(شاعر)
ابن معتوق الموسوي البصريّ
الاستاذ وليد المحمد



  زخر تاريخ البصرة الأدبي بجمّ من المعطيات والإنجازات الكبيرة، ولعلَّ من أهمَّها ما تحقق على ايدي الشعراء والذين كان لهم الدور الاكبر في إغناء الساحة الأدبية ، بل في إغناء الحياة بأكملها لما امتاز به الشاعر من مكانة حينها ،إذ كان يمثل اللسان الناطق في التعبير عن كل ما يدور من أحداث ومواقف ،وكان لشعراء البصرة من اتباع مذهب اهل البيت عليهم السلام مواقف مشرفة لإظهار الحق واتباعه فنا ضلوا بالكلمة وجاهدوا بقول الحق رغم كل المصاعب والتحديات التي واجهوها .
  ومن هؤلاء الشعراء الذين نذروا انفسهم للدفاع عن مبادئ أهل البيت عليهم السلام وتجسيد مواقفهم ، والذي استطاع رغم كل ما واجهته من صعوبات لإخفاء الحقيقة التي كان يقولها ويتمسك بها، فقد سطع نجمه في سماء الأدب العربي ووصل الينا شعره في ديوان مشهور ، إنه شاعر العراق في عصره وشاعر أهل البيت السيد شهاب الدين الموسوي المعروف بـ (ابن معتوق) صاحب ديوان (ابن معتوق ).

نسبه

  هو السيد شهاب الدين بن أحمد بن ناصر بن حوزي بن لاوي بن حيدر بن المحسن بن محمد مهدي بن فلاح بن مهدي بن محمد بن أحمد بن علي بن محمد بن أحمد بن الرضا بن إبراهيم بن هبة الله بن الطيب بن أحمد بن محمد بن القاسم بن محمد أبي الفخار بن أبي علي نعمة الله بن عبد الله بن أبي عبد الله جعفر بن موسى بن محمد بن موسى بن أبي جعفر عبدالله ابن الإمام موسى بن جعفر الكاظم (عليه السلام ) (1) .
  ولد في مدينة البصرة (2) عام 1025 هـ الموافق عام 1616 م ، ونشأ بها وتعلّم وقال الشعر أجاده .

شعره

  قال عنه ضامن بن شدقم في (تحفة الأزهار) ج 3 في ترجمته : (كان المترجم له من عباقرة شعراء أهل البيت (عليهم السلام) فخم اللفظ، جزل المعنى) ثم قال : (كان سيداً جليلاً، حسن الأخلاق، كريم الأعراق، فصيحاً أديباً شاعراً) ثم ذكر نبذة من شعره، وذكره صاحب (تاريخ آداب اللغة العربية) ج 3 ص 280 وقال : إنه مشهور برقته، كما ذكره البستاني في دائرة المعارف الاسلامية ج 10 ص 589 وقال : (كان من أعيان القرن الحادي عشر وكان له شعر رقيق وشعر منسجم) .
  اما ما ذكره السيد علي خان صاحب كتاب السلافة إذ قال أنه شاعر العراق رفيع الشرف يمتلك من ظرافة الأدب والجد ... وله اشعار جميلة عميقة المعنى في السادات الأشراف وكبار الشيعة (3) .
  (وقد امتازت قصائده بقوة السبك وجمال القافية وانتخاب الاوزان الملائمة للغرض الذي نظمت من أجله وقد وفق ابن معتوق في رسم العديد من الصور الشعرية الموحية والمؤثرة ونظم في كل ألوان الشعر العربي فنراه متنقلًا بين المديح والغزل والهجاء والرثاء والفخر والتهنئة والإخوانيات، إلا أنه أطال الاقامة عند غرض المديح ومدح الرسول (صلى الله عليه واله) وأهل بيته بعينهم دون آخرين، ولعل ذلك نابع من قربهِ منهم أو من إيمانه بشخوصهم وبأنهم يمثلون الحق والعدالة والوجه المشرق للحياة بنظرِه. وقد كانت لغته سهلة سلسة وقلمه فياض بالأفكار والصور ...) (4)

ديوانه

  اصاب ابن معتوق الموسوي في أواخر حياته مرض الفالج ، فلم يستطع أن يجمع شعره وكان له ابن اسمه معتوق جمع أكثر شعره في ديوان سماه باسمه (ابن ابي معتوق) ، ولثقل تلفظه على اللسان حدث تصحيف وتحريف فسمي عنوان الديوان (ابن معتوق) ولقد صرح بذلك السيد محسن الأمين في (أعيان الشيعة) ج 3 ص 175 نقلاً عن ملحق السلافة وكتاب الأنوار كما أشار المحقق الشيخ آغا بزرك الطهراني في (الذريعة الى تصانيف الشيعة) ج 9 ق 1 ص 29 الى ذلك في ذكره لديوان الشاعر أبي معتوق فقال (جمع الديوان ولد الناظم معتوق بن شهاب الدين بعد موت والده ورتبه على ثلاثة فصول : المدائح والمراثي والمتفرقات ... الخ) ثم قال : (وطبع مرة على الحجر بمصر عام 1271 هـ، وأخرى على الحروف بمطبعة شرف عام 1302 هـ وأخرى بالإسكندرية عام 1290 هـ، واخرى ببيروت عام 1885 م).

