسْرائِيلَ فِي الْكِتَابِ لَتُفْسِدُنَّ فِي الأَرْضِ مَرَّتَيْنِ وَلَتَعْلُنَّ عُلُوّاً كَبِيراً * فَإِذَا جَاءَ وَعْدُ أُولاهُمَا بَعَثْنَا عَلَيْكُمْ عِبَاداً لَنَا أُولِي بَأْسٍ شَدِيدٍ فَجَاسُوا خِلالَ الدِّيَارِ وَكَانَ وَعْداً مَفْعُولاً * ثُمَّ رَدَدْنَا لَكُمْ الْكَرَّةَ عَلَيْهِمْ وَأَمْدَدْنَاكُمْ بِأَمْوَالٍ وَبَنِينَ وَجَعَلْنَاكُمْ أَكْثَرَ نَفِيراً * إِنْ أَحْسَنتُمْ أَحْسَنتُمْ لأَنفُسِكُمْ وَإِنْ أَسَأْتُمْ فَلَهَا فَإِذَا جَاءَ وَعْدُ الآخِرَةِ لِيَسُوءُوا وُجُوهَكُمْ وَلِيَدْخُلُوا الْمَسْجِدَ كَمَا دَخَلُوهُ أَوَّلَ مَرَّةٍ وَلِيُتَبِّرُوا مَا عَلَوْا تَتْبِيراً * عَسَى رَبُّكُمْ أَنْ يَرْحَمَكُمْ وَإِنْ عُدْتُمْ عُدْنَا وَجَعَلْنَا جَهَنَّمَ لِلْكَافِرِينَ حَصِيراً) * أي : * (و) * أوحينا * (إلى بنى إسرا ءيل) * وحيا مقضيا مقطوعا بأنهم يفسدون * (في الارض) * لا محالة ، ويعلون أي : يتعظمون ويبغون ، والمراد ب‍ * (الكتب) * : التوراة ، وقوله : * (لتفسدن) * جواب قسم محذوف ، أو يكون القضاء المقطوع به جاريا مجرى القسم فيكون * (لتفسدن) * جوابا له ، فكأنه قال : أقسمنا لتفسدن * (مرتين) * : أوليهما : قتل زكريا وحبس إرميا حين أنذرهم سخط الله، والأخرى : قتل يحيى بن زكريا وقصد قتل عيسى * (عبادا لنآ) * وعن علي (عليه السلام) : ( عبيدا لنا ) (2)

-------------------
(1) من لا يحضره الفقيه للصدوق : ج 1 ص 335 باب ما يستحب من الدعاء في كل صباح ح 981 ، علل الشرائع له : ج 1 ص 29 باب 21 .
(2) لم نعثر فيما توفرت لدينا من كتب الخاصة ممن تنسب هذه القراءة الى أمير المؤمنين (عليه السلام) إلا وتعزيها الى كتب المصنف (رحمه الله) ، وأما كتب العامة فتنسبها الى زيد بن علي (عليه السلام) والحسن ، راجع شواذ القرآن لابن خالويه : ص 78 ، والبحر المحيط لأبي حيان : ج 6 ص 9 . (*)

تفسير جوامع الجامع (الجزء الثاني) _361 _
  وهم سنحاريب وجنوده ، وقيل : بختنصر (1) ، فقتلوا علماءهم وأحرقوا التوراة وخربوا المسجد وقتلوا سبعين ألفا منهم وسبوا سبعين ألفا .
  ومعنى قوله : * (بعثنا عليكم) * : خلينا بينهم وبين ما فعلوا ولم نمنعهم ، فهو كقوله : * (وكذلك نولي بعض الظلمين بعضا بما كانوا يكسبون) * (2) ، وأسند الجوس إليهم وهو التردد * (خلل الديار) * بالفساد ، وتخريب المسجد وإحراق التوراة من جملة الجوس ، وقوله : * (وعد أوليهما) * معناه : وعد عقاب أولاهما * (وكان) * وعد العقاب * (وعدا) * لابد أن يفعل .
  * (ثم رددنا لكم الكرة عليهم) * أي : الدولة والغلبة على الذين بعثوا عليكم ، وأظهرناكم عليهم وأكثرنا أموالكم وأولادكم * (وجعلنكم أكثر نفيرا) * أكثر عددا من أعدائكم ، وهو جمع نفر كالمعيز والعبيد ، وقيل : النفير : من ينفر مع الرجل من قومه (3) .
  * (إن أحسنتم) * فالإحسان مختص ب‍ * (أنفسكم وإن أسأتم) * فالإساءة مختصة بها ، لا يتعدى النفع والضرر إلى غيركم .
  وعن علي (عليه السلام) : ( ما أحسنت إلى أحد ولا أسأت إليه ) وتلا هذه الآية (4) .
  * (فإذا جاء وعد) * المرة * (الاخرة) * بعثناهم * (ليسوا وجوهكم) * حذف لدلالة ذكره أولا عليه ، والمعنى : ليجعلوا وجوهكم تبدو آثار المساءة والكآبة فيها ، وقرئ : ( ليسوء ) (5) والضمير لله أو للوعد أو للبعث ، و ( لنسوء ) بالنون (6) ،

-------------------
(1) وهو قول سعيد بن المسيب ، راجع تفسير الماوردي : ج 3 ص 229 .
(2) الأنعام : 129 .
(3) قاله أبو مسلم ، راجع تفسير الآلوسي : ج 15 ص 18 .
(4) رواه الزمخشري في الكشاف : ج 2 ص 650 .
(5) قرأه ابن عامر وحمزة وأبو بكر ، راجع التذكرة في القراءات لابن غلبون : ج 2 ص 497 .
(6) وهي قراءة الكسائي ، راجع كتاب السبعة في القراءات لابن مجاهد : ص 378 .

