تاريخ مشكلة مياه الشرب في البصرة والمدن الاسلامية الاولى

الاستاذ عبد الحكيم غنتاب الكعبي

المقدمة

 اعتاد الإغريق على بذل أقصى الجهود لاختيار الموقع المناسب عند التفكير في إنشاء مدينة جديدة ، إذ أن ازدهار المدينة كان يتوقف على ملاءمة الموقع من الناحية الصحية ، ومن حيث توفر المزايا المادية وأسباب الأمان ، وكان ( الفلاسفة الإغريق ومخططو المدن يدرسون كل هذه العوامل بعناية دقيقة (1).
 ويعد توافر المياه شرطا أساسيا في اختيار مواقع المدن ، إذ عليه تقوم الحياة فيها، ولتوافر الماء مصادر متنوعة أهمها الأنهار الجارية باعتبارها موردا منتظما.
 للمياه ، وإن شرط سعة الماء الذي يرد في المصادر العربية يعني أمرين الأول : وفرة الماء في أن يفي بحاجة السكان ويفيض مراعاة للنظرة المستقبلية والتوسع العمراني المتوقع لأية مدينة ، والثاني : عذوبته أي صلاحيته للاستخدام البشري من شرب وأغراض أخرى ، فهل كان العرب في صدر الإسلام ، وفي المراحل الأولى من نهضتهم الحضارية يخضعون مسألة اختيار مدنهم الجديدة لاعتبارات محددة ، وهل كان لشرط سعة الماء ، حضور واضح في حساباتهم عند اختيارهم لمواقع تلك المدن ؟
 ينفي ابن خلدون (2) ذلك ، ويؤكد أن العرب في بدء تخطيطهم المدن الإسلامية لم يراعوا فيها إلا الأهم عندهم من مراعي الإبل وما يصلح لها من الشجر والماء ، ولم يراعوا مسألة توافر الماء للاستخدام البشري ولا المراعي ولا المزارع ولا الحطب ، فكانت هذه المدن أسرع إلى الخراب ، لأنها لم تراع فيها تلك الأمور الطبيعية ، وكان ذلك إشارة إلى تخطيط كل من البصرة والكوفة لكونهما أول مدينتين تؤسسان في الإسلام خارج جزيرة العرب .
 وفي المصادر التي سبقت ابن خلدون روايات فيها إشارات إلى مثل هذا المعنى ، فقد ذكر الطبري أن الخليفة الثاني عمر بن الخطاب حدد القادة فتح العراق عندما استأذنوه لبناء مستقرات مدنية دائمة لجندهم ـ الكوفة والبصرة ـ صفات مواقع هذه المدن (3) ، والرواية التاريخية تبين أن الخليفة في رسالته الجوابية على رسالة عتبة بن غزوان في البصرة حول حاجته إلى اتخاذ موضع دائم للمقاتلين العرب قال : (( ولا تجعل بيني وبينهم ـ يعني العرب ـ بحرا )) (4) أي أنه كان يرغب في أن يكون موقع المدينة على أطراف الصحراء .
 من جانب آخر ، تبنت الدراسات الاستشراقية في الغالب موقفا سلبيا من المدينة العربية الإسلامية والتمدن الإسلامي بشكل عام (5) ، فقد ظهر في القرن الماضي أدب استشراقي وفير عن المدينة الإسلامية ، وكان المؤرخون من أكثر المساهمين في الدراسات الاستشراقية كما ونوعا ، وبغض النظر عن اتجاهات تلك الدراسات ودوافعها فإنها تمحورت في الأغلب على دراسة الإشكالية الآتية : أكانت المدينة الإسلامية مدينة منشأة أم كانت مدينة (عفوية) ؟؟
 وإجمالا يمكننا القول أن تلك الدراسات قد خرجت بفكرة أساسية استندت إليها النظرية الاستشراقية بشكل عام وهي أن المدينة المنشأة تشكل استثناء في تاريخ الإسلام ، لأنه من النادر أن يكون قد سبق تصورها أو تصميمها ، وهي إن وجدت فليس لصالح مجموعة معينة بل لصالح الأمير ، وبذلك تكون مدينة أميرية أو مقرا للقصر وترتبط بوجود أسرة حاكمة ، أي أنها تكون مؤقتة ومفتعلة بالضرورة (6).
 وعلى الرغم من أن بحثنا هذا ليس موضوعه التمدن الإسلامي أو تخطيط المدن العربية الإسلامية بشكل عام ، بل يتناول جزئية محددة تندرج في إطار توافر المزايا المادية الأساسية في مواقع المدن الإسلامية الأولى وهي مسألة الماء ، إلا أننا نرى أهمية الوقوف دون إطالة أمام رأي كل من ابن خلدون والمستشرقين من موضوع نشأة المدن الإسلامية ، وهل يتطابق هذا الرأي والخلفيات التاريخية لنشأة هذه المدن ؟ وهل يمكن إعمامه على كل المدن الإسلامية لنقر من ثم (بعفوية) هذه المدن ؟
 إن المتمعن في الخلفيات التاريخية للعوامل التي ساعدت على استقرار العرب في المدن والحواضر الإسلامية المختلفة واتخاذها مواطن لاستقرارهم سيخرج دون شك بنتيجة مفادها أن العرب كانوا يضعون جملة مستلزمات وشروط في اختيارهم مواضع المدن ، وفي التفاضل بين المواضع التي لم يتم اختيارها تبعا للصفات الصحية والجغرافية والحضارية والاقتصادية لهذه المواقع المختارة ، فلم تكن مسألة تأسيس المدن العربية واختيار مواضعها من المسائل العشوائية والآنية كما اعتقد بعض الباحثين الأجانب (7) في حقل التمدن الإسلامي.
 وإذا كانت المدن الإسلامية الأولى ، وتحديدا كل من البصرة والكوفة والفسطاط والقيروان قد اشتركت في خاصية واحدة وهي أنها كانت في أول أمرها مجرد معسكرات بدائية للجند الفاتحين فأنها تطورت في مرحلة ثانية إلى مدن تملك الصفات الأساسية للحاضرة ، كما أن هذه المدن كانت تتباين في خصائصها وتخطيطها وظروف نشأتها ، وإن رأي كل من ابن خلدون والمستشرقين لا ينطبق على جميع المدن التي أسسها العرب بل ينطبق على بعضها ، يتجلى ذلك واضحا من خلال الموازنة بين تلك المدن من حيث ظروف نشأتها واختيار مواقعها ولاسيما الموازنة بين البصرة والكوفة اللتين تقاربتا جغرافيا ، واشتركتا عند بدء التأسيس في كثير من السمات العامة .

