فهذه الحوادث الدامية عند قريش ، المرّة في أذواقهم بما أنّها جرّت إلى ذهاب كيانهم ، وحدوث التفرقة في صفوفهم ، والفتك بصناديدهم على يد النبي الاَكرم، صوّرته في مخيلتهم وخزانة أذهانهم صورة إنسان مجرم مذنب قام في وجه سادات قومه ، فسب آلهتهم وعاب طريقتهم بالكهانة والسحر والكذب والافتراء ، ولم يكتف بذلك حتى شن عليهم الغارة والعدوان فصارت أرض يثرب وما حولها ، مجازر لقريش ، ومذابح لاَسيادهم ، فأىّ جرم أعظم من هذا ، وأي ذنب أكبر منه عند هوَلاء الجهلة الغفلة، الذين لا يعرفون الخيّـر من الشرير ، والصديق من العدو ، والمنجي من المهلك ؟
  فإذن ما هو الاَمر الذي يمكن أن يبرئه من هذه الذنوب ويرسم له صورة ملكوتية فيها ملامح الصدق والصفاء ، وعلائم العطف والحنان حتى تقف قريش على خطئها وجهلها .
  إنّ الاَمر الذي يمكن أن ينزّه ساحته من هذه الاَوهام والاَباطيل ، ليست إلاّ الواقعة التي تجلّت فيها عواطفه الكريمة، ونواياه الصالحة ، حيث تصالح مع قومه ـ الذين قصدوا الفتك به وقتله في داره ، وأخرجوه من موطنه ومهاده ـ بعطف ومرونة خاصة ، حتى أثارت تعجب الحضّار من أصحابه ومخالفيه ، حيث تصالح معهم على أنّه (من أتى محمداً من قريش بغير إذن وليّه ردَّه عليهم ، ومن جاء قريشاً ممّن مع محمد لم يردّوه عليه ، وأنّه من أحب أن يدخل في عقد محمد وعهده دخل فيه ، ومن أحب أن يدخل في عقد قريش وعهدهم دخل فيه). (1)
  وهذا العطف الذي أبداه النبي ( صلى الله عليه وآله وسلم) في هذه الواقعة مع كونه من القدرة بمكان ، وقريش في حالة الانحلال والضعف ، صوّر من النبي (صلى الله عليه وآله وسلم ) عند قومه

--------------------
(1) السيرة النبوية لابن هشام: 2|317 ـ 318 ، ط2 ، 1375 هـ .

عصمة الاَنبياء (ع) في القرآن الكريم _ 227 _
  وأتباعه صورة إنسان مصلح يحب قومَه ويطلب صلاحهم ولا تروقه الحرب والدمار والجدال فوقفوا على حقيقة الحال، وعضّوا الاَنامل على ما افتعلوا عليه من النسب وندموا على ما فعلوا ، فصاروا يميلون إلى الاِسلام زرافات ووحداناً ، فأسلم خالد بن الوليد، وعمرو بن العاص ، والتحقا بالنبي قبل أن يسيطر النبي(صلى الله عليه وآله وسلم) على مكة وحواليها.
  إنّ هذه الواقعة التي لمس الكفار منها خلقه العظيم، رفع الستار الحديدي الذي وضعه بعض أعدائه الاَلدّاء بينه وبين قومه ، فعرفوا أنّ ما يرمى به نبىّ العظمة ويوصف به بين أعدائه، كانت دعايات كاذبة وكان هو منزّهاً عنها ، بل عن الاَقل منها .
  ولا تقصر عن هذه الواقعة، فتح مكة ، فقد واجه قومه مرّة أُخرى ـ وهم في هزيمة نكراء ، ملتفون حوله في المسجد الحرام ـ فخاطبهم بقوله : (ماذا تقولون وماذا تظنون ؟!) فأجابوا : نقول خيراً ونظن خيراً ، أخ كريم وابن أخ كريم ، وقدرت ، فقال رسول الله ( صلى الله عليه وآله وسلم ): (لا تثريب عليكم اليوم يغفر الله لكم وهو أرحم الراحمين) . (1)
  وهذا الفتح العظيم وقبله وقعة الحديبية أثبتا بوضوح أن النبي الاَعظم(صلى الله عليه وآله وسلم) أكرم وأجل وأعظم من أن يكون كاهناً أو ساحراً ، إذ الكاهن والساحر أدون من أن يقوم بهذه الاَُمور الجليلة، كما أنّ لطفه العميم وخلقه العظيم آية واضحة على أنّه رجل مثالي صدوق ، لا يفتري ولا يكذب ، وإنّ ما جرى بينه وبين قومه من الحروب الدامية، كانت نتيجة شقاقهم وجدالهم وموَامراتهم عليه ، مرّة بعد أُخرى في موطنه ومهجره ، فجعلوه في قفص الاتهام

--------------------
؟ (1) المغازي للواقدي: 2|835 ، وبحار الاَنوار: 21|107 ـ 132.

عصمة الاَنبياء (ع) في القرآن الكريم _ 228_
  أوّلاً، وواجهوا أنصاره وأعوانه بألوان التعذيب ثانياً ، فقتل من قتل وأُوذي من أُوذي، وضربوا عليه وعلى الموَمنين به ، حصاراً اقتصادياً فمنعوهم من ضروريات الحياة ثالثاً ، وعمدوا إلى قتله في عقر داره رابعاً ، ولولا جرائمهم الفظيعة لما اخضرت الاَرض بدمائهم ولا لقي منهم بشيء يكرهه ، فأصبحت هذه الذنوب التي كانت تدّعيها قريش على النبي بعد وقعة الحديبية، أو فتح مكة ، أُسطورة خيالية قضت عليها سيرته في كل من الواقعتين من غير فرق بين ما ألصقوا به قبل الهجرة أو بعدها ، وعند ذلك يتضح مفاد الآيات كما يتضح ارتباط الجملتين: الجزائية والشرطية ، ولولا هذا الفتح كان النبي محبوساً في قفص الاتهام، وقد كسرته هذه الواقعة، وعرّفته نزيهاً عن كل هذه التهم .
  وعلى ذلك فالمقصود من الذنب ما كانت قريش تصفه به ، كما أنّ المراد من المغفرة، إذهاب آثار تلك النسب في المجتمع.
  وإلى ما ذكرنا يشير مولانا الاِمام الرضا (عليه السلام) عندما سأله المأمون عن مفاد الآية فقال : (لم يكن أحد عند مشركي أهل مكة أعظم ذنباً من رسول الله ( صلى الله عليه وآله وسلم )، لاَنّهم كانوا يعبدون من دون الله ثلاثمائة وستين صنماً ، فلمّـا جاءهم بالدعوة إلى كلمة الاِخلاص كبر ذلك عليهم وعظم ، وقالوا: ( أَجَعَلَ الآلِهَةَ إِلَهاً وَاحِداً إِنَّ هَذَا لَشَىْءٌ عُجَابٌ * وَ انْطَلَقَ الْمَلاَ مِنْهُمْ أَنِ امْشُوا وَ اصْبِرُوا عَلَى آلِهَتِكُمْ إِنَّ هَذَا لَشَيءٌ يُرَادُ * مَا سَمِعْنَا بِهَذَا فِي الْمَلَّةِ الآخِرَةِ إِنْ هَذَا إِلاَّ اخْتِلاقٌ ) (1)، فلمّـا فتح اللهُ عزّ وجلّ على نبيه محمد ( صلى الله عليه وآله وسلم ) مكة ، قال له : يا محمد : ( إنّا فتحنا لك ( مكة ) فتحاً مبيناً ليغفر لك الله ما تقدم من ذنبك وما تأخر ) عند مشركي أهل مكة بدعائك إلى توحيد الله عزّ وجلّ فيما تقدّم ، وما تأخّر ، لاَنّ مشركي

--------------------
(1) ص: 5 ـ 7.