تفسير جوامع الجامع (الجزء الثاني) _ 362_
  وقوله : * (ماعلوا) * محله نصب بأنه مفعول * (ليتبروا) * أي : ليهلكوا كل شئ غلبوه واستولوا عليه ، ويجوز أن يكون بمعنى : مدة علوهم .
  * (عسى ربكم أن يرحمكم) * بعد المرة الثانية إن تبتم * (وإن عدتم) * مرة ثالثة * (عدنا) * إلى عقوبتكم ، وقد عادوا فأعاد الله عليهم النقمة بتسليط الأكاسرة عليهم ، وقيل : ببعث محمد (صلى الله عليه وآله) ، فالمؤمنون يأخذون منهم الجزية إلى يوم القيامة (1) ، والحصير : السجن .
  * (إِنَّ هَذَا الْقُرْآنَ يَهْدِي لِلَّتِي هِيَ أَقْوَمُ وَيُبَشِّرُ الْمُؤْمِنِينَ الَّذِينَ يَعْمَلُونَ الصَّالِحَاتِ أَنَّ لَهُمْ أَجْراً كَبِيراً * وَأَنَّ الَّذِينَ لا يُؤْمِنُونَ بِالآخِرَةِ أَعْتَدْنَا لَهُمْ عَذَاباً أَلِيماً * وَيَدْعُ الإِنسَانُ بِالشَّرِّ دُعَاءَهُ بِالْخَيْرِ وَكَانَ الإِنسَانُ عَجُولاً * وَجَعَلْنَا اللَّيْلَ وَالنَّهَارَ آيَتَيْنِ فَمَحَوْنَا آيَةَ اللَّيْلِ وَجَعَلْنَا آيَةَ النَّهَارِ مُبْصِرَةً لِتَبْتَغُوا فَضْلاً مِنْ رَبِّكُمْ وَلِتَعْلَمُوا عَدَدَ السِّنِينَ وَالْحِسَابَ وَكُلَّ شَيْءٍ فَصَّلْنَاهُ تَفْصِيلاً) * * (يهدي) * للملة * (التي هي أقوم) * الملل ، أو للطريقة أو للحالة التي هي أشد استقامة ، وعطف قوله : * (وأن الذين لا يؤمنون بالاخرة) * على * (أن لهم أجرا كبيرا) * على معنى : أنه * (يبشر المؤمنين) * ببشارتين : بثوابهم وبعقاب أعدائهم .
  * (ويدع الانسن) * ربه عند غضبه * (بالشر) * على نفسه وأهله وماله كما يدعوه لهم * (بالخير وكان الاءنسن عجولا) * يتسرع إلى طلب كل ما يقع في قلبه ويخطر بباله لا يتأنى فيه * (ءايتين) * أي : دلالتين تدلان على وحدانية خالقهما ، لما في كل واحد منهما من الفوائد ، فكل واحد من * (اليل والنهار) * آية في نفسه ، وعلى هذا فيكون إضافة

-------------------
(1) قاله قتادة ، راجع تفسير البغوي : ج 3 ص 107 . (*)

تفسير جوامع الجامع (الجزء الثاني) _363_
  * (ءاية) * إلى * (اليل) * و * (النهار) * للتبيين كإضافة العدد إلى المعدود ، أي : * (فمحونا) * الآية التي هي الليل * (وجعلنآ) * الآية التي هي النهار * (مبصرة) * ، وقيل : إن المراد : وجعلنا نيري الليل والنهار آيتين (1) ، يعني : الشمس والقمر * (فمحونا ءاية اليل) * أي : فجعلنا الليل ممحو الضوء مظلما * (وجعلنآ) * النهار مبصرا يبصر فيه الأشياء ، أو : فمحونا آية الليل التي هي القمر حيث لم يخلق له شعاعا كشعاع الشمس ، وجعلنا الشمس ذات شعاع يبصر في ضوئها كل شئ * (لتبتغوا فضلا من ربكم) * لتتوصلوا ببياض النهار إلى التصرف في معايشكم وطلب أرزاقكم * (ولتعلوا) * باختلاف الليل والنهار * (عدد السنين) * والشهور * (و) * جنس * (الحساب) * وآجال الديون وغير ذلك ، ولولاهما لم يعلم شئ من ذلك ، ولتعطلت الأمور * (وكل شئ فصلنه تفصيلا) * بيناه بيانا غير ملتبس ، وميزناه تمييزا بينا غير خاف .
  * (وَكُلَّ إِنسَانٍ أَلْزَمْنَاهُ طَائِرَهُ فِي عُنُقِهِ وَنُخْرِجُ لَهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ كِتَاباً يَلْقَاهُ مَنشُوراً * اقْرَأْ كِتَابَكَ كَفَى بِنَفْسِكَ الْيَوْمَ عَلَيْكَ حَسِيباً * مَنْ اهْتَدَى فَإِنَّمَا يَهْتَدِي لِنَفْسِهِ وَمَنْ ضَلَّ فَإِنَّمَا يَضِلُّ عَلَيْهَا وَلا تَزِرُ وَازِرَةٌ وِزْرَ أُخْرَى وَمَا كُنَّا مُعَذِّبِينَ حَتَّى نَبْعَثَ رَسُولاً) * * (طئره) * عمله ، وقيل : هو من قولك : طار له سهم : إذا خرج (2) ، يعني : * (ألزمنه) * ما طار من عمله ، يريد : أن عمله له لازم لزوم القلادة أو الغل العنق لا ينفك عنه ، كما قيل في المثل : تقلدها طوق الحمامة (3) ، وقرئ : * (ونخرج له) * بالنون ، و ( يخرج له ) بالياء (4) والضمير لله عزوجل ، و ( يخرج ) على البناء

-------------------
(1) قاله الرازي في تفسيره : ج 20 ص 164 .
(2) قاله ابن عيينة على ما حكاه عنه الزمخشري في الكشاف : ج 2 ص 652 .
(3) ويضرب فيمن تلبس بخصلة قبيحة ـ على الأغلب ـ بحيث لاتزايله ولا تفارقه حتى يفارق طوق الحمامة الحمامة ، وقد تقدم ذكره ، راجع مجمع الأمثال للميداني : ج 1 ص 153 .
(4) قرأه يحيى بن وثاب ، راجع تفسير القرطبي : ج 10 ص 229 . (*)

