البصرة منذ بداية العصر العباسي حتى سنة ( 247 هـ / 861 هـ )   ـ 27 ـ

ثانياً : اهمية البصرة في العصر العباسي

  احتلت مدينة البصرة دوراً فعالاً في حركة التجارة في العصر العباسي الاول ، واصبحت من اكبر المدن العربية ، واكثرها اهمية لا سيما بعد انتقال مقر الخلافة الى العراق ، الذي جعل منها الميناء الرئيس للخلافة الجديدة ، فأخذت تجارتها مع العالم الخارجي تشكل اهم مورد حيوي تعتمد عليه الخلافة في بناء دولتها الحديثة .
   ولذلك اصبحت هذه المدينة الممول الرئيس للدولة سواء للعمليات العسكرية او المدنية منها(1) ، لذا شهدت اهتماماً واسعاً من لدن الخلفاء والولاة فيها ، ولعل وصف والي البصرة لها في هذه الحقبة خير دليل على اهميتها في هذا العصر ، حيث يصفها جعفر بن سليمان(*) قائلاً ( العراق عين الدنيا ، والبصرة عين العراق . . . )(2) .
   وعن طريق البصرة تبحر السفن متجهة الى الهند والصين او نحو شرق افريقيا ، في طرق بحرية يسلكها التجار البصريين ، كما يصفها لنا ابن خرداذبة(3) ، الامر الذي ادى الى تأثير تلك الاقوام بالحضارة العربية الاسلامية ،

**************************************************************
(1) المصدر نفسه ، ج7 ص463 .
(*) هو جعفر بن سليمان بن علي بن عبد الله بن العباس ابن عم الخليفة ابي العباس والمنصور ولي المدينة سنة ( ( 146 هـ / 763 م ) وولى البصرة سنة ( 177 هـ / 786 م ) انظر : ابن قتيبة الدينوري ، ابي محمد عبد الله بن مسلم بن قتيبة ، المعارف ( تح محمد اسماعيل عبد الله الصاوي ، ط2 ، بيروت ، 1970 ) ص 164 .
(2) الجاحظ ، رسائل الجاحظ ، ( تح عبد السلام محمد هارون ، نشر مكتبة الخانجي ، ط1 ، مصر ، 1979 ) ، ج4 ص139 . الدينوري ، عيون الاخبار ، ط1 ، المؤسسة المصرية العامة للتأليف والنشر ، القاهرة ، ج1 ص222 .
(3) ابن خرناذبة ، ابي القاسم عبيد الله بن عبد الله ، المسالك والممالك ، ( تح دي غوية ، مطبعة بريل ، ليدن 1889 ) ، ص 59 ـ 61 .

البصرة منذ بداية العصر العباسي حتى سنة ( 247 هـ / 861 هـ )   ـ 28 ـ

وازدياد عدد الجاليات المسلمة هناك(1) ، كما يذكرها احد التجار في اثناء مشاهدته لها في عام ( 237 هـ / 852 م )(2) .
   وكان اهم دور توليته هذه المدينة هو نقل البضائع والسلع من مختلف البلدان كالهند والسند والصين ، والتبت والترك ، والديلم ، والحبشة الى مينائها ، ومن ثم نقلها الى عاصمة الخلافة بغداد(3) ، اونقل البضائع والمنتوجات الى العالم الخارجي(4) ، وبذلك اكتسبت هذه المدينة مالم تكسبه مدينة اخرى في هذه الحقبة .
   ويصف البصريين مدى التوسع التجاري الذي اصاب مدينتهم بقولهم ( لنا السند والهند وكرمان ومكران والفرض والعرض والديار وسعة النهار )(5) ، وحتى قيل ( ابعد الناس نجعه في الكسب بصري وخوزي )(6) ، فأصبحت البصرة ( مدينة الدنيا ومعدن تجارتها واموالها )(7) ، وسئل فتى عن البصرة كان قد زارها فقال عنها : هي ( خير بلاد الله للجائع والعزب والمفلس )(8) .

**************************************************************
(1) شيخ الربوة ، شمس الدين ابو عبد الله محمد بن ابي طالب الانصاري الدمشقي ، نخبة الدهر في عجائب البر والبحر ، ( تح مهران ، ليبسك ، 1923 ) ، ص 168 ـ 169 .
(2) السامر ، فيصل ، الاصول التاريخية للحضرة العربية الاسلامية ، ط 2 ، بغداد ، 1986 ، ص 28 ـ 31 .
(3) اليعقوبي ، البلدان ، بريل ، ليدن ، 1891 ، ص 237 . ياقوت بـ معجم البلدان ، ج 1 ص 38 .
(4) ابن رسته ، ابو علي احمد بن عمر ، الاعلاق النفسية ، ( تح دي عوية ، مطبعة بريل ، ليدن ، 1891 ) ، ص 185 .
(5) البيهقي ، ابراهيم بن محمد ، المحاسن والمساويء ، دار صادر دار بيروت ، بيروت ، 1960 ، ص 96 ـ 97 .
(6) ابن الفقيه ، ابو بكر احمد بن محمد الهمداني ، مختصر كتاب البلدان ، مطبعة بريل ، ليدن ، 2 ـ 13 هـ ، ص 191 .
(7) اليعقوبي البلدان ، ص 323 .
(8) الدينوري ، عيون الاخبار ، ج 1 ص 221 .