المدن الإسلامية الأولى وقضية الماء

 إذا كان بالإمكان الإشارة إلى عفوية نسبية في أول ظهور البصرة فإن الأمر مختلف فيما يتعلق بالكوفة التي ظهرت نتيجة عمل وقرار مصمم ومسترسل من لدن السلطة ، إذ كانت الكوفة مركز الجيش الفاتح الذي انتصر في معارك القادسية والمدائن وجلولاء وحسم موضوع فتح العراق ، فكان لا بد أن تحظى هذه المنطقة برعاية خاصة من لدن السلطة من حيث اختيار الموقع والتصميم والتخطيط اللاحق ، وهذا ما حصل فعلا ، فقد تحدد مكان الكوفة بما يتسق واستراتيجية العرب في بناء المدن في صدر الإسلام ، فلم تتخذ الحيرة ولا المدائن ، وهما مدينتان قديمتان مركزا لاستقرار العرب الفاتحين ، بل اختير موقع آخر للمدينة الجديدة ، على مقربة من نهر الفرات ، وبذلك أمن هذا الموقع أهم عنصر من عناصر الحياة في المدينة ، وهو الماء ، فضلا عن المزايا الأخرى ، لقد كانت العلاقة وثيقة منذ بدء التأسيس بين الكوفة والماء على الرغم من أن العرب الأوائل غادروا عالم المدائن المائي ، وانشأوا مدينتهم على أطراف الصحراء بناء على توجيهات الخليفة عمر ، إلا أنهم كانوا على مقربة من ضفاف الفرات أو من فروعه ، فقد أشار الطبري (8) إلى وجود شبكة من القنوات جنوب الكوفة ، وهذه القنوات معروفة بنهر الحيرة ونهر السليحين ونهر القادسية ونهر يوسف ، كما أن الأخبار الخاصة بمعركة القادسية تحدثت عن قناة اسمها العتيق (9) يبدو أنها كانت مهملة ، وقد أشار إليها المسعودي واصفا إياها بأنها مجرى قديم للفرات كان يصب في بحر قديم قام مكان بحيرة النجف (10) ، ومن المؤكد أن الحيرة ـ القريبة من الكوفة ـ لم تكن قادرة على أن تحافظ على وجودها المزدهر في الماضي لكونها واحة من دون الري ، وقد تغذت الضفة الغربية للفرات بواسطة القنوات الآخذة من الفرات ، ويحتمل أنها أهملت في أواخر العهد الساساني ( وعادت إلى سالف نشاطها في العصر العربي ) (11).
 وفي زمن ولاية خالد القسري على العراق (105 ـ 129 هـ) حفرت أنهار جديدة تزود المدينة بماء الفرات العذب مثل : نهر الجامع ونهر خالد والمبارك وباجوه وبارمانه ولوبه ، فمثل ذلك شبكة حقيقية من الأنهار الفرعية (12) لذلك كان سكان الكوفة يحصلون على الماء مباشرة دون عناء ، ولم يكن هناك تنظيم معقد في عملية توفير الماء بل كان اعتمادهم على السقائين وبعض الآبار في القصر وفي بعض الجبانات (13) ويشير الطبري (14) إلى وجود دار للسقاية ، كانت عبارة عن بناية عمومية للتموين بالماء ، ويبدو أن دور السقاية العامة استمرت إلى عصور متأخرة ، فقد أشار ابن جبير (15) إلى وجود سقاية كبيرة من ماء الفرات فيها أحواض كبار ، وقد أسهبت المصادر القديمة في ذكر فضل الفرات على الكوفة والإشادة بعذوبته ، وكثيرا ما افتخر أهل الكوفة وفضلوا أنفسهم على أهل البصرة بأن هواءهم أصح وماءهم أعذب من ماء البصرة (16).
 أما مدينة الفسطاط التي أسست في مصر سنة 21 هـ ، فقد عدت من الأمصار الإسلامية السبعة ، وتجمعها وعدد من الأمصار لاسيما البصرة والكوفة سمات مشتركة أهمها أن تأسيسها كان نتيجة من نتائج الفتوحات الإسلامية وأن العوامل العسكرية قد لعبت دورا بارزا في اختيارها ومن ثم في وضع خططها ووحداتها العمرانية ، وأكثر سكانها كان من القبائل العربية كما هو الحال في البصرة والكوفة ، وقد شهدت بعد زمن قصير من تأسيسها تطورات عمرانية وسكانية كبيرة ، فازدهرت فيها الحياة الاقتصادية والثقافية .
 لقد روعي عند تأسيس هذه المدينة المستلزمات الطبيعية والسياسية لقيام المدن ، فالروايات التاريخية عن المرحلة الأولى لتأسيس الفسطاط تشير إلى أن هناك تفهما في مسألة تخطيطها ولم يكن الأمر عشوائيا ، فقد اختير موقعها بجوار نهر النيل الذي يحدها شرقا والجبل غربا وتقع المزارع بينها من جهة وبين جبل يشكر من جهة أخرى ، فضلا عن وقوعها على رأس الدلتا ليسهل الإشراف على الوجهين البحري والقبلي ، ولم يكن العرب أمة بحرية لذا لم يكن ثمة ما يدعو لاتخاذ الحاضرة على البحر الأحمر (17) وحتى لا يحول بينها وبين مركز القيادة ماء كما رأى عمر بن الخطاب .
 وإذا ما انتقلنا إلى مدينة القيروان وبحثنا في العوامل التي ساعدت على تأسيسها واتخاذها مدينة والأسس العمرانية التي استندت إليها ، وجدنا أنها تشابه إلى حد كبير العوامل التي ساعدت على ظهور كل من البصرة والكوفة والفسطاط ، فهي من ثمار حركة الفتح العربي في شمال أفريقيا ، وعلى الرغم من ندرة المعلومات التاريخية المفصلة عن ظروف مرحلتها التأسيسية ، فإن هناك اتفاقا بين المؤرخين والبلدانيين على أنها أُسست سنة 50 هـ / 670 م وأن مؤسسها عقبة بن نافع ولم ترد روايات أخرى تخالف ذلك .
 اختير موقع القيروان وسط البر بعيدا عن الساحل لضرورات عسكرية وعوامل نفسية توافق ذهنية العرب ومتطلباتهم الضرورية ، ولم يكن هناك على ما يبدو أي مصدر دائم لمياه الشرب ، سوى ما ذكر عن وجود عين ماء كبيرة وهي البئر المسماة (بئر أم عياض) وأن هذه البئر كانت من أسباب اختيار موقع القيروان (18) ويبدو أن هذه البئر لم تكن تفي بحاجة السكان ، أو أنها نضبت بحيث لم نجد لها أثرا في حياة المدينة اللاحقة ، ذلك أن المشكلة الرئيسة التي جابهتها القيروان منذ أيام تأسيسها الأولى تمثلت بالموارد المائية ، كما هو الحال في مدينة البصرة ، مع وجود فارق واضح بين المصرين ، فمياه البصرة كانت تأتي من الأنهار غير أنها مالحة أما مدينة القيروان فكانت تتزود بالمياه الصالحة للشرب من مصدرين :
 الأول : مياه الأمطار حيث كانت تخزن في صهاريج يطلق عليه اسم (المواجل) والثاني : مياه وادي السراويل في قبلة المدينة ، وقد كان مالحا (19) فقد ذكر اليعقوبي أن أهل القيروان كان (( شربهم ماء المطر إذا كان الشتاء ووقعت الأمطار والسيول دخل ماء المطر من الأودية إلى برك عظام يقال لها المواجل ... ولهم واد يسمى وادي السراويل في قبلة المدينة يأتي فيه ماء مالح ... يستعملونه فيما يحتاجون إليه)) (20).
 وقد اشتهرت القيروان بمواجلها (صهاريج المياه) حتى سميت بمدينة المواجل وما زال بعضها باقيا إلى اليوم (21) وقد ذكر البكري أنه في خلافة هشام بن عبد الملك تم بناء خمسة عشر ماجلا للماء ، لكن أعظم تلك المواجل ما بناه أبو إبراهيم أحمد بن الأغلب وهو مستدير ذو مساحة كبيرة يتصل بها ماجل أصغر فإذا جرى الماء من الوادي يقع في الماجل الصغير ثم يتحول بعد امتلائه إلى الماجل الكبير (22).
 وكانت أهم تلك المعالجات لهذه المشكلة المعقدة هي قيام المعز بحفر قناة بين الجبل والمدينة تزود تلك المواجل بالمياه (23) ومن الواضح أن عدم وجود مياه الشرب كان من أهم المشاكل التي واجهت نمو مدينة القيروان وتوسعها .
 أما أكثر المدن العربية الإسلامية معاناة من عدم توافر مياه الشرب ، فهي مدينة البصرة والتي كانت أول مدينة تؤسس في التاريخ العربي الإسلامي كما أشرنا ، فما العلاقة بين اختيار الموقع وظهور المشكلة ؟ وما المعالجات والحلول التي اقترحت لمواجهة هذه المشكلة خلال القرنين الأول والثاني من الهجرة ؟

ظهور البصرة واختيار موقعها :

