البصرة في كتب التراث
معجم البلدان

الاستاذ جواد كاظم النصر الله

   المقدمة
بسم الله الرحمن الرحيم
  يعد كتاب معجم البلدان لمؤلفه ياقوت الحموي من اشهر واهم المصادر التاريخية فهو كتاب بلداني يتحدث عن المواقع على اختلاف احجامها واهميتها في طول البلاد الاسلامية وقد رتب معجمه على اساس الاحرف الابجدية لأسماء الاماكن بعد حذف ألـ التعريف ويجد الباحث مادة علمية متنوعة ولكنها متبايتة حسب حصوله على المعلومات من حيث المعنى اللغوي لإسم المكان وموقعه من درجات الطول والعرض مضافاً للجانب الاجتماعي والسياسي والديني والاقتصادي والعمراني والفكري حسب التطور التاريخي ، ومن هذه البلدان كانت البصرة التي شغلت حيزاً من كتابه مع ملاحظة ان الباحث سيجد مادة اخرى في ما يخص الاماكن التابعة للبصرة كالابلة مثلاً في حرف الالف وهكذا .
  بدأ الحموي كلامه عن البصرة ببيان مساحتها وموقعها حيث ذكر ان البصرة طولها ( 74 ) درجة وعرضها ( 31 ) درجة ، وهي في الاقليم الثالث ، ثم اشار في الاختلاف في معنى البصرة في اللغة :
أولاً : الارض الغليظة التي فيها حجارة تقلع وتقطع حوافر الدواب .
ثانياً : البصرة حجارة رخوة في بياض .
ثالثاً : ان المسلمين حين وافوا مكان البصرة للنزول بها نظروا اليها من بعيد وأبصروا الحصى عليها فقالوا ان هذه الارض بصرة يعنون حصبة فسميت بذلك .
رابعاً : ان البصرة الطين العلك .
خامساً : الارض الطيبة الحمراء .
سادساً : سميت البصرة لان فيها حجارة سوداء صلبة وهي البصرة وأنشد لخفاف بن ندبة :
ان كنت جلمود بصر لا او يسهاوقـد  عـليه واحميه فينصدع
  قال الطرماح بن حكيم :
مـؤلـفة تهوى جميعها كما iiهوىمن النيق فوق البصرة المتطحطح
  وعلق الحموي : هذان البيتان يدلان على الصلابة لا الرخاوة .
سابعاً : البصرة تعريب بصراه لأنها كانت ذات طرق كثيرة انشعبت منها الى اماكن مختلفة .
ثامناً : وقال قوم البصر والبصر الكذان وهي الحجارة التي ليست بصلبة سميت بها البصرة كانت ببقعتها عند اختطاطها واحدة بُصرة وبِصرة .
  واما النسب اليها فيقال بِصري بكسر الباء لإسقاط الهاء فوجب كسر الباء في البصري مما غير في النسب كما قيل في النسب الى اليمن يمان والى تهامة تهام والى الري رازي وما اشبه ذلك من المغير .
  واما فتحها وتمصيرها فقد روى ان عمر بن الخطاب اراد ان يتخذ للمسلمين مصراً ولكنه كره ان يكون بينه وبينهم بحر قائلاً : لا حاجة في شيء بيني وبينه دجلة ان تتخذوه مصراً ، ثم قدم عليه ثابت السدوسي ، فقال له : اني مررت بمكان دون دجلة فيه قصر وفيه مسالح للعجم يقال له الخريبة ويسمى ايضاً البصيرة بينه وبين دجلة اربعة فراسخ خليج بحري فيه الماء الى أجمه قصب .
  فأعجب ذلك عمر وكانت قد جاءته اخبار الفتوح من ناحية الحيرة وكان سويد بن قطبة الذهلي وبعضهم يقول قطبة بن قتادة يغير في ناحية الخريبة من البصرة على العجم كما كان المثنى بن حارثة يغير بناحية الحيرة فلما قدم خالد بن الوليد البصرة من اليمامة والبحرين مجتازاً الى الكوفة بالحيرة سنة اثنتي عشرة اعانه على حرب من هنالك وخلف سويداً ويقال : ان خالداً لم يرحل من البصرة حتى فتح الخريبة وكانت مسلحة للأعاجم وقتل وسبي وخلف بها رجل من بني سعد بن بكر بن هوازن يقال له شريح بن عامر ويقال انه أتى نهر المرأة ففتح القصر صلحاً .
  وكان الواقدي ينكر ان خالداً مر بالبصرة ويقول انه حين فرغ من امر اليمامة والبحرين قدم المدينة ثم سار منها الى العراق على طريق فيد والثعلبية والله اعلم ، ولما بلغ عمر ابن الخطاب خبر سويد بن قطبة وما يصنع بالبصرة راى ان يوليها رجلاً من قبله فولاها عتبة بن غزوان بن جابر بن وهيب بن نسيب احد بني مازن بن منصور بن عكرمة بن خصفة حليف نبي نوفل بن عبد مناف وكان من المهاجرين الاولين اقبل في اربعين رجلاً منهم نافع بن الحارث بن كلدة الثقفي وابو بكرة وزياد بن ابيه واخت لهم ، وقال له عمر : ان الحيرة قد فتحت فأت انت ناحية البصرة واشغل من هناك من اهل فارس والاهواز وميسان عن امداد اخوانهم فاتاها عتبة وانضم اليه سويد بن عقبة فيمن معه من بكر بن وائل وتميم .
