(علم الكلام)
العطوي
الاستاذ بيان علي عبد الرحيم المظفر

 ابو عبد الرحمن محمد بن عبد الرحمن بن ابي عطية يعرف بالعطوي نسبة الى جده عطية ، بصري المولد والمنشأ كناني الولاء ، معتزلي العقيدة ، عاش في فترة ذهبية في العصر العباسي .
 وكان فقيراً إلا ان فقره لم يقف حائلا بينه وبين التزود من ثقافة عصره وكانت بيئة البصرة العلمية خير مساعد له على هذا الأمر ، اذ انتشرت مراكز الثقافة فيها لكل مكان ، وكانت مجالس المتكلمين مفتوحة للجميع من موسورين ومعدمين فاتجه الى هذه المجالس حتى برع في علم الكلام وصار من ( حذاق المتكلمين ) .
 كان يحترف الكتابة في البصرة ، اذ تقول عنه بعض المصادر انه كان كاتباً إلا ان حالته الاقتصادية لم تكن ميسورة فكان فقيراً والشكوى من هذا الفقر والحرمان الذي كان يعيشها مقابل حياة الترف التي يعيشها غيره من العلماء والجاه والحظوة التي كان ينالها هؤلاء من الخلفاء والوزراء .. كل هذا أمتلأ به شعره وعبر عنه أصدق تعبير .
 أضف الى ذلك ان الرجل كان معتزلياً ( قوياً ) في مذهبه ولهذا توجه إلى أصحاب السلطان ببغداد وسامراء لعله ينال ما تحسن به الحال واتصل بالقاضي البصري الاصيل احمد بن ابي دؤاد الذي كان معتزلياً ايضاً .
 لذا نراه يتقرب إليه فيحضر مجلسه الذي برع فيه بقوة جدله مع خصومه وكان إذا حضر مجلساً غلب عليه ببراعته وفصاحته .
 والتقرب الى هذا القاضي ليس مرده المدح ، اذ لم يصل ألينا من شعره شيء فيه وان كان قد مدحه بقصائد يسيرة ورثاه بعد وفاته مراراً وصل إلينا بعضاً من شعره ، ولعل ما ذكر عن ابن ابي دؤاد أنه من أهل البصرة دافع اَخر الى اتصال شاعرنا به لكونهما من بلد واحد .
 وقد تحسنت حاله بفضل ابن ابي دؤاد وأفاد منه كثيراً غير ان الامور لم تبق على ما هي عليه وبعد وفات هذا القاضي نقصت حاله وبخاصة بعد ضعف المعتزلة ومطاردتهم ، وصاحبنا كان واحداً ... فعاد الى حالة الفقر فأكثر التشكي وذم الزمان ومعاتبة الاصدقاء ولعله في هذه الفترة بالذات أقبل على الشرب وأنغمس في السكر كرد فعل لرقة حاله وانصراف الزمان وبإزاء هذا الفقر أهمل الاهتمام بمظهره ونظافته ومن هنا بدأت حالة العطوي تسوء يوماً بعد يوم .
 ويبدو انه حاول الاتصال بغير ابي دؤاد فقيل انه اتصل بيحيى ابن اكثم ، اذ كلفه بالرد على اسحاق الموصلي في احد المجالس فلم يحصل من ابن اكثم على ما يريد لعداءه للمعتزلة فبقي على حالته هذه حتى فقد كل شيء بوفاة احمد بن ابي دؤاد ( ت 240 هـ ) وقد عاش بعده زمناً لا يقل عن عشر سنوات عاشها في معاقرة الخمر والشكوى من الفقر ويظهر انه عاد الى البصرة ، فبقي فيها حتي وفاته .
 اما عن اعتزاله فقد قيل عنه كان معتزلياً في مذهبه متقدم في جدله بهذا المذهب اتصل باحمد بن ابي دؤاد وتقرب اليه وكان مختصاً به فيعد من متكلمي المعتزلة ويذهب الى مذهب الحسين بن محمد النجار رئيس فرقة معتزلية تسمى بإسمه .
 وله كتابان في هذا الفن الاول كتاب ( خلق الافعال ) وفيه يذهب مذهب النجار والثاني ( الادراك ) وفيه يخالفه .
 اما اذ نظرنا الى شعره الذي وصل الينا وجدنا اكثره في الاخوانيات والمناسبات ولكنه انصرف بعد رقة حاله وفقره الى غرض شكوى الخمريات وكذلك هناك قصائد في الرثاء والهجاء واجاد فيها فلا يقل عن معاصريه من شعراء البصرة وقد اعلن القدامي الى هذا فلم يقولوا في وصفه اكثر من شاعر مطبوع وشعره يستحسن وقيل عنه له فن من الشعر لم يسبق اليه ذهب فيه الى مذهب اصحاب الكلام ففاق جميع نظرائه وخف شعره على كل لسان وروي .
 واستعمله الكتّاب واحتذوا معانيه وجعلوه اماماً لاكثار من استعمال اساليب المتكلمين في شعره مما عرف عند علماء البلاغة بالمذهب الكلامي ، ولعل شيوع هذه الظاهرة في شعره تكسبه اهمية وهي كونه من اوائل الذين اتجهوا بالشعر اتجاهاً عقلياً افقد الشعر في كثير من الاحيان قوته وتاثيره الا انه دلل على شمول العلوم العقلية وغلبتها على كافة مجالات الحياة .