شط البصرة ومستقبله الملاحي

الاستاذ كاظم فنجان الحمامي

   المقدمة
بسم الله الرحمن الرحيم
  نحن نذكر دائماً في صدد الحديث عن نهر من الأنهار واحداً من التعبيرين ( إن النهر صالح للملاحة ومرور السفن , أو انه غير صالح للملاحة وخدمة النقل البحري ) .
  وليس ثمة شك في أن كل تعبير من هذين التعبيرين يكون صادراً عن فهم سليم وإدراك لصفة النهر وبعض الظروف والعوامل التي تقلل من قيمته الملاحية .
  وهذا يعني إن الدراسات الجغرافية ضرورية جداً لتحديد مدى صلاحية النهر لمرور السفن ، لأنها تمثل الوسيلة الوحيدة التي تصور لنا أو تمكنا من أن نتعرف على صفة النهر وملائمته للملاحة .
  كانت أهمية شط البصرة تنحصر في تخفيف الضغط على شط العرب إثناء موسم الفيضان ، وذلك بتصريف مياه نهري دجله والفرات إلى الخليج العربي مباشرة عن طريق خور عبد الله ، والمحافظة على مناسيب مياه ثابتة في هور الحمار .
  وأن أول من تقدم باقتراح بهذا الخصوص هو السير وليم ويلكوكس , الذي أشار في تقريره عام 1911 , إلى ضرورة إحياء نهر ( الحجاج ) ، الذي يبدأ من نهر كرمة علي ويتصل بنهر أبي فلوس ، ومن نقطة التقاءه غرب البصرة يكوّن نهراً واحداً ، ليتصل بخور الزبير ، وتكون عليه نواظم وخزانات لا تفتح إلا وقت الحاجة وأيام الفيضان لتصريف المياه الزائدة ، وعلى أن يكون عرض النهر ( 50 ) متراً وعمقه ( 3 . 5 ) متر .
  وفي عام ( 1928 ) تبنى نائب البصرة المحامي سليمان فيضي مشروعا , قدمه إلى الحكومة العراقية ، يتلخص في شق ترعة مابين نهر كرمة علي وخور عبد الله ، وذلك لحل المشكلة المزدوجة التي تعانيها البصرة .
   وهي ( الغرق في موسم الفيضان , والجفاف في موسم الصيهود ) . . . ويتلخص المشروع بحفر نهر بعرض عشرين متراً بدل الخمسين التي يقترحها ويلكوكس ، وان يهال التراب على بعد عشرين متراً من كل ضفة على شكل سداد ، فإذا جاءت مياه الفيضان جرفت شيئاً من جوانب النهر ، وهكذا تزداد سعته من سنه إلى أخرى حتى يبلغ العرض المقرر .
   وقد استطاع عام ( 1932 ) بصفته نائب في المجلس النيابي ـ أن يدخل المشروع في موازنة الأعمال الرئيسية للخمس سنوات ، وارصدت له المبالغ ، ثم تبدلت الحكومة ، فتأجل تنفيذ هذا المشروع , الذي ظل معطلا فترة طويلة من الزمن ، بسبب عدم توفر الإمكانيات اللازمة لانجازه من جهة ، وعدم الاهتمام واللامبالاة من جهة أخرى ، واستمرت البصرة تعاني من ضراوة الفيضانات المتكررة حتى عام ( 1969 ) عندما تبنت الحكومة العراقية هذا المشروع , بعد فيضان تلك السنة ، وأول كتاب رسمي صدر بهذا الخصوص كان من وزير الزراعة والإصلاح الزراعي بتاريخ 4 / حزيران / 1969 موجها لمديرية الري العامة ، يطلب فيه إعداد دراسة فنية لإمكانية تصريف مياه هور الحمار إلى الخليج العربي عن طريق خور عبد الله .
   يتضح مما تقدم أن الأهداف التصميمية لشط البصرة لم تكن ملاحيه ، وان جميع الدراسات والتصاميم السابقة كانت تهدف إلى التخلص من كوارث الفيضان ، والبحث عن منفذ لتصريف المياه الزائدة التي كانت تهدد مزارع البصرة بالغرق والتلف .