تفسير جوامع الجامع (الجزء الثاني) _ 364 _
  للمفعول (1) ، و ( يخرج ) (2) من خرج ، والضمير للطائر أي : يخرج الطائر * (كتبا) * ، وانتصب * (كتبا) * على الحال ، وقرئ : ( يلقيه ) بالتشديد على البناء للمفعول (3) ، و * (يلقيه منشورا) * صفتان ل‍ ( الكتاب )، أو * (يلقيه) * صفة و * (منشورا) * حال من * (يلقيه) * .
  * (اقرأ) * على إرادة القول ، وعن قتادة : يقرأ ذلك اليوم من لم يكن في الدنيا قارئا (4) ، و * (بنفسك) * في محل الرفع فاعل * (كفي) * ، و * (حسيبا) * تمييز ، وهو بمعنى حاسب ، كضريب القداح (5) بمعنى ضاربها ، و * (عليك) * يتعلق به من قولهم : حسب عليه كذا ، ويجوز أن يكون بمعنى ( الكافي ) وضع موضع ( الشهيد ) فعدي ب‍ ( على ) ، لأن الشاهد يكفي المدعي ما أهمه ، وذكر * (حسيبا) * لأنه بمنزلة الشهيد والقاضي ، والأغلب أن ذلك يتولاه الرجال ، فكأنه قال : كفي بنفسك رجلا حسيبا ، أو تؤول النفس بالشخص ، كما يقال : ثلاثة أنفس .
  * (ولا تزر وازرة وزر أخرى) * أي : كل نفس حاملة وزرها ولا تحمل وزر نفس أخرى * (وما كنا معذبين) * وما صح منا في الحكمة أن نعذب قوما إلا بعد أن * (نبعث) * إليهم * (رسولا) * فنلزمهم الحجة .
  * (وَإِذَا أَرَدْنَا أَنْ نُهْلِكَ قَرْيَةً أَمَرْنَا مُتْرَفِيهَا فَفَسَقُوا فِيهَا فَحَقَّ عَلَيْهَا الْقَوْلُ فَدَمَّرْنَاهَا تَدْمِيراً * وَكَمْ أَهْلَكْنَا مِنْ الْقُرُونِ مِنْ بَعْدِ نُوحٍ وَكَفَى بِرَبِّكَ بِذُنُوبِ عِبَادِهِ خَبِيراً بَصِيراً * مَنْ كَانَ يُرِيدُ الْعَاجِلَةَ عَجَّلْنَا لَهُ فِيهَا مَا نَشَاءُ لِمَنْ نُرِيدُ ثُمَّ جَعَلْنَا لَهُ جَهَنَّمَ يَصْلاهَا مَذْمُوماً مَدْحُوراً * وَمَنْ أَرَادَ الآخِرَةَ وَسَعَى لَهَا سَعْيَهَا وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَأُوْلَئِكَ كَانَ سَعْيُهُمْ مَشْكُوراً * كُلاًّ نُمِدُّ هَؤُلاء وَهَؤُلاءِ مِنْ عَطَاءِ رَبِّكَ وَمَا كَانَ عَطَاءُ رَبِّكَ مَحْظُوراً * انظُرْ كَيْفَ فَضَّلْنَا بَعْضَهُمْ عَلَى بَعْضٍ وَلَلآخِرَةُ أَكْبَرُ دَرَجَاتٍ وَأَكْبَرُ تَفْضِيلاً * لا تَجْعَلْ مَعَ اللَّهِ إِلَهاً آخَرَ فَتَقْعُدَ مَذْمُوماً مَخْذُولاً)

-------------------
(1) قرأه أبو جعفر ، راجع التبيان : ج 6 ص 455 .
(2) قرأه ابن عباس والحسن ومجاهد وابن محيصن وأبو جعفر ويعقوب ، راجع تفسير القرطبي : ج 10 ص 229 .
(3) وهي قراءة ابن عامر وحده ، راجع كتاب السبعة في القراءات لابن مجاهد : ص 378 .
(4) حكاه عنه الزمخشري في الكشاف : ج 2 ص 653 .
(5) القداح : جمع قدح وهو السهم قبل أن يراش ويركب نصله ، (الصحاح : مادة قدح) . (*)

تفسير جوامع الجامع (الجزء الثاني) _365 _
   فِيهَا مَا نَشَاءُ لِمَنْ نُرِيدُ ثُمَّ جَعَلْنَا لَهُ جَهَنَّمَ يَصْلاهَا مَذْمُوماً مَدْحُوراً * وَمَنْ أَرَادَ الآخِرَةَ وَسَعَى لَهَا سَعْيَهَا وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَأُوْلَئِكَ كَانَ سَعْيُهُمْ مَشْكُوراً * كُلاًّ نُمِدُّ هَؤُلاء وَهَؤُلاءِ مِنْ عَطَاءِ رَبِّكَ وَمَا كَانَ عَطَاءُ رَبِّكَ مَحْظُوراً * انظُرْ كَيْفَ فَضَّلْنَا بَعْضَهُمْ عَلَى بَعْضٍ وَلَلآخِرَةُ أَكْبَرُ دَرَجَاتٍ وَأَكْبَرُ تَفْضِيلاً * لا تَجْعَلْ مَعَ اللَّهِ إِلَهاً آخَرَ فَتَقْعُدَ مَذْمُوماً مَخْذُولاً) * المعنى : * (وإذآ أردنا أن نهلك) * أهل * (قرية) * بعد قيام الحجة عليهم وإرسال الرسل إليهم * (أمرنا مترفيها) * المتنعمين فيها بالإيمان والطاعة توكيدا للحجة عليهم * (ففسقوا فيها) * بالمعاصي * (فحق عليها القول) * أي : فوجب حينئذ على أهلها الوعيد فأهلكناها إهلاكا ، وإنما خص المترفين ـ وهم الرؤساء ـ بالذكر لأن غيرهم تبع لهم ، وقيل : معناه : كثرنا مترفيها (1) ، فيكون من باب أمرته فأمر ، أي : كثرته فكثر ، مثل : بشرته فبشر .
  وفي الحديث : ( خير المال سكة مأبورة ومهرة مأمورة ) (2) أي : كثيرة النتاج .
  وقرئ : ( آمرنا ) (3) أي : أفعلنا ، من أمر وآمره غيره ، وأمرنا بمعناه ، أو من أمر إمارة وأمره الله، أي : جعلناهم أمراء وسلطناهم .
  * (وكم) * مفعول * (أهلكنا) * ، و * (من القرون) * تبيين ل‍ * (كم) * وتمييز له ، يعني : عادا وثمود وقرونا بين ذلك كثيرا .
  * (من) * كانت * (العاجلة) * وهي النعم الدنيوية همته ولم يرد غيرها تفضلنا

