الناحـية الثـانيـة : إبلاغ المتحمل للسلام إلى المبلغ له هو من الأمانات التي يجب أداؤها إلى أهلها بعد القبول ، وأنّه وديعة كما في حديث سلمان (1) .
  والمبلغ الرسول الذي على عاتقه الرسالة ، فإن لم يفعل فما بلّغ رسالته ، وقيل : كان ـ صلى الله عليه وآله ـ يسلّم بنفسه على من يواجهه ، ويحمّل السلام لمن يريد السلام عليه من الغائبين عنه ، ويتحمل السلام لمن يبلغه إليه ، وإذا بلّغه أحد السلام عن غيره يردّ عليه وعلى المبلّغ به (2) .
  ونذكر عدداً من احاديث الإبلاغ :
  الجعفريات بإسناده عن جعفر بن محمد عن أبيه ، عن علي بن الحسين ، عن أبيه ، عن علي بن أبي طالب عليهم السلام ، قال ( بينا رسول الله ـ صلى الله عليه وآله ـ ذات يوم على جبل من جبال تهامة والمسلمون حوله ، إذ أقبل شيخ وبيده عصاً ، فنظر إليه رسول الله ـ صلّى الله عليه وأله ـ فقال : مشية الجنّ ونغمتهم وعجبهم ، فأتى فسلّم فردّ رسول الله ـ صلى الله عليه وآله ـ : فقال له : من أنت ؟ فقال : أنا هامة بن الهيم بن لا قيس بن إبليس ، قال رسول الله ـ صلى الله عليه وآله ـ : سبحان الله سبحان الله ، ما بينك وبين إبليس إلا أبوان ! قال : لا ، قال : كم أتى عليك ؟ قال : أكلت الدنيا عمرها إلا القليل ، قال : على ذلك ؟ قال : كنت ابن أعوام ، أفهم الكلام ، وآمر بإفساد الطعام الأرحام ، فقال رسول الله ـ صلى الله عليه وآله ـ : بئس العمر والله عمل الشيخ المثلوم (3) أو المتوسّم ، قال : زدني من التعداد ، إنّي ملّيت ممّن شرك في دم العبد الصالح الشهيد السعيد هابيل بن آدم ، وكنت مع نوح في مسجده فيمن آمن به ، وعاتبته على دعوته عليهم ، فلم أزل أعاتبه حتى بكى وأبكاني ، وقال : إنّي من النادمين ، وأعوذ بالله أن أكون من الجاهلين ، فقلت : يا نوح إنّني ممّن شرك في دم العبد الصالح الشهيد السعيد هابيل بن آدم ، هل تدري

--------------------
(1) أمالي الشيخ الطوسي 1 | 356 ـ 357 .
(2) تفسير المنار 5 | 316 .
(3) من الثلمة : الانصداع صفة كل من شاخ وكبر .

السـلام في القرآن والحديـث _ 145 _

  عند ربّك من التوبة ؟ قال : نعم ، يا هام همّ بخير وافعله قبل الحسرة والندامة ، إنّي وجدت فيما أنزل الله تعالى عليّ : ليس من عبد عمل ذنباّ كائناّ ما كان ، وبالغاّ ما بلغ ، ثم تاب ، إلا تاب الله تعالى عليه فقم الساعة فاغتسل وخرّ لله ساجداً ، ففعلت ما أمرني إذ نادى مناد من السماء : ارفع رأسك قبلت توبتك ، فخررت لله ساجداً حولاً ، وكنت مع هود في مسجده ، ومن آمن به من قومه ، وعاتبته على دعوته عليهم ، وكنت زوّاراً ليعقوب بن إسحق بن إبراهيم ، وكنت من يوسف بالمكان الأمين ، وكنت ألقى إلياس في أودية الرّمال وأنا ألقاه الآن ، ولقيت موسى بن عمران فقال لي : إذا لقيت عيسى بن مريم فاقرأه السلام ، فلقيت عيسى بن مريم فأقرأته السلام ، فقال لي عيسى بن مريم : إذا لقيت محمداً فاقرأه السلام ، فقد أقرأتك يا رسول الله ـ صلى الله عليه وآله ـ من عيسى بن مريم ، فقال رسول الله ـ صلى الله عليه وآله ـ : سبحان الله ! صلى الله على عيسى ما دامت الدنيا دنيا وسلم (1) يا هام ما أديت الأمانة ، فقال هام : هنيئا لك يا رسول الله ، سمعت الأمم السالفة يصلّون عليك ، ويثنون على أمّتك ، فعلّمني يا رسول الله ـ صلى الله عليه وآله ـ فقال : وما أعلمك ؟ قال : علّمني التورية ، فعلّمه رسول الله ـ صلى الله عليه وآله ـ قل هو الله أحد ، والمعوذتين ، عم يتساءلون ، والنازعات ، والواقعة ، وقال له : يا هام لا تدع زيارتنا وارفع إلينا حوائجك ) (2) .

-------------------
(1) في الحديث سقط : ( وسلام عليك يا هام بما أدّيت الأمانة ) مستدرك الوسائل . 8 | 369 .
(2) الجعفريّات 175 ـ 176 ، مستدرك الوسائل 8 | 369 ، جامع أحاديث الشيعة 15 | 613 ـ 614 .
أقول : قد جاء ذكر هام بن الهيم في حديث تجارة النبي ، صلى الله عليه وآله ، إلى الشام لخديجة عليها السلام حيث أراد أعداؤه هلاكه بثعبان أظهروه في طريق النبي ، فجفلت منه ناقة النبي فزعق بها النبي ، وقال : ويحك كيف تخافين وعليك خاتم الرسل وإمام البشر ؟ ثم التفت إلى الثعبان وقال له : ارجع من حيث أتيت ، وإياك أن تتعرض لأحد من الركب ، فنطق الثعبان بقدرة الله تعالى وقال : السلام عليك يا محمد ، السلام عليك يا أحمد ، فقال النبي صلى الله عليه وآله : السلام على من اتبع الهدى ، وخشي عواقب الردى ، وأطاع الملك الأعلى ، فعندها قال : يا محمد ما أنا من هوام الأرض ، وإنما أنا ملك من ملوك الجنّ واسمي الهام بن الهيم ، وقد آمنت على يد أبيك إبراهيم الخليل ... إلى آخرالقصّة ، البحار 16 | 35 ـ 36 .

السـلام في القرآن والحديـث _ 146 _
  أقول : على فرض ثبوت القصة ، تدل على أن تحمل إبلاغ السلام من الأمانة ، وأنه لا بد من وصولها إلى أهلها ، وقد فعله هذا المخلوق العجيب هام بن الهيم بن لاقيس بن إبليس ، وظاهر حاله أنه مقبول التوبة ، وقد أخذ من النبي صلى الله عليه وآله علم القرآن وبعض سوره .
  2 ـ روى الكليني عن محمد بن يحيى ، عن أحمد محمد بن عيسى ، عن الحسن بن محبوب ، عن أبي كهمس قال : قلت لأبي عبد الله عليه السلام : ( عبد الله بن أبي يعفور يقرئك السلام ، قال : عليك وعليه السلام ، إذا أتيت عبد الله فاقرأه السلام وقل له : إن جعفر بن محمد يقول لك : انظر ما بلغ به عليّ عليه السلام عند رسول الله ، صلى الله عليه وآله ، فالزمه ، فإن عليّا عليه السلام إنما بلغ ما بلغ به عند رسول الله ، صلى الله عليه وآله ، بصدق الحديث وأداء الأمانة ) (1) .
  بـيـان : يبلغ الإمام عليه السلام عن غيره السلام ، ثم يبلغه كما بلغه ، وفيه دلالة على تبادل التبليغ السلامي المسبب لمزيد الحب والسكون ، كما وفيه دلالة على إكرام الوسيط أولاً ، ثم المبلغ الغائب ، فخص الإجابة بأبي كهمس الوسيط ، ثم ابن أبي يعفور الغائب بقوله عليه السلام : ( عليك وعليه السلام ) ، وربما انعكست الإجابة كما في قصة هامة بن الهيم ، ولعل الشرف أو الضعة سبب للتقديم مرة ، وللتأخير أخرى ، وإلا فهو بالخيار ، وعلى أي تقدير ، لا بد من إكرام الوسيط إذاً لتحمل نوع من التحية التي يجب ردها

--------------------
(1) أصول الكافي 2 | 104 ، باب الصدق وأداء الأمانة ، الحديث 5 ، الوسائل 13 | 218 ، جامع أحاديث الشيعة 15 | 614 ـ 615 .
ونظيره ما رواه المفيد بإسناده إلى خيثمة عن أبي عبد الله جعفر بن محمد عليه السلام قال : دخلت عليه أودعه وأنا أريد الشخوص إلى المدينة ، فقال : أبلغ موالينا السلام ، وأوصهم بتقوى الله ، والعمل الصالح ، وأن يعود صحيحهم مريضهم ، وليعد غنيهم على فقيرهم ، وأن يشهد حيهم جنازة ميتهم ، وأن يتلاقوا في بيوتهم ، وأن يتفاوضوا علم الدين ، فإن في ذلك حياة لأمرنا ، رحم الله عبداً أحيا أمرنا ... الفصول المختارة 287 ، الطبعة الرابعة ، قم ـ إيران ، 1396 .
فقد دل هذا الحديث كسابقه على إبلاغ السلام ، والأحاديث المروية في ذلك كثيرة .