  قال نافع بن الحارث فلما ابصرتنا الدبادبة خرجوا هراباً وجئنا القصر فنزلناه فقال عتبة ارتادوا لنا شيئاً نأكله قال فدخلنا الاجمة فأذا زنبيلان في احدهما تمر وفي الآخر ارز بقشره فجذبناهما حتى ادنيناهما من القصر واخرجنا ما فيهما فقال عتبة هذا سم اعده لكم العدو يعني الارز فلا تقربنه فأخرجنا التمر وجعلنا نأكل منه فاننا لكذلك فاذا بفرس قد قطع قيادة واتى ذلك الارز ياكل منه فلقد رايتنا نسعى بشفارنا نريد ذبحه قبل ان يموت فقال صاحبة امسكوا عنه احرسه الليلة فإن احست بموته ذبحته فلما اصبحنا اذا الفرس يرث لا بأس عليه فقالت اختي يا اخي اني سمعت ابي يقول : ان السم لا يضر اذا نضج فأخذت من الارز توقد تحته ثم نادت الا انه يتفصى من حبيبة حمراء ثم قالت قد جعلت تكون بيضاء فما زالت تطبخه حتى انماط قشره فالقيناه في الجفنه فقال عتبة اذكروا اسم الله عليه وكلوه فاكلوا منه فاذا هو طيب قال فجعلنا بعد نميط عنه قشرة ونطبخه فلقد رايتني بعد ذلك وانا اعده لولدي ثم قال انا التأمنا فبلغنا ستمائة رجل وست نسوان احداهن اختي .
  واعد عمر عتبة بهرثمة ابن عرفجة وكان بالبحرين فشهد بعض هذه الحروب ثم سار الى الموصل ، قال وبني المسلمون بالبصرة سبعة دساكر اثنتان بالخريبة واثنتان بالزابوقة وثلاث في موضع دار الازد اليوم وفي غير هذه الرواية انهم بنوها بلبن في الخريبة اثنتان وفي الازد اثنتان وفي الزابوقة واحده وفي بني تميم اثنتان ففرق اصحابه فيها ونزل هو الخريبة .
  قال نافع : ولما بلغنا ستمائة قلنا الا نسير الى الابلة فانها مدينة حصينة فسرنا اليها ومعنا العنز وهي جمع عنزة وهي اطول من العصا واقصر من الرمح وفي رأسها زج وسيوفنا وجعلنا للنساء رايات على قصب وامرناهن ان يثرن التراب وراءنا يحن يرون انا قد دنونا من المدينة فلما دنونا منها صففنا اصحابنا قال وفيها دبادبتهم وقد اعدوا السفن في دجلة فخرجوا الينا في الحديد مسومين لا نرى منها الا الحدق قال فوالله ما خرج احدهم حتى رجع بعضهم الى بعض قتلاً وكان الاكثر قد قتل بعضهم بعضاً ونزلوا السفن وعبروا الى الجانيب الآخر وانتهى الينا النساء وقد فتح الله علينا ودخلنا المدينة وحوينا متاعهم واموالهم وسألناهم ما الذي هزمهم من غير قتال فقالوا عرفتنا الدلبادبة ان كميناً لكم قد ظهر وعلا رهجه يريدون النساء في إثارهن التراب .
 وذكر البلاذي لما دخل المسلمون الابلة وجدوا خبز الحوارى فقالوا هذا الذي كانوا يقولون : انه يسمن فلما اكلوا منه جعلوا ينظرون الى سوادهم ويقولون : ما نرى سمنا ، وكان عوانه بن الحكم : كانت مع عتبة بن غزوان لما قدم البصرة زوجته ازدة بنت الحارث بن كلدة ونافع وابو بكرة وزياد فلما قاتل عتبة اهل مدينة الفرات جعلت امراته ازدة تحرض المؤمنين على القتال وهي تقول : ان يهزموكم يولجوا فينا الغلف ففتح الله على المسلمين تلك المدينة واصابوا غنائم كثيرة ولم يكن فيهم احد يحسب ويكتب الا زياد فولاه قسم من ذلك الغنم وجعل له في كل يوم درهمين وهو غلام في رأسه ذؤابة .
  ثم ان عتبة كتب الى عمر يستأذنه في تمصير البصرة وقال : انه لا بد للمسلمين من منزل اذا اشتا شتوا فيه واذا رجعوا من غزوهم لجأوا اليه عمر ان ارتد لهم منزلاً قريباً من المراعي والماء واكتب الي بصفته فكتب الى عمر : اني قد وجدت ارضاً كثيرة القضة في طرف البر الى الريف ودونها مناقع فيها ماء وفيها قصباء ، ثم اوضح الحموي معنى القضة وهي الحجارة المجتمعة المتشققة وقيل : ارض قضة ذات حصى واما القِضة بالكسر والتخفيف ففي كتاب العين انها ارض منخفضة ترابها رمل ، وقال الازهري : الارض التي ترابها رمل يقال لها قِضة بكسر القاف وتشديد الضاد واما القضة بالتخفيف فهو شجر من شجر الحمض ويجمع على قضين وليس من المضاعف وقد يجمع على القضى مثل البرى .