-------------------
(1) قال الآلوسي : حكاه أبو حاتم عن أبي زيد ، واختاره الفارسي ، راجع روح المعاني : ج 15 ص 44 .
(2) رواه ابن حجر في فتح الباري : ج 8 ص 395 ، والهيثمي في مجمع الزوائد : ج 5 ص 258 ، والسكة : الطريقة المصطفة من النخل ، والمأبورة : الملقحة ، والمهرة : ولد الفرس إذا كانت انثى ، ومأمورة : كثيرة النسل .
(3) قرأه يعقوب ، راجع التذكرة في القراءات لابن غلبون : ج 2 ص 498 . (*)

تفسير جوامع الجامع (الجزء الثاني) _ 366_
  عليه ب‍ * (ما نشاء) * منها * (لمن نريد) * فقيد الأمر بقيدين : أحدهما : تقييد المعجل بالمشيئة ، والثاني : تقييد المعجل له بإرادته ، وقوله : * (لمن نريد) * بدل من * (له) * بدل البعض من الكل ، لأن الضمير من * (له) * يرجع إلى * (من) * وهو للكثرة ، وقيل : هو من يريد الدنيا بعمل الآخرة كالمرائي والمنافق (1) * (مدحورا) * مطرودا من رحمة الله تعالى .
  * (وسعى لها سعيها) * أي : حقها من السعي ، اشترط ثلاث شرائط في كون السعي * (مشكورا) * : إرادة الآخرة والسعي فيما كلف من الفعل والترك والإيمان الصحيح ، وشكر الله سعيه هو ثوابه على الطاعة .
  * (كلا) * أي : كل واحد من الفريقين ، والتنوين عوض من المضاف إليه * (نمد) * هم : نزيدهم * (من) * عطائنا ، ونجعل الآنف منه مددا للسالف لا نقطعه ، فنرزق المطيع والعاصي جميعا على وجه التفضل * (وما كان عطاء ربك) * وفضله ممنوعا : لايمنع من عاص لعصيانه .
  * (انظر) * بعين الاعتبار * (كيف) * جعلناهم متفاوتين في التفضل ، ودرجات الآخرة ومراتبها * (أكبر) * والتفاوت فيها أكثر .
  * (فتقعد مذموما) * يعني : أنك إذا فعلت ذلك بقيت ما عشت مذموما على ألسنة العقلاء * (مخذولا) * لا ناصر لك ، وقيل : معنى القعود : الذل والخزي والعجز لا الجلوس (2) ، كما يقال : قعد به الضعف .
  * (وَقَضَى رَبُّكَ أَلاَّ تَعْبُدُوا إِلاَّ إِيَّاهُ وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَاناً إِمَّا يَبْلُغَنَّ عِنْدَكَ الْكِبَرَ أَحَدُهُمَا أَوْ كِلاهُمَا فَلا تَقُلْ لَهُمَا أُفٍّ وَلا تَنْهَرْهُمَا وَقُلْ لَهُمَا قَوْلاً كَرِيماً * وَاخْفِضْ لَهُمَا جَنَاحَ الذُّلِّ مِنْ الرَّحْمَةِ وَقُلْ رَّبِّ ارْحَمْهُمَا كَمَا رَبَّيَانِي صَغِيراً * رَبُّكُمْ أَعْلَمُ بِمَا فِي نُفُوسِكُمْ إِنْ تَكُونُوا صَالِحِينَ فَإِنَّهُ كَانَ لِلأَوَّابِينَ غَفُوراً)

-------------------
(1) قاله القفال على ما حكاه عنه الرازي في تفسيره : ج 20 ص 178 .
(2) قاله الفراء والزمخشري على ما حكاه عنهما أبو حيان في البحر المحيط : ج 6 ص 22 . (*)

تفسير جوامع الجامع (الجزء الثاني) _ 367 _
  * معناه : أمر * (ربك) * أمرا مقطوعا به * (أن لا تعبدوا) * (1) : * (أن) * بمعنى ( أي ) ، و * (لا تعبدوا) * نهي ، أو يريد : بأن لا تعبدوا ، * (وبالوا لدين) * أي : وأحسنوا بالوالدين * (إحسنا) * أو : بأن تحسنوا بالوالدين إحسانا .
  * (إما) * هي ( إن ) الشرطية زيدت عليها ( ما ) توكيدا ، ولذلك دخلت النون المؤكدة في الفعل ، و * (أحدهما) * فاعل * (يبلغن) * ، وقرئ : ( يبلغان ) (2) وعلى هذا فيكون * (أحدهما) * بدلا من ألف الضمير ، و * (كلاهما) * عطف على * (أحدهما) * .
  ( أف ) (3) صوت يدل على تضجر ، وقرئ : * (أف) * بالتنوين والكسر ، و ( أف ) بالفتح (4) وكذلك في الأنبياء (5) والأحقاف (6) ، وقرأ أبو السمال (7) : ( أف ) بالضم (8) ، فأما الكسر فعلى أصل البناء ، وأما الفتح فتخفيف للضمة والتشديد ك‍ ( ثم )، وأما الضم فللإتباع ك‍ ( منذ ) ، ومعنى قوله : * (يبلغن عندك الكبر أحدهما أو كلاهما) * : أن يكبرا ويكونا كلا على ولدهما لا كافل لهما غيره ، فهما عنده في بيته وكنفه وذلك أشق عليه ، وربما تولى منهما ما كانا يتوليان منه في حال صغره ، فأمر بأن يستعمل معهما لين الجانب وخفض الجناح والاحتمال حتى لا يقول لهما