السـلام في القرآن والحديـث _ 147 _
  بالأحسن ، أو المماثل ، وتقديمه يعتبر من الأحسن .
  3 ـ قال ابن الشيخ الطوسي : ( وبهذا الإسناد ) (1) عن عباد قال : حدثني عمي عن أبيه ، عن جابر ، عن الشعبي ، عن جابر بن عبد الله البجلي قال : ( سمعت سلمان الفارسي يقول لي وللأشعث بن قيس : إن لي عندكما وديعة ، فقلنا : ما نعلمها إلا أن قوماً قالوا لنا : أقرأوا سلمان عنا السلام ، قال : فأي شيءٍ أفضل من السلام ؟ وهي تحية أهل الجنة ) (1) .
  بـيـان : إن دل الحديث على شيءٍ فله دلالة على فضل السلام ، وأنه تحية أهل الجنة المصرح بها في آية ( وَتَحِيَّتُهُم فيها سَلامٌ ) (2) ، والتصريح بأن التحمل للسلام من غيره إلى غيره من الودائع والأمانات المردودة إلى أربابها يطالب بها لو أهمل في الوصول ، ومنه يعلم الأهتمام بأمر السلام في الإسلام لا يقوم به إلا من يهمه ذلك .
  4 ـ روى الشيخ الحر عن محمد بن الحسن ، في ( المجالس والأخبار ) ، عن أحمد بن عبدون ، عن علي بن محمد بن الزبير ـ إلى قوله : ـ عن جابر ، عن أبي جعفر عليه السلام قال : ( إن ملكاً من الملائكة سأل الله أن يعطيه سمع العباد ، فأعطاه ، فليس من أحد من المؤمنين قال : ( صلى الله على محمد وآله وسلم ) إلا قال الملك : وعليك السلام ، ثم قال الملك : يارسول الله إن فلاناً يقرئك السلام ، فيقول رسول الله ، صلى الله عليه وآله : وعليه السلام ) (3) .
  بـيـان : لا يخص إبلاغ السلام بهذا الملك ، ولله عز وجل ملائكة موكلون

--------------------
(1) أمالي الشيخ الطوسي 1 | 356 ـ 357 ، الجزء الثاني عشر .
(2) يونس : 10 .
أقول : وفي زيارة النبي يقول فيه الزائر ( ... بلغ روح نبيك محمد صلى الله عليه وآله مني السلام ) ، كامل الزيارات 18 ، الباب 3 ، وأنه تعالى يبلغه .
(3) الوسائل 8 | 447 ، باب 43 في كيفية رد السلام ... الحديث 4 .

السـلام في القرآن والحديـث _ 148 _
  بإبلاغ السلام على كل من الأئمة الطاهرين عليهم السلام ، ولا سيما الإمام ، سيد الشهداء ، الحسين بن علي عليهما صلوات الله وسلامه ، بل نقول بالقياس إلى جميع المؤمنين بعضهم إلى بعض ، فكيف بأئمتهم سادة العالم أجمع ، وأن كل زيارة ، أو دعاء ، أو سلام ، يبلغ ذلك كله النبي والأئمة الهداة صلى الله عليهم وسلم وإليك .
  5 ـ الصادقي : ( ... تأتي قبر رسول الله ، صلى الله عليه وآله ، فقلت : نعم ، فقال : أما أنه يسمعك من قريب ويبلغه عنك إذا كنت نائياً ) (1) .
  يراد من ( من قريب ) الحرم أو المدينة ، والنائي خارجها .
  6 ـ الصادقي الآخر : عامر بن عبد الله قال : ( قلت لأبي عبد الله عليه السلام : إني زدت جمّالي دينارين أو ثلاث على أن يمر بي إلى المدينة فقال : قد أحسنت ، أما أيسر هذا تأتي قبر رسول الله ، صلى الله عليه وآله ، أما إنه يسمعك من قريب ويبلغه عنك من بعيد ) (2) .
  بـيـان : لم ينص على المبلغ عما يقوله عامر بن عبد الله من زيارة أو سلام أو عمل ، وهل هم الملائكة الموكلة على ذلك أو غيرهم من خلق الله ؟ ، وعلى أي تقدير دل الحديثان الأخيران على المطلوب .
  7 ـ إن جبرئيل عليه السلام هو رسول الله إلى رسول الله ، مبلغ سلام الله في كل نزول عليه ، ومنه الحديث الصادقي السابق : ( لما توفيت خديجة رضي الله عنها جعلت فاطمة صلوات الله عليها تلوذ برسول الله ـ صلى الله عليه وآله ـ وتدور حوله ، وتقول : يا أبة أين أمي ؟ قال : فنزل جبرئيل عليه السلام فقال له : ربك يأمرك أن تقرئ فاطمة السلام تقول لها إن أمك في بيت من قصب كعابه من ذهب ... ) (3) .

--------------------
(1) كامل الزيارات 12 ، والمخاطب أبو بكر الحضرمي ، وقد أمره الصادق عليه السلام أن يأتي مسجد الرسول ويكثر الصلاة فيه ، وأن يسلم عليه ويزوره صلى الله عليه وآله .
(2) كامل الزيارات 12 .
(3) أمالي الطوسي 2 | 178 ـ 179 ، والحديث الثاني من ( 1 ـ السلام اسم من أسماء الله الحسنى ) .

السـلام في القرآن والحديـث _ 149 _
  والكل يدري أن إبلاغ السلام من شخص إلى آخر أمر مألوف ، متداول بين الجميع ، العالي منهم والداني ، وربما جاء في القصص من إبلاغ سلام الله (1) ، أو الملائكة ، أو الأنبياء ، والأئمة عليهم السلام إلى بعض الناس المرضي عندهم ، أما في المكاتيب المتبادلة بين الكاتب والمكتوب إليه فحدث ولا حرج ، إذ السلام كالبسملة مما يبدأ به في الكتابة ، ومن ثم جاء النص ( رد جواب الكتاب واجب كوجوب رد السلام ) .
  لدلالة الحديث على مفروغية إبلاغ السلام ورده مشافهة وكتابة .
  منها : طلب زائر قبر النبي ، صلى الله عليه وآله ، أن يبلغه الله سلامه ، كما في زيارته التي علمها أبو الحسن عليه السلام إبراهيم بن أبي البلاد وفي آخرها : ( بلغ روح نبيك محمد ، صلى الله عليه وآله ، مني السلام ) (2) .
  ومنها : ما قاله الحر : ( 14 ـ باب استحباب إبلاغ رسول الله ـ صلى الله عليه وآله ـ سلام الإخوان من المؤمنين ) في صحيح كاظمي قال : ( فإذا أتيت قبر النبي ، صلى الله عليه وآله ، فقضيت ما يجب عليك ، فصل ركعتين ، ثم قف عند رأس النبي ، صلى الله عليه وآله ، ثم قل : السلام عليك يا نبي الله من أبي ، وأمي ، وولدي ، وخاصيَّتي ، وجميع أهل بلدي ، حرهم ، وعبدهم ، وأبيضهم ، وأسودهم ، فلا تشاء أن تقول للرجل : قد أقرأت رسول الله ، صلى الله عليه وآله ، عنك السلام إلا كنت صادقاً ) (3) .
  بـيـان : إنّ كلّ كلّي انطباقه على أفراده انطباق قهري ، فمن عمم في الدعاء وقال : ( اللهم اغفر للمؤمنين ) فمن كان مؤمناً حقاً شمله ، وطبق على

--------------------
(1) أصول الكافي 2 | 670 ، باب التكاتب .
(2) كامل الزيارات 18 ، الباب 3 .
(3) الوسائل 10 | 280 .
أقول : ومن مواضع طلب الزائر من الله إبلاغ السلام ، ما جاء في دعاء ركعتي الزيارة : ( ... وأبلغهم عني أفضل التحية والسلام ، واردد عليّ منهم التحية والسلام ... ) البحار 101 | 361 .

