الزبير إطلالة من تاريخ البصرة القديم

المقدمة


  وأنت تقلب ذكريات الزمن الراحل تشدك صفحات التاريخ بقوة لمدينة استطاعت بتضحياتها ان تثبت اسمها رغم كل التحديات وان تقف بشموخ في خندق المواجهه امام كل الضربات والتقلبات السياسية التي عصفت بمحيطها وبقوة ابنائها وغيرة عشائرها استطاعت ان تحافظ على تراثها وترسم بأصابعها صورة الحاضر بعيون المستقبل دون الانفلات عن جذورها التاريخية انها مدينه الزبير التي تقع على بعد ثمانية أميال تقريبا عن البصرة في الجزء الجنوبي الغربي تحدها من الشمال الشعيبة وسكة قطار البصرة - بغداد وجنوبا سفوان وغلبا مقبرة الحسن البصري وبعدها حقول النفط التابعة لشركة نفط البصرة والرميلة وشرقا المسجد الجامع وهي قضاء تابع اداريا لمحافظة البصرة ... يرجع اصل تسميتها الى وجود قبرالصحابي الزبير بن العوام المدفون فيها والذي يتوسط المدينة ببناء ضخم جميل يدل على روعة الابداع في هندسة البناء مطرزا بالنقوش الاسلامية والآيات القرآنية ... كانت قديما محطة استراحة لجميع القوافل العابرة لوقوعها على مفترق الطرق مما شجع بعض البيوت على السكن فيها وبعد الصراع الذي حدث في (نجد) لتصفية الحسابات المذهبية هاجر اليها عدد من القبائل الأصيلة القادمة من الجزيرة العربية وسكنت المدينة ومنها عشائر آل الزهير وهي من القبائل المهمة وعميدها يحيى الزهير وكان آخر حكامها هو سليمان الزهير والتي كانت تتمتع بالزعامة والمشيخة وآل البسام وهي من الاسر العربية المعروفة والتي اتخذت من التجارة مهنه لها ، وآل ثاجب وآل فداغ وآل مشري وآل منديل وابرز شخصية فيها هو عبد اللطيف باشا المنديل من مواليد الزبير الذي ساهم في بناء الكثير من المؤسسات في البصرة اشهرها المستشفى الملكي والمدرسة الإعدادية ومركز شرطة القرنة وغيرها ... ففي عام 1177 هـ - 1763 م قام الأهالي سور كبير من البن والطين من اجل توفير الحماية الذاتية من الضربات المتوالية من قبل العصابات او الصراعات السياسية بين القبائل وجعل لها اربعة ابواب تحرسها ابناء العشائر الأقوياء وتحافظ على نظام العبور في اوقات منظمة وبقي هذا السور شامخا يصارع التقلبات الجوية حتى عام 1914 فتهدم اكثرة ولكننا اليوم نحس ببقايا آثاره وخصوصا قرب المقالع .
  وفي عام 1320 هـ - 1902 م تقريبا حدث فيضان ضخم جرف البيوت الطينية واغراق معظم الشوارع في منطقة الرشيدية والجديدة وقد تصدى المرحوم سيد احمد باشا النقيب ابن السيد محمد سعيد النقيب بأمواله الخاصة واستطاع ان يغير مجرى المياه ويبعدها من الباطن الى شمال الزبير من جهة (المسجد الجامع) خطوة الإمام علي (ع) بمساعدة الأهالي ، وفي عام 1936 م مدت الحكومة أنابيب المياه الصالحة للشرب بعد ان كانوا يعتمدون على مياه الآبار والعيون في الدريهمية وقد القي الشاعر عبد الله محمد الشارخ قصيدة رائعة في حفل الافتتاح ذاكرا فيها معاناة الأهالي من شحة المياه علما بان الزبير ولحد الآن لم تشملها مشاريع الصرف الصحي وتعتمد على طبقات الأرض الرملية ... كما تم انشاء مستشفى مشهور الى وقتنا الحاضر اطلق عليه اسم (مستشفى العقيل ) بناه الحاج محمد سليمان العقيل وهو كويتي الاصل وقام بعدها بالتبرع به الى الحكومة العراقية وهو متخصص بالولادة والأمراض النسائية ... ومن الشخصيات المعروفة القاضي احمد نور الأنصاري قاضي الزبير حتى وفاته عام (1302 هـ - 1884 م ) وكان ضليعا بفقه المذاهب الاسلامية ويتمتع بطاقة أدبية وشعرية هائله وكان يطالب بحقوق البصرة بالضغط على الحكومة العثمانية ...
  وفي عام 1913 م تم تعيين منصب القضاء للشيخ عبد المحسن إبراهيم البابطين وكان مدرسا في مدرسة النجاة الأهلية وبعدها في مدرسة الدويحس ثم عين بعدها رئيسا للقضاء في دولة الكويت عام 1938 م ... ومن أولى المدارس التي نشأت فيها هي : في عام 1180 هـ تم تأسيس مدرسة الدويحس الدينية الأهلية من قبل دويحس الشماس باقتراح من الشيخ إبراهيم بن جديد وكان فيها قسم داخلي للطلبة الذين يحصلون على الرواتب .