  وقال الجوهري القِضة بكسر القاف والتشديد الحصى الصغار والقضة ايضاً ارض ذات حصى ، قال ولما وصلت الرسالة الى عمر قال هذه ارض بصره قريبة من المشارب والمرعى والمحتطب فكتب اليه ان انزلها فنزلها وبنى مسجدها من قصب وبنى دار امارتها دون المسجد في الرحبة التي يقال لها رحبة بني هاشم وكانت تسمى الدهناء وفيها السجن والديوان وحمام الامراء بعد ذلك لقربها من الماء فكانوا اذا غزوا نزعوا ذلك القصب ثم حزموه ووضعوه حتى يعدوا من الغزوا فيعيدوا بناءها كما كان ، وقال الاصمعي : لما نزل عتبة بن غزوان الخريبة ولد بها عبد الرحمن بن ابي بكرة وهو اول مولود ولد بالبصرة فنحر ابوه جزوراً اشبع منها اهل البصرة وكان تمصير البصرة في سنة اربع عشرة قبل الكوفة بستة اشهر وكان ابو بكرة اول من غرس النخل بالبصرة وقال هذه ارض نخل ثم غرس الناس بعده ، وقال ابو المنذر اول دار بنيت بالبصرة دار نافع بن الحارث ثم دار معقل بن يسار المزني .
  وقد روي من غير هذا الوجه ان الله عز وجل لما اظفر سعد بن ابي وقاص بارض الحيرة وما قاربها كتب اليه عمر ابن الخطاب ان ابعث عتبة بن غزوان الى ارض الهند فان له من الاسلام مكاناً وقد كان شهد بدراً وكان الابلة يوم اذ تسمى ارض الهند فلينزلها ويجعلها قيرواناً للمسلمين ولا يجعل بيني وبينه بحراً .
  فخرج عتبة من الحيرة في ثمانمائة رجل حتى نزل موضع البصرة فلما افتتح الابلة ضرب قيروانه وضرب للمسلمين اخبيتهم وكانت خيمة عتبة من أكسية ، ورماه عمر بالرجال فلما كثروا بنى رهط منهم فيها سبعة دساكر من لبن منها في الخريبة اثنتان وفي الزابوقة واحده وفي بني تميم اثنتان ، وكان سعد بن ابي وقاص يكاتب عتبة بامره ونهيه فانف عتبة من ذلك واستاذن عمر في الشخوص اليه فاذن له فاستخلف مجاشع بن مسعود السلمي على جنده وكان عتبة قد سيره في جيش الى فرات البصرة ليفتحها فامر المغيرة بن شعبة ان يقيم مقامه الى ان يرجع .
  ولما اراد العتبة الانصراف الى المدينة خطب الناس وقال كلاماً في آخره وستجربون الامراء من بعدي قال الحسن فلقد جربناهم فوجدنا له الفضل عليهم .
  قال وشكى عتبة الى عمر تسلط سعد عليه فقال له وما عليك اذا اقررت بالاماره لرجل من قريش له صحبة وشرف فامتنع من الرجوع فابى عمر الا رده فسقط عن راحلته في الطريق فمات وذلك في سنة ( 16 هـ ) .
  ولما سار عتبة عن البصرة بلغ المغيرة إن دهقان ميسان كفر ورجع عن الاسلام واقبل نحو البصرة وكان عتبة قد غزاها وفتحها فسار اليها المغيرة فلقيه بالمنعرج فهزمه وقتله ، وكتب المغير الى عمر بالفتح منه فدعى عمر عتبة وقال له : الم تعلمني انك استخلفت مجاشعاً ! قال : نعم ، قال : فان المغيرة كتب الي بكذا ، فقال : ان مجاشعاً كان غائباً فأمرت المغيرة بالصلاة الى ان يرجع مجاشع .
  فقال عمر : لعمري ان اهل المدر لأولى ان يستعملوا من اهل الوبر ، يعني باهل المدر المغيرة لانه من اهل الطائف وهي مدينة ، وبأهل الوبر مجاشعاً لانه من اهل البادية ، واقر المغيرة على البصرة ، فلما كان مع ام جميل وشهد القوم عليه بالزنا استعمل عمر على البصرة ابا موسى الاشعري ارسله اليها وامره بانفاذ المغيرة اليه ، وقيل كان ابو موسى بالبصرة فكاتبه عمر بولايتها وذلك في سنة ( 16 او 17 هـ ) .
