تعيينُ عثمان بنِ حُنيف الأنصاريّ
والياً على البصرة من قبل الإمامِ عليٍّ عليه السّلام

المقدمة

  في أواخر ذي الحجّة من عام (35 هـ)، وقيل : أوائل عام (36 هـ)، عيَّنَ الإمامُ أميرُ المؤمنينَ عليٌّ عليه السلام عثمانَ بنَ حُنيف بن وهب الأنصاريّ والياً على البصرة خلفاً عن عبد الله بن عامر بن كريز، قال الطبريّ : (ولمّا دخلتْ سنة (36 هـ) فرَّق عليٌّ عمّاله ... على الأمصار فبعث عثمان بن حنيف على البصرة) (1).

ملامحُ مِن شخصيّة عثمان بن حُنيف ومواقفه :
  كان ابنُ حنيف من أعلام أصحاب النبيّ (صلّى الله عليه وآله) وأتقيائهم، شَهِدَ أحداً والمشاهد بعدها مع النبيّ (صلّى الله عليه وآله وسلّم)، وكان له رأي ثاقبٌ ومعرفةٌ وتجربة، ولّي سابقا ً مساحة أرض العراق وجبايتها، وقدْ عُدّ من جملة السّابقينَ الأوّلينَ الذينَ رجعوا إلى الإمام عليّ (عليه السّلام)، ومن أصحابه، ومنَ الذينَ مضَوا على منهاج نبيِّهم (صلّى الله عليه وآله)، ولم يغيِّروا ولم يبدّلوا، وشهِدَ الجمل معه، وَعُدَّ من شرطة الخميس ، وهو مِنَ الاثني عشر الذين أنكروا على أبي بكر ، تحوّل بعد معركة الجمل للسّكن في الكوفة، وتوفّي بها (2).
  وقدْ كان لعثمان بن حُنيف موقفاً مشرِّفاً في التصدِّي للنّاكثين، ما جعله يتعرّض إلى أبشع صنوف التعذيب والإهانة في سبيل معتقده وموقفه، قال اليعقوبي في تاريخه (3) : (وقدم القومُ البصرة، وعامل عليٍّ عثمان بن حُنيف، فمنعَها ومَنْ مَعها مِنَ الدّخول، فقالا : لم نأتِ لحربٍ وإنّما جئنا لصلحٍ، فكتبوا بينهم وبينه كتاباً أنّهم لا يُحدِثونَ حدثاً إلى قدوم عليٍّ، وأنّ كلّ فريقٍ منهم آمنٌ مِنْ صاحبِهِ، ثمَّ افترقوا، فوضع عثمان بن حُنيف السّلاح، فنتفوا لحيته وشاربه وأشفار عينيه وحاجبيه، وانتهبوا بيتَ المال، وأخذوا ما فيه، فلمّا حضر وقت الصّلاة تنازع طلحة والزّبير، وجَذَبَ كلُّ واحدٍ منهما صاحبه، حتّى فات وقت الصّلاة، وصاح النّاس : الصّلاة الصّلاة يا أصحاب محمّد ! فقالت عائشة : يُصلّي محمّد بن طلحة يوماً وعبد الله بن الزبير يوماً، فاصطلحوا على ذلك !!).
  وقد ذكر خليف في تأريخه أنّهم تواقعوا حتّى زالت الشمس، قال : (قال أبو اليقظان : وولى على البصرة يومئذ عثمان بن حنيف الأنصاري ، قال : وسار طلحة والزبير ومن معهما حتى أتوا الزابوقة فخرج إليهم عثمان بن حنيف فتواقعوا حتى زالت الشمس، ثم اصطلحوا وكتبوابينهم كتابا أن يكفوا القتال ...) (4).

موقفُ أمير المؤمنين عليٍ عليه السلام ممّا حصل لعثمان بن حنيف في البصرة
  (فلما أتى علياً الخبر سار إلى البصرة، .... ولقيه عثمان بن حنيف، فقال : يا أمير المؤمنينَ، وجّهتني ذا لحيةٍ فأتيتُك أمرد ! وقصّ عليه القصّة) (5).
  وفي الكافئة (6) : (رووا أنّه (عليه السّلام) لمّا بلغه وهو بالرَّبذة خبرُ طلحة والزبير وقتلهما حُكيم بن جَبَلَة ورجالاً من الشّيعة، وضربهما عثمان بن حنيف، وقتلهما السّبابجة (حرّاس بيت المال)، قام على الغرائر، فقال : إنّه أتاني خبرٌ متفظِّع ونبأٌ جليل، أنّ طلحة والزبير وردا البصرة، فوثبا على عاملي فضرباه ضرباً مبرِّحاً، وتُرك لا يُدرى أحيٌّ هو أمْ ميّت! وقتلا العبد الصّالح حُكيم بن جَبَلة في عدّة من رجال المسلمينَ الصّالحينَ، لقوا الله مُوفين ببيعتهم، ماضين على حقِّهم ! وقتلوا السّبابجة خزّان بيت المال الذي للمسلمينَ، قتلوهم صبراً، وقتلوهم غدراً ! فبكى النّاسُ بكاءً شديداً، ....

الهوامش
(1) تأريخ الطبري : 3/3، وذكر ذلك أيضاً كلٌّ من : الدّينوريّ، الأخبار الطوال : ص 141، وخليفة بن خيّاط، تاريخ خليفة : ص 136 - 137، وص 152، والعجليّ، معرفة الثقات : 2/ 128، وابن حبّان، الثقات : 2/273، والبروجرديّ، طرائف المقال : 2/99، وعلاء لازم العيسى، المجمل في تاريخ البصرة : ص 28.
(2) يُنظر فيما تقدّم عنه المصادر الآتية : معرفة الثقات، للعجليّ : 2/ 128، والجرح والتعديل، لابن أبي حاتم : 6/146، وجامع الرّواة، لمحمّد علي الأردبيليّ : 1/ 532، ونقد الرجال، للتفرشي : 3/ 191، وطرائف المقال، للسيّد علي البروجرديّ : 2/ 99، ومعجم رجال الحديث، للسيّد الخوئيّ : 12/ 117 - 118.
(3) تاريخ اليعقوبي : 2/181.
(4) تاريخ خليفة بن خيّاط : 136 - 137.
(5) تاريخ اليعقوبيّ : 2/181.
(6) الكافئة، للشّيخ المفيد : ص 17.

BASRAHCITY.NET