 عرف المسلمون منطقة البصرة (24) أول مرة سنة 12 هـ / 633 م حين مر بها خالد بن الوليد بعد فراغه من حروب الردة ، فقد صدرت إليه أوامر الخليفة الأول أبي بكر الصديق وهو في اليمامة بالتوجه إلى الحيرة ودخول العراق من جهة الأبلة (25) (( ولم تكن يومئذ إلا الخريبة ، وكانت منازل خربة وبها مسالح لكسرى تمنع العرب من العبث في تلك الناحية )) (26) ، وقد عزز مرور خالد وقيامه بشن غارات على القوات الفارسية في المنطقة معنويات القبائل العربية المقيمة هناك فزادت من فاعلية هجماتها على الفرس .
 وفي خلافة عمر بن الخطاب امتد مشروع الفتح بسرعة باتجاه العراق ، فقد سعى عمر إلى توسيع الغارات التي كانت تشنها القبائل العربية بقيادة المثنى بن حارثة الشيباني على القوات الفارسية وتنظيمها وعقلنتها ، وفي سنة 13 هـ / 134 م بدأت عملية تعبئة القوات التي انطلقت من شبه جزيرة العرب لفتح العراق وتحشيدها ، واتخذت من الأطراف الوسطى منه مركزا لتجمعاتها قرب الحيرة ، في المنطقة المواجهة للمدائن عاصمة الساسانيين ومقر حكمهم ، في حين أرسلت قوة ثانوية إلى جنوب العراق قرب الأبلة ، كان الغرض من إنفاذها آنذاك مشاغلة الفرس ومنعهم من إمداد قواتهم الرئيسة التي تقاتل العرب في جبهة الكوفة (27) غير أن هذه القوة الصغيرة سرعان ما اتسعت مهماتها ، وزاد عددها ليتسنى لها مراقبة طريق الخليج والطرق البرية الأخرى بين العراق وفارس ، فضلا عن قيامها بشن غارات محدودة على المناطق المقابلة والتخوم القريبة (28) ، وكان على رأس تلك القوة الصحابي عتبة بن غزوان ، وبذلك بدأت مرحلة جديدة في تاريخ هذه المنطقة كانت الخطوة الأولى لظهور البصرة التي تحكمت في ظهورها دوافع وضرورات عسكرية بحتة ، كما تحكمت هذه الضرورات في اختيار الموقع وما تلاه من خطط .
 وعلى الرغم من عدم اتفاق الآراء تماما حول تاريخ إنفاذ عتبة إلى المنطقة وظهور البصرة ، فضلا عن التناقض في علاقات الوقائع وعرض الظروف التي رافقت التأسيس ، يمكن القول أنه كان هناك حدثان واضحان يشيران إلى ظهور البصرة ، الأول تمثل في الإقامة المؤقتة سنة 14 هـ (المعسكر البدائي) بعد معركة البويب مباشرة والثاني هو الإقامة الدائمة المصحوبة بالتخطيط والبناء بعد النصر الحاسم في معركة القادسية وهزيمة القوات الساسانية سنة 16 هـ / 637 م (29) وقد أشارت المصادر إلى أن معسكر جيش عتبة كان خلال تجربة الثلاث سنوات من الإقامة المؤقتة ينتقل من مكان لأخر ، وبعد محاولات (نزولات) ثلاث باءت جميعها بالفشل ، وتعرضت فيها حياة الجند للخطر والمرض لوخامة المنطقة ورداءة ظروفها البيئية ، فكر عتبة في اختيار مخيم دائم على تخوم الصحراء (30).
 أما اختيار الموقع فإن جميع الدلائل تشير إلى فاعلية العوامل العسكرية في ظهور المدينة في مرحلتها التأسيسية الانتقالية المؤقتة ، فالشروط التي شدد عليها الخليفة عمر عند إعطاء الإذن لعتبة بالإقامة الدائمة واختيار المكان تؤكد ذلك ، فقد اشترط أن يكون الموقع المنتخب على اتصال سهل ووثيق بمركز الخلافة لكي تصبح عملية وصول الإمدادات والاتصالات الأخرى مع المركز سهلة وميسورة ، وهذا الشرط يطابق الاستراتيجية العسكرية العربية في مسألة الانسحاب إلى الصحراء عندما يواجه المقاتلون العرب مصاعب عسكرية وبذلك كانت تعبيرات ((على طرف البر ، قريب من الريف على طرف الصحراء ، لا تجعلوا بيني وبينهم بحرا)) (31) ... الخ ، هي المعاني التي تضمنت ذلك المدلول العسكري ، وقد تجسد هذا الأمر بوضوح في اتخاذ كل من البصرة والكوفة والفسطاط حواضر سكنية ، ولا يستبعد أيضا في هذا المجال أن يكون قرار الاستقرار في منطقة تشرف على البادية قد راعى العوامل النفسية للمقاتلين العرب بحيث يكون تكيفهم معها أكثر بداهة .
 لقد اختير موقع البصرة للضرورات والأسباب آنفة الذكر ، عند نافذة العراق الجنوبية ، فوق عتبة من الأرض اليابسة التي تفصل منطقة البطائح (32) عن ساحل الخليج العربي ، فتهيأ لها موقع فريد ، هو ملتقى البحر والسهل الخصيب والصحراء (33) وقد بنيت البصرة بعد تخطيطها في أرض مستوية خالية من أي عوارض أو مرتفعات تحد حدودها وتعطل توسعها وامتدادها ، وهي أرض منخفضة لا يزيد ارتفاعها عن مستوى سطح البحر أكثر من أربعة أمتار ، وتزداد ارتفاعا كلما توجهنا غربا ، وهي أرض جرداء غير ذات زرع تفتقر إلى أي مصدر للمياه وتبعد أربعة فراسخ (12 ميلا) عن أقرب موضع مأهول هو الأبلة التي تقع على شط العرب ، وكان يسمى آنئذ دجلة العوراء (34).

ظروف المدينة البيئية ومشكلة الماء :