السـلام في القرآن والحديـث _ 150 _
  مصداقه الدعاء ، فكذا الطائف حول البيت الحرام بالأسبوع الناوي بطوافه الناس جميعاً ، فالحديث هو سند لصحة النية الشاملة في كل أمر مرضي عند الله تعالى .
  8 ـ روى العياشي عن زرارة ، وحُمران بن أعين ، ومحمد بن مسلم ، عن أبي جعفر عليه السلام قال : حدّث أبو سعيد الخدري أن رسول الله ، صلى الله عليه وآله ، قال : ( إنّ جبرئيل أتاني ليلة أُسري بي فحين رجعت قلت : يا جبرئيل هل لك من حاجة ؟ قال حاجتي أن تقرأ على خديجة من الله ومني السلام ، وحدثنا عند ذلك أنها قالت حين لقيها نبي الله عليه وآله السلام ، فقال لها الذي قال جبرئيل ، فقالت : إن الله هو السلام ، ومنه السلام ، وإليه السلام ، وعلى جبرئيل السلام ) (1) .
  9 ـ في حديث المعراج المطول إلى أن قال جبرئيل عليه السلام : ( يا أحمد العزيز يقرأ عليك السلام ، قال : فقلت : هو السلام ومنه السلام وإليه يعود السلام ... ) (2) .
  بـيان : كان من الأجدر ذكر الحديثين في أول الفصول العشرة ، ولكن الذي كنا بصدده من إبلاغ السلام أوجب ذكرهما هنا ، وسيأتي في الخاتمة ، في حديث المعراج ، ما يتبين به الغرض من سلام الله تعالى ، وسلام جبرئيل ، وجواب الرسول صلى الله عليه وآله (3) .
  10 ـ حديث دردائيل وقد لقي جبرئيل يهبط إلى الأرض ليهنّأ محمداً بمولود له اسمه الحسين : ( إذا هبطت إلى محمد فاقرأه مني السلام ، وقل له : بحق هذا المولود عليك إلا سألت ربك أن يرضى عني ... ) (4) .
  11 ـ روى الصدوق بإسناده عن أبي عبد الله عليه السلام قال : قدم

--------------------
(1) البحار 16 | 7 ، و 8 | 385 ، الحديث 90 من باب المعراج .
(2) البحار 18 | 313 .
(3) في الأمر الأول من الأمور الثلاثة في الخاتمة .
(4) كمال الدين 1 | 283 .

السـلام في القرآن والحديـث _ 151 _
  أعرابي على يوسف ليشتري منه طعاماً فباعه ، فلما فرغ قال له يوسف : أين منزلك ؟ قال له : بموضع كذا وكذا ، قال : فقال له : فإذا مررت بوادي كذا وكذا فقف فنادِ : يا يعقوب ! يا يعقوب ! فإنه سيخرج إليك رجل عظيم جميل جسيم وسيم ، فقل له : لقيت رجلاً بمصر وهو يقرئك السلام ويقول لك : إن وديعتك عند الله عزّ وجلّ لن تضيع ، قال : فمضى الأعرابي حتى انتهى إلى الموضع فقال لغلمانه : احفظوا عليّ الإبل ثم نادى : يا يعقوب ! يايعقوب ! فخرج إليه رجل أعمى ، طويل ، جسيم ، جميل ، يتقي الحائط بيده ، حتى أقبل فقال له الرجل : أنت يعقوب ؟ قال : نعم ، فأبلغه ما قال له يوسف ، قال : فسقط مغشياً عليه ، ثم أفاق فقال : يا أعرابي ألك حاجة إلى الله عزّ وجلّ ؟ فقال له : نعم إني رجل كثير المال ولي ابنة عم ليس يولد لي منها ، وأحب أن تدعو الله أن يرزقني ولداً ، قال : فتوضأ يعقوب وصلى ركعتين ثم دعا الله عزّ وجلّ ، فرزق أربعة أبطن ، أو قال : ستة أبطن في بطن أثنان (1) .
  بـيان : دعاء الأنبياء عليهم السلام لا يرد ، وقد حظي الأعرابي بالأوفر من الحظوظ ، بأن تحمل رسالة نبيّ إلى نبيّ ، فكان موضع الرضا منهما على أنه رزق عدداً من أولاد (2) .
  12 ـ إبلاغ جابر الأنصاري عن الرسول إلى الباقر السلام : ( فرسول الله يا مولاي يقرئ عليك السلام ، فقال أبو جعفر : يا جابر على رسول الله

--------------------
(1) كمال الدين 1 | 141 ـ 142 .
(2) ببركة دعاء يعقوب عليه السلام كما وهب الله لعلي بن بابويه القمي ولده الصدوق رحمهما الله بدعاء الإمام المهدي عليه السلام ، ولكن أين الثريا من الثرى وأين الصدوق طاب ثراه من الأعرابي ، وقولنا : أين الثريا من الثرى من الأمثال ، أمثال وحكم 1 | 330 ، وفيه : أين الثرى من الثريا ، وقد جاء ذكره في القصيدة الجلجلية لعمرو بن العاص يخاطب بها معاوية بن أبي سفيان ، والمقارنة بينه وبين عليّ أمير المؤمنين عليه السلام في جملة منها إلى أن قال :

فـإن  قيل بينكما iiنسبة      فأين الحسام من المنجل
وأين الثريا وأين الثرى      وأيـن معاوية من علي
الأبيات ، الأنوار النعمانية 1 | 121 ـ 122 للسيد نعمة الجزائري ولأدنى علاقة جئنا بهذه النبذة .

السـلام في القرآن والحديـث _ 152 _
  السلام ... وعليك يا جابر ) (1) .
  13 ـ قال الصدوق : حدثنا المظفر بن جعفر بن المظفر العلوي السمرقندي رضي الله عنه قال : حدثنا جعفر بن محمد بن مسعود عن أبيه ، قال : حدثنا محمد بن نصر ( نصير ) عن الحسين بن موسى الخشاب قال : حدثنا الحكم بن بهلول الأنصاري عن إسماعيل بن همام ، عن عمران بن قرة ، عن أبي محمد المدني ، عن ابن أذينة ، عن أبان بن أبي عياش ، قال : حدثنا سليم بن قيس الهلالي قال : ( سمعت عليّاً عليه السلام يقول : ما نزلت على رسول الله ، صلى الله عليه وآله ، آية من القرآن إلا أقرأنيها ، وأملاها عليّ ، وكتبتها بخطي ، وعلمني تأويلها ، وتفسيرها ، وناسخها ، ومنسوخها ، ومحكمها ، ومتشابهها ، ودعا الله عزّ وجلّ لي أن يعلمني فهمها وحفظها ، فما نسيت آية من كتاب الله ، ولا علماً أملاه عليّ فكتبته ، وما ترك شيئاً علمه الله عزّ وجلّ من حلال ، ولا حرام ، ولا أمر ، ولا نهي ، وما كان ، أو يكون ، من طاعة ، أو معصية ، إلا علمنيه وحفظته ، ولم أنس منه حرفاً واحداً ، ثم وضع يده على صدري ودعا الله عزّ وجلّ أن يملأ قلبي فهماً وحكمةً ونوراً ، لم أنس من ذلك شيئاً ، ولم يفتني شيء لم أكتبه ، فقلت : يا رسول الله أتتخوف علي النسيان فيما بعد ؟ فقال صلى الله عليه وآله : لست أتخوف عليك نسياناً ، ولا جهلاً ، وقد أخبرني ربّي جلّ جلاله أنه قد استجاب لي فيك ، وفي شركائك الذين يكونون من بعدك ، فقلت : يا رسول الله من شركائي من بعدي ؟ قال : الذين قرنهم الله عزّ وجلّ بنفسه وبي ، فقال : ( أَطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وَأُوْلِي الأَمْرِ مِنْكُمْ ) الآية (2) ، فقلت : يا رسول الله ومن هم ؟ قال : الأوصياء مني ، إلى أن يردوا عليّ الحوض ، كلهم هادٍ مهتدٍ ، لا يضرَّهم من خذلهم ، هم مع القرآن ، والقرآن معهم ، لا يفارقهم ولا يفارقونه ، بهم تنصر أمتي ، وبهم يمطرون ، وبهم يدفع عنهم البلاء ، ويستجاب دعاؤهم ، قلت : يا رسول الله سمهم لي ، فقال : ابني هذا ـ ووضع يده على رأس الحسن ـ ثم ابني هذا ـ ووضع يده

--------------------
(1) كمال الدين 1 | 254 ، والحديث مطول اختصرناه لضيق المجال .
(2) النساء : 59 .