ابن معتوق واهل البيت عليهم السلام

  كان ابن معتوق الموسوي من كبار شعراء الشيعة (5) وقد احتوى ديوانه على الكثير من القصائد في مدائح ومراثي أهل البيت (عليهم السلام) ونشر فضائلهم وإبراز سيرتهم العطرة حتى بلغ من حبه لهم (عليهم السلام) ان اتهمه بعض الحاقدين بالغّلو فيهم ، ففي ترجمته في الوسيط قال الاسكندري : (شاعر العراق في عصره وسابق حلبته في رقة شعره ...) ثم قال في نهاية الترجمة : (وابن معتوق من كبار الشيعة فأفرط في التشيع في شعره وجاء في مدح علي والشهيدين بما يخرج عن حد الشرع والعقل ويمتاز شعره بالرقة وكثرة الاستعارات والتشبيهات حتى لتكاد الحقيقة تهمل فيه جملة) (6) وقد تصدى الأميني في الغدير للرد على الاسكندري فقال شعراء القرن الحادي عشر ما نصه : (لم يكن شاعرنا أبو معتوق العلوي نسباً ومذهباً العلوي نزعةً وأدباً ببدع من بقية موالي أهل بيت الوحي صلوات الله عليهم وشعرائهم المقتصدين البعيدين عن كل افراط وغلو المقتصين أثر الشرع والعقل في ولاء آل الله وإلا فهذا ديوان أبي معتوق بمطلع الأكمّة من القارئ لكن الاسكندري راقه القذف فقال: وليست هذه بأول قارورة كسرت في الإسلام ونحن عرفناك الفئة الغالية وإنها غير الشيعة والله هو الحكم العدل) (7) .
  لقد أجاد الشيخ الأميني وأبدع في رده على الاسكندري قوله ونفي تهمة الغلو عن شاعرنا في استكثاره مدح أهل بيت الرحمة وموضع الرسالة ونجوم السماء لأهل الأرض وسفن النجاة.
  ومن الابيات التي وردت في مدح اهل بيت النبي عليهم السلام :
وقـد جـلّ عن سائل التشبيه iiرتبته      إذ  فـوقه لـيس إلا الله فـي العظمُ
ذريـة  مـثل ماء المزن قد iiطهروا      وطـيبوا  فـصفت أوصـاف ذاتهمُ
أئـمـة  أخــذ الله الـعهود iiلـهم      عـلى جـميع الورى من قبل خلقهمُ
كـفاهم ما ب(عمّ) و(الضحى) iiشرفاً      و(الـنور) و(النجم) من آي أتت بهمُ
سل (الحواميم) هل في غيرهم نزلت      و(هـل  أتـى) هل أتى إلا iiبمدحهمُ
أكـارم  كـرمت أخـلاقهم iiفـبدت      مـثل الـنجوم بـماء فـي iiصفاتهمُ
أطـائب  يـجد الـمشتاق iiتـربتهم      ريـحاً  تـدل بـما في طيب iiذاتهمُ
شـكراً  لآلاء ربـي حـيث ألهمني      ولاءهـم  وسـقاني كـأس iiحـبهمُ
  وكانت أول قصائد ديوانه ابتدأت في مديح النبي (صلى الله عليه واله) مطلعها :
هـذا العقيق وتلك ثم iiرعانه      فأفرج لجين الدمع من عقيانه
  وقد نظمها أثناء زيارته الى مكة المكرمة والمدينة المنورة كما صرح بذلك في القصيدة :
أمّـلت فيك وزرت قبرك iiمادحاً      لأفـوز  عـند الله في iiرضوانه
عـبدٌ  أتـاك يقوده حسن iiالرجا      حـاشا  نـداك يعود في حرمانه
فـاقبل إنـابته إلـيك فـإنه بك      يـسـتقيل  الله فـي iiعـصيانه
فـاشفع  لـه ولآلـه يوم iiالجزا      ولـوالديه  وصـالحي iiإخـوانه
صلى الإله عليك يا مولى الورى      مـا حـنّ مـغتربٌ الى iiأوطانه
  وله قصيدة في رثاء سيد الشهداء الامام الحسين عنوانها (هلَ المحرم) مطلعها .
هَـلَّ الْـمُحَرَّمُ فَـاسْتَهِلَّ مُـكَبِّرَا      وَانْثُرْ بِهِ دُرَرَ الدُّمُوعِ عَلَى iiالثَّرَى
وانـظر  بغرتهِ الهلال إذا iiانجلى      مـسـترجعاً  مـتفجعاً iiمـتفكراً
واقطفْ ثمارَ الحزنِ من iiعرجونهِ      و  اْنْـحَرْ بِخَنْجِرِهِ بِمُقْلَتِكَ iiالْكَرَى
وانـس العقيقَ وأنسَ جيرانِ النقا      واذكر لنا خبر الطفوفِ وما جرى
  توفي ابن معتوق عام 1087 هـ - 1676 م.

الهوامش

  (1) تذييل سلافة العصر ، السيد عبدالله الجزائري ، ص 22 ، تحقيق السيد هادي باليل الموسوي المكتبة الادبية المختصة .
  (2) الاعلام ،خير الدين الزركلي ج 3 ص 178 . وقيل انه ولد في الحويزة التابعة لإقليم خوزستان فهي كذلك كانت تابعة للبصرة ايام العهد العثماني.
  (3) أعيان الشيعة، ج 7 / 370 .
  (4) دراسة تحليلية لنماذج شعرية من شعر ابن معتوق الموسوي، د. زينب عبد الكريم المنشور في مجلة كلية التربية الاساسية للعلوم التربوية والانسانية ، جامعة بابل نيسان / 2015 م العدد / 20 ص 43 .
  (5) جواهر الأدب في أدبيات وإنشاء لغة العرب ، أحمد الهاشمي ص 390.
  (6) الوسيط في الادب العربي وتاريخه ، الشيخ احمد الاسكندري ص 315، طبعة 1919 م دار المعارف للطباعة والنشر، القاهرة .
  (7) الغدير - الشيخ الأميني - ج 11 / ص 308 - 309 .