 إن موقع البصرة الجغرافي قد هيأ لها أن تكون مركزا مهما من مراكز الحياة الاقتصادية في الدولة الإسلامية لنشاطها التجاري المبكر في صدر الإسلام الذي تنامى بسرعة في مطلع القرن الثاني للهجرة بعد أن تخلت المدينة عن وظيفتها العسكرية تدريجيا في أعقاب فتور حركة الفتوح في أواخر القرن الأول الهجري ، كما أن هذا الموقع هيأ لها موردا زراعيا يؤمن حاجات السكان الغذائية ، الأمر الذي أدى إلى نمو الكثافة السكانية فيها بسرعة كبيرة من حوالي ألف مقاتل عند تمصيرها سنة 16 هـ / 637 م إلى حوالي 300 ألف ساكن سنة 50 للهجرة (35) ، ثم صار عدد السكان فيها نصف مليون نسمة أواخر العصر الأموي (36) ، وفي العصر العباسي أصبح بحدود المليون نسمة (37) إلا أن المدينة بسبب موقعها الذي كان لتعليمات الخليفة عمر أثر جوهري في اختياره ، ذلك الاختيار المخالف لقوانين العمران العامة ، والمفسر بمجاورة البادية مع شحة مياه الشرب ، واجهت ظروفا بيئية غاية في الصعوبة ، لا تسمح في الأقل للبصرة أن تكون ذلك البلد العظيم الذي عرفناه ، فالمناخ قاس والمنطقة جرداء تفتقر إلى أي مصدر للمياه الصالحة للشرب ، فضلا عن سوء أحوال تربتها ، ويتجلى ذلك في كلمة الشكوى المنسوبة للأحنف بن قيس التي قالها بين يدي الخليفة عمر بن الخطاب نيابة عن وفد أهل البصرة الذي تشكل لهذا الغرض (28) في السنة الثامنة عشرة للهجرة (39) خير تصوير لواقع الظروف البيئية في المدينة بعد عام واحد من تمصيرها ، قال الأحنف زعيم تميم شارحا قضية أهل البصرة ((يا أمير المؤمنين ، أنك لكما ذكروا ، وقد يعزب ما قد يحق علينا إنهاؤه إليك مما فيه صلاح العامة ، وإنما ينظر الوالي فيما غاب عنه بأعين أهل الخير ويسمع بآذانهم ، وإنا لم نزل ننزل منزلا بعد منزل حين أرزنا إلى البر ، وإن إخواننا من أهل الكوفة نزلوا في مثل حدقة البعير الغاسقة من العيون العذاب والجنان الخصاب ، فتأتيهم ثمارهم ولم تخضد وإنا معشر أهل البصرة نزلنا سبخة هشاشة ، زعقة نشاشة ، طرف لها في الفلاة وطرف لها في البحر الأجاج يجري إليها ما جرى في مثل مريء النعامة ، دارنا فعمة ووظيفتنا ضيقة وعددنا كثير ، ودرهمنا كبير وقفيزنا صغير ، وقد وسع الله علينا وزادنا في أرضنا ، فوسع علينا يا أمير المؤمنين وزدنا وظيفة توظف علينا ونعيش بها )) (40).
 وربما كانت هذه الخطبة موضوعة ، فقد وردت في عدة مصادر بصياغات مختلفة (41) لكنها تتجاوب مع الحقيقة وترسم صورة الواقع البيئي للمدينة والصعوبات الكبيرة التي واجهها سكان البصرة جراء تلك الظروف .
 لقد كانت مسألة توفير مياه الشرب من أصعب المشاكل في البصرة منذ تأسيسها ، فأمواه المدينة مجة مالحة وهي إن صلحت لسقي المزروعات فإنها غير صالحة للاستهلاك البشري (42) وقد ضج من فسادها الجميع منذ الأيام الأولى من تأسيسها وكان من المفروض أن البدو أكثر الناس قدرة على تحمل عنت الماء إلا أن موضوع تزويد المدينة بالماء العذب خلق مشكلة نجد صداها في معظم المؤلفات التي يرد فيها ذكر البصرة .
 وقد ظلت مشكلة الماء وملوحته من أبرز صفات البصرة حتى زمن متأخر على الرغم من كثرة الأنهار والقنوات التي شقت إليها من شط العرب في وقت مبكر وعلى الرغم من تعدد المحاولات والمشاريع فالاصطخري في القرن الرابع الهجري / العاشر الميلادي يقارن بين الكوفة والبصرة قائلا : إن الكوفة قريبة من البصرة في المساحة لكن هواءها أصح ، وماءها أعذب من البصرة (43) ويذكر المقدسي أن مياه البصرة ضيقة لأنها تحمل في السفن من الأبلة (44) ، أما المياه المجاورة للمدينة فكانت غير طيبة ومالحة لأن ((ثلثه ماء البحر وثلثه ماء الجزر وثلثه ماء الحجر)) (45) كما أشار ابن بطوطة (46) في رحلته في القرن الثامن الهجري / الرابع عشر الميلادي إلى هذه المشكلة التي كان يعاني منها أهل البصرة .
 وفي الوقت الذي تضاربت فيه آراء الباحثين من عرب ومستشرقين حول التفاسير التي قدمها الباحثون اللغويون والمؤرخون العرب لمعنى كلمة (البصرة) كان منهم من وجد في مشكلة مياه الشرب سببا لتلك التسمية (البصرة) تشبيها لها بمياه (البسرة) الغليظة التي عرفها العرب في نجد ، فقد ذكر ياقوت الحموي أن (البسرة) ((من مياه بني عقيل في نجد بالأعراف ، أعراف غمرة ، فإذا شرب الإنسان من مائها شيئا لم يرو حتى يرسل ذنبه ـ كذا ـ وليست ملحة جدا ولكنها غليظة)) (47) ، ولعل العرب سموا هذه الحاضرة باسم تلك المياه لشبه مائها بماء تلك ، ثم كان ما كان من السين والصاد من الإبدال الصوتي (48).
 من جانب آخر كان هناك مشكل بيئي ثان عانت منه المدينة معاناة شديدة ، وزاد مشكلة عدم توافر المياه العذبة صعوبة أخرى وهو المناخ الذي لم يكن طيبا ، فقد عرفت البصرة بتغير المناخ فيها في اليوم الواحد ، ذكر ياقوت في معجم البلدان ما نصه ((قال الجاحظ : من عيوب البصرة اختلاف هوائها في يوم واحد لأنهم يلبسون القمص مرة والمبطنات مرة لاختلاف جواهر الساعات ولذلك سميت الرعناء)) (49).
 وإذا كان هذا هو حال طقس البصرة في اليوم الواحد ، فهو شديد التفاوت أيضا بين الصيف والشتاء ، فشتاؤها بارد ((وربما جمد الماء في البصرة)) (50).
 وصيفها شديد الحر ، يطيب قليلا ، وإذا هبت (الجنوب) حصلت الوخامة واشتدت أزمة الحر وكثرت الرطوبة المملة وتضايقت الأنفاس فحصل في الأعضاء رخاوة وكسل (51) وقد وصف ابن لنكنك هذه الحال بقوله (52) :
نحن في البصرة في لو      ن مـن العيش iiظريف
نـحن  ما هبت iiشمال      بـين  جـنات iiوريف
فـإذا هـبت iiجـنوب      فـكـأنا فـي iiكـنيف
 ويبدو أن رداءة هواء المدينة مرده إلى كثرة المستنقعات الحاصلة من انحدار مياه الفيضان ، وربما ركد الماء في بعض الأراضي المحيطة بها عدة أشهر حتى ينتن ويتعفن الهواء (53) فضلا عن كثرة التبخر من تلك المياه المنتشرة على مساحة واسعة من أرض المدينة ومحيطها بسبب الحرارة الشديدة صيفا ، واستواء أرض البصرة التي جعلت مياه الأنهار تجري ببطء شديد ، كل ذلك أدى إلى أن تكون السباخ التي تكاد تغطي معظم أرض البصرة وأصبحت سمة من سمات أرضها ـ إلى يومنا هذا ـ على الرغم من كل محاولات الاستصلاح التي جرت بعد الفتح العربي الإسلامي والتي استخدم فيها العبيد بأعداد كبيرة جدا لكسح هذه السباخ ، وظلوا يعملون فيها حتى أواسط القرن الثالث الهجري / التاسع الميلادي عندما قاموا بحركتهم المعروفة (54) ويلاحظ أنه لم يذكر في تاريخ الدولة العربية الإسلامية استخدام للعبيد بهذا العدد الواسع إلا في منطقة البصرة .

الجهود والمحاولات لمواجهة المشكلة :

