الصابرية . . . الحجيجية . . . أم قصر الحالية

الاستاذ عبد الله رمضان العيادة

بسم الله الرحمن الرحيم
تسمية أم قصر :
  سميت أم قصر بالصابرية نسبة الى جماعة من الصوابر الذين كانوا يسكنون فيها، أو لأن ماءها كان مرا بطعم ثمرة الصبر، فكان اسم المنطقة أولاً ( صبرية ) ثم حرّف الى صابرية . . . وطبيعة ارض أم قصر تتمي بارتفاعها عن مستوى سطح البحر لذا فهي آمنة من الفيضان كما وان تربتها صالحة للزراعة علاوة على ذلك جودة صلاحيتها لمد الطرق والسكك الحديدية ، ومما تجدر الإشارة اليه ان الشيخ يوسف إبراهيم النجدي هو الذي أسس فيها أول قصرين وذلك في النصف الأول . . .

من القرن الثالث عشر الهجري :
  وبعد مماته اندرست معالمها ولم يبق منهما إلا ركام وأحجار مبعثرة لأنه لم يرزق بذرية . . . فغلب على تلك المنطقة اسم بناء القصرين فسميت أم قصر ، والى جانب ذلك القصر كان هناك قصران آخران قد بنيا من قبل وذلك في جنوب الصابرية وهما يعودان الى الشيخ يوسف آل إبراهيم العنقري ( العنجري ) النجدي من أهالي ثرمدة بمدينة الوشم النجدية ومنها هاجر جده الأعلى ( ريمان الابراهيم ) الى الكويت عندما أسست في أوائل القرن الحادي عشر الهجري ، وموقع القصر في منطقة الحجيجية جنوبي الصابرية ، أما القصر الثاني فيقع جنوبي الحجيجية ويسمى قصر الصبية وقد اندثر هذان القصران . . . بينما سميت أم قصر الحالية وهو الاسم السائد نسبة الى احد تجار البصرة واسمه احمد بن رزق الذي بنى فيها أولا بعض الأكشاك والبناء الطيني البسيط ثم لما رغب بالسكن فيها بنى له قصرا فخما وسوره بسور حصين ثم مونه بجميع الحاجيات واتخذه مشتى ودارا ربيعا للصيد ثم اتخذه حلقة وصل للتجارة ونقل البضائع واستيرادها . . . واحمد بن رزق هو أول من نزل قرية الزبارة في البحرين وعمّرها ثم انتقل الى الكويت مع تجار اللؤلؤ .
  وكان من الرجال الذين يحبون الملابس الحريرية الغالية وقد ذكره نعمة الله عبود في مذكراته التي كتبها الى صديقه الطرابلسي . . . وتم بناء القصر في عام ( 1232 هـ / 1816 هـ ) على أيام والي البصرة بكر أغا واستلام الوالي من بعده محمد كاظم أغا سنة 1236 هـ .

الميزة والموقع والحدود :
  تقع مدينة أم قصر في جنوب البصرة والزبير وشرق خور عبد الله والفاو وتطل على ساحل خليج البصرة ، وهي منطقة نائية وبحرها متشعب الخلجان وعميق جدا يصلح لرسو البواخر الكبيرة ، كان يقصده البعض من صيادي الأسماك المحترفين وكان جلّهم من جماعة العتاب والظفير من مؤسسي أمارة الكويت الأوائل خاصة في أيام الربيع للنزهة وصيد الأسماك ، وعند اندلاع الحرب العالمية الثانية اتخذته السلطات الأمريكية ميناء للبواخر الكبيرة ، وذلك في سنة( 1942 م ) لنقل الذخائر والجنود والمعدات الحربية وانشأ على جانبيه الغربي رصيف وأوصل اليه فرع من سكة حديد البصرة ـ شعيبة ـ بغداد .
  وقد قدم هذا الخط خدمات كبيرة ومساعدات جسيمة بالنسبة للمحتلين اذ نقلت بواسطته الذخائر والمساعدات العسكرية والحربية التي أعارتها الحكومة الأمريكية الى الاتحاد السوفيتي وكان احد الأسباب التي ساعدت حكومة السوفيت في الانتصار على حكومة ألمانيا النازية والتوغل الى عاصمة هتلر ، وقد انشأ جسر خشبي على شط العرب مقابل المطار المدني بالمعقل لعبور القطار الى الحدود الإيرانية وسمي جسر هول نسبة الى المهندس الذي بناه وقد أوصل القطار الى طهران . . . كما بني أثناء الحرب العالمية الثانية الجسر الأحمر على نهر الخندق لنقل المعدات المحلية . . . وبعد انتهاء الحرب العالمية الثانية قامت الحكومتان البريطانية و الأمريكية ببيع جميع ذخائر الحرب ومخلفاتها ومنها ميناء أم قصر . . . أما الأخشاب والركائز المثبتة في قعر البحر فقد بقيت على حالها دون رفعها ، وكذلك رفعت قضبان سكة الحديد منها وعادة هذه المنطقة الى سابق عهدها .

تأسيس ميناء أم قصر :
  وبعد مضي ما يقارب العشرين سنة أي من عام ( 1941 ـ 1961 م ) بوشر بإعادة بناء هذا الميناء مرة ثانية من قبل الحكومة العراقية على أسس فنية ثابتة وقد تم وضع حجر الأساس من قبل اللواء الركن عبد الكريم قاسم رئيس الوزراء وقائد القوات المسلحة في يوم الأحد من شهر شوال لثمان ليال خلون من سنة ( 1380 هـ ) الموافق 26 مارت 1961 في حفل حضره الوزراء ووفود من الدول الأخرى ووفود من الألوية العراقية آنذاك ، اضافة لممثلي الاعلام من صحف واذاعة وتلفزيون .
  وقد استقبله في المطار متصرف البصرة عبد الرزاق عبد الوهاب ومدير مصلحة الموانئ العراقية اللواء مزهر الشاوي وآمر موقع البصرة الزعيم عبد المجيد علي .