  ثم اشار الحموي لمسجد البصرة وتطور بناءه حيث لما ولي ابو موسى كان الجامع بحالة وحيطانه قصب فبناه ابو موسى باللبن وكذلك دار الامارة وكان المنبر في وسطه وكان الامام اذا جاء للصلاة بالناس تخطى رقابهم الى القبة فخرج عبد الله بن عامر بن كريز وهو امير لعثمان على البصرة ذات يوم من دار الامارة يريد القبلة وعليه جبة خز دكناء فجعل الاعراب يقولون : على الامير جلد دب ، فلما استعمل معاوية زياداً على البصرة قال زياد : لا ينبغي للامير ان يتخطى رقاب الناس فحول دار الامارة من الدهناء الى قبل المسجد وحول المنبر الى صدره فكان الامام يخرج من الدار من الباب الذي في حائط القبلة الى القبلة ولا يتخطى احد وزاد في حائط المسجد زيادات كثيرة وبنى دار الامارة باللبن وبنى المسجد بالجص وسقفه بالساج فلما فرغ من بنائه جعل يطوف فيه وينظر اليه ومعه وجوه البصرة فلم يعب فيه الادقة الاساطين قال ولم يؤت منها قط صدع ولا ميل ولا عيب ، وفيه يقول حارثة بن بدر الغداني :
بـنـى زيـاد لـذكـر الله iiمصنعه
لـو  لا تـعـاون ايدي الرافعين iiله

بالصخر والجص لم يخلط من الطين
اذا  ظـنـنـاه اعـمـال الشياطين
  وجاء بسواريه من الاهواز وكان قد ولى بناءه الحجاج بن عتيك الثقفي فظهرت له اموال وحال لم تكن قبل ففيه قيل : يا حبذا الامارة ولو على الحجارة ، وقيل ان ارض المسجد كانت تربة فكانوا اذا فرغوا من الصلاة نفظوا ايديهم من التراب فلما رأى زياد ذلك قال لا آمن ان يظن الناس على طول الايام ان نفض اليد في الصلاة سنة فأمر بجمع الحصى والقائه في المسجد الجامع ووظف ذلك على الناس فشتد الموكلون بذلك على الناس واروهم حصى انتقوه فقالوا ائتونا بمثله على قدره والوانه وارتشوا على ذلك .
  فقال : يا حبذا الامارة ولو على الحجارة فذهبت مثلاً ، وكان جانب الجامع الشمالي منزوياً لانه كان دار لنافع بن الحارث اخي زياد فابا ان يبيعها فلم يزل على تلك الحال حتى ولى معاوية عبيد الله بن زياد على البصرة فقال عبيد الله اذا ذهب عبد الله بن نافع الى اقصى ضيعة فاعلمني فشخص الى قصره الابيض .
  فبعث فهدم الدار واخذ في بناء الحائط الذي يستوي به ترابيع المسجد ، وقدم عبد الله بن نافع فضج ، فقال له : اني اثمن لك واعطيمك مكان كل ذراع خمسة اذرع وادع لك خوخة في حائطك الى المسجد واخرى في غرفتك فرضي فلم تزل الخوختان في حائطه حتى زاد المهدي فيه ما زاد فدخلت الدار كلها في المسجد .
  ثم دخلت دار الامارة كلها في المسجد وقد امر بذلك الرشيد ولما قدم الحجاج خبر ان زياداً بني دار الامارة فاراد ان يذهب ذكر زياد منها ، فقال : اريد ان ابنيها بالآجر فهدمها فقيل له : انما غرضك ان تذهب ذكر زياد منها فما حاجتك ان تعظم النفقة وليس يزول ذكره عنها فتركها مهدومة فلم يكن للامراء دار ينزلونها حتى قام سليمان بن عبد الملك فاستعمل صالح بن عبد الرحمن على خراج العراقين .
  فقال له صالح : انه ليس بالبصرة دار امارة وخبره الحجاج فقال له سليمان : اعدها فاعادها بالجص والآجر على اساسها الذي كان ورفع سمكها فلما اعاد ابوابها عليها قصرت فلما مات سليمان وقام عمر بن عبد العزيز استعمل عدي بن ارطأة على البصرة فبنى فوقها غرفاً فبلغ ذلك عمر فكتب اليه هبلتك امك يا ابن عم عدي اتعجز عنك مساكن وسعت زياداً وابنه فامسك عدي عن بنائها .
  فلما قدم سليمان بن علي البصرة عاملاً للسفاح انشأ فوق البناء الذي كان لعدي بناء بالطين ثم تحول الى المربد فلما ولي الرشيد هدمها وادخلها في قبلة مسجد الجامع فلم يبقى للامراء بالبصرة دار امارة .
  وقال يزيد الرشك قست البصرة في ولاية خالد بن عبد الله القسري فوجدت طولها فرسخين وعرضها فرسخين الا دانقاً وعن الوليد بن هشام اخبرني ابي عن ابيه وكان يوسف بن عمر قد ولاه ديوان جند البصرة قال نظرت في جماعة مقاتلة العرب بالبصرة ايام زياد فوجدتهم ( 80000 ) ووجدت عيالاتهم ( 120000 ) عيل ووجدت مقاتلة الكوفة ( 60000 ) وعيالاتهم ( 80000 ) .
  ثم اشار لخطط البصرة فقال كان حمران بن ابان للمسيب بن بحتة الفزاري اصابه بعين التمر فابتاعه منه عثمان بن عفان وعلمه الكتابة واتخذه كاتباً ، ثم وجد عليه عثمان لانه كان وجهه لتقصي عما رفع على الوليد بن عقبة بن ابي معيط فارتشى منه وكذب ماقيل فيه ثم تيقن عثمان صحة ذلك فوجد عليه وقال لا تساكني وخيره بلداً يسكنه غير المدينة فاختار البصرة وسأله ان يقطعه داراً وذكر ذرعاً كثيراً استكثره عثمان وقال لابن عامر اعطه داراً مثل بعض دورك فاقطعه بها دار حمران التي بالبصرة في سكة بني سمرة بالبصرة كان صاحبها عتبة بن عبد الله العبشمسي .