عصمة الاَنبياء (ع) في القرآن الكريم _ 229 _
  مكة ، أسلم بعضهم وخرج بعضهم عن مكة ، ومن بقي منهم لم يقدر على إنكار التوحيد عليه إذا دعا الناس إليه، فصار ذنبه عندهم في ذلك مغفوراً بظهوره عليهم.
  فقال المأمون: لله درّك يا أبا الحسن، (1) وقد أشرنا في صدر البحث إلى اختلاف الروايات في المراد من الفتح الوارد في الآية وقلنا بأنّ هذا الاختلاف لا يوَثر فيما نرتئيه ، فلاحظ.

الآية الخامسة: العصمة والتولّـي عن الاَعمى
  استدلّ المخالف لعصمة النبي الاَعظم بالعتاب الوارد في الآيات التالية: ( عَبَسَ وَتَوَلَّى * أَنْ جَاءَهُ الاَعْمَى * وَمَا يُدْرِيكَ لَعَلَّهُ يَزَّكَّى * أَوْ يَذَّكَّرُ فَتَنْفَعَهُ الذِّكْرى * أَمّا مَنِ اسْتَغْنَى * فأَنْتَ لَهُ تَصَدَّى * وَمَا عَلَيْكَ أَلاَّ يَزَّكَّى * وَأَمَّا مَن جَاءَكَ يَسْعَى * وَهُوَ يَخْشَى * فَأَنْتَ عَنْهُ تَلَهَّى ) (2)
  روى المفسرون أنّ عبد الله بن أُمّ مكتوم الاَعمى أتى رسول الله وهو يناجي عتبة بن ربيعة ، وأبا جهل بن هشام ، والعباس بن عبد المطلب، وأُبيّاً وأُمية ابني خلف، يدعوهم إلى الله ويرجو إسلامهم ، فقال عبد الله : اقرئني وعلّمني ممّا علّمك الله ، فجعل ينادي ويكرّر النداء ولا يدري أنّه مشتغل مقبل على غيره حتى ظهرت الكراهة في وجه رسول الله لقطعه كلامه ، وقال في نفسه : يقول هوَلاء الصناديد إنّما أتباعه العميان والسفلة والعبيد ، فعبس ( صلى الله عليه وآله وسلم ) وأعرض عنه ، وأقبل على القوم الذين يكلّمهم ، فنزلت الآيات، وكان رسول الله بعد ذلك يكرمه ، وإذا رآه يقول : مرحباً بمن عاتبني فيه ربّي ، (3)ويقول : هل لك من

--------------------
(1) بحار الاَنوار : 17|90 .
(2) عبس: 1 ـ 10.
(3) أسباب النزول للواحدي: 252.

عصمة الاَنبياء (ع) في القرآن الكريم _ 230 _
  حاجة ، واستخلفه على المدينة مرتين في غزوتين ، (1) وهناك وجه آخر لسبب النزول روي عن أئمّة أهل البيت : وحاصله أنّ الآية نزلت في رجل من بنى أُميّة كان عند النبي ( صلى الله عليه وآله وسلم ) فجاء ابن أُمّ مكتوم ، فلمّـا رآه تقذّر منه ، وجمع نفسه وعبس وأعرض بوجهه عنه ، فحكى الله سبحانه ذلك وأنكره عليه ، (2) والاعتماد على الرواية الاَُولى مشكل ، لاَنّ ظاهر الآيات عتاب لمن يقدم الاَغنياء والمترفين ، على الضعفاء والمساكين من الموَمنين، ويرجح أهل الدنيا ويضع أهل الآخرة، وهذا لا ينطبق على النبي الاَعظم من جهات:
  الاَُولى: انّه سبحانه حسب هذه الرواية وصفه بأنّه يتصدى للاَغنياء ويتلهّى عن الفقراء، وليس هذا ينطبق على أخلاق النبي الواسعة وتحنّنه على قومه وتعطّفه عليهم، كيف ؟ وقد قال سبحانه : ( لَقَدْ جَاءَكُمْ رَسُولٌ مِنْ أَنْفُسِكُمْ عَزِيزٌ عَلَيْهِ مَا عَنِتُّمْ حَرِيصٌ عَلَيْكُمْ بِالْمُوَْمِنينَ رَءُوفٌ رَحِيمٌ ) (3)
  الثانية: انّه سبحانه وصف نبيّه في سورة القلم، وهي ثانية السور التي نزلت في مكة ( وأُولاها سورة العلق ) بقوله: ( وَإِنَّكَ لَعَلَى خُلُقٍ عَظِيمٍ ) (4) ومع ذلك كيف يصفه بعد زمن قليل بخلافه ، فأين هذا الخلق العظيم ممّا ورد في هذه السورة من العبوسة والتولّـي ؟ وهذه السورة حسب ترتيب النزول وان كانت متأخرة عن سورة القلم، لكنّها متقاربة معها حسب النزول، ولم تكن هناك فاصلة

--------------------
(1) مجمع البيان: 10|437 وغيره من التفاسير.
(2) مجمع البيان: 10|437، تفسير القمي: 2|405.
(3) التوبة: 128.
(4) القلم: 4.

عصمة الاَنبياء (ع) في القرآن الكريم _ 231_
  زمنية طويلة الاَمد ، (1) الثالثة: انّه سبحانه يأمر نبيه بقوله : ( وَأَنْذِرْ عَشِيرَتَكَ الاَقْرَبِينَ * وَ اخْفِضْ جَنَاحَكَ لِمَنِ اتَّبَعَكَ مِنَ الْمُوَْمِنِينَ ) (2) ،كما يأمره أيضاً بقوله : ( وَ اخْفِضْ جَنَاحَكَ لِلْمُوَْمِنينَ )(3)، ( فَاصْدَعْ بِمَا تُوَْمَرُ وَأَعْرِضْ عَنِ الْمُشْرِكِينَ ) (4)
  إنّ سورتي الشعراء والحجر ، وإن نزلتا بعد سورة (عبس) ، لكن تضافرت الروايات على أنّ الآيات المذكورة في السورتين نزلت في بدء الدعوة، أي العام الثالث من البعثة عندما أمره سبحانه بالجهر بالدعوة والاِصحار بالحقيقة ، وعلى ذلك فهي متقدمة حسب النزول على سورة (عبس) أويصح بعد هذه الخطابات، أن يخالف النبي هذه الخطابات بالتولّـى عن الموَمن ؟! كلاّ ثم كلاّ .
  الرابعة: إنّ الرواية تشتمل على ما خطر في نفس النبي عند ورود ابن أُمّ مكتوم من أنّه ( صلى الله عليه وآله وسلم ) قال في نفسه : (يقول هوَلاء الصناديد: إنّما أتباعه العميان والسفلة والعبيد ، فأعرض عنه وأقبل على القوم) وعندئذ يسأل عن كيفية وقوف الراوي على ما خطر في نفس النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) فهل أخبر به النبي ؟ أو أنّه وقف عليه من طريق آخر ؟!
  والاَوّل بعيد جداً ، والثاني مجهول.
  الخامسة: أنّ الرواية تدلّ على أنّ النبي كان يناجى جماعة من المشركين، وعند ذلك أتى عبد الله ابن أُمّ مكتوم وقال : يا رسول الله أقرئني، فهل كان