  وفي عام 1899 م تم افتتاح المدرسة الرشيدية الابتدائية ، وفي عام 1340 هـ انشأت مدرسة النحاة الأهلية الابتدائية أسسها الشيخ محمد امين الشنقيطي واشاد بنائها آل الذكير الكرام وتقوم بدراسة العلوم الاسلامية وكان مديرها الاستاذ ناصر الاحمد ، واخذت المدارس بالتطور بعد ظهور الناحية العمرانية والاستقرار السكاني حيث قامت الحكومات المتعاقبة ببناء العشرات من المدارس للبنين والبنات وتخرج منها آلاف الطلبة على مر الزمن والذين ساهموا في انتشار العلوم الدينية والحياتية وتصاعد الوعى الفكري اهتم الزبيريون بالمكتبات لحفظ تاريخهم وتكون رافدا معلوماتي لخدمة طلبة العلوم والباحثين ، ففي عام 1942 م تأسست مكتبة الزبير الأهلية من قبل الوجيه عبد العزيز العثمان وفيها قاعة كبيرة للمطالعة ولكنها تعرضت للسرقة والنهب وهي اليوم حاضرة وتحتوي على آلاف الكتب الدينية ، وفي عام 1969 م تأسست مكتبة الزبير العامة وتضم حوالي (9194 ) من الكتب العربية و (2019 من الكتب الاجنبية و (21) دورة عربية وقد توسعت بعدها وهي باقية اليوم وتحتوي على قرابة خمسة الاف من أنواع الكتب المنوعة (المساجد المنتشرة في الزبير) : المسجد الجامع الذي يعتبر اول مسجد في العراق وثالث مسجد في الاسلام وتراه اليوم بأجمل هندسة معمارية دون الانفصال عن روح التاريخ الذي يتنفس بمنارته الباقية تصارع التقلبات الطبيعية للاجواء التاريخية .
  ومن المساجد الواقعة في محلة الكوت : جامع الزبير الذي يحتوي على ضريح الزبير بن العوام ، مسجد علي الخضيري ، مسجد القرطاس ... وفي محلة الجمهورية : مسجد الرواف ، مسجد ابن لاحق ، سوق الجت ، جامع النقيب ، جامع الحنيف ، مسجد المجصة ... وفي محلة الرشيدية : جامع الرشيدية ، مسجد ابن فرج ، مسجد الذكير ، مسجد آل إبراهيم ... وفي محلة الشمال : جامع مزعل باشا السعدون ، مسجد الباطن ، مسجد الخمسة ، وكذلك يوجد مسجد الزهيرية الذي يقع في محلة الزهيرية ، مسجد ديم خزام ، مسجد الحصى ، مسجد الحاج طوينة ، مسجد الحساوية ، مسجد الشويلي ، مسجد الامام الصادق (ع) وكما تم تأسيس التكية العلية القادرية الكسنزانية التي بنيت عام 1983 م وتقع في منطقة الحي العسكري على طريق سفوان .
  وعندما تدخل الى المدينة تجد في كل مكان وتتميز بمسافاتها القريبة وما ان تقترب ساعة الاذان حتى تتصاعد الأصوات لتهز مشاعر كل الموجودات وهم يتسابقون لاداء فريضة الصلاة جماعة (الاماكن الاثرية التي حفظت لنا تاريخ المدينة) : قبر طلحة بن عبيد الله ، ويقابلك عند اول دخولك المدينة - قبرا الزبير بن العوام الذي يقع في قلب الزبير النابض بالحياة - مرقد انس بن مالك خادم الرسول الاعظم ، ويقع على جهة الشعيبة ، قرب سكة القطار بصرة ـ بغداد ـ قبر عتبة بن غزوان فاتح البصرة - قبر الحسن البصري - قبر ابن سيرين (مفسر الأحلام) وهم في مقبرة الحسن البصري والتي تعتبر من أقدم المقابر الاسلامية والتي احتضنت رفات معركة الجمل وبعدها تحولت الى مقبرة لدفن الموتى ، وهي من المقابر الكبيرة في البصرة (أخلاق الزبير) : يمتاز أهل الزبير بالمواصفات العربية الأصيلة من حب الكرم والتسابق قي استقبال الضيف واجمل القيم الأخلاقية ومضايفها عامرة تفوح منها عطر المحبة والالفه وروح التسامح وتمتزج بالقهوة العربية ولقربها من دولة الكويت الشقيقة كان لها الاثر الواضح في التقارب وتقوية الروابط العائلية وتشابة العادات ومظاهر الملابس والبناء للبيوت والتداخل العشائري في النسب والمصاهرة والتمسك بالاعراف العشائرية والاصول الدينية والتي حافظت على وحدة ابنائها وبعد الاحتكاك المتواصل بمظاهر المديبة وتطور معالم الحضارة المحيطة بها والتي القت بظلالها لتغير انماط حياتها دون الانسلاخ عن الا خلاق ... واليوم عندما تذهب الى الزبير في طريقها العام ترى أشجار الاثل في هندسة جمالية تسر عيون الناظرين ومدينة الزبير من المدن الامنة التي تتمتع بأصالة التعايش مع كل المكونات الاجتماعية .

BASRAHCITY.NET