  قال ابو بكر لابنه يا بني والله ما تلي عملاً قط وما اراك تقصر عن اخوته في النفقة فقال ان كتمت علي اخبرتك قال فاني افعل قال فاني اغتل من حمامي هذا في كل يوم الف درهم طعاماً كثيراً ثم ان مسلماً مرض فأوصى الى اخيه عبد الرحمن بن ابي بكر واخبره بغله حمامه فافشى ذاك واستاذن السلطان في بناء حمام وكان الحمامات لا تبنى بالابصرة الا بإذن الولاة فأذن له وإستأذن غيره فأذن له وكثرت الحمامات فافاق مسلم بن ابي بكرة من مرضه وقد فسدت عليه حمامه فجعل يلعن عبد الرحمن يقول ماله قطع الله رحمه وكان لزياد مولى يقال له : فيل وكان حاجبه فكان يضرب المثل بحمامه بالبصرة .
  ثم ذكر الانهار ومنها نهر عمرو ينسب الى عمرو بن عتبة بن ابي سفيان ونهر ابن عمير منسوب الى عبد الله بن عمير بن عمرو بن مالك الليثي وقد كان عبد الله بن عامر بن كريز اقطعه ثمانية الآف جريب فحفر عليها هذا النهر .
  وأوضح الحموي انه من اصطلاح اهل البصرة ان يزيدوا في اسم الرجل الذي تنسب اليه القرية ألفا ونوناً نحو قولهم طلحتان وهو نهر ينسب الى طلحة بن ابي رافع مولى طلحة بن عبيد الله ، وخيرتان منسوب الى خيرة بنت ضمرة القشيرية إمرأة المهلب بن ابي صفرة ، ومهلبان منسوب الى المهلب بن ابي صفرة ويقال ، بل كان لزوجته خيرة فغلب عليه اسم المهلب .
  وجبيران قرية لجبير بن حية ، وخلفان قطيعة لعبد الله بن خلف الخزاعي والد طلحة الطلحات ، وطليقان لولد خالد بن طليق بن محمد بن عمران بن حصين الخزاعي وكان خالد ولي قضاء البصرة ، وروادان لرواد بن ابي بكرة ، وشط عثمان ينسب الى عثمان بن ابي العاصي الثقفي وأقطع عثمان اخاه حفصا حفصان واخاه أمية أميان واخاه الحكم حكمان واخاه المغيرة مغيرتان .
  وازرقان ينسب الى الازرق بن مسلم مولى بني حنيفة ، ومحمدان منسوب الى محمد بن علي بن عثمان الحنفي ، وزيادان منسوب الى زياد مولى بني الهجيم جد مونس بن عمران بن جميع بن يسار بن زياد وجد عيسى بن عمر النحوي لامهما ، وعميران منسوب الى عبد الله بن عمير الليثي ، ونهر مقاتل بن قدامة حارثة بن السعدي ، وحصينان لحصين بن ابي الحر العنبري وعبدالليان لعبد الله بن ابي بكرة ، وعبيدان لعبيد بن كعب النمري ، ومنقذان لمنقذ بن علاج السلمي وعبد الرحمانان لعبد الرحمن بن زياد .
  ونافعان لنافع بن حارث الثقفي واسلمان لاسلم بن زرعة الكلابي ، وحمرانان لحمران بن ابان مولى عثمان بن عفان ، وقتيبتان لقتيبة بن مسلم ، وخشخشان لآل الخشخاش العنبري ، ونهر بنات لبنات زياد اقطع كل بنت ستين جريباً ، وكذلك كان يقطع العامة ، وسعيدان لآل سعيد بن عبد الرحمن رجل من الزهاد يقال بن عتاب بن اسيد ، وسليمانان قطيعة لعبيد بن نشيط صاحب الطرف ايام الحجاج فرابط به له سليمان بن جابر فنسب اليه ، وعمران لعمر بن عبيد الله بن معمر التيمي ، وفيلان لفيل مولى زياد وخالدان لخالد بن عبد الله بن خالد بن اسيد بن ابي العيص بن امية ، والمسمارية قطعيه مسمار مولى زياد بن ابيه وله بالكوفة ايضاً ، وسويديان كانت لعبد الله بن ابي بكرة قطيعة مبلغها اربعمائة جريب فوهبها لسويد بن منجوف السدوسي وذلك ان سويداً مرض فعاد عبيد الله بن ابي بكرة فقال قد شئت وما ذلك قال ان اعطيتني مثل الذي اعطيت ابن معمر فليس علي بأس فأعطاه سويدان فنسب اليه ، وجبيران لآل كلثوم بن جبير نهر ابي برذعة بن عبيد الله بن ابي بكرة ، وكثيران لكثير بن سيار ، وبلالان لبلال بن ابي بردة كانت قطيعة لعباد بن زياد فأشتراه ، وشبلان لشبل بن عميرة بن تيري الضبي ، ثم اشار لخطب الامام علي ( عليه السلام ) بحق البصرة واهلها فقال لما قدم أمير المؤمنين البصرة بعد وقعة الجمل ارتقى منبرها فحمد الله واثنى عليه ثم قال : يا أهل البصرة يا بقايا ثمود يا اتباع البهيمة يا اتباع المرأة رعا فاتبعتم وعقر فأنهزمتم اما اني ما اقول رغبة ولا رهبة منكم غير اني سمعت رسول الله ( صلى الله عليه وآله وسلم ) يقول تفتح ارض يقال لها البصرة اقوم ارض الله قبلة قارئها اقرأ الناس وعابدها اعبد الناس وعالمها اعلم الناس ومتصدقها اعضم الناس صدقة ، منها الى قرية يقال وموضع عشورها ثمانون الف شهيد الشهيد يومئذ كالشهيد يوم لها الابلة اربعة فراسخ يستشهد عند مسجد جامعها بدر معي .