البصرة منذ بداية العصر العباسي حتى سنة ( 247 هـ / 861 هـ )   ـ 29 ـ

  ولم تقتصر اهميتها على الناحية التجارية فقط بل امتدت الى النواحي الاقتصادية الاخرى ، فقد روي عن الرشيد قوله : ( نظرنا فأذا كل ذهب وفضة على وجه الارض لا يبلغ ثمن نخل البصرة )(1) . وهذا يعني ان لنخل البصرة مردود مالي كبير للخلافة ، ويظهر ان اهمية نخيل البصرة جاءت من تعدد صنوفها ، ففي ايام الخليفة المعتصم ( 218 ـ 227 هـ / 842 م ) احصوا انواع النخيل في البصرة فوجدوها ثلاثمائة وستون ضرباً(2) .
   ويصف السجستاني نخيل البصرة قائلاً ( ثم نخل البصرة اضنه مثل نخيل الدنيا مراراً )(3) وهذا يبين مدى جودة نخيل البصرة واعداده التي فاقت نخيل العالم ، حتى انها اخذت تصدر النخيل الى البلدان الاخرى(4) .
   ان هذا التطور الكبير الذي اصاب البصرة في هذه الحقبة جعلها من اغنى الامصار الاسلامية ، فيصف الجاحظ مدى الرخاء الاقتصادي الذي عم هذه المدينة قائلاً : ( وبالبصرة الاثمان ممكنة والمثمنات ممكنة وكذلك الصناعات ، واجور اصحاب الصناعات ، وما ظنك ببلدة يدخلها البادئ من ايام الصدام الى بعد ذلك بأشهر ، ما بين الفي سفينة تمر او اكثر ، لا يبيت فيها سفينة واحدة ، فأن باتت فأن صاحبها هو الذي يبيتها . . . ولو ان رجلاً ابتنى داراً يتممها ويكملها في بغداد ، او بالكوفة او بالاحواز . . . فبلغت نفقتها مائة الف درهم ،
**************************************************************
(1) ياقوت ، معجم البلدان ، ج 1 ص 439 . القزويني ، زكريا بن محمد بن محمود ، آثار البلاد واخبار العباد ، دار صادر ، بيروت ، 1969 ، ص 312.
(2) ابن الفقيه ، المصدر السابق ص 253 .
(3) السجستاني ، ابن حاتم ، كتاب النخلة ، تح : حاتم الضامن مجلة المورد ، مج 14 ب ع 3 ، 1985 ، ص 119 .
(4) المقدسي ، مجمد بن احمد المعروف بالبشارى ، احسن التقاسيم في معرفة الاقاليم ، تح دي غوية ، مطبعة بريل ، ليدن ، ط 2 ، 1906 ، ص 128 .

البصرة منذ بداية العصر العباسي حتى سنة ( 247 هـ / 861 هـ )   ـ 30 ـ

فأن البصري اذا يبني مثلها بالبصرة لم تنفق خمسين الفاً ، لأن الدار انما يتم يناؤها بالطين واللبن ، وبالاجر والجص ، والجذوع والسباخ والخشب والحديد والصناع ، وهذا يمكن بالبصرة على الشطر فما يمكن في غيرها ) (1) .

   وكانت البصرة المركز التجاري في العراق ، وهي بمثابة مخزن للسلع التجارية التي تعتمد عليه بقية مدن العراق ، فعدت من اهم واكبر مدن العالم الاسلامي في هذه الحقبة ، حتى اخذ ابناؤها يتفاخرون بها ، فيقول خالد بن صفوان(*) عنها ( نحن بالبصرة اكثر الناس عاجاً وساجاً وخزاً وديباجاً ) (2) فاصبحت البصرة سوقاً عظيماً ومن اهم اسواقها ( سوق المربد ، وسوق باب الجامع والسوق الكبير ، سوق الكلاء )(3) ، التي تعد بمثابة مراكز تجارية ، لذا اخذ يتهافت عليها الناس من كل ناحية ، واصبحت مركزاً لنشر العلوم والفقه ، وتعددت فيها الاجناس ، وازداد عدد الوافدين اليها .
   ان هذا التوسع التجاري لهذه المدينة سبقه توسع آخر ساعد عليه التطور الذي اصاب البصرة ، وهو التوسع السكاني لهذه المدينة الذي اخذ بالازدياد في هذه الحقبة ازدياداً كبيراً جداً ، الا ان ازدياد اعداد اهالي البصرة لم يؤثر على الحياة اليومية لسكانها ، فيصف الجاحظ ذلك بقوله :

**************************************************************
(1) الجاحظ الرسائل ، ج 4 ص 144 ـ 145 .
(*) خالد بن صفوان بن عبد الله بن عمرو بن الاهتم ، التميمي المنقري ، كان علماً من اعلام الخطابة ، توفي نحو 133 هـ / 750 م . انظر : ابن قتيبة ، المعارف ، ص 177 . ابن خلكان ، المصدر السابق ، ج 3 ، ص 11 ـ 12 .
(2) ابن الفقيه ، المصدر السابق ، ص 192 . ياقوت ، معجم البلدان ، ج 1 ، ص 438 .
(4) انظر : المقدسي ، المصدر السابق ، ص 117 ـ 118 .

البصرة منذ بداية العصر العباسي حتى سنة ( 247 هـ / 861 هـ )   ـ 31 ـ

  ( ولم نر بلدة فقط تكون اسعارها ممكنة مع كثرة الجماجم بها الا البصرة : طعامهم اجود طعام ، وسعرهم ارخص الاسعار ، وتمرهم اكثر التمور ، وريع دبسهم الاكثر )(1) ، فقد كان الوضع الاقتصادي جيداً ولم يكن ليؤثر على الحياة اليومية للأفراد حتى بالازدياد السكاني لهم ، لكنه بالمقابل اثر على الحياة الاجتماعية لمدينة البصرة ، ولعل الخليفة المنصور قد لاحظ مدى التطور السكاني الحاصل في هذه المدينة ، لذا عمل في زيارة لها عام ( 142 هـ / 759 م ) على بناء قبلة اهل البصرة التي يصلون فيها في عيدهم بالجمان(2) ، وذلك على ما يبدوا لأستيعاب اكبر قدر ممكن من المصلين ، وهو دلالة على ازدياد سكانها في هذه الحقبة .
   وفي عام ( 155 هـ / 771 م ) ، اراد المنصور تحصين مدينة البصرة ، فعزل عاملها عبد الملك بن ايوب بن ضبيان النمري وعين الهيثم بن معاوية بدلاً عنه ، وامره هو وصاحب الاحداث سعيد بن دعلج ، ببناء سور لها يطيف بها ، وخندق عليها من دون السور من اموال اهلا ففعل ذلك(3) ، ويبدو ان سبب قيام المنصور ببناء السور هو لحصر المدينة في موضع ثابت ، بسبب ازدياد اعداد سكانها الكبير ، حتى ان المنصور كان لا يعرف اعداد اهل البصرة وسكانها ، فلما اراد معرفة اعدادهم ، امر ان يقسم فيها خمسة دراهم ، فلما علم عددهم ، امر بجبايتهم اربعين درهماً لكل واحد فقال الشاعر :
يـالقومي مـا   لقينا      من امير iiالمؤمنينا
قـسم الخمسة iiفينا     وجبانا الاربعينا(4)


