استحداث وزارة تُعنى بشؤون الاهوار
حلم عراقي وطموح مشروع

الاستاذ كاظم فنجان حسين الحمامي


المقدمة

بسم الله الرحمن الرحيم
  بداية ، أنا لم اكتب عن الهور لطرافة الموضوع ، وإنما لأنه لم يكــن بمقــدوري سوى الكتابة عن هــذا المسطــح المائي الهائــل الـــذي يؤرخ الحياة منـذ بــدء الخليقة في بقعة جميلة من ارض الله الواسعة ، فالهور كان مهدا لولادة جـمـيـع السلالات العراقية القديمة في جميع مراحلها .
  والهور ليس موضعاً طارئاً في حياتنا ، انه الحـياة نـفــسها، وعـلى الرغـم من انـقــضاء عـــشرات الأعـــوام عــلى ابتــعـــادي عــنه للعمل في عـرض البحر ، فأني أفضل الآن أن أكرس جـهـدي هذا لكــي أتــقــدم بمقــتــرح يحقــق حـلمي في إحياء البيئة التي انتمي إليها والتي تنتمي إليها معظم الأقـوام التي نـشــأت في الأزمان الغابرة وتربت في أحضانها ثم رحلت بعيداً عن هذا المنبع الأصيـل لكل الحضارات .
  إن هذه الطـبـيــعة الساحرة التي حــباها الخالق (سبحانه وتعالى) لهذا المــكان وأطلقت عليها الكتب السماوية ( جنة عدن Eden Garden ) لابد أن تستعيد جمالها ومفــاتــنها وتسترد عافيتها .
هذه المسطحات المائية تــمــثــل أقــدم صفحة من صفـحات الحضارة الانسانية على كوكب الأرض. وتـتـوفـر فيها جـميع مستلزمات ومقومات النمو والتطور .
  وتستــحــق كل الاهتمام والرعاية والعناية والدعــم والإسنــاد . . ولتحقيق هذه الأهداف النـبــيلــة لابد من استحــداث كــيان إداري وتنظيــمي بمستوى وزارة يتــولى الإشراف عـلى جمـيع خــطوات التــطويــر والنهوض ولكافة المشاريع بالاتجاه الذي يحقق حــلم جـــمـيع المستــكشفــين والباحــثين ويرضي طـموح جميع العراقيين الذين هــمشوا وحــرموا من ابــسط ضـرورات العيـش الآمــن وتعــرضوا لأبــشع صور الاضطهاد والتشريد والتنكيل المبرمج التي قامت بها الحــكومات السابــقة وأمعنــت في إذلال وقهر هؤلاء الناس البسطاء وتـمـادت في تدمير بـيــئتهم الجــميلة التي كانــت تزخر بالثروات والخيرات والتي كانت وما تزال تعتبر من أهم مصادر العطاء الدائم . .

الملاذ الآمن
  يعود تاريخ العرب من سكان الاهوار إلى عصر السومريين قبل حوالي خمسة آلاف عام .
وبدأت كمأوى للهاربين والفارين والمعارضين للانزواء بعيدا عن البطش والمطاردة .
  ومنذ عهد سرجون الملك الآشوري العظيم ، والى الثائرين على الخلافة الأموية ، والخلافة العباسية وصولاً إلى العصر الحديث فان كثيرا من الحكومات اعتادت النظر إلى سكان الاهوار وظروف معيشتهم باستخفاف وعدم اهتمام ، وتطلق عليهم تسمية ( مُعادين ) ومفردها ( مُعادي ) التي تحولت فيما بعد إلى ( معيدي ) وكانوا يضطرون إلى الاعتماد على أنفسهم وتدبير شؤون حياتهم في هذه البيئة الفريدة حيث تمتلئ المستنقعات بغابات القصب والبردي ، فيقوم السكان بإنشاء جزر صغيرة في الماء مستخدمين خامات البيئة مثل الطمى وجذوع الأشجار من اجل إقامة منزل من أعواد الغابات يصلح مأوى لهم .

