(فقيه ومحدث)
أحمد بن عليٍّ السيرافيُّ البصريُّ
 



  يُعدُّ الشيخُ أبو العبَّاس احمد بن عليٍ السِيرافيِّ من أبرزِ شُيوخ الرجال والحديث الشِّيعة في زمانه، وهو احمد بن علي بن محمد بن أحمد بن العبَّاس بن نوح السِيرافيُّ نَزِيلُ البصرة وساكنها، وهو من الشُّيوخ المُعمِّرين الموصوفين بالثِقةِ حيث وثَّقه جُلُّ علماء الشِيعة الإماميَّة، ولم نحصل على تأريخٍ دقيقٍ يُعتدُّ به لتأريخ ولادته ووفاته.
  عُرفَ الشيخُ السِيرافيُّ بلقب أبو العبَّاس بن نوح نِسبة لجدِّهِ الرَّابع، الذي نُسب لمدينة سِيراف السّاحلية الواقعة في بلاد فارس قُرب ساحل الخليج، وهي مجاورة للبصرة وإليها نُسب عددٌ من الأدباءُ والمحدثون والمُفسِّرون، ومنهم شيخُنا الإمامي أبو العبَّاس السِيرافيُّ.
  ومن المحتمل أنَّه نشأ بسِيراف وتلقّى علومه الأوَّلية فيها ثُمَّ انتقل للبصرة وهي أقرب الحواضر العلميَّة لموطنه ونُسبَ إليها.
  عاش أبو العبَّاس بن نوح السِيرافيُّ في القرنين الرابع والخامس الهجريَّين وطلب العلم مُبكِّراً حيث سمع من أحمد بن حمدان القزوينيِّ سنة (342 هـ) والتقى بمحمد بن أحمد الصفوانيِّ بالبصرة سنة (352 هـ) وروى عنه مؤلفاتِ الحسن والحسين ابني سعيدٍ الأهوازيِّ، وسمع كذلك من جدِّه محمد بن أحمد بن العبَّاس بن نوح، وأبي الحسن علي بن يحيى بن جعفر السلميِّ الحذاء، وأبي علي أحمد بن الحسين بن إسحاق بن شُعبة الحافظ، وعبد الجبَّار بن شِيران الساكن بنهر جطى بالبصرة، وأبي عبد الله الحسين بن علي بن الحسين ابن موسى بن بابويه القُمِّي أخي الشَّيخ الصدوق الذي قَدِمَ البصرة سنة (378 هـ)، وأبي نصر هبة الله بن أحمد بن محمد الكاتب المعروف بابن برينة، وأبي عبد الله الحسين بن محمد بن سورة القُمِّي، وأبي علي أحمد بن جعفر بن سُفيان البزوفري ابن عم الحسين بن علي البزوفري، وغيرهم، وروى مؤلفات أبو الحسين محمد بن علي بن الفضل ابن تمام بن سكين الدهقان الكوفيِّ، وروى عن أبي غالب الزراريِّ مؤلفات بشر بن سلام وعيص بن القاسم.
  وللشَّيخ السِيرافيِّ تلاميذٌ من أبرزهم الشيخُ النجاشيِّ صاحب كتاب (فهرستْ مُصنِّفيِّ الشِّيعة)، وكذلك أبي عبد الله الحسين بن إبراهيم القُمِّيِّ المعروف بابن الخيَّاط وغيرهم.
  ومن ملاحظة شُيوخ السِيرافيِّ يظهر أنَّه قد سمع من كثير من المشايخ الشِّيعة في أماكن مختلفة في قُمٍّ وسِيراف والبصرة والكوفة وبغداد ومصر، وروى مؤلفات بعض علماء الشِّيعة وأخذ إجازات برواية مؤلفات أخرى، وكان النجاشيُّ من خاصَّةِ تلاميذه وقد مدحه وأثنى عليه وعلى علمه وسعة روايته للأخبار وافاد منه افادةً جليلةً، وعند ورود شيخ الطائفة أبي جعفر الطُوسيُّ إلى العراق سنة (408 هـ)، كان قد سمع بالسِيرافيِّ وأراد الالتقاء به ولكن لم يحصل الّلقاء بسبب وفاة السِيرافيِّ، وقد ترجم الشيخُ الطُوسيُّ لابن نوح في كتابيه (الرجال) و (الفهرستْ) ومدحه وأثنى على علمه وسعة روايته أيضاً، إلَّا أنَّه في ترجمته له في الفهرستْ وبعد أن وثَّقه ذكر حِكاية عن مصدرٍ مجهولٍ تُنبئ بانتحال أحمد السِيرافيُّ لمذاهب فاسدةٍ في الأصول مثل القول بالرؤية وغيرها، وقد تصدَّى عُلماء الجرح والتعديل الشِّيعة في ترجمتهم للشَّيخ السِيرافيّ لمناقشة هذه المسألة وتوصلوا للقول أن نسبة القول برؤية الخالق عز وجل للسِيرافيّ هي غير صحيحة والشّيخ الطوسيُّ كأنَّه أراد بتوثيق السِيرافيِّ أن يُثبتَ عدم صِحَّة الحِكاية المجهولة القائلة برؤية الله جل جلاله بالعين والتي تستلزم الجسميَّة حاشا لله تعالى، وأن القول بهكذا رؤية هي في الواقع تُخرج القائل بها من دائرة الإيمان، وفي الواقع أننا قلنا سابقاً أن جُلَّ علماء الرجال الشِّيعة قد وثَّقوا السِيرافيَّ واعتمدوا على مروياته وأخباره، وهذا يدلُّ على عدم صحة اتهامه بانتحال مثل هكذا رؤية أو قول.
  ترك أحمد السِيرافيُّ مُصنَّفاتٍ كثيرةً أفاد منها الكثير من العلماء وعلى وجه الخصوص كلٌّ من النجاشيُّ والطوسيُّ ومنها : كتاب المصابيح في ذكر من روى عن الأئمة عليهم السلام لكلِّ إمام، وكتاب الزيادات على أبي العبَّاس بن سعيد الكوفيِّ المعروف بابن عُقدة في رجال الإمام الصادق عليه السلام، وكتاب القاضيّ بين الحديثين، كتاب التعقيب والتعفير، كتاب أخبار الأبواب أو مستوفى أخبار الوكلاء الأربعة، كتاب الفقه على ترتيب الأصول وذكر الخلاف فيها وغيرها.
  جدير بالذكر أن كتاب الرجال الذي صنَّفه ابن عُقدة قد ضمَّ تراجماً لأربعة الآف شخصٍ من الذين رووا عن الإمام الصادق عليه السلام ويُعدُّ أوسعُ كتابٍ في بابه، وأن زيادة ابن نوح عليه تجعل كتابه هو أوسع كتاب، وتدل على سعة علمه وخِبرته بأخبار الرجال، وأن كتاب أخبار الأبواب قد تناول فترة غيبة الإمام المهدي عليه السلام وأخبار سُفرائه، ويُعدُّ من الكتب المُهمَّة التي تناولتْ هذه الفترة وقد أخذ الشيخ الطوسيُّ منه في كتابه (الغيبة)، وقد أجاز الشيخ السيرافي للنجاشيِّ رواية كتبه قبل وفاته، التي يمكن ان تكون بين عامي ( 415 و 425 هـ ) .