  وفي رواية اخرى انه رقى المنبر فقال : يا أهل البصرة ويا بقايا ثمود يا أتباع البهيمة ويا جند المرأة رعا فأتبعتم وعقر فأنهزمتم دينكم نفاق وأحلامكم دقائق وماؤكم زقاق يا أهل البصرة والبصيرة والسبخة والخريبة ارضكم ابعد ارض من السماء واقربها من الماء واسرعها خراباً وغرقاً الا وأني سمعت رسول الله ( صلى الله عليه وآله وسلم ) يقول : اما علمت ان جبريل حمل جميع الارض على منكبه الايمن فأتاني بها الا وأني وجدت البصرة ابعد الله من السماء واقربها من الماء واخبثها تراباً واسرعها خراباً ليأتين عليها يوم لا يرى منها الا شرفات جامعها كجؤجؤ السفينة في لجة البحر .
  ثم قال : ويحك يا بصرة ويلك من الجيش لا غبار له فقيل يا امير المؤمنين ما الويح وما الويل ، فقال : الويح والويل بابان فالويح رحمة والويل عذاب ، وفي رواية ان علياً ( رضي الله عنه ) لما فرغ من وقعة الجمل دخل البصرة فأتى مسجدها الجامع فأجتمع الناس فصعد المنبر فحمد الله واثنى عليه وصلى على النبي ( صلى الله عليه « وآله » وسلم ) ثم قال : اما بعد فإن الله ذو رحمة واسعة فما ظنكم يا أهل البصرة يا أهل السبخة يا أهل المؤتفكة ائتفكت بأهلها ثلاثاً وعلى الله الرابعة يا جند المرأة ثم ذكر الذي قبله ثم قال : انصرفوا الى منازلكنم وأطيعوا الله وسلطانكم وخرج حتى صار الى المربد والتفت وقال : الحمد لله الذي اخرجني من شر البقاع تراباً واسرعها خراباً .
  ودخل فتى من اهل المدينة البصرة فلما انصرف قال له أصحابه : كيف رأيت البصرة ؟ قال : خير بلاد الله للجائع والغريب والمفلس ، اما الجائع فيأكل خبز الارز والصحناءة فلا ينفق في شهر الاّ درهمين ، وأما الغريب فيتزوج بشق درهم ، وأما المحتاج فلا عليه غائلة ما بقيت له استه يخرأ ويبيع ، قال الجاحظ : من عيوب البصرة اختلاف هوائها في يوم واحد لأنهم يلبسون القمص مرةً والمبطنات مرة لاختلاف جواهر الساعات ولذلك سميت الرعناء .
  قال الفرزدق :
لـو  لا ابـو مالك المرجو iiنائلهما كانت البصرة الرعناء لي وطنا
  وقد وصف هذه الحال ابن لنكك فقال :
نحن  بالبصرة في iiلو
نحن  ما هبت شمال
فـإذا هـبت iiجنوب


ن من العيش ظريف
بـين  جنات iiوريف
فـكـأنا  في iiكنيف
  وللحشوش بالبصرة اثمان وافرة ولها فيما زعموا تجار يجمعونها فإذا كثرت جمع عليها اصحاب البساتين ووقفهم تحت الريح لتحمل اليهم نتنها فأنه كلما كانت انتن كان ثمنها اكثر ثم ينادي عليها فيزايد الناس فيها وقد قص هذه القصة صريع الدلاء البصري في شعر له وقد ذمتها الشعراء فقال محمد بن حازم الباهلي :
تـرى  البصري ليس له iiخفاء
ربـا بين الحشوش وشب فيها
يـعـتـق سـلحه فيما يغالي


لـمـنـخره  من البئر انتشار
فمن ريح الحشوش به اصفرار
بـه عـنـد الـمـبايعة iiالتج
  وقال ابو اسحاق ابراهيم بن هلال الصابي :
لهف نفسي على المقام ببغداد
نحن  بالبصرة الذميمة iiنسقي
اصـفـر  مـنكر ثقيل iiغليظ
كـيـف ترضى بمائها وبخير



وشربـي من ماء كوز iiبثلج
شر سقي من مائها iiالاترنجي
خـاثـر  مثل حقن iiهالقولنج
منه  في كنف ارضنا iiنستنجي
  وقال ايضاً :
ليس يغنيك في الطاهرة بالبصرة
ان  تـطـهـرت فالمياه iiسلاح

ان  حـانـت الـصـلاة اجتهاد
وتـيـمـمـت  فلاصعيد iiسماد
  وقال شاعر آخر يصف اهل البصرة بالبخل وكذب عليهم :
ابغضت بالبصرة اهل الغنى
قد دثروا في الشمس اعذاقها

إنـي لامـثـالـهم iiبغض
كـان  حمى بخلهم iiنافض