الفرار من الوطن
  أصيبت المنطقة بالأمراض الفتاكة ، خاصة الأمراض التي تتكاثر بالماء ، كما حدث في نهاية القرن التاسع عشر وبداية القرن العشرين مثل الملاريا والكوليرا والجدري ، وبعضها منتشر حتى الآن مثل الإسهال والرمد الحبيبي .
  ثم تحولت هذه المستنقعات إلى ساحة لمعارك حامية الوطيس استمرت ثمانية أعوام استخدمت فيها جميع الأسلحة والمعدات الحربية الحديثة .
   وكان أبناء الهور يموتون ويتعفنون ويدفنون بصمت . . يقول الشاعر عدنان الصائغ :
" كانت مواسير البنادق في بلدي أكثر من مواسير المياه الصالحة للشرب . . . وكان ثمة لونان سائدان في الشوارع هما : الأسود والخاكي " .
  فقد تحولت الاهوار إلى ميدان كبير للعمليات الحربية بسبب قربها من جبهات القتال و خطوط إمدادات المعارك الساخنة وأصبحت بيئة طاردة لأهلها ، وفي حال الفرار من الوطن يخلع الإنسان جذوره اضطرارا ليغرسها في مكان آخر ، وتتعرض النساء للمهانة ، ويتعرض الأطفال للخطر .
   وتشكل هاتان الفئتان النسبة الأكبر من المهاجرين، فالرجال يبقون أمام الخطر ، والنساء والأطفال يهربون بحثا عن الأمن ولقمة العيش .
  وتعرضت الاهوار إلى كارثة أخرى اشد باسا من الكوارث التي جلبتها المعارك ، فقد بادرت الحكومة العراقية بارتكاب حماقة ما بعدها حماقة عندما باشرت بتنفيذ حملات تجفيف الاهوار وإجبار السكان على الفرار .
  فهذه المسطحات المائية التي حباها الله بالخير الوفير والنعمة الدائمة ، والتي تمتد جذورها في عمق التاريخ ، دمرتها برامج التجفيف المتعمد ، وغيرت ملامحها ، وطمست معالـمـهـــا في غضون عشرة أعوام ، فتحولت إلى ارض قاحلة محرمة على أبنائها .
  فالمسطحات المائية التي كانت الاثرى في العالم أصبحت اليوم أراضي جرداء مقفرة تتخللها برك مبعثرة من المياه الراكدة والآسنة .
  إما القـرى التــي كانــت تــأوي السكان الذين هم حــلقة الوصل التي تربــطنا بكل الحضارات الإنسانية العريقة ، فقد هجرت بالكامل ومن ثم حرقت وسويت بالأرض .
  وصدقت تقارير برنامج الأمم المتحدة للبيئة UNEP عندما ذكرت بأن الحكومة العراقية قامت باجتثاث رئة من رئــات الكون و تمادت في تشريد أبناء اعرق الحضارات و تهجيرهم عنوة من البيئة التي تربوا في أحضانها .

المرثية الثانية
  السومريون كتبوا المرثية الأولى عام 2000 قبل الميلاد ، بعد انهيار ( أور ) التي كانت تمثل عاصمة الحضارة السومرية التي بسطت نفوذها على كل المسطحات المائية لإهوار جنوب العراق .
  إما المرثية الثانية فقد كتبتها منظمة UNEP عام 2000 بعد الميلاد ، ودونت فيها الكارثة التراجيدية التي حلت بالاهوار ، وفيما يأتي أهم الملامح الرئيسية لتلك المأساة :
ـ تدمير الإرث الحضاري الذي يمتد في عمق التاريخ لأكثر من 5000 سنة ويمثل الجذور الأصلية لأعرق السلالات البشرية .
ـ إبادة جميع أنواع الكائنات الحية التي استوطنت في الاهوار .
ـ إزالة أهم محطة كونية way _ station من محطات هجرة الطيور والأسماك .
ـ تحول قيعان الاهوار إلى أراضي قاحلة جرداء تغطيها طبقة سميكة من الأملاح والنفايات والملوثات البيئية التي خلفتها العمليات الحربية لحروب الخليج الأولى والثانية والثالثة .
ـ حرمان جنوب العراق من أهم مصادر الغذاء الذي توفره المحاصيل الزراعية والمنتجات الحيوانية . ـ التأثير السلبي الملحوظ على حالة الطقس السائدة في المنطقة بسبب تجـفـيف مساحة تزيد على 20000 كيلومتر مربع من المسطحات المائية المزدحمة بغابات القــصب والبــردي والنباتات الأخرى .
ـ تهجير أكثر من ، 300000 من السكان الأصليين .
ـ تدمير اكبر نظام طبيعي للإرساب والترسيب ، حيث كانت هذه المسطحات المائية تستوعب كميات هائلة من المواد الغرينية والأملاح والمواد العالقة التي تحملها مياه نهري دجلة والفرات .
ـ تحريف الحقائق التاريخية والقيام بحملات إعلامية تستهدف تشويه عروبة وأصالة سكان الاهوار والاستخفاف بهم والتجني عليهم عبر الوسائل المرئية والمسموعة والمقرؤة .