--------------------
(1) تاريخ القرآن للعلاّمة الزنجاني: 36 ـ 37، وقد نقل ترتيب نزول القرآن في مكة والمدينة معتمداً على رواية محمد بن نعمان بن بشير التي نقلها ابن النديم في فهرسته ص 7 طبع مصر .
(2) الشعراء: 214 ـ 215.
(3) الحجر: 88.
(4) الحجر: 94.

عصمة الاَنبياء (ع) في القرآن الكريم _ 232 _
  إسكات ابن أُم مكتوم متوقفاً على العبوسة والتولّـي عنه، أو كان أمره بالسكوت والاستمهال منه حتى يتم كلامه مع القوم، أمراً غير شاق على النبي، فلماذا ترك هذا الطريق السهل ؟
  وهذه الوجوه الخمسة وإن أمكن الاعتذار عن بعضها بأنّ العبوسة والتولّـي مرّة واحدة لا ينافي ما وصف به النبي في القرآن من الخلق العظيم وغيره، لكن محصل هذه الوجوه يورث الشك في صحة الرواية ويسلب الاعتماد عليها.
  هذا كلّه حول الرواية الاَُولى.

وأمّا الرواية الثانية:
  فهي لا تنطبق على ظاهر الآيات، لاَنّ محصلها أنّ رجلاً من بنى أُمية كان عند النبي فجاء ابن أُمّ مكتوم ، فلمّـا رآه ذلك الرجل تقذّر منه وجمع نفسه، وعبس وأعرض بوجهه عنه، فحكى الله سبحانه ذلك وأنكره عليه.
  ولكن هذا المقدار المنقول في سبب النزول لا يكفى في توضيح الآيات، ولا يرفع إبهامها، لاَنّ الظاهر أنّ العابس والمتولّـي ، هو المخاطب بقول سبحانه: (وما يدريك لعله يزّكى) إلى قوله : ( فأنت عنه تلهّى )، فلو كان المتعبس والمتولّـي، هو الفرد الاَموي، فيجب أن يكون هو المخاطب بالخطابات الستة لا غيره ، مع أنّ الرواية لا تدل على ذلك ، بل غاية ما تدل عليه أنّ فرداً من الاَمويين عبس وتولّـى عندما جاءه الاَعمى فقط ، ولا تلقي الضوء على الخطابات الآتية بعد الآيتين الاَُوليين وإنّـها إلى من تهدف ، فهل تقصد ذاك الرجل الاَموي وهو بعيد ، أو النبي الاَكرم ؟
  هذا هو القضاء بين السببين المرويين للنزول ، وقد عرفت الاَسئلة

عصمة الاَنبياء (ع) في القرآن الكريم _ 233 _
  الموجهة إليهما.
  وعلى فرض صحة الرواية الاَُولى لابدّ أن يقال:
  إنّ الرواية إن دلّت على شيء فإنّما تدلّ على أنّ النبي ( صلى الله عليه وآله وسلم ) كان موضع عنايته سبحانه ورعايته ، فلم يكن مسوَولاً عن أفعاله وحركاته وسكناته فقط ، بل كان مسوَولاً حتى عن نظراته وانقباض ملامح وجهه ، وانبساطها ، فكانت المسوَولية الملقاة على عاتقه من أشد المسوَوليات ، وأثقلها صدق الله العلي العظيم حيث يقول : ( إِنَّا سَنُلْقِي عَلَيْكَ قَوْلاً ثَقِيلاً ) (1)
  كان النبي ( صلى الله عليه وآله وسلم ) يناجى صناديد قومه وروَساءهم لينجيهم من الوثنية ويهديهم إلى عبادة التوحيد، وكان لاِسلامهم يوم ذاك تأثير عميق في إيمان غيرهم ، إذ الناس على دين روَسائهم وأوليائهم ، وكان النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) في هذه الظروف يناجي روَساء قومه إذ جاءه ابن أُم مكتوم غافلاً عمّـا عليه النبي ( صلى الله عليه وآله وسلم ) من الاَمر المهم، فلم يلتفت إليه النبي، وجرى على ما كان عليه من المذاكرة مع أكابر قومه.
  وما سلكه النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) لم يكن أمراً مذموماً عند العقلاء ، ولا خروجاً على طاعة الله ، ولكن الاِسلام دعاه وأرشده إلى خلق مثالي أعلى ممّـا سلكه ، وهو أنّ التصدي لهداية قوم يتصورون أنفسهم أغنياء عن الهداية، يجب أن لا يكون سبباً للتولّـي عمّـن يسعى ويخشى ، فهداية الرجل الساعي في طريق الحق، الخائف من عذاب الله ، أولى من التصدي لقوم يتظاهرون بالاستغناء عن الهداية وعمّـا أنزل إليك من الوحي، وما عليك بشيء إذا لم يزكّوا أنفسهم، لاَنّ القرآن تذكرة فمن شاء ذكره ( فَذَكِّرْ إِنَّمَا أَنْتَ مُذَكِّرٌ * لَسْتَ عَلَيْهِمْ بِمُصَيْطِرٍ ) (2)

--------------------
(1) المزمل: 5.
(2) الغاشية: 21 ـ 22.

عصمة الاَنبياء (ع) في القرآن الكريم _ 234_
  فعظم المسوَولية اقتضى أن يعاتب الله سبحانه نبيّه لترك ما هو الاَولى بحاله حتى يرشده إلى ما يعد من أفاضل ومحاسن الاَخلاق، وينبهه على عظم حال الموَمن المسترشد، وأن تأليف الموَمن ليقيم على إيمانه، أولى من تأليف المشرك طمعاً في إيمانه ، ومن هذا حاله لا يعد عاصياً لاَمر الله ومخالفاً لطاعته.
  وأمّا الرواية الثانية: فالظاهر أنّ الرواية نقلت غير كاملة ، وكان لها ذيل يصحح انطباق الخطابات الواردة في الآيات حقيقة على الشخص الذي عبس وتولّـى ، وعلى فرض كونها تامّة فالضمير الغائب في (عبس) و (تولّـى) و (جاءه) يرجع إلى ذلك الفرد ، وأمّا الخطابات فهي متوجهة إلى النبي ( صلى الله عليه وآله وسلم ) لكن من وجه إليه الخطاب غير من قصد منه ، فهو من مقولة : (إياك أعني واسمعي يا جارة) ومثل هذا يعد من أساليب البلاغة، وفنون الكلام.

