قال : هذا من القدر لا من القدرة ، ثم أضاف صاحب الكشاف: يصح أن يفسر بالقدرة على معنى (أن لن نعمل فيه قدرتنا) ، وأن يكون من باب التمثيل، بمعنى فكانت حاله ممثلة بحال من ظنّ أن لن نقدر عليه في مراغمته قومه من غير انتظار لاَمر الله ، ويجوز أن يسبق ذلك إلى وهمه بوسوسة الشيطان ثم يردعه ويردّه بالبرهان ، كما يفعل الموَمن المحقق بنزعات الشيطان وما يوسوس إليه في كل وقت (1).
ولا يخفى أنّ ما نقله عن ابن عباس هو المعتمد، بشهادة استعماله في القرآن بمعنى الضيق ، وهو المناسب لمفاد الآية، وأمّا الوجهان الآخران فلا يصح الركون إليهما، خصوصاً الوجه الاَخير، لاَنّ الاَنبياء أجل شأناً من أن تحوم حول قلوبهم الهواجس الشيطانية حتى يعودوا إلى معالجتها بالبرهان ، فليس له سلطان على المخلصين من عباده ، وقد اعترف بذلك الشيطان وقال كما يحكيه سبحانه: ( إِلاَّ عِبَادَكَ مِنْهُمُ الْمُخْلَصِينَ )(2)
وأمّا السوَال الثالث: فقد مرّ أنّ الظلم في اللغة بمعنى وضع الشيء في غير موضعه، ولا شك أنّ مفارقته قومه وتركهم في الظرف القلق العصيب كان أمراً لا يترقب صدوره منه ، وإن لم يكن عصياناً لاَمر مولاه ، فالعطف والحنان المترقب من الاَنبياء غير ما يترقب من غيرهم، فلأجل ذلك كان فعله واقعاً غير موقعه.
ومن المحتمل أن يكون الفعل الصادر منه في غير موقعه هو طلبه العذاب لقومه وترك المصابرة، ويوَيده قوله سبحانه: ( فَاصْبِرْ لِحُكْمِ رَبِّكَ وَلاَ تَكُنْ كَصَاحِبِ الْحُوتِ إِذْ نَادَى وَهُوَ مَكْظُومٌ )(3)، فالظاهر أنّ متعلّق النداء في الآية
عصمة الاَنبياء (ع) في القرآن الكريم
_ 202 _
طلب نزول العذاب على قومه بقرينة قوله : ( وهو مكظوم )، أي كان مملوءاً غيضاً أو غماً ، والمعنى : يا أيّها النبي لا تكن مثل صاحب الحوت، ولا يوجد منك مثل ما وجد منه من الضجر والمغاضبة ، فتُبتلي ببلائه ، فاصبر لقضاء ربك ، فإنّه يستدرجهم ويملي لهم ولا تستعجل لهم العذاب لكفرهم .
ويستفاد من بعض الروايات أنّ سبب لومه وردعه كان أمراً ثالثاً ، وهو أنّه لمّا وقف على نجاة أُمّته غضب وترك المنطقة ، (1) والوجهان : الاَوّل والثاني هما الصحيحان.
وممّا ذكرنا يعلم مفاد قوله سبحانه : ( إذ أبق إلى الفلك المشحون )، فشبّه حاله بالعبد الآبق، وذلك لما مرّ من أنّ خروجه في هذه الحال كان ممثلاً لاِباق العبد من خدمة مولاه ، فأخذه الله بذلك .
وعلى كل تقدير فالآيات تدل على صدور عمل منه كان الاَليق بحال الاَنبياء تركه ، وهو يدور بين أُمور ثلاثة : أمّا ترك قومه من دون إذن ، أو طلب العذاب وكان الاَولى له الصبر، أو غضبه على نجاة قومه .
إلى هنا تم توضيح الآيات َلمهمة التي وقعت ظواهرها ذريعة لاَُناس يستهترون بالقيم والفضائل ويستهينون بأكبر الواجبات تجاه الشخصيات الاِلهية ، وبقي الكلام في عصمة النبي الاَكرم (صلى الله عليه وآله وسلم) ونفيض القول فيها في البحث الآتى .
--------------------
(1) بحار الاَنوار: 14|38 .
عصمة الاَنبياء (ع) في القرآن الكريم
_ 203_
الطائفة الثالثة :
عصمة النبي الاَكرم ( صلى الله عليه وآله وسلم )
وما تمسّكت به المخطّئة
عصمة النبي الخاتم من العصيان والخطأ ، من فروع عصمة الاَنبياء كلّهم، فما دلّت على عصمتهم من الآيات، تدلّ على عصمته أيضاً بلا إشكال ، ولا نحتاج بعد ذلك إلى إفراد البحث عنه في هذا المجال، فقد أفاض الله عليه ذلك الكمال كما أفاض على سائر الاَنبياء من غير استثناء، فهو معصوم في المراحل الثلاث التالية:
1 ـ مرحلة تلقّي الوحي وحفظه وأدائه إلى الاَُمّة.
2 ـ مرحلة القول والفعل ، وعلى ذلك ، فهو من عباده المكرمين الذين لا يعصون الله ما أمرهم وهم بأمره يعملون .
3 ـ مرحلة تطبيق الشريعة وغيرها من الاَُمور المربوطة بحياته ، فهو (صلى الله عليه وآله وسلم) لا يسهو ولا يخطأ في حياته الفردية والاجتماعية.
وما دلّ على عصمة تلك الطائفة في هذه المراحل الثلاث دلّ على عصمته فيها أيضاً.
عصمة الاَنبياء (ع) في القرآن الكريم
_ 204 _
نعم هناك آيات بالخصوص دالّة على عصمته من العصيان ومصونيته من الخطأ، كما أنّ هناك آيات وردت في حقه وقعت ذريعة لمنكري العصمة، ولاَجل ذلك أفردنا بحثاً خاصاً في هذا المقام لنوفيه حقه .
أمّا ما يدل على عصمته من العصيان والخلاف، فيكفي في ذلك قوله سبحانه: ( وإِنْ كَادُوا لَيَفْتِنُونَكَ عَنِ الَّذِي أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ لِتَفْتَرِىَ عَلَيْنَا غَيْرَهُ وَإِذاً لاتَّخَذُوكَ خَلِيلاً * وَلَوْلا أَن ثَبَّتْنَاكَ لَقَدْ كِدتَ تَرْكَنُ إِلَيْهِمْ شَيْئاً قَلِيلاً * إِذاً لاَذَقْنَاكَ ضِعْفَ الْحَيَاةِ وَضِعْفَ الْمَمَاتِ ثُمَّ لا تَجِدُ لَكَ عَلَيْنَا نَصِيراً )(1) أنّ المشركين قالوا له : كف عن شتم آلهتنا، وتسفيه أحلامنا، واطرد هوَلاء العبيد والسقاط الذين رائحتهم رائحة الصنان (2) حتى نجالسك ونسمع منك ، فطمع في إسلامهم ، فنزلت الآية (3) ولتوضيح مفاد الآيات نبحث عن أُمور :
1 ـ أنّ الآيات كما سنرى تشير إلى عصمته ، ومع ذلك استدلت المخطّئة بها على خلافها ، وهذا من عجائب الاَُمور ، إذ لا غرو في أنّ تتمسك كل فرقة بقسم من الآيات على ما تتبنّاه ، وإنّما العجب أن تقع آية واحدة مطرحاً لكلتا الفرقتين، فيفسرها كلّ حسب ما يتوخّاه ، مع أنّ الآية لا تتحمل إلاّ معنى واحداً لا معنيين متخالفين .