 أشرنا إلى أن المنطقة التي أنشئت فيها البصرة كانت خالية من الأنهار الفرعية التي توصل المياه العذبة ، فكان أهل البصرة في أوائل أيام تأسيسها يعتمدون على مياه البطيحة التي كانت أعذب من دجلة (55) ـ شط العرب ـ وكان ماء البطيحة يصل إلى أطراف البصرة ، ولكن من الصعب تحديد مواقعه لعدم ثباتها ، إذ يعتمد ذلك على كمية المياه فيها ، فهو يزداد ويتسع في مواسم الفيضان (الربيع) وينحسر في موسم الصيف ، كما يرتبط أيضا بمدى صلاح المشاريع الإروائية وفعاليتها في الأقسام الوسطى والجنوبية من العراق ، فيزيد ماء البطيحة وتدخلها كميات هائلة من المياه في الأزمنة التي تتعرض فيها تلك المشاريع إلى التخريب والإهمال (56) ، لذا فإن هذا المصدر لم يكن يؤمن حاجة السكان من الماء العذب بانتظام ، فضلا عن صعوبة الحصول عليه ونقله ذكر البلاذري أن الأحنف بن قيس حين شكا الخليفة عمر بن الخطاب ما يلقاه أهل البصرة من معاناة بسبب الماء قال : (( يخرج الرجل الضعيف فيستعذب الماء من فرسخين )) (57).
 إن الإجراء الفوري الذي اتخذه الخليفة عمر بن الخطاب لمعالجة هذه المشكلة بعد شكوى أهل البصرة أنه أمر أبا موسى الأشعري والي البصرة يومئذ أن (يحفر لهم نهرا) فحفر نهر الأبلة ، وقصة حفر هذا النهر أوردها البلاذري (58) وخلاصتها أنه كان لدجلة العوراء وهي دجلة البصرة خور (59) طوله قدر فرسخ يجري فيه ماء الأمطار ويتراجع ماؤه عند المد ، وينضب عند الجزر ، وكان لحده مما يلي البصرة فورة واسعة تسمى في الجاهلية الأجانة وسمته العرب في الإسلام بالجزارة (60) وفي زمن الخليفة عمر بن الخطاب تقرر أن يحفر لأهل البصرة نهر ، فابتدأ الحفر من الأجانة لمسافة ثلاثة فراسخ حتى وصل البصرة فصار طول نهر الأبلة أربعة فراسخ ، ويبدو أن الحفر لم يكن منظما أو عميقا أو لم يجر الاعتناء بكريه ربما بسبب الرغبة في إيصال الماء إلى المدينة الجديدة بأسرع وقت لتلافي مشكلة شحة المياه فيها ، لذلك انطم بعد مدة قصيرة ، فأعيد حفره وتعميقه في زمن الخليفة عثمان بن عفان ، ولكن بمجرى جديد قريب من الحفر القديم ، وهو المجرى الذي استقر عليه بعدئذ ويسمى اليوم نهر العشار وتقع عليه مدينة البصرة الحديثة (61).
 يبدو أن المشروع الإنشائي الأول لم يحل المشكلة ، يفسر ذلك كثرة المشاريع التي نفذتها الدولة فيما بعد مع تكرار شكوى أهل المدينة من استمرار هذه المشكلة الحياتية ، لذلك اتجه الخلفاء والولاة نحو حفر المزيد من الأنهار ، ومن أشهر تلك الأنهار نهر المعقل .
 ويعد نهر المعقل من أهم المشاريع التي نفذت في المدينة بعد نهر الأبلة فكان يوازيه في الأهمية ، وقد ارتبط اسم النهر باسم الصحابي المعروف معقل بن يسار الذي أشرف على حفره بأمر من الخليفة عمر بن الخطاب (62) وقيل أنه حفر في زمن ولاية زياد بن أبيه (45 ـ 53 هـ / 665 ـ 673 م) في خلافة معاوية بن أبي سفيان ، وقد أشرف على حفره معقل بن يسار فسمي باسمه على الرغم من أنه حفر بأمر من زياد (63) ، والمرجح أن زيادا قام بتوسيعه وتنظيمه ضمن ما قام به من أعمال مهمة في مجال تنظيم المدينة فكان هذا الاختلاف بين الروايتين ، فزياد هو الذي قام بمده إلى جهة الجنوب وسمى ذلك نهر العطف بنهر دبيس (64).
 يتفرع نهر المعقل من دجلة ـ شط العرب ـ من جهة الشمال الشرقي لمدينة البصرة (65) ويتجه مستقيما نحو الغرب ثم ينعطف نحو الجنوب على شكل قوس وينتهي بمدينة البصرة شمال الجانب الغربي منها حيث يلتقي بنهر الأبلة (66) ويكونان قناة واحدة تسير مسافة ستة كيلو مترات لتصب في المبزل المعروف الآن بخور عبد الله ، وهو منصرف جميع قنوات وأنهار البصرة الآخذة من شط العرب (67) وتتأتى أهمية هذا النهر في النقل التجاري أيضا لعمقه وغزارة مائه على الرغم من كثرة الأنهار الآخذة منه (68) ونهر معقل هو الآن من الأنهار المندثرة (69) والمرجح أن فوهته كانت عند محلة المعقل الحالية شمال مدينة البصرة الحديثة (70) .
 وخلال ولاية عبد الله بن عامر الأولى على البصرة (25 ـ 36 هـ / 645 ـ 656 م) حفرت أنهار جديدة أخرى هي : نهر الأساورة الذي تم حفره سنة 31 هـ (71) وقد سمي نهر الأساورة باسم القوة العسكرية التي قاتلت العرب في الأحواز ثم انضمت إلى العرب لقاء منحهم امتيازات العرب نفسها في العطاء (72) وهذا النهر يبدأ من دار فيل (مولى زياد) (73) ويجري في الجهات الجنوبية الغربية من البصرة حيث كانت خطط تميم (74) ، ولم تذكر المصادر مصدر ماء هذا النهر ، إلا أن موقعه الجغرافي يشير إلى أنه كان يأخذ ماءه من نهر الأبلة .
 النهر الثاني الذي حفر في ولاية عبد الله بن عامر هو نهر أم عبد الله وكان هذا النهر يمر وسط بيوت البصرة وسوقها (75) وكان عليه نخل أمر بعقره عبيد الله بن زياد عندما وصله خبر موت يزيد (76) ، ولم تذكر المصادر مصدر ماء هذا النهر ، ويذكر الطبري نهرا ثالثا ينسب إلى عبد الله بن عامر اسمه نهر عبد الله كان موقعه في جنوب البصرة (77) ويأخذ ماءه من شط العرب .
 وفي العصر الأموي استمرت جهود الخلفاء والولاة في تنفيذ مشاريع الري لمدينة البصرة فقام زياد بن أبيه (45 ـ 53 هـ / 665 ـ 673 م) بحفر نهر أم حبيب ونهر البنات ونهر أبي موسى (78) وكذلك اهتم الحجاج بن يوسف (75 ـ 95 هـ) بأمور الري فأمر بحفر عدة أنهار منها نهر الصين ونهر النيل ونهر ـ الزابي (79) وحفرعدي بن أرطأة الفزاري عامل عمر بن عبد العزيز على البصرة نهر عدي وقد ساهم حفر هذا النهر بتوفير الماء العذب لأهل البصرة (80).