**************************************************************
(1) الجاحظ ، الرسائل ، ج 4 ص 145 .
(2) الطبري ، المصدر السابق ، ج7 ص 513 ـ 514 .
(3) المصدر نفسه ، ج 8 ص 46 .
(4) ابن الاثير ، الكامل ، ج 6 ص 5 . ابي الفداء ، الملك المؤيد عماد الدين اسماعيل ، المختصر في اخبار البشر ، دار المعرفة للطباعة والنشر ، بيروت ، ج 2 ص 6 . الاربلي ، عبد الرحمن سنبط قنيتو ، خلاصة الذهب المسبوك ، مكتبة المثنى ، بغداد ، 1964 ، ص 88 . ابن الوردي ، المصدر السابق ، ج 1 ص 269 .

البصرة منذ بداية العصر العباسي حتى سنة ( 247 هـ / 861 هـ )   ـ 32 ـ

   كما ارسل المنصور كتاباً الى قاضي البصرة سوار بن عبد الله العنبري يطلب منه اعداد سجلات لأهالي البصرة لمعرفة اعدادهم من كبار السن واليتامى والفقراء والشباب فيها وغيرهم(1) .
  ويبدو ان السبب الآخر لبناء السور هو لتعرض البصرة لحركة ابراهيم بن عبد الله في عام ( 145 هـ / 763 م ) ، مما حدا المنصور لبناء سور البصرة يحميها من تعرضها لتلك الحركات (2) .
   اكتسبت البصرة في هذه الحقبة اهتماماً واسعاً من لدن الخلفاء ، وكانت زيارتهم المستمرة لها خير دليل على ذلك ، فضلاً عن زيارة المنصور لها في عام ( 145 هـ / 763 م ) ، فقد زارها الخليفة المهدي ايضاً الذي اخذ يتفقد احوالها ، واحوال الناس فيها ، وصلها بهم في المسجد الجامع ، فعجب الناس في سماحة اخلاقه (3) .
   وحرص الخلفاء على حماية البصرة والدفاع عنها في حالة تعرضها لأي هجوم ، فعندما تعرضت بادية البصرة لهجمات القبائل الخارجية قام الخليفة المهدي بارسال القوات لملاقاة تلك القبائل التي كانت تغير عليها (4) .
   كما زار الخليفة هارون الرشيد البصرة اثناء قدومه من الحج سنة ( 180 هـ / 797 م ) ، وهناك اطلع على احوال البصرة ، وزار فيها العديد من الاماكن (5) ، كما اطلع على النظام الاداري فيها ،

**************************************************************
(1) وكيع ، محمد بن خلف بن حيان ، اخبار القضاة ، ( تح عبد العزيز مصطفى المراعي ، ط 1 ، القاهرة ، 1947 ) ، ج 2 ص 113 .
(2) ناجي ، عبد الجبار ، الدراسات في تاريخ المدن العربية الاسلامية ، مطبعة الجامعة البصرة ، 1986 ، ص 142 ،
(3) الخطيب البغدادي ، ابي بكر احمد بن علي ، تاريخ بغداد ، ( تح محمد سعيد العرفي ، دار الكتاب العربي ، بيروت ، لبنان ) ، ج 5 ص 399 ـ 400 . الاربلي ، المصدر السابق ، ص 68 ـ 69 ،
(4) ابن الاثير ، الكامل ، ج 6 ص 77 .
(5) الطبري ، المصدر السابق ، ج 8 ص 266 .

البصرة منذ بداية العصر العباسي حتى سنة ( 247 هـ / 861 هـ )   ـ 33 ـ

ويقال ان والي البصرة جعفر بن سليمان قد اعد للخليفة وليمة تشمل اصنافاً من الاطعمة لم يسمع بها الخليفة قط (1) ، وربما كانت تلك الاصناف قد جلبت للبصرة من الهند او السند او غيرها من المناطق التي تتاجر معها .
   وازدادت اهمية البصرة في عهد المعتصم ، الذي نقل العاصمة الى سامراء ، فأحتاج الى العديد من المعدات والادوات لغرض اعمال الترميم والبناء فكانت تجلب تلك المعدات عن طريق البصرة (2) .
   وكان الخليفة المتوكل من الخلفاء الذين اهتموا بالبصرة واهلها ، اذ يذكر ان المتوكل سأل رجلاً من اهل البصرة حضر مقره في الجعفري (*) عام ( 246 هـ / 861 م ) ، عن البصرة واحوال الناس فيها (3) .

**************************************************************
(1) ابن الزبير ، القاضي الرشيد ، الذخائر والتحف ، ( تح مجمد حميد الله ، الكويت ، 1959 ) ص 98 .
(2) اليعقوبي ، البلدان ، ص 258 .
(*) الجعفري : هو قصر بناه الخليفة المتوكل سنة ( 245 هـ / 860 م ) ، قرب سامراء لموقع الماحوزة فإستحدث عنده مدينة ، وانتقل اليها واقطع منها القطائع فصارت اكبر من سامراء ، وفي هذا القصر قتل المتوكل سنة ( 247 هـ / 862 م ) ، فعاد الناس الى سامراء وكانت النفقة عليه عشرة آلاف درهم . انظر : ياقوت ، معجم البلدان ، ص 142 .
(3) ابن وادران ، حسين بن محمد ، تاريخ العباسيين ، ( تح د . منجي الكعبي ، ط 1 ، دار الغرب الاسلامي ، بيروت ، لبنان ، 1993 ) ، ص 600 .

