مات يموت ، ومات يمات * (وكنت نسيا منسيا) * أي : شيئا حقيرا متروكا ، وهو مامن حقه أن يطرح وينسى كخرقة الحائض ، كما أن الذبح
(1) اسم مامن شأنه
(2) أن يذبح ، وقرئ : * (نسيا) * بالفتح
(3) وهما لغتان كالوتر والوتر .
( فناد بها من تحتها )
(4) عيسى أو جبرئيل ، والضمير في ( من تحتها ) ل * (النخلة) * ، وقرئ : * (من تحتها) *
(5) ، وقيل : كان أسفل منها تحت الأكمة فصاح بها : * (ألاتحزنى) *
(6) ، وسئل النبي (صلى الله عليه وآله) عن السري ، فقال : ( هوالجدول )
(7) ، قال لبيد : فتوسطا عرض السري فصدعا * مسجورة متجاورا قلامها
(8) أي : * (قد جعل ربك) * تحت قدميك نهرا تشربين منه وتتطهرين ، وقيل : السري : الشريف الرفيع ، من السرو يعني : عيسى (عليه السلام)
(9) ، وعن الحسن : كان والله عبدا سريا
(10) .
*
(وَهُزِّي إِلَيْكِ بِجِذْعِ النَّخْلَةِ تُسَاقِطْ عَلَيْكِ رُطَباً جَنِيّاً * فَكُلِي وَاشْرَبِي وَقَرِّي عَيْناً فَإِمَّا تَرَيْنَ مِنْ الْبَشَرِ أَحَداً فَقُولِي إِنِّي نَذَرْتُ لِلرَّحْمَنِ صَوْماً فَلَنْ أُكَلِّمَ الْيَوْمَ إِنسِيّاً * فَأَتَتْ بِهِ قَوْمَهَا تَحْمِلُهُ قَالُوا يَا مَرْيَمُ لَقَدْ جِئْتِ شَيْئاً فَرِيّاً * يَا أُخْتَ هَارُونَ مَا كَانَ أَبُوكِ امْرَأَ سَوْءٍ وَمَا كَانَتْ أُمُّكِ بَغِيّاً * فَأَشَارَتْ إِلَيْهِ قَالُوا كَيْفَ نُكَلِّمُ مَنْ كَانَ فِي الْمَهْدِ صَبِيّاً * قَالَ إِنِّي عَبْدُ اللَّهِ آتَانِي الْكِتَابَ وَجَعَلَنِي نَبِيّاً * وَجَعَلَنِي مُبَارَكاً أَيْنَ مَا كُنتُ وَأَوْصَانِي بِالصَّلاةِ وَالزَّكَاةِ مَا دُمْتُ حَيّاً * وَبَرّاً بِوَالِدَتِي وَلَمْ يَجْعَلْنِي جَبَّاراً شَقِيّاً * وَالسَّلامُ عَلَيَّ يَوْمَ وُلِدْتُ وَيَوْمَ أَمُوتُ وَيَوْمَ أُبْعَثُ حَيّاً)
-------------------
(1) في بعض النسخ : الذبيح .
(2) في بعض النسخ : حقه .
(3) يستفاد من العبارة أن المصنف يعتمد على قراءة الكسر هنا .
(4) وهي قراءة ابن كثير وأبي عمرو وابن عامر وأبي بكر عن عاصم ورويس ، راجع كتاب السبعة في القراءات لابن مجاهد : ص 408 .
(5) الظاهر أن القراءة المعتمدة لدى المصنف هنا بفتح الميم من ( من ) .
(6) قاله الكلبي ، راجع تفسير الماوردي : ج 3 ص 364 .
(7) رواه الزمخشري في كشافه : ج 3 ص 12 ، والرازي في تفسيره : ج 21 ص 205 .
(8) والبيت من معلقته المشهورة التي مطلعها : عفت الديار محلها فمقامها * بمنى تأبد غولها فرجامها وفي البيت المذكور يصف الشاعر اثنين من العير وردا عينا ممتلئة ماء فدخلا من عرض نهرها وقد تجاوز نبتها ، انظر ديوان لبيد بن ربيعة : ص 170 .
(9) قاله الحسن البصري في تفسيره : ج 2 ص 109 .
(10) تفسير الحسن البصري : ج 2 ص 109 . (*)
تفسير جوامع الجامع (الجزء الثاني)
_ 450 _
* أي : واجذبي * (إليك بجذع النخلة) * ، وقرئ : ( تساقط ) بالتاء
(1) والياء
(2) والتشديد ، والأصل : ( تتساقط ) و ( يتساقط ) فأدغم ، و ( تساقط ) بطرح التاء الثانية
(3) ، و * (تسقط) * بضم التاء وكسر القاف ، والتاء ل * (النخلة) * والياء ل * (جذع) * ، و * (رطبا) * تمييز أو مفعول على حسب القراءة ، والباء في * (بجذع النخلة) * مزيدة للتأكيد كما في قوله : * (ولا تلقوا بأيديكم) *
(4) ، أو على معنى : افعلي الهز به ، والجني : لمجني ، من جنيت الثمرة .
