شناشـــيل البصــــرة
إرث معماري يقاوم الاندثار

   المقدمة
بسم الله الرحمن الرحيم
  تعرفت البصرة على الشناشيل ، كما يقول المختصون ، في القرن السابع عشر الميلادي ، لكن الشناشيل صارت تنافس النخيل في التدليل على الهوية الجمالية للمدينة . . . وغدت من معالم المدينة التاريخية .
  ويصف الدكتور أنور جاسب أستاذ الدراسات التاريخية في جامعة البصرة الشناشيل بأنها " الشرفات الخشبية المزخرفة التي تمتاز بها المدينة ، وتعتمد على ابراز واجهة الطابق الثاني بأكمله أو غرفة من غرفة بشكل ناتئ إلى الامام ، ويكون هذا البروز بالخشب عادة وبزخارف هندسية ” ويضيف .

  "والشناشيل مفردة فارسية الأصل مركبة من ( شاه نشين ) التي تعني محل جلوس الشاه ، " مشيرا إلى أنه من البصرة انتقل هذا الطراز إلى بغداد وباقي المدن العراقية ، وكتب الشاعر الرائد بدر شاكر السياب ، وهو من أبناء مدينة البصرة عن الشناشيل قصيدته المشهورة ( شناشيل ابنة الجلبي ) ووردت الشناشيل في الكثير من القصائد والقصص والروايات واللوحات التشكيلية والصور الفوتوغرافية للأدباء والفنانين البصريين والعراقيين عموما .
  ويضيف جاسب " تباينت الآراء حول ما إذا كان التأثير الأول على الشناشيل تركياُ ام هندياُ ، غير ان البعض يرى ان التأثير التركي أعظم نفوذا واقرب إلى معطيات التاريخ من التأثير الهندي " .
 ويستدرك "ولكن لايمكن تجاهل دور المعماري البصري وتعديلاته وإضافاته للوصول بالشناشيل إلى ما وصلت اليه ” ، ويتابع " لقد استقبل البصريون هذا الفن الجديد بالكثير من الود ورحابة الصدر وعمدوا إلى إغنائه بالعديد من المفردات سواء في مجال العمارة ومواد البناء ام في مجال النقوش والزخارف ” .
  ويقول " تنوعت الشناشيل في الشكل والمحتوى وجاءت متطابقة مع الذوق العام ، وجاء هذا بسبب حرية الحركة في الخشب ، وسهولة التصرف به : لافتا إلى أن شناشيل البصرة حافظت على طابعها الخاص ، فهي مطعمة بالزخارف المتناظرة مع الفسيفساء .
  ويرى جاسب أن أهمية الشناشيل لا تنحصر في خصائصها الفنية فقط ، بل تتعداها إلى أهمية اجتماعية أيضا ، إذ جاءت الشبابيك ذات المشبكات الخشبية البارزة على صورة مثلثات مسننة متباينة ومتوافقة مع القيم الاجتماعية المحافظة ، معللا ذلك بأن " شكل الشبابيك المطلة على الأزقة والشوارع تسمح لأهل الدار ان ينظروا إلى الخارج ، أي الزقاق ، بينما لا يستطيع المارة ان يروا ما في الداخل . . . " مشيرا إلى أن تلك الخاصية مهمة بالنسبة للنساء .
  ويضيف بعدا اجتماعيا آخر للشناشيل يمنح نزلاء الدور المزودة به المزيد من الحميمية مع جيرانهم ، بقوله " إن وضع الشناشيل في الطابق العلوي من المنزل أدى إلى تقارب سكان بيوت الشناشيل ، بحيث يسمح للعوائل ان تتبادل التحايا والاخبار وشتى الأحاديث من خلال الشناشيل ” .
   من جانبه يرى المهندس المعماري حيدر جبار ان الاكتشاف الأهم في مادة بناء الشناشيل هو الخشب ، فمن المعروف ان الطابق الأول (الأرضي) في البناء كان يعتمد بدرجة كبيرة على الحديد ( الشيلمان ) والطابوق والجص .
  بينما يعتمد الطابق الثاني على مادة الخشب .
  ويتابع أنه إضافة لرخص الخشب وسهولة توفره ، فهو يحافظ على البرودة ويكون حاجزا امام أشعة الشمس الحارة ، مبينا أن مادة الخشب ، لخفتها ، سمحت لسكان البصرة ان يرفعوا بيوتهم إلى طابق ثان من غير مخاوف من طبيعة الأرض الهشة ، ويقول المهندس المعماري " وفرت الشناشيل للأزقة البصرية مظلة كبيرة تقي المارة حرارة الصيف ، وتزداد أهمية المظلة التي تطل إلى الخارج لمسافة متر تقريبا عندما تطل الشناشيل من ( 20 ـ 30 ) منزلا متجاورا ويقابلها عددً مماثل من المنازل .
  " مشيرا إلى أن هذا التقابل يجعل الأزقة بمنأى عن أشعة الشمس ، فضلا عما تؤلفه الشناشيل في الزقاق الواحد من نسق معماري ذي ابعاد هندسية جميلة؛ لأنها في ارتفاع واحد سواء عن مستوى ارض الزقاق ام على مستوى إطلالتها أو طلعاتها الخارجية .
  ويهتم المهندسون كثيرا بنوعية المواد المستخدمة في البناء بما يتلاءم مع طبيعة المناخ بصورة كبيرة خاصة في الفترة التي سبقت اكتشاف الكهرباء ، وفيما يخص البصرة فإن مناخها يتصف بالحرارة العالية صيفا وانخفاض درجات الحرارة شتاء مع ازدياد نسبة الرطوبة السنوية .
  ويقول جبار إن الكثير من المدن العراقية عرفت الشناشيل ، مثل النجف والموصل واحياء بغداد القديمة وغيرها من المدن العراقية ، ويرى أن " النظرة العامة للشناشيل العراقية تشير إلى انتمائها إلى جنس معماري واحد ، لكن النظرة التفصيلية تكشف عن شيء من الخصوصية ” .


BASRAHCITY.NET