الآية الثانية
( وَما أَرْسَلْنا مِنْ قَبْلِكَ مِنْ رَسُولٍ وَلا نَبِىٍّ إِلاَّ إِذا تَمَنّى أَلْقَى الشَّيْطانُ في أُمْنِيَّتِهِ فَيَنسَخُ اللهُ ما يُلْقِي الشَّيْطانُ ثُمَّ يُحْكِمُ اللهُ آياتِهِ وَاللهُ عَلِيمٌ حَكِيمٌ )،
(1) ( لِيَجْعَلَ ما يُلْقِي الشَّيْطانُ فِتْنَةً لِلَّذِينَ في قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ وَالقاسِيَةِ قُلُوبُهُمْ وَإِنَّ الظّالِمينَ لَفي شِقاقٍ بَعِيدٍ ) ،
(2) ( وَلِيَعْلَمَ الَّذِينَ أُوتُوا العِلْمَ أَنَّهُ الحَقُّ مِنْ رَبّكَ فَيُوَْمِنُوا بِهِ فَتُخْبِتَ لَهُ قُلُوبُهُمْ وَإِنَّ اللهَ لَهادِ الَّذينَ آمَنُوا إِلى صِراطٍ مُسْتَقيمٍ )،
(3) وهذه الآية أو الآيات من أوثق الاَدلة في نظر القائل بعدم عصمة الاَنبياء، وقد استغلها المستشرقون في مجال التشكيك في الوحى النازل على النبي على وجه سيوافيك بيانه .
وكأنّ المستدل بهذه الآية يفسر إلقاء الشيطان في أُمنية الرسول أو النبي بالتدخل في الوحى النازل عليه فيغيره إلى غير ما نزل به .
ثم إنّه سبحانه يمحو ما يلقي الشيطان ويصحّح ما أُنزل على رسوله من الآيات، فلو كان هذا مفاد الآية ، فهو دليل على عدم عصمة الاَنبياء في مجال التحفّظ على الوحي أو إبلاغه الذي اتفقت كلمة المتكلمين على المصونية في هذا المجال .
وربما يوَيد هذا التفسير بما رواه الطبري وغيره في سبب نزول هذه الآية، وسيوافيك نصه وما فيه من الاِشكال .
فالاَولى تناول الآية بالبحث والتفسير حتى يتبيّن انّها تهدف إلى غير ما
--------------------
(1) الحج: 52 .
(2) الحج: 53 .
(3) الحج: 54 .
عصمة الاَنبياء (ع) في القرآن الكريم
_ 78 _
فسّره المستدل فنقول : يجب توضيح نقاط في الآيات.
الاَُولى: ما معنى أُمنية الرسول أو النبي ؟ وإلى مَ يهدف قوله سبحانه: ( إذا تمنّى ) ؟
الثانية: ما معنى مداخلة الشيطان في أُمنية النبي الذي يفيده قول الله سبحانه : ( ألقى الشيطان في أُمنيّته )؟
الثالثة: ما معنى نسخ الله سبحانه ما يلقيه الشيطان ؟ .
الرابعة: ماذا يريد سبحانه من قوله : ( ثم يحكم الله آياته )وهل المراد منه الآيات القرآنية ؟
الخامسة: كيف يكون ما يلقيه الشيطان فتنة لمرضى القلوب وقاسيتها ؟ وكيف يكون سبباً لاِيمان الموَمنين، وإخبات قلوبهم له ؟
وبتفسير هذه النقاط الخمس يرتفع الاِبهام الذي نسجته الاَوهام حول الآية ومفادها فنقول :
1 ـ ما معنى أُمنية الرسول أو النبي ؟
أمّا الاَُمنية قال ابن فارس : فهي من المنى، بمعنى تقدير شىء ونفاذ القضاء به ، منه قولهم : مني له الماني أي قدر المقدر قال الهذلي:
لا تأمنن وان أمسيــت في حرم * حتى تلاقى ما يمنى لك المانى
والمنا : القدر، وماء الاِنسان: منيّ ، أي يُقدّر منه خلقته ، والمنيّة : الموت، لاَنّها مقدّرة على كل أحد، وتمنّى الاِنسان: أمل يقدّره ، ومنى مكة : قال قوم : سمّي به لما قُدّر أن يُذبح فيه ، من قولك مناه الله (1).
--------------------
(1) المقاييس: 5|276.
عصمة الاَنبياء (ع) في القرآن الكريم
_ 79_