وكلٌ يدّعي وَصلٌ بليلى
  منذ عامين فقط كانت مشاكل الاهوار وبرامجه غائبة تماما عن أجندة الوزارات ذات العلاقة التي كانت تغط في نوم عميق دون أن تبدي اهتماما بسيطا بهذا المسطح المائي الهائل . . . وفجأة استيقظت هذه الوزارات وخرجت علينا من سباتها الطويل لكي تحاول إقناعنا وإقناع المنظمات والهيئات العالمية المهتمة بالاهوار بأنها هي المسئولة عن متابعة تنفيذ المشاريع المقترحة من قبل تلك الهيئات والمنظمات حسب نظرية أنطي الخبز لخبازتة لو تأكل نصه . . . فمن هـي هـذه الـوزارات . . ؟ وما هو الدور الحقيقي الذي كانت تقوم به للحفاظ على هذا الفردوس المائي ؟ ، وهل كانت المشاريع الإنتاجية التي نفذت في الهور بمستوى الطموح . . ؟   والجواب هو إن هذه الوزارات المتمثلة بوزارة الري ، ووزارة الزراعة ، ووزارة الإصلاح الزراعي ، ووزارة التعمير والإسكان ، ووزارة النقل والمواصلات ، ووزارة الصناعة ، ووزارة الصحة الخ ، لم يكن لها أي دور فعلي و ملموس في القيام بالواجبات والالتزامات التي يفترض أن تقدمها للاهوار و سكانها .
  ولم تقم بأي إعمال أو مشاريع تطويرية أو نهضوية ترتقي بمستوى هذه الرقعة المائية الواسعة والمعروفة بثرائها اللامحدود و غير المستغل .
بل إن هذه الوزارات اشتركت جميعها بطريقة أو بأخرى في تنفيذ مشاريع التجفيف المتعمد والتهجير ألقسري والإهمال والتجاهل التام لسكان الاهوار .
وتحولت الدوائر التابعة لتلك الوزارات إلى مجرد دكاكين يديرها بعض الموظفين الذين لا حول لهم ولا قوة .
  والأغرب من ذلك كله ، إن هذه الوزارات كانت تجهل ابسط المبادئ الأساسية التي ينبغي القيام بها وأكاد اجزم بأن القائمين على تلك الوزارات كانوا أميين بمفردات التعامل المستقبلي الصحيح .
  وخير مثال على ذلك هو غياب التمثيل العراقي في جميع المؤتمرات والندوات العالمية التي كانت تقيمها الهيئات والمنظمات الدولية للنهوض بمستوى سكان الاهوار والحفاظ على بيئة الاهوار وتحسينها . . وقد يندهش المرء عندما يعلم بأن العراق لم يصادق لحــد الآن عـــلى المعاهـــدة الـــدولية للمستنقعات المعّبر عنها ( بمعاهدة رامسار Ramsar ) التي أقرت دوليا منذ عام 1971 .
(on Wetlands The Ramsar Convention)