2 ـ انّ الضمير في كلا الفعلين ( كادوا ليفتنونك ) يرجع إلى المشركين،
--------------------
(1) الاِسراء: 73 ـ 75.
(2) الصنان: نتن الاِبط.
(3) مجمع البيان: 3|431.
عصمة الاَنبياء (ع) في القرآن الكريم
_ 205 _
ويدل عليه سياق الآيات، والمراد من ( الذي أوحينا إليك ) هو القرآن بما يشتمل عليه من التوحيد ونفي الشريك، والسيرة الصالحة، والمراد من الفتنة في ( ليفتنونك ) هو الاِزلال والصرف ، كما أنّ الخليل من الخُلَّة بمعنى الصداقة لا من الخَلّة بمعنى الحاجة.
3 ـ انّ قوله : (وإن كادوا ليفتنونك عن الذي أوحينا إليك) يخبر عن دنو المشركين من إزلاله وصرفه عمّا أُوحي إليه ، لا عن دنو النبي وقربه من الزلل والانصراف عمّـا أُوحي إليه، وبين المعنيين فرق واضح.
4 ـ انّ قـوله سـبحانه : ( ولـولا أن ثبتناك لقد كدت تركن إليهم شيئاً قليلاً) مركب من جملتين ، إحداهما شرطية ، والا َُخرى جزائية ، أمّا الاَُولى فقوله : (ولولا أن ثبتناك ) ، وأمّا الا َُخرى فقوله : (لقد كدت تركن إليهم ) ، وبما أنّ لولا في الآية امتناعية (1) تدل على امتناع الجزاء لوجود التثبيت ، مثل قولنا : لولا على لهلك عمر ، فامتنع هلاكه لوجوده .
5 ـ وليس الجزاء هو الركون بمعنى الميل، بل الجزاء هو القرب من الميل والانصراف كما يدل عليه قوله : (لقد كدت تركن )، فامتنع القرب من الميل فضلاً عن نفس الميل لاَجل وجود تثبيته.
6 ـ انّ تثبيته سبحانه لنبيّه لم يكن أمراً مختصاً بالواقعة الخاصّة، بل كان أمراً عامّاً لجميع الوقائع المشابهة لتلك الواقعة ، لاَنّ السبب الذي أوجب إفاضة التثبيت عليه فيها ، يوجب إفاضته عليه في جميع الوقائع المشابهة ، ولا معنى
--------------------
(1) يقول ابن مالك :
لولا ولوما يلزمان الابتداإذا امتناعاً بوجود عقدا
والشرط في الآية موَوّل إلى الاسم أي لولا تثبيتنا ، لقد كدت تركن إليهم.
عصمة الاَنبياء (ع) في القرآن الكريم
_ 206_
لخصوصية المعلول والمسبب مع عمومية العلة، وعلى ذلك تكون الآية من دلائل عصمته في حياته ، وسداده فيها على وجه العموم.
وتوهم اختصاصها بالواقعة التي تآمر المشركون فيها لاِزلاله من كلمات رماة القول على عواهنه.
7 ـ انّ التثبيت في مجال التطبيق فرع التثبيت في مجال التفكير، إذ لا يستقيم عمل إنسان مالم يتم تفكيره ، وعلى ذلك يفاض على النبي السداد مبتدئاً من ناحية التفكّر منتهياً إلى ناحية العمل ، فهو في ظل هذا السداد المفاض ، لا يفكّر بالعصيان والخلاف فضلاً عن الوقوع فيه .
8 ـ انّ تسديده سبحانه ، لا يخرجه عن كونه فاعلاً مختاراً في عامة المجالات: الطاعة والمعصية ، فهو بعد قادر على النقض والاِبرام والانقياد والخلاف ، ولاَجل ذلك يخاطبه في الآيات السابقة بقوله : ( إذاً لاَذقناك ضعف الحياة وضعف الممات ثم لا تجد لك علينا نصيراً ).
وعلى ضوء ما ذكرنا فالآية شاهدة على عصمته ، ودالة على عنايته سبحانه برسوله الاَكرم فيراقبه ويراعيه ولا يتركه بحاله ، ولا يكله إلى نفسه، كل ذلك مع التحفّظ على حريته واختياره في كل موقف .
فقوله سبحانه : ( ولولا أن ثبتناك لقد كدت تركن إليهم ) نظير قوله : ( وَلَوْلا فَضْلُ اللهِ عَلَيْكَ وَرَحْمَتُهُ لَهَمَّت طَائِفَةٌ مِنْهُمْ أَنْ يُضِلُّوكَ )(1) لكن الاَوّل راجع إلى صيانته عن العصيان ، والثاني ناظر إلى سداده عن السهو والخطاء في الحياة ، وسيوافيك توضيح الآية الثانية في البحث الآتى.
--------------------
(1) النساء: 113 .
عصمة الاَنبياء (ع) في القرآن الكريم
_ 207 _
وفي الختام نذكر ما أفاده الرازي في المقام: قال : احتج الطاعنون في عصمة الاَنبياء بهذه الآية بوجوه :
الاَوّل: انّـها دلّت على أنّه ( صلى الله عليه وآله وسلم ) قرب من أن يفتري على الله ، والفرية على الله من أعظم الذنوب.
الثاني: انّها تدل على أنّه لولا أنّ الله تعالى ثبته وعصمه لقرب أن يركن إلى دينهم.
الثالث: أنّه لولا سبق جرم وجناية لم يحتج إلى ذكر هذا الوعيد الشديد.
والجواب عن الاَوّل: أنّ (كاد) معناها المقاربة ، فكان معنى الآية قرب وقوعه في الفتنة ، وهذا لا يدل على الوقوع.
وعن الثاني: أنّ كلمة لولا تفيد انتفاء الشيء، لثبوت غيره ، نقول : (لولا على لهلك عمر) ومعناه أنّ وجود على (عليه السلام) منع من حصول الهلاك لعمر ، فكذلك هاهنا فقوله : (ولولا أن ثبتناك) معناه لولا حصل تثبيت الله لك يا محمد ، فكان تثبيت الله مانعاً من حصول ذلك الركون.
وعن الثالث: انّ التهديد على المعصية لا يدل على الاِقدام عليها ، والدليل عليه آيات منها قوله تعالى : ( ولو تقوّل علينا بعض الاَقاويل * لاَخذنا منه باليمين ) الآيات، وقوله تعالى : ( لئن أشركت ) وقوله : ( ولا تطع الكافرين ). (1)
أدلة المخطّئة
لقد اطّلعت في صدر البحث على عصمة النبي الاَعظم (صلى الله عليه وآله وسلم) على أنّ هناك
--------------------
(1) مفاتيح الغيب: 5|420 .