البصرة منذ بداية العصر العباسي حتى سنة ( 247 هـ / 861 هـ )   ـ 34 ـ

ثالثاً : دور البصريين في تثبيت اركان الخلافة العباسية

   واجهت الخلافة العباسية ، ومنذ بداية حكمها حركات تمرد على سلطتها المركزية في مناطق بعيدة عن العاصمة ، لذلك لم يكن من السهولة السيطرة على اقاليمها في حالة ظهور اي تمرد ضد سلطتها المركزية ، لذا استوجب عليها وضع مراكز قوية تكون على اهبة الاستعداد لأي طاريء وتعمل على صد اي حركة مناوئة لها ، يساعدها في ذلك موقعها الجغرافي على التحرك السريع وتلافي الموقف ، وعليه اصبحت البصرة ، وبحكم موقعها المسيطر على جميع مداخل الخليج العربي ، والمحيط الهندي قاعدة اساسية للحملات العسكرية .
   فالاقاليم الشرقية اخذت تستحوذ على اهتمام الخلافة كما انها سعت لفتوحات جديدة في الهند ، لذا توسعت عملية الجهاد في المناطق الشرقية ، واستوجب ذلك سيطرة العباسيين على المراكز الهامة ، خاصة الطرق البحرية بين البصرة وجنوب شرق آسيا مثل عمان والبحرين وغيرها للمحافظة على سلامة الطرق والمواصلات سواء العسكرية منها او التجارية (1) .
   لذا عد قيام امارة اباضية (*) في عمان ( 134 هـ / 752 م ) وانتخاب الجلندي بن مسعود (**) امام ، لهم بمثابة عدم الاعتراف

**************************************************************
(1) فوزي ، تاريخ العراق ، الدار العربية للطباعة ، ط 1 ، بغداد ، 1988 ، ص 79 .
(*) سميت الاباضة نسبة الى عبد الله بن اباض التميمي الخارجي وهي احدى فرق الخوارج المعتدلة التي وصفت بأن مبادئها قريبة من السنة ، انظر : المبرد ، ابو عباس محمد بن يزيد ، الكامل في اللغة والادب ، ( تح محمد ابو الفضل ابراهيم ، والسيد شحاته ، مطبعة نهضة مصر ، القاهرة 1956 ) ، ج 3 ص 275 . ابن حزم ، ابو محمد علي بن احمد ، جمهرة انساب العرب ، ( تح عبد السلام محمد هارون ، دار المعارف ، مصر ، 1962 ) ، ص 218 . الشهرستاني ، المصدر السابق ، د 1 ص 134 ،
(**) الجلندي بن مسعود وهو احد بني الجلندي بن المستكبرين مسعود بن جرار بن عبد عز بن معولة بن شمس وكانوا من ملوك عمان قبل الاسلام ، انظر : السالمي ، عبد الله بن حميد ، تحفة الاعيان ، ط 5 ، الكويت ، 1974 ، ج 1 ص 88 .

البصرة منذ بداية العصر العباسي حتى سنة ( 247 هـ / 861 هـ )   ـ 35 ـ

بشرعية حكم العباسيين للعالم الاسلامي ، وتهديد خطير لمصالح العباسيين في المنطقة ، لذا اعدت الاباضية حركة تمرد على السلطة المركزية استوجب ارجاعها الى حضيرة الخلافة العباسية (1) .
   كما ان عمان تقرع في مركز هام للتجارة نحو الشرق ، وظهور اي حركة فيها معدية للسلطة وهو تهديد للمصالح الاقتصادية للخلافة (2) ، ولم تكن الاباضية المصدر الوحيد للتهديد في المنطقة بل كان هناك الخوارج من الصفرية (*) ، الذين اتخذوا من جزيرة ابن كاون مقراً لهم تحت قيادة شيبان بن عبد العزيز البشكري ، ولأهمية الموقف قام الخليفة ابو العباس بأرسال القائد خازم بن خزيمة (**) الى عمان في حملة تقدر بسبعمائة مقاتل فضلاً عن انظمام افراد قبيلته وعدد من ابناء مرو الرود (***) .

**************************************************************
(1) فوزي ، الخليج العربي ، دار الشرق الاوسط للدراسات والنشر ، ط 2 ، بغداد ، 1985 ، ص 142 .
(2) محمد ، جاسم ياسين ، عمان ( دراسة في احوالها السياسية والادارية 280 ـ 447 هـ ، رسالة ماجستير غير منشورة ، جامعة البصرة ، 1986 ص 42 .
(*) وهي احدى فرق الخوارج ، سميت بالصفرية نسبة الى عبد الحمن بن صفار ، انظر : المبرد ، المصدر السابق ، ج 3 ص 276 . ابن حزم المصدر السابق ، ص 218 .
(**) خازم بن خزيمة بن عبد الله بن حنظلة بن حرثان بن مطلق بن صخر بن الفرشل التميمي ، ولي خراسان ثم عمان ، توفي في بغداد ، وكان صاحب شرطة خلفاء بني العباس ، انظر : ابن قتيبة ، المعارف ، ص 184 ، ابن خزم ، المصدر السابق ، ص230 .
(***) المرو : الحجارة البيض تقدح بها النار ، والزود هو بالفارسية النهر ، فكانت مرو النهر : مدينة قريبة من مرو الشاهجان بينهما خمسة ايام ، وهي على نهر عظيم فلهذا سميت بذلك ، انظر ياقوت ، معجم البلدان ، ج 5 ص 112 .

البصرة منذ بداية العصر العباسي حتى سنة ( 247 هـ / 861 هـ )   ـ 36 ـ

   ومن بعد اعداد الحملة توجه خازم الى البصرة ، وهناك انضمت اليه جماعة من قبيلة تميم ، فأعد والي البصرة سليمان بن علي السفن اللازمة لنقلهم الى جزيرة ابن كاون (1) بعد ان اجرى اتصالات مع الخليفة ابن العباس(2) ، ويظهر ذلك جلياً من سرعة تجهيزه للسفن في البصرة لنقل خازم وقواته الى الخوارج .
   ولم تشر المصادر التأريخية لأنضمام قبائل اخرى غير قبيلة تميم في البصرة لحملة خازم ويبدو ان سبب ذلك ان خازم ينتمي الى قبيلة تميم ومجيئه باهالي تميم الى البصرة سوف يجلب وبحكم القرابة اتباع القبيلة من تميم الساكنين فيها ، ويؤدي الى عزوف القبائل المنافسة الاخرى ، خاصة اذا ما علمنا ان لنجاح الحملة طابع شخصي ، مرتبط بشخصية القبيلة ككل (3) .
   هذا فضلاً عن ان قبائل الازد هي التي احتضنت الامامة الاباضية في عمان ، وكان لأشراف الازد الدور الفعال في تثبيت الحركة الاباضية ، لذا لم تشجع الخلافة قبائل الازد للأنضمام الى الحملة الموجهة الى عمان ، لا سيما وان الخلافة قد اتعضت من ذلك ، فقد ارسل المنصور في زمن خلافة اخيه ابي العباس جناح بن عباده والياً على عمان ، وهو من قبيلة الازد ، فكان جناح بن عبادة متساهلاً مع الاباضية مما زاد من انتشارها في عمان ، فعزله المنصور وولى ابنه محمد بن جناح على عمان الذي كان اكثر تساهلاً من ابيه وغض النظر عن انتشار الاباضية في