 وقيل أنه لما قدم عبد الله بن عمر بن عبد العزيز عاملا على العراق سنة 26 هـ/ 743 م من قبل يزيد بن عبد الملك أتاه أهل البصرة فشكوا إليه ملوحة مائهم فكتب بذلك إلى يزيد فكتب هذا إليه : إن بلغت نفقة هذا النهر خراج العراق فانفقه عليه ، فحفر النهر الذي يعرف بنهر عمر (81) ولم ينتفع الناس من هذا النهر كما كانت متوقعا ((إذ كان الماء الذي يأتيه نزرا وكان معظم ماء البطيحة يذهب في نهر الدي (82) فظل البصريون يستعذبون من الأبلة حتى قدم سليمان بن علي (83) البصرة واتخذ المغيثة (84) وعمل مسنناتها على البطيحة فحجز الماء عن نهر الدير وصرفه إلى نهر ابن عمر وأنفق على المغيثة ألف ، ألف درهم)) (85) استمر الخلفاء في العصرين الأموي والعباسي في حفر المزيد من الأنهار لتوفير المياه الصالحة للشرب لسكان المدينة ، وكان من النتائج العرضية لهذه السياسة أن كثرت الأنهار واستصلحت الكثير من الأراضي حتى صارت البصرة الممول الغذائي الرئيس لمناطق واسعة مجاورة لها خاصة شمال شبه الجزيرة العربية والخليج العربي ، لقد أتخمت المدينة ماء بعد أن كانت تشكو من شحته ، واشتهرت بين مدن العالم الإسلامي آنذاك بكثرة أنهارها التي كانت شبكة معقدة من الأنهار الكبيرة والصغيرة تتخلل أراضيها الزراعية والعمرانية ، وقد أحصيت تلك الأنهار مطلع القرن الثاني للهجرة في أثناء ولاية بلال ابن أبي بردة على البصرة (109 ـ 118 هـ / 727 ـ 736 م) فزادت على مائة وعشرين ألف نهر تجري فيها الزوارق (86) ، وقد رفض الاصطخري ( القرن الرابع الهجري / العاشر الميلادي ) قبول ذلك حين سمعه إلا أنه لم يلبث أن تراجع حين رأى المنطقة بنفسه قال : (( ... حتى رأيت كثيرا من تلك البقاع ، فربما رأيت في مقدار رمية سهم عددا من الأنهار (87) صغارا تجري في كلها زواريق صغار ، ولكل نهر اسم ينسب إلى اسم صاحبه الذي احتفره أو إلى الناحية التي يصب فيها وأشباه ذلك من الأسامي فجوزت أن يكون ذلك في طول المسافة وعرضها )) (88).
 إن هذه الرواية ربما تثير استغراب القارئ اليوم أيضا لما يعتقده فيها من مبالغة تندرج في سياق المبالغات التي ألفناها في مصادرنا القديمة ، غير أنها ـ في الحقيقة ـ تطابق الواقع إلى حد كبير ، وقد حاولنا التحقق ميدانيا من هذه الفرضية على أرض البصرة مستندين إلى رواية سهراب (89) الدقيقة إلى حد مقبول عن أنهار البصرة الكبيرة ، فهذه الأنهار العشرة العظام (90) التي ذكرها على الجانب الغربي من دجلة ـ شط العرب ـ ما زالت تحتفظ بأسمائها حتى اليوم ، كما تحتفظ بالمواقع نفسها والأبعاد التي بينها عدا اختلافات بسيطة (91).
 وجميع هذه الأنهار تأخذ ماءها من شط العرب ويجري فيها من غير تدخل الإنسان ، وذلك من خلال عمليتي المد والجزر التي تحدث مرتين في اليوم وتسقى خلالها المزارع وغابات النخيل من خلال شبكة معقدة من القنوات والترع المتفرعة من هذه الأنهار ، فضلا عن القنوات والترع المتفرعة من شط العرب يفصل بين الواحدة والأخرى مسافة ميل واحد وتتفرع منها أيضا أفرع وترع كثيرة أخرى تزيد أحيانا على العشرة أفرع في الميل المربع الواحد ، فإذا كانت أرض البصرة بمغارسها وضواحيها وعمرانها ((من عبدس إلى عبدان نيفًا وخمسين فرسخا متصلا لا يكون الإنسان منه في مكان إلا بحيث نهر ونخيل)) (92) فإن الرقم الذي ذكره الاصطخري يكون قريبا جدا من الواقع .
 لم تكن عمليات حفر الأنهر هي الوسيلة الوحيدة التي لجأت إليها الدولة لمعالجة مشكلة المياه في البصرة ، إذ لجأ بعض الولاة إلى أساليب أخرى منها : حفر الصهاريج الخاصة بهم تخزن فيها مياه الأمطار التي كانت تستخدم لأغراض الشرب ، فقد كان لعبد الله بن عامر (41 ـ 45 هـ) وزياد بن أبيه (45 ـ 53 هـ) صهاريج يبيحونها للناس كما كان للحجاج بن يوسف والي العراق (75 ـ 95 هـ) في عهد عبد الملك صهريج في البصرة يجتمع فيه ماء المطر (93) ، ويبدو أن عدد هذه الصهاريج كان قليلا ولم تكن في متناول جميع السكان .
 ولعل أهم المحاولات والجهود التي بذلت في العصر العباسي لتوفير المياه العذبة لأهالي المدينة هي الأحواض التي اتخذها محمد بن سليمان بن علي والي البصرة (160 ـ 166 هـ) الذي كان له في البصرة ضيعة (( تنفق غلتها على دواليبها وأبلها ومصلحتها)) (94) وكانت المياه المختزنة في حوض المربد موزعة في أنابيب من الرصاص إلى مسافة فرسخ ، ثم يرفع مستوى هذه المياه بواسطة دواليب كبيرة ، واستمرت هذه الأحواض حتى دمرت سنة 483 هـ (95).
 وربما حمل الماء في بعض الأحيان بواسطة السفن من الأبلة إلى أهالي البصرة.
 لذلك يصف المقدسي (96) مياه البصرة بأنها ضيقة لأنها تحمل في السفن .
 لقد ظلت مسألة توافر الماء العذب مصدر قلق دائم لسكان البصرة على مر العصور ، فقد ذكر أن الخليفة العباسي الثاني أبا جعفر المنصور (136 ـ 158 هـ / 754 ـ 776 م) حين أراد أن يستخرج له ضيعة من البطيحة (أي تجفيف جزء من مياهها) كره أهل البصرة ذاك وقدم إليه وفد منهم ومعه خارطة توضح صورة البطيحة ، فأخبروه أنهم يتخوفون أن يملح ماؤهم بسبب هذا الإجراء فقال : ((ما أراه كما ظننتم )) وأمر بالتوقف عن العمل بهذا المشروع (97).
 إن المصاعب التي لقيها البصريون للحصول على الماء العذب والجهود التي بذلوها ومواقف الصبر التي أبدوها لكي يوفروا لأنفسهم عنصرا أساسيا من عناصر الحياة الحضرية كانت كبيرة ، ولكنها لم تقف أمام عجلة تطور وازدهار البصرة التي شقت طريقها بنفسها واحتلت تلك المكانة المهمة في العصر الوسيط في ميادين الفكر والسياسة والدين والاقتصاد ، إنه أمر لافت للنظر حقا ، يعلق شارل بيلا (98) على هذا الموضوع قائلا : (( إن فقدان ماء الشرب لدى البدوي الذي يعيش في الصحراء ليس فيه مدعاة للعجب ، أما القول بأن الأجيال المقبلة وغير العربية قد استطاعت أن تألف هذه الحالة المزعجة فهذا يفترض وجود مشكلة شائكة ويطرح سؤالا كبيرا يبحث عن جواب .