عصمة الاَنبياء (ع) في القرآن الكريم _ 235_
دين النبي الاَكرم قبل البعثة
  دلّت الاَدلة العقلية والنقلية على عصمة الاَنبياء عامّة والنبي الاَكرم خاصة إلاّ أنّ الحكم بعصمته قبل التشرف بالنبوة ، يتوقف على إحراز تدينه بدين قبل أن يبعث ، وهذا ما نتلوه عليك في هذا البحث تكميلاً لعصمته ( صلى الله عليه وآله وسلم ).
  من الموضوعات المهمة التي شغلت بال المحققين من أهل السير والتاريخ موضوع دين النبي الاَعظم ( صلى الله عليه وآله وسلم )، وقد اتفق جمهور المسلمين على أنّه ( صلى الله عليه وآله وسلم ) كان على خط التوحيد منذ نعومة أظفاره إلى أن بُعث لهداية أُمّته ، فلم يسجد لصنم ولا وثن ، وكان بعيداً عن الاَخلاق والعادات الجاهلية التي تستقى جذورها من الوثنية، وإن اختلفوا في أنّه هل كان متعبداً بشريعة أحد من الاَنبياء أو بشريعة نفسه ، أو بما يلهم من الوظائف والتكاليف ؟ وعلى ذلك فنركّز البحث على نقطتين :
  1 ـ إيمانه وتوحيده قبل البعثة.
  2 ـ الشريعة التي كان يعمل بها في حياته الفردية والاجتماعية.
  أمّا بالنسبة إلى النقطة الاَُولى: فقد كان النبي الاَعظم ( صلى الله عليه وآله وسلم ) على الدين الحنيف لم يعدل عنه إلى غيره طرفة عين ، وتظهر هذه الحقيقة بالتعرّف على

عصمة الاَنبياء (ع) في القرآن الكريم _ 236 _
  ملامح البيت الذي ولد فيه، وتربّى في أحضان رجاله فنقول:
  كان النبي كريم المولد، شريف المحتد، ولد من أبوين كريمين موَمنين بالله سبحانه وموحدين ، وتربى في حضن جده عبد المطلب، وبعده في حجر عمّه أبي طالب 8 ، وقد كان الدين السائد في ذلك البيت الرفيع، دين التوحيد ، ورفض عبادة غير الله تعالى والعمل بالمناسك والرسوم الواصلة إليه عن إبراهيم(عليه السلام) .
  لا أقول إنّ جميع من كان ينتمي إلى البيت الهاشمي كان على خط التوحيد وعلى الشريعة الاِبراهيمية، إذ لا شك أنّ بعضهم كان يعبد الاَصنام، ويدافع عنها كأبي لهب ، وأبي سفيان بن الحارث بن عبد المطلب.
  بل أقول: الديانة السائدة في ذلك البيت هي عبادة الرحمن ورفض الاَصنام والاَوثان.
  ويتضح وضع هذا البيت ببيان ديانة أشياخه وأسياده وأخص بالذكر منهم سيده الكبير (عبد المطلب) وشيخ الاَباطح (أبو طالب) ، وإليك الكلام في ديانتهما :

(1) عبد المطلب وإيمانه
  عبد المطلب هو الرجل الاَوّل في هذا البيت، وكفى في صفائه وإيمانه ما ذكره الموَرّخون في حقه ، وإليك بعضه:
  1 ـ يقول اليعقوبي في الحديث عنه: ... ورفض عبد المطلب عبادة الاَوثان والاَصنام ، ووحَّد الله عزّ وجلّ ، ووفي بالنذر ، وسنّ سنناً نزل القرآن بأكثرها ، وجاءت السنّة الشريفة من رسول الله ( صلى الله عليه وآله وسلم ) بها ، وهي الوفاء بالنذر ، ومائة من

عصمة الاَنبياء (ع) في القرآن الكريم _ 237 _
  الاِبل في الدية، وأن لا تنكح ذات محرم ، ولا توَتى البيوت من ظهورها ، وقطع يد السارق، والنهي عن قتل الموَودة، وتحريم الخمر ، وتحريم الزنا والحد عليه ، والقرعة ، وأنّ لا يطوف أحد بالبيت عرياناً، وإضافة الضيف، وأن لا ينفقوا إذا حجّوا إلاّ من طيب أموالهم، وتعظيم الاَشهر الحرم، ونفي ذوات الرايات (1).
  2 ـ إذا اطّلعنا على موقف عبد المطّلب من جيش إبرهة، وتوكّله على الله تعالى ، وأخذه بحلقة باب الكعبة، نعلم بأنّه كان الرجل الموحد الذي لا يلتجىَ في المصائب والمكاره إلى غير كهف الله ، ولا يعرف إلاّ باب الله ، على عكس ما كانت الوثنية عليه فإنّهم كانوا يستغيثون بالاَصنام المنصوبة حول الكعبة، وإليك إجمال القضية:
  قدم عبد المطلب إلى معسكر إبرهة ، فلمّـا رآه إبرهة أجلّه وأكرمه ، وبعدما وقف الملك على أنّه جاء ليردّ عليه إبله التي استولى عليها عسكره ، قال له إبرهة: أتكلّمني في إبلك وتترك بيتاً ، هو دينك ودين آبائك قد جئت لهدمه ؟! قال له عبد المطلب: أنا ربُّ الاِبل، وللبيت ربّ يمنعه ، قال إبرهة: ما كان يمنعه مني وأمر برد إبله ، فلمّـا أخذها قلّدها وجعلها هدياً وبثّها في الحرم كى يصاب منها شيء فيغضب الله عزّ وجلّ ، وانصرف عبد المطلب إلى قريش وأخبرهم الخبر ، ثم قام فأخذ بحلقة باب الكعبة وقام معه نفر من قريش يدعون الله ويستنصرونه على إبرهة وجنده ، فقال عبد المطلب:

--------------------
(1) تاريخ اليعقوبي: 2|9 ، طبعة النجف ، أقول: في عدّ بعض ما ذكر ذلك الموَرخ من سنن عبد المطلب نظر: فإنّ لبعضها كالوفاء بالنذر ، والنهي عن قتل المووَدة، والقرعة ، سابقة تاريخية ترجع إلى فترات قبله .