   والأكثر غرابة إن جميع أقطار كوكب الأرض انضمت لهذه المعاهدة باستثناء تسعة عشرة دولة يقف في مقدمتها العراق الذي يمتلك أوسع واكبر وأغنى المستنقعات المائية على سطح الأرض !! .
  بل إن الوزارات المعــنيــة لا تـــعرف شيــئا عـــن اليوم العالمي للاهوار والذي يــقام سنويا
في الثاني من شباط World Wetlands Day , 2 February في إحدى الأقطار المصادقة على المعاهدة ! ! .
  ولم تسجل الوزارات المعنية أي حضور يذكر على صعيد برامج التعمير والنقل والصحة والزراعة 0000 الخ .
وهذا إن دل على شيء فإنما يدل على عدم الاهتمام والجهل التام وسوء المعاملة ، وربما نندهش أكثر عندما نعلم بأن العراق لم ينضم لحد الآن إلى المنظمة الدولية للمستنقعات Wetlands International ولم يستفد من برامجها ودراساتها وخططها ، ولا علاقة للوزارات المعنية بالمنظمة الدولية للدراسات الهيدروغرافيةThe International Hydrographic Organization ، ولا بأي منظمة أخرى متخصصة في هذا المضمار .
   وبسبب تخلف الوزارات السابقة وإهمالها المتعمد وإصرارها على عزل سكان الاهوار والإمعان في إيذائهم وبسبب تجاهل الوزارات لمشاريع تحسين البيئة والمشاريع الخدمية والإنتاجية ، هرعت المنظمات العالمية من كافة الاختصاصات لنجدة أبناء الهور ، ووضعت الخطط الهادفة إلى تعمير الاهوار وحماية هذا التراث الإنساني العريق وتقديم كل أشكال الرعاية والدعم والمؤازرة .
  الأمر الذي يستدعي الإسراع إلى استحداث وزارة متخصصة بشؤون الاهوار قادرة على تبني جميع الأفكار والمقترحات ، وإعداد الدراسات ومتابعة تنفيذها على ارض الواقع .
والإشراف على توظيف الأموال الطائلة التي تبرعت بها الدول المانحة والهيئات والمنظمات الإنسانية .