**************************************************************
(1) الطبري ، المصدر السابق ، ج 7 ص 463 . ابن الاثير ، الكامل ، ج 5 ص 451 ـ 452 .
(2) الطبري ، المصدر السابق ، ج 7 ص 462 . ابن كثير ، عماد الدين ابي الفدا اسماعيل بن عمر ، البداية والنهاية ، نشر مكتبة المعارف ، ط 1 بيروت ، 1974 ، ج 10 ص 56 ـ 57 .
(3) تشير المصادر الى ان حياة خازم بن خزيمة كانت تتوقف على نجاح الحملة بسبب قيامه بقتل اخوال الخليفة ابي العباس فعزم الخليفة على قتله لولى توسط موسى بن كعب وابي الجهم بن عطية بأرساله الى قتال الخوارج فأن ظفر بالقتال كان انتصاراً للخلافة وان قتل تخلص ابي العباس من دمه ، انظر : الطبري المصدر السابق ، ج 7 ص 461 ـ 462 . الازدي ، المصدر السابق ، ص 155 . الذهبي ، شمس الدين محمد بن احمد بن عثمان تاريخ الاسلام وطبقات مشاهير الاعلام ، نشر مكتبة القدس ، عن نسخة دار الكتب المصرية ، القاهرة ، 1367 هـ ، ج 5 ص 21 .

البصرة منذ بداية العصر العباسي حتى سنة ( 247 هـ / 861 هـ )   ـ 37 ـ

عمان ، وفي عهده قامت الامامة الاباضية الاولى عام ( 143 هـ / 752 م ) (1) لذا يبدو ان الخليفة لم يحبذ مشاركة ازد البصرة في هذه الحملة الى عمان .
   بعد وصول خازم الى جزيرة كاون وجه نضلة بن نعيم النهشلي في خمسمائة مقاتل لملاقاة قواة الخوارج بقيادة شيبان بن عبد العزيز اليشكري ، واستطاع نضلة بن نعيم من دحر قوات شيبان ففر هو وقواته الى عمان (2) ان عدم قيادة خازم للقوات العباسية واكتفائه بأرسال احد قواده لمواجهة شيبان يظهر مدى ضعف الصفرية في هذه المدة (3) ، كما يبين ان الهدف الاساسي للحملة هو القضاء على الاباضية في عمان .
   وهي منطقة جلفار (*) التقت الاباضية بالصفرية بعد هروبهم من الجيش العباسي وهناك جرى القتال بينهما لعدم سماح الاباضية لهم في التوغل داخل عمان ، فانتهى القتال بهزيمة الصفرية ومقتل قائدهم شيبان (4) .
   وبعد هزيمة الصفرية ارست السفن العباسية في عمان ، ومن هناك وجه خازم الى الجلندي بن مسعود ، امره بضرورة اعلانه الولاء للخلافة العباسية ، وتكريس ولاءه بأعطاءه سيف وخاتم شيبان قائد الخوارج المقتول ، الا ان الجلندي امام الاباضية اعلن عن رفضه فحدثت معركة جلفار الثانية عام ( 134 هـ / 752 م ) (5) ، وكادت المعركة ان تنتهي لصالح الاباضية بعد ان كثر

**************************************************************
(1) السالمي ، المرجع السابق ، ج 1 ص 78 . البو هلال ، اسماعيل ، المسألة العمانية ، مكتب امامة عمان ، بغداد ، 1962 م ، ص 25 ـ 26 .
(2) الطبري ، المصدر السابق ، ج 7 ص 462 ، ابن الاثير ، المصدر السابق ، ج 5 ص 452 .
(3) فوزي ، الخليج العربي ، ص 142 .
(*) جلفار بلد بعمان ، وهو بلد زراعي يشتهر بكثرة الغنم والجبن والسمن ، ياقوت ، البلدان ، ج 2 ص 154 .
(4) الطبري ، المصدر السابق ، ج 7 ص 463 . ابن الاثير ، المصدر السابق ، ج 5 ص 452 .
(5) السالمي ، المرجع السابق ، ج 1 ص 95 .

البصرة منذ بداية العصر العباسي حتى سنة ( 247 هـ / 861 هـ )   ـ 38 ـ

القتلى في صفوف العباسيين ، ومن ضمنهم اخ كان لخازم يدعى اسماعيل لذلك اتخذ خازم وبعد سبعة ايام اسلوباً جديداً في القتال استهدف حرق دور الاباضية ورميهم بالنار مما ادى الى ارباك الوضع بين صفوف الاباضية وانشغالهم بأنقاذ اسرهم ودورهم ، فالحق جيش خازم بهم الهزيمة حتى بلغ عدد القتلى عشرة آلاف قتيل (1) ، وبعث خازم برؤوس القتلى الى البصرة ، فبقيت فيها بضعة ايام ، ثم ارسلت لأبي العباس ، اما خازم فقد بقي في عمان لبضعة اشهر ، ثم غادرها بناء على طلب ابن العباس منه بالرجوع الى العراق (2) .
   وكانت هذه الحملة اول عمل عسكري شارك فيه ابناء البصرة في التصدي للحركات الانتقالية ضد السلطة المركزية ، وقد تبعتها مشاركات عديدة من ابناء البصرة لحفظ الامن والنظام في المنطقة .
   وفي خلافة المنصور ( 136 ـ 158 هـ / 754 ـ 775 م ) ، ظهرت في البحرين حركة انتقالية ضد السلطة المركزية ، قادها سليمان بن حكيم العبدي ، في عام ( 151 هـ / 769 م ) ، اذ تمكن من السيطرة على البحرين وقتل ابي الساج عامل الخليفة ابي جعفر المنصور هناك (3) .
   وبحكم موقع البصرة الذي جعلها قاعدة للعمليات العسكرية وقع على عاتقها عملية حفظ النظام في المنطقة لا سيما وان البحرين تقع بين البصرة وعمان على ساحل البحر (4) ، لذا فأنها في مركز استراتيجي للتجارة الشرقية ، لا يقل موقعها اهمية ،

**************************************************************
(1) الطبري ، المصدر السابق ، ج 7 ص 463 . ابن الاثير ، المصدر السابق ، ج 5 ص 178 ـ 179 .
(2) الطبري ، المصدر السابق ، ج 7 ص 463 . ابن كثير ، المصدر السابق ، ج 10 ص 56 ـ 57 .
(3) ابن الاثير ، المصدر السابق ، ج 5 ص 605 .
(4) القزويني ، المصدر السابق ، ص 77 .