عصمة الاَنبياء (ع) في القرآن الكريم
_ 208 _
آيات وردت في حق النبي ( صلى الله عليه وآله وسلم ) قد صارت ذريعة لبعض المخطّئة الذين يحاولون إنكار العصمة ، وهي عدة آيات:
الاَُولى: العصمة والخطابات الحادة
هناك آيات تخاطب النبي بلحن حاد وتنهاه عن اتّباع أهواء المشركين ، والشرك بالله ، والجدال عن الخائنين ، وغير ذلك ، ممّا يوهم وجود أرضية في نفس النبي ( صلى الله عليه وآله وسلم ) لصدور هذه المعاصي الكبيرة عنه ، وإليك هذه الآيات مع تحليلها :
1 ـ ( وَلَئِنِ اتَّبَعْتَ أهْوَاءَهُمْ بَعْدَ الَّذِي جاءَكَ مِنَ الْعِلْمِ مَالَكَ مِنَ اللهِ مِنْ وَلـىٍّ وَلا نَصِيرٍ )(1)
وقد جاءت الآية في نفس هذه السورة بتفاوت في الذيل ، فقال بدل قوله : ( مَالَكَ مِنَ اللهِ مِنْ وَلِىٍّ ولا نَصِير )، ( إِنَّكَ إِذاً لمِنَ الظَّالِمِينَ )(2) ، كما جاءت أيضاً في سورة الرعد، غير أنّه جاء بدل قوله : ( و لا نصير ولا واق ).
وعلى أي حال فقد تمسّكت المخطّئة بالقضية الشرطية على أرضية متوقعة في نفس النبي لاتّباع أهوائهم وإلاّ فلا وجه للوعيد .
ولكن الاستدلال على درجة من الوهن، إذ لا تدل القضية الشرطية إلاّ على الملازمة بين الشرط والجزاء ، لا على تحقّق الطرفين ، ولا على إمكان تحقّقهما ، وهذا من الوضوح بمكان ، قال سبحانه :( لَوْ كَانَ فِيهِمَا آلِهَةٌ إِلاَّ اللهُ لَفَسَدَتَا )(3) وليس فيها أىّ دلالة على تحقّق المقدّم أو التالي ، وبما ذكرنا يتضح حال الآيتين
التاليتين:
2 ـ انّه سبحانه يخاطب النبي ( صلى الله عليه وآله وسلم ) بقضايا شرطية كثيرة قال سبحانه : ( وَلَئِنْ شِئْنَا لَنَذْهَبَنَّ بِالَّذِي أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ ثُمَّ لا تَجِدُ لَكَ بِهِ عَلَيْنَا وَكِيلاً * إِلاَّ رَحْمَةً مِن رَبِّكَ إِنَّ فَضْلَهُ كَانَ عَلَيْكَ كَبِيراً )(1)
ومن المعلوم المقطوع به أنّه سبحانه لا يستلب منه ما أوحى إليه.
3. قال سبحانه : ( وَلَقَدْ أُوحِىَ إِلَيْكَ وَإِلَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكَ لَئِنْ أَشْرَكْتَ لَيَحْبَطَنَّ عَمَلُكَ وَلَتَكُونَنَّ مِنَ الْخاسِرينَ )(2)، وقال أيضاً: ( وَلَوْ تَقَوَّلَ عَلَيْنَا بَعْضَ الاَقَاوِيلِ * لاَخَذْنَا مِنْهُ بِالْيَمِينِ * ثُمَّ لَقَطَعْنَا مِنْهُ الْوَتينَ * فَمَا مِنْكُمْ مِن أَحَدٍ عَنْهُ حَاجِزينَ )(3) فهذه الآيات ونظائرها التي تحكى عن القضية الشرطية لا تدلّ على ما يرتئيه الخصم بوجه من الوجوه، أي وجود أرضية متوقعة لصدور هذه القضايا ، وذلك لوجهين:
ألف: أنّ هذه الآيات تخاطب النبي ( صلى الله عليه وآله وسلم ) بما أنّه بشر ذو غرائز جامحة بصاحبها ، ففي هذا المجال يصح أن يخاطب النبي بأنّه لو فعل كذا لقوبل بكذا، وهذا لا يكون دليلاً على إمكان وقوع العصيان منه بعدما تشرّف بالنبوّة وجُهّز بالعصمة وعُزّز بالرعاية الربانية، فالآيات التي تخاطب النبي ( صلى الله عليه وآله وسلم ) بما هو بشر لا تعم ذلك المجال.
ب ـ أنّ هذه الآيات تركز على الجانب التربوي ، والهدف تعريف الناس بوظائفهم وتكاليفهم أمام الله سبحانه ، فإذا كان النبي ( صلى الله عليه وآله وسلم ) نبى العظمة ـ محكوماً
--------------------
(1) الاِسراء: 86 ـ 87.
(2) الزمر: 65.
(3) الحاقة: 44 ـ 47.
عصمة الاَنبياء (ع) في القرآن الكريم
_ 210 _
بهذه الاَحكام ومخاطباً بها ، فغيره أَولى أن يكون محكوماً بها .
وعلى ذلك فتكون الآيات واردة ذمجرى : (إياك أعني واسمعي يا جارة) ، فهوَلاء الذين يتخذون تلك الآيات وسيلة لاِنكار العصمة، غير مطّلعين على "ألف باء" القرآن، وبذلك يظهر مفاد كثير من الآيات النازلة في هذا المجال، يقول سبحانه عندما يأمره بالصلاة إلى المسجد الحرام:
4 ـ ( الْحَقُّ مِنْ رَبِّكَ فَلا تَكُونَنَّ مِنَ الْمُمْتَرِينَ )(1)، ويريد بذلك تعليم الناس أن لا يقيموا وزناً لاِرجاف المرجفين في العدول بالصلاة من بيت المقدس إلى المسجد الحرام، كما يحكي سبحانه وتعالى عنهم بقوله : ( سَيَقُولُ الْسُّفَهَاءُ مِنَ النَّاسِ مَا ولاَّهُمْ عَنْ قِبْلَتِهِمُ الَّتِي كَانُوا عَلَيْهَا )(2)
5 ـ انّه سبحانه يبطل إلوهية المسيح ( عليه السلام ) بحجّة أنّه وليد مريم (عليها السلام) بأنّ تولده بلا أب يشبه تكوّن آدم من غير أب ولا أُم، قال سبحانه: ( إنَّ مَثَلَ عِيْسَى عِنْدَ اللهِ كَمَثَلِ آدَم خَلَقَهُ مِنْ تُرابٍ ثُمَّ قَالَ لَهُ كُنْ فَيَكُون )، فعند ذلك يخاطب النبي ( صلى الله عليه وآله وسلم ) بقوله: ( الْحَقُّ مِنْ رَبِّكَ فَلا تَكُنْ مِنَ الْمُمْتَرِينَ )(3).