مكانة أم قصر الاقتصادية :
  تعد مكانة أم قصر الاقتصادية والتجارية انعكاسا لمكانة البصرة المحلية والعالمية قديما وحديثا باعتبارها محطة ونقلة تجارية كانت فيما مضى ترسو على مينائها السفن الشراعية المحملة بالأموال والبضائع تنتقل من الهند عن طريقها الى الزبير ومنها الى بلاد الشام ثم يتم تحميلها من موانئ سوريا الى موانئ البحر المتوسط ثم بعد ذلك يتم نقلها الى موانئ مدينة البندقية والى ( فينيسيا ) حيث كانت البضائع والأموال القادمة من الهند والصين وجاوة وأفريقيا تأتي الى موانئ البصرة عن طريق التجار ومن ثم تنقل على ظهور الإبل الى بلاد الشام وأوربا .
  ويعتبر ميناء أم قصر حلقة وصل ما بين الهند والصين وما جاورها من البلدان ، وكان الشيخ احمد بن رزق هو من أشهر تجار البصرة الأوائل وأغنيائها كما قال عنه الشيخ عثمان بن سند في كتابه ( سبائك العسجد في أخبار احمد نجل رزق الأسعد ) في سنة ( 1315 هـ ) صفحة ( 318 ) على أيام والي البصرة فريق محسن باشا .

أم قصر والحزام الأخضر :
  بعد اتمام اضاءة الشارع الرئيس الموصل الى أرصفة الميناء إضاءة حديثة ، وتم كذلك غرس ثماني مئة شتلة شجر لتحيط بالمدينة من الواجهة الغربية للميناء كمرحلة أولى لإنشاء الحزام الأخضر حول مدينة أم قصر ، وقد تم أسكان ثلاثة آلاف وخمس مئة شخص في ميناء أم قصر بعد ان بني لهم ما يقارب السبع مئة دار بمعدل خمسة أشخاص لكل عائلة من العاملين في الميناء بواسطة الشركة الهندية .
  وقد بنيت تلك المجمعات السكنية في ام قصر حسب ما ذكرته جريدة الثغر البصرية الصادرة بتاريخ 11 ربيع الثاني 1387 هـ / الموافق 19 تموز عام 1967 م .

دخول أول باخرة :
  دخلت الى ميناء أم قصر أول باخرة باكستانية تدعى ( مكران ) في حوالي الساعة الثامنة من صباح يوم الجمعة المصادف 13 ربيع الثاني سنة ( 1387 هـ / 21 تموز 1967 م ) ، وكانت تحمل حوالي ثلاثة عشر ألف صندوق من الشاي السيلاني لحساب مصلحة المبايعات الحكومية .
  وقد تولى احد المرشدين التابعين الى مصلحة الموانئ العراقية مهمة ادخال الباخرة الى الميناء .

بعض معالم أم قصر العمرانية :
  بنيت في أم قصر عدة مؤسسات خدمية واجتماعية نجمل بعضها ومنها بناء دور للموظفين والأطباء وإنشاء مستشفى ومدارس للبنين والبنات ومركز للشرطة ، هذا بالإضافة الى تعبيد الطرق المتفرعة عن طريق ( بصرة ـ زبير ) المؤدية الى أم قصر .
  هذه الخدمات استغرقت زمنا يمتد من فترة أواخر الستينات الى منتصف السبعينات ، وقد أصبحت البصرة ثاني مركز تجاري في العالم كما كانت البصرة من قبل عاصمة العراق الاقتصادية .

حوت أم قصر :
  لقد سبق وان دخل الى ميناء الفاو في عام ( 1880 ) حوت كبير الى مياه شط العرب في زمن الدولة العثمانية حتى وصل نهر دجلة .
  ولكن الماء يحمله فأرسلت الحكومة العثمانية باخرة وعليها مدفع فأطلقت عليه عدة أطلاقات حتى مات وجاءت به الى البصرة / في قرية التنومة فبقي عدة أيام حتى تفسخ لحمه ؛ فأُرسل هيكله العظمي الى الهند / متحف بومبي الطبيعي سنة 1297 هـ /1916 م على أيام والي البصرة مظهر باشا . . .
  وأما الحوت الثاني فقد دخل الى مياه أم قصر في أوائل شهر شباط عام ( 1967 م ) ولكنه كان ميتا وطافيا على المياه فسحبته باخرة الموانئ آنذاك ، الى رصيف ميناء أم قصر ولم يتمكنوا من اخراجه إلا بواسطة الرافعة فبقي على الرصيف عدة أيام ثم دفن بأمر لجنة فنية من قبل مديرية الآثار وبعد تفسخه اخذ هيكله العظمي ووضع في المتحف الطبيعي في البصرة .
  وهذا الحوت الثاني الذي يدخل مياه البصرة كما أسلفنا على أيام متصرف البصرة علي نهاد مصطفى هذا حسب ما ذكره الشيخ عبد القادر باش عيان في كتابه مخطوطة تاريخ البصرة في الصفحات ( 166 و 170 ). . .


BASRAHCITY.NET