  وكان ابن ابي ليلى يقول : ما رأيت بلداً ابكر الى ذكر الله من أهل البصرة ! وقال لشعيب بن صخر : تذاكروا عند زياد البصرة والكوفة ، فقال زياد : لو ضلت البصرة لجعلت الكوفة لمن دلني عليها ، وقال ابن سيرين : كان الرجل من اهل البصرة يقول لصاحبه إذا بالغ في الدعاء عليه غضب الله عليك كما غضب على المغيرة وعزله عن البصرة وولاه الكوفة ، وقال ابن ابي عيينة المهلبي يصف البصرة :
يا  جنة فاقت الجنان iiفما
الـفتها  ما اتخذتها وطناً
زوج حيتانها الضباب iiبها
فأنظر وفكر لما نطقت به
مـن سفن كالنعام مقبلة




يـعـدلها قيمة ولا iiثمن
ان  فـؤادي لمثلها وطن
فـهـذه كـنتة وذا iiختن
ان  الاديب المفكر iiالفطن
ومـن  نعام كأنها iiسفن
  ووفد خالد بن صفوان على عبد الملك بن مروان فوافق عنده وفد جميع الامصار وقد اتخذ مسلة مصانع له فسأل عبد الملك ان يأذن للفود في الخروج معه الى تلك المصانع فأذن لهم فلما نظر اليها مسلمة بن عبد الملك اعجب بها فأقبل على وفد اهل مكة فقال : يا أهل مكة هل فيكم مثل هذه المصانع فقالوا لا الا ان فينا بيت الله المستقبل ثم اقبل وفد اهل المدينة فقال يا أهل المدينة هل فيكم مثل هذه فقالوا لا الا ان فينا قبر نبي الله المرسل ثم اقبل على وفد اهل الكوفة فقال : يا أهل الكوفة هل فيكم مثل هذه المصانع فقالوا لا الا ان فينا تلاوة كتاب الله المرسل ثم اقبل على وفد اهل البصرة فقال : يا اهل البصرة هل فيكم مثل هذه المصانع ، فتكلم خالد بن صفوان وقال : اصلح الله الامير ان هؤلاء اقروا على بلادهم ولو ان عندك من له ببلادهم خبره لأجاب عنهم ، قال : افعندك في بلادك غير ما قالوه في بلادهم ؟ قال : نعم اصلح الله الامير اصف لك بلادنا .
  فقال : هات ، قال : يغدوا قانصنا فيجيء هذا بالشبوط والشيم ويجيء هذا بالظبي والظليم ونحن اكثر الناس عاجاً وساجاً وخزاً وديباجاً وبرذوناً هملاجاً وخريدة مغناجاً بيوتنا الذهب ونهرنا العجب اوله الرطب واوسطه العنب وآخره القصب فأما الرطب عندنا فمن الخل في مباركه كالزيتون عندكم في منابته هذا على افنانه كذاك على اغصانه هذا في زمانه كذاك في ابانه من الراسخات في الوحل المطعمات في المحل الملقحات بالفحل يخرجن اسفاطاً عظاماً واوساطاً ضخاماً ، وفي رواية يخرجن اسفاطاً واوساطاً كأنما ملأت رباطاً ثم ينفلقن عن قضبان الفضة منظمومة باللؤلؤ الابيض ثم تتبدل قضبان الذهب منظومة بالزبرجد الاخضر ثم تصير ياقوتاً احمر وأصفر ثم تصير عسلاً في شنة من سحاء ليست بقربة ولا اناء حولها المذاب ودونها الحراب لا يقربها الذباب مرفوعة عن التراب ثم تصير ذهباً في كيسة الرجال يستعان به على العيال واما نهرنا العجب فان الماء يقبل عنقاً فيفيض مندفقاً فيغسل بثها ويبدي مبثها يأتينا في أوان عطشنا ويذهب في زمان رينا فنأخذ منه حاجتنا ونحن نيام على فرشنا فيقبل الماء وله عباب وإزدياد ولا يحجبنا عنه حجاب ولا نغلق دونه الابواب ولا يتنافس فيه من قلة ولا يحبس عنا من علة واما بيوتنا الذهب فإن لنا لهم خرجاً في السنين والشهور نأخذه في اوقاته ويسلمه الله تعالى من آفاته وننفقه في مرضاته ، فقال له مسلمة : انى لهم هذه يا ابن صفوان ولم تغلبوا عليها ولم تسبقوا اليها ، فقال : ورثناها عن الآباء ونعمرها للأبناء ويدفع لنا عنها رب السماء ومثلنا فيها كما قال معن بن أوس :
اذا ما بحر خندق جاش يوماً
فـمـهما كان من خير فانا
وانـا مـورثون كما iiورثنا


يـغطمط مؤجه iiالمتعرضينا
ورثـنـاهـا اوائـل iiاولينا
عـن الآبـاء إن متنا iiبنينا
  وقال الاصمعي : سمعت الرشيد يقول نظرنا فإذا كل ذهب وفضة على وجه الارض لا يبلغ ثمن نخل البصرة ، وقال ابو حاتم : ومن العجائب وهو مما اكرم الله به الاسلام ان النخل لا يوجد الا في بلاد الاسلام البتة مع بلاد الهند والحبش والنوبة بلاد حارة خليقة بوجود النخل فيها .