السـلام في القرآن والحديـث _ 153 _
  على رأس الحسين عليهما السلام ـ ثم ابن له يقال له : عليّ وسيولد في حياتك فاقرئه مني السلام ، ثم تكمله اثني عشر ، فقلت : بأبي أنت وأمي يا رسول الله سمهم لي ( رجلاً فرجلاً ) ، فسماهم رجلاً رجلاً ، فيهم والله يا أخا بني هلال مهديّ أمّتي محمد ، الذي يملأ الأرض قسطاً وعدلاً كما ملئت ظلماً وجوراً ، والله إني لأعرف من يبايعه بين الركن والمقام ، وأعرف أسماء آبائهم وقبائلهم ) (1) .
  14 ـ ما رواه الصدوق ، في الكاظمي في سبب إسلام سلمان الفارسي ، نقلاً عن أمير المؤمنين عليه السلام وكان من أهل شيراز ، واسمه روزبه ، والقصة طويلة ، إلى نزوله على راهب ، فلما حضرته الوفاة قال : إني ميت ، فقلت له : فعلى من تخلفني ؟ فقال : لا أعرف أحداً يقول بمقالتي هذه إلا راهباً بأنطاكية ، فإذا لقيته فاقرئه مني السلام وادفع إليه هذا اللوح ، وناولني لوحاً فلما مات غسلته (2) ...
  15 ـ ( ثم إن آدم لما مرض ، المرضة التي قبض فيها ، أرسل إلى هبة الله فقال له : إن لقيت جبرئيل أو من لقيت من الملائكة فاقرئه مني السلام ... ) (3) .
  ومنها : إبلاغ سلام الكاظم عليه السلام لشطيطة : روى الشيخ المجلسي ، طاب ثراه ، عن شهر آشوب قال أبو علي بن راشد وغيره في خبر طويل : إنه اجتمعت عصابة الشيعة بنيسابور ، واختاروا محمد بن علي النيسابوري ، فدفعوا إليه ثلاثين ألف دينار وخمسين ألف درهم وشقة من الثياب ، وأتت شطيطة بدرهم صحيح وشقة خام من غزل يدها ، تساوي أربعة دراهم ، فقالت : إن الله لا يستحي من الله (4) .
  قال : فثنيت درهمها وجاؤوا بجزءٍ فيه مسائل ملء سبعين ورقة ، في كل

--------------------
(1) كمال الدين 1 | 284 ـ 285 .
(2) كمال الدين 1 | 161 ـ 166 .
(3) كمال الدين 1 | 214 .
(4) اقتباس من قوله تعالى ( والله لا يستحيى من الحق ) الأحزاب : 53 .

السـلام في القرآن والحديـث _ 154 _
  ورقة مسألة ، وباقي الورق بياض ، ليكتب الجواب تحتها ، وقد حزمت كل ورقتين بثلاث حزم ، وختم عليها بثلاث خواتيم ، على كل حزام خاتم ، وقالوا : أدفع إلى الإمام ليلة وخذ منه في غدٍ ، فإن وجدت الجزء صحيح الخواتيم فاكسر منها خمسة ، وانظر هل أجاب عن المسائل ، فإن لم تنكسر الخواتيم فهو الإمام المستحق للمال فادفع إليه ، وإلا فرد إلينا أموالنا .
  فدخل على الأفطح عبد الله بن جعفر وجربه وخرج عنه قائلاً : رب اهدني إلى سواء الصراط ، قال : فبينما أنا واقف إذا أنا بغلام يقول : أجب مَن تريد ، فأتى بي دار جعفر بن جعفر ، فلمّا رآني قال لي : ولِمَ تقنط يا أبا جعفر ؟ ـ كنية محمد بن علي النيسابوري ـ ولِمَ تفزع إلى اليهود والنصارى ؟ إلي فأنا حجّةالله ووليه ، ألَمْ يعرفك أبو حمزة على باب مسجد جدي ؟ وقد أجبتك عما في الجزء من المسائل بجميع ما تحتاج إليه منذ أمس ، فجئني به وبدرهم شطيطة الذي وزنه درهم ودانقان ، الذي في الكيس الذي فيه أربعمائة درهم للوازوري (1) ، والشقة التي في رزمة الأخوين البلخيين .
  قال : فطار عقلي من مقاله ، وأتيت بما أمرني ووضعت ذلك قِبَله ، فإخذ درهم شطيطة وإزارها ، ثم استقبلني وقال : إن الله لا يستحيي من الحق (2) ، يا أبا جعفر أبلغ شطيطة سلامي ، واعطها هذه الصرة ، وكانت أربعين درهماً ، ثم قال : وأهديت لها شقة من أكفاني من قطن قريتنا صيدا ، قرية فاطمة عليها السلام ، وغزل أختي حليمة ـ ابنة أبي عبد الله جعفر بن محمد الصادق عليه السلام ـ ثم قال : وقل لها : ستعيشين تسعة عشر يوماً من وصول أبي جعفر ، ووصول الشقة والدراهم ، فأنفقي على نفسك منها ستة عشر درهماً ، وأجعلي أربعة وعشرين صدقة عنك وما يلزم عنك ، وأنا أتولى الصلاة عليك ، فإذا رأيتني يا أبا جعفر فاكتم عليّ ، فإنه أبقى لنفسك ، ثم قال : واردد الأموال إلى أصحابها ، وافكك هذه الخواتيم عن الجزء ، وانظر هل أجبناك عن المسائل أم لا من قبل أن تجيئنا بالجزء ؟ .

--------------------
(1) كذا .
(2) محاكاة لما قالته شطيطة عند دفع الحقوق إلى أبي جعفر النيسابوري البريد ، وإعلام بعلمه عليه السلام بما قالت .

السـلام في القرآن والحديـث _ 155 _
  فوجدت الخواتيم صحيحة ، ففتحت منها واحداً من وسطها فوجدت فيه مكتوباً : ما يقول العالم عليه السلام في رجل قال : نذرت لله لأعتقن كل مملوك كان في رقّي قديماً ، وكان له جماعة من العبيد ؟ .
  الجواب بخطه : ... (1) .
  بـيان : لم نكمل الحديث لطوله ، ولا شاهد لنا منه سوى قوله عليه السلام ( أبلغ شطيطة سلامي وأعطها هذه الصرة ... ) وقد بلغه أبو جعفر إياها وأدى ماحمّل من الرسالة ، فجزاه الله عن إمامه خيراً .
  الناحية الثالثة : نذكر فيها بعض فروع صيغ السلام ، وبيان رد المماثل في الصلاة .
  أما بعض الفروع فقد جاء النص على لزوم صيغة الجمع في مواضع ثلاثة :
  1 ـ روى الكليني عن علي بن إبراهيم ، عن أبيه ، عن صالح بن السندي ، عن جعفر بن بشير ، عن منصور بن حازم ، عن أبي عبد الله عليه السلام قال : ( ثلاثة ترد عليهم رد الجماعة وإن كان وحداً : عند العطاس يقال : يرحمكم الله وإن لم يكن معه غيره ، الرجل يسلّم على الرجل فيقول : السلام عليكم ، والرجل يدعو للرجل فيقول : عافاكم الله وإن كان واحداً ، فإن معه غيره ) (2) .
  بـيان : قوله عليه السلام آخر الحديث : ( فإن معه غيره ) دليل صالح للثلاثة ، لأن العاطس معه الملكان ، والكرام الكاتبون ، لا ينفكون عنه في ليل أو نهار ، وهكذا المسلّم عليه ، والمدعوّ له بالعافية ، فالحكم معلل وبلفظ أوضح : أنه منصوص العلة لذكرها فيه على أن المؤمن كالكعبة ، وأنه عند

--------------------
(1) البحار 48 | 73 ـ 75 ، والمناقب 4 | 291 ـ 292 .
(2) أصول الكافي 2 | 645 ، الوسائل 8 | 446 .

