توليةُ بُسر بن أرطاة، ورفض أهلِ البصرة له سنة (41 هـ / 661 م)

الدكتور اشرف عبد الحسن

المقدمة

بسم الله الرحمن الرحيم


  بعد أنْ ألت الأمورُ إلى معاوية، دعا بُسرَ بن أبي أرطاة (1)، فضمّ إليه جيشاً، ووجّه به إلى البصرة، فلمّا دخلها خطب على منبرها، وشتمَ الإمامَ عليّاً (عليه السّلام) وولده (2)، ثمّ قال : نشدتُ الله رجلاً علِمَ أنّي صادقٌ إلّا صدّقني، أو كاذبٌ إلّا كذّبني (3)، فوثبَ إليه رجلٌ يُدعى (أبو بكرة)، فقال له : كذبتَ يا عدوَّ الله، قدْ كان عليُّ بن أبي طالبٍ خيراً منك ومنْ صاحبك الّذي ولّاكَ علينا، فأمرَ به بُسر فخُنِقَ، فوثبَ أبو لؤلؤة الضّبّيّ، فألقى بنفسه عليه، ثمّ خلّصه النّاس، وغيّبوه، فلمْ يقدر عليه (4).
  وأقبلَ بُسر يتتبّع كلّ مَنْ كان له بلاءٌ مع عليٍّ (عليه السّلام)، أو كان مِن أصحابه، وكلّ مَن أبطأ عن البيعة، فأقبل يحرقُ دورَهم ويخرِّبها، وينهبُ أموالَهم (5)، فكان ذا شخصيّةٍ دمويّةٍ؛ إذْ لمْ يرحم شيخاً ولا امرأةً ولا طفلاً، وارتكب مِنَ الفظائع والمنكرات ما تقشعرّ له الأبدان.
  ومع ذلك، نجدُ هناك - إلى وقتنا الحالي - مَن يُدافع عن بُسر ومعاوية، وما هؤلاء الذين يُدافعون عنهم إلّا السّائرونَ على خطِّهم في محاربة سيّد الموحّدينَ الإمامِ عليّ بن أبي طالبٍ (عليه السّلام) وأتباعه.
  أمّا عن القول في صحابة بُسر بن أرطاة، فقد قال أحمد وابن مُعين :)) لمْ يَسمعْ منَ النّبيّ - صلّى الله عليه [وآله] وسلّم، وقدْ سبى مسلماتٍ باليمن، فأُقِمْنَ للبيع، ووليَ الحِجاز واليَمَن، لمعاوية، ففعلَ قبائحَ، ووسوسَ في آخر عمرِهِ )) (6).
  وعن مناصرتِهِ لمعاوية ضدّ الإمام عليٍّ في أماكنَ أُخَر غير البصرة، يُذكَر أنّه قدْ شَهَرَ على العلويّين وأتباعهم حرباً لا هوادة فيها، قال المسعودي ّ: ((قتَلَ بالمدينة وبينَ المسجدينِ خلقاً كثيراً مِنْ خزاعة وغيرهم، وكذلك بالجُرف، قتل بها خلقاً كثيراً من رجال هَمْدَان، وقتل بصنعاء خلقاً كثيراً من الأبناء، ولمْ يبلغْه عن أحدٍ أنّه يُمالئ عليّاً أو يهواه إلّا قتلَهُ)) (7).

هوامش
*************
(1) بُسر بن أرطاة العامريّ، أمير معاوية في أهل البيت (عليهم السّلام) لقتلهم تشريدهم، حتّى خدّ لهم الأخاديد، وكانتْ له أخبار شنيعة في عليّ (عليه السّلام)، وقتل ولدي عبيد الله بن عبّاس وهما صغيران على يدي أمّهما، ففقدتْ عقلها، وهامتْ على وجهها، فدعا عليه الإمام عليّ (عليه السّلام) أنْ يُطيلَ اللهُ عمرَه، ويذهب عقله، فكان كذلك، يُنظر : ابن العماد الحنبليّ، عبد الحيّ بن أحمد بن محمّد، أبو الفلاح، شذرات الذّهب في أخبار مَن ذهب، حقّقه: محمود الأرناؤوط، خرّج أحاديثه: عبد القادر الأرناؤوط، دار ابن كثير، دمشق – بيروت، الطّبعة الأولى، 1406 هـ - 1986 م : 1/ 277.
(2) ابن خلدون، تاريخ، مؤسّسة الأعلميّ للمطبوعات - بيروت، (لا. ط)، 1391 هـ : 3/4.
(3) ابن الأثير، أبو الحسن عليّ، دار صادر للطباعة - بيروت، (لا. ط)، 1385 هـ : 3/414.
(4) الطبريّ، محمّد بن جرير، تاريخ الأمم والملوك، مؤسّسة الأعلميّ للمطبوعات - بيروت، ط 4، 1403 هـ : 4/ 128.
(5) الثقفيّ، إبراهيم بن محمّد، الغارات، تحقيق : السّيّد جلال الدّين الحسينيّ، مطبعة بهمن - إيران، (لا. ط)، (د.ت): 2/653.
(6) الذّهبيّ، سير أعلام النّبلاء، تحقيق : محمّد نعيم العرقسوسيّ، ومأمون صاغرجيّ، مؤسّسة الرّسالة - بيروت، ط 9، 1413 هـ: 3/ 410.
(7) المسعوديّ، أبو الحسن، عليّ، مروج الذّهب ومعادن الجوهر، منشورات دار الهجرة - إيران، ط 2، 1404 هـ : 3/ 22.

BASRAHCITY.NET