-------------------
(1) كذا في جميع النسخ .
(2) قرأه حمزة والكسائي ، راجع كتاب السبعة في القراءات لابن مجاهد : ص 379 .
(3) الظاهر من عبارة المصنف هنا أنه يعتمد على قراءة الكسر من غير تنوين كما هو واضح .
(4) وهي قراءة ابن كثير وابن عامر ، راجع المصدر نفسه .
(5)الآية : 67 .
(6) الآية : 17 .
(7) هو قعنب بن أبي قعنب العدوي البصري ، أبو السمال ، واشتهر أن له اختيارا في القراءات شاذا عن الجمهور ، انظر النهاية في طبقات القراء لابن الجزري : ج 2 ص 27 .
(8) انظر شواذ القرآن لابن خالويه : ص 79 . (*)

تفسير جوامع الجامع (الجزء الثاني) _ 368_
  عند الضجر بما يستقذر منهما أو يستثقل من مؤونتهما : أف ، فضلا عما يزيد عليه .
  ولقد بالغ عزوعلا في التوصية بهما حيث شفع الإحسان إليهما بتوحيده ، ثم ضيق الأمر في البر بهما حتى لم يرخص في أدنى كلمة تدل على التضجر مع موجبات الضجر .
  وعن الصادق (عليه السلام) : ( أدنى العقوق : أف ، ولو علم الله شيئا أهون من ) أف ( لنهى عنه ) (1) .
  * (ولا تنهرهما) * أي : لاتزجرهما عما يفعلانه ، ولا تمتنع من شئ أراداه منك * (وقل لهما) * بدل التأفيف والنهر * (قولا كريما) * جميلا كما يقتضيه حسن الأدب، وقيل : هو أن يقول : يا أبتاه ويا أماه كما قال إبراهيم (عليه السلام) لأبيه مع كفره : * (يأبت) * (2) ولا تدعوهما بأسمائهما فإنه من الجفاء وسوء الأدب (3) .
  وفي * (جناح الذل) * وجهان : أحدهما : أن يكون كإضافة حاتم إلى الجود إذا قلت : حاتم الجود ، أي : ف‍ * (اخفض لهما) * جناحك الذليل ، والآخر : أن تجعل لذله جناحا منخفضا ، كما جعل لبيد (4) للشمال يدا وللقرة زماما في قوله : وغداة ريح قد كشفت وقرة * قد أصبحت بيد الشمال زمامها (5) أراد المبالغة في التواضع والتذلل لهما * (من الرحمة) * من فرط رحمتك لهما

-------------------
(1) تفسير العياشي : ج 2 ص 285 ح 38 .
(2) مريم : 42 و 43 و 44 و 45 .
(3) قاله مجاهد ، راجع تفسير البغوي : ج 3 ص 110 .
(4) هو لبيد بن ربيعة بن مالك ، أبو عقيل ، كان من شعراء الجاهلية وفرسانهم ، أدرك الإسلام وترك الشعر وسكن الكوفة ، عاش عمرا طويلا ، وهو أحد أصحاب المعلقات ، مات في أول خلافة معاوية وهو ابن مائة وسبع وخمسين سنة ، انظر الشعر والشعراء لابن قتيبة : ص 148 ـ 156 .
(5) البيت من معلقته التي مطلعها : عفت الديار محلها فمقامها * بمنى تأبد غولها فرجامها والتي قال له النابغة لما سمعها منه : اذهب فأنت أشعر العرب، وفيها تمجيد لأيامه وافتخار لأفعاله ، انظر ديوان لبيد بن ربيعة : ص 176 . (*)

تفسير جوامع الجامع (الجزء الثاني) _ 369_
  لكبرهما ، ولا تكتف برحمتك عليهما التي لابقاء لها بل ادع الله سبحانه بأن يرحمهما رحمته الباقية ، واجعل ذلك جزاء لرحمتهما عليك في حال صغرك وتربيتهما لك .
  وفي الصحيح : أن النبي (صلى الله عليه وآله) قال : ( رغم أنفه ) ثلاث مرات ، قالوا : من يا رسول الله ؟ قال : ( من أدرك أبويه عند الكبر أحدهما أو كليهما ولم يدخل الجنة ) (1) .
  وعن حذيفة : أنه استأذن رسول الله (صلى الله عليه وآله) في قتل أبيه وهو في صف المشركين ، فقال له رسول الله (صلى الله عليه وآله) : ( دعه يله غيرك ) (2) .
  * (بما في نفوسكم) * بما في ضمائركم من البر والعقوق * (إن تكونوا) * قاصدين إلى الصلاح والبر * (فإنه كان للاوا بين) * أي : التوابين الراجعين إلى الله فيما يتوبهم * (غفورا) * .
  * (وَآتِ ذَا الْقُرْبَى حَقَّهُ وَالْمِسْكِينَ وَابْنَ السَّبِيلِ وَلا تُبَذِّرْ تَبْذِيراً * إِنَّ الْمُبَذِّرِينَ كَانُوا إِخْوَانَ الشَّيَاطِينِ وَكَانَ الشَّيْطَانُ لِرَبِّهِ كَفُوراً * وَإِمَّا تُعْرِضَنَّ عَنْهُمْ ابْتِغَاءَ رَحْمَةٍ مِنْ رَبِّكَ تَرْجُوهَا فَقُلْ لَهُمْ قَوْلاً مَيْسُوراً * وَلا تَجْعَلْ يَدَكَ مَغْلُولَةً إِلَى عُنُقِكَ وَلا تَبْسُطْهَا كُلَّ الْبَسْطِ فَتَقْعُدَ مَلُوماً مَحْسُوراً * إِنَّ رَبَّكَ يَبْسُطُ الرِّزْقَ لِمَنْ يَشَاءُ وَيَقْدِرُ إِنَّهُ كَانَ بِعِبَادِهِ خَبِيراً بَصِيراً) * وصى سبحانه بغير الوالدين من القرابات ، وبأن يوتى حقهم بعد أن وصى بهما ، وقيل : إن المراد ب‍ * (ذا القربى) * قرابة النبي (3) .