عصمة الاَنبياء (ع) في القرآن الكريم _ 238-_

يا ربّ لا أرجو لهم سواكا      يا  رب فامنع منهم iiحماكا
إنَّ  عدوّ البيت من iiعاداكا      امـنعهم  أن يخربوا iiفناكا

وقال أيضاً:
لا  هُـمَّ إنّ الـعبدَ iiيَمنع      رَحْـلَه فـامنع iiحِـلالَكْ
لا يَـغـلِبَنَّ iiصَـلِـيبهم      ومِحالُهم غَدْوا مِحالَكْ (1)

  3 ـ وليست هذه الواقعة وحيدة من نوعها بل لسيد قريش مواقف أُخرى تشبه هذه الواقعة حيث توسل لكشف غمته فيها بالله سبحانه وتعالى ، وإليك مثالين:
  ألف ، تتابعت على قريش سنون جدب ، ذهبت بالاَموال ، وأشرفت على الاَنفس، واجتمعت قريش لعبد المطلب وعلوا جبل أبي قبيس ومعهم النبي محمد (صلى الله عليه وآله وسلم) وهو غلام ، فتقدّم عبد المطلب وقال:
  (لاهم (2) هوَلاء عبيدك وإماوَك وبنو إمائك، وقد نزل بنا ما ترى ، وتتابعت علينا هذه السنون ، فذهبت بالظلف والخف والحافر، فأشرفت على الاَنفس، فأذهب عنّا الجدب، وائتنا بالحياء والخصب)، فما برحوا حتى سالت الاَودية، وفي هذه الحالة تقول رقيقة:
  بشيبة الحمد أسقى الله بلدتنا وقد عدمنا الحيا واجلوذ المطر إلى أن تقول:

--------------------
(1) السيرة النبوية لابن هشام: 1|50، الكامل لابن الاَثير: 1|12 ، وغيرهما.
(2) مخفّف (اللّهم).

عصمة الاَنبياء (ع) في القرآن الكريم _ 239_
  مبارك الاسم يستسقى الغمام به ما في الاَنام له عدل ولا خطر (1) وقد نقل هذه الواقعة الشهرستاني في الملل والنحل قال : وممّا يدل على معرفته ( عبد المطلب ) بحال الرسالة وشرف النبوّة أنّ أهل مكة لمّا أصابهم ذلك الجدب العظيم وأمسك السحاب عنهم سنتين ، أمر أبا طالب ابنه أن يحضر المصطفى محمداً ( صلى الله عليه وآله وسلم ) فأحضره وهو رضيع في قماط ، فوضعه على يديه واستقبل الكعبة ورماه إلى السماء، وقال يا ربّ بحق هذا الغلام ورماه ثانياً وثالثاً ، وكان يقول : بحق هذا الغلام اسقنا غيثاً مغيثاً دائماً هطلا ، فلم يلبث ساعة أن طبق السحاب وجه السماء وأمطر حتى خافوا على المسجد.
  وقال أيضاً: وببركة ذلك النور كان عبد المطلب يأمر أولاده بترك الظلم والبغي ، ويحثهم على مكارم الاَخلاق وينهاهم عن دنيّات الاَُمور، وان يقول في وصاياه: إنّه لن يخرج من الدنيا ظلوم حتى ينتقم الله منه وتصيبه عقوبة، إلى أن هلك رجل ظلوم حتف أنفه لم تصبه عقوبة، فقيل لعبد المطلب في ذلك، ففكر وقال: والله انّ وراء هذه الدار دار يجزى فيها المحسن بإحسانه ، ويعاقب المسيء بإساءته . (2)
  إنّ توسّله بالله سبحانه وتوليه عن الاَصنام والاَوثان والتجاءه إلى ربّ الاَرباب آية توحيده الخالص، وإيمانه بالله وعرفانه بالرسالة الخاتمة، وقداسة صاحبها ، فلو لم يكن له إلاّ هذه الوقائع لكفت في البرهنة على إيمانه بالله وتوحيده له .

--------------------
(1) السيرة الحلبية: 1|131 ـ 133 .
(2) الملل والنحل للشهرستاني : القسم الثاني: 248 و 249 من الطبعة الثانية، تخريج محمد بن فتح الله بدران القاهرة .

عصمة الاَنبياء (ع) في القرآن الكريم _ 240 _
  ب ـ روى أصحاب السير أنّه وقع النقاش بين عبد المطلب وقريش في حفر بئر زمزم بعد ما حفره عبد المطلب، فاتفقوا على الرجوع إلى كاهنة ، فقصدوا طريق الشام فعطشوا في الطريق وأشرفوا على الموت، فاقترح أن يحفر كلّ حفرة لنفسه بما بكم الآن من قوة ، فكلّما مات رجل دفنه أصحابه في حفرته ثم واروه حتى يكون آخركم رجلاً واحداً فضيعة رجل واحد أيسر من ضيعة ركب جميعاً ، قالوا : نعم ما أمرت به ، فقام كل واحد منهم فحفر حفرته ، ثم قعدوا ينتظرون الموت عطشاً ، ثم إنّ عبد المطلب قال لاَصحابه : والله إنّ إلقاءنا بأيدينا هكذا للموت ، لا نضرب في الاَرض ولا نبتغى لاَنفسنا ، لعجز ، فعسى الله أن يرزقنا ماء ببعض البلاد ، ارتحلوا، فارتحلوا حتى إذا فرغوا ، ومن معهم من قبائل قريش ينظرون إليهم ما هو فاعلون ، تقدّم عبد المطلب إلى راحلته فركبها فلما انبعثت به ، انفجرت من تحت خفها عين ماء عذب ، فكبّـر عبد المطلب وكبر أصحابه، ثم نزل فشرب وشرب أصحابه واستقوا حتى ملاَوا أسقيتهم، ثم دعا القبائل من قريش فقال : هلمّ إلى الماء، فقد سقانا الله فاشربوا واستقوا، فجاءوا فشربوا واستقوا ، ثم قالوا : والله قضى لك علينا يا عبد المطلب ، والله لا نخاصمك في زمزم أبداً ، إنّ الذي سقاك هذا الماء بهذه الفلاة، لهو الذي سقاك زمزم فارجع إلى سقايتك راشداً ، فرجع ورجعوا معه ولم يصلوا إلى الكاهنة ، وخلّوا بينه وبينها (1).
  4 ـ عن أُمّ أيمن (رضي الله عنها) قالت: كنت أحضن النبي ( صلى الله عليه وآله وسلم ) أي أقوم بتربيته وحفظه ـ فغفلت عنه يوماً فلم أدر إلاّ بعبد المطلب قائماً على رأسي يقول : يا (بركة) قلت : لبيك ، قال : أتدرين أين وجدت ابني ؟ قلت : لا أدري، قال : وجدته مع غلمان قريباً من السدرة ، لا تغفلي عن ابني، فإنّ أهل الكتاب يزعمون

--------------------
(1) سيرة ابن هشام: 1|144 ـ 145 ، طبعة مصر .

