والاشرطة إلى غيرها من وسائل التعليم الحديثة.
إنّ الشارع المقدس لا يخالف هذا التطور ولا يمنع من استخدام الاَجهزة والاَساليب الحديثة ، وإنّما أمر بالتعليم والتعلم ، وترك اتخاذ الاَساليب إلى الظروف
والمقتضيات.
ولو كان أصرّ على اتخاذ كيفية خاصة ، لفشل في هدفه المقدس ولفقد مبرّرات خلوده واستمراره ، لاَنّ الظروف ربما لا تناسب الاَداة الخاصة التي يقترحها والكيفية
الخاصة التي يحددها.
3 ـ ما إذا قام به إنسان باسم الدين وكان أمراً حديثاً ليس له مثيل في السابق ولم يكن له أصل كلي يعضده ويسوغه ويضفي عليه الشرعية.
فهذه هي البدعة المصطلحة المحرمة على الاِطلاق ، فمن حاول تغيير الاَذان والاِقامة بتنقيص أو زيادة أو زاد في الصلاة أو نقص منها ونسب كلّ ذلك إلى الشرع فهو
بدعة محرمة.
وبالجملة من أراد التدخل في الشريعة الاِسلامية في عباداتها ومعاملاتها وسياساتها بأن ينسب إليها ما ليس منها أو لم يعلم انّه منها فقد أبدع وافتَرى على اللّه الكذب.
الاحتفال بمواليد الاَنبياء والاَئمّة والصالحين
وممّا ذكرنا يعلم حكم الاحتفال بمواليد الاَنبياء والاَئمّة
بحوث قرآنية في التوحيد والشرك
_ 138 _
والصالحين الذين لهج الكتاب والسنة بمدحهم ، فانّ الاحتفال على النحو الرائج لم يرد في الشرع بخصوصه ولكن ورد الاَصل الكلي الذي يسوِّغ هذا الاحتفال ويضفي
عليه الشرعية .
فقد أمر الكتاب والسنة بحب النبي ( صلى الله عليه وآله وسلم ) ووده أوّلاً و تكريمه وتوقيره ثانياً ، وحثّ عليهما في الشريعة قال سبحانه : ( قُلْإِنْ كانَ آباوَُكُمْ وَأَبْناوَُكُمْ وَإِخْوانُكُمْ وَأَزْواجُكُمْ وَعَشيرَتُكُمْ وَأَموالٌ اقْتَرَفْتُمُوها وَتِجارَةٌ تَخْشَونَ كَسادَها وَمَساكِنُ تَرْضَوْنَها أَحَبَّ إِلَيْكُمْ مِنَ اللّهِ وَرَسُولِهِ وَجِهادٍ في سَبيلِهِ فَتَرَبَّصُوا حَتّى يَأْتِيَ اللّهُ بِأَمْرِهِ وَاللّهُ لا يَهْدِي الْقَومَ الْفاسِقينَ ) (1) .
1 ـ وقال رسول اللّه ( صلى الله عليه وآله وسلم ) : لا يوَمن أحدكم حتى أكون أحبَّ إليه من والده وولده والناس أجمعين (2) .
2 ـ قال رسول اللّه ( صلى الله عليه وآله وسلم ) : والذي نفسي بيده لا يوَمن أحدكم حتى أكون أحبَّ الناس إليه من والده وولده (3) .
3 ـ قال رسول اللّه (ص) : ثلاث من كنَّ فيه وجد حلاوة الاِيمان وطعمه : أن يكون اللّه ورسوله أحبَّ إليه ممّا سواهما وأن يحب في اللّه ، ويبغض في اللّه ، وأن توقد نار عظيمة فيقع فيها أحبّ إليه من أن يشرك باللّه شيئاً (4) .
--------------------
(1) التوبة | 24.
(2) جامع الاَُصول : 1|237 ـ 238 برقم 20 و 21 و 22.
(3) جامع الاَُصول : 1|237 ـ 238 برقم 20 و 21 و 22.
(4) جامع الاَُصول : 1|237 ـ 238 برقم 20 و 21 و 22.
بحوث قرآنية في التوحيد والشرك
_ 139 _
وعلى ضوء ذلك فاقامة الاحتفالات والمهرجانات في مواليدهم والقاء الخطب والقصائد في مدحهم وذكر منزلتهم في الكتاب والسنة تجسيد للحبِّ الذي أمر اللّه ورسوله
به ، شريطة أن لا تقترن تلك الاحتفالات بالحرام ، ومن دعا إلى الاحتفال بمولد النبيص في أيّ قرن من القرون فقد انطلق من هذا المبدأ أي حبّ النبي ( صلى الله
عليه وآله وسلم ) الذي أمر به القرآن والسنة .
هذا هو موَلف ( تاريخ الخميس ) يقول في هذا الصدد : لا يزال أهل الاِسلام يحتفلون بشهر مولده ويعملون الولائم ويتصدقون في لياليه بأنواع الصدقات ،
ويُظهرون السرور ويزيدون في المبرّات ويعتنون بقراءة مولده الشريف ويظهر عليهم من كراماته كلّفضل عظيم (1) .
وقال القسطلاني : ولا زال أهل الاِسلام يحتفلون بشهر مولده ص يعملون الولائم ، ويتصدقون في لياليه بأنواع الصدقات ، ويظهرون السرور ، ويزيدون المبرات ،
ويعتنون بقراءة مولده الكريم ، ويظهر عليهم من بركاته كلّ فضل عميم ... فرحم اللّه امرءٍ اتخذ ليالي شهر مولده المبارك أعياداً ليكون أشد علّة على من في قلبه
مرض وأعياه داء (2) .
--------------------
(1) تاريخ الخميس : 1|323 للديار بكري.
(2) المواهب اللدنية : 1|27.
بحوث قرآنية في التوحيد والشرك
_ 140 _
9 ـ البكاء على الميت
الحزن والتأثر عند فقدان الاَحبة أمر جُبلت عليه الفطرة الاِنسانية فإذا ابتلي بمصاب عزيز من أعزّائه أو فلذة من أفلاذ كبده وأرحامه يحس بحزن شديد يتعقبه ذرف
الدموع على وجناته ، دون أن يستطيع أن يتمالك حزنه أو بكاءه.
ولا أجد أحداً ينكر هذه الحقيقة إنكار جدٍ وموضوعية ومن الواضح بمكان انّ الاِسلام دين الفطرة يجاريها ولا يخالفها.
قال سبحانه : ( فَأَقِمْوَجْهَكَ لِلدِّينِ حَنيفاً فِطْرَتَ اللّهِ الّتي فَطَرَ النّاسَ عَلَيْها ) (1) .
ولا يمكن لتشريع عالمىٍّ أن يحرم الحزن والبكاء على فقد الاَحبة ويحرم عليه البكاء إذا لم يقترن بشيء يغضب الرب.
ومن حسن الحظ نرى انّ النبي ( صلى الله عليه وآله وسلم ) والصحابة الكرام والتابعين لهم بإحسان ساروا على وفق الفطرة.
وهذا رسول اللّه ( صلى الله عليه وآله وسلم ) يبكي على ولده إبراهيم ، ويقول : ( العين تدمع ، والقلب يحزن ، ولا نقول إلاّ ما يرضي ربنا ، وإنّا بك يا إبراهيم لمحزونون ) (2) .
--------------------
(1) الروم | 30.
(2) سنن أبي داود : 1|58 ، سنن ابن ماجة : 1|482.
بحوث قرآنية في التوحيد والشرك
_ 141 _