وصولُ كتابِ الإمام ِعليٍّ (عليه السّلام) إلى أهلِ البصرةِ يدعوهم إلى نصرتِهِ في قتالِ الخوارجِ

المقدمة

  في سنة (37 هـ)، كتب الإمامُ عليٌّ (عليه السّلام) إلى أهل البصرة يدعوهم إلى النّهوض معه في حربه مع الخوارج، فأتاه (الأحنف بن قيس) في ألفٍ وخمسمائة، وأتاه (جارية بن قدامة) في ثلاثةِ آلاف ، ويُقال : إنّ ابن قدامة جاء في خمسة آلاف، ويُقال : في أكثر من ذلك، فوافاه بالنُّخيلة (1).
  وبَعَثَ عليٌّ [عليه السّلام] إلى الخوارج : أنْ سيروا إلى حيثُ شئتُم ولا تُفسدوا في الأرض، فإنّي غير هائجكم ما لم تُحدِثوا حدثاً، فساروا حتّى أتَوا النّهروان، وأجمع عليّ على إتيان صفّين، وبلغ ذلك معاوية، فسار حتّى أتى صفّين (2).
  وكتب عليٌّ [عليه السّلام] إلى الخوارج بالنّهروان : (أمّا بعدُ، فقد جاءكم ما كنتُم تريدونَ، قد تفرَّق الحكمان على غير حكومةٍ ولا اتّفاقٍ، فارجعوا إلى ما كنتُم عليه، فإنّي أُريد المسير إلى الشّام) ، فأجابوه : أنّه لا يجوز لنا أنْ نتّخذَكَ إماماً، وقد كفرتَ حتّى تشهدَ على نفسك بالكفر وتتوبَ كما تُبنا، فإنّك لم تغضب للهِ، إنّما غضبتَ لنفسك. فلمّا قرأ جواب كتابه إليهم يئس منهم، فرأى أنْ يمضيَ من معسكره بالنُّخيلة، وقد كان عَسْكَرَ بها حين جاء خبر الحكمينِ ليسير إلى الشّام (3).
  وكان الخوارج قد قتلوا (عبد الله بن خبّاب) أحد أصحاب رسول الله (صلّى الله عليه وآله)، وبقرُوا بَطْنَ زوجتِهِ التي كانت حاملاً، فقتلوها وقتلوا جنينها، وقتلوا ثلاث نسوة من طيء، وقتلوا (أمّ سنان الصّيداويّة)، وبلغ ذلك أميرُ المؤمنين (عليه السّلام)، فبعثَ إليهم (الحارث بن مرّة العبديّ)، لينظر فيما بلغه عنهم، فلمّا وصل إليهم ليُسائلهم قتلوه.
  ثمَّ وقعتْ معركة النّهروان، وما جرى فيها من أحداث معروفة ، إذْ طلب منهم أميرُ المؤمنينَ (عليه السّلام) أنْ يُخرجوا إليه القَتَلَة، فأبَوا ذلك، وقالوا : كلُّنا قَتَلَتُهم، وكلُّنا نستحلُّ دماءهم ودماءكم، وجرت بعد ذلك المعركة بعد أنْ بدأها الخوارج (4).
  وقد انتصر فيها الحقُّ، وهو أمير المؤمنينَ (عليه السّلام) وجيشه على معسكر الخوارج، وصدق رسولُ الله (صلّى الله عليه وآله) ، إذْ قال : ((عليٌّ مع الحقّ والحقُّ مع عليٍّ، ولن يفترقا حتّى يردا عليَّ الحوض يومَ القيامة)) (5) فقد افتتنَ النّاس بهؤلاء الخوارج وبمظهرهم الخادع، فكشفَ أميرُ المؤمنينَ (عليه السّلام) زيفَ هؤلاء الخوارج، وما يدَّعونه منَ التّظاهر بالدّين.
  وما أشبه اليوم بالبارحة، وكأنّ التاريخ يُعيدُ نفسَه، ولكنْ بمّسمياتٍ وعناوين مختلفة، ولكنّ المبادئ والعقيدة بقيت على حالها لم تتغيّر، فالخوارجُ اليوم يحاربونَ أتباعَ أهل البيت (عليهم السّلام)، ويذبحونَ ويبقرونَ البطونَ، ويقطعونَ الرؤوسَ، كما كان أسلافهم يفعلونَ.
وأتباع أمير المؤمنين (عليه السّلام) ما زالوا على نهجهم في الحبِّ والولاء لأهل البيت (عليهم السّلام)، وما قوافل المقاتلينَ والشّهداء من البصرة، وغيرها، إلّا شاهد على البطولة وتلبية النّداء والثّبات على الولاية لأمير المؤمنينَ (عليه السّلام).

الهوامش
(1) يُنظر : البلاذريّ، أحمد بن يحيى، تحقيق : الشّيخ محمّد باقر المحموديّ، ط 1، بيروت، مؤسّسة الأعلميّ للمطبوعات، 1394 هـ : 2/ 367.
(2) المصدر نفسه : 2/367.
(3) المصدر نفسه : 2/ 367.
(4) الطبريّ، محمّد بن جرير، مراجعة وتصحيح : نخبة من العلماء، (لا. ط)، بيروت، مؤسّسة الأعلميّ للمطبوعات، (د.ت) : 4/ 61 - 62.
(5) الخطيب البغداديّ، تاريخ بغداد، تحقيق : مصطفى عبد القادر عطا، ط 1، بيروت، دار الكتب العلميّة، 1417 هـ : 14/ 322 ، وابن عساكر، تاريخ دمشق، تحقيق : علي شيري، (لا. ط)، بيروت، دار الفكر للطباعة، 1415 هـ : 42/ 449.

BASRAHCITY.NET