عصمة الاَنبياء (ع) في القرآن الكريم _ 241_
  أنّه نبي هذه الاَُمّة وأنا لا آمن عليه منهم ، وكان عبد المطلب لا يأكل طعاماً إلاّ يقول : علىّ بابنى ، أي احضروه، ويجلسه بجنبه وربّما أقعده على فخذه ويوَثره بأطيب طعامه ، (1) هذا هو عبد المطلب وتعوذّه ببيت الله الحرام ومواقفه بين قومه وكلماته في المبدأ والمعاد وعطفه على رسالة خاتم النبيين ، أبعد هذا يبقى لاِحدٍ شك في توحيده وإيمانه ، بل واعترافه برسالة الرسول الاَكرم ( صلى الله عليه وآله وسلم ) ؟!
  قضى النبي ( صلى الله عليه وآله وسلم ) لفيفاً من عمره في رعايته فلمّـا بلغ أجله أوصى إلى ابنه الزبير بالحكومة وأمر الكعبة ، وإلى أبي طالب برسول الله وسقاية زمزم ، وقال له : قد خلّفت في أيديكم الشرف العظيم الذي تطأُون به رقاب الناس، وقال لاَبى طالب:
  أوصيك يا عبد مناف بعديبمفرد بعد أبيه فرد فارقه وهو ضجيع المهدفكنت كالاَُمّ له في الوجد تدنيه من أحشائها والكبدفأنت من أرجى بنيَّ عندي لدفع ضيم أو لشدّ عقد (2)

(2) شيخ الاَباطح أبو طالب وإيمانه
  قد تعرّفت على إيمان (عبد المطلب) الكفيل الاَوّل لصاحب الرسالة ، فهلمّ معي ندرس حياة كفيله الآخر بعده ، وهو أبو طالب شيخ البطحاء، فقد

--------------------
(1) سيرة زيني دحلان بهامش السيرة الحلبية: 1|64.
(2) تاريخ اليعقوبي: 2|10 ، طبعة النجف.

عصمة الاَنبياء (ع) في القرآن الكريم _ 242 _
  اتفقت كلمة أهل السير والتاريخ على كفالته لصاحب الرسالة بعد جدّه ، ودرئه عنه كل سوء وعادية طيلة حياته ، وان اختلفت آراوَهم في إيمانه بالرسول الاَكرم بعد البعثة ، ولاَجل تحقيق الحال نركّز على البحث عن نقطتين : إيمانه قبل البعثة، وإيمانه بعد البعثة:

إيمانه بالله قبل البعثة
  يكفي في إيمانه بالله وخلوص توحيده عدّة أُمور نشير إليها:
  1 ـ ما أخرجه ابن عساكر في تاريخه ، عن جلهمة بن عرفطة ، قال : قدمت مكة وهم في قحط ، فقالت قريش يا أبا طالب أقحط الوادي وأجدب العيال فهلمّ واستسق ، فخرج أبو طالب ومعه غلام كأنّه شمس دجى تجلّت عنه سحابة قتماء وحوله اغيلمة، فأخذه أبو طالب فألصق ظهره بالكعبة ، ولاذ باصبعه الغلام وما في السماء، قزعة (1) فأقبل السحاب من ها هنا وها هنا وأغدق واغدودق وانفجر له الوادي واخصب البادي والنادي ، ففي ذلك يقول أبو طالب ويمدح به النبي أكثر من ثمانين بيتاً:
  وأبيض يستسقى الغمام بوجههثمال اليتامى عصمة للاَرامل يلوذ به الهلاّك من آل هاشمفهم عنده في نعمة وفواضل وميزان عدل لا يخيس شعيرة ووزان صدق وزنه غير هائل (2)

--------------------
(1) القزعة: قطعة من السحاب.
(2) السيرة الحلبية: 1|116 ، لاحظ فتح الباري: 2|494 ، والقصيدة مذكورة في السيرة النبوية لابن هشام: 1|272 ـ 280 .

عصمة الاَنبياء (ع) في القرآن الكريم _ 243 _
  وما نسبه إليه من الاَشعار جزء من قصيدته المعروفة التي نظمها أيام الحصار في الشعب، ويشير بها إلى الواقعة التي استسقى فيها بالنبى وقد كان غلاماً في كفالته ، ولو كان آنذاك عابداً للوثن لتوسل باللات والعزى وسائر الآلهة المنصوبة حول الكعبة.
  2 ـ روى الحافظ الكنجي الشافعي: أنّ أحد الزهّاد والعبّاد قال لاَبي طالب: يا هذا انّ العلي الاَعلى ألهمني إلهاماً، قال أبو طالب : وما هو ؟ قال : ولد يولد من ظهرك وهو ولي الله عزّ وجلّ ، فلمّـا كانت الليلة التي ولد فيها علىّ (عليه السلام) أشرقت الاَرض، فخرج أبو طالب وهو يقول: أيّها الناس ولد في الكعبة ولى الله ، فلمّـا أصبح دخل الكعبة وهو يقول:
  يا رب هذا الغسق الدجىّوالقمر المنبلج المضي بيّـن لنا من أمرك الخفىّماذا ترى في اسم ذا الصبي
  قال: فسمع صوت هاتف يقول:
  يا أهل بيت المصطفى النبيخصصتم بالولد الزكى
  انّ اسمه من شامخ العليعليّ اشتق من العلي (1)
3 ـ انّ أبا طالب كان ممن تعرّف على مكانة النبي الاَعظم عن طريق الراهب (بحيرا)، وذلك حينما خرج في ركب إلى الشام تاجراً ،فلمّـا تهيّأ للرحيل وأجمع السير هبّ له رسول الله فأخذ بزمام ناقته ، وقال : يا عم إلى من تكلني لا أب لي ولا أُمّ لي ؟ فرقّ له أبو طالب وقال: والله لاَخرجن به معى ولا يفارقنى ولا أُفارقه أبداً ، قال: فخرج به معه ، فلمّـا نزل الركب (بصرى) من أرض الشام نزلوا

--------------------
(1) الغدير: 7|347، نقلاً عن كفاية الطالب للحافظ الكنجي الشافعي: 260 .

عصمة الاَنبياء (ع) في القرآن الكريم _ 244 _
  قريباً من صومعة راهب يقال له "بحيرا" ، فلمّـا رأي النبي جعل يلحظه لحظاً شديداً ، وينظر أشياء من جسده ، فجعل يسأله عن نومه وهيئته ، ورسول الله يخبره ، ثم نظر إلى ظهره ، فرأي خاتم النبوة بين كتفيه ، ثم قال لاَبي طالب : ارجع بابن أخيك إلى بلده واحذر عليه اليهود، فوالله لئن رأوه وعرفوا منه ما عرفت، ليبغنّه شراً ، فإنّه كائن لابن أخيك هذا شأن عظيم فاسرع به إلى بلاده ، فخرج به عمّه أبو طالب سريعاً حتى أقدمه مكة حين فرغ من تجارته بالشام ، وفي ذلك يقول أبو طالب :
  انّ ابن آمنة النبي محمداًعندي يفوق منازل الاَولاد
  لما تعلق بالزمام رحمتهوالعيس قد قلّصن بالاَزواد
  فارفضّ من عيني دمع ذارفمثل الجمان مفرق الاَفراد
  إلى أن قال :
  حتى إذا ما القوم بصرى عاينوالاقوا على شرك من المرصاد
  حبراً فأخبرهم حديثاً صادقاًعنه وردّ معاشر الحسّاد
  فما رجعوا حتى رأوا من محمدأحاديث تجلو غمّ كل فوَاد
  وحتى رأوا أحبار كل مدينةسجوداً له من عصبة وفراد (1)
  وما رأي أبو طالب من ابن أخيه في هذا السفر من الكرامات وخوارق العادات التي ضبطها التاريخ، وما سمعه من بحيرا من مستقبل أمره وانّ اليهود له بالمرصاد ، كاف لاِرشاد كل إنسان صافي الذهن مستقيم الطريقة، فكيف بأبى طالب الذي كان بالاِضافة إلى هاتين الصفتين، يحبه حبّاً جماً أشدّ من حبه

--------------------
(1) السيرة النبوية لابن هشام: 1|182، الطبقات الكبرى: 1|120، تاريخ ابن عساكر: 1|269 ـ 272 ، ديوان أبي طالب: 33 ـ 35 ، إلى غير ذلك من المصادر التي اهتمت بنقل هذه الواقعة .