ولا شك أنّ الخطاب جرى مجرى ما ذكرنا : (إياك أعني واسمعي يا جارة) ، فإنّ النبي الاَعظم بعدما اتصل بعالم الغيب وشاهد ورأي الملائكة وسمع كلامهم ، هل يمكن أن يتسرّب إليه الشك حتى يصح أن يخاطب بقوله : ( فلا تكن من الممترين ) على الجد والحقيقة ؟
6 ـ انّه سبحانه يخاطب النبي الاَكرم ( صلى الله عليه وآله وسلم ) عندما جلس على كرسى القضاء
--------------------
(1) البقرة: 147.
(2) البقرة: 142.
(3) آل عمران: 59 ـ 60.
عصمة الاَنبياء (ع) في القرآن الكريم
_ 211 _
بقوله: ( وَلاَ تُجَادِلْ عَنِ الَّذِينَ يَخْتَانُونَ أَنْفُسَهُمْ إِنَّ اللهَ لا يُحِبُّ مَنْ كَانَ خَوَّاناً أَثِيماً )(1) .
فالآية تكلّف النبي أن لا يدافع عن الخائن، ومن الواضح أنّ النبي ( صلى الله عليه وآله وسلم ) لم يكن في زمن حياته مدافعاً عن الخائن، وانّما هو خطاب عام أُريد منه تربية المجتمع وتوجيهه إلى هذه الوظيفة الخطيرة، وبما أنّ أكثر الناس لا يتحمّلون الخطاب الحاد ، بل يكون مرّاً في أذواق أكثرهم، اقتضت الحكمة أن يكون المخاطب، غير من قصد له الخطاب.
7 ـ وعلى ذلك يحمل قوله سبحانه: ( إِنَّا أَنْزَلْنَا إِلَيْكَ الْكِتَابَ بِالْحَقِّ لِتَحْكُمَ بَيْنَ النَّاسِ بِمَا أَرَاكَ اللهُ وَلا تَكُن لِلْخائِنِينَ خَصِيماً )(2)
وأخيراً نقول: إنّ سورة الاِسراء تحتوي على دساتير رفيعة المستوى، ترجع إلى وظائف الاَُمّة: الفردية والاجتماعية ، وهو سبحانه يبتدىَ الدساتير بقوله: ( لا تَجْعَلْ مَعَ اللهِ إِلهاً آخَرَ فَتَقْعُدَ مَذْمُوماً مَخْذُولا )(3)، وفي الوقت نفسه يختمها بنفس تلك الآية باختلاف يسير فيقول : ( ولا تَجْعَلْ مَعَ اللهِ إِلهاً آخَرَ فَتُلْقَى فِي جَهَنَّمَ مَلُوماً مَدْحُوراً ) ، (4) فهذه الخطابات وأشباهها وإن كانت موجهة إلى النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) لكن قصد بها عامة الناس لنكتة سبق ذكرها ، وإلاّ فالنبي الاَعظم ( صلى الله عليه وآله وسلم ) أعظم من أن يشرك بالله تعالى بعد تشرّفه بالنبوّة ، كيف ، وهو الذي كافح الوثنية منذ نعومة أظفاره إلى أن بعث نبيّاً لهدم الشرك وعبادة غير الله تبارك وتعالى.
وقس على ذلك كلّما يمرُّ عليك من الآيات التي تخاطب النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) بلحن شديد ، فتفسير الجميع بالوجهين اللّذين قدمنا ذكرهما .
الآية الثانية: العصمة والعفو والاعتراض
كان النبي الاَعظم ( صلى الله عليه وآله وسلم ) بصدد خلق مجتمع مجاهد يقف في وجه الروم الشرقية ، فأذن بالجهاد إلى ثغرها ( تبوك )، فلبّت دعوته زرافات من الناس بلغت ثلاثين ألف مقاتل ، إلاّ أنّ المنافقين أبوا الاشتراك في صفوف المجاهدين، فتعلّقوا بأعذار واستأذنوا في الاِقامة في المدينة، وأذن لهم النبي الاَكرم، وفي هذا الشأن نزلت الآية التالية: ( عَفَا اللهُ عَنْكَ لِمَ أَذِنْتَ لَهُمْ حَتَّى يَتَبَيَّنَ لَكَ الَّذِينَ صَدَقُوا وَتَعْلَمَ الْكَاذِبِينَ )(1)
والآية تصرّح بعفوه سبحانه عنه كما يقول: ( عَفَا اللهُ عَنْكَ )، كما تتضمن نوع اعتراض على النبي حيث أذن لهم في عدم الاشتراك، كما يقول سبحانه : ( لِمَ أَذِنْتَ لَهُمْ )، وعندئذ يفرض هذا السوَال نفسه :
ألف: كيف يجتمع العفو مع العصمة ؟
ب : ما معنى الاعتراض على إذن النبي ؟
أقول: أمّا الجملة الاَُولى: فتوضيحها بوجهين :
الاَوّل: أنّها إنّما تدل على صدور الذنب ـ على فرض التسليم ـ إذا كانت جملة خبرية حاكية عن شمول عفوه سبحانه للنبي في الزمان الماضى، وأمّا إذا
--------------------
(1) التوبة: 43 .
عصمة الاَنبياء (ع) في القرآن الكريم
_ 213-_
كانت خبرية ولكن أُريد منها الاِنشاء وطلب العفو ، كما في قوله : ( أيّدك الله) ( غفر الله لك ) ، فالدلالة ساقطة ، إذ طلب العفو والمغفرة للمخاطب نوع دعاء وتقدير وتكريم له .
الثاني: ليس على أديم الاَرض إنسان يستغنى عن عفوه ومغفرته سبحانه حتى الاَولياء والاَنبياء ، لاَنّ الناس بين كونهم خاطئين في الحياة الدنيا، وكونهم معصومين ، ووظيفة الكل هي الاستغفار.
أمّا الطائفة الاَُولى فواضحة ، وأمّا الثانية فلوقوفهم على عظمة الرب وكبر المسوَولية، وانّ هنا أُموراً كان الاَليق تركها ، أو الاِتيان بها ، وإن لم يأمر بها الرب أمر فرض ، أو لم ينه عنها نهي تحذير ، والمترّقب منهم غير المترقب من غيرهم .
ولاَجل ذلك كان الاَنبياء يستغفرون كل يوم وليلة قائلين : (ما عرفناك حق معرفتك وما عبدناك حق عبادتك).
وحاصل الوجهين: أنّ طلب العفو نوع تكريم واحترام للمخاطب بصورة الدعاء، وليس إخباراً عن واقعية محقّقة حتى يستلزم صدور ذنب من المخاطب، هذا من جانب ، ومن جانب آخر أنّ كل إنسان مهما كان في الدرجة العالية من التقوى، يرى في أعماله حسب عرفانه واستشعاره عظمة الرب وكبر المسوَولية، أنّ ما هو الاَليق خلاف ما وقع منه ، فتوحي إليه نفسه الزكية، طلب العفو والمغفرة لاِزالة آثار هذا التقصير في الآجل والعاجل .
وأمّا الجملة الثانية:
فلا شك أنّها تتضمن نوع اعتراض على النبي ( صلى الله عليه وآله وسلم ) لكن لا على صدور ذنب أو خلاف منه ، بل لاَنّ إذنه كان مفوتاً لمصلحة له ، وهو معرفة الصادق في
عصمة الاَنبياء (ع) في القرآن الكريم
_ 214_
إيمانه من الكاذب في ادّعائه، كما يعرب عنه قوله: ( حتى يتبيّن لك الذين صدقوا وتعلم الكاذبين ).