السـلام في القرآن والحديـث _ 156 _
  الله عزّ وجلّ عظيم ، واجب الاحترام ، ومن حرمته عنده تعالى أنّه سمّاه باسمه عزّ اسمه ( السلام المؤمن المهيمن ) (1) وله فضائل لا يعدها إلا الله تعالى .
  2 ـ من فروع السلام أنّ المسلّم يجب عليه أن يجهر ، فقد روى الكليني عن عدّة من أصحابنا ، عن سهل بن زياد ، عن جعفر بن محمد الأشعري ، عن ابن القدّاح ، عن أبي عبد الله عليه السلام قال : ( إذا سلّم أحدكم فليجهر بسلامه لا يقول : سلّمت فلم يردّوا عليّ ، ولعله يكون قد سلّم ولم يسمعهم ، فإذا ردّ أحدكم فليجهر بردّه ، ولا يقول المسلّم : سلّمت فلم يردّوا عليّ ، ثم قال : كان عليّ ... ) (2) .
  3 ـ من فروع السلام إذا سلّم واحد من الجماعة بقوم أجزأهم ، وإذا ردَّ واحد من الجماعة أجزأ عنهم ، كما عنونه في الكافي بنفس العنوان ، روى الكليني عن عدة من أصحابنا ، عن سهل بن زياد ، عن عليّ بن أسباط ، عن ابن بكير ، عن بعض أصحابه ، عن أبي عبد الله قال : ( إذا مرت الجماعة يقوم أجزأهم أن يسلم واحد منهم ، وإذا سلم على القوم وهم جماعة أجزأهم أن يرد واحد منهم ) (3) .
  4 ـ محمد بن يحيى عن أحمد بن محمد ، عن ابن محبوب ، عن عبد الرحمن بن الحجاج قال : ( إذا سلم الرجل من الجماعة أجزأ عنهم ) ، ولاشك أن عبد الرحمن بن الحجاج لا يقول ذلك إلا عن إمامه الصادق عليه السلام (4) .
  5 ـ محمد بن يحيى عن احمد بن محمد ، عن محمد بن يحيى ، عن غياث بن إبراهيم ، عن أبي عبد الله عليه السلام قال : ( إذا سلم من القوم واحد أجزأ عنهم ، وإذا رد واحد أجزأ عنهم ) (5) .

--------------------
(1) الحشر : 23 .
(2) أصول الكافي 2 | 645 ، الوسائل 8 | 443 .
(3) أصول الكافي 2 | 647 ، الوسائل 8 | 450 .
(4) أصول الكافي 2 | 647 ، الوسائل 8 | 450 .
(5) أصول الكافي 2 | 647 ، الوسائل 8 | 450 .

السـلام في القرآن والحديـث _ 157 _
  بـيان : الوحدة الإيمانية بين أفراد الناس تعتبرهم كفرد ، وكجسد واحد فيه روح واحدة ، فإذا سلّم واحد من الجماعة كأنهم كلّهم قد سلّموا ، كما لو أجاب فرد من الجماعة على المسلّم فهو بمنزلة إجابة الجماعة نفسها ، وهذا المعنى ثابت في العرف العام أيضاً ، وليس الإجزاء أمراً مخترعاً ، بل ممّا عليه الناس إذا كانت بينهم مؤاصرة ومؤاخاة يضمهم تعامل روحي ، أو ماديّ ، وإن لم يكونوا مؤمنين موحّدين .
  بقي من فروع السلام فرع هام ، وهو الإجابة بالمماثل ، إذا كان الإنسان في الصلاة وقد سلّم عليه والحكم بردّ المِثل مشهور بين الأصحاب ، لنصوص نذكرها أوّلاً ثم بيان ما كان منها :
  1 ـ روى الشيخ الحرّ عن محمد بن الحسن ، بإسناده عن أحمد بن محمد ، عن محمد بن أبي عمير ، عن هشام بن سالم ، عن محمد بن مسلم ، قال ( دخلت على أبي جعفر عليه السلام وهو في الصلاة فقلت : السلام عليك ، فقال : السلام عليك ، فقلت كيف أصبحت ؟ فسكت ، فلما انصرف قلت : أيردّ السلام وهو في الصلاة ؟ قال : نعم مِثل ما قيل له ) (1) .
  2 ـ روى الشيخ الكليني عن محمد بن يحيى ، عن أحمد بن محمد ، عن عثمان بن عيسى ، عن سماعة ، عن أبي عبد الله عليه السلام قال : ( سألته عن الرجل يسلّم عليه وهو في الصلاة ، قال : يردّ سلام عليكم ولا يقول : وعليكم السلام ، فإن رسول الله ، صلى الله عليه وآله ، كان قائماً يصلي فمرَّ به عمّار بن ياسر ، فسلّم عليه عمّار ، فردّ عليه النبيّ ، صلّى الله عليه وآله ، هكذا ) (2) .
  3 ـ روى الحرّ عن الشيخ الطوسي ، بإسناده عن سعد ، عن محمد بن عبد الحميد ، عن محمد بن إسماعيل بن بزيع ، عن علي بن النعمان ، عن

--------------------
(1) الوسائل 4 | 1265 ، الباب 16 من أبواب قواطع الصلاة ، الحديث 1 .
(2) الكافي 3 | 366 ، باب التسليم على المصلي ... الحديث 1 ، الوسائل 4 | 1265 .

السـلام في القرآن والحديـث _ 158 _
  منصور بن حازم ، عن أبي عبد الله عليه السلام قال : ( إذا سلّم عليك الرجل وأنت تصلّي ، قال : تردّ عليه خفيًّا كما قال ) (1) .
  4 ـ وعنه عن أحمد بن الحسن ، عن عمرو بن سعيد ، عن مصدق بن صدقة ، عن عمّار بن موسى ، عن أبي عبد الله عليه السلام قال : ( سألته عن السلام على المصلّي ؟ فقال : إذا سلم عليك رجل من المسلمين وأنت في الصلاة ، فرد عليه فيما بينك وبين نفسك ، ولا ترفع صوتك ) (2) .
  5 ـ وبإسناده عن محمد بن مسلم ، أنه سأل أبا جعفر عليه السلام عن الرجل يسلم على القوم في الصلاة ، فقال : ( إذا سلم عليك مسلم وأنت في الصلاة ، فسلم عليه ، تقول : السلام عليك وأشر بأصبعك ) (3) .
  6 ـ قال الصدوق : وقال أبو جعفر عليه السلام : ( سلّم عمّار على رسول الله ، صلى الله عليه وآله ، وهو في الصلاة فردّ عليه ، ثم قال أبو جعفر عليه السلام : إن السلام اسم من أسماء الله عزّ وجلّ ) (4) .
  7 ـ عبد الله بن جعفر الحميري في ( قرب الإسناد ) عن عبد الله بن الحسن ، عن جده علي بن جعفر ، عن أخيه ، قال : ( سألته عن الرجل يكون في الصلاة فيسلم عليه الرجل ، هل يصلح له أن يردّ ؟ قال : نعم ، يقول : السلام عليك فيشير إليه بأصبعه ) (5) .
  بـيان : قال الشيخ المجلسي : ردّ السلام واجب على الكفاية في الصلاة وغيرها ، إجماعاً كما في التذكرة ، وتدل على وجوب الرد في الصلاة صريحاً ، أخبار كثيرة ، وقد قطع الأصحاب بأنه يجب الردّ في الصلاة بالمثل ، وجوز جماعة من المحقيقن الردّ بالأحسن أيضاً لعموم الآية (6) .

--------------------
(1) الوسائل 4 | 1265 ، الحديث 3 من الباب 16 من القواطع .
(2) الوسائل 4 | 1266 .
(3) الوسائل 4 | 1266 ، الحديث 5 .
(4) الوسائل 4 | 1266 ، الحديث 6 .
(5) الوسائل 4 | 1266 ، الحديث 7 .
(6) مرآة العقول 15 | 240 .

السـلام في القرآن والحديـث _ 159 _
  وحصر الردّ على الإشارة بالأصبع أو غيره تردّه هذه الأخبار الصريحة في الردّ بالقول : نعم خبران منها : أضافا الإشارة بالأصبع ، وليس فيهما دلالة على الحصر بعد قوله عليه السلام : ( تقول : السلام عليك وأشر بأصبعك ) (1) ، أو ( يقول : السلام عليك فيشير إليه بأصبعه ) (2) .
  وقال طاب ثراه : وهل يجب إسماع المسلّم تحقيقاً أو تقديراً ؟ قولان ، ويتحقق الامتثال برد واحد ممن يجب عليه الردّ ، وفي الاكتفاء بردّ الصبيّ المميّز وجهان ، ولو كان المسلّم صبيّاً مميّزاً فالأظهر وجوب الردّ ، وهل يجوز للمصلّي الردّ بعد قيام غيره به ؟ قولان ، ولو ترك الردّ فهل تبطل صلاته ؟ احتمالات ، ثالثها البطلان إن أتى بشيءٍ من الأذكار وقت توجّه الخطاب بالردّ ، وذكر جمع من الأصحاب أنه لا يكره السلام على المصلّي ، ويمكن القول بالكراهة ، لما رواه الحميري في قرب الإسناد عن الصادق عليه السلام إذ قال : ( كنت أسمع أبي يقول : إذا دخلت المسجد (3) والقوم يصلّون ، فلا تسلّم عليهم وصل (4) على النبي وآله ، ثم أقبل على صلاتك ) (5) .
  ويمكن حمل أخبار المنع على التقية ، لكون أكثرها مشتملة على رجال العامّة واشتهاره بينهم (6) .
  أقـول : تقدمت نصوص الردّ في الصلاة وهي تدلّ بأجمعها على الوجوب ، لأن قوله عليه السلام : ( تردّ عليه ، أو تقول ... ) ظاهره الوجوب .
  وأما حديث الباقر عليه السلام : ( ولا على المصلي ، وذلك لأنّ المصلّي لا يستطيع أن يردّ السلام ) فسيأتي (7) بيانه قريباً بما يوافق النصوص .