عصمة الاَنبياء (ع) في القرآن الكريم _ 245 _
  لاَولاده وإخوته ، فكانت هذه الكرامات كافية في هدايته لخط التوحيد ورسالة ابن أخيه وإن لم يكن يصرح بها لفظاً قبل البعثة، لكنه جهر بها بعده كما سيوافيك إن شاء الله .
  مضافاً إلى أنّه كان موضع الثقة من عبد المطلب، وقد أوصاه برعاية ابن أخيه بعده ، فلا يصح لعبد المطلب الموَمن الموحّد أن يدلي بوصيته وكفالة محمد ( صلى الله عليه وآله وسلم ) إلى من لم يكن على غير خط التوحيد، ولم تكن بينهما وحدة فكرية ، وإلى ذلك يشير أبو طالب في هذه القصيدة الدالية:
  راعيت فيه قرابة موصولةوحفظت فيه وصية الاَجداد

إيمانه بعد البعثة
  أمّا دلائل إيمانه بالله أوّلاً، وبرسالة ابن أخيه ثانياً ، بعد بعثة النبي الاَكرم فحدث عنه ولا حرج وإن كان بعضهم قد هضم حق أبي طالب قرة عين الرسول ( صلى الله عليه وآله وسلم ) وقالوا بما لا ينسجم مع الحقائق التاريخية ، ولو نقل معشار ما ورد عن إيمانه من فعل أو قول ، في حق غيره لاتفق الكل على إيمانه وتوحيده ، ولكن ـ ويا للاَسف ـ انّ بعض الجائرين على الحق لا يريدون أن يعتبروا تلك الدلائل وافية لاِثبات إيمانه.
  لم يزل سيدنا أبو طالب يكلأ ابن أخيه ويذب عنه ويدعو إلى دينه الحنيف منذ بزوغ شمس الرسالة إلى أن لقي ربّه، وكفانا من إفاضة القول في ذلك ، الكتب الموَلفة حول تضحيته لاَجل الحق ودفاعه عنه شعراً ونثراً ، ونكتفي بالنزر اليسير من الجم الغفير :
  1 ـ كتب أبو طالب إلى النجاشي عندما نزل المهاجرون من المسلمين

عصمة الاَنبياء (ع) في القرآن الكريم _ 246 _
  بقيادة جعفر الطيار أرض الحبشة وهو يحضه على حسن الجوار :
  ليعلم خيار الناس أنّ محمداًنبىّ كموسى والمسيح بن مريم
  وانّكم تتلونه في كتابكمبصدق حديث لا حديث المبرجم (1)
  2 ـ نحن نفترض الكلام في غير أبى طالب ، فإذا أردنا الوقوف على نفسية فرد من الاَفراد والعلم بما يكنّه من الاِيمان أو الكفر ، فما هو الطريق إلى كشفها ؟ فهل الطريق إليه إلاّ كلامه وقوله ، أو ما يقوم به من عمل ، أو ما يروي عنه مصاحبوه ومعاشروه، فلو كانت هذه هي المقاييس الصحيحة للتعرف على النفسية، فكلّها تشهد بإيمانه القويم وتوحيده الخالص، فإنّ فيما أثر عنه من نظم ونثر ، أو نقل من عمل بار ، وسعي مشكور في نصرة النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) وحفظه ، والدعوة لرسالته وما روى عنه مصاحبوه ومعاشروه ـ فإنّ في هذه ـ لدلالة واضحة على إيمانه بالله ورسالة ابن أخيه وتفانيه في سبيل استقرارها.
  كيف، وهو يقول في أمر الصحيفة التي كتبها صناديد قريش في سبيل ضرب الحصار الاقتصادي على النبي ( صلى الله عليه وآله وسلم ) وبنى هاشم وبنى المطلب:
  ألم تعلموا أنا وجدنا محمداًنبيّاً كموسى خط في أوّل الكتب
  وأنّ الذي ألصقتمُ من كتابكملكم كائن نحساً كراغية السقب (2) ففي هذه الاَبيات التي تزهر بنور التوحيد ، وتتلألاَ بالاِيمان بالدين الحنيف دلالة واضحة على إيمانه بالرسالات الاِلهية عامة ، ورسالة ابن أخيه ( صلى الله عليه وآله وسلم ) خاصة ، وكم وكم له من قصائد رائعة يطفح من ثناياها الاِيمان الخالص ، والاِسلام

--------------------
(1) مستدرك الحاكم: 2|623 ـ 624 .
(2) السيرة النبوية: 1|352، وذكر من القصيدة 15 بيتاً .

عصمة الاَنبياء (ع) في القرآن الكريم _ 247 _
  الصحيح، ونحن نكتفي في إثبات إيمان كفيل رسول الله ( صلى الله عليه وآله وسلم ) بهذا المقدار ونحيل التفصيل إلى الكتب المعدة لذلك .
  فإنّ نقل ما أثر عنه من شعر ونثر ، أو روي من عمل مشكور ، يحتاج إلى تأليف كتاب مفرد وقد قام لفيف من محققي الشيعة بتأليف كتب حول إيمانه، بين مسهب في الاِفاضة وموجز في المقالة ، وفيما حقّقه وجمعه شيخنا العلاّمة الاَميني في غديره كفاية لطالب الحق، (1) هذا إيمان عبد المطلب وذلك توحيد ابنه البار أبي طالب ، وقد تربَّى النبي ( صلى الله عليه وآله وسلم) وترعرع وشب واكتهل في أحضانهما، وفي قانون الوراثة أن يرث الاَبناء ما في الحجور والاَحضان من الخصال والاَخلاق وقد قضى النبي الاَكرم قسماً وافراً من عمره الشريف في تلك الربوع واستظل بفيئها .

إيمان والدي النبي الاَكرم ( صلى الله عليه وآله وسلم )
  لقد تعرفت على إيمان كفيل النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) فهلمّ معى ندرس حياة والديه وإيمانهما ، فقد ذهبت الاِمامية والزيدية وجملة من محقّقي أهل السنّة إلى إيمانهما وكونهما على خط التوحيد، وشذَّ من قال : إنّ النبي ( صلى الله عليه وآله وسلم ) من كثرة ما أنعم الله عليه ووفور إحسانه إليه لم يرزقه إسلام والديه .
  فإنّ هذه الكلمة صدرت من غير تحقيق ، فإنّ التاريخ لم يضبط من حياتهما إلاّ شيئاً يسيراً ، وفيما ضبط إيعاز لو لم نقل دلالة على إيمانهما وكونهما على الصراط المستقيم.

--------------------
(1) راجع تفصيل ذلك الغدير: 7|330 ـ 409 و 8|1 ـ 29 .