دواعي استحداث الوزارة
  هناك قول شائع في السلوك الإداري لدى معظم الوزارات العراقة مفاده : إذا أردت أن تقتل فكرة ما أعلن عن تشكيل لجنة لدراستها! .
  ومن الظواهر المتخلفة لدينا إن اللجنة تفرَخ لجان أخرى . . . وهكذا ! إما بخصوص تنفيذ مشاريع أعمار الاهوار المزمع القيام بها فان الأمر تطور لدينا بحيث أنيطت هذه المشاريع بالوزارات التي يفترض أن تكون معنية بهذا الشأن .
 والتي لم يكن لها أي دور عملي ملموس في تطوير الاهوار والعناية بها منذ عشرات السنين كما بينا سابقا .
ونخشى أن هذه الوزارات ستسلك نفس السلوك الإداري الذي دأبت عليه اللجان .
وبالتالي فأن الأفكار والمشاريع المؤمل إنجازها سيكون مصيرها الفشل ، وأكاد اجزم بأن هذه الوزارات تسعى الآن لتقاسم الوليمة وتبذير الأموال الطائلة التي تبرعت بها الدول المانحة لإحياء الاهوار .
  والأولى أن تناط جميع هذه المشاريع بتشكيل إداري وحضاري وتنظيمي بمستوى وزارة لكي تتخصص بهذا الشأن وتكرس جهودها للنهوض بواقع الاهوار .
وقد أصبح لزاماً علينا الآن أن نتبع السياقات الحضارية والمعاصرة في التعامل والتصدي للكوارث والمصائب التي حلت بالاهوار وسكانها ، وان ننبذ جميع الأساليب والسلوكيات البليدة والمقر فيه ، فالهور ؛ هذا الفردوس الغني بالثروات يرقد الآن على فراش الموت ، وان إحساسا حقيقياَ بالمسؤولية يتملك الآن أبناء الاهوار تجاه المهمات والواجبات التي ينبغي النهوض بها لإنقاذ ما يمكن إنقاذه مستعينين لتحقيق هذه الغاية النبيلة بكل الجهود ألمتميزة التي تقدمها بسخاء الهيئات والمنظمات والأقطار المانحة .
  وهكذا فان أبناء الهور يتوقعون أن تكون وزارة شؤون الاهوار متمتعة بقدر كبير من التعاطف والإحساس في التعامل معهم ، وتحرص على عدم تبذير الأموال الممنوحة والأموال الأخرى التي ستخصص للاهوار ضمن ميزانية الدولة ، ولهم الحق في هذه المطالبة ، لأنهم أدرى بمصلحتهم بعد ان لمسوا بأنفسهم التجاهل والإهمال من قبل جميع والوزارات والحكومات السابقة .
  وبهذه المناسبة نذكر ان مقترح استحداث وزارة شؤون الاهوار يعتبر في هذه المرحلة قفزة حضارية بالاتجاه الصحيح ، ويعبر عن نية صادقة في توظيف كل الطاقات وتوحيدها من اجل تحقيق مستلزمات النجاح في إحياء الاهوار .
  ثم إن تشكيل هذه الوزارة ، لا يعد أمرا غريبا ، فقد سبقتنا اليابان عندما استحدثت وزارة أطلقت عليها تسمية ( وزارة البيئة والمستنقعات ) . . . وسبقتنا فيتنام عندما أناطت بوزارة زراعتها مهمات وواجبات إضافية تهدف إلى تحقيق المزيد من الاهتمام بالاهوار والمسطحات المائية الفيتنامية .
  وفي الكثير من الأقطار الأوربية والأمريكية وزارات يطلق عليها ( وزارة الغابات ) لأن تلك الأقطار وجدت إن من مصلحتها ومصلحة أبنائها أن تخصص وزارة ترتبط ارتباطا وثيقا بواقع البيئة التي تنفرد بخصائص مــميــزة ، وتستــحق رعاية وعناية مركزة ومتخصصة .
  والحقيقة انه لا توجد في الكون بيئة أكثر تميزاً وخصوصية من بيئة اهوار جنوب العراق ذات المساحات الشاسعة والتاريخ العريق والثروات غير المحدودة والمـكانة المتمـيـــزة التي أشارت لها الكتب السماوية القديمة باسم ( جنة عدن ) أو ( فردوس عدن ) ، ناهــيـك عن كونها تعد من أهم المحطات Way-station الكونية التي تحدد مسارات ومسالك الطيور والأسماك المهاجرة ، وبأنها تمتلك اعقد واغرب نظام طبيعي قادر على تحقيق التوازن بين ظاهرة الهبوط والإرساب ، ثم أنها تعتبر بيئة طبيعية ومثالية لتربية أفضل أنواع الجاموس البري (الدُواب) ، وتكمن تحتها أغنى الحقول النفطية والثروات المعدنية الأخرى .
وتتغلغل امتداداتها في ثلاثة محافظات جنوبية هي البصرة و ميسان وذي قار ، الأمر الذي سيجعل المشاريع المرتقبة مشتتة بين هذه المحافظات الثلاثة ، وبالتالي فقدان السيطرة عليها بسبب تباين جهود وقدرات هذه المحافظات فيما بينها .
  وعليه فان توحيد هذه المشاريع في كيان وزاري مستقل ومنظم سيكفل لنا الوصول إلى الصيغة المثالية اللازمة للأشراف على مشاريع إحياء الاهوار والتحكم بها بالشكل السليم .
  فإذا ما عدنا إلى مساحة المسطحات المائية التي تضم كل الاهوار نجد إنها تقارب 20000 كيلومتر مربع . . . وبمقارنة بسيطة مع مساحة بعض الأقطار الخليجية والعالمية نلاحظ أن مساحة هذه الاهوار اكبر من مساحة دولة الكويت بثلاثة آلاف كيلومتر مربع ، وتزيد على مساحة مملكة البحرين بأكثر من ثمانية وعشرين مرة تقريبا ، وتساوي ضعف مساحة دولة قطر تقريبا ، وتساوي أيضا ضعف مساحة الجمهورية اللبنانية ، وتزيد على ضعف مساحة الجمهورية القبرصية بقليل ، وتزيد على عشرة إضعاف مساحة جمهورية جزر القمر ، وهذه دول لها مكانتها وتحكمها قوانين وأنظمة وفيها وزارات اختصاصية كفوءة ولديها ميزانيات مالية مخصصة للأنفاق على مشاريع التنمية والتطوير ، ولديها خطط وطموحات مشروعة ، وفيها عواصم ومدن كبرى من أجمل مدن العالم . . علما إن بعض هذه الدول لا تمتلك ما تمتلكه الاهوار من ثروات وكنوز ، وليس لها مثل هذا التاريخ العريق ، بل إن بعض هذه الدول تتمنى أن يكون في أرضها واحة واحدة على الأقل ، أو بحيرة واحدة من واحات أو بحيرات الاهوار ذات المياه العذبة والبيئة الساحرة . . . ومعظم هذه الدول تقع على سواحل البحار وتستخلص المياه العذبة من البحر بشق الأنفس . . . والغريب في الأمر أنها تصدر إلينا تلك المياه العذبة معبئه !
في قناني ، وأسواقنا تعج اليوم بالمياه المستوردة من الأمارات وقطر والكويت . . . وغيرها . . . والأشد غرابة إننا أصبحنا نستورد ألفواكهه والخضار من المزارع الصحراوية في الدول الخليجية .
  انه أمر مدهش حقاً أن تقوم بلدان صحراوية واقعة بالكامل على البحر بتصدير المياه العذبة والغذاء إلى بلد آخر يعد من أغنى البلدان في الموارد المائية المتمثلة بالأنهار والاهوار وبشبكة واسعة ومعقدة من الجداول والتفرعات النهرية التي تتغلغل أخصب الأراضـي الزراعيـة . . . وإذا ما علمنا أن وفرة الإنتاج تتوقف على مدى توفر المواد الأولية والموارد الأخرى وكثرتها ، فكل من يكون حظهُ من تلك المواد أعظم يفترض أن تكون طاقاته الإنتاجية أقوى وأكثر ، وهذه المواد والموارد متوفرة ومنتشرة في العراق وترتقي إلى مستوى النعم والهبات السماوية .
  ولكن الحكومات والوزارات السابقة لا تحسن التصرف ، ولا تحسن استغلال واستثمار تلك الثروات وصدق من قال المايعرف الصقر يشويه .
  وليت الأمر وقف عند هذا الحد لكانت المأساة هينة ، بل إن الأمر تفاقم واشتد حينما قامت الدولة بتبني الخطط الهادفة إلى تدمير الموارد الطبيعية وتبذير الثروات وتهجير السكان من مواطنهم الأصلية ، واستهترت بحقوقهم ومصالحهم . . وتمادت في هذا الاستهتار عندما قامت بعزل العراق عن العالم الخارجي في الوقت الذي كان العالم يحتفل بانقلاب صناعي ، والعلم يتمخض عن ولادة أجيال جديدة من المعدات والبرامج والأساليب والتقنيات التي قلبت وجه الصناعة والزراعة وكسحت إمامها كل المصاعب والعقبات وتغلبت على المستحيل ، فتحولت الصحاري الجافة إلى واحات غناء ، وأصبحت اهوار فيتنام التي سحقتها المعارك الطاحنة منتجعات سياحية ، وأفضل مصادر إنتاج الرز في العالم .
  من ناحية أخرى نذكر أن معظم حملة الدكتوراه والأساتذة الاختصاصين من سكنة محافظات البصرة وذي قار وميسان ، إما أن يكونوا منحدرين من قبائل كانت تقطن الاهوار. . . أو من القرى الواقعة قرب الاهوار . . . وهم على أتم الاستعداد لتفعيل وتنفيذ المشاريع التي ستتبناها الوزارة المقترحة أو العمل ضمن تشكيلة هيكل الوزارة .
لذا فان منطق العقل والحكمة والإنصاف يفرض علينا حث الخطى باتجاه إنضاج هذا المقترح والتعمق في دراسته وصولا إلى تحقيق الطموح الذي نصبو إليه .
" وَقُلِ اعْمَلُواْ فَسَيَرَى اللّهُ عَمَلَكُمْ وَرَسُولُهُ وَالْمُؤْمِنُونَ "
صدق الله ألعلي العظيم

