اخرى حتى يرتكب انحرافاً مماثلاً لذلك ادخله السجن أول مرة.
وعلى الصعيد الثالث ، فان الاسلام نادى بالمساواة بين الافراد في العقوبة والتعويض ، فالسارق مع توفر الشروط يقطع حتى لو كان يشغل أعلى وظيفة سياسية في الدولة لإطلاق الآية الكريمة
( وَالسَّارِقُ وَالسَّارِقَةُ فَاقْطَعُواْ أَيْدِيَهُمَا ) (1) ، وعدم تخصيصه بفئة معينة من السراق مثلاً .
والزاني مع توفر الشروط يقام عليه الحد كائناً من كان ، ولا يستثنى أحد لسبب طبقي أو وراثي من اقامة الحدود الشرعية ، وهنا يكمن الفرق بين النظامين التشريعي الاسلامي والقضائي الغربي الرأسمالي .
ففي حين يفلت مجرمو الطبقة الرأسمالية من قبضة العقاب ، باعتبار ان العقاب المعنوي لافراد
الطبقة العليا اشد ايلاماً من العقاب الجسدي ، يصون التشريع الاسلامي النظام القضائي من عبث الاصابع البشرية التي يدفعها الهوى والطموح الشخصي .
وبعد اربعة عشر قرناً من الزمان ، لم يستطع مقننٌ واحد ـ أياً كان مذهبه ـ من تغيير حكم القرآن في قطع يد السارق أو قتل القاتل المتعمد أو جلد الزانية والزاني ، في حين ان القوانين الوضعية تبدلت تبدلاً جذرياً خلال القرون الماضية من عمر البشرية.
ولاشك ان الافراد جميعأً بمختلف ألوانهم وهيئاتهم متساوون امام الشارع ، فالاسود والابيض والاصفر سواسية كاسنان المشط في مثولهم امام الحاكم الشرعي وانزال العقاب بهم أو تبرئتهم :
( إِنَّ اللّهَ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ
--------------------
(1) المائدة : 38.
النظرية الاجتماعية
في القرآن الكريم
_ 53 _
وَالإِحْسَانِ ... ) (1) ، ( إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُقْسِطِينَ ) (2) ، بل ان الشارع يعاقب من يميز على اساس اللون ، أو يتعدى حدود القصاص ، ويلزمهم بدفع مقدار التعدي.
ولابد ان نذكرهنا ، ان النظرية الاسلامية قد ميزت الانحراف بانواعه وطرقه المتعددة ، واعتبرت فيه الاسباب الموجبة ، فاخذت الاضطراب العقلي ، وعدم البلوغ مثلاً ، بعين الاعتبار في انشاء الحكم على القاتل .
وميزت بين قتل العمد ، وقتل الخطأ ، والقتل الشبيه بالخطأ ؛ وافردت لكل واحد منها حكماً خاصاً ، وأعطت الشريعة للاحداث والصبيان فرصة لعلاج انحرافهم بدل إنزال العقاب بهم. وعلى الصعيد الرابع ، فان الاسلام شجع المشاركة الجماعية في دفع الانحراف بطرق عديدة ؛ منها :
اولاً : ان ولي الامر مسؤول شرعاً عن دفع الدية اذا ارتكب من يتولاه انحرافاً يستوجب دفع تلك الغرامة .
ثايناً : ان العلاقة الاسرية التي أكد عليها الاسلام تساهم من خلال التعاون والتآزر على اصلاح الفرد المنحرف في الاسرة .
ثالثاً : العاقلة ، وهم العصبة من قرابة الاب كالاخوة والاعمام واولادهم ، التي تتحمل دية القتل الخطأ ، ودية الجناية على الاطراف ونحوها ، ضمن شروط معينة ، والمدار في كل ذلك ان الافراد في المجتمع ملزمون اخلاقياَ ، بارشاد واصلاح ذويهم ودرء خطر الانحراف عنهم.
--------------------
(1) النحل : 90.
(2) الممتحنة : 8.
النظرية الاجتماعية
في القرآن الكريم
_ 54_