4 ـ الفروق بين المعاني الثلاثة :
والفرق بين معاني السلام لغةً وقرآناً وحديثاً ، هو الفرق بين عموم الشيء وخصوصه ، وليست مهمة اللغة سوى ضبط مواضع استعمال الكلمات وبيانها ، ومن الواضح أن كلمات الكتاب والسنة لا تحيد عما عليه المحاورات المتداولة بين الناس ، وما يقصدونه من معاني الكلمات ، وإلا لما صح الخطاب بما لا يعرفونه ولا يأنسون به .
والفرق بين السلام في القرآن ، أو الحديث ، وبين العرف العام ليس إلا ما ذكرناه ، ولا مجال لسؤال الفرق .
نعم قد جاء الإسلام بحقائق لم يعهدها أهل العرف ولم يعرفوها ، أو كانوا قد عرفوا بعضها خلاف ما جاء به ، أو علموه دون جميعها ، فنزل القرآن عليهم ، لكشف تلك الحقائق وآثاره التي خفيت عن كلهم أو أكثرهم ، ومنها السلام وآثاره وآدابه وأحكامه ، التي جاء بها الرسول ، صلى الله عليه وآله ، كما جاء بغير ذلك من أمور ، وأوصياؤه القائمون مقامه الحافظون لشريعته ، الأئمة المعصومون عليهم السلام ، وفيهم فاطمة الزهراء عليها السلام .
فالسلام في اللغة لا يأبى السلام في القرآن ، ولا السلام في الحديث ، فترى اللغوي ربما يطبق لغة السلام على قوله تعالى :
( سَلامٌ هِيَ حَتَّى مَطْلَعِ الْفَجْرِ ) (1) ويقول : أي لا داء فيها ولا يستطيع الشيطان أن يصنع فيها شيئاً
(2) .
وليس ذلك إلا مجرد تطبيق معنى السلام على مورد التنزيل ، وهكذا الحديث الموافق له دون ما خالف معناه ، فإن الذي جاء أولى ، على حد تعبير بعض الأحاديث العلاجية ، لما اختلف منها ، أو ما لم يوافق القرآن فهو زخرف ، أو لم نقله
(3) ، ولا يمتري أثنان في رد المخالف وقبول الموافق .
--------------------
(1) القدر : 5 .
(2) لسان العرب 12 | 290 ـ سلم ـ .
(3) الوسائل 18 | 78 ، 84 .
السـلام في القرآن والحديـث
ـ 36 ـ
5 ـ اسم الله السلام من أي الأقسام :
يأتي الكلام حول اسم الله ( السلام ) في أول الفصول العشرة في بحثٍ ضافٍ ، بعد ذكر عدد أسماء الله الحسنى ، المعدود منها السلام ، حول معانيه الأربعة التي انتزعناها من قول الشيخ الصدوق ، وابن فهد طاب ثراهما ، وغيرهما وعلقنا عليه .
وأما السؤال : بأن اسم الله السلام من أي الأقسام ؟ فقد عرفت أنه من السلام في القرآن
(1) ، ومعناه على ما نقل ابن فارس من كلام أهل العلم : أن الله جل ثناؤه هو السلام لسلامته عما يلحق المخلوقين من العيب والنقص والفناء
(2) .
ولا يخفى أنه من أحد المعاني الأربعة الآنف ذكرها ، فاسم الله السلام من قسم السلام في القرآن ، وستعرف عند سرد الأحاديث أنه منصوص عليه فيها أيضاً ، وإذا اعتبرنا نقل ابن فارس كلام أهل العلم بصفة أنه لغوي وتقريره له فيكون من قسم السلام في اللغة أيضاً ، وكيف كان ، فالذي يصح إطلاقه عليه تعالى من معاني السلام وآثاره المئة المتقدم ذكرها ، ما دل منها على التقديس والتنزيه ، وبمعنى الأمان ، وغير ذلك من المعاني الجائز إطلاقها شرعاً وعقلاً عليه تعالى ، لا كل معنى للسلام في اللغة ، وقد صرح فيها أن من معاني السلام الصحة والعافية
(3) ، فلا يقال : ( يا سلام يا الله ) بمعناهما اللغوي المطلق ، لأنه لا يقال له تعالى : ( يا صحيح ) : لما لهذه الكلمة من دلالة عروض السقم والمرض وشأنية تلك الخاصة بالمخلوق ، وتعالى الله عن كل صفة تعرض للمخلوقين .
--------------------
(1) الحشر : 23 .
(2) معجم مقاييس اللغة 3 | 90 ـ 91 ـ سلم ـ .
(3) المصدر نفسه .
وسيأتي مزيد من التوضيح في ( السلام اسم من أسماء الله الحسنى ) .
السـلام في القرآن والحديـث
ـ 37 ـ
الفصل الأول : السلاَم إسم مِن أسمَاء اللهَ الحسنى
السـلام في القرآن والحديـث
ـ 39 ـ
السلام اسم من أسماء الله الحسنى
قال الله تعالى في كتابه العزيز : ( هُوَ اللَّهُ الَّذِي لا إِلَهَ إِلاَّ هُوَ الْمَلِكُ الْقُدُّوسُ السَّلامُ الْمُؤْمِنُ الْمُهَيْمِنُ ... ) (1) .