جولة في أروقة الوزارة المقترحة
  هذه الوزارة ينبغي إن تكون متميزة في موقعها و تركيبتها و مشاريعها . . فالموقع يفترض إن يكون في قلب الهور والمكان المقترح هو ( قرية الهوير ) . . أو غيرها .
و تشرف الوزارة عـــلى ثلاثة قــطاعات إدارية ( قطاع البصرة ، قطاع ذي قار ، وقـــطاع ميسان ) ، ولكل قطاع دوائره الثـــانوية و أقـــسامه و شعبه المختصة ويرتبط كل قطاع بمــركز الوزارة .
أما الدوائر ألرئيسيه التابعة لمركز الوزارة فهـــي :
ـ دائرة المسح المائي ورسم الخرائط
ـ دائرة تنفيذ المشاريع
ـ دائرة التخطيط والمتابعة
ـ دائرة تطبيق التجارب العالمية ونقل التكنولوجيا
ـ دائرة الأبحاث ألاختصاصية
ـ مركز الدراسات السومرية
ـ دائرة السيطرة المائية
ـ دائرة الإسكان وتعمير القرى
ـ دائرة طرق ومسالك الاهوار والملاحة الداخلية
ـ دائرة التوعية الريفية والرعاية الاجتماعية
ـ دائرة التدريب والتأهيل والتطوير
ـ دائرة تشجيع السياحة في الاهوار
ـ دائرة الخدمات العامة
ـ دائرة التطوير الزراعي
ـ دائرة الثروة الحيوانية
ـ دائرة حماية وتحسين البيئة
ـ دائرة الصحة العامة
ـ دائرة الآثار والمواقع التاريخية
ـ دائرة المنظمات (الدولية ، والإقليمية ،والمحلية )
ـ دائرة التراث الشعبي
ـ دائرة بناء المصانع و المعامل الإنتاجية و تطويرها
ـ دائرة العلاقات العامة
ـ دائرة الارتباط بالمحافظات والوزارات ذات العلاقة
ـ الدائرة القانونية
ـ الدائرة المالية والإدارية
ـ دائرة العقود والمشتريات
ـ دائرة الرقابة العامة ( المالية ، والإدارية ، والتنفيذية )
ـ وغيرها