عصمة الاَنبياء (ع) في القرآن الكريم _ 248 _
  أمّا الوالد: فقد نقلت عنه كلمات وأبيات تدل على إيمانه ، فإليك ما نقله عنه أهل السير، عندما عرضت فاطمة الخثعمية نفسها عليه فقال رداً عليها:
  أمّا الحرام فالممات دونهوالحل لا حل فاستبينه
  يحمي الكريم عرضه ودينهفكيف بالاَمر الذي تبغينه (1) وقد روي عن النبي الاَكرم أنّه قال : (لم أزل أُنقل من أصلاب الطاهرين إلى أرحام الطاهرات) ، ولعل فيه إيعازاً إلى طهارة آبائه وأُمّهاته من كل دنس وشرك . (2)
  وأمّا الوالدة: فكفى في ذلك ما رواه الحفّاظ عنها عند وفاتها فإنّها ( رضى الله عنها ) خرجت مع النبي ( صلى الله عليه وآله وسلم ) وهو ابن خمس أو ست سنين ونزلت بالمدينة تزور أخوال جده ( صلى الله عليه وآله وسلم ) ، وهم بنو عدي بن النجار ، ومعها أُم أيمن (بركة) الحبشية، فأقامت عندهم، وكان الرسول بعد الهجرة يذكر أُموراً حدثت في مقامه ويقول: (إنّ أُمّي نزلت في تلك الدار، وكان قوم من اليهود يختلفون وينظرون إلىّ، فنظر إلىّ رجل من اليهود، فقال : يا غلام ما اسمك ؟ فقلت : أحمد، فنظر إلى ظهري وسمعته يقول : هذا نبي هذه الاَُمّة، ثم راح إلى إخوانه فأخبرهم ، فخافت أُمّي علىّ، فخرجنا من المدينة، فلمّـا كانت بالاَبواء توفيت ودفنت فيها).
  روى أبو نعيم في دلائل النبوّة عن أسماء بنت رهم قالت : شهدت آمنة أُمّ النبي ( صلى الله عليه وآله وسلم ) في علتها التي ماتت بها ، ومحمد عليه الصلاة والسلام غلام (يفع (3))

--------------------
(1) السيرة الحلبية: 1|46 وغيرها .
(2) سيرة زيني دحلان بهامش السيرة الحلبية:€1|58 .
(3) يفع الغلام: ترعرع .

عصمة الاَنبياء (ع) في القرآن الكريم _ 249_
  له خمس سنين عند رأسها ، فنظرت إلى وجهه وخاطبته بقولها:
  إنّ صح ما أبصرت في المنامفأنت مبعوث إلى الاَنام
  فالله أنهاك عن الاَصنامأن لا تواليها مع الاَقوام
  ثم قالت : كل حي ميت ، وكل جديد بال ، وكل كبير يفنى ، وأنا ميتة ، وذكرى باق وولدت طهراً .
  وقال الزرقاني في (شرح المواهب) نقلاً عن جلال الدين السيوطى تعليقاً على قولها : وهذا القول منها صريح في أنّها كانت موحّدة ، إذ ذكرت دين إبراهيم (عليه السلام) وبشّـرت ابنها بالاِسلام من عند الله ، وهل التوحيد شيء غير هذا ؟! فإنّ التوحيد هو الاعتراف بالله وانّه لا شريك له والبراءة من عبادة الاَصنام ، (1) هذا بعض ما ذكره الموَرّخون في أحوال والدي النبي الاَكرم ( صلى الله عليه وآله وسلم ) ، والكل يدل على إخلاصهما ونزاهتهما عمّـا كان هو السائد في البيئة التي كانا يعيشان فيها .
  وأخيراً نوجه نظر القارىَ إلى الرأي العام بين المسلمين حول إيمانهما ، قال الشيخ المفيد في (أوائل المقالات):
  واتفقت الاِمامية على أنّ آباء رسول الله ( صلى الله عليه وآله وسلم ) من لدن آدم إلى عبد الله بن عبد المطلب موَمنون بالله عزّ وجلّ موحّدون له ، واحتجوا في ذلك بالقرآن والاَخبار ، قال الله عزّ وجلّ: ( الذي يَرَاكَ حِينَ تَقُومُ * وَتَقَلُّبَكَ في السَّاجِدِينَ ) (2)
  وقال رسول الله ( صلى الله عليه وآله وسلم ) : (لم يزل ينقلني من أصلاب الطاهرين إلى أرحام المطهّرات حتى أخرجني في عالمكم هذا) ، وأجمعوا على أنّ عمّه أبا طالب

--------------------
(1) الاتحاف للشبراوي : 144، سيرة زيني دحلان بهامش السيرة الحلبية: 1|57 .
(2) الشعراء: 218 ـ 219 .

عصمة الاَنبياء (ع) في القرآن الكريم _ 250_
  ( رحمه الله ) مات موَمناً ، وأنّ آمنة بنت وهب كانت على التوحيد، وأنّها تحشر في جملة الموَمنين . (1)   أقول: الاستدلال بالآية يتوقف على كون المراد منها نقل روحه من ساجد إلى ساجد ، وهو المروي عن ابن عباس في قوله تعالى : ( وَتَقَلُّبَكَ فِي السَّاجِدين ) (2) قال : من نبي إلى نبي حتى أُخرجت نبياً . (3)
  وقد ذكره المفسرون بصورة أحد الاحتمالات، ولكنّه غير متعين ، لاحتمال أن يكون المراد إنّه يراك حين تقوم للصلاة بالناس جماعة ، وتقلّبه في الساجدين عبارة عن تصرفه فيما بينهم بقيامه وركوعه وسجوده إذا كان إماماً لهم .
  وأمّا الاستدلال بالحديث، فهو مبني على أنّ من كان كافراً فليس بطاهر ، وقد قال سبحانه : ( إنَّما المُشرِكُونَ نَجَسٌ ) (4)
  لكن الحجة هي الاتفاق والاِجماع، مضافاً إلى ما تضافر من الروايات حول طهارة والدي النبي ( صلى الله عليه وآله وسلم ) التي جمعها الحافظ أبو الفداء ابن كثير في تاريخه قال : وخطب النبي ( صلى الله عليه وآله وسلم ) وقال: (أنا محمد بن عبد الله بن عبد المطلب ... وما افترق الناس فرقتين إلاّ جعلني الله في خيرها ، فأُخرجت من بين أبوي، فلم يصبني شيء من عهر الجاهلية، وخرجت من نكاح ولم أخرج من سفاح من لدن آدم حتى انتهيت إلى أبي وأُمي ، فأنا خيركم نفساً ، وخيركم أباً) (5).
  وعن عائشة قالت : قال رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) : (قال لي جبرئيل : قلّبت الاَرض من مشارقها ومغاربها فلم أجد رجلاً أفضل من محمد ، وقلّبت الاَرض مشارقها

--------------------
(1) أوائل المقالات: 12 ـ 13 .
(2) الشعراء: 219 .
(3) البداية والنهاية: 2|239 ، طبعة دار الكتب العلمية ، بيروت ، الطبعة الرابعة ـ 1408 هـ ...
(4) مفاتيح الغيب: 6|431 ، والآية من سورة التوبة: 28 .
(5) البداية والنهاية: 2|238 .