أقول : قد تقدم بيان حول اسم الله السلام (2) ، والسلام أحد الأسماء الحسنى ، البالغ عددها في بعض روايات أهل البيت عليهم السلام إلى تسعة وتسعين إسماً كما في رواية الشيخ الصدوق العلوية ، قال : قال رسول الله صلى الله عليه وآله : ( إن لله تبارك وتعالى تسعة وتسعين اسماً مائة إلا واحدة من أحصاها دخل الجنة وهي : الله ، الإله ، الواحد ، الأحد ، الصمد ، الأول ، الآخر ، السميع ، البصير ، القدير ، القاهر ، العلي ، الأعلى ، الباقي ، البديع ، البارئ ، الأكرم ، الظاهر ، الباطن ، الحي ، الحكيم )
--------------------
(1) الحشر : 23 .
قد جاء في خبر ابن عباس خروج أربعين رجلاً من اليهود من المدينة لمناظرة الرسول صلى الله عليه وآله وإبطال نبوته إلى أن قال في ردهم : ( وحُملت على جناح جبرائيل حتى انتهيت إلى السماء السابعة ، فجاوزت سدرة المنتهى عندها جنة المأوى ، حتى تعلقت بساق العرش ، فنوديت من ساق العرش : ( إني أنا الله لا إله إلا أنا ، السلام المؤمن المهيمن العزيز الجبار ... ) والخبر طويل نقله الطبرسي في الاحتجاج 1 | 55 ـ 58 .
وتأتي رواية الشيخ الكليني ، طاب ثراه ، في خاتمة الكتاب ، وفيها التصريح باسم الله السلام ، وهي من روايات المعراج ، ولعلها أصح ما جاء منها في المعراج ، فراجع الخاتمة .
(2) انظر بداية تمهيد الكتاب ، فإن هناك ما يجدر بالنظر إليه والبناء عليه .
السـلام في القرآن والحديـث
ـ 40 ـ
( العليم ، الحليم ، الحفيظ ، الحق ، الحسيب ، الحميد ، الحفي ، الرب ، الرحمن ، الرحيم ، الذارىء ، الرازق ، الرقيب ، الرؤوف ، الرائي ، السلام ، المؤمن ، المهيمن ، العزيز ، الجبار ، المتكبر ، السيد ، السبوح ، الشهيد ،الصادق ، الصانع ، الطاهر ، العدل ، العفو ، الغفور ، الغني ، الغياث ، الفاطر ، الفرد ، الفتاح ، الفالق ، القديم ، الملك ، القدوس ، القوي ، القريب ، القيوم ، القابض ، الباسط ، قاضي الحاجات ، المجيد ، المولى ، المنان ، المحيط ، المبين ، المقيت ، المصور ، الكريم ، الكبير ، الكافي ، كاشف الضر ، الوتر ، النور ، الوهاب ، الناصر ، الواسع ، الودود ، الهادىء ، الوفي ، الوكيل ، الوارث ، الباعث ، البَرّ ، التواب ، الجليل ، الجواد ، الخبير ، الخالق ، خير الناصرين ، الدّيّان ، الشكور ، العظيم ، اللطيف ، الشافي ) (1) .
وفي روايته الثانية : كذلك نفس العدد إلى أن قال عليه السلام : ( ... من دعا الله بها استجاب له ، ومن أحصاها دخل الجنة ) (2) .
ثم قال الصدوق بعدهما : معنى قول النبي صلى الله عليه وآله : ( إن لله تبارك وتعالى تسعة وتسعين اسماً من أحصاها دخل الجنة ) ، إحصاؤها هو الإحاطة بها والوقوف على معانيها ، وليس معنى الإحصاء عدها وبالله التوفيق (3) .
وهنا رواية ثالثة له يبلغ عدد الأسماء الحسنى فيها إلى ثلاثمائة وستين اسماً ، وهي من غرر الروايات ، لا بأس بتثليثها ، لاشتمال الثلاثة على اسم الله السلام (4) .
قال الشيخ الصدوق طاب ثراه : حدثنا علي بن أحمد بن محمد بن عمران الدقاق رحمه الله قال : حدثنا محمد بن يعقوب قال : حدثنا علي بن محمد ، عن صالح بن أبي حماد ، عن الحسين بن يزيد ، عن الحسن بن
--------------------
(1) التوحيد 194 ـ 195 . قال المعلق : المذكور في البحار ونسخ التوحيد ( مائة كاملة ) والظاهر أن ( الرائي ) زائد كما أتى في نسخة بدلاً عن ( الرؤوف ) أو أن لفظ الجلالة خارج عن العدد .
(2) التوحيد : 195 .
(3) المصدر نفسه :
(4) أي الرواية الأولى والثانية والثالثة تحتوي على اسم الله السلام المنعقد له الفصل الأول من الفصول العشرة فلا تغفل .
السـلام في القرآن والحديـث
ـ 41 ـ