  ويترأس الوزير مجلسين رئيسيين هما :
مجلس الخبراء و يضم مدراء الدوائر الرئيسية الموجودة في مقر الوزارة إضافة إلى رؤساء القطاعات الثلاثة و مدير مركز علوم الحياة .
  أما المجلس الآخر فهو المجلس الاستشاري الذي يضم رؤساء العشائر المتنفذة في الاهوار ، وينبغي أن تكون للوزارة علاقات و ارتباطات وثيقة بالمنظمات و الهيئات الدولية المختصة بشئون الأهوار خير الكلام ما قل ودل . .

  إن استمرار عزلة الهور و رقوده في غرفة الإنعاش يعكس كارثة حقيقية ، والنتيجة المتوقعة هي بقاء الهور في موقع هامشي ، ولأن الفجوة ستظل قائمة بيننا وبين الأقطار المهتمة ببيئتها ، فلابد لعمليات ومشاريع إحياء الاهوار إن تفلت من آلية التشتت المتمثلة بوصاية الوزارات ذات العلاقة ومسؤولياتها السطحية القائمة على السياقات الإدارية الروتينية .
  وان نبذل قصارى جهدنا لإنقاذ الاهوار من براثن الإهمال والتهميش ، وان نتوغل عميقا في استثمار طاقاتها المتاحة وثرواتها التي لا تنضب وتوظيف الأموال الممنوحة بما يضمن إصلاح هذه البيئة ، وإعادة الحياة إليها ، والاهتمام بسكانها والارتقاء بمستواهم الثقافي وبمهاراتهم الفردية، وبذل العناية المركزة لإعادة توطينهم والمحافظة على استقرارهم ، والسماح بنصيب أوفر للبحث والتطوير والرعاية .
وشرط تحقيق هذا ، والطريق إليه ، لن يتأتيا إلا بالاعتراف الصريح بحاجتنا إلى استحداث وزارة متخصصة بشؤون ومشاكل الاهوار . . . وبأنه لا وسيلة للوصول إليه إلا باستنفار طاقات الدولة ، والتعاون والتنسيق المباشر مع الهيئات والمنظمات العالمية التي أبدت اهتماما كبيرا يفوق

اهتمامات الوزارات ذات العلاقة
  وارى إن وزارة شؤون الاهوار ستكرس كل جهودها ونشاطاتها لإزالة كل ما علق بالهور من عهود التخلف والذل ، وليس مقبولا من الناحية الإنسانية أن يظل سكان الاهوار هم الأكثر فقرا ، لذا فأن وزارة شؤون الاهوار ستكون مسئولة أيضا عن إصلاح حالهم وبيئتهم . . .

  وفي هذا الجانب يمكن لهذه الوزارة أن تمثل ضمانا أكيدا لجودة التطوير وحسن الأداء ودقة التنفيذ في كافة المجالات . . . وبالتالي فأن وزارة واحدة متخصصة بهذا الشأن أفضل من عدة وزارات أثبتت فشلها وعجزها في الماضي القريب ، وعصفور باليد خير من عشرة على الشجرة . . . وأهل مكة أدرى بشــــعابها . . .


BASRAHCITY.NET