-------------------
(1) صحيح مسلم : ج 4 كتاب البر والصلة ب 3 ص 1978 .
(2) رواه عنه الزمخشري في الكشاف : ج 2 ص 660 .
(3) حكاه الشيخ الطوسي في التبيان : ج 6 ص 468 ، والبغوي في تفسيره : ج 3 ص 112 = (*)

تفسير جوامع الجامع (الجزء الثاني) _370_
  وعن أبي سعيد الخدري (1) : أنه لما نزلت أعطى رسول الله (صلى الله عليه وآله) فاطمة (عليها السلام) فدك (2) .
  * (والمسكين) * أي : وآت المسكين * (حقه) * الذي جعله الله له من الزكاة * (و) * آت * (ابن السبيل) * حقه وهو المنقطع به من المجتازين * (ولا تبذر) * والتبذير : تفريق المال فيما لا ينبغي ، وإنفاقه على وجه الإسراف .
  وعن مجاهد : لو أنفق مدا في باطل كان تبذيرا ، ولو أنفق جميع ماله في الحق لم يكن مبذرا (3) .
  ومر رسول الله (صلى الله عليه وآله) بسعد وهو يتوضأ فقال : ( ماهذا السرف يا سعد ؟ ! ) قال : أو في الوضوء سرف ؟ قال : ( نعم وإن كنت على نهر جار ) (4) .
  * (إخوا ن الشيطين) * أمثالهم السالكون طريقتهم ، وهذا غاية الذم * (وكان الشيطن لربه كفورا) * فلا ينبغي أن يطاع فإنه لا يدعو إلا إلى مثل فعله من الشر ، وإن تعرض عن هؤلاء الذين أمرتك بإيتاء حقوقهم حياء من الرد لتبتغي الفضل * (من ربك) * والسعة التي يمكنك معها البذل * (فقل لهم قولا ميسورا) * أي : عدهم عدة جميلة ، فوضع الابتغاء موضع فقد الرزق ، لأن فاقد الرزق مبتغ له ، ويجوز أن يتعلق * (ابتغآء رحمة من ربك) * بجواب الشرط مقدما عليه ، أي : فقل لهم قولا سهلا تطييبا لقلوبهم ابتغاء رحمة الله التي ترجوها برحمتك عليهم ، ويجوز أن

-------------------
=
كلاهما عن علي بن الحسين (عليهما السلام) .
(1) هو سعد بن مالك بن سنان الخدري الخزرجي الأنصاري ، صحابي وممن لازمه (صلى الله عليه وآله) ، أول مشاهده الخندق ، وكان ممن حفظ عن رسول الله (صلى الله عليه وآله) سننا كثيرة ، وكان من نجباء الأنصار وعلمائهم ، توفي بالمدينة سنة 74 ه‍ ، انظر الاستيعاب : ج 2 ص 602 برقم 954 .
(2) التبيان : ج 6 ص 468 ، تفسير ابن كثير : ج 3 ص 36 .
(3) حكاه عنه الشيخ الطوسي في التبيان : ج 6 ص 469 .
(4) مسند أحمد : ج 2 ص 221 ، اتحاف السادة المتقين للزبيدي : ج 2 ص 370 . (*)

تفسير جوامع الجامع (الجزء الثاني) _ 371_
  يكون الإعراض عنهم كناية عن عدم الاستطاعة ، أي : وإن لم تنفعهم .
  ثم أمر سبحانه بالاقتصاد الذي هو بين الإسراف والتقتير ، وهو تمثيل لمنع الشحيح وإعطاء المسرف * (فتقعد ملوما) * أي : فتصير ملوما عند الله، لأن المسرف غير مرضي عنده وعند الناس * (محسورا) * منقطعا بك لا شئ عندك ، وقيل : محسورا : عريانا (1) .
  * (إن ربك) * يوسع * (الرزق) * ويضيقه بحسب المصلحة مع سعة خزائنه .
  * (وَلا تَقْتُلُوا أَوْلادَكُمْ خَشْيَةَ إِمْلاقٍ نَحْنُ نَرْزُقُهُمْ وَإِيَّاكُمْ إِنَّ قَتْلَهُمْ كَانَ خِطْئاً كَبِيراً * وَلا تَقْرَبُوا الزِّنَى إِنَّهُ كَانَ فَاحِشَةً وَسَاءَ سَبِيلاً * وَلا تَقْتُلُوا النَّفْسَ الَّتِي حَرَّمَ اللَّهُ إِلاَّ بِالْحَقِّ وَمَنْ قُتِلَ مَظْلُوماً فَقَدْ جَعَلْنَا لِوَلِيِّهِ سُلْطَاناً فَلا يُسْرِفْ فِي الْقَتْلِ إِنَّهُ كَانَ مَنصُوراً * وَلا تَقْرَبُوا مَالَ الْيَتِيمِ إِلاَّ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ حَتَّى يَبْلُغَ أَشُدَّهُ وَأَوْفُوا بِالْعَهْدِ إِنَّ الْعَهْدَ كَانَ مَسْئُولاً * وَأَوْفُوا الْكَيْلَ إِذَا كِلْتُمْ وَزِنُوا بِالْقِسْطَاسِ الْمُسْتَقِيمِ ذَلِكَ خَيْرٌ وَأَحْسَنُ تَأْوِيلاً) * كانوا يئدون بناتهم * (خشية) * الفقر وهو الإملاق ، فذلك قتلهم أولادهم ، فنهاهم الله سبحانه عن ذلك وضمن لهم أرزاقهم ، وقرئ : * (خطئا) * يقال : خطئ خطأ أي : أثم إثما ، والخطء والخطأ كالحذر والحذر (2) ، وقرئ : ( خطاء ) بالكسر والمد (3) .
  * (فحشة) * قبيحة زائدة على حد القبح * (وساء سبيلا) * أي : وبئس طريقا