--------------------
(1) كما في الحديث رقم 5 ـ .
(2) حديث الحميري رقم 7 .
(3) في الوسائل 4 | 1267 ، الباب 17 قواطع الصلاة ، الحديث 2 ( المسجد الحرام ) .
(4) في المصدر نفسه ( وسلّم ) .
(5) الوسائل 4 | 1267 .
(6) مرآة العقول 15 | 240 ـ 241 .
(7) سادس أحاديث ( 9 ـ السلام المنهي عنه ) .

السـلام في القرآن والحديـث _ 160 _
الفـصل التـاسـع : السـلام المـنهي عنـه

السـلام في القرآن والحديـث _ 163 _
  السـلام المنـهي عنـه
  إن النهي الوارد في النصوص الآتي ذكرها محمول على الكراهة ، وقد ذهب جمع من الأصحاب منهم الشيخ الحرّ العاملي إلى تحريم السلام على أصناف ، منهم : أصحاب الملاهي (1) ، وليس معنى الكراهة قلّة الثواب ، كما ذهب إليه بعض في باب العبادات ، وفي غيره من قلة العذاب مثلاً ، بل المنع عن فعل المكروه ، أو الحرام ، إنما هو للمفسدة الكائنة فيه .
  أما المرتبة التي تحتم الحظر عن فعله فهو الحرام ، أو لا تحتم فالمكروه ، وهكذا في جانب المصلحة في فعل الشيء ، فإن كانت بمثابة عالية تحتم فعله فهو الواجب ، وإلا فالمندوب ، وإذا تساوت المصلحة مع المفسدة فيه فالمباح ، وذلك كله للبناء على مسلك العدلية القائلين بصفة العدل في الله تعالى ، وقاعدة الحُسن والقبح العقليين ، ومنهم الإمامية ، وأن أحكام الإسلام تنشأ عن المصالح ، إذا كانت من الفرائض ، أو عند المفاسد ، كما في جميع المحرمات والمحظورات في الشرائع السماوية ، وعليه فالمنع عن الاقتراف في الشيء ، أو الاقتراب إليه لا يكون سدىً وجزافاً ، وبلا مصلحة ، أو مفسدة في محتوى الواجب ، او الحرام .
  وإذا عرفت ذلك كله فالنصوص هي :
  1 ـ روى الشيخ الكليني عن محمد بن يحيى ، عن محمد بن الحسين

--------------------
(1) ( تحريم التسليم على الكفار ، وأصحاب الملاهي ونحوهم ... ) الوسائل 8 | 452 .

السـلام في القرآن والحديـث _ 164_
  رفعه قال : كان أبو عبد الله عليه السلام يقول : ( ثلاثة لا يسلمون : الماشي مع الجنازة ، والماشي إلى الجمعة ، وفي بيت الحمام ) (1) .
  بيـان : وذلك لأنهم في شغل من الخاطر ، وفي هم من البال ، فلا عليهم أن يسلموا (2) ، وهل المراد من نفي السلام ، المقصود به ، النهي عنه أن هؤلاء هم لا يسلمون على غيرهم ، لأنهم في شغل من السلام والكلام مع من سواهم ، أو أن السائرين يجب عليهم أن لا يسلموا على هؤلاء الأصناف الثلاثة ؟ والكل محتمل لاشتراك العلة في الأمرين .
  2 ـ روى الكليني عن أحمد بن محمد الكوفي ، عن عليّ بن الحسن بن علي ، عن علي بن أسباط ، عن عمه يعقوب بن سالم ، عن أبي بصير قال : سئل أبو عبد الله عليه السلام عن الرجل يكون له الحاجة إلى المجوسي ، أو إلى اليهودي ، أو إلى النصراني ، أو أن يكون عاملاً ، أو دهقاناً من عظماء أهل أرضه ، فيكتب إليه الرجل في الحاجة العظيمة ، أيبدأ بالعلج ، ويسلّم عليه في كتابه ، وإنما يصنع ذلك لكي تقضى حاجته ؟ قال : أما أن تبدأ به فلا ، ولكن تسلّم عليه في كتابك ، فإن رسول الله ، صلى الله عليه وآله ، قد كان يكتب إلى كسرى وقيصر ) (3) .
  بيـان : التسليم على أهل الكتاب ممنوع كما نص عليه في الصادقي : ( ... لا تبدأوا أهل الكتاب بالتسليم ... ) (4) .
  وأما السلام في الكتابة فالحديث حالّ على جوازه لضرورة الحاجة دون غيرها ، والنبي ، صلى الله عليه وآله ، كانت حاجته وضرورته دعوة الكافرين ككسرى وقيصر إلى الإسلام الذي أوله

--------------------
(1) أصول الكافي 2 | 645 ـ 646 ، الخصال 1 | 91 .
(2) هامش أصول الكافي 2 | 646 .
فالمشيع يفكر في الموت ، وقاصد الجمعة كأنه في صلاتها ، والحمامي في مظنة كشف العورة ، فإذا اتجه إلى غيره يوشك أن تبدو سوءته ، ومن أجل هذه أو غيرها حظر السلام معهم .
(3) أصول الكافي 2 | 651 ، باب مكاتبة أهل الذمة ، الحديث 1 ، والعلج الرجل من كفار العجم ، مرآة العقول 12 | 549 .
(4) الحديث المرقم 2 ـ من الناحية الأولى ، كما وقدمنا كلام صاحب تفسير المنار وإصراره على جواز الابتداء بالسلام عليهم .

السـلام في القرآن والحديـث _ 165 _
  السلام ، وأصله ، ومعدنه ، نعم وظيفة المسلمين إذا سلم عليهم الكتابي أن يقولوا ( عليك أو عليكم ) كما سبق التصريح به في النصوص (1) ، إلا أن فيها رواية صحيحة صريحة في القول في الرد بكلمة ( سلام ) وهي : ما رواه الشيخ الكليني ، طاب ثراه ، عن محمد بن يحيى ، عن عبد الله بن محمد ، عن علي بن الحكم ، عن أبان بن عثمان ، عن زرارة ، عن أبي عبد الله عليه السلام قال : ( تقول في الرد على اليهودي والنصراني سلام ) (2) .
  بيـان : قيل : ( سلام ) بكسر السين : الحجارة ، وهو تصحيف مردود ، والظاهر هو ما قيل : معناه أي علينا أو على من يستحقه (3) ، وقد سبق أن السلام دعاء بالسلامة ، ولا ينتفع الكافر به كما في الكاظمي : ( أرأيت إن احتجت إلى متطبب وهو نصراني أسلم عليه وأدعو له ؟ قال : نعم ، إنه لا ينفعه دعاؤك ) (4) ، فكل حديث دل على تسليم ودعاء لكافر ، أو كتابي ، أو غيرهما من المنحرفين ، يعمل به ولا يظن أن ذلك بنافع له .
  3 ـ صحيح غياث بن إبراهيم عن أبي عبد الله عليه السلام قال : قال أمير المؤمنين عليه السلام : ( لا تبدأوا أهل الكتاب بالتسليم وإذا سلّموا عليكم فقولوا : وعليكم ) .
  أقـول : هذا الحديث مع أحاديث أخرى تعرضنا لها في الناحية الأولى من الأمر الثالث من ( 8 ـ السلام ندب والرد فرض ) فلا نعيد بيانها .
  4 ـ محمد بن إدريس في ( آخر السرائر ) نقلاً من رواية أبي القاسم بن قولويه عن الأصبغ قال : سمعت عليّاً عليه السلام يقول : ( ستة لا ينبغي أن تسلّم عليهم : اليهود ، والنصارى ، وأصحاب النرد والشطرنج ، وأصحاب خمر ، وبربط وطنبور ، والمتفكّهين بسبّ الأمهات ، والشعراء ) (5) .