البصرة منذ بداية العصر العباسي حتى سنة ( 247 هـ / 861 هـ )   ـ 39 ـ

عن موقع عمان ، وعليه استدعى ابو جعفر المنصور عامله على البصرة عقبة بن سلم الهنائي الى بغداد لتعيينه والياً على اليمامة والبحرين (1) ، بعد تكليفه بمهمة قمع حركة التمرد في البحرين وارجاعها الى حضيرة الخلافة العباسية (2) ، ويبدو ان تعيين عقبة بن سلم على اليمامة والبحرين كان تعييناً مؤقتاً لحين استقرار الاوضاع في البحرين ، ويظهر ذلك من خلال تعيينه لأبنه نافع بن عقبة كنائب له في البصرة (3) لحفظ الامن والاستقرار فيها اثناء مدة غيابه .
   سار عقبة بن سلم بجيشه من البصرة الى البحرين ، واستطاع من قتل سليمان بن حكيم العبدي ، وسبى عدد كبير من اتباعه هناك (4) ، ويذكر اليعقوبي (5) ان رسولاً جاء الى عقبة بن سلم يبشره بمكافأة من الخليفة لنجاحه في القضاء على حركة سليمان بن حكيم فأراد عقبة مكافأة الرجل ولكونه لا يملك مالاً ، فقد اقترح عليه اعطاءه خمسين رجلاً من قبيلة ربيعة لأخذهم الى البصرة وعرضهم في المربد على انه سوف يتم قطع اعناقهم ، فأجتمع عليه ابناء البصرة ، ويفدي كل واحد منهم بعشرة آلاف درهم ، الا ان الوضع قد اختلف عما كان مسبق له ، فبعد ان احضرهم الى البصرة تجمع الناس عليه ، وكادت ان تقع فتنة بين قبائل البصرة من الازد وربيعة ، لو لا ان تدخل قاضي البصرة سوار بن عبد الله(*) ، الذي عمل على اخذ الاسرى ،

**************************************************************
(1) الازدي ، المصدر السابق ، ص 175 .
(2) الطبري ، المصدر السابق ، ج 8 ص 39 . بهجت ، محمود سنان ، البحرين درة الخليج العربي ، طبع على نفقة المجمع العلمي العراقي ، ط 1 ، 1963 ، ص 64 .
(3) ابن خياط ، التاريخ ، ج 2 ص 454 ، الطبري ، المصدر السابق ، ج 8 ص 39 .
(4) الطبري ، المصدر السابق ، ج 8 ص 39 .
(5) تاريخ ، ج 3 ص 123 ـ 124 .
(*) سوار بن عبد اله بن قدامة بن نقب بن عمرو بن حارث بن خلف بن الحارث بن العنبر بن عمرو التميمي ، كان قليل الحديث تولى قضاء البصرة سنة ( 142 هـ / 759 م ) ، وتوفي وهو على القضاء ، ينظر : ابن سعد ، المصدر السابق ، ج 7 ص 260 ـ 261 . البلاذري ، انساب الاشراف ، ق 3 ص 257 ـ 258 .

البصرة منذ بداية العصر العباسي حتى سنة ( 247 هـ / 861 هـ )   ـ 40 ـ

ومراسلة الخليفة بشأنهم فأرسل الخليفة اليه مرسوماً بالعفو عنهم (1) ، ويبدو ان المنصور بعد هذه الحادثة اراد التأكد من سير الاحداث في البحرين ، لذا ارسل احد قواده وهو الاسد بن المرزبان للأطلاع على مجريات الامور هناك ، بعد ان وصلته الاخبار عما فعله عقبة في البحرين من قتل اعداد كبيرة من افراد قبيلة ربيعة هناك ، الا ان الاسد بن المرزبان تغاضى من اخبار الخليفة عما جرى هناك ، مما ادى بالخليفة من ارسال ابي سويد الخراساني لمعاقبة اسد بن المرزبان (2) . ثم امر الخليفة ابو جعفر المنصور عزل عقبة بن مسلم عن اليمامة والبحرين بعد التحقق من اعماله فيها (3) .
   وفي خلافة هارون الرشيد ( 170 ـ 193 هـ / 787 ـ 809 م ) ، استطاعت الاباضية في عمان من النهوظ من جديد معلنة عن قيام امامتها الثانية في عام ( 177 هـ / 794 م ) ، بعد انتخاب محمد بن ابي عفان (*) ، اماماً لها ، فعلى الرغم من الهزيمة التي منيت بها في عام ( 134 هـ / 752 م ) ، من قبل الخلافة العباسية ، الا ان حملة خازم بن خزيمة لم تنه نفوذ الاباضية بشكل نهائي ، اذ استمر تأييد العمانيين للامامة الاباضية في عمان ،

**************************************************************
(1) اليعقوبي ، تاريخ ، ج 3 ص 123 ـ 124 .
(2) الطبري ، المصدر نفسه ، ج 8 ص 40 .
(3) اليعقوبي ، تاريخ ، ج 3 ص 134 .
(*) هو محمد بن عبد الله بن ابي عفان ينسب الى قبيلة اليحمد الازدية ، منشأه في العراق قبل ان يستدعى الى عمان ، استمرت امامته من ( 177 ـ 179 هـ / 794 ـ 796 ) ، ثم عزل على ايدي علماء الاباضة في عمان ، انظر : السالمي ، المرجع السابق ، ج 1 ص 109 ـ 113 .