* (فكلى) * يا مريم من هذا الرطب * (واشربي) * من ماء السري ، وقد جمعنا
(5) لك في السري والرطب فائدتين : إحداهما : الأكل والشرب ، والأخرى : قرة العين وسلوة الصدر لكونهما معجزتين .
-------------------
(1) وهي قراءة ابن كثير ونافع وأبي عمرو وابن عامر والكسائي وأبي بكر عن عاصم ، راجع
كتاب السبعة في القراءات لابن مجاهد : ص 409 .
(2) وهي قراءة يعقوب والعليمي ونصير والبراء بن عازب والأعمش في رواية ، راجع التبيان : ج 7 ص 116 ، والبحر المحيط لأبي حيان : ج 6 ص 184 .
(3) قرأه حمزة والأعمش وطلحة وابن وثاب ومسروق ، راجع التذكرة في القراءات لابن غلبون : ج 2 ص 525 ، والبحر المحيط : ج 6 ص 184 .
(4) البقرة : 195 .
(5) في بعض النسخ : جعلنا . (*)
تفسير جوامع الجامع (الجزء الثاني)
_ 451 _
وعن الباقر (عليه السلام) : ( لم تستشف النفساء بمثل الرطب ، لأن الله أطعمه مريم في نفاسها ) (1) .
* (فإما ترين) * أصله : ترأين إلا أن الاستعمال بغير همز ، والياء فيه
ضمير المخاطب المؤنث ، أي : إن تري * (أحدا) * من البشر يسألك عن ولدك * (فقولي إنى)
* أوجبت على نفسي صوما أي : صمتا ، يريد إمساكا عن الكلام ، لأنهم كانوا لا يتكلمون في صيامهم ، وقد نهى النبي (صلى الله عليه وآله) عن صوم الصمت لأنه نسخ في شريعته .
* (تحمله) * حال من الضمير المرفوع في * (فأتت) * أو من الهاء المجرور في * (به) * أو منهما جميعا * (شيا فريا) * أي : عظيما بديعا أو أمرا قبيحا .
و * (هرون) * كان أخاها من أبيها ، وكان معروفا بحسن الطريقة ، وقيل : هو أخو موسى (عليه السلام) ، وكانت من ولده كما يقال : يا أخا تميم أي : يا واحدا منهم (2) ، وقيل : رجل صالح أو طالح في زمانها شبهوها به (3) ، أي : كنت عندنا مثله في الصلاح ، أو شتموها به (4) .
* (فأشارت إليه) * فأومأت إلى عيسى بأن كلموه * (من كان في المهد صبيا) * أي : من وجد صبيا في المهد .
أنطقه الله أولا بأنه * (عبد الله) * ردا لقول النصارى * (ءاتينى الكتب) * يعني : الإنجيل * (وجعلني نبيا) * أكمل الله عقله واستنبأه طفلا .
* (وجعلني مباركا) * أي : نفاعا ، معلما (5) للخير حيث * (ما كنت وأوصينى بالصلوا ة والزكوا ة) * كلفنيهما
-------------------
(1) المحاسن للبرقي : ج 2 ص 535 وفيه عن أبي عبد الله (عليه السلام) .
(2) قاله السدي ، راجع تفسير البغوي : ج 3 ص 194 .
(3) وهو قول قول مجاهد وكعب والمغيرة بن شعبة يرفعه للنبي (صلى الله عليه وآله) ، راجع تفسير الماوردي : ج 3 ص 368 .
(4) وفي بعض النسخ زيادة : في الفساد .
(5) في بعض النسخ : معلما . (*)
تفسير جوامع الجامع (الجزء الثاني)
_ 452 _
* (ما) * بقيت * (حيا) * مكلفا .
* (وبرا بوا لدتى) * أي : بارا بوالدتي مؤديا شكرها * (ولم يجعلني) * من الجبابرة الأشقياء .
* (والسلم على) * أدخل لام التعريف لتعرفه بالذكر قبله ، كقولك : جاءنا رجل فكان من فعل الرجل كذا ، والمعنى : ذلك السلام الموجه إلى يحيى في المواطن لثلاثة موجه إلي .