توضيحه : أنّ المنافقين كانوا مصمّمين على عدم الخروج مع الموَمنين إلى غزو الروم، وكان لهم تخطيط في غياب النبي ( صلى الله عليه وآله وسلم ) أبطله النبي ( صلى الله عليه وآله وسلم ) بتخليفه علياً مكانه ، قال سبحانه : ( وَلَوْ أَرَادُوا الْخُرُوجَ لاَعَدُّوا لَهُ عُدَّةً وَلَكِن كَرِهَ اللهُ انبِعَاثَهُمْ فَثَبَّطَهُمْ وَقِيلَ اقْعُدُوا مَعَ الْقَاعِدِينَ )(1)، والآية تدلُّ على أنّهم كانوا عازمين على الاِقامة في المدينة، وكان الاستئذان نوع تغطية لقبح عملهم حتى يتظاهروا بأنّ عدم ظعنهم مع الموَمنين كان بإذن من النبي ( صلى الله عليه وآله وسلم ) .
ومن جانب آخر أنّهم لو خرجوا مع المسلمين ما زادوهم إلاّ فتنة وخبالاً وإضعافاً لعزائم الموَمنين، وفيهم سمّـاعون لهم يتأثرون بدعاياتهم وإغوائهم كما يقول سبحانه : ( لَوْ خَرَجُوا فِيكُمْ ما زَادُوكُمْ إِلاَّ خَبَالاً وَ لاَوْضَعُوا خِلالَكُمْ يَبْغُونَكُمُ الْفِتْنَةَ وَفِيكُمْ سَمَّاعُونَ لَهُمْ وَ اللهُ عَلِيمٌ بِالظَّالِمِينَ )(2)
وبما أنّهم كانوا عازمين على القعود أوّلاً، وعلى الاِضرار والفتنة في جبهات الحرب ثانياً ، لذلك لم يكن في الاِذن أيّة تبعة سوى فوت تميّز الخبيث من الطيب، ومعرفة المنافق من الموَمن، إذ لو لم يأذن لهم لظهر فسقهم وتمردهم على كلام النبي ( صلى الله عليه وآله وسلم )، ومثل هذا لا يعد عمل خلاف حتى يكون الاعتراض عليه دليلاً على صدور الذنب.
ولو كانت المخطّئة عارفة بأساليب البلاغة وفنون الكلام لعرفت أنّ
اسلوب الكلام في الآية، اسلوب عطف وحنان ، وأشبه باعتراض الولى الحميم ، على الصديق الوفي، إذا عامل عدوه الغاشم بمرونة ولين ، فيقول بلسان الاعتراض: لماذا أذنت له ، ولم تقابله بخشونة حتى تعرف عدوك من صديقك ، ومن وفي لك ممّن خانك ، على أنّه وإن فات النبي معرفة المنافق عن هذا الطريق لكنه لم يفته معرفته من طريق آخر ، صرح به القرآن في غير هذا المورد، فإنّ النبي الاَكرم كان يعرف المنافق من الموَمن بطريقين آخرين:
1 ـ كيفية الكلام، ويعبّـر عنه القرآن بلحن القول، وذلك أنّ الخائن مهما أصر على كتمان خيانته ، تظهر بوادرها في ثنايا كلامه، قال أمير الموَمنين (عليه السلام ) : (ما أضمر أحد شيئاً إلاّ ظهر في فلتات لسانه وصفحات وجهه) ، (1)وفي ذلك يقول سبحانه: ( وَلَوْ نَشَاءُ لاَرَيْنَاكَهُمْ فَلَعَرَفْتَهُمْ بِسِيمَاهُمْ وَلَتَعْرِفَنَّهُمْ فِي لَحْنِ الْقَوْلِ وَ اللهُ يَعْلَمُ أَعْمَالَكُمْ )(2)
2 ـ التعرّف عليهم بتعليم منه سبحانه قال: ( مَا كَانَ اللهُ لِيَذَرَ الْمُوَْمِنِينَ عَلَى مَا أَنْتُمْ عَلَيْهِ حَتَّى يَمِيزَ الْخَبِيثَ مِنَ الطَّيِّبِ وَمَا كَانَ اللهُ لِيُطْلِعَكُمْ عَلَى الْغَيْبِ وَلَكِنَّ اللهَ يَجْتَبِي مِنْ رُسُلِهِ مَن يَشاءُ )(3)، والدقة في الآية تفيد بأنّ الله سبحانه يجتبي من رسله من يشاء ويطلعه على الغيب ، ويعرف من هذا الطريق الخبيث ويميّزه عن الطيب.
وعلى ذلك فلم يفت على النبي الاَكرم شىء وإن فاتته معرفة المنافق من هذا الطريق ، ولكنّه وقف عليها من الطريق الآخر أو الطريقين الآخرين.
--------------------
(1) نهج البلاغة: قسم الحكم، الرقم 26.
(2) محمد: 30.
(3) آل عمران: 179.
عصمة الاَنبياء (ع) في القرآن الكريم
_ 216_
الآية الثالثة: العصمة والاَمر بطلب المغفرة
إنّه سبحانه يأمر نبيّه الاَعظم، بطلب الغفران منه ويقول مخاطباً رسوله: ( إِنَّا أَنْزَلْنَا إِلَيْكَ الْكِتَابَ بِالْحَقِّ لِتَحْكُمَ بَيْنَ الْنَّاسِ بِمَا أَرَاكَ اللهُ وَلاَ تَكُنْ لِلْخَائِنِينَ خَصِيماً * وَ اسْتَغْفِرِ اللهَ إِنَّ اللهَ كَانَ غَفُوراً رَحِيماً)، (1) ويقول سبحانه: ( فَاعْلَمْ أَنَّهُ لا إِلَهَ إِلاَّ اللهُ وَ اسْتَغْفِرْ لِذَنبِكَ وَلِلْمُوَْمِنِينَ وَ الْمُوَْمِنَاتِ وَ اللهُ يَعْلَمُ مُتَقَلَّبَكُمْ وَمَثْوَاكُمْ )(2). وعندئذ يخطر في ذهن الاِنسان:
كيف تجتمع العصمة مع الاَمر بطلب الغفران ؟ أقول: التعرّف على ما مرّ في الآيتين ونظائرهما ، رهن الوقوف على الاَصل المسلَّم بين العقلاء، وهو أنّ عظمة الشخصية وخطر المسوَولية متحالفان ، وربَّ عمل يُعد صدوره من شخص جرماً وخلافاً ، وفي الوقت نفسه لا يعد صدوره من إنسان آخر كذلك.
توضيح ذلك: انّ الاَحكام الشرعية تنقسم إلى واجب وحرام ومستحب ومكروه ومباح، ولا محيص عن الاِتيان بالواجب وترك الحرام، نعم هناك رخصة في ترك المستحب والاِتيان بالمكروه ولكن المترقب من العارف بمصالح الاَحكام ومفاسدها ، تحلية الواجبات بالمستحبات ، وترك المحرمات مع ترك المكروهات ولا يقصر عنه المباح، فهو وإن أباحه الله سبحانه ولكن ربّما يترجح فعله على تركه أو العكس لعنوان ثانوي .