--------------------
(1) ذكرناها في الناحية الأولى من ( 8 ـ السلام ندب والرد فرض ) .
(2) أصول الكافي 2 | 649 ـ 650 .
(3) هامش أصول الكافي 2 | 650 .
(4) أصول الكافي 2 | 650 .
تقدم أن السلام على المشرك : ( السلام على من أتبع الهدى ) أصول الكافي 2 | 649 ، وفي الأمر الثالث من ( 8 ـ السلام ندب والرد فرض ) .
(5) الوسائل 8 | 454 .

السـلام في القرآن والحديـث _ 166 _
  أقـول : هؤلاء ليسوا ستة ، إلا أن يُعدّ الأولان واحداً ، وكذا أصحاب النرد والشطرنج ، والثالث أصحاب خمر ، والرابع صاحب البربط والطنبور ، والخامس المتفكّه بسبّ الأّمهات ، والسادس الشعراء المعني بهم غير شعراء أهل البيت عليهم السلام ، وما كان من شعرهم في المواعظ والحكم وما ضاهاها ، بل الشاعر القاذف المحصنات بشعره كما تسمع قريباً .
  5 ـ عبد الله بن جعفر الحميري في ( قرب الإسناد ) عن السندي بن محمد ، عن أبي البختري ، عن جعفر بن محمد ، عن أبيه ، أن رسول الله ، صلى الله عليه وآله ، قال : ( لا تبدأوا أهل الكتاب ـ اليهود والنصارى ـ بالسلام ، وإن سلموا عليكم فقولوا : عليكم ، ولا تصافحوهم ، ولا تكنوهم إلا أن تضطروا إلى ذلك ) (1) .
  بيـان : تقدم مضمون الحديث جملةً وتفصيلاً ، وأنّ الابتداء بالسلام على الكتابي ممنوع ، والردّ ليس إلاّ بـ ( عليك ، أو عليكم ) إلاّ صحيح زرارة الدالّ على جواز الردّ بـ ( سلام ) وبيان المراد من ذلك ، لا غيره .
  6 ـ قال الحرّ : محمد بن علي بن الحسين في ( الخصال ) عن محمد بن علي ماجيلويه ، عن عمه محمد بن أبي القاسم ، عن هارون بن مسلم ، عن مصدّق بن صدقة ، عن جعفر بن محمد ، عن أبيه عليه السلام ، قال : ( لا تسلّموا على اليهود ولا النصارى ـ إلى أن قال : ـ ولا على المصلّي ، ـ وذلك لأنّ المصلّي لا يستطيع أن يردّ السلام ، لأنّ التسليم من المسلّم تطوّع ، والردّ فريضة ـ ولا على آكل الرّبا ، ولا على رجل جالس على غائط ، ولا على الذي في الحمّام ) (2) .

--------------------
(1) الوسائل 8 | 454 ، الحديث 9 الباب 49 ، العشرة .
والسلام كما قلنا إنه دعاء وهو جائز في حال الضرورة انظر الوسائل 4 | 1155 الباب 46 من أبواب الدعاء ، الحديث 1 ، الوسائل 8 | 456 ـ 457 .
(2) الوسائل 4 | 1267 ، الباب 17 من أبواب قواطع الصلاة ، الحديث 1 .

السـلام في القرآن والحديـث _ 167 _
  أقـول : قال الحرّ : هذا محمول على الكراهة ، وقوله : ( لا يستطيع ) أي : لا يسهل عليه ردّ الجواب ، بل يشقّ عليه الاشتغال بردّ السلام والعود إلى صلاته ، فيشتغل عنها لما تقدّم من تقرير السلام ، وعدم إنكاره ، ومن التصريح بجواز الردّ بل الأمر به (1) ، يريد ( بجواز الردّ بل الأمر به ) النصوص المتقدمة (2) .
  ومن النهي المكرر عن السلام على الكتابي يعلم التشدد فيه ، ولعلّ الوجه المنع من العشرة معه ، لأنّ السلام مفتاحها ، ومن ثم منع فتح بابها به (3) .
  7 ـ رواية الصدوق بإسناده إلى الصادقين عليهم السلام : ( ستة لا يسلّم عليهم : اليهودي ، والنصراني ، والمجوسي ، والرجل على غائطه وعلى موائد الخمر ، وعلى الشاعر الذي يقذف المحصنات ، وعلى المتفكّهين بسبّ الأّمهات ) (4) .
  أقول : تقدم بلفظ أهل الكتاب أيضاً .
  8 ـ قال الصدوق : حدثنا محمد بن الحسن رضي الله عنه قال : حدّثنا أحمد بن إدريس عن محمد بن أحمد بن يحيى بن عمران الأشعري ، بإسناده رفعه إلى أمير المؤمنين عليه السلام قال : ( نهى رسول الله ، صلى الله عليه وآله ، أن يسلم على أربعة : على السكران في سكره ، وعلى من يعمل التماثيل ، وعلى من يلعب بالنرد ، وعلى من يلعب بالأربعة عشر ، وأنا أزيدكم الخامسة انهاكم أن تسلموا على أصحاب الشطرنج ) (5) .

--------------------
(1) الوسائل 4 | 1267 .
(2) المذكورة في الناحية الثالثة المرقمة 1 ـ 7 .
(3) أي بالسلام الذي هو مفتاح باب العشرة ، والغض من هذا البيان أن حديث المنع من السلام على الكتابي دليل على منع العشرة والمراودة معه ، فكنّىعن منعها بمنع السلام عليه .
(4) الخصال 1 | 326 ، جامع الأحاديث 15 | 585 .
(5) الخصال 1 | 237 .

السـلام في القرآن والحديـث _ 168 _
  أقول : قال العلامة المجلسي في المسالك : مذهب الأصحاب تحريم اللعب بآلات القمار كلها ، من النرد ، والشطرنج ، والأربعة عشر وغيرها ووافقهم على ذلك جماعة من العامة ، منهم أبو حنيفة ، ومالك ، وبعض الشافعية ، ورووا عن النبي صلى الله عليه وآله روايات ، وفسروا الأربعة عشر بأنها قطعة من خشب فيها حفر في ثلاثة أسطر ، ويجعل في الحفر حصاً صغاراً يلعب بها (1) .
  وروى الشيخ الكليني سبعة عشر حديثا في المنع عن اللعب بالشطرنج نذكرها لأدنى علاقة :
  1 ـ الكاظمي : ( النرد والشطنج والأربعة عشر بمنزلة واحدة ... ) .
  2 ـ الصادقي : ( ... الرجس من الأوثان : الشطرنج ... ) .
  3 ـ العلوي : ( الشطرنج والنرد هما الميسر ) .
  4 ـ الصادقي : ( الشطرنج من الباطل ) .
  5 ـ الصادقي : ( ... أو صاحب شاهين قال : قلت : وأي شيءٍ صاحب شاهين ؟ قال الشطرنج ) .
  6 ـ الصادقي : ( أنه سئل عن الشطرنج ولعبة شبيب التي يقال لها لعبة الأمير ، وعن لعبة الثلاث فقال : أرأيتك إذا ميز الحق من الباطل مع أيهما يكون ؟ قال : قلت : مع الباطل ، قال : فلا خير فيه ) .
  7 ـ الصادقي : ( الرجس من الأوثان هو الشطرنج ... ) .
  8 ـ الصادقي : ( ما الميسر ؟ فقال أبو عبد الله عليه السلام : هي الشطرنج .. ) .
  9 ـ الباقري ـ حديث الفضيل ـ سألت أبا جعفر عن هذه الأشياء التي يلعب بها الناس النرد ، والشطرنج ، حتى انتهيت إلى السُدّر (2) فقال :

--------------------
(1) هامش الخصال 1 | 237 .
(2) معرّب سه در أي ثلاثة أبواب وسدّر كقُبّر لعبة الصبيان .