* (ذَلِكَ عِيسَى ابْنُ مَرْيَمَ قَوْلَ الْحَقِّ الَّذِي فِيهِ يَمْتَرُونَ * مَا كَانَ لِلَّهِ أَنْ يَتَّخِذَ مِنْ وَلَدٍ سُبْحَانَهُ إِذَا قَضَى أَمْراً فَإِنَّمَا يَقُولُ لَهُ كُنْ فَيَكُونُ * وَإِنَّ اللَّهَ رَبِّي وَرَبُّكُمْ فَاعْبُدُوهُ هَذَا صِرَاطٌ مُسْتَقِيمٌ * فَاخْتَلَفَ الأَحْزَابُ مِنْ بَيْنِهِمْ فَوَيْلٌ لِلَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ مَشْهَدِ يَوْمٍ عَظِيمٍ * أَسْمِعْ بِهِمْ وَأَبْصِرْ يَوْمَ يَأْتُونَنَا لَكِنْ الظَّالِمُونَ الْيَوْمَ فِي ضَلالٍ مُبِينٍ * وَأَنذِرْهُمْ يَوْمَ الْحَسْرَةِ إِذْ قُضِيَ الأَمْرُ وَهُمْ فِي غَفْلَةٍ وَهُمْ لا يُؤْمِنُونَ * إِنَّا نَحْنُ نَرِثُ الأَرْضَ وَمَنْ عَلَيْهَا وَإِلَيْنَا يُرْجَعُونَ) * أي : * (ذلك) * الذي قال : إني عبد الله * (عيسى ابن مريم) * ، لا ما يقوله النصارى من : أنه ابن الله، وأنه إله * (قول الحق) * قرئ بالنصب والرفع (1) ، فالرفع على أنه خبر مبتدأ محذوف أو على أنه خبر بعد خبر أو بدل ، والنصب على المدح إن فسر ب ( كلمة الله ) وعلى أنه مصدر مؤكد لمضمون الجملة إن أريد قول الصدق كقولك : هو عبد الله الحق لا الباطل ، وإنما قيل لعيسى (عليه السلام) : ( كلمة الله ) و * (قول الحق) * لأنه لم يولد إلا بكلمة الله وحدها ، وهي قوله : * (كن) * من غير واسطة أب ، تسمية للمسبب باسم السبب كما سمي الغيث بالسماء ، أي : أمره حق يقين ، وهم * (فيه يمترون) * يشكون ، أو يتمارون يتلاحون (2) : قالت اليهود : ساحر
-------------------
(1) وبالرفع قرأه ابن كثير ونافع وأبو عمرو وحمزة والكسائي ، راجع كتاب السبعة في
القراءات لابن مجاهد : ص 409 .
(2) تلاح القوم : إذا تنازعوا ، (الصحاح : مادة تلح) . (*)
تفسير جوامع الجامع (الجزء الثاني)
_453 _
كذاب ، وقالت النصارى : ابن الله وثالث ثلاثة * (ماكان لله أن يتخذ من ولد) * تكذيب للنصارى وتبكيت (1) لهم بالدلالة على انتفاء الولد عنه ، وأنه مما لا يتصور في العقول ، وأن من المحال أن يكون ذاته كذات من ينشأ منه الولد ، ثم بين * (سبحنه) * إحالته بأن من أراد شيئا من الأجناس كلها أوجده ب * (كن) * فهو منزه من شبه الحيوان الوالد (2) .
وقرئ : * (وإن الله) * بفتح الهمزة (3) وكسرها ، فالفتح على
معنى : ولأنه * (ربى وربكم فاعبدوه) * ، أو بأنه أي : بسبب ذلك فاعبدوه ، والكسر على
استئناف الكلام .
و * (الاحزاب) * : اليهود والنصارى ، وقيل : النصارى (4) ، لأنهم تفرقوا ثلاث فرق : نسطورية ويعقوبية وملكائية ، وقال : * (من بينهم) * لأن منهم من ثبت على الحق * (من مشهد يوم عظيم) * : من شهودهم هول الحساب والجزاء في يوم القيامة ، أو من مكان الشهود فيه وهو الموقف ، أو من وقت الشهود ، أو من شهادة ذلك اليوم عليهم وأن تشهد عليهم الملائكة والأنبياء وألسنتهم وأيديهم وأرجلهم بسوء أعمالهم ، أو من مكان الشهادة أو وقتها .
* (أسمع بهم وأبصر) * أي : ما أسمعهم وأبصرهم (5) ، ولا يوصف الله بالتعجب ، والمراد : أن أسماعهم وأبصارهم يومئذ جدير بأن يتعجب منهما (6) بعدما كانوا صما عميا في الدنيا * (لكن الظلمون) * وقع الظاهر موقع الضمير (7) إيذانا بأن
-------------------
(1) التبكيت : التقريع ، يقال : بكته بالحجة إذا غلبه ، (الصحاح : مادة بكت) .
(2) في نسخة زيادة : والولد .
(3) وهي قراءة ابن كثير ونافع وأبي عمرو ويعقوب ، راجع كتاب السبعة في القراءات لابن مجاهد : ص 410 .
(4) قاله أبو الليث السمرقندي في تفسيره : ج 2 ص 324 .
(5) في نسخة زيادة : يوم القيامة حيث لا ينفعهم ، ومثله : * (فبصرك اليوم حديد) * .
(6) في نسخة : منها .
(7) في بعض النسخ : المضمر . (*)
تفسير جوامع الجامع (الجزء الثاني)
_ 454_