   وبتاريخ 3 / 7 / 1971 تم تشكيل لجنه اشترك فيها ممثلين من وزارة الدفاع, ومديرية السدود والخزانات العامة , والمؤسسة العامة للموانئ العراقية ، ومديرية الطرق والجسور العامة ، وقد اختصت هذه اللجنة في بحث موضوع تنسيق الأمور المتعلقة بالملاحة النهرية والنقل البري ، وبعد دراسة المتطلبات الفنية من مدنيه وعسكريه اتفق أعضاء اللجنة على تصنيف الملاحة في انهر العراق الصالحة لمرور السفن المحلية ، وقد قررت اللجنة اعتبار شط البصرة وشط العرب من الصنف الخاص ، وفي هذه الحالة يتطلب الأمر عند تشييد أي منشأ على هذين الشطين استحصال موافقة كل الجهات المعنية لغرض تثبيت أبعاد الفتحات الملاحية وقياسات الأهوسة والنواظم .
  ولكي نوضح أهمية شط البصرة الملاحية نذكر إن الطريق الملاحي المار عبر شط العرب طريق شاق وطويل بالنسبة للسفن المحلية ، بينما تختصر المسافة في شط البصرة من( 250 ) كيلو متر . . . وتعاظم الاهتمام بالناحية الملاحية لشط البصرة، لأسباب تعود إلى مجموعة من العوامل، نذكر منها : أن شط البصرة يعتبر منفذا ملاحيا آخر على الخليج العربي إضافة إلى شط العرب . . . وانه يعتبر من الممرات المائية الداخلية المرتبطة بمينائي خور الزبير و أم قصر عند طرفه الجنوبي وبنهر كرمة علي وقناة المصب العام عند طرفه الشمالي .
  ثم إن المؤشرات الاقتصادية لنمو الحركة التجارية في مينائي أم قصر و خور الزبير ، تدفعنا إلى السعي منذ الآن لمواجهة ذلك التطور الهائل الذي تشهده هذه الموانئ في المستقبل القريب , وتفرض علينا الاهتمام الجاد بتطوير قناة شط البصرة الملاحية ورفع طاقة النقل النهري فيه . . . أما ناظم شط البصرة فيقع عند الكيلو متر ( 22 ) من نقطة تفرع شط البصرة من نهر كرمة علي .
  وقد بوشر بالعمل فيه عام ( 1975 ) وأنجز في عام ( 1983 ) وهو مبني من الخرسانة المسلحة . . . ختاما نقول أن شط البصرة يمثل اقصر الطرق المائية , التي تربط موانئنا البحرية الواقعة في الخليج العربي , بشبكة الملاحة الداخلية للعراق ، وإن تنامي حجم التجارة الخارجية عبر مينائي أم قصر وخور الزبير يدفعنا إلى السعي بجد منذ الآن، لتنفيذ الخطط اللازمة لزيادة قابلية شط البصرة الملاحية ، والاستعداد التام لمواجهة التطور الاقتصادي لهذين الميناءين .
   عن طريق تهيئة القناة الملاحية وتعميقها وتوسيعها لكي تتحمل مسؤولية استقبال الأعداد الكبيرة من الدافعات ووسائل النقل النهري الصغيرة المحملة بالبضائع ، ولما كانت قناة شط البصرة تعتبر لحد الآن مجرد قناة مفردة ذات طريق واحد تسمح بمرور الوحدات العائمة في اتجاه واحد فقط لمدة معينة من الزمن فأن الضرورة تدفعنا إلى زيادة كفاءة هذه القناة بإنشاء مراسي مؤقتة في أماكن متفرقة على طول جانبي المجرى المائي للسماح بربط السفن العابرة من احد الاتجاهين المتضادين , ريثما تعبر القناة السفن القادمة من الاتجاه المضاد , والعمل على إدخال نظام السيطرة المركزية , واستكمال معدات الإرشاد وتوفيرها , وإصدار الجداول والتنظيمات التي تكفل حرية تحرك السفن في كلا الاتجاهين . . . إضافة إلى ما تقدم فأن الاهتمام الجاد بتطوير القناة الملاحية لشط البصرة , سيجعلنا قادرين على توفير أكثر من منفذ مائي للبلد , لذلك فأن العمل على زيادة الكفاءة الملاحية لشط البصرة هو ضرورة تؤمن هذا الغرض , وبذلك يكون العراق قد وفر ممرين مائيين على الخليج العربي , احدهما شط العرب والآخر شط البصرة . . .


BASRAHCITY.NET