السـلام في القرآن والحديـث _ 169 _
  ( إذا ميّز الله بين الحق والباطل في أيهما يكون ؟ قلت : مع الباطل ، قال : فما لك وللباطل ) .
  10 ـ الصادقي : ( يغفر الله في شهر رمضان إلا لثلاثة صاحب مسكر أو صاحب شاهين ، أو مشاحن ) (1) .
  11 ـ الصادقي : ( الشطرنج ميسر والنرد ميسر ) .
  12 ـ الكاظمي : ( أقعدُ مع قوم يلعبون بالشطرنج ولست ألعب بها ، ولكن انظر ، فقال : ما لك ولمجلس لا ينظر الله إلى أهله ) ! ؟ .
  13 ـ الصادقي : ( أنه سئل عن الشطرنج فقال : دعوا المجوسية لأهلها لعنها الله ) .
  14 ـ الرضوي : ( جاء رجل إلى أبي جعفر عليه السلام فقال : يا أبا جعفر ما تقول في الشطرنج التي يلعب بها الناس ؟ فقال : أخبرني علي بن الحسين عن الحسين بن علي ، عن أمير المؤمنين عليهم السلام ، قال : قال رسول الله صلى الله عليه وآله : مَن كان ناطقاً فكان منطقه لغير ذكر الله عزّ وجلّ كان لاغياً ، ومَن كان صامتاً فكان صمته لغير ذكر الله كان ساهياً ، ثم سكت ، فقام الرجل وانصرف ) .
  15 ـ الصادقي : ( ما تقول في الشطرنج ؟ قال : المقلّب لها كالمقلب لحم الخنزير ) .
  16 ـ الرضوي : ( المطّلع في الشطرنج كالمطّلع في النار ) .
  17 ـ الصادقي : ( نهى رسول الله صلى الله عليه وآله عن اللعب بالشطرنج والنرد ) (2).

--------------------
(1) صاحب بدعة وضلالة .
(2) فروع الكافي 6 | 435 ـ 437 ، باب النرد والشطرنج ، الحديث 1 ـ 17 .
أقـول : قوله صلى الله عليه وآله في 14 ـ الرضوي : ( من كان ناطقاً فكان منطقه لغير ذكر الله عز وجل كان لاغياً ـ إلى آخره ـ ) لا يعطي ظاهر الجواب عن سؤال الرجل عن الشطرنج التي يلعب بها الناس ؟ ولكنه يبدو من الحديث من قيام الرجل وانصرافه بعد سكوته صلى الله عليه وآله أنه ممن يعرف جواب السؤال بالإشارة ، لأنه حر ( والحر تكفيه الإشارة ) .

السـلام في القرآن والحديـث _ 170 _
  18 ـ الرضوي : ( إن الشطرنج وأربعة عشر وكل ما قومر عليه فهو ميسر ) (1) .
  19 ـ الصادقي : ( إن المؤمن لمشغول عن اللعب ـ بعد السؤال ـ عن اللعب بالشطرنج ) .
  20 ـ الصادقي : ( بيع الشطرنج حرام ، وأكل ثمنه سحت ، واتخاذها كفر ، واللعب بها شرك ، والسلام على اللاهي بها معصية وكبيرة موبقة ، والخائض فيها يده كالخائض يده في لحم خنزير ، لا صلاة له حتى يغسل يده كما يغسلها من مسّ لحم الخنزير ، والناظر إليها كالناظر في إلى فرج أمه ، والسلام على اللاهي بها في حالته تلك في الإثم سواء ، ومن جلس على اللعب بها فقد تبوأ مقعده من النار ، وكان عيشه ذلك حسرة (2) .
  هذه نبذة من روايات منع اللعب بالشطرنج وسائر آلات القمار المنهية في الإسلام ، والآن : فلنعد إلى ما كنا بصدده من سرد أحاديث السلام المنهي عنه ، تقدم ثامنها و :
  9 ـ محمد بن إدريس في ( آخر السرائر ) نقلاً من كتاب جامع البزنطي ، عن أبي بصير ، عن أبي عبد الله عليه السلام ، قال : ( بيع الشطرنج حرام ، وأكل ثمنه سحت ، واتخاذها كفر ، واللعب بها شرك والسلام على اللاّهي بها معصية ... ) (3) .
  10 ـ الجعفريات بالإسناد قال : قال رسول الله صلى الله عليه وآله : ( إن يهود خيبر يريدون أن يلقوكم ، فلا تبدأوهم بالسلام ، فقالوا : يا رسول الله فإن سلموا علينا فما نردُّ عليهم ؟ قال صلى الله عليه وآله : تقولون : وعليكم ) (4) .

--------------------
(1) الوسائل 12 | 120 ـ 121 ، تفسير العياشي 1 | 339 .
(2) الوسائل 12 | 241 ، وهو من صحيح البزنطي في آخر السرائر .
وإنما ذكرنا شطراً من أحاديث الشطرنج لأدنى ربط بالسلام المنهي عنه وللتحذير منها .
(3) الوسائل 12 | 241 ، باب 103 تحريم الحضور عند اللاعب بالشطرنج والسلام عليه ... الحديث 4 من أبواب ما يكتسب به .
(4) مستدرك الوسائل 8 | 374 ، الجعفريات 82 .

السـلام في القرآن والحديـث _ 171 _
  11 ـ النبوي : ( نهى عن النزول على أهل الكنائس في كنائسهم وقال : إن اللعنة تنزل عليهم ، ونهى أن يبدأوا بالسلام وإن بدرهم به قيل له : عليكم ) (1) .
  12 ـ فقه الرضا عليه السلام ( ولا تجالس شارب الخمر ولا تسلم عليه إذا جزت به ... ) .
  أقول : الوجه في المنع عن السلام على هؤلاء الأصناف ليس إلا التحذير عما هم فيه من التمرّد على الله عزّ وجلّ ، وعن التعاون على الإثم ، والعدوان ، وتقوية الباطل بكل ألوانه ، ورفضه على قدر الطاقة من كل إنسان .
  وللسيد المرحوم الطباطبائي بيان حول النهي الوارد عن التسليم المذكور ، يذكره بعد ذكر رواية الفقيه ، وما عقبها من قوله ، وإليك الرواية وما قاله السيد طاب ثراه : وفي الفقيه بإسناده عن مسعدة بن صدقة ، عن جعفر بن محمد ، عن أبيه عليه السلام ، قال : ( لا تسلموا على اليهود ، ولا على النصارى ، ولا على المجوس ، ولا على عبدة الأوثان ، ولا على موائد شرب الخمر ، ولا على صاحب الشطرنج والنرد ، ولا على المخنث ، ولا على الشاعر الذي يقذف المحصنات ، ولا على المصلي ، ـ لأن المصلي لا يستطيع أن يردّ السلام ، لأنّ التسليم من المسلم تطوّع والردّ فريضة ـ ، ولا على آكل الربا ، ولا على رجل جالس على غائط ، ولا على الذي في الحمّام ، ولا على الفاسق المعلن بفسقه ) (2) .
  وأما النهي الوارد عن التسليم على بعض الأفراد فإنما هو متفرع على النهي عن توليهم ، والركون إليهم كما قال تعالى : ( لا تتّخذوا اليهود والنصارى أولياء ) ( المائدة : 51 ) وقال : ( لا تَتَّخِذُوا عَدُوِّي وَعَدُوَّكُمْ

--------------------
(1) مستدرك الوسائل 8 | 375 ، جامع الأحاديث 15 | 586 ـ 587 .
(2) حديث الفقيه موجود في الخصال 2 | 484 ، ( لا يسلم على اثني عشر ، ولا يحضرني كتاب من لا يحضره الفقيه ) ، والثلاثة الأولى أهل الكتاب المتقدم الذكر .

السـلام في القرآن والحديـث _ 172 _
  أَوْلِيَاءَ ) ( الممتحنة : 1 ) وقال : ( وَلا تَرْكَنُوا إِلَى الَّذِينَ ظَلَمُوا ) ( هود : 113 ) إلى غير ذلك من الآيات .
  نعم ربما اقتضت مصلحة التقرب من الظالمين لتبليغ الدين ، أو إسماعهم كلمة الحق التسليم عليهم ، ليحصل به تمام الأنس ، وتمتزج النفوس كما أمر النبي ، صلى الله عليه وآله وسلم ، بذلك في قوله : ( فَاصْفَحْ عَنْهُمْ وَقُلْ سَلامٌ ) ( الزخرف : 89 ) وكما في قوله يصف المؤمنين : ( وَإِذَا خَاطَبَهُمْ الْجَاهِلُونَ قَالُوا سَلاماً ) ( الفرقان : 63 ) (1) .
  وقائمة الأصناف المنهي عليهم السلام كما يلي :
  1 ـ آكل الربا .
  2 ـ اليهود .
  3 ـ النصارى .
  4 ـ المجوس .
  5 ـ عبدة الأوثان .
  6 ـ المخنث .
  7 ـ موائد فيها خمر جالسها وشاربها .
  8 ـ الشاعر القاذف المحصنات بشعره بل مطلقاً الشعراء القاذفين .
  9 ـ المصلي .
  10 ـ لاعبي الشطرنج والنرد والميسر .
  11 ـ رجل جالس على غائظ .
  12 ـ الذي في بيت الحمّام .
  13 ـ الفاسق المعلن بفسقه .
  14 ـ النازل في الكنائس .
  15 ـ السكران .
  16 ـ عامل التماثيل .

--------------------
(1) تفسير الميزان 5 | 34 ـ 35 .