(عمر الاطراف)
الهَفْهافُ بنُ المُهَنَّدِ الرَّاسِبيّ البَصْرِيّّ
 


المقدَّمة

  إنَّ كلَّ صفحةٍ مِن صفحاتِ التاريخ يمكن أن نستلَّ منها الدروس ونستلهم منها العِبَر، غير أنَّ تاريخ العِظام ورجالات الإصلاح أولى أن تأخذَ مساحتها من البحث والتحقيق، وتستأثر في الاهتمام، إذ إنَّ حياتهم احتلّت أنصعَ الصَّفحات، فهم قاماتٌ عِملاقة حفرت ذاكرة التأريخ، ونقشت بصماتها على جبينه، وأعلامٌ أبت أن يتجاهلها الزمن بتقادمه ويلفَّها النسيان كما لفَّ الكثير غيرها، مِن أولئك النجوم، شهداء الطفِّ الخالدون من أصحاب الحسين ع، الذين عبّر عنهم بقوله :
  (فإنّي لا أعلم أصحاباً أوفى ولا خيراً مِن أصحابي ...) أولئك الذين اختاروا الموت في سبيل الله والعزّة والكرامة، وفضّلوا الشهادة في سبيل إمام زمانهم بعزٍّ وشرف على الحياةِ معَ غيرِه بذلّةٍ وهوان.
  والبصرة كان لها حضورٌ إيجابيٌّ فاعلٌ في نُصرة الحسين بن علي عليه السلام في واقعة الطف عام 61 هجري، كما أدَّت أدواراً مماثلةً في نصرة أمير المؤمنين (ع) في معركة الجمَل عام 36 هجري، وكان في طليعة مَن نال شرف النُّصرة والشهادة في سبيل إصلاح الأمّة في نهضة الحسين (ع) هو سفيره إلى البصرة سليمان بن رزين الذي جاءَ حاملاً رسالة الإمام إلى الأشراف ورؤساء الأخماس مِن أهلها، وقتله عبيد الله بن زياد ليلة خروجه من البصرة إلى الكوفة، فكان أوّل قربان من الركب الحسيني سقطَ مضرَّجاً بدماء الشهادة على أرضها.
  ومن دواعي الفخر والوفاء أن نستذكرَ تلك المواقف المشرِّفة لأهل البصرة في النهضة الحسينيّة الخالدة، فما أن بلغهم خبر استعداد الإمام ع وعزمه على الخروج مِن مكّة معلناً صرخته الخالدة (... إنّي لم أخرج أشِراً ولا بطِراً ولا مُفسِداً ولا ظالماً، وإنّما خرجتُ لطلبِ الإصلاح ........) بدأت تحرّكاتهم لنصرته والّلحاق به عليه السلام فكانوا يجتمعونَ في دار إحدى النِّساء البصريّات تُدعى (مارية العبدية) فكانت دارها مألفَ الشيعة آنذاك.

  البصرة والطف

  أنَّ نصيبَ البصرةِ من شهداءِ الطفّ على حد تتبعنا عشرة نفر هم الادهم بن أمية العبدي، وكان من شهداء الحملة الأولى، جاء إلى الحسين مِن البصرة والتحق به في كربلاء، وسالم مولى عامر بن مسلم بن حسان بن شريح العبدي، وعامر بن مسلم بن حسّان بن شريح العبدي، وسيف بن مالك العبدي ويزيد بن ثُبيط العبدي، وعبدالله وعبيد الله أولاد يزيد بن ثُبيط والحجّاج بن بدر التميمي، وقُعنب بن عمرو النّمريّ، والهفهاف بن المهنّد الراسبي الأزدي البصري، الذي نال وسامَ الشرف والرتب العالية في دار الدنيا والآخرة، وصل كربلاء بعد مقتل سيِّد الشهداء وفي ذلك الجو المشحون، وقت قطع الرؤوس وإحصائها، وتنافس القبائل في حيازة الرؤوس تقرُّباً لأميرهم، في ذلك الوقت يصِل ذلكَ الفارِس الشُّجَاع البصري الذي برَزَ اسمُه مُدافِعَاً عنَ نهج عليٍّ والحسين عيه السلام.

من هو الهفهاف ؟

  هو الهفهاف بن المهنّد الرّاسبي البَصري الذي اشتهر بـ (عمر الاطراف) الذي قُتِلَ يومَ الطفّ بعدَ شهادة الحسين عليه السلام على ما رواه حميد بن أحمد في كتاب الحدائق، قال : (كان الهفهاف هذا فارساً شجاعاً بصريّاً، مِن الشيعة ومِن المخلِصين في الولاء، له ذكر في المغازي والحروب، وكان من أصحاب أمير المؤمنين (ع)، وحضر معه مشاهده كلَّها، ولمّا عقَد الألوية يوم صفّين ضمَّ تميم البصرة إلى الأحنف بن قيس، وأمّرَ على حنظلة البصرة أعين بن ضبعة، وعلى أزد البَصرة الهفهَاف بنِ المهنّد الراسبي الأزدي ... وكان مُلازماً لعليٍّ إلى أن قتل، فانضمَّ بعدَه إلى ابنِه الحسن عليه السلام، ثمَّ إلى الحسين (ع) ، وصل إلى أرض الطفِّ بعد صلاة العصر ، سأل : أين الحُسين ؟ فدخل على عُمر بنِ سعد فسأل القومَ ما الخبر، اين الحُسين بنُ عليٍّ ؟ فقالوا : مَن أنت ؟ فقال : أنا الهفهاف الراسبي البصري، جئتُ لنصرة الحُسين ع حين سمعتُ خروجه من مكّة إلى العراق).
  فقالُوا له : قد قتلنا الحُسين وأصحابه وأنصاره وكلَّ مَن لحِقَ بهِ وانضمَّ إليه، ولم يبقَ غير النساء والأطفال وابنه العليل علي بن الحسين، أما ترى هجومَ القومِ على المخيَّم وسلبهم بنات رسولِ الله، فلمّا سمِعَ الهفهاف بقتل الحسين (ع) وهجوم الناس انتضى سيفَه وهو يرتجز ويقول :

يــــــــا أيُّها الجُند المجنّد............. أنــا الهفهاف بن المهنّد.............أحمي عيالات محمّد


  سلامٌ على آخر شهيدٍ مِن شهداء الطفِّ يومَ وُلد ويوم لبّى نداءَ الحقِّ واستُشهد في سبيل العقيدة، وسلامٌ عليه في الخالدين.