فالعارف بعظمة الرب يتحمّل من المسوَولية ما لا يتحمله غيره ، فيكون المترقّب منه غير ما يترقّب من الآخر، ولو صدر منه ما لا يليق ، وتساهل في هذا
--------------------
(1) النساء: 105 ـ 106.
(2) محمد: 19.
عصمة الاَنبياء (ع) في القرآن الكريم
_ 217 _
الطريق، يتأكد منه الاستغفار وطلب المغفرة، لا لصدور الذنب منه، بل من باب قياس عمله إلى علو معرفته وعظمة مسوَوليته .
وإن شئت فاستوضح ذلك من ملاحظة حال المتحضر والبدوي ، فالمرجوّ من الاَوّل القيام بالآداب والرسوم الرائجة في الحضارات الاِنسانية، ولكن المرجوّ من الثاني أبسط الرسوم والآداب، فما ذلك إلاّ لاختلافهما من ناحية التربية والمعرفة ، كما أنّ الترقب من نفس المتحضرين مختلف جداً ، فالمأمول من المثقف أشد وأكثر من غيره كما أنّ الانضباط المرجو من الجندي يغاير المترقب من غيره، والغفلة القصيرة من العاشق يعد جرماً وخلافاً في منطق العشق، وليست كذلك إذا صدرت من غيره.
وهذه الاَمثلة ونظائرها الوافرة تثبت الاَصل الذي أوعزنا إليه في صدر البحث من أنّ عظمة الشخصية وكبر المسوَولية متحالفان وأنّ الوظائف لا تنحصر في الاِتيان بالواجبات ، والتحرّز عن المحظورات بل هناك وظائف أُخرى، وكلّما زاد العلم والعرفان توفرت الوظائف وتكثرت المسوَوليات، ولاَجل ذلك تُعدّ بعض الغفلات أو اقتراف المكروهات من الاَولياء ذنباً ، وهو في الواقع ليس بالنسبة إليهم ذنباً مطلقاً ، بل ذنباً إذا قيس إلى ما أُعطوا من الاِ يمان والمعرفة ولو قاموا بطلب المغفرة والعفو ، فإنّما هو لاَجل هذه الجهات.
نرى أنّ شيخ الاَنبياء نوحاً (عليه السلام) يقول : ( رَّبِّ اغْفِرْ لِي وَلِوَالِدَىَّ وَلِمَنْ دَخَلَ بَيْتِىَ مُوَْمِناً )(1).
ويقتفيه إبراهيم ( عليه السلام ) ويقول: ( رَبَّنَا اغْفِرْ لِي وَلِوَالِدَىَّ وَلِلْمُوَْمِنينَ يَوْمَ يَقُومُ
--------------------
(1) نوح: 28 .
عصمة الاَنبياء (ع) في القرآن الكريم
_ 218 _
الْحِسَابُ )(1).
ويقول النبي الاَعظم: ( سَمِعْنَا وَأَطَعْنَا غُفْرانَكَ رَبَّنَا وَإِلَيْكَ الْمَصِيرُ )(2)
والمنشأ الوحيد لهذا الطلب مرّة بعد أُخرى هو وقوفهم على أنّ ما قاموا به من الاَعمال والطاعات وإن كانت في حد نفسها بالغة حدّ الكمال لكن المطلوب والمترقّب منهم أكمل وأفضل منه .
وعلى ذلك يحمل ما رواه مسلم في صحيحه ، عن المزنى، عن النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) قال : (ليُغان على قلبي وإنّي لاَستغفر الله في اليوم مائة مرّة)، (3) وقد ذكر المحدّثون حول الحديث نكات عرفانية من أراد التعرّف عليها ، فليرجع إلى كتاب (شفاء القاضي).
يقول العلاّمة المحقّق علي بن عيسى الاِرْبِلي: الاَنبياء والاَئمّة : تكون أوقاتهم مشغولة بالله تعالى ، وقلوبهم مملوءة به ، وخواطرهم متعلّقة بالمبدأ ، وهم أبداً في المراقبة ، كما قال ( عليه السلام ) : (اعبد الله كأنّك تراه ، فإن لم تره ، فإنّه يراك) فهم أبداً متوجهون إليه ومقبلون بكلّهم عليه ، فمتى انحطوا عن تلك المرتبة العالية ، والمنزلة الرفيعة إلى الاشتغال بالاَكل والشرب والتفرّغ إلى النكاح وغيره من المباحات، عدّوه ذنباً واعتقدوه خطيئة واستغفروا منه .
وإلى هذا أشار ( صلى الله عليه وآله وسلم ): (انّه ليُران على قلبي وإنّي لاَستغفر الله بالنهار سبعين مرّة) ولفظة سبعين ترجع إلى الاستغفار لا إلى الرين ، وقوله : حسنات الاَبرار
--------------------
(1) إبراهيم: 41 .
(2) البقرة: 285 .
(3) صحيح مسلم: 8|72 ، باب استحباب الاستغفار والاستكثار منه ، وقوله: (ليغان) من الغين بمعنى الستر والحجاب والمزن .
عصمة الاَنبياء (ع) في القرآن الكريم
_ 219 _
سيئات الاَقربين ... فقد بان بهذا أنّه كان بعد اشتغاله في وقت ما ، بما هو ضرورة للاَبدان معصية يستغفر الله منها ، وعلى هذا فقس البواقي وكلّما يرد عليها من أمثالها ... ثم قال : إنّ هذا معنى شريف يكشف بمدلوله حجاب الشبهة ويهدي به الله من حسر عن بصره وبصيرته رين العمى والعمه ، (1) وما ذكره من الجواب فإنّما يتمشّى مع الآيات التي تمسك بها المخالف ، وأمّا الاَدعية التي اعترف فيها الاَئمّة بالذنب من قوله في الدعاء الذي علمه لكميل بن زياد : (اللّهم اغفر لي الذنوب التي تحبس الدعاء، اللّهم اغفر لى الذنوب التي تنزل النقم) فهذا من باب التعليم للناس .
وأمّا ما كانوا يناجون ربّهم في ظلمات الليل وفي سجداتهم ، فيحمل على ما حققه العلاّمة الاِرْبِلي وأوضحنا حاله.
الآية الرابعة: العصمة وغفران الذنب
إذا كان النبي الاَعظم ( صلى الله عليه وآله وسلم ) معصوماً من العصيان ومصوناً من الذنب، فكيف أخبر سبحانه عن غفران ذنبه: ما تقدم منه وما تأخر ؟ قال سبحانه : ( إِنَّا فَتَحْنَا لَكَ فَتْحَاً مُبِيناً لِيَغْفِرَ لَكَ اللهُ مَا تَقَدَّمَ مِنْ ذَنبِكَ وَمَا تَأَخَّرَ وَيُتِمَّ نِعْمَتَهُ عَلَيْكَ وَيَهْدِيَكَ صِرَاطاً مُسْتَقِيماً * وَيَنْصُرَكَ اللهُ نَصْراً عَزِيزاً )(2)
الجواب: انّ الآية تعد أكبر مستمسك لمخطّئة عصمة الاَنبياء مع أنّ إمعان النظر في فقرات الآيات خصوصاً في جعل غفران الذنب غاية للفتح المبين، يوضح المقصود من الذنب وأنّ المراد منه الاتهامات والنسب التي كانت الاَعداء
--------------------
(1) كشف الغمة: 3|43 ـ 45.
