صِلات البصرة التجارية قبل الاسلام

الاستاذة سهيلة مرعي المرزوق

    المقدمة

بسم الله الرحمن الرحيم
  احتلت البصرة موقعاً ستراتيجياً مهماً في التجارة الدولية منذ العصور القديمة لما تمتلكه من موانىء مهمة على رأس الخليج العربي ولعبت تلك الموانىء دوراً في صلات منطقة البصرة التجارية مع العالم الخارجي فقد عثر على نقش يعود الى عهد الملك الاَشوري سنحاريب 676 ـ 669 ق . م يشار فيه الى موضع يسمى ( باب سالميتي ) يقع على رأس الخليج العربي ، ويبدو ان الموضع كان ميناءاً مهماً ، ويرى أحد الباحثين ان هذا الموضع في موضع قريب من الموضع الذي اتخذت فيه مدينة البصرة .
  وكان سنحارين قد قام بتطهير الخليج العربي من القراصنة ، وكان ظهور القراصنة دليل على وجود التجارة التي زادت بعد القضاء على القرصنة والمعروف ان العراقيين منذ الالف الثالث والثاني قبل الميلاد كانوا يهيمون على تجارة الخليج حيث كانت تنقل السلع من دلمن ومكان ويصلونها الى بلاد الرافدين وكذلك التجارة مع الهند قد نشطت نشاطاً ملحوظاً في العهد الاَشوري ، ومما يؤكد وجود طرق مواصلات تربط بين شمال الهند ودلتا شط العرب في عهد مبكر العثور على ختم في كيش يطابق اختام وجدت في الهند ويدل ذلك على الاهتمام بالتجارة منذ القدم عن طريق الخليج العربي ويقول اوليري ( ان تجارة الخليج كانت اواخر القرن السابع ق . م بأيدي الفينقيين الذين كانوا قد استقروا في مستنقعات شط العرب ) الا ان الصواب كما يبدو ان الفينقيين كانت لهم مراكز تجارية مهمة لادارة شؤون تجارتهم في موانىء العراق ولم تكن التجارة بايديهم .
 ذكر الكتّاب والمؤرخون الكلاسيكييون عدد من المدن والموانىء المهمة ذات الاهمية التجارية كانت ضمن حدود ( مدينة البصرة ) قديماً ومنها تريدون tridon وتقع على مقربة من تلاقي نهري دجلة والفرات ومصبهما في الخليج العربي حيث كان يشكلان مجريان منفصلان يصب كل منهما منفصلا عن الاخر في الخليج العربي وبينهما موضع تريدون .
  ويرى احد الباحثين ان تريدون تقع على جبل سنام وهو تل على بالاكوباس palacopas من الفرات على بعد 12 ميل الى جنوب الغربي من الزبير وذكر ان قوات الاسكندر المقدوني ( ت 323 ق .م ) بقيادة نيرخوس nerchas في 326 ألقى اسطوله مراسيه على فم الفرات قرب مدينة تريدون ، المركز التجاري التي تنقل بحراً من المر واللبان وغيرها من المنتجات العطرية الخاصة بالجزيرة العربية وأشار صاحب كتاب الطواف حول بحر الارتيري الى ميناء لوغوس وفيه سوق مقرره ويبدو ان هذا الميناء ازدهر بعد اضمحلال مدينة تريدون حيث تصل السفن من بريجازا واليمن .
  وورد عند الكلاسيكين ذكر فورات forat فقد اشارت بلين pliney أنها كانت تابعة لملك ميسان وتقع على نهر دجلة ويرى عدد من الباحثين ان فورات هي مدينة البصرة الحالية ، وتظهر اهمية فورات التجارية في انها ميناء تنطلق منه خطوط تجارية بحرية ونهرية وبرية وأهمها الطريق البحري الذي يربط مدينة خاراكس وميناء فورات ـ أبو لوغوس بجزيرة فيلكا باراباريكون barabariko عند نهر السند يريجازا والثاني يربط مدينة فورات بمدينة سلوقيا ، عند نهر دجلة الذي كان صالحاً الى هذه المدينة ، اما الطريق الثالث يربط مدينة فورات بمدينة بابل عند نهر الفرات ..
اشرنا الى وصول قوات الاسكندر الى المنطقة ويعني انه ادخل المنطقة في دائرة اهتمامه بعد مالمس اهمية التجارة التي تمر عبر الخليج العربي بين الشرق والغرب ، واهمية بعض المواد الاولية التي تأتي من الهند وتنتهي تلك البضائع بميناء لوغوس ..
وفي العهد الروماني حافظت البصرة على اهميتها التجارية فكانت اَنذاك في المراكز المهمة لمملكة ميسان وقد تطورت العلاقات الرومانية الميسانية اثر تحول الطرق التجارية من ساحل البحر الاحمر الشرقي في بادية الشام شمال سوريا بسبب المضايقات الرومانية للتجارة في محاولة للسيطرة على خبرات المنطقة وادى هذا الوضع الى تقلص واضمحلال هذه الطرق التجارية البرية والبحرية القادمة من جنوب شبه الجزيرة العربية الى البتراء ، ولذلك اصبح الانباط يبحثون عن طرق تجارية بديلة وبذلك اصبحت تجارة الخليج العربي والشرق الاقصى تأتي مباشرة الى البصرة .
 لقد وجدت في البصرة جاليات من بلاد اليونان والرومان وفارس ، فضلاً عن العرب من الشام وغيرها من البلدان وكانت تلك الجاليات تمثل النشاط التجاري العالمي اَنذاك ـ وربما كان السبب ازدهار التجارة في البصرة هو تطور بناء السفن التي أصبحت قادرة على الابحار مسافات طويلة دون الحاجة إلى الوقوف على مرافىء الخليج العربي .

BASRAHCITY.NET