هوامش البحث

 1 ـ جلانفيل داوني ، أنطاكيا القديمة ، ترجمة إبراهيم نصحي ، دار نهضة مصر ، القاهرة 1967 ص 6
 2 ـ ألمقدمة : طبعة دار الشعب ، القاهرة ، د.ت ، ص 314
 3 ـ تاريخ الطبري ، تحقيق محمد أبو الفضل إبراهيم ، القاهرة ، 1960 ـ 1966 ج 4 ص 41
 4 ـ البلاذري ، فتوح البلدان ، القاهرة 1957 ص 336
 5 ـ يتضح ذلك من خلال إلقاء نظرة سريعة على قائمة أسماء من كتب عن المدن العربية والتمدن العربي خلال الحقبة الأولى من القرن العشرين وما أعقبها ، ومن بين هؤلاء المستشرقين الذين عنوا بالدراسات التاريخية والمدنية : لامانس ، بلاشير ، سوفاجيه ، بروفنسال ، لويس ماسينيون ، دوزي ، فلاجيل ، الأخوين جورج ووليم مارسيه ، نولدكه ، كرونيباوم ، ترتون ، فيرث ، برونشفيك ، بلانهول ، كلود كاهن ، شارل بيلا ، بوتي ، هنري بيرنيه ، وعشرات غيرهم .
 6 ـ انظر الدراسة القيمة عن ( الاستشراق والمدينة الإسلامية ) للدكتور هشام جعيط في كتابه : الكوفة ، نشأة المدينة العربية الإسلامية ، الطبعة الثانية ، دار الطليعة ، بيروت ، 1993 ص 143 وما بعدها .
 7 ـ في مقدمتهم سوفاجيه ، هنري بيرنيه ، أكسفير بلانهول وغيرهم .
 8 ـ تاريخ ، ج 6 ص 99
 9 ـ المصدر نفسه ، ج 3 ص 556
 10 ـ مروج الذهب ومعادن الجوهر ، دار الكتاب اللبناني ، بيروت 1982 ج 1 ص 90.
 11 ـ هشام جعيط ، مرجع سابق ص 252
 12 ـ البلاذري ، فتوح ص 289
 13 ـ المصدر نفسه ص 283
 14 ـ المصدر السابق ج 6 ص 106
 15 ـ الرحلة ، بيروت 1964 ص 189
 16 ـ أنظر المسعودي ، مروج الذهب ج 3 ص 331 ، ابن الفقيه ، مختصر كتاب البلدان ليدن 1967 ص 157 ، القزويني ، آثار البلاد وأخبار العباد ، دار صادر بيروت 1960 ص 425
 17 ـ حسن إبراهيم حسن ، تاريخ الإسلام ط 13 مكتبة النهضة المصرية ، القاهرة 1991 ص 425.
 18 ـ حسين مؤنس ، تاريخ المغرب وحضارته ، العصر الحديث للنشر والتوزيع ، بيروت 1992 ص 291.
 19 ـ عبد الجبار ناجي / دراسات في تاريخ المدن العربية الإسلامية ، جامعة البصرة 1986 ص 217 ، الحبيب الجنحاني ، القيروان عبر عصور الحضارة الإسلامية في المغرب 1986 ص 59.
 20 ـ البلدان ، ليدن 1891 ص 348 ، انظر أيضا ابن رسته ، الأعلاق النفيسة ، ليدن 1891 ص 80 ، المقدسي ، أحسن التقاسيم في معرفة الأقاليم ، ليدن 1906 ص 216 ـ 217.
 21 ـ حسين مؤنس ، مرجع سابق ، ص 292.
 22 ـ البكري ، أبو عبيدة بن عبد العزيز الأندلسي ، المغرب في ذكر بلاد أفريقيا والمغرب باريس 1911 ص 26.
 23 ـ عبد الجبار ناجي ، مرجع سابق ص 218 .
 24 ـ وكانت تسمى يومئذ ( أرض الهند ) الطبري ج 4 ص 347 ، ابن الفقيه ص 188.
 25 ـ الطبري ج 3 ص 343 ، البلاذري ، فتوح ص 338 ، قدامة بن جعفر ، الخراج وصناعة الكتابة ، تحقيق محمد حسين الزبيدي ، بغداد 1981 ص 345.
 26 ـ الدينوري ، الأخبار الطوال ، القاهرة 1960 ص 123 ، الطبري ج 3 ص 343.
 27 ـ الطبري ج 3 ص 540 ، المسعودي ، التنبيه والأشراف ، بيروت 1965 ص 358.
 28 ـ شارل بيلا ، الجاحظ في البصرة وبغداد وسامراء ، ترجمة إبراهيم كيلاني ، دمشق 1985 ص 31 ، صالح العلي ، خطط البصرة ومنطقتها ، بغداد 1986 ص 41 .
 29 ـ انظر ، ابن الفقيه ص 187 ، الدينوري ، الأخبار الطوال ص 116 ـ 117 ، البلاذري ، فتوح البلدان ص 336 ، الطبري ج 3 ص 591 ـ 594.
 30 ـ الطبري ج 4 ص 42 ، ابن الأثير ، الكامل في التاريخ ، دار صادر ، بيروت 1965 ج 3 ص 411.
 31 ـ البلاذري ، فتوح البلدان ص 274 ، الطبري ج 4 ص 41 ـ 42.
 32 ـ ياقوت الحموي ، معجم البلدان ، دار صادر ، بيروت 1955 ج 1 ص 451.
 33 ـ ابن حوقل ، صورة الأرض ، بيروت د.ت ، ص 212 ، كي لسترنج ، بلدان الخلافة الشرقية ، ترجمة بشير فرنسيس وكوركيس عواد ، بغداد 1954 ص 25.
 34 ـ ابن الفقيه ص 190 ، صالح العلي ، خطط البصرة ومنطقتها ص 28 .
 35 ـ صالح العلي ، خطط البصرة ، مجلة سومر ( 1952 ) ص 72.
 36 ـ صالح العلي ، خطط البصرة ومنطقتها ص 48 .
 37 ـ عبد الرزاق الحسني ، العراق قديما وحديثا ، بيروت 1971 ص 175.
 38 ـ الطبري ، ج 4 ص 75.
 39 ـ المقريزي ، تقي الدين أحمد بن علي ، النقود الإسلامية ، القسطنطينية 1298 ص 4.
 40 ـ الطبري ، ج 4 ص 75 ، المقريزي ، المصدر السابق ص 5.
 41 ـ انظر البلاذري ، فتوح البلدان ص 356 ، ابن الفقيه ص 189.
 42 ـ القزويني ، آثار البلاد وأخبار العباد ص 190.
 43 ـ المسالك والممالك ص 82.
 44 ـ أحسن التقسيم في معرفة الأقاليم ص 118 ، ض 129.
 45 ـ وفي هذا إشارة إلى واحدة من محاولات العرب توفير مياه عذبة لسكان المدينة عن طريق نقل الماء في السفن من شط العرب عبر نهر الأبلة .
 46 ـ الرحلة ، دار صادر ، بيروت 1964 ص 188.
 47 ـ معجم البلدان ج 1 ص 622.
 48 ـ إبراهيم السامرائي ، أشتات بصرية ، بحث ملحق بالترجمة العربية بمؤلف ماسينيون ، خطط البصرة وبغداد ، ترجمة إبراهيم السامرائي ، بيروت 1981 ص 71.
 49 ـ ح 1 ص 437.
 50 ـ المقدسي ص 125.
 51 ـ النبهاني ، الشيخ محمد بن خليفة ، التحفة النبهانية في تاريخ الجزيرة العربية ط 2 القاهرة 1342 ص 12.
 52 ـ الثعالبي ، يتيمة الدهر ج 2 ص 125 ، ياقوت ج 1 ص 436.
 53 ـ التحفة النبهانية ص 9 ـ 10.
 54 ـ وهي الحركة المعروفة ب (حركة الزنج) انظر الطبري ج 9 ص 263 وما بعدها .
 55 ـ البلاذري ، فتوح ص 369.
 56 ـ المصدر نفسه ص 292 ، ابن رسته ، الأعلاق النفيسة ص 95.
 57 ـ البلاذري ص 356.
 58 ـ المصدر السابق والصفحة ، وانظر أيضا ، ابن الفقيه ص 189 ـ 190.
 59 ـ الخور طريق ماء لم يحفره أحد يجري فيه ماء الأمطار ، البلاذري ص 356 .
 60 ـ ولعلها تقع في منطقة (الكزارة) حاليا في البصرة الحديثة والقريبة من نهر الأبلة (العشا) حاليا .
 61 ـ طارق الكاتب ، شط العرب وشط البصرة 1971 ص 94.
 62 ـ المقريزي ، النقود الإسلامية ، مصدر سابق ص 4.
 63 ـ البلاذري ، فتوح ص 357.
 64 ـ المصدر نفسه والصفحة ، صالح العلي ، خطط البصرة ومنطقتها ص 150.
 65 ـ سهراب ، عجائب الأقاليم السبعة إلى نهاية العمارة ، فينا 1929 ص 136.
 66 ـ المقدسي ، أحسن التقاسيم ص 117.
 67 ـ ماسنيون ، خطط البصرة وبغداد ، ترجمة إبراهيم السامرائي بيروت 1981 ص 12.
 68 ـ انظر ، صالح العلي ، خطط البصرة ومنطقتها ص 150 ـ 158 .
 69 ـ ماسينيون ، مرجع سابق ص 12.
 70 ـ طارق الكاتب ، مرجع سابق ص 35.
 71 ـ البلاذري ، فتوح البلدان ص 357 ـ 372 .
 72 ـ أسكنت هذه القوة في البصرة وحالفت بني تميم ، وكانت منهم أم عبيد الله بن زياد والي البصرة ، انظر صالح العلي ، التنظيمات الاجتماعية والاقتصادية في البصرة في القرن الأول الهجري ط 2 بيروت 1969 ص 83 ـ 84.
 73 ـ البلاذري ، فتوح البلدان ص 357.
 74 ـ صالح العلي ، خطط البصرة ومنطقتها ص 89.
 75 ـ خليفة بن خياط ، التاريخ ، تحقيق اكرم العمري بغداد 1967 ص 143.
 76 ـ البلاذري ، فتوح البلدان ص 371.
 77 ـ الطبري ، ج 9 ص 473.
 78 ـ ابن الفقيه ص 196.
 79 ـ البلاذري ص 383.
 80 ـ نفسه ص 368 ـ 369.
 81 ـ نفسه ص 370 ، ابن رسته ص 94.
 82 ـ يقع شمال البصرة بحدود 50 كم ويأخذ ماءه من شط العرب .
 83 ـ ثالث ولاة بني العباس على البصرة 133 ـ 139 هـ وفي عهده ألحق السواد وكور دجلة والبحرين وعمان بالبصرة .
 84 ـ المغيثة : أرض أصابها المطر فهي مغيثة .
 85 ـ البلاذري ص 371.
 86 ـ الاصطخري ، المسالك والممالك ، ليدن 1927 ص 80.
 87 ـ المقصود بكلمة أنهار في هذا النص جميع القنوات المائية والترع ، إذ كان العرب قديما يطلقون على أي مجرى مائي اسم نهر .
 88 ـ المسالك والممالك ص 80 ، ابن حوقل ، صورة الأرض ، ليدن 1938 ص 235.
 89 ـ سهراب ، عجائب الأقاليم السبعة ص 135 ـ 136.
 90 ـ أسماؤها من الشمال إلى الجنوب : أبو الأسد ، المرأة ، الدير ، بثق شيرين ، معقل ، الأبلة ، اليهودي ، أبو الخصيب ، الأمير ، القندل ، انظر عبد الحكيم الكعبي ، دور البصرة التجاري من القرن الثاني حتى القرن الرابع الهجري ، أطروحة دكتوراه دولة غير منشورة ، جامعة تونس الأولى 1997 ص 174.
 91 ـ انظر ، طارق الكاتب ، مرجع سابق ص 106 ، صالح العلي ، خطط البصرة ص 147.
 92 ـ الفرسخ : ثلاثة أميال .
 93 ـ الاصطخري ، المسالك ص 80.
 94 ـ البلاذري ، فتوح ص 371.
 95 ـ نفس المصدر والصفحة .
 96 ـ ابن الجوزي ، المنتظم في تاريخ الملوك والأمم ، حيد أباد 1357 هـ ج 9 ص 53.
 97 ـ أحسن التقاسيم ص 118 ـ 129.
 98 ـ البلاذري ، فتوح ص 371.