البصرة منذ بداية العصر العباسي حتى سنة ( 247 هـ / 861 هـ )   ـ 41 ـ

واستمر معهم انشقاقهم على السلطة المركزية (1) .
   ان قيام امامة الاباضة ثانية في عمان ( 177 هـ / 794 م ) هو بمثابة تهديد مستمر لمصالح العباسيين في المنطقة ، خاصة وان الحملة السابقة لم تحقق اهدافها ، لذا اسرع الخليفة هارون الرشيد بأعداد حملة جديدة الى عمان بقياده عيسى بن جعفر والي البصرة ، الذي عين بأمر الخليفة والياً على عمان (2) ، وكانت الحملة مكونة من ستة آلاف مقاتل مقسمين الى الف فارس وخمسة آلاف راجل (3) .
   الحملة التي اعدت الى عمان في عام ( 179 هـ / 796 م ) ، كان جميع مقاتليها من اهل البصرة ، فجميع المصادر تذكر ان عيسى بن جعفر خرج بأهل البصرة ولم تذكر انه قد اسهم في هذه الحملة غيرهم (4)
   لقد وجهت الحملة الى عمان في عام ( 179 هـ / 796 م ) ، وقد علم العمانيون بمجيئها ، بعد ان كاتب داود بن يزيد المهلبي والى صحار مقارش بن محمد اليحمدي يخبره بوصول الحملة ، فأحبر الاخير عنها امام الاباضية الذي امده بثلاثة آلاف فارس ، تمكنت هذه القوات من هزيمة عيسى بن جعفر في منطقة حتى ، فأنهزم عيسى بن جعفر الى مراكبه ، لكنه لم يستطيع الفرار حيث تمكنت الاباضية من القبض عليه بعد ارسال مراكبهم اليه (5).

**************************************************************
(1) فوزي ، العباسيون الاوائل ، ص 166 . العاني ، حسن فاضل ، سياسة المنصور ابي جعفر ، دار الرشيد للنشر ، بغداد ، 1981 ، ص 225 . محمد ، المرجع السابق ، ص 43 .
(2) ابن حبيب ، ابي جعفر محمد ، المحبر ، ( تح د . ايلزة ليختن شتيتر ، بيروت ، 1942 . البلاذري ، فتوح لبنان ، تح صلاح الدين منجد ، مكتبة النهضة القاهرة ، 1956 م ، ج 1 ص 93 .
(3) السالمي ، المرجع السابق ، ج 1 ص 118 .
(4) ابن حبيب ، المصدر السابق ، ص 488 . البلاذري ، فتوح ، ج 1 ص 93 .
(5) السالمي ، المرجع السابق ، ج 1 ص 118 .

البصرة منذ بداية العصر العباسي حتى سنة ( 247 هـ / 861 هـ )   ـ 42 ـ

   واشارت بعض المصادر الى ان السبب الرئيسي في مهاجمة اهل عمان لحملة عيسى بن جعفر هو قيام اهل البصرة بأعمال وحشية قبل دخولهم عمان مما اثاروا بذلك اهلها (1) ، الا ان هذا الرأي لايشير الى السبب الرئيسي لأرسال الحملة الى عمان ، ولكون الاباضة قد اعلنت عن امامتها الثانية في عمان عام ( 177 هـ / 794 م ) ، مما يعني معارضتها لأي سلطة خارجية لها ، وهذا ماأشار اليه البلاذري (2) بقوله : ( فولاها عيسى بن جعفر بن سليمان بن علي (*) بن عبد الله بن عباس فخرج اليها بأهل البصرة ، فجعلوا يفجرون بالنساء ويسلبونهم ويظهرون المعازف فبلغ ذلك اهل عمان ، وجلهم شراة (**) الاباضية في عمان ) ، اي ان الدفع الاساسي للحملة هو القضاء على الشراة الاباضية في عمان (3) .
   اما بالنسبة لمصير عيسى بن جعفر فقد حبسه الإمام الاباضي وارث بن كعب ولم يقتله ، الا ان بعض رجال الاباضية انطلقوا الى صحار حيث يسجن عيسى بن جعفر (4) ، واستطاعوا من قتله (5) ، وبذلك لم تحقق هذه الحملة اهدافها المرجوة ، اذ استطاعت الاباضية بعد فشل هذه الحملة من تكريس نفوذهم في عمان .
   كما شارك ابناء البصرة في الحملات التي وجهت الى جنوب شرق آسيا ،

**************************************************************
(1) ابن حبيب ، المصدر السابق ، ص 448 .
(*) يبدو ان اشكل على البلاذري نسب عيسى بن جعفر ، فهو لا ينتسب الى سليمان بن علي لكنه ايضاً ينتسب الى الاسرة العباسية وهو ابن عم الخليفة هارون الرشيد واخو زوجته زبيدة بنت جعفر .
(**) الشراة : من اسماء الخوارج ( وسموا شراة لأنهم باعوا انفسهم لله ) واشتق هذا الاسم من الآية القرآنية ( وَمِنَ النَّاسِ مَن يَشْرِي نَفْسَهُ ابْتِغَاء مَرْضَاتِ اللّهِ ) ، سورة البقرة الآية 207 .
(2) فتوح ، ج 1 ص 93 .
(3) فوزي ، الخليج العربي ، ص 153 .
(4) السالمي ، المرجع السابق ، ج 1 ص 118 ـ 119 .
(5) البلاذري ، فتوح ، ج 1 ص 93 .