(2) الفتح: 1 ـ 3.
عصمة الاَنبياء (ع) في القرآن الكريم
_ 220 _
تصفه بها ، وانّ ذلك الفتح المبين دلّ على افتعالها وعدم صحتها من أساسها وطهر صحيفة حياته عن تلك النسب، وإليك توضيح ذلك ببيان أُمور :
1 ـ ما هو المراد من الفتح في الآية ؟
لقد ذكر المفسرون هنا وجوهاً ، فتردّدوا بين كون المقصود فتح مكة ، أو فتح خيبر ، أو فتح الحديبية.
لكن سياق آيات السورة لا يساعد الاحتمالين الاَوّلين، لاَنّها ناظرة إلى قصة الحديبية والصلح المنعقد فيها في العام السادس من الهجرة، والفتح الذي يخبر عن تحقّقه ووقوعه ، يجب أن يكون متحقّقاً في ذاك الوقت ، وأين هو من فتح مكة الذي لم يتحقّق إلاّ بعد عامين من ذلك الصلح حيث إنّ النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) فتحها في العام الثامن من هجرته ؟!
ولاَجل ذلك حاول من قال : إنّ المراد منه فتح مكة ، أن يفسره : بأنَّ إخباره عن الفتح ، بمعنى قضائه وتقديره ذلك الفتح ، والمعنى قضى ربُّكَ وقدَّر ذاك الفتح المبين ، فالقضاء كان متحقّقاً في ظرف النزول وإنْ لم يكن نفس الفتح متحقّقاً.
ولكنّه تكلّف غير محتاج إليه ، وقصة الحديبية وإن كانت صلحاً في الظاهر على ترك الحرب والهدنة إلى مدّة معينة لكن ذلك الصلح فتح أبواب الظفر للنبي (صلى الله عليه وآله وسلم) في الجزيرة العربية ، وفسح للنبي أن يتوجّه إلى شمالها ويفتح قلاع خيبر ، ويسيطر على مكامن الشر والموَامرة ، ويبعث الدعاة والسفراء إلى أرجاء العالم، ويسمع دعوته أُذن الدنيا ، كل ذلك الذي شرحناه في أبحاثنا التاريخية كان ببركة تلك الهدنة ، وإن كان بعض أصحابه يحقّرها ويندّد بها في أوائل الاَمر .
عصمة الاَنبياء (ع) في القرآن الكريم
_ 221_
لكن مرور الزمان، كشف النقاب عن عظمتها وثمارها الحلوة، فصح أن يصفها القرآن: ( الفتح المبين ).
وعلى كل حال : فسياق الآيات يَدل بوضوح على أنّ المراد من الفتح هو وقعة الحديبية قال سبحانه: ( إِنَّ الَّذِينَ يُبَايِعُونَكَ إِنَّمَا يُبَايِعُونَ اللهَ يَدُ اللهِ فَوْقَ أَيْدِيهِمْ فَمَنْ نَكَثَ فَإِنَّمَا يَنْكُثُ عَلَى نَفْسِهِ وَمَنْ أَوْفَى بِمَا عَاهَدَ عَلَيْهُ اللهَ فَسَيُوَْتيِهِ أَجْرَاً عَظِيماً ). (1)
وأيضاً يقول: ( لَقَدْ رَضِىَ اللهُ عَنِ الْمُوَْمِنِينَ إِذْ يُبَايِعُونَكَ تَحْتَ الْشَّجَرَةِ فَعَلِمَ مَا فِي قُلُوبِهِمْ فَأَنزَلَ السَّكِينَةَ عَلَيْهِمْ وَأثَابَهُمْ فَتْحَاً قَرِيباً ) ، (2) وقال أيضاً: ( وَهُوَ الَّذِي كَفَّ أَيْدِيَهُمْ عَنْكُمْ وَأَيْدِيَكُمْ عَنْهُمْ بِبَطْنِ مَكَّةَ مِنْ بَعْدِ أَنْ أَظْفَرَكُمْ عَلَيْهِمْ وَكَانَ اللهُ بِمَا تَعْمَلُونَ بَصِيراً ) ،(3) ولا شك أنّ المراد من البيعة هو بيعة الرضوان التي بايع الموَمنون فيها النبي الاَكرم ( صلى الله عليه وآله وسلم ) تحت الشجرة وأعرب سبحانه عن رضاه عنهم.
روى الواحدي عن أنس: انّ ثمانين رجلاً من أهل مكة هبطوا على رسول الله ( صلى الله عليه وآله وسلم ) من جبل التنعيم متسلحين يريدون غرّة النبي ( صلى الله عليه وآله وسلم ) وأصحابه ، فأخذهم أُسراء فاستحياهم ، فأنزل الله : ( وَهُوَ الَّذِي كَفَّ أَيْدِيَهُمْ عَنْكُمْ وَأَيْدِيَكُمْ عَنْهُمْ بِبَطْنِ مَكَّةَ مِنْ بَعْدِ أَنْ أَظْفَرَكُمْ عَلَيْهِمْ )(4).
أضف إلى ذلك أنّه سبحانه يخبر في نفس السورة عن فتح قريب ، وهذا
يعرب عن أنّ الفتح المبين غير الفتح القريب ، قال سبحانه : ( لَقَدْ صَدَقَ اللهُ رَسُولَهُ الرُّوَْيَا بِالْحَقِّ لَتَدْخُلُنَّ الْمَسْجِدَ الْحَرَامَ إِنْ شَاءَ اللهُ آمِنِينَ مُحَلِّقِينَ رُءُوسَكُمْ وَمُقَصِّرِينَ لا تُخَافُونَ فَعَلِمَ مَا لَمْ تَعْلَمُوا فَجَعَلَ مِنْ دُونِ ذَلِكَ فَتْحَاً قَرِيباً )(1)خ ؟ ، وهذا الفتح القريب إمّا فتح خيبر ، أو فتح مكة ، والظاهر هو الثاني، وأمّا روَيا النبي فقد تحقّقت في العام القابل، عام عمرة القضاء، فدخل النبي ( صلى الله عليه وآله وسلم ) والموَمنون مكة المكرمة آمنين محلّقين روَوسهم ومقصّـرين، وأقاموا بها ثلاثة أيام، ثم خرجوا متوجهين إلى المدينة، وذلك في العام السابع من الهجرة، وفي العام الثامن توفق النبي لفتح مكة وتحقّق قوله سبحانه : ( فجعل من دون ذلك فتحاً قريباً ).
هذا كلّه حسب سياق الآيات، وأمّا الروايات فهي مختلفة بين تفسيرها بالحديبية ، وتفسيرها بفتح مكة ، والقضاء فيها موكول إلى وقت آخر ، ولا يوَثر هذا الاختلاف فيما نحن بصدده في هذا المقام.