المصادر والمراجع :

 أولا : المصادر :
 1 ـ ابن الأثير ، أبو الحسن علي الشيباني ( ت 639 هـ) الكامل في التاريخ ، دار صادر ، بيروت 1975 م
 2 ـ ابن بطوطة ، أبو عبد الله محمد اللواتي (ت 779 هـ ) رحلة ابن بطوطة المسماة تحفة النظار في غرائب الأمصار وعجائب الأسفار ، دار صادر ، بيروت 1964 م .
 3 ـ ابن جبير ، محمد بن أحمد الكناني الأندلسي (ت 614 هـ ) رحلة ابن جبير ، بيروت 1984.
 4 ـ ابن الجوزي ، أبو الفرج عبد الرحمان بن علي (ت 597 هـ ) المنتظم في تاريخ الملوك والأمم ، مطبعة دار المعارف العثمانية ، حيدر أباد الدكن 1357 هـ .
 5 ـ ابن حوقل ، أبو القاسم النصيبي ( ت 380 هـ) صورة الأرض ، مكتبة الحياة ، بيروت ، د-ت
 6 ـ ابن خلدون ، عبد الرحمن بن محمد (ت 808 هـ ) ، المقدمة ، دار الشعب ، القاهرة د ت .
 7 ـ ابن خياط ، أبو عمر بن خياط ( ت 240 هـ) تاريخ خليفة بن خياط ، تحقيق أكرم العمري بغداد 1967.
 8 ـ ابن رسته ، أبو علي أحمد بن عمر (ت 310 هـ) ، الأعلاق النفيسة ، ليدن 1891 م .
 9 ـ ابن عبد ربه ، أبو عمر شهاب الدين المرواني (ت 328 هـ) العقد الفريد ، تحقيق محمد سعيد العريان ، القاهرة 1956 م .
 10 ـ ابن الفقيه الهمذاني ، أبو بكر أحمد بن محمد ( ت 290 هـ) مختصر كتاب البلدان ، ليدن 1967.
 11 ـ الاصطخري ، أبو اسحق إبراهيم بن محمد (ت 341 هـ ) مسالك الممالك ، ليدن ، بريل 1927.
 12 ـ البكري ، أبو عبيدة بن عبد العزيز الأندلسي ( ت 487 هـ) المغرب في ذكر بلاد أفريقيا والمغرب ، باريس 1911.
 13 ـ البلاذري ، احمد بن يحي بن جابر ، (ت 279 هـ) فتوح البلدان ، القاهرة 1957.
 14 ـ الثعالبي ، أبو منصور عبد الملك بن محمد ، (ت 429 هـ) يتيمة الدهر، القاهرة 1956 القاهرة 1960.
 15 ـ سهراب ( وضعه ما بين سنة 289 ـ 334 هـ ) عجائب الأقاليم السبعة ، فينا 1929.
 16 ـ الطبري ، أبو جعفر محمد بن جرير ، (ت 310 هـ ) تاريخ الرسل والملوك ، تحقيق محمد أبو الفضل إبراهيم ، القاهرة 1960 ـ 1966 .
 17 ـ قدامة بن جعفر الكاتب (ت 320 هـ ) الخراج وصناعة الكتابة ، تحقيق محمد حسين الزبيدي ، بغداد 1981.
 18 ـ القزويني ، زكريا بن محمد ( ت 682 هـ ) آثار البلاد وأخبار العباد ، بيروت 1960.
 19 ـ المسعودي ، أبو الحسن علي بن الحسين (ت 346 هـ ) :
 ـ مروج الذهب ومعادن الجوهر ، دار الكتاب اللبناني ، بيروت 1982.
 ـ التنبيه والإشراف ، مكتبة خياط ، بيروت 1965.
 20 ـ المقدسي ، شمس الدين أبو عبد الله البشاري ، (ت 387 هـ) أحسن التقاسيم في معرفة الأقاليم ، ليدن 1906.
 21 ـ المقريزي ، تقي الدين أحمد بن علي ، ( ت 845 هـ ) كتاب النقود ، القسطنطينية ، 1298 هـ .
 22 ـ ياقوت الحموي ، شهاب الدين ( ت 626 هـ ) معجم البلدان ، دار صادر ، بيروت د- ت .
 23 ـ اليعقوبي ، أحمد بن أبي يعقوب ( 284 هـ ) كتاب البلدان ، ليدن 1891 م .
 ثانيا المراجع :
 1 ـ جلانفيل داوني ،أنطاكيا القديمة ، ترجمة إبراهيم نصحي ، دار نهضة مصر ، القاهرة 1967.
 2 ـ الحبيب الجنحاني ، القيروان عبر عصور الحضارة الإسلامية في المغرب ، 1968 م .
 3 ـ حسن إبراهيم حسن ، تاريخ الإسلام ، ط 13 مكتبة النهضة المصرية ، القاهرة 1991 م .
 4 ـ حسين مؤنس ، تاريخ المغرب وحضارته ، العصر الحديث للنشر والتوزيع ، بيروت 1992 م.
 5 ـ شارل بيلا ، الجاحظ في البصرة وبغداد وسامراء ، ترجمة إبراهيم كيلاني ، دار الفكر ، دمشق 1985 م .
 6 ـ صالح أحمد العلي ، ـ خطط البصرة ومنطقتها بغداد 1986.
 ـ التنظيمات الاجتماعية والاقتصادية في البصرة في القرن الأول الهجري ط 2 بيروت 1969 م .
 7 ـ طارق الكاتب ، شط العرب وشط البصرة ، البصرة 1971 م .
 8 ـ عبد الرزاق الحسني ، العراق قديما وحديثا ، بيروت 1971 م .
 9 ـ عبد الحكيم الكعبي ، دور البصرة التجاري من القرن الثاني حتى القرن الرابع الهجري ، أطروحة دكتوراه دولة غير منشورة ، تونس 1997 م .
 10 ـ عبد الجبار ناجي ، دراسات في تاريخ المدن الإسلامية ، البصرة 1986 م .
 11 ـ كي لسترنج ، بلدان الخلافة الشرقية ، ترجمة بشير فرنسيس وكوركيس عواد ، بغداد 1954.
 12 ـ لويس ماسينيون ، خطط البصرة وبغداد ، ترجمة إبراهيم السامرائي ، بيروت 1981 م .
 13 ـ محمد خليفة النبهاني ، التحفة النبهانية في تاريخ الجزيرة العربية ، ط 2 القاهرة 1342 هـ .
 14 ـ هشام جعيط ، الكوفة ، نشأة المدينة العربية ، ط 2 ن دار الطليعة ، بيروت 1993.

BASRAHCITY.NET