البصرة منذ بداية العصر العباسي حتى سنة ( 247 هـ / 861 هـ )   ـ 43 ـ

ففي خلافة ابي العباس اعلن والي السند المنصور بن جمهور (*) عصيانه على السلطة المركزية في عام ( 132 هـ / 750 م ) فأرسل اليه الخليفة عينة بن كعب ، الذي استطاع التغلب عليه والقضاء على حركته (1) .
   وفي خلافة ابي جعفر المنصور اعلن والي السند عيينه بن موسى عن عصيانه في عام ( 142 هـ / 760 م ) ولحراجة الموقف خرج ابي جعفر المنصور بنفسه الى البصرة ، للأشراف على الحملة الموجهة لتأديب عيينه بن موسى ، فقام المنصور بتجهيز حملة بقيادة عمرو بن حفص العتكي ، الى السند (2) ، بعد تعيينه والياً عليها ، فتمكن عمرو بن حفص من القضاء على حركة عيينه بن موسى وارجاع السند الى حضيرة الدولة العباسية .
   وفي خلافة المهدي ( 158 ـ 169 هـ / 775 ـ 785 م ) ، اعدت اكبر حملة شارك فيها ابناء البصرة ، ففي عام ( 160 هـ / 876 م ) ، وجهت حملة الى بلاد الهند ويبدو ان الحملة كانت بسبب الهجمات المتكررة لمراكب الميذ (*) على دجلة البصرة ( شط العرب ) في عام ( 148 هـ / 766 م ) ، وعام ( 151 هـ / 769 م ) ، وعام ( 152 هـ / 770 م ) .
   لذا اعد الخليفة المهدي في عام ، ( 159 هـ / 776 م ) ، حملة بحرية الى بلاد الهند كانت تتألف من عشرة آلاف مقاتل احتل فيها

**************************************************************
(*) منصور بن جمهور المزي الدمشقي ، كان والياً على العراق زمن الامويين ، ثم غادرها الى السند وانظم بعد ذلك الى العباسيين ، انظر : الذهبي ، تاريخ الاسلام ، ج 5 ص 303 .
(1) البلاذري ، فتوح ، ج 3 ص 543 .
(2) ابن الاثير ، الكامل ، ج 5 ص 509 .
(3) ابن تعزي بردى ، ابو المحاسن جمال الدين يوسف ، النجوم الزاهرة في ملوك مصر القاهرة ، مطبعة دار الكتب المصرية ، ط 1 ، 1932 ، ج 1 ص 348 .
(*) احدى القبائل القاطنة في بلاد الهند ، البلاذري ، فتوح ، ج 3 ص 544 ـ 555 .
(4) انظر : ابن الخياط ، المصدر السابق ، ج 2 ص 453 ـ 455 . ناجي عبد الجبار ، الدولة العربية في العصر العباسي ، مطابع التعليم العالي ، جامعة البصرة ، 1989 ، ص 88 ـ 89 .

البصرة منذ بداية العصر العباسي حتى سنة ( 247 هـ / 861 هـ )   ـ 44 ـ

ابناء البصرة مركز الصدارة اذ بلغت مساهمتهم في هذه الحملة الفي مقاتل بقيادة غسان بن عبد الملك كانوا مسجلين في ديوان الجند (1) ، وعلى ما يبدو انها من القوة البحرية للبصرة اذ يصفهم الطبري (2) ، بأنهم فرضة البصرة فضلاً عن الف مقاتل من المتطوعة البصرة بقيادة المنذر بن محمد الجارودي ، وهم من ابناء البصرة المتطوعين غير المسجلين في ديوان الجند لذا يقع على عاتقهم تحمل تكاليف الرحلة (3) .
   فضلاً عن الدولة اعتادت في حملة ترسلها من البصرة على ابقاء قوة لتحصينها ، وقد بلغ تعداد هؤلاء الف وخمسمائة مقاتل من المرابطين من اهل البصرة تقع مسؤوليتهم في حماية ثغر البصرة ، وكانوا بقيادة عبد الواحد بن عبد الملك ، وكان معهم الربيع بن صبيح العقية (*) ، الذي تولى مهمة تحصين عبادان (4) .
   اما مقاتلوا الحملة فهم سبعمائة مقاتل من اهل الشام بقيادة يزيد بن الحباب المدحجي ، واربعة آلاف مقاتل من السواريين والسيابجة (*) ، وكانت الحملة بقيادة عبد الملك بن شهاب المسمعي (5) .

**************************************************************
(1) الطبري ، المصدر السابق ، ج 8 ص 116 ـ 117 .
(2) المصدر نفسه والصفحة .
(3) المصدر نفسه والصفحة .
(*) من مولى بني سعد ، توفي في البحر اثناء توجهه لغزو الهند في سنة ( 160 هـ / 777 م ) ، انظر : البلاذري ، فتوح ، ج 2 ص 453 .
(4) المصدر نفسه والصفحة .
(*) السيابجة : اقوام يرجع اصلهم للهند ، عملوا جنوداً لدى الفرس ، ثم استسلموا على ايدي العرب وسكنوا البصرة ، انظر : الطبري ، المصدر السابق ، ج 3 ص 304 . العلي ، التنظيمات ، ص 70 .
(5) الطبري ، المصدر السابق ، ج 8 ص 116 ـ 117 .

البصرة منذ بداية العصر العباسي حتى سنة ( 247 هـ / 861 هـ )   ـ 45 ـ

   استغرقت الحملة عاماً كاملاً في البحر ، بعد ذلك وصلت الى مدينة باربد في بلاد الهند في عام ( 160 هـ / 777 م ) ، وبعد وصولها استعد عبد الملك لمهاجمة المدينة وتمكن من فتحها بعد حصار دام يومين ، فتحصن بعض ابنائها في معبد البد ، فاحرق المسلمون المعبد مما ادى الى استسلامهم وخروجهم كأسرى حرب للمسلمين (1) .
   بعد الانتصار الذي حققه المسلمون في الهند ، لم يستطيعوا مغادرتها مباشرة بسبب شدة الرياح ، اذ اضطروا للبقاء فيها لمدة وجيزة ، الا ان الوباء اخذ ينتشر بينهم فكان سبباً في وفاة ما يقارب الف شخص من المسلمين منهم الربيع بن صبيح ، فغادروها الى البصرة ، وفي الطريق هبت رياح قوية ادت الى تحطيم سفنهم ، ووصل بعض الناجين الى البصرة (2) .

**************************************************************
(1) الطبري ، المصدر السابق ، ج 8 ص 128 .
(2) المصدر نفسه والصفحة ، ابن كثير ، المصدر نفسه ، ج 10 ص 132 .

البصرة منذ بداية العصر العباسي حتى سنة ( 247 هـ / 861 هـ )   ـ 46 ـ



   تعرضت البصرة للعديد من الحركات خلال هذه الحقبة ، ولكون تلك الحركات لم تظهر جميعها في البصرة لذا رأينا تقسيم تلك الحركات حسب اهمية كلاً منها لتاريخ البصرة .