-------------------
(1) قاله جابر على ما حكاه عنه الزمخشري في الكشاف : ج 2 ص 662 .
(2) يظهرمن عبارة المصنف (رحمه الله) أنه يعتمد هنا على قراءة فتح الخاء والطاء كما هو واضح من مثاله .
(3) قرأه ابن كثير وحده ، راجع كتاب السبعة في القراءات لابن مجاهد : ص 379 . *

تفسير جوامع الجامع (الجزء الثاني) _ 372_
  طريقه وهو أن يغصب على الغير امرأته أو أخته أو بنته من غير سبب ، والسبب ممكن وهو النكاح المشروع .
  * (إلا بالحق) * وهو أن يكفر بعد إيمان أو يزني بعد إحصان أو يقتل مؤمنا عمدا * (ومن قتل مظلوما) * غير راكب واحدة من هذه الثلاث * (فقد جعلنا لوليه) * الذي بينه وبينه قرابة توجب المطالبة بدمه * (سلطنا) * أي : تسلطا على القاتل في الاقتصاص منه ، وقرئ : * (فلا يسرف) * بالياء والتاء (1) ، فالياء على أن الضمير للولي ، أي : فلا يقتل الولي غير القاتل ، ولا اثنين والقاتل واحد كعادة الجاهلية ، أو لا يمثل بالقاتل ، وقيل : إن الضمير للقاتل الأول (2) ، والتاء على أن الخطاب للولي أو قاتل المظلوم * (إنه كان منصورا) * والضمير : إما للولي أي : نصره الله بأن أوجب له القصاص ، وإما للمظلوم ، لأن الله ناصره بأن أوجب القصاص بقتله ويثيبه في الآخرة .
  * (بالتى هي أحسن) * وهي حفظه عليه * (إن العهد كان مسولا) * أي : مطلوبا يطلب من المعاهد أن يفي به ، ويجوز أن يكون تخييلا ، كأنه يقال للعهد : لم نكثت ؟ توبيخا للناكث كما تسأل الموءودة * (بأى ذنب قتلت) * (3) .
  وقرئ : * (بالقسطاس) * بضم القاف (4) وكسرها ، وهو الميزان صغيرا كان أو كبيرا * (وأحسن تأويلا) * وأحسن عاقبة ، وهو تفعيل من آل : إذا رجع ، وهو ما يؤول إليه .

-------------------
(1) وقراءة التاء هي قراءة حمزة والكسائي وابن عامر ، راجع المصدر السابق .
(2) وهو قول أبي علي كما في التبيان : ج 6 ص 473 .
(3) التكوير : 9 .
(4) قرأه ابن كثير ونافع وأبو عمرو وابن عامر وعاصم برواية أبي بكر ، راجع كتاب السبعة في القراءات لابن مجاهد : ص 380 . (*)

تفسير جوامع الجامع (الجزء الثاني) _373_
  * (وَلا تَقْفُ مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ إِنَّ السَّمْعَ وَالْبَصَرَ وَالْفُؤَادَ كُلُّ أُوْلَئِكَ كَانَ عَنْهُ مَسْئُولاً * وَلا تَمْشِ فِي الأَرْضِ مَرَحاً إِنَّكَ لَنْ تَخْرِقَ الأَرْضَ وَلَنْ تَبْلُغَ الْجِبَالَ طُولاً * كُلُّ ذَلِكَ كَانَ سَيِّئُهُ عِنْدَ رَبِّكَ مَكْرُوهاً * ذَلِكَ مِمَّا أَوْحَى إِلَيْكَ رَبُّكَ مِنْ الْحِكْمَةِ وَلا تَجْعَلْ مَعَ اللَّهِ إِلَهاً آخَرَ فَتُلْقَى فِي جَهَنَّمَ مَلُوماً مَدْحُوراً * أَفَأَصْفَاكُمْ رَبُّكُمْ بِالْبَنِينَ وَاتَّخَذَ مِنْ الْمَلائِكَةِ إِنَاثاً إِنَّكُمْ لَتَقُولُونَ قَوْلاً عَظِيماً) * يقال : قفا أثره وقافه واقتفاه واقتافه بمعنى : اتبعه ، ومنه القافة (1) ، أي : لا تكن في اتباعك * (ما) * لا علم * (لك به) * من قول أو فعل كمن يتبع مسلكا لا يعلم أنه يوصله إلى مقصده ، والمراد : النهي عن أن يقول الرجل ما لا يعلم أو يعمل بما لا يعلم ، ويدخل فيه النهي عن اتباع الظن وعن التقليد ، وعن الحسن : لا تقف أخاك المسلم إذا مر بك فتقول : هذا يفعل كذا ، ورأيته يفعل كذا ولم تر ، وسمعته ولم تسمع (2) .
  * (أولئك) * إشارة إلى * (السمع والبصر والفؤاد) * ، و * (عنه) * في موضع الفاعل ، أي : * (كل) * واحد منها كان * (مسولا) * عنه ، ف‍ ( مسؤول ) مسند إلى الجار والمجرور ، يقال للإنسان : لم سمعت ما لا يحل لك سماعه ؟ ولم نظرت إلى ما لا يحل لك النظر إليه ؟ ولم عزمت على ما لا يحل لك العزم عليه ؟ * (مرحا) * حال ، أي : ذا مرح * (لن تخرق الارض) * لن تجعل فيها خرقا بشدة وطئك لها * (ولن تبلغ الجبال طولا) * بتطاولك ، وهذا تهكم بالمختال .
  قرئ : ( سية ) (3) و * (سيئه) * على إضافة ( سئ ) إلى ضمير * (كل) * ، والسية في حكم الأسماء بمنزلة الإثم والذنب ، فلذلك قال : * (سيئه) * مع قوله : * (مكروها) *

-------------------
(1) في بعض النسخ : القافية .
(2) حكاه عنه الزمخشري في الكشاف : ج 2 ص 666 .
(3) وهي قراءة ابن كثير ونافع وأبي عمرو ، راجع كتاب السبعة في القراءات : ص 380 . (*)