2 ـ ما هو المراد من الذنب ؟
قال ابن فارس في المقاييس: ذنب له أُصول ثلاثة : أحدها الجرم، والآخر: موَخّر الشيء، والثالث : كالحظ والنصيب ، (2) وقال ابن منظور : الذنب: الاِثم والجرم والمعصية ، والجمع ذنوب ، وذنوبات جمع الجمع ، وقد أذنب الرجل، وقوله عزّ وجلّ في مناجاة موسى على نبينا وعليه الصلاة والسلام : ( وَلَهُمْ عَلَىَّ ذَنْبٌ )(3)، عنى بالذنب قتل الرجل
الذي وكزه موسى فقضى عليه، وكان الرجل من آل فرعون ، (1) وقد وردت تلك اللفظة في الذكر الحكيم سبع مرّات وأُريد بها في الجميع الجرم قال سبحانه: ( غَافِرَ الذَّنبِ وَقَابِلِ التَّوْبِ ) (2)، وقال عزّ وجلّ: ( وَإِذَا الْمَوْءُدَةُ سُئِلَتْ * بِأَىِّ ذَنْبٍ قُتِلَتْ ) ، (3) وعلى ذلك فكون الذنب بمعنى الجرم مما لا ريب فيه ، غير أنّ الذي يجب التنبيه عليه ، هو أنّ اللفظ لا يدل على أزيد من كون صاحبه عاصياً وطاغياً وناقضاً للقانون ، وأمّا الذي عصي وطغي عليه ونقض قانونه فهو يختلف حسب اختلاف البيئات والظروف ، وليست خصوصية العصيان لله سبحانه مأخوذة في صميم اللفظ بحيث لو أُطلق ذلك اللفظ يتبادر منه كونه سبحانه هو المعصي أمره، وإنّما تستفاد الخصوصية من القرائن الخارجية، وهذا هو الاَساس لتحليل الآية وفهم المقصود منها .
3 ـ الغفران في اللغة
الغفران في اللغة، هو : الستر ، قال ابن فارس في المقاييس: عظم بابه الستر ، ثم يشذُّ عنه ما يُذكر ، فالغَفر : السَّتر، والغفران والغَفْر بمعنًى يقال : غفر الله ذنبه غَفراً ومغفرةً وغفراناً ،(4)وقال في اللسان بمثله (5).
4 ـ الفتح لغاية مغفرة الذنب
الآية تدل على أنّ الغاية المتوخاة من الفتح هي مغفرة ذنب النبي ( صلى الله عليه وآله وسلم )، ما تقدّم منه وما تأخّر ، غير أنّ في ترتب تلك الغاية على ذيها غموضاً في بادىَ النظر ، والاِنسان يستفسر في نفسه كيف صار تمكينه سبحانه نبيّه من فتح القلاع والبلدان ، أو المهادنة والمصالحة في أرض الحديبية مع قريش ، سبباً لمغفرة ذنوبه ، مع أنّه يجب أن تكون بين الجملة الشرطية والجزائية رابطة عقلية أو عادية ، بحيث تعدّ إحداهما علّة لتحقّق الاَُخرى أو ملازمة لها ، وهذه الرابطة خفية في المقام جداً ، فإنّ تمكين النبي من الاَعداء والسيطرة عليهم يكون سبباً لانتشار كلمة الحق ورفض الباطل واستطاعته التبليغ في المنطقة المفتوحة ، فلو قال : إنّا فتحنا لك فتحاً مبيناً ، لتتمكن من الاِصحار بالحق ، ونشر التوحيد ، ودحض الباطل، كان الترتب أمراً طبيعياً ، وكانت الرابطة محفوظة بين الجملتين.
وأمّا جعل مغفرة ذنوبه جزاء لفتحه صقعاً من الاَصقاع، فالرابطة غير واضحة .
وهذه هي النقطة الحساسة في فهم مفاد الآية، وبالتالى دحض زعم المخطّئة في جعلها ذريعة لعقيدتهم ، ولو تبيّنت صلة الجملتين لاتّضح عدم دلالتها على ما تتبنّاه تلك الطائفة.
فنقول : كانت الوثنية هي الدين السائد في الجزيرة العربية، وكانت العرب تقدّس أوثانها وتعبد أصنامها ، وتطلب منهم الحوائج، وتتقرب بعبادتها إلى الله سبحانه هذا من جانب ، ومن جانب آخر: جاء النبي الاَكرم ( صلى الله عليه وآله وسلم ) داعياً إلى التوحيد في مجالى الخلق والاَمر ، وإلى حصر التقديس والعبادة في الله ، وأنّه لا
عصمة الاَنبياء (ع) في القرآن الكريم
_ 225_
معبود سواه ولا شفيع إلاّ بإذنه ، فأخذ بتحطيم الوثنية ورفض عبادة الاَصنام، وأنّها أجسام بلا أرواح لا يملكون شيئاً من الشفاعة والمغفرة ، ولا يقدرون على الدفاع عن أنفسهم فضلاً عن عبدتهم ، فصارت دعوته ثقيلة على قريش وأذنابهم ، حتى ثارت ثائرتهم على النبي الاَكرم ، فقابلوا براهين النبي بالبذاءة والشغب والسب والنسب المفتعلة، فوصفوه بأنّه كاهن وساحر ، ومفتر وكذّاب ، وقد أعربوا عن نواياهم السيئة عندما رفعوا الشكوى إلى سيّد الاَباطح وقالوا : إنّ ابن أخيك قد سبَّ آلهتنا وعاب ديننا وسفّه أحلامَنا وضلل آباءَنا، فإمّا أن تكفّه عنا وإمّا أن تخلّـي بيننا وبينه ، (1) ولمّا وقف النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) على كلام قومه عن طريق عمّه أظهر صموده وثباته في طريق رسالته بقوله : (يا عم والله لو وضعوا الشمس في يمينى والقمر في يساري على أن أترك هذا الاَمر حتى يظهره الله أو أهلك فيه ، ما تركته) قال : ثم استعبر فبكى ، ثم قام ، فلمّا ولى ناداه أبو طالب فقال : اقبل يابن أخي، قال : فأقبل عليه رسول الله ( صلى الله عليه وآله وسلم )، فقال : اذهب يابن أخي فقل ما أحببت فوالله ما أُسلّمك لشيء أبداً ، (2)
فلمّـا وقفت قريش على صمود الرسول شرعوا بالموَامرة والتخطيط عليه حتى قصدوا اغتياله في عقر داره ، فنجّاه الله من أيديهم .
ولمّا استقرَّ النبي ( صلى الله عليه وآله وسلم ) في يثرب واعتز بنصرة الاَنصار ومن حولها من القبائل جرت بينه وبين قومه حروب طاحنة أدّت إلى قتل صناديد قريش وإراقة دمائهم على وجه الاَرض في (بدر) و (أحد) ووقعة (الاَحزاب) .
--------------------
(1) تاريخ الطبري: 2|65 .
(2) السيرة النبوية لابن هشام: 1|285 من الطبعة الحديثة .