  وقال ابن ابي عيينة يتشوق للبصرة :
فان  اشك من ليلى بجرجان iiطوله
فـيـا  نفس قد بدلت بؤسا iiبنعمه
ويـاحـب ذاك السائلي فيم iiفكرتي
فـيـا  حـبذا ظهر الحزين iiوبطنه
ويـا  حـبـذا نـهر الابلة iiمنظرا
ويـا  حسن تلك الجاريات اذا iiغدت
فـيـا  ندمي إذ ليس تغني iiندامتي
وقـائـلـة  مـاذا نـبا بك عنهم







فقد كنت اشكوا منه بالبصرة القصر
ويـا عـين قد بدلت من قرة iiعبر
وهمي  الا في البصرة الهم iiوالفكر
ويا حـسـن واديـه اذا ماؤه iiزخر
إذا  مـد فـي أبانه الماء او iiجزر
مـع الـمـاء مـصعدات iiوتنحدر
ويـا  حذري اذ ليس ينفعني iiالحذر
فـقلت لها لا علم لي فسألي iiالقدر
  وقال الجاحظ : بالبصرة ثلاث اعجوبات ليس في غيرها من البلدان منها ان عدد المد والجز في جميع الدهر شيء واحد فيقبل عند حاجتهم اليه ويرتد عند استغنائهم عنه ثم لا يبطئ عنها الا بقدر هضمها استمرائها وجمامها واستراحاتها لا يقتلها لا عطشاً ولا غرقاً ولا يغبها ظمآن ولا عطشان يجيء على حساب معلوم وتدبير منظوم وحدود ثابتة وعادة قائمة يزيدها القمر في إمتلائه كما يزيدها في نقصانه كما يخفى على اهل الغلات متى يتخلفون ومتى يذهبون ويرجعون بعد ان يعرفوا موضع القمر وكم مضى من الشهر فهي آية واعجوبة ومفخر واحدوثة لا يخافون المحل ولا يخشون الحطمة ، قال الحموي : كلام الجاحظ هذا لا يفهمه الا من شاهد الجزر والمد وقد شاهدته في ثمان سفرات لي الى البصرة ثم الى كيش ذاهباً وراجعاً ويحتاج الى بيان يعرفه من لم يشاهده وهو ان دجلة والفرات يختلطان قرب البصرة ويصيران نهراً عظيماً يجري من ناحية الشمال الى ناحية الجنوب فهذا يسمونه جزراً تم يرجع من الجنوب الى الشمال ويسمونه مداً يفعل ذلك في كل يوم وليلة مرتين فإذا جزر نقص نقصاً كثيراً بيناً بحيث لو قيس لكان الذي نقص مقدار ما يبقى واكثر وليس زيادته متناسبة بل يزيد في اول كل شهر ووسطه أكثر من سائره وذاك انه اذا انتهى في اول الشهر الى غايته في الزيادة وسقى وينتهي غاية نقص زيادته المواضع العالية والاراضي القاصية اخذ يمد كل يوم وليلة انقص من اليوم الذي قبله في آخر يوم من الاسبوع الاول من الشهر ثم يمد في كل يوم اكثر من مده في اليوم الذي قبله حتى ينتهي غاية زيادة مده في نصف الشهر ثم يأخذ في النقص الى آخر الاسبوع ثم في الزيادة في آخر الشهر هكذا لا يختلف ولا يخل بهذا القانون ولا يتغير عن هذا الاستمرار .
  قال الجاحظ : والاعجوبة الثانية ادعاء اهل انطاكية واهل حمص وجميع بلاد الفراعنة الطلسمات وهي بدون ما لأهل البصرة وذاك ان لو التمست في جميع بيادرها وربطها المعودة وغيرها على نخلها في جميع معاصر دبسها ان تصيب ذبابة واحدة لما وجدتها الا في الفرط ولو إن معصره دون الغيظ او تمره منبوذة دون المسنات لما استبقتها من كثرة الذبان ، والاعجوبة الثالثة : ان الغربان القواطع في الخريف يجى منها ما يسود جميع نخل البصرة وأشجارها حتى لا يرى غصناً واحد الا وقد تاطر بكثرة ما عليه منها ولا كربة غليظة الا وقد كادة ان تندفق لكثرة ما ركبها منها ثم لم يوجد في جميع الدهر غراب واحد ساقط الا على نخلة مصرومة ولم يبق منها عذق واحد ومناقير الغربان معاول وتمر الاعذاق في ذلك الابان غير متماسكة فلو خلاها الله تعالى ولم يمسكها بالطفه لإكتفى كل عذق منها بنقرة واحدة حتى لم يبق عليها الا اليسير ثم هي في ذلك تنتظر ان تصرم فإذا أتى الصرام على آخرها عذقاً رأيتها سوداء ثم تخللت أصول الكرب فلا تدع خشفه الا استخرجتها فسبحان من قدر لها ذلك وأراهم هذه الاعجوبة .
  وبين البصرة والمدينة نحو عشرين مرحلة ويلتقي مع طريق الكوفة قرب معدن النقرة وأخبار البصرة كثيرة والمنسوبين اليها من اهل العلم لا يحصون وقد صنف عمر بن شبه وابو يعلي زكرياء الساجي وغيرهما في فضائلها كتاباً في مجلدات .

BASRAHCITY.NET