تفسير جوامع الجامع (الجزء الثاني) _ 374 _
  إذ لا اعتبار بتأنيثه ، أي : كل مانهي عنه من هذه الخصال المعدودة كان إثما مكروها .
  *(ذلك) * إشارة إلى ما تقدم من قوله : * (لا تجعل مع الله إلها ءاخر) * إلى هذه الغاية ، وسماه حكمة ، لأنه كلام محكم لا مجال فيه للفساد بوجه .
  وعن ابن عباس : أن هذه الثماني عشرة آية كانت في ألواح موسى أولها : * (لا تجعل مع الله إلها ءاخر) * ، جعل الله سبحانه فاتحتها وخاتمتها النهي عن الشرك ، لأن التوحيد رأس كل حكمة (1) .
  * (أفأصفيكم) * أي : أفخصكم * (ربكم بالبنين) * وهم أفضل الأولاد لم يجعل فيهم نصيبا لنفسه واتخذ الأدون وهي البنات وهذا خلاف الحكمة ، وهو خطاب للذين قالوا : الملائكة بنات الله * (إنكم لتقولون قولا عظيما) * بإضافتكم إليه الأولاد ثم بتفضيلكم أنفسكم عليه .
  * (وَلَقَدْ صَرَّفْنَا فِي هَذَا الْقُرْآنِ لِيَذَّكَّرُوا وَمَا يَزِيدُهُمْ إِلاَّ نُفُوراً * قُلْ لَوْ كَانَ مَعَهُ آلِهَةٌ كَمَا يَقُولُونَ إِذاً لابْتَغَوْا إِلَى ذِي الْعَرْشِ سَبِيلاً * سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى عَمَّا يَقُولُونَ عُلُوّاً كَبِيراً * تُسَبِّحُ لَهُ السَّمَوَاتُ السَّبْعُ وَالأَرْضُ وَمَنْ فِيهِنَّ وَإِنْ مِنْ شَيْءٍ إِلاَّ يُسَبِّحُ بِحَمْدِهِ وَلَكِنْ لا تَفْقَهُونَ تَسْبِيحَهُمْ إِنَّهُ كَانَ حَلِيماً غَفُوراً) * * (صرفنا) * أي : كررنا الدلائل وفصلنا العبر فيه ، أو : أوقعنا التصريف فيه وجعلناه مكانا للتكرير * (ليذكروا) * ليتعظوا ويعتبروا ، وقرئ : ( ليذكروا ) (2) ، ف‍ * (ما يزيدهم إلا نفورا) * عن الحق ، وعن سفيان : زادني خضوعا ما زاد أعداءك نفورا (3) .

-------------------
(1) حكاه عنه الزمخشري في الكشاف : ج 2 ص 668 .
(2) قرأه حمزة والكسائي ، راجع التذكرة في القراءات لابن غلبون : ج 2 ص 500 .
(3) حكاه عنه الزمخشري في الكشاف : ج 2 ص 669 . (*)

تفسير جوامع الجامع (الجزء الثاني) _ 675 _
  * (إذا) * يدل على أن قوله : * (لابتغوا) * جواب عن مقالة المشركين وجزاء ل‍ * (لو) * والمعنى : لطلبوا * (إلى) * من له الملك والإلهية * (سبيلا) * بالمغالبة ، كما يفعل الملوك بعضهم ببعض ، وفيه إشارة إلى دليل التمانع كما في قوله : * (لو كان فيهما ءالهة إلا الله لفسدتا) * (1) .
  * (علوا كبيرا) * في معنى : تعاليا ، والمراد : البراءة من ذلك والنزاهة ، ووصف العلو بالكبر مبالغة في معنى البراءة عما وصفوه به .
  * (تسبح له السموات) * بلسان الحال ، حيث تدل على صانعها وعلى صفاته العلى ، فكأنها تنطق بذلك ، وكأنها تنزه الله عما لا يجوز عليه من الشركاء ، وليس * (شئ) * من الموجودات * (إلا) * و * (يسبح) * بحمد الله على هذا الوجه ، إذ كلها حادث مصنوع يحتاج إلى صانع غير مصنوع ، فهو يدل على إثبات قديم غني عن كل شئ سواه ، لا يجوز عليه ما يجوز على المحدثات * (ولكن لا تفقهون تسبيحهم) * أي : لا تعلمون تسبيح هذه الأشياء ، إذ لم تنظروا فيها فتعلموا دلالتها على التوحيد * (إنه كان حليما غفورا) * لايعاجلكم بالعقاب على سوء نظركم وشرككم .
  * (وَإِذَا قَرَأْتَ الْقُرْآنَ جَعَلْنَا بَيْنَكَ وَبَيْنَ الَّذِينَ لا يُؤْمِنُونَ بِالآخِرَةِ حِجَاباً مَسْتُوراً * وَجَعَلْنَا عَلَى قُلُوبِهِمْ أَكِنَّةً أَنْ يَفْقَهُوهُ وَفِي آذَانِهِمْ وَقْراً وَإِذَا ذَكَرْتَ رَبَّكَ فِي الْقُرْآنِ وَحْدَهُ وَلَّوْا عَلَى أَدْبَارِهِمْ نُفُوراً * نَحْنُ أَعْلَمُ بِمَا يَسْتَمِعُونَ بِهِ إِذْ يَسْتَمِعُونَ إِلَيْكَ وَإِذْ هُمْ نَجْوَى إِذْ يَقُولُ الظَّالِمُونَ إِنْ تَتَّبِعُونَ إِلاَّ رَجُلاً مَسْحُوراً * انظُرْ كَيْفَ ضَرَبُوا لَكَ الأَمْثَالَ فَضَلُّوا فَلا يَسْتَطِيعُونَ سَبِيلاً * وَقَالُوا أَئِذَا كُنَّا عِظَاماً وَرُفَاتاً أَئِنَّا لَمَبْعُوثُونَ خَلْقاً جَدِيداً) *

-------------